قصور الصحراء في عهد الدولة الأموية

أكثر المنشآت التي ميّزت العمارة الأموية عن غيرها هي القصور الصحراوية الموجودة في بلاد الشام. بعضُ هذه المباني كان مبنياً حديثاً في تلك الفترة، بينما بعضها الآخر كانت حصوناً رومانية وبيزنطية تمّ تحويلها لتلبّي احتياجات الحكام الجدد، والجدير بالذكر أن هذه القصور قد تمّ هجرها والتخلي عنها بعض سقوط الدولة الأموية، لتبقى صروحاً تدلّ على ثروة وأهمية هذه الفترة. [1]

التشكيل العام للقصر الأموي

إن القصور الأموية أكثر من مجرد مساكن، فهي في العادة مجمّعات يتكوّن كلٌّ منها من عدة مباني وأقسام وتشمل مساكن وحمامات ومخازن ومسجداً، كلها ضمن مساحة مغلقة، حيث يتألف القسم الداخلي من القصر في العادة من طابقين يحيطان بفناء داخلي، وقد بنيت القصور عادةً في هذه الفترة بالقرب من وادٍ أو من مجرى ماء موسمي. [2] وهناك العديد من القصور التي بُنِيت في هذه الفترة، نذكر منها:

قُصَير عَمْرة

الشكل 1: قُصير عَمرة

يقع في محافظة الزرقاء في الأردن ويبعد حوالي 58 كيلومتراً عن العاصمة الأردنيّة عمّان. [3] تمّ بناؤه غالباً من قبل الخليفة الأموي الوليد الأول بين عاميّ 712 و 715 م. [1] ويتألف من ثلاثة أقسام رئيسية: الأول هو قاعة مستطيلة الشكل تحتوي على مكان خاص بعرش الخليفة في منتصف الجزء الجنوبي منها، الثاني حمّام يتألف من ثلاثة أقسام؛ البرّاني (البارد) والوسطاني (الدافئ9 والجوّاني (الساخن) بالإضافة إلى خزّان ماء. [3] القسم الثالث يتألف من بئر في الجهة الشمالية. [1]

الشكل 2: مسقط قُصير عمرة
الشكل 3: مسقط القاعة الرئيسية والحمّام

إن القاعة الرئيسية مسقوفة بثلاثة قبوات اسطوانية، وتغطى جدران القاعة الرئيسية والحجرات الجانبية بالزخارف الجصية وأما الأرضيات فهي مكسوة بالرخام، ما عدا الحجرات الجانبية ذات الأرضيات المغطاة بالفسيفساء.

يختلف موضوع الزخارف الجصية وفقاً لموقعها، حيثُ تظهر زخارف القاعة الرئيسية مشاهد صيدٍ ونساءَ شبه عاريات، بينما تزيّن قاعة العشر بستة صور لأشخاص يمثّلون أعداء الإسلام الذين تمت هزيمتهم. تُزيَّن غرفتا الحمام الخارجيتين (البرّاني والوسطاني) بصور نساء يستحممن بينما تزيّن قبة الغرفة الساخنة (الجوّاني) بصورة تظهر الأبراج السماوية. [1]

الشكل 4: قبة الجوّاني وبقايا الزخرفة التي تُظهِر الأبراج السماوية الاثني عشر.
الشكل 5: زخرفة جصية تُبين امرأة تستحم
الشكل 6 زخرفة جصية تزيّن القبوات تصوّر نساء وأطفالاً

خربة المَفجّر

توجد في وادي الأردن قرب مدينة أريحا الأثرية. [1] بناها الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك بين عامي 724-753م وفقاً لكتابة عُثِر عليها في الموقع ذكرت اسم الخليفة.

الشكل 7: مسقط خربة المفجر [4]

تم تصميم المنشأة بشكل مجمع بناءً على مسقط مستطيل الشكل مقسّم لأربعة أقسام رئيسية؛ القسم الأول هو القسم السكني الذي يعتبر القصر الأساسي، وهي منشأة ذات طابقين تشغل القسم الجنوبي من المجمّع، وتتميّز بمسقط متناظر يوجد في مركزه فناء، ويحتوي على عدد من الغرف المنفصلة عن بعضها والمرتبة بشكل أزواج في القسمين الشرقي والغربي من القصر.

في الجهة الشرقية، تم تحويل الغرف التي تقع في المنتصف إلى قاعة دخول تصل المدخل بالفناء، وفي الجهة الغربية، تم تحويل الفراغات المقابلة لهذا المدخل إلى غرفة واحدة مسقوفة بقبوة اسطوانية مصنوعة من القرميد.

في مركز الجهة الجنوبية من القصر توجد منشأة مستطيلة مقسّمة إلى خمس غرفٍ متماثلة، تختوي الوسطى منها على محراب في الجدار الجنوبي والذي عُثِرَ خلفه على بقايا مئذنة ذات مسقط مربع. يعتبر هذا المسجد الخاصّ بأسرة الخليفة. توجد في الجهة الشمالية من القسم السكني، توجد في الجهة الشمالية من القسم السكني غرفة كبيرة تماثل في الحجم الغرف الخمس الموجودة في الجهة الجنوبية والتي تحتوي على بقايا لستّ مجازات، والتي حملت القبوات المكوّنة للسقف.

يوجد في مركز الجهة الغربية من الفناء درج مكوّن من شاحطين يُستخدم للنزول إلى قسمٍ منخفض في الفناء يقع أمام فراغ مغلق مسقوف بقبوات اسطوانية والمُنار بنوافذ ثلاثة. هذا ما كات يُطلق عليه اسم السرداب، وهي حجرة كانت تستخدم للاستبراد في فصل الصيف.

يقع شمال القسم السكني قسمٌ آخر يحتوي على على المسجد الرئيسي والصحن الخاص به.

يشغل المسجد الجهة الشرقية ويتألف من غرفة كبيرة تحتوي على مجازين مرفوعين على ثمانية أعمدة مصفوفة بشكل موازٍ لجدار القبلة.

يتألف القسم الثالث من أحد أكبر وأجمل الحمامات الموجودة في العالم الاسلامي. يقع مدخل الحمام في الجهة الشرقية ويتميز بكونه مزخرفاً بشكل كبير.

الغرفة الرئيسية للحمام (البرّاني أو القسم البارد) هي قاعة ذات مساحة كبيرة تحتوي على 16 دعامة تحمل القباب والقبوات الأسطوانية المكونة للسقف، وإحدى ميزاته وجود حنيات نصف دائرية والتي يحاط كل منها بعمودين مرتبطين بالجدران الخارجية، ويُسقف كلٌّ منها بنصف قبة، ويسقف مركز الحمام بقبة كبيرة محاطة بثمانية قبوات أخفض منها ارتفاعاً.

يقسم الحمام إلى ثلاثة أقسام، القسم الجنوبي الذي يتألف من المسبح أو البركة الخاصة بالخليفة، والقسم الأوسط وهي القاعة الرئيسية، والقسم الشمالي وهي غرف الاستحمام.

الشكل 8: نموذج مصغَّر يحاكي الحمام في خربة المَفجَر

يتكوّن القسم الأخير من المجمع من الفناء الأمامي الذي يمتد من شمال المجمع إلى جنوبه في الجهة الشرقية من المجمع، وقد اكتُشِفت في منتصفه بقايا كشك مسقوف بقبة والذي كان موجوداً فوق نافورة الفناء.

ما يميّز هذا المجمّع عن غيره هو استخدام تقنيّات عديدة في التزيين والزخرفة، فبالإضافة لاستخدام القباب والقبوات والزخارف الجصّية، استُخدِمت اللوحات الفسيفسائية بشكل كبير، حيث تغطي الفسيفساء كامل القاعة الرئيسية للحمام. [4]

الشكل 9: فسيفساء تغطي أرضية إحدى الحنيات في خربة المفجر

قصر الحِير الشرقي

يقع قصر الحير الشرقي على بعد 80 كم شرق تدمر، و 80 كم جنوب دير الزور في سورية على نهر الفرات، وهو مجمّع يمكن تقسيمه إلى 4 أقسام: القصر الصغير، القصر الكبير، الحمام، والسور الخارجي.

الشكل 10: مخطط المجمع المكوّن لقصر الحير الشرقي
الشكل 11: القصران الصغير والكبير

يتصف القصر الصغير بأنه بناء مربع الشكل طول ضلعه 70 م تقريباً، يوجد على كل ضلع من أضلاعه الشمالي والجنوبي برجان نصف دائريين، بالإضافة لأبراج دائرية في كل زاوية، ويوجد المدخل في الجهة الغربية محاطاً ببرجين نصف دائريين.

يوجد داخل القصر فناء داخلي مركزي في وسطه بركة ماء، وهو محاط برواق من الأعمدة.

توجد وحدات سكنية في الجهات الشمالية والشرقية والجنوبية يتألف كلٌّ منها من غرفة مركزية وغرفتين من كلّ جهة (تعرف كلٌّ من هذه الوحدات السكنية باسم البيت السّوري) بثلاثة وحدات سكنية في كلّ جهة، كما يتطابق مسقطا الطابق الأرضي والطابق الثاني، ويعتقد أن هذا القصر كان يستخدم كخان.

إن القصر الكبير مشابه للقصر الصغير لكنه أكبر حجماً، بطولِ ضلعٍ يساوي 167 م تقريباً، ويختلف عن القصر الصغير بأنه يحتوي على أربعة مداخل محوريّة تصل إلى فناءٍ داخلي كبير محاط برواق. يتألف المسقط الداخلي للمبنى من 12 قسماً، ثمانية منها مبانٍ ذات أفنية (اثنان في كل جهة من الجهات الأربع). وثلاثةٌ من الأقسام الموجودة في الزوايا الأربع تتألف من مساحات مفتوحة، بينما يوجد في الزاوية الجنوبية الشرقية مسجدٌ صغير ذو رواق مركزي مرتفع. كما يبدو أن إحدى الأبنية ذات الأفنية كان يستخدم لإنتاج زيت الزيتون.

يتألف القسم الثالث وهو الحمام من قاعة ذات ثلاثة مجازات، وتحتوي على برك للمياه الباردة، ثلاثة غرف ساخنة وغرفة دافئة تحتوي على بركة ماء مدفّأة. ويشمل المجمع سخّاناً للمياه، مراحيض وغرفتين للخدمة.

يعد السور الخارجي ذا شكل غير منتظم ويمتدّ على طول 15 كم بسماكة 1 م تقريباً. وتم اكتشاف أربعة بوابات فيه، ويعتقد أن إحاطة المجمع بهذا السور كان يراد بها تخصيص مساحة للزراعة أو تربية الحيوانات أو الصّيد. [1]

المراجع

  1. Dictionary of Islamic Architecture
  2. Desert Castles-Umayyad Caliphs leisure …Complexes – Wonders Travel and Tourism
  3. Qusayr Amra – Desert Castles in Jordan – Wonders Travel and Tourism
  4. Khirbat Al-Mafjar, Palace (740 -750) – Muslim Heritage

الحدائق المعلقة لغز يشغل علماء الآثار

من منّا لم يسمع من قبل عن عجائب الدنيا السبع القديمة وحدائق بابل المعلقة؟ والتي تعدُّ لغزًا حتى اليوم، إذ لا يزال الخبراء يناقشون ما قد يعنيه مصطلح معلق. كيف كان شكل الحدائق؟ وما آليّة الري المتّبعة؟ باختصار هل وجدت أصلًا؟

الحدائق المعلقة في النصوص اليونانية والرومانية

وصفت العديد من النصوص اليونانية والرومانية صورًا حيّةً لحدائق بابل المعلقة. على الرغم من أنّ بعض المصادر اختلفت حول من قام ببنائها، إلّا أنّها اتّفقت حول موقعها بالقرب من القصر الملكي، وأنّها بنيت على مصاطب حجريّة. نتيجةً لذلك رجّحوا أنّهم استخدموا مواد مثل القصب والقار والرصاص لمنع تسرّب مياه الري من خلال المصاطب. كما وصفوا النباتات الخصبة المتنوعة بأنها تساقطت مثل الشلّالات على مدرّجات الحدائق التي يبلغ ارتفاعها 23م. وانتشرت كذلك التماثيل والأعمدة الحجريّة الشاهقة.

وقيل أنّ الملك البابلي نبوخذ نصّر الثاني بنى الحدائق المعلقة في القرن 6 ق.م كهديّة لزوجته التي كانت تحنُّ إلى موطنها في بلاد فارس.

تصور تخيلي لحدائق بابل المعلقة

وأمضت مجموعة من علماء الآثار الألمان عقدين من الزمن في مطلع القرن ال20 في محاولةٍ لاكتشاف أعجوبةٍ قديمة دون أن يحالفهم الحظ. وهو ما دفعهم في نهاية المطاف إلى الشك حول إمكانيّة وجودها من الأساس. [1][2]

الحدائق المعلقة في بابل

كشف عالم الآثار الألماني «روبرت كولدفاي-Robert Koldewey» عن هيكل قوي في الزاوية الشمالية الشرقية من القصر الجنوبي في بابل. وهو عبارة عن سلسلة غير مألوفة من الغرف والخزائن. ويتّخذ الموقع شكل المستطيل (30×42) م2 وأرضيّته أخفض من أرضيّة القصر. ويحتوي على 14 غرفة متماثلة (2.2×3) م2، موزّعة على جانبي ممر ضيق. وقد صُنعت الغرف من الحجر المنحوت ممّا جعلها أكثر مقاومةً للرطوبة من الطوب الطيني. وشكّلت جدرانها السميكة البنية المثالية لدعم البنية الفوقيّة. إضافةً إلى ذلك فقد عثر على بئر مع 3 فتحات في إحدى الغرف الوسطى، ووضعت طبقة سميكة من التربة على أسقف هذه الغرف. ورجّح الخبراء أنّها وضعت لأغراض زراعيّة، لذلك يعتقد البعض أنّها ربّما كانت جزءًا من البنية التحتيّة للحدائق المعلقة.[3]

أمّا اليوم فيتّفق معظم العلماء أنّ الهيكل كان على الأرجح مستودعًا، إذ عثروا في الموقع على عدّة جرار تخزين. لكن أقوى دليل هو وجود لوح مسماري يعود تاريخه إلى زمن نبوخذ نصّر الثاني، يحتوي على تفاصيل عن توزيع الزيت والحبوب والتوابل وغير ذلك.[4]

البحث عن إجابات

واجه الخبراء نقصًا كبيرًا في الأدلّة الوثائقيّة والأثريّة المتعلّقة بالحدائق المعلقة. لهذا السبب اختار بعضهم إعادة صياغة جذرية للبحث عنها، أي ماذا لو لم تكن الحدائق المعلقة في بابل على الإطلاق؟

لا تعتبر هذه الفرضية مستحيلة كما تبدو لأوّل وهلة. حيث أنّ المصادر اليونانية والرومانية التي تشير إلى الحدائق المعلقة تميل إلى تقديم تفاصيل تاريخية متشابكة مع الأساطير والخرافات. وفي روايتها عن حضارات بلاد الرافدين غالبًا ما تخلط بين آشور وبابل. على سبيل المثال؛ يحدّد المؤرّخ اليوناني ديودور موقع مدينة نينوى الآشورية قرب نهر الفرات بينما تقع المدينة على ضفاف نهر دجلة. وفي فقرة أخرى يصف أسوار بابل بوجود مشهد صيد -الملكة تقذف رمحًا على نمر، وزوجها بالقرب منها وهو يرمي رمحه على أسد- ولكن لم يُعثر على مشهد صيد كهذا في بابل. بالمقابل يتوافق المشهد مع نقوش الصيد الآشورية المحفورة على جدران القصر الشمالي في نينوى. [4]

حدائق نينوى المعلقة؟

تناقش عالمة الآثار «ستيفاني دالي-Stephanie Dalley» في دراسة حديثة أن الملك نبوخذ نصّر لم يبنِ الحدائق المعلقة، بل بناها الملك الآشوري سنحريب على بعد 483 كم شمال بابل في نينوى. وتعتمد دالي في أطروحتها على سجلّات حكم الملك سنحريب التي وُجدت منقوشةً على أحجار، ويصف فيها حديقته العالية التي تحاكي جبال الأمانوس. واكتشف العلماء بالقرب من مدينة الموصل أدلّةً على وجود نظام قناة واسعة لنقل المياه من الجبال مع نقش للملك سنحريب. وعلى عكس المناطق المسطّحة المحيطة ببابل، فقد جعلت التضاريس الأكثر وعورةً حول العاصمة الآشورية تحدّيات رفع المياه إلى الحدائق أسهل بكثير. [1]

علاوةً على ذلك، عثر المنقّبون على نقش يعود لزمن الملك آشور بانيبال -حفيد الملك سنحريب- يصف حدائق ذات أشجار موزّعة عبر منحدر، وتتدفّق المياه من قناة لتغذية سلسلة من القنوات المملوءة بالأسماك. وتعزّزت هذه الفرضية بسبب سمعة الملك سنحريب في مجال الابتكار الهندسي، حيث تذخر المحفوظات في عهده بالإشارة لأنظمة الري البارعة التي ابتكرها.[4]

فإذا ما كانت هذه الفرضية صحيحة فستحلّ لغزًا أثريًا كبيرًا. ولكنّنا لا نستطيع الجزم حتى الآن بموقع الحدائق المعلقة. وأنت هل تعتقد بأن الحدائق موجودة بالفعل، أم ليست سوى سراب تاريخي؟

المصادر

  1. History
  2. Britannica
  3. ResearchGate
  4. National geographic

الأسمنت الصالح للأكل! تقنية جديدة في البناء

لطالما حلم الأطفال بالعيش في منازل مصنوعة من الحلوى، وأكل الباب المصنوع من الشوكولا ربما!. قد تظنّها ليست إلا أحلامًا طفوليةً، لكن طوّر باحثون في جامعة طوكيو مؤخّرًا تقنيةً لإنتاج الأسمنت الصالح للأكل Edible cement والمصنوع من مخلّفات الطعام.

الأسمنت واستخداماته

يعدّ «الأسمنت- cement» أحد أهمّ موادّ الربط المستخدمة في البناء والهندسة الإنشائية، وهو عبارة عن مسحوق ناعم ومطحون يخلط مع الماء لكي يتصلّب لاحقًا. يضمّ الأسمنت أنواعًا كثيرةً لكن أشهرها هو «الأسمنت البورتلاندي-portland cement» بأنواعه المختلفة.

يملك الأسمنت استخداماتٍ كثيرةً، فيمكن أن يستعمل وحده كمادّة حشو. كما يدخل الأسمنت البورتلاندي في صناعة الطوب، والبلاط، والأنابيب، وروافد السكك الحديدية، وغيرها من المنتجات مسبقة الصنع. بالرغم من ذلك يستخدم بشكل شائع ضمن الخرسانة والمونة الأسمنتية. إذ تستخدم المونة لربط القرميد والحجر في الجدران أو لترميم الأسطح، بينما تعتبر الخرسانة المادّة الأكثر استخدامًا من بين جميع موادّ البناء في العالم اليوم.[1]

تربط المونة الأسمنتية القرميد لبناء الجدران.

تاريخ تطور صناعة الأسمنت

اشتُقّ مصطلح الأسمنت من الكلمة اللاتينية Caementum والتي تعني شظايا الحجر، ويعود أصل الأسمنت المائي إلى اليونان القديمة وروما. إذ اعتمدوا على الجير وخلطوه مع الرماد البركاني والذي يتفاعل معه ببطء بوجود الماء وذلك لتشكيل كتلة صلبة. بالتالي تشكّلت مادّة الملاط الروماني منذ أكثر من 2000 سنة والتي اعتبرت إنجازًا هامًا في تطور الهندسة الإنشائية وأعمال البناء اللاحقة في أوروبا الغربية. ومرّ تطوّر الأسمنت الطبيعي بمراحل عدّة، فطور المهندس المدني «جون سميتون-John Smeaton» الجير المائي عام 1756، أثناء إنشائه لمنارة إديستون في إنجلترا. ثم حوالي عام 1800 تشكّل الأسمنت بواسطة حرق عقيدات من الحجر الجيري والطيني في إنجلترا وفرنسا.

منارة Eddystone من تصميم John Smeaton في إنجلترا.

عادةً ما ينسب اختراع الأسمنت البورتلاندي إلى البريطاني «جوزيف أسبدين-Joseph Aspdin» حيث حصل عام 1824 على براءة اختراعٍ بذلك. وأطلق عليه اسم الأسمنت البورتلاندي بسبب التشابه الكبير بينه وبين حجر البورتلاند المستخدم في البناء بإنجلترا. بينما يعتبر آخرون أن النموذج الحقيقي للأسمنت البورتلاندي هو ذلك الذي أنتجه «اسحق تشارلز جونسون-Issac charles johnson» حوالي عام 1850. وبحلول عام 2019 أصبحت الصين والهند رائدتين في إنتاج الأسمنت في العالم، تليهما فيتنام وأمريكا ومصر.[1]

الأسمنت الصالح للأكل Edible cement

طوّر «يويا ساكاي-Yuya sakai» في بحث سابق تقنيّةً لخلط مسحوق الخرسانة المعاد تدويرها ونفايات الخشب. وخلال تجاربه هذه بدأت فكرة «الأسمنت الصالح للأكل-Edible cement»، فأحدَثَ لاحقًا تقنيةً يمكن من خلالها إنتاج أسمنت من فضلات الطعام. وهي المرّة الأولى التي يصنع فيها الأسمنت بالكامل من مخلّفات الفواكه والخضروات. ووجد بأنه يمكن استخدام مجموعة متنوّعة من الأطعمة بما في ذلك قشر الموز والبصل والبرتقال وأوراق الشاي واليقطين والأعشاب البحرية وغيرها أيضًا. [2][3]

أسمنت مصنوع من بقايا الطعام.

مراحل صنع الأسمنت الصالح للأكل

وثّق ساكاي و«ماشيدا-Machida» عملية تصنيع الأسمنت الصالح للأكل من خلال مقال نشراه في أيار 2021. ويقسّم ساكاي عملية التصنيع إلى 3 مراحل: تكسَّر المواد الخام (فضلات الطعام) وتوضع القطع الصغيرة في فرن عند درجة حرارة 105 درجة مئوية أو في آلة التجفيف. ثم يتمّ سحق الموادّ الجافّة باستخدام الخلاط. لاحقًا يخلط المسحوق مع الماء والتوابل، وأخيرًا يُطبّق ضغط ساخن على المزيج عند 180 درجة مئوية.[3]

اختبارات وتجارب على الأسمنت الصالح للأكل

أجريت الاختبارات على الأسمنت الصالح للأكل مع الأخذ بعين الاعتبار قوّة الموادّ وطعمها. وأشارت النتائج بأنه قد وصلت جميع العيّنات إلى قوّة المقاومة المطلوبة باستثناء العيّنة المشتقّة من اليقطين. بينما أظهر الملفوف الصيني قوّة مقاومة أكثر بثلاث مرّات من الأسمنت العادي. بالطبع يتطلّب كلّ مكوّن درجة حرارة ومستوى ضغط مختلف عن غيره، وهذا ما شكّل التحدّي الأصعب لهذه التجربة. لذلك لزم القيام بعدد هائل من الاختبارات لكي يتوصّلوا إلى نتيجة متجانسة ومرضية. مع ذلك فإن هذا الضبط الدقيق هو الذي جعل التجربة ناجحةً. حيث كان قد صُنع أسمنت من بقايا الأغذية في دراسات سابقة لكنه تطلّب دائمًا إضافة البلاستيك إلى المزيج.

سلّطت التجارب الضوء على عوامل غير قوّة المقاومة مثل النكهات والروائح. وبيَّنت التجارب أن الطعام لا يزال يحتفظ برائحته الأصلية، وبحسب ساكاي فإن المنتج غير سام وآمن للاستهلاك ولكنه “مقرمش جدًا” كما يقول. ومن الجدير بالذكر أن الأسمنت الصالح للأكل يحتفظ بلون الطعام الأساسيّ مما يولّد مجموعةً واسعةً من التركيبات والاحتمالات للبناء.

أظهرت التجارب التي أجريت بعد 4 أشهر على الأسمنت الصالح للأكل الموضوع بإحدى الغرف، أنه لم ترد تقارير عن هجمات الحشرات أو الديدان أو الفطريّات. علاوةً على ذلك بقي مظهره كما هو. مع ذلك يمكن وضع مادّة كيميائية أو تغليف الأسمنت بطلاء اللك لضمان قدر أكبر من المتانة، ولكن عندها لن يبقَ الأسمنت صالحًا للأكل.[3] و«طلاء اللك-Lacquer» هو غشاء رقيق لامع وعازل يستخدم لتغطية المعادن والأخشاب والخزف الصيني.

فوائد الأسمنت الصالح للأكل

يأمل الخبراء أن يساعد الأسمنت الصالح للأكل في التخفيف من مشكلتي هدر الطعام والاحتباس الحراري. وبما أن الأسمنت الصالح للأكل مصنوع من الغذاء القابل للتحلّل الحيويّ فمن الممكن أن يدفن عندما تنتهي الحاجة إليه. أو حتى يمكن أن يؤكل إذا طُحن وخلِط بالماء. وأضاف الخبراء أنه يمكن استخدامه لبناء مساكن للاجئين بعد الكوارث.

لا تزال التقنيّة قيد التطوير والدراسة ولم يطبّقها أحد في البناء بعد، لكن سعت شركات أخرى مثل شركات صناعة الأثاث لاستخدام هذه التقنيّة مثل شركة Fabulu inc. كذلك يضيف الأسمنت الصالح للأكل معنىً جديدًا إلى الهندسة المعمارية التي إلى جانب الرؤية واللمس والشمّ والسمع يمكنها الآن تحفيز التذوّق أيضًا.[2][3]

وأنت هل تعتقد بأنك ستجرّب يومًا ما الأكل في مطعم مخصّص بتقديم وجبات الأسمنت الصالح للأكل؟

المصادر

  1. Britannica
  2. BBC
  3. Archdaily

بم تتميز العمارة الوحشية Brutalist architecture ؟

هذه المقالة هي الجزء 12 من 13 في سلسلة كيف نشأت الحداثة وغيرت من شكل المعمار في عصرنا؟

من قد يرغب في العيش في مبانٍ تعود للعمارة الوحشية Brutalist architecture خاصة من تضرّر أكثر من غيره من وحشية الحرب العالمية الثانية؟ حسنًا! احتلَّت العمارة الوحشية رغم قصرها كحركة عمرانية مكانةً هامّةً في إعادة تعريف تاريخ العمارة في القرن ال20. وقد ظهر الجانب الأخلاقيّ بوضوح في أعمالها المبنيّة أكثر بكثير ممّا ظهر الجانب الجماليّ.

نشأة العمارة الوحشية Brutalist architecture

تُعتبر العمارة الوحشية أحد جوانب «الطراز الدولي- international style» للعمارة، وتنتمي لعمارة الحداثة التي تنادي بتنفيذ النهج الوظيفيّ في التصميم المعماري. وقد لعب المعماري لو كوربوزييه دورًا مهّمًا في نشوء العمارة الوحشية، وانطوت أفكاره على استخدام الخرسانة والأشكال النحتيّة. بدأت الوحشية كفلسفة ثم تحوّلت إلى نمط معماري. وبدأ تداول «العمارة الوحشية- Brutalist architecture» لأوّل مرّة عام 1954، واستخدمت لوصف أفكار وممارسات عدد صغير من المعماريين الشباب في بريطانيا العظمى. وعُرفت الحركة كذلك باسم New Brutalism، ونشأت من قبل المعماريين «بيتر وأليسون سميثسون- Peter and Alison Smithson» والناقد «رينر بانهام-Reyner banham».

لم يثبت أصل مصطلح الوحشية بشكل موثّق بعد، لكن التفسير الأكثر قبولًا يقدم المصطلح كتعديل للعبارة الفرنسية «الخرسانة الخام-béton brut»، وذلك لوصف الصفات المادّيّة للعديد من المباني في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. تشكّلت هذه الصفات نتيجة النقص العامّ في الوقت والموارد اللازمة للحصول على تشطيبات دقيقة.[1][2] والتشطيبات المعمارية هي عملية إنهاء أوجه الحوائط والأرضيات والأسقف والأسطح للمبنى، أي هي السطح الظاهري المنظور من كلّ أجزاء المبنى.

أسباب نشأة العمارة الوحشية Brutalist architecture ؟

ليس مستغربًا أن الجيل الجديد من المعماريين البريطانيين في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية قد واجهوا تحدّيًا كبيرًا في الاستجابة للظروف الواقعة. بتعبيرٍ آخر، الموارد المحدودة والطلب غير المحدود. وأخذوا يبحثون عن عمارة تعكس الحياة اليومية للمجتمع البريطاني. عارض سميثسون الاتّجاهات السائدة آنذاك في العمارة، تلك التي توجّهت نحو الزخرفة الحداثية، المسمّاة «بالإنسانية الجديدة- New humanism». وفضّل الوضوح الهيكلي والأشكال البسيطة، وركّز على القيم الأخلاقيّة للعمارة مثل الصدق والحقيقة.

بدأت العمارة الوحشية من قبل مجموعة صغيرة من الناس في مكان صغير نسبيًا، ثم انتشرت في ألمانيا وسويسرا وإيطاليا. ووصلت كذلك إلى اليابان مع طلاب لو كوربوزييه، وشاعت لاحقًا في أمريكا. واتخذت أشكالًا مختلفةً في كلّ بلد من البلدان. ولقد أثّرت الصحافة المعمارية المعاصرة في تطوّر العمارة الوحشية وانتشار أفكارها. [2][3]

أفكار ومبادئ العمارة الوحشية Brutalist architecture

بدا واضحًا لمعماريي العمارة الوحشية أن العمارة يجب أن تنفصل عن السياسة، وتركّز بدلًا من ذلك على الاحتياجات البشرية في أبسط معانيها. فاستخدموا موادًا خشنةً وتركيباتٍ قد تبدو غير ملائمة، فجسّدت تلك الخصائص الفيزيائية العمارة الوحشية في الرأي العامّ. [2]

بصفةٍ عامة لم تستخدم العمارة الوحشية الإكساءات والجصّ، ويعود ذلك إلى القيم الأخلاقية مثل الحقيقة والصدق والصراحة. حيث كان عرض الطريقة التي شُيِّد بها البناء والمراحل اللاحقة للعملية رمزًا للإخلاص. فكشفوا في كثيرٍ من الأحيان عن وظائف ميكانيكيّة مخفيّة سابقًا، مثل تمديدات الكهرباء والماء وأنابيب الصرف الصحّيّ وغيرها. في الواقع، إنّ المباني الوحشية حتّى حين شُطّبت بسلاسة بدت فجةً وعاديّةً، وهذا ما اعتبره بعض النقّاد انحرافًا متعمّدًا.[2][3]

ظهرت فكرة «كما وجد-as found» أي إدراك الواقع بطريقة موضوعيّة تمامًا والعثور على قيمة لأيّ مادّة بغضّ النظر عن حالتها. نتيجةً لذلك، اعتبرت حتّى الأشياء الرخيصة والأماكن المبتذلة مصدر إلهام لهم. ولم يعطِ المعماريون معانيَ إضافيّةً أو رمزيّةً للموادّ، ورفضوا النزعة إلى تجميل الأسطح.[3]

قدّر معماريو العمارة الوحشية أساليب البناء الحرفيّة أكثر من الآليّة على الرغم من استخدامهم أيضًا لأساليب التصنيع المسبق. وأرادوا إظهار أن المباني من عمل أيادٍ بشريةٍ لذلك صنعوها في كثير من الأحيان بطريقة غير دقيقة إلى حدٍ ما. في بعض المباني لم تكن عيوب السطح ظاهرةً فحسب بل سلّطوا الضوء عليها. بشكل عامّ لا تُعدُّ الوحشية حركةً متجانسةً إذ ظهرت فيها العديد من الاختلافات. فقد فضّل بعض المعماريين الأسطح الدقيقة للغاية ولم يسمحوا بعيوب النسيج والموادّ منخفضة الجودة، واستبدلوا مبدأ كما وجد مع مرور الوقت.[3]

خصائص العمارة الوحشية بحسب بانهام

اهتمّ معماريو العمارة الوحشية بإنشاء واجهات تعكس وظائف المبنى على حساب الواجهات الزخرفية. وكتب رينر بانهام عام 1955 الخصائص التي يجب أن يمتلكها البناء لكي يعتبر عائدًا للعمارة الوحشية:

  • العرض الواضح للهيكل، فتُحذَف الطبقات الخارجية الإضافية لأنها تخفي الشكل الأصلي وموادّ البناء الأساسية.
  • تقييم المواد كما وجدت as found.
  • التذكُّر كصورة؛ أي ينبغي أن يهدف تصوّر عمل معماري ما إلى تذكّر تجربته الشاملة والواضحة.
  • الوضوح الرسمي للمخطّط؛ أي ينبغي أن يعكس شكل المبنى الترتيب الوظيفي للهيكل والموادّ التي بُني منها.[4]

مواد البناء والخامات

  • بالطبع، اختار معماريو العمارة الوحشية الخرسانة كمادّة البناء الأساسية. بدايةً استعملوا الخرسانة غير المعالجة، حيث يتمّ إزالة الخشب الذي تصلّبت عليه الخرسانة عندما كانت لا تزال في حالتها السائلة ثم تركوا السطح كما هو. اختيرت أحيانًا ألواح الخشب وأحجامها وخشونة سطحها لكي تحقّق تأثيرات أكثر تعبيرًا من خلال تركيبها في مستويات مختلّفة. نذكر على سبيل المثال تصميم كريستينا في جناح المعارض “مخزن الفنّ” سنة 1959-1965. استخدموا لاحقًا أنواعًا مختلفةً من قوام الخرسانة داخل المبنى الواحد كالأسطح الخشنة والناعمة والخرسانة المموّجة والمطروقة.
  • اختار معظم المعماريين الموادّ التي تمنح شعورًا بالثقل نتيجةً لذلك كان الطوب المادّة الثانية الأكثر شعبيةً في العمارة الوحشية. غالبًا ما استخدم كحشو بين الإطارات الخرسانية.
  • استخدموا كذلك موادًّا طبيعيةً مثل الخشب والحجر. في بعض الأحيان استخدِمت كعناصر تزينية للواجهة أو للداخل، الأمر الذي اعتبره بعض النقّاد إنكارًا لمبدأ الصدق.[3] من الأمثلة على ذلك متحف «ويتني-whitney» الذي صمّمه «مارسيل بروير-marcel breuer» سنة 1966 في نيويورك. شيِّد المتحف من الغرانيت، وخلق تصميمًا فريدًا بتوسّعه أثناء الارتفاع بالطوابق، مع نوافذه السبعة متعدّدة الأضلاع.[5]
  • استعملوا أحيانًا الصفائح المعدنية في المراحل الأخيرة من العمارة الوحشية، وكثيرًا ما كان سطحها داكنًا.[3]
تصميم krystyna rozyska-tolloczko في جناح المعارض في krakow.
متحف Whitney سنة 1966 في نيويورك.

مدرسة Hunstanton في إنجلترا

تعتبر مدرسة Hunstanton في نورفولك بإنجلترا أوّل عمل وحشي صمّمه الزوجان سميثسون، وانتهى البناء عام 1954. ترك سميثسون العديد من الوظائف والخدمات الميكانيكيّة ظاهرةً عمدًا، فمثلًا حوّلوا خزان المياه إلى برج. وتأثّروا بأعمال المعماري ميس فان دير روه. كما استخدموا إطاراتٍ فولاذيّةً ومساحاتٍ زجاجيةً كبيرةً. طرح تصميم المدرسة مشاكل عمليةً لأجيال قادمة من التلاميذ، لأنه بالرغم من أن مساحات الزجاج الشاسعة سمحت بعبور الضوء الطبيعي، إلا أنها أدّت إلى ارتفاع درجات الحرارة داخل الصفوف في فصل الصيف وانخفاضها في الشتاء.[6]

مدرسة Hunstanton في إنجلترا.

المسرح الوطني الملكي في بريطانيا

صمّم المعماري «دينيس لاسدن-Denys lasdun» «المسرح الوطني الملكي-Royal national theatre» في بريطانيا. وانتهى البناء سنة 1976. ضمّ المسرح الوطني مسرحًا مفتوحًا وهو مسرح خشبي تقليدي، بالإضافة لمسرح استديو تجريبي. وتمثّلت فكرة لاسدن بتصوّر المساحات العامّة كنوع رابع من المسارح. من وجهة نظره، قد يحتشد الجمهور حول أداء ما في الهواء الطلق، وبذلك يخلقون مسرحهم الخاصّ بسبب حضورهم معًا في مكان عامّ ليشاهدوا عرضًا دراميًا أو موسيقيًا.

المسرح الوطني الملكي في لندن.

استخدم لاسدن كتلًا متنوعة الأحجام ليكسر ضخامة الحجم الكبير للمسرح. يهيمن المسرح الخشبي والأبراج المرتفعة للمسرح المفتوح على الشكل الخارجي. وترتبط الأبراج الشاقولية المرتفعة بمصاطب أفقية خارجية، والتي تمتدّ عبر عرض الموقع وتتعزّز رؤيتها عن طريق الظلال الداكنة التي تظهر من خلال الواجهات الزجاجية في كلّ مستوى.[7]

المسرح الوطني الملكي في لندن.

برج الرعب في لندن

صمّم المعماري «إرنو غولدفينغر-Erno goldfinger» «برج تريليك-Trellick tower» -الملقّب ببرج الرعب- ليكون مسكنًا اجتماعيًا للمجلس المحلّي. انتهى بناء البرج سنة 1972، ويتألف من 31 طابقًا ويعكس سمات العمارة الوحشية. حيث اعتمد غولدفينغر على بنية الخرسانة المكشوفة ليعبّر عن جمال البرج من خلال اختيار لغة هندسية بسيطة تتلاعب بالعناصر المختلفة سواءً على المستوى الأفقي أو الشاقولي.

برج trellick يقع في غرب لندن.

ينقسم البرج إلى قسمين أساسيّين. يمثّل الجزء الأكبر القسم السكني بينما يمثّل الجزء الأصغر القسم الخدمي للبرج والذي يتّصل مع القسم السكني في كلّ طابق ثالث بممرّات. يضمّ البرج 9 أنواع مختلفة من الشقق، وبمجرّد الدخول إلى الشقة يوجد درج داخلي يُوجّه المستخدم صعودًا أو هبوطًا إلى الحجم التالي من الشقة. فقدَ البرج شعبيّته بسبب المشاكل الاجتماعية السلبية وارتفاع معدّل الجرائم به. لكن في سنة 1998 اتُّخذت إجراءات ساعدت على عودته مسكنًا آمنًا.[8]

الممرات في برج trellick في لندن.

نهاية العمارة الوحشية Brutalist architecture

وصلت العمارة الوحشية إلى ذروتها في الستّينيّات وتلاشت في أواخر السبعينيات. وترتبط في ذهن العديد من الأشخاص بالعمارة الباردة أو القبيحة، وقد نقلت مشاعر القسوة والتقشّف والكآبة. ويعتقد بعض النقّاد بأنها أدّت إلى تفاقم بعض المشاكل الاجتماعية. لكنها في ذات الوقت طرحت العديد من التساؤلات حول قيم الحقيقة والصدق في العمارة، وهذا هو إرثها المستمرّ.

المصادر

  1. Britannica
  2. architecture history
  3. ResearchGate
  4. ResearchGate
  5. Archdaily
  6. the open university
  7. Archdaily
  8. Archdaily

ما هي العمارة الاستقلابية Metabolism؟

هذه المقالة هي الجزء 13 من 13 في سلسلة كيف نشأت الحداثة وغيرت من شكل المعمار في عصرنا؟

بدت اليابان خلال الستّينيات كمصنع ضخم، حيث اعتُبر النموّ الاقتصاديّ بؤرة الاهتمام الرئيسيّة. ظهرت عمارة جديدة تُعرف باسم عمارة الميتابوليزم أو العمارة الاستقلابية metabolism. وسرعان ما انتشرت دوليًا وأثّرت على التخطيط الحضريّ والعمرانيّ للعالم.

ماذا يقصد بالعمارة الاستقلابية metabolism؟

تعدّ «العمارة الاستقلابية – Metabolism» حركةً معماريةً ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية في اليابان. دمجت الهياكل العملاقة مع النموّ البيولوجيّ العضويّ، وتأثّرت بالنظريّات الماركسية والعمليات البيولوجية الطبيعية. أسّسها مجموعة من المعماريّين الشباب الطموحين العازمين على تحدّي الوضع الراهن وترسيخ وجودهم ضمن العمارة الدولية. وشملت حركة العمارة الاستقلابية مجموعةً من المعماريّين من بينهم «كيونوري كيكوتاكي-kiyonori kikutake»، و«فوميهيكو ماكي-fumihiko maki»، و«كيشو كوروكاوا-kisho kurokawa». ونشروا البيان الرسمي الخاصّ بهم في مؤتمر التصميم العالمي في طوكيو لعام 1960 (ختام المؤتمر الدولي للعمارة الحديثة CIAM). [1][2]

أسباب نشوء العمارة الاستقلابية metabolism

تزامن انتشار العمارة الاستقلابية مع أسرع فترة لتطوّر اليابان، حيث سعت جاهدةً خلال الخمسينيات لإعادة بناء البلاد بعد الحرب. تعدّدت المشاكل التي واجهتها خلال تلك السنوات؛ مثل نقص المساكن، والتأخّر في إعادة بناء المصانع، والاهتمام بالهوية الوطنية للبلاد بعد الهزيمة. شدّدت الحكومة -جراء ذلك- على أهمّيّة تمكين الاقتصاد، فقلل التركيز على النموّ الاقتصادي من مشاكل الإسكان. فتحدّدت أبعاد المنازل في أصغر ما يمكن، حيث فضّلوا الكمّيّة على النوعية. نتيجةً لذلك تشكّل نسيج حضري مجزأ وضخم في مدن اليابان، ممتلئ بملاجئ صغيرة وغير مريحة. تبعا لذلك، شهدت البلاد تحوّلًا حادًا من المجتمع الريفيّ إلى المجتمع الحضريّ المضغوط في فترة زمنية قصيرة. لذلك سعى معماريو العمارة الاستقلابية -بشكل رئيسي- إلى إيجاد حلول جذرية لمشكلة المدن المزدحمة. ووضعوا كذلك منهجيات تخطيط جديدة للمدن عوضًا عن منهجيات عمارة الحداثة، ورجّحوا التصميم الصناعي على التصميم الجمالي.[3]

مبادئ العمارة الاستقلابية metabolism

حاولت العمارة الاستقلابية إقامة صلّة بين الثقافة اليابانية والعمارة المعاصرة، عن طريق استيعاب القيم الغربية وإنتاج نماذج مناسبة لتقاليد الثقافة اليابانية. وتشير كلمة metabolism إلى النمو والعالم البيولوجي، وبصفة عامة إلى عدم الثبات والتحولات المستمرة. وكان الهدف الأوّل هو التشديد على الفكرة الأساسيّة للتغيُّر الذي لا نهاية له، والذي يحدث داخل الكائن الحيّ وفي بيئته المحيطة.

اعتقد معماريو العمارة الاستقلابية أن العمارة لا ينبغي أن تكون ثابتةً، بل قادرةً على إجراء التغييرات الاستقلابية. فطوّروا هياكل ومشاريع تتألّف من عناصر متحرّكة بدلًا من التفكير في الأشكال والوظائف الثابتة.[3]

خصائص العمارة الاستقلابية

  • استخدام «شبكة قياس-module».
  • الاستفادة من العناصر مسبقة الصنع.
  • القدرة على التكيُّف، واستخدام البُنى التحتيّة الأساسيّة القويّة.[1]
  • استخدام الوسائل التقنيّة العالية في معظم المشاريع.
  • اعتُبرت مسألة الجماليّات ذات أهمّيّة قصوى فتوجّه المعماريّون نحو الاستعارات البيولوجيّة في رسوماتهم. لكن استخدام الموادّ الجديدة كالخرسانة المسلّحة والإطارات المعدنية جعلت الأعمال المنتجة بعيدةً عن المرونة المطلوبة. [3]

مركز شيزوكا للصحافة والإذاعة

بني «مركز شيزوكا للصحافة والإذاعة -the Shizuoka press and broadcasting center» عام 1967، وهو من من تصميم «كنزو تانغه-kenzo tange». يمتلك مركز شيزوكا أهمّيّة أكبر بكثير ممّا يوحي به حجمه الصغير نسبيًا، لأنه يضمّ مفاهيم العمارة الاستقلابية.

مركز شيزوكا للصحافة والإذاعة ، عام 1967.

يقع المركز في طوكيو، وقد ألهمَ شكل الموقع الثلاثي الضيّق -بمساحة 186 م2– كنزو لأن يصمم بنية شاقولية. يتكوّن المركز من نواة كبنية أساسيّة، والتي يمكن أن تتطوّر إلى بنية ضخمة بسبب إمكانية توصيل عدد متزايد من الكبسولات الجاهزة إليها. والنواة عبارة عن اسطوانة بقطر 7.7م، ويصل ارتفاعها إلى 57م، وتحتوي على سلالم ومصاعد ومطبخ ومرافق صحّيّة في كلّ طابق. ويصل المستخدِم عبر النواة إلى الوحدات المكتبيّة التي صمّمت على شبكة قياس كصناديق من الزجاج الناتئ والفولاذ. يتخلّل التصميم فجوات ممّا يسمح بإمكانيّة وصل وحدات جديدة، وهي فكرة لم تتحقّق أبدًا إذ يحتوي الهيكل اليوم على ذات كمّيّة الوحدات عند إنشائه لأوّل مرّة.[4]

ما هي المدن حسب عمارة Metabolism؟

استخدمت العمارة الاستقلابية جسم الإنسان كاستعارة للمدينة. ونظروا إليها على أنها بنّيّة تتكوّن من عناصر (خلايا) تولد وتنموّ ثمّ تموت بينما يستمرّ الجسم بأكمله في الحياة والتطوّر. وتأسّست المدن لديهم على مبدأين رئيسيّين؛ الأوّل عدّ المجتمع كيانًا حيًا وقابلًا للتغيُّر، والثاني وجوب قيادة عملية التحوّل في المجتمع عن طريق التقانة وهندسة العمارة والتخطيط الحضري. وفي حين أعطى كيكوتاكي وكوروكاوا أهمّيّةً كبيرةً لاستخدام التقانات الجديدة كأداة لإدارة المدن الحديثة، أعطى ماكي المزيد من الاعتبار للعلاقة بين المباني والبنيّة الحضرية المحيطة بها.

كيشو كروركاوا

ركّزت منهجيّة كوروكاوا في التخطيط العمراني على فكرة إنشاء مدينة شبيهة بالرُقع، من خلال إضافة كتل جديدة جنبًا إلى جنب على الأرض بطريقة عشوائية إلى حدٍّ ما. بالتالي خلق نسيج حضري ينمو بقيادة المدينة نفسها، على سبيل المثال اقتراحه لمدينة «التحول-metamorphosis» سنة 1965.

مقترح مدينة metamorphosis عام 1965

هنا تتطوّر المدينة بسبب النمو المستمرّ لأجزائها على طول خطوط النقل الرئيسيّة. كذلك رفض تقليد مخطّط المدن متحدّة المركز، واستخدم النموذج الخطيّ. زيادةً على ذلك فقد خلق نوعا جديدا من الفضاء الحضري عن طريق إنكار الترتيب الهرمي العقلاني للعناصر الحضرية. وأشار إلى ذلك بمفهوم الفضاء en أو الفضاء المتوسّط، ووفقًا له يرتبط الفضاء المتوسط مباشرةً بتقاليد المدن اليابانية القديمة.

كيونوري كيكوتاكي

طوّر كيكوتاكي منهجيةً على أساس أن المدينة تتطوّر كنظام من الروابط الوظيفية بين النقاط الرئيسية والتي بدورها يمكن أن تنمو وتتغيّر. لذلك يشبه النظام بأكمله شبكةً ضخمةً ومترابطةً سواءً كانت مخططةً مسبقًا أو قادرةً على التغيُّر التلقائي.[3]

برج الكبسولة في طوكيو 1972

يجذب «برج ناكاجين-Nakagin tower» الذي صمّمه كوروكاوا المعجبين من جميع أنحاء العالم. استهدف البرج رجال الأعمال الذين عملوا في العاصمة وتجنّبوا الانتقال في أيّام الأسبوع إلى منازلهم في الضواحي. دمج المبنى فكرة الهياكل العملاقة مع كلٍّ من النمو البيولوجي والتعبير المادّي للإحياء الاقتصادي والثقافي في اليابان. يتألف البرج من 140 كبسولةً، وتوصل كلّ منها بالنواة المركزية، ويمكن استبدالها أو تغييرها عند الضرورة. تدور الكبسولات في زوايا مختلفة حول النواة وتتوزّع في 13 طابقًا. وقد طوّر كوروكاوا تقنيةً تسمح بتركيب كلّ كبسولة فقط بأربعة مسامير عالية التوتر.

برج ناكاجين الكبسولي من تصميم كوروكاوا.

يبلغ قياس كلّ كبسولة (4*2.5)م ممّا يتيح مساحةً كافيةً للعيش براحة من أجل شخص واحد، مع إمكانيّة معالجة المساحة الداخلية عن طريق توصيل الكبسولة بكبسولة أخرى. زُوِّدت كلّ كبسولة بسرير وحمام إضافةً إلى تلفاز وراديو وهاتف ومنبّه، كذلك وجدت نافذة دائرية كبيرة. أراد كوروكاوا إزالة الكبسولات واستبدالها كلّ 25 عامًا تقريبًا، لكن للأسف لم يصمد البرج أمام اختبار الزمن. وهدم البرج لاحقًا عام 2022 بسبب عدم صيانته لأكثر من 33 عامًا، ممّا أدّى إلى مشاكل في الصرف الصحي وتلفّ أنابيب المياه، وأيضًا لعدم توافقه مع المعايير الزلزالية، ووجود موادّ خطرة.[5][6]

لقطات داخلية من كبسولة ناكاجين.

وُثّق المبنى قبل الهدم من خلال تقنيات المسح بالليزر، والصور الملتقطة من قبل كاميرات SLR والطائرات بدون طيار. وتباع حقوق إعادة بناء البرج في واحدة من أكبر مواقع NFT، إذ يبيع المزاد حقّ البناء في الواقع الحقيقي و metaverse. فهل سيتواجد برج الكبسولة مرّةً أخرى؟ هذا ما سنعرفه مع مرور الوقت.[7]

انتقادات كثيرة

بالرغم من أن المجموعة أنشأت كجبهةً موحّدةً، لكن المؤسّسين حملوا مجموعةً من المخاوف التي منعتهم من التقدّم كحركة واحدة بعد ظهورهم لأوّل مرّة. وغالبًا ما يتّهم النقّاد معماريي metabolism بأنهم يفتقرون إلى الشعور بالبهجة التي نجدها في أعمال «الأرشيغرام-Archigram». قد تبدو المقارنة بينهم سهلةً ظاهريًا، لكن في حين استمرّت الأرشيغرام بنشر مقالات جذّابة وغير معقولة، استخدم معماريو العمارة الاستقلابية سمعتهم المنشأة حديثًا لإنشاء لجان واسعة النطاق، وسرعان ما أصبحوا مشتّتين عن توليد رسومات مستقبلية إضافية. علاوةً على ذلك، فإن المقالات المترجمة إلى اللغة الإنجليزية بدت مبتذلةً وصعبة الفهم، إذ استُبدلت الفكاهة بصياغة جافّة. كما مالت الصحافة الدولية إلى تجاهل أعمالهم. نتيجةً لكلّ ذلك لم تدم الحركة طويلًا، فاستمرت قرابة عقد من الزمن فقط.[2]

مدن المستقبل

لطالما بحث معماريو العمارة الاستقلابية عن أفكار جديدة لمدن المستقبل، وتساءلوا عن شكلها النهائي. وكان جوابهم هو عدم وجود شكل ثابت في العالم النامي، لكنهم أملوا أن يخلقوا شيئًا يستطيع أن يتجدّد وينمو حتّى بعد تدمره.

المصادر

  1. Archdaily
  2. Architecture history
  3. Researchgate
  4. Archdaily
  5. archdaily
  6. the Gurdian
  7. archdaily

المسجد الوردي في شيراز : مسجد نصير الملك

تعد مدينة شيراز في محافظة فارس، إيران إحدى أقدم المدن الإيرانية، تتميز بثقافة نابضة بالحياة من الفنون والحرف اليدوية والتاريخ، كل هذا يعرض بشكل مذهل في مسجد نصير الملك، أو كما يطلق عليه “المسجد الوردي”؛ وهو أحد أجمل المساجد في إيران، يمتاز بزجاجه الملوّن وبالآلاف من البلاطات المطليّة على السقف وبالسجّاد الفارسي الذي يغطي أرض قاعات الصلاة. [1]

بناء المسجد الوردي

بدئ في بناء المسجد في عام 1876م، واكتمل بناؤه في عام 1888م أثناء حكم القاجاريين الذين حكموا إيران في الفترة الواقعة بين عامي (1785م و 1925م) بأمر من الأمير القاجاري ميرزا حسن علي خان نصير الملك. [2]

بنية المسجد الوردي

تم بناء المسجد بمساحة 2980 متر مربع [2] بمراعاة أن يكون الضلع الجنوبي من المبنى قائماً مع محور القبلة، وبالنظر إلى المبنى من الأعلى، فإن أول ما يجذب الانتباه هو شكله غير المنتظم وذلك بسبب الأبنية المجاورة والممرات المحيطة بالمسجد. [3]

الشكل 1: مسجد نصير الملك أو المسجد الوردي كما يظهر على خرائط Google

يتألف المسجد من قسمين رئيسيين؛ الأول هو المسجد (يوضَّح في الشكل باللون الأزرق) و قسم ثانٍ هو ضريح الإمام زاده سيد جلال الدين (باللون الأحمر). تظهر الأدلة التاريخية أن الضريح أقدم من المسجد وقد بني المسجد بقربه لاحقًا ليرتبطا بشكل وثيق.

يتصف القسم الجنوبي من المسجد بأنه أكبر حجمًا وذو شكل منتظم (مستطيل) بينما القسم الشمالي أصغر حجمًا وغير منتظم. ويتألف المسجد من باحة وسطية (صحن) بإيوان في كل من جهتيها الشمالية والجنوبية على محور القبلة وحرمين شرقي وغربي. [3]

الشكل 2: ويظهر فيه المسجد باللون الأزرق والضريح باللون الأحمر بالإضافة إلى أقسام المسجد المختلفة. [3]
الشكل 3: الباحة الخارجية (الصحن) للمسجد الوردي ويظهر في الشكل الإيوان الشمالي المزين بالمقرنصات بالإضافة إلى مئذنتي المسجد

المدخل

تعد بوابة الدخول هي الجزء الخارجي الوحيد المزيّن من المبنى، وقد زيّن بمزيج من البلاطات الزخرفية والحجارة المقطعة والمقرنصات، وتوجد في الجهة الغربية من القسم الشمالي للمسجد، ويتميز القسم الأول من المدخل بشكله السداسي غير المنتظم بينما نلاحظ أن الجزء الثاني من المدخل ذو شكل مستطيل. [3]

الشكل 4: البوابة الرئيسية من الخارج

الحرم الغربي

يعتبر الحرم الغربي الحرم الرئيسي للمسجد الوردي بطولٍ يساوي ضعفي عرضه تقريباً (13 × 28.5م تقريبًا) وهو موازٍ لمحور القبلة، وقد قسم فراغ الحرَم إلى ثلاثة مجازات طولية وسبع مجازات عرضيّة بواسطة 12 عمودًا، ويوجد المحراب في النهاية الجنوبية للمجاز الوسطي محدّدًا اتجاه القبلة.

يتكون الجدار الشرقي للحرم من سبعة أبواب خشبية مزينة بالزجاج الملوّن تتوسطها أعمدة، بفضلها يتمتع الحرم الغربي بصلة مباشرة مع الباحة الخارجية. ومن بين هذه الأبواب السبعة، يعدّ الباب الأوسط الأكثرَ تميّزاً من حيث الزخارف.[3]

الشكل 5: الحرم الغربي

الحرم الشرقي

إن الحرم الشرقي أصغر وأضيق من نظيره الغربي، بنسبة طول إلى عرض 1 إلى 4، ويحتوي على 7 أعمدة مصفوفة في صف واحد في المنتصف.

وضعت فراغات وظيفية على واجهة الحرم الشرقي نظراً لقلة أهميته مقارنة بالحرم الغربي، وذلك بسبب وجود عناصر تزيينية قليلة فيه، ففي شرق الحرم توجد غرفة التزوّد بالمياه والتي حفِر بئر بداخلها تستخرج المياه منه باستخدام الأبقار التي توجد في خندق يقع تحت الحرم الشرقي تقريباً، وتنفتح هذه الغرفة مباشرةً على الحرم الذي ينفتح بدوره مباشرة على ضريح الإمام زاده. [3]

الشكل 6: الحرم الشرقي للمسجد [3]

المصادر

  1. Nasir al-Mulk Mosque – Shiraz, Iran – Atlas Obscura
  2. Nasir al-Mulk Mosque _ Visit iran
  3. Academia.edu – An Introduction to Architecture of Nasir Al Mulk Mosque by Azin Ehteshami

ما هي مجموعة الأرشيغرام Archigram ؟

هذه المقالة هي الجزء 11 من 13 في سلسلة كيف نشأت الحداثة وغيرت من شكل المعمار في عصرنا؟

أرادت الأرشيغرام Archigram أن تصنع العمارة مثل هاتفك المحمول، متحرّكةً ونابضةً بالحياة كالمجتمع الذي تراه حولها. واقترحت المباني المتحرّكة والتي تسطع في الظلام وتتغيّر حسب رغبة المستخدمين.

من هم مجموعة الأرشيغرام Archigram ؟

تُعتبر «الأرشيغرام- Archigram» مجموعةً معماريّةً بريطانيّةً «طليعيةً- avant-garde» تشكّلت في ستّينيّات القرن ال20 في لندن، وابتعدت عن الهندسة المعمارية التقليدية، وذلك لخلق بيئات جديدة قائمة على التقانة.[1] بدأت الأرشيغرام من قبل 6 معماريّين ومصمّمين وهم: «بيتر كوك-peter cook» و«وارن تشالك-warren chalk» و«رون هيرون-Ron herron» و«دنيس كرومبتون-dennis Crompton» و«مايكل ويب-michael webb» و«ديفيد غرين-David greene». وأخذت المجموعة اسمها عام 1961، والذي اشتقّ من كلمات «الهندسة المعمارية والبرقية- architecture, telegram». وولدت الأرشيغرام كمجلّة من ورقة واحدة مليئة بالقصائد والرسوم. كما ذكروا في عددها الأوّل، فقد أرادوا أن تكون منصّةً لأصوات الشباب المعماريّين والفنّانين، يعبّرون بها عن تخلّيهم عن الماضي ويختاروا أسلوب حياة أكثر بساطةً ومرونةً.[2]

الأرشيغرام Archigram كحدث جديد

أعطت رسومات الأرشيغرام وملصقاتهم الشكل والصوت لجيل جديد كان قد سئم من التعبيرات الجافّة لمعماريّي الحداثة. واستمرّ أعضاء الأرشيغرام بانتقاد مسار الحداثة ووقفوا ضدّ العمارة التقليدية. علاوةً على ذلك فإن التحوّلات الثقافية والتطوّرات العلميّة التي حدثت في منتصف القرن ال20 أثّرت بشكل كبير على المجموع، فقد اعتبروا أن العمارة ليست مجرّد عمارة ولكنها ممارسة ثقافية أيضًا.[3][4]

وقد كانت مجموعة الأرشيغرام فضفاضةً بما يكفي لاحتواء اختلافات الرأي الكثيرة لأعضائها. على سبيل المثال لم يهتمّ ديفيد غرين بما تبدو عليه الأشياء كثيرًا مقارنةً بما يكمن وراءها، لكن بيتر كوك فُتن بالمظهر دائمًا، ويعدّ هذا التنوّع إحدى نقاط قوّة الأرشيغرام. واستمرّ أعضاؤها بالنقاش حول الحياة اليومية والأنماط المعمارية والتقنية والمجتمع، وتعاونوا في بعض الأوقات وأحيانًا لم يفعلوا ذلك. ولكن أعطتهم المجلّة هويةً مشتركةً وأثّروا بشكل كبير على الحياة والعمران في وقتهم.[3]

ما هي مبادئ الأرشيغرام Archigram ؟

تمثّلت الرؤية الأساسية للأرشيغرام بأن المباني يجب أن تستجيب للحياة التي تحدث في داخلها وحولها، وحينما تتغيّر هذه الحياة يجب أن تكون المباني أيضًا قادرة على التَغيُّر. بعبارةٍ أخرى، يمكن للعمارة أن تتغيّر نظريًا حسب رغبة سكّانها من أجل التكيُّف مع الرغبات المتغيِّرة للمجتمعات البشريّة. أمّا بالنسبة للأشخاص فاعتقدوا بأنهم مهما فعلوا يجب أن يفعلوه بحماس.

وأرادت الأرشيغرام أن تستقطب برسوماتها وأشكالها الفنّيّة الطاقة من التقدّم التقنيّ المتزايد والثقافة الجديدة التي كانت تحدث في كلّ مكانٍ من حولهم. نتيجةً لذلك اقترحت المجموعة بنيّة مرنة في التصميم يحدّدها المستخدمون. واستوحوها من الأفكار المنتشرة بعد الحرب العالمية، وصور ثقافة «البوب-Pop»، ووسائل وأفكار السفر إلى الفضاء، حيث أحبّوا الكبسولات والبدلات الفضائيّة والهياكل المتنقّلة والمحمولة وخفيفة الوزن. ويعلّق غرين على المقولة الأشهر لعمارة الحداثة للمعماري لويس سوليفان رائد مدرسة شيكاغو “الشكل لا يتبع الوظيفة، إنه يتبع الفكرة، إنه يتبع الرغبة في أن تكون الهندسة المعمارية مبهجةً”. [1][3]

كذلك طرحوا فكرة «العمارة بدون عمارة-architecture without architecture» وتمحورت هذه الفكرة حول مفهومين أساسيّين وهما: عدم التحديد، والنموّ.[4]

أسلوب تعبير مبتكر

بدأ تقرير المصير يصبح أمرًا مهمًا في السيتينيّات، واهتمّ مهندسو الأرشيغرام بالكيفيّة التي يمكن بها للمستهلك أن يصبح جزءًا من عمليّة التصميم وليس متلقّيًا لها فقط. بذات الوقت جلبوا العقلية البريطانية وحسّهم الفكاهيّ المشترك لابتكار لغة تعبير تمثِّلُهم.[3]

العدد الرابع من مجلّة Archigram.

استخدمت المجلّة التمثيلات الكاريكاتوريّة تقريبًا لإظهار العمارة بطريقةٍ أخرى، وأخذت وسائل الإعلام في النشرات الإخبارية بنقل التصوّرات المتطرّفة للمجموعة. ولم تبدُ رسوماتهم جادّةً أبدًا كما لو أنها تسخر من شيءٍ ما، بذلك كانت السخرية هي أساس كلُّ هذا. وجعلت النبرة الساخرة بعض المقترحات متاحةً فقط لمجموعات معيّنة والتي تتطلَّب من المرء دائمًا أن يتساءَل عن المقترح الحقيقيّ والرسميّ وعن المقترح المزيف. وعلى هذا النحو لم تكن المخطّطات المقترحة أحلامًا ولا نكاتًا، كانت كلاهما ولا أحد منهما. [4]

تخطيط المدن من وجهة نظر الأرشيغرام

عقدت الأرشيغرام المعرض الأوّل لها عام 1963 باسم «المدينة الحيّة-the living city». وفضّل أعضاؤها وضع مخطّط لمدينة جديدة يكون مثيرًا للعواطف، لذلك لم يركّزوا على شكل المدينة بل اعتبروها تحفةً ثقافيةً. ويعدّ موقفهم صريحًا وواضحًا للغاية، إذ فضّلوا الحيوية وبدونها اعتقدوا بأن المدينة ستموت على يد المخطّطين الجادّين. ومن هنا بدأت فكرة كيف ستصبح العمارة إذا لم يكن الشكل شيئًا ثابتًا ومطلقًا؟.

ونستطيع الإشارة إلى «المدينة الإسفنجية-sponge city 1975» باعتبارها واحدةً من أبرز مشاريع بيتر كوك. حيث أراد كوك إزالة الجلد الخارجي للمباني واستبداله بالمناظر الطبيعية، فاهتمّ بالنباتات مثل قطعة أثريّة معماريّة. وجاء ذلك بسبب جهوده في إعادة تعريف حدود البناء من أجل السماح بالاستمرارية بين الداخل والخارج. فغالبًا ما ركّز كوك على مفهوم التحوّل في أعماله.[4]

على الرغم من أن أغلب رسومات المجموعة ركّزت على مساحات المعيشة الحضريّة الجماعيّة وليس الفرديّة، إلا أنها لم تغفل عن الأحياء السكنيّة الشخصيّة. ربّما من أشهر الأمثلة برج «منازل الكبسولة-capsule houses» عام 1964 لوارن تشالك، وهي مجموعة من المنازل الجاهزة وسهلة التجميع. تألّفت هذه الوحدات من هياكل دائرية صغيرة متّصلة بهيكل عظميّ مركزيّ. ويتطلب ذلك الإعداد لحدوث التفاعلات الاجتماعية خارجًا في المساحات المشتركة، بالتالي يلزم إنشاء تخطيط جديد. ففتح آفاق وأفكار جديدة مثل مشروع plug-in city والتفكير بمدن قادرة على المشي. وجسّدت رؤى الأرشيغرام الرغبة بإعادة هيكلة الاقتصاد والمجتمع والطرق العامّة للعيش في محاولة لتوفير الموارد والمساحة.[5]

المدينة السائرة 1966

اقترح رون هيرون فكرة المدينة السائرة على المحيط، وصنع بنية لمدينة افتراضية قائمة على الصور والرسومات. وتضمّ المدينة مجموعةً من الوحدات تحتوي كلّ منها على مجموعة شاملة من الموارد الحضرية. وترتبط الوحدات ببنية فوقية من الممرّات القابلة للسحب. لكي تخلق مدينةً سريعةً للتجوال، لا تمشي فحسب بل تتأقلم أيضًا من وجهة نظره مع التغيُّرات التي لا نهاية لها. وأعطى الوحدات مظهرًا مميّزًا وغريبًا، فدمج بين شكل الغوّاصات العسكرية وهياكل خارجية أشبه بالحشرات إضافةً إلى الأرجل المحيطية.[6]

وحدة من المدينة السائرة.

استديو الرسم في بريطانيا

قام مكتب بيتر كوك CRAB عام 2014 بتصميم استديو للرسم في جامعة الفنون في بريطانيا، يستخدمها الطلاب من جميع أقسام الجامعة ال17 من رسم ونحت وتصوير وغيرهم. تبلغ مساحة الصالة 140 م2، وتتركّز فكرة التصميم حول الإنارة الطبيعية. فشكّلت النافذة البيضوية الشمالية بمساحة 30 م2 المصدر الرئيسيّ للإنارة، إضافةً إلى نوافذ أخرى متفرّقة عزّزت كمّيّة الإضاءة. وتتكوّن القشرة الخارجية من ألواح فولاذيّة مسبقة الصنع مقاومة للماء. بينما طوّروا الجزء الداخلي من خلال تقنيّة «الجبس المقوّى بالألياف الزجاجيّة-GRG» الذي عكس بدوره المظهر الخارجي، وقدّم كذلك عزل مفيد.[7]

استديو الرسم من تصميم CRAB.
صالة الرسم من الداخل من تصميم CRAB.

مدينة plug-in عام 1964

حاول معماريّو الأرشيغرام التحرُّر من التخطيط العمراني السائد، وقدّموا اقتراحات بديلة تواجه الضواحي المملّة للحداثة البريطانية، والتصوّرات التقليدية للبنية الأساسية للمدينة. وأنشأ المعماريون بين عامي 1960-1974 أكثر من 900 تصميم من ضمنهم مخطّط plug-in city للمعماري بيتر كوك. ويوصَف هذا المشروع بالاستفزازي ويشير إلى مدينة خيالية افتراضية تحتوي على وحدات سكنية موصولة بجهاز مركزي ضخم للبنية التحتية. وهذه المدينة في الواقع ليست مدينة، لكنها بنية عملاقة تتطوّر باستمرار وتتضمّن المساكن والمواصلات والخدمات الأساسية، وتنتقل جميعها بواسطة الرافعات العملاقة.[2]

Plug-in city من تصميم peter cook.

الأرشيغرام بين الأوهام والواقع

لا شكّ أن التهمة الأكثر شيوعًا ضدّ الأرشيغرام هي أنهم تعاملوا مع أوهامٍ لا يمكن بناؤها، فنُفّذ عدد قليل من التصاميم. وصبّوا اهتمامهم حول المناقشات والأفكار التي جمعت بين العمارة والتقانة والمجتمع. فأصبحت عمارتهم على الورق مثل العمارة البنائية. على الرغم من ذلك يرى البعض بأنها ربّما قد قدّمت أكبر هدية للهندسة المعمارية وهي الموقف. فيقول غرين بأن السؤال ليس هل يمكنكم القيام بذلك؟ بل هو لماذا عساك تريد فعل ذلك؟.

المصادر

  1. Research gate
  2. archdaily
  3. the gurdian
  4. Research gate
  5. archdaily
  6. MoMA
  7. archdaily

العمارة الإسلامية في عهد الدولة الأموية (661-750م)

أسس الأمويون أولى الدول الإسلامية متخذين دمشق عاصمة لها، ووصل الإسلام تحت قيادتهم إلى معظم الأجزاء المكونة للعالم الإسلامي حالياً. حكمت الخلافة الأموية من دمشق [1] وامتدت خلال فترات ازدهارها إلى الساحل الأطلسي في شمال إفريقيا وشبه الجزيرة الإيبيرية غرباً، وإلى آسيا الوسطى شرقاً، وإلى اليمن جنوباً. [2]

الشكل 1: امتداد الدولة الأموية

وتوجد معظم المباني المحفوظة من تلك الفترة في سوريا وفلسطين، وقد تبنى الأمويون طرق البناء الخاصة بالإمبراطوريتين الساسانية والبيزنطية، حيث كان التأثير البيزنطي على العمارة الأموية أكبر من غيره بسبب وجود مركز الخلافة الأموية في سوريا، إلا أن العناصر ساسانية المنشأ أصبحت متزايدة الأهمية، وفي بداية عهد الدولة الأموية تم الاستحواذ على مبانٍ بيزنطية أو رومانية بدون إجراء أية تعديلات عليها أو بإجراء تعديلات طفيفة. [2]

أنواع المباني والمنشآت التي تم بناؤها خلال فترة الخلافة الأموية

تعتبر المساجد والقصور والمدن أكثر مشاريع البناء التي تم تنفيذها في الفترة الأموية أهمية، حيث شكّلت المساجد عنصرًا مهمًّا في توسيع حدود الدولة الإسلامية ونشر الإسلام، لكن سرعة الفتوح الإسلامية عنت أنّ بعض هذه المساجد كانت عبارة عن منشآت مؤقتة أو كنائس تمّ تحويلها إلى مساجد. وتمّ بناء مدن جديدة لتحقيق أغراض معينة مثل الحاجة لمركز إداري. أما أكثر المنشآت تمييزاً لهذه الفترة هي “القصور الصحراوية” أو “القصور الأموية” والتي بنيت في البادية كمساكن للخلفاء والأمراء. [2]وقد كانت المساجد منشآت بالغة الأهمية أثناء الفترات المبكرة للخلافة الإسلامية حيث شكّلت مكانًا للاجتماع وإذاعة الأنباء المهمة، وقد تطوّر نمطان لتقاليد بناء المساجد ففي سوريا تم تحويل الكنائس إلى مساجد، بينما تطوّرت المساجد في العراق من فراغات مغلقة ذات مسقط مربع إلى ذات سقف محمول على أعمدة. ويعدّ أقدم المباني الإسلامية في الجزء الغربي من الدولة الأموية هو قبة الصخرة.[2]

قبة الصخرة في القدس

أمر ببنائها الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بين عامي 688-691م [3] وتقع ضمن الحرم الشريف في موقع المعبد اليهودي الذي تم تدميره أثناء الحصار الروماني على القدس في عام 70م [4]، وبسبب موقعها على أرض صخرية لم تتضرر بشكل ملحوظ خلال الزلازل العديدة التي أصابت المنطقة [3].

الشكل 2: قبة الصخرة في القدس

تتميز قبة الصخرة بمسقط مثمن الشكل وقبة ذات قطر يبلغ حوالي 20م تقريباً مرفوعة على رقبة محملة على 4 دعامات و12 عمود [4]، وتحتوي في مركزها على الصخرة المشرفة [5]، ويحيط بالدائرة الداخلية المحيطة بالصخرة رواق مثمن الشكل مكون من 8 دعامات و16 عمود. [4]

الشكل 3: مسقط قبة الصخرة

لا تحتوي لوحات الفسيفساء التي تزين قبة الصخرة من الداخل والخارج على أي تصوير لبشر أو حيوانات. ونرى عوضاً عنها زحارف نباتية وأوعية وتيجان مجنحة ساسانية المنشأ [6]. ولكلّ جدار من الجدران الخارجية الأربعة المواجهة للجهات الرئيسية الأربع باب [7]. وخضعت قبة الصخرة للعديد من التعديلات والإصلاحات التي كان آخرها تجديد الصفائح الذهبية التي تغطي القبة في عام 1993م. [2]

الشكل 4: إحدى لوحات الفسيفساء التي تزين قبة الصخرة من الداخل والتي تظهر الزخارف ساسانية المنشأ.

الجامع الأموي في دمشق

أكثر المباني أهمية بالنسبة لتطوّر المساجد في العهد الأموي هو الجامع الكبير في دمشق [2].

قام الخليفة الأموي الوليد الأول بتحويل كنيسة يوحنا المعمدان في دمشق إلى جامع وذلك لاستيعاب الأعداد المتزادية من المسلمين.

تم بناء الجامع بمسقط مستطيل بأبعاد 157×100م، وهو مؤلف من قسمين، الباحة الخارجية التي تسمى الصحن، وقاعة الصلاة التي تسمى الحرم. [8]

يتألف حرم الجامع الأموي من ثلاثة مجازات مسقوفة بأسقف جملونية [9] ويقطع هذه المجازات في مركزها بشكل عرضي مجاز قاطع تعلوه قبة [10] وتزيّن واجهته الرئيسية التي تعتبر مدخل الحرم بالفسيفساء [11]. ويحتوي الجامع الأموي على مئذنة العروس، أولى المآذن في الإسلام.

الشكل 5: الجامع الأموي في دمشق
الشكل 6: مسقط الجامع الأموي

مئذنة العروس

بعد تحويل الخليفة الأموي الوليد للكنيسة الكبرى في دمشق إلى جامع، أمر ببناء برج على الجدار الشمالي للجامع، وأطلق عليه اسم مئذنة العروس التي تعتبر أول مئذنة في الإسلام إلا أن فكرة المئذنة قد تمّ تطبيقها بشكل أبسط سابقًا حيث قام الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان بإنشاء أربعة صوامع أو أبراج عند توسيع جامع عمرو بن العاص في مصر مقتبساً الفكرة من أبراج الكنائس الموجودة في دمشق [12].

الشكل 7: مئذنة العروس بشكلها الحالي بعدسة الفنان السوري أحمد مادون (1948-1988)

المحراب

أحد أهم العناصر التي تمت إضافتها أثناء الفترة الأموية بالإضافة إلى المئذنة هو المحراب، وهو ركن يوجد في جدار القبلة لكل مسجد. ويختلف حجم المحراب بين مسجد وآخر ولكنها عادةً ما تكون مزخرفة.

نشأ المحراب في عهد الخليفة الوليد الأول (705-715م) وتم اقتباس شكل المحراب من أركان الصلاة التي كانت تتم عند إلقاء الخطب من قبل الرهبان المسيحيين الأقباط. ودائمًا ما يوجد المحراب في الجدار الذي يقع باتجاه مكة المكرمة [13].

الشكل 8: محراب الجامع الأموي في دمشق

القصور الأموية

بالنسبة للمباني غير الدينية فإن أهم المنشآت التي تم بناؤها خلال الفترة الأموية هي القصور الصحراوية في بلاد الشام.

في حين أن بعض هذه المنشآت مباني مبنية حديثًا في تلك الفترة، فإن بعضها الآخر مكوّن من حصون رومانية أو بيزنطية تمّ تحويلها لتلبية حاجات الحكام الجدد، والجدير بالذكر أن معظم هذه القصور قد تمّ هجرها بعد سقوط الدولة الأموية ولا تزال صروحاً تدلّ على الثروة وعلى أساليب البناء الخاصة بالعمارة الأموية [2].

مدينة عنجر

تقع على بعد 58كم شرق بيروت [14] في نقطة التقاء طريقين تجاريين مهمين، وهي مستطيلة الشكل بأبعاد 305×385م وتحاط بسور مرتفع وبـ 40 برج (36 برج نصف دائري متصل بجدران السور بالإضافة إلى برج في كل من الزوايا الأربع).

يقطع المدينة شارعان في محوريها، محور رئيسي باتجاه شمال-جنوب، ومحور أقل أهمية باتجاه شرق-غرب، يقسمانها إلى أربعة أرباع متساوية، حيث يقع قصر الخليفة الكبير والمسجد في الربع الجنوبي-الشرقي في المدينة. ويشغلان القسم الأكثر ارتفاعًا، في حين أن القصور الأصغر والحمامات تقع في الربع الشمالي-الشرقي، وتوزّع الوظائف الثانوية والمناطق السكنية في الربعين الشمالي-الغربي والجنوبي-الغربي [15].

الشكل 9: واجهة قصر الخليفة بعد أن تم ترميمها بشكل جزئي
الشكل 10: مخطط المدينة ويظهر به: 1- قصر الخليفة الكبير، 2- المسجد، 3-القصر الثاني، 4-حمام ومسجد ثاني، 5-منطقة سكنية، 6-شارع رئيسي، 7- شارع ثانوي، 8-تقاطع الشارعين والتترابيل، 9-بوابات المدينة

مواد البناء المستخدمة في العمارة الأموية

إن أكثر مواد البناء استخدامًا في الفترة الأموية هي الحجارة والخشب والقرميد، حيث تم بناء معظم المباني في سوريا باستخدام حجارة مقطّعة، وغالبًا ما كانت تتصف الحجارة المقطّعة الأموية بالجودة العالية وبأطرافها المستقيمة الحادة وبشدة ربطها ببعضها وبحجمها الكبير منتجةً بذلك مباني لا يوجد مثيل لعظمتها في تلك الفترة، باستثناء الحجارة البازلتية التي تعدّ غير مناسبة لسقف مساحات كبيرة حيث لا يمكن استخدامها في الأسقف إلا في المجازات الصغيرة نسبياً وباستخدام قبوات أسطوانية.

وبشكلٍ عام فإن العمارة الأموية قد تجنبت مشكلة تقاطع القبوات حيث أن معظم المباني كانت مؤلفة من وحدات صغيرة متجمعة أو تمّ سقفها باستخدام الأخشاب، ففي سوريا، تمّ استخدام الأخشاب التي كان يتم استيرادها من غابات لبنان في سقف المباني، وكانت الأسقف الخشبية إما قليلة السماكة ومدعّمة بأعمدة وشدادات خشبية كما في الجامع الأموي في دمشق، أو بشكل قباب خشبية كما في قبة الصخرة. كما تم استخدام الأخشاب أيضاً في أعمال البناء وفي الأعمدة وفي فرش المساجد [2].

على الرغم من أن العمارة التي تستخدم القرميد كانت شائعة في كلّ من الإمبراطوريتين البيزنطية والساسانية إلا أن استخدامها في العمارة الأموية كان محدودًا ضمن القسم الشرقي للدولة الأموية حيث أن توافر الحجارة المناسبة في سوريا أغنى عن استخدام القرميد حتى في الفترة البيزنطية. [2]

أما في العراق فقد تم استخدام القرميد المشوي والقرميد المصنوع من الطين بشكل واسع. وغالبًا ما تمّ استخدام القرميد المشوي في الأعمدة والقبوات والأجزاء السفلية من الجدران. بينما تم استخدام القرميد المصنوع من الطين في الأجزاء العلوية من الجدران. [2]

فن الزخرفة والتزيين في العمارة الأموية

على الرغم من أن معظم لوحات الفسيفساء الأموية قد صنعت من قبل حرفيين بيزنطيين. فإن الزخارف التي تم استخدامها تشير إلى التأثير الإسلامي في هذا الفن. وأقدم لوحات الفسيفساء الإسلامية هي تلك التي توجد في قبة الصخرة. والتي تتألف من قطع ذهبية ومتعددة الألوان تمثل نقوشاً لجواهر ملكية بيزنطية وساسانية.

يحتوي الجامع الأموي في دمشق على فسيفساء بالغة الأهمية تمثّل مدينة خالية من الناس. وذلك بسبب حظر تصوير البشر والحيوانات في الفن الإسلامي. لكن يوجد في بعض القصور الصحراوية لوحات فسيفساء تصوّر فيها حيوانات كما في خربة المفجر. [2]

الشكل 11: فسيفساء تصوّر غزلان وأسدًا في خربة المفجر.
الشكل 12: الفسيفساء التي تغطي أرضية الحمام في قصر الخليفة في مدينة عنجر

إضافة إلى لوحات الفسيفساء، احتوت معظم القصور الأموية على لوحات جصيّة على الجدران والأرضيات والتي قام بعضها بتصوير حيوانات أو بشر. [2]

قامت ثورة ضد الأمويين في خراسان عام 747م وانتشرت خلال وقت قصير في القسم الشرقي من الدولة. وفي عام 750م تمت هزيمة الأمويين على يد العباسيين الذين كان مركز الخلافة الخاص بهم في العراق. ولم يبق من الأمويين إلا من هربوا إلى الأندلس حيث استمرت السلالة بالحكم حتى عام 1051م.

المصادر

  1. Muslim Architecture under The Umayyad Patronage (661-750AD) – Foundation of Science Technology and Civilisation
  2. Dictionary of Islamic Architecture.pdf
  3. Dome of the Rock (BiblePlaces.com)
  4. madainproject.com/dome of the rock
  5. The Dome of the Rock (Qubbat al-Sakhra) – Smarthistory
  6. The Dome of the Rock (Qubbat al-Sakhra) (article) _ Khan Academy
  7. Dome of the Rock – Discover Islamic Art – Virtual Museum
  8. muslimheritage.com/great ummayad mosque
  9. Umayyad mosque-Damascus/3dvirtual tour
  10. britannica/Great Mosque of Damascus
  11. Umayyad Mosque in Damascus – The Byzantine Legacy
  12. The Origin and History of the Minaret (jstor.org)
  13. Mihrab – Islamic Architecture -Britannica
  14. Anjar – Umayyad Route
  15. Anjar – UNESCO World Heritage Centre

بم تتميز العمارة العضوية organic architecture؟

هذه المقالة هي الجزء 9 من 13 في سلسلة كيف نشأت الحداثة وغيرت من شكل المعمار في عصرنا؟

ما هو المنزل إذا لم يكن مرتبطًا بالأرض التي بُني عليها والسكّان الذين يشغلونه؟ دمجت العمارة العضوية بين البناء وموقعه العام (الطبيعة) والسكان. بحيث يمكن أن يعملوا معًا لكي تتحسّن وتتطوّر كلُّ واحدةٍ منهم من خلال العلاقة القائمة بينهم. واستخدمت أحيانًا التناقضات والأحجام المتداخلة والألوان الفاتحة والداكنة، وذلك لأخذ صاحب المبنى في رحلة كما لو أنه داخل الطبيعة.

كيف ظهرت العمارة العضوية؟

أسهم المعماري القوطيّ «يوجين فيوليه لو دوك-Eugène viollet le-duc » جنبًا إلى جنب مع العديد من منظري القرن الـ19 بدراسة الأشكال العضوية. إذ اقتنع بأن العمارة على عكس الرسم والنحت يجب ألا تقلِّد الطبيعة ببساطة ولكن يجب أن تحاكي قوانينها. ووفقًا للو دوك فإن قوانين الطبيعة تقف في ترابط رياضي وفيزيائي ووظيفي معقّد، بينما الصنع البشريّ يمكن أن يكون ضعيفًا وهزيلًا أمام الطبيعة. وأصرّ على أن موادّ البناء يجب أن تستَخدَم بصدق لكي تعكس البناء العقلاني.

كما أثّر الناقد والمفكّر «جون راسكن-john Ruskin» بقوّة على المعماريين عن طريق مقاله «مصابيح العمارة السبعة». إذ اعتبر أن الجمال يجب أن ينبع من الطبيعة ثمّ يصمّم ليتناسب مع البشر، وأكّد كذلك على أهمّيّة العرض الصادق لموادّ البناء وقوّة الطبيعة.

وبذلك تكون أفكار لو دوك وراسكن قد أثّرت على أجيال بكاملها في أواخر القرن الـ19 وبداية القرن الـ20. ففي البداية اكتسبت منشوراتهم شعبيةً في أمريكا وبدأت تدخل تدريجيًا في تصميم زخارف محدّدة. ثمّ تجذّرت بالكامل بأعمال معماريين مشاهير.[1] وانتشرت «العمارة العضوية-organic architecture» كأسلوب تعبيري رمزي، وحاولت اقتراح لغة جديدة تتميّز بأشكال مستوحاة عضويًا، والتي أصبحت قابلة للتنفيذ بسبب تطوّر تقنيّات وأساليب الإنشاء.[2]

العمارة العضوية من منظور عدة معماريين

فرنك لويد رايت

قدّم رائد مدرسة شيكاغو «لويس سوليفان-louis Sullivan» أوّل تعريف للعمارة العضوية. إذ عرّف مفهوم العضوية في ارتباط مع مفاهيم أخرى مثل الكائن الحي، والهيكل، والوظيفة، والنموّ، والتطوّر، والشكل. واعتبر أنه حتّى يكون العمل عضويًا يجب أن يكون لوظيفة الأجزاء نفس جودة وظيفة الكلّ.[1] على الرغم من ذلك يبقى تلميذه المعماري «فرانك لويد رايت-frank Lloyd Wright» رائد العمارة العضوية. فقد رفض رايت نسخ أشكال الماضي عند التصميم وتأثّر بلو دوك، وعمارة وفن اليابان. وعندما ننظر إلى المفهوم الأساسي للعضوية في عمل رايت من خلال العدسة المعاصرة نستطيع رؤية التصميم المستدام والاستدامة. ربّما لهذا السبب ازدادت أهمّيّة أعماله في وقتنا الحالي.

متحف Solomon Guggenheim في نيويورك من تصميم فرانك لويد رايت

ركّز رايت على طبيعة الموقع مما استلزم مراقبة التقاليد المحلّيّة، وإنشاء مبنىً من موادّ طبيعيّة فبالنسبة له كان من المهمّ جلب العالم الخارجي إلى المنزل والسماح للمنزل بالخروج. والطبيعة لا تقتصر على السحاب والأشجار والحياة الحيوانية، بل تمتدّ لتشمل طبيعة هذه الأشياء والمبدأ الذي يُشكِّل أو يُعرَف به الشيء. ودعا رايت إلى الإبداع وتصميم التعبيرات الإنسانية من الشكل، على النقيض من الواجهات الجامدة في الاتجاه الوظيفي وعمارة الطراز الدولي، إلا إذا كان وجودها يخدم العمارة الإبداعيّة.[1][3]

أنطوني غاودي

يعتبر المعماريّ الاسبانيّ «أنطوني غاودي-Antoni Gaudi» من روّاد عمارة «الفن الجديد-art Nouveau» وقد تأثّر بشدّة بالعمارة القوطيّة، كذلك يعتبره بعض النقّاد من روّاد العمارة العضوية أيضًا. لا شكّ بأنه قد خلق بنية عضوية فريدة من نوعها ومختلفة عن رايت. وقد تبنّى فكرة راسكن بأن “الزخرفة هي أصل العمارة”. وعلى عكس رايت فغاودي لم يدمج بين المبنى وطبيعة موقعه، بدلًا من ذلك استوحى من مبادئ الطبيعة بشكل عامّ في تصميم هيكل المبنى. واستخدمها كذلك للزخرفة، ولم يفضّل رتابة الألوان لأن الطبيعة برأيه لم تظهر نفسها أبدًا أحادية اللون.[1]

ألفار آلتو

يؤكّد أغلبيّة النقّاد على ثلاثة جوانب في عمارة «ألفار آلتو-Alvar Aalto» تميّزها عن أيّ عمل معماري آخر. فقد اهتمّ آلتو بالصفات الإنسانية للبيئة، وأحبّ الطبيعة، وتراثه الفنلندي. على الرغم من تأثّره الشديد بعمارة لو كوربوزييه والاتجاه الوظيفي إلا أن تصاميمه قد ضمّت قضايا تمّ تجاهلها من قبل المعماريين الآخرين في عصره كالفردية في الإسكان الجماعي على سبيل المثال. دمج آلتو عمومًا في فترة الثلاثينيات الوظيفية مع العضوية، وبرز التكامل بين البناء والطبيعة كموضوع رئيسي في أعماله. واهتم أيضًا بالموادّ الطبيعية مثل الخشب والطوب.

ومن أهمّ أعماله «مكتبة بلدية فيبوري-viipuri municipal library» وقد ابتكر آلتو في الجزء الخاصّ بصالة المحاضرات سقفًا خشبيًا متموّجًا من شرائط خشبية والذي عَمل كجهاز صوتي. إضافةً إلى ذلك صمّم الأثاث الخشبيّ الرقائقيّ المنحني بنفسه، ممّا قدّم شعورًا بالألفة مع اللون الأبيض العامّ للمكتبة. [4][5]

صالة المحاضرات في مكتبة فيبوري من تصميم ألفار آلتو

مميزات العمارة العضوية بالنسبة إلى رايت

كتب رايت بأن معرفة علاقة الشكل والوظيفة لطالما وجدت في جذور عمل المهندس المعماري. وقد صاغ اقتراحات أساسية في التصميم ومنها:

  • تقاس القيمة الحقيقية لأيّ عمل من خلال البساطة والراحة. نتيجةً لذلك ظهرت الحاجة إلى تبسيط تصميم الهيكل، والحدّ من الغرف المتميّزة وإعادة التفكير فيها كمساحات مفتوحة.
  • تعامل الفتحات (النوافذ والأبواب) مثل جزء من زخرفة الهيكل، وكذلك المفروشات. بشكل عامّ تستجيب جميعها لشخصيّة الأفراد المستخدمين لها.
  • يجب أن يبدو التصميم كأنه ينمو بسهولة كجزء من موقعه، وأُنشئ من قبل الطبيعة ومن أجلها في ذات الوقت.
  • يجب أن يشتق اللون من الحقول والأخشاب ويكون متناسبًا معها.
  • احترام طبيعة موادّ البناء والتعبير عنها بحرية.
  • تعكس المباني الإحساس بالإخلاص والصدق والحنان والمحبّة والنزاهة.

ومن وجهة نظر رايت فالشكل لا يتبع الوظيفة، بل هما واحد.[1]

خطوط حرة في التصميم

طرح الفنان «فريدينسريج هاندرتاوس -friedensreich hundertwass» فكرة التعبير عن طريق خطوط حرّة منحنية، فتشكلت آفاق جديدة في العمارة العضوية. وشعر أن المبنى يجب أن يلبّي الحاجة إلى الحماية والمأوى فيكون مثل كهف آمن. وعكس ذلك في تصميمه لمنزل «حلزون الغابة- waldsporale» في دارمشتات، ألمانيا. فمَثَّل الشكل الحلزوني المأوى، ورتّب النوافذ ذات الأحجام والارتفاعات المختلفة في الجدار بطريقة هندسية غير منتظمة ومنظّمة. ذلك لأنها على ما يبدو تخدم الداخل وليس المراقبين في الخارج.[1]

منزل waldsporale في دارمشتات، ألمانيا

منزل الشلال كأيقونة للعمارة العضوية 1937

كلّفت عائلة كوفمان المعماري فرانك لويد رايت بتصميم منزلهم في ولاية بنسلفانيا، أمريكا. وتوقّعت العائلة منزلًا مطلًا على شلالهم المفضّل، لكنهم فوجئوا عندما وجدوا منزلهم فوق الشلال مباشرةً. إذ عكس تصميم «منزل الشلال-fallingwater house» رؤية رايت الجريئة. فلم يرغب أن يكون الشلال مجرّد منظر يُشاهد من بعيد، بل أراد أن يجلبه إلى الحياة اليومية للأسرة عن طريق سماعهم الدائم لحركة المياه.

منزل الشلال في بنسلفانيا، أمريكا.

تبدو مصاطب المنزل وكأنها تعوم فوق المياه، إلا أنها في الواقع مثبّتة بالمدخنة الحجريّة المركزية في المنزل باستخدام الأسلاك. اعتقد رايت بأن المدفأة هي المنطقة المحورية لأيّ منزل لذلك يتوسّع المنزل حولها. وأراد أيضًا أن يشعر المرء بالانضغاط عند الدخول، على عكس الإحساس بالتوسّع والانشراح عند الاقتراب من الهواء الطلق. ولذلك تحتلّ الشرفات حوالي نصف المبنى في حين أن المساحات الداخلية صغيرة مع أسقف منخفضة ممّا يخلق الإحساس بالكهف المحميّ وسط المناظر الطبيعية. استخدم رايت التكوينات الصخرية في الموقع كعناصر زخرفية في الداخل، خاصّةً حول المدفأة. ولم يصمّم الأثاث لكي يتناسب مع المنزل فقط، بل جعله غير مريح إلى حدٍّ ما حتّى يشجّع الضيوف على المشي وتقدير الموقع عوضًا عن الاستقرار والاسترخاء.

جزء من التصميم الداخلي لمنزل الشلال في بنسلفانيا، أمريكا.

استمرّت العائلة بالإقامة في المنزل ولكنهم سرعان ما لاحظوا أن الشرفة الرئيسية بدأت بالتدهور. وتبيّن لاحقًا بأن رايت أصرَ على أن يجعل الأساسات رقيقةً قدر الإمكان، كذلك كان تسليح الشرفات قليلًا على الرغم من احتجاج المهندس المنفّذ. دُعمت الشرفات في وقتٍ لاحقٍ بواسطة أسلاكٍ فولاذيةٍ وافتتح المنزل كمتحف عام 1964. [6][7]

متحف سولومون غاغينهايم

يقع متحف «سولومون غاغينهايم-solomon R.Guggenheim» في مدينة نيويورك، وافتتح للجمهور عام 1959. وقد صمّمه فرانك لويد رايت على النقيض تمامًا من شبكة نيويورك الصارمة، إذ يتّخذ المتحف شكل المنحنيات العضوية. واقترح رايت وجود مساحة كبيرة واحدة في الطابق الواحد. فعند الدخول يوجد على الجانب منحدر اصطناعي (رامب) يستمرّ إلى 6 طوابق. فيصعد المنحدر من طابق إلى طابق بمسار دائري، ويختبر الزائر الفن المعروض على طول الجدران أثناء الصعود إلى الأعلى، أو النزول إلى الأسفل عبر المنحدر. بينما فتح رايت الطوابق على بعضها في المركز، ممّا سمح للزوّار بالتفاعل فيما بينهم على مختلف الطوابق والارتفاعات. وينتهي سقف مركز المتحف بقبّة زجاجيّة تسمح بعبور الضوء الطبيعي.

منظور داخلي لمتحف Solomon Guggenheim في نيويورك.

بالرغم من المساحة المهيبة داخل المتحف والفراغ المذهل إلا أنه لم يكن ناجحًا تمامًا من حيث الوظيفة. ذلك لأنه كان من الصعب تثبيت اللوحات بسبب تقعّر الجدران. كذلك جادل بعض النقّاد بأن المبنى نفسه يتنافس مع الأعمال الفنية التي من المقرّر عرضها. في نهاية المطاف أُنشِئ ملحق للمتحف عام 1992، فحلّل المعماريون المكلّفون رسومات رايت الأصليّة وصمّموا برجًا من الحجر الجيري مكوّنًا من 10 طوابق من جدران مسطّحة أكثر ملاءمةً لعرض اللوحات.[2][8]

متحف Solomon Guggenheim في نيويورك من تصميم فرانك لويد رايت.

كيف تطورت مفاهيم العمارة العضوية عبر الزمن؟

بشكلٍ عامٍّ تشمل العمارة العضوية التي تطوّرت في القرن الـ20 ثلاثة مفاهيم أساسية:

  • تعني العمارة العضوية دمج الطبيعة في تصميم المبنى. حيث رأى رايت أنها مزيج من مبنى مع محيطه بينما بحث غاودي عن القوانين الطبيعية التي يمكن إدراجها في تصميم المباني (أوائل القرن الـ20).
  • أصبحت العضوية نمطًا من العمارة القائمة على الأشكال الطبيعية والتي لم تكن مستقيمة، وتعرف من خلال القوانين الرياضية والهندسية التي تنشأ أيضًا من الطبيعة (منتصف ونهاية القرن الـ20).
  • استندت العمارة العضوية على التقليد الحيوي والبحث عن نماذج من الكائنات الحية، وترجمة هذه الأنماط إلى الجوانب التصميمية أو الوظيفية أو التقنية للمبنى (القرن الـ21).

ومع ذلك فإن الحدود بين هذه المفاهيم ليست واضحة دائمًا، وفي الواقع نادرًا ما يستبعد كلّ منها الآخر. فعادةً ما تتداخل أو تكمل بعضها البعض في الحياة الواقعية.[1] ولا تزال العمارة العضوية تؤثِّر على التصاميم المعمارية حتّى يومنا هذا.

المصادر

  1. Research gate
  2. archdaily
  3. frank Lloyd Wright
  4. architecture history
  5. britannica
  6. britannica
  7. the gurdian
  8. arch daily

سلسلة العمارة الإسلامية: فنّ الزلّيج المغربي

كثيراً ما نرى صوراً من المملكة المغربية تظهر لنا مباني أو شوارع مزيّنة بالكامل بفسيفساء ملوّنة. يميّز هذا الفن العمارة والفن المغربيين، لنتعرف على فنّ الزلّيج.

تعريف الزلّيج

الزلّيج هو فن يتم فيه ترتيب بلاطات خزفيّة ملوّنة منحوتة ذات أشكال هندسيّة على قاعدة جصيّة. ويعدّ هذا النوع من الفنون الإسلامية من المميزات الأساسية للعمارة المغربية. ويتكوّن من لوحات مصفوفة بأشكال وتنسيقات هندسيّة، ويستخدم لتزيين الجدان والأسقف والنوافير والمحاريب والأرضيات والمسابح والطاولات وغيرها. [1]

الشكل 1: لوح من الزلّيج

تاريخ الظهور والبدايات المبكّرة

ظهرت البلاطات المغربية بدايةً في القرن الـ10م. ويعتقد أنها مستوحاة من لوحات الفسيفساء البيزنطية والرومانية التي كانت منتشرة في تلك الفترة. لم يتم استخدام الكثير من الألوان في البلاطات حيث سيطر اللونان الأبيض والبني على هذا الفن. [2]

الشكل 2: ألواح أثرية من الزلّيج في موقع شالة الأثري في الرباط-المغرب

تطوّر فنّ الزلّيج

شهد القرن الـ 11م تطوّر الأشكال والأنماط الهندسية. وأصبح فنّ الزلّيج منتشراً أكثر في فترة الـ (Azulejo) أو الفترة «الإسبانية-المغربية – Hispanic-Moresque period» في مناطق المغرب (شمال غرب إفريقيا) والأندلس (إسبانيا الحاليّة). وقد تطوّر بشكل أكبر في أثناء حكم النصريين وفي عهد الدولة المرينيّة. [1] تمّ تسجيل 180-188 ورشة لعمل الخزف والبلاطات خارج أسوار مدينة فاس في المغرب في عهد الخليفة الموحّدي محمد الناصر (1199-1213م). [3]

كما تمّت إضافة ألوان الأخضر والأزرق والأصفر أثناء القرن الـ14م، وشهد القرن الـ 17م إضافة البلاطات من اللون الأحمر. [2] وتمّ استخدام الطلاء الأصلي الذي كان يستخدم قديمًا والألوان الطبيعية حتى بداية القرن الـ20م، حيث أن الألوان لم تتطوّر بشكل ملحوظ منذ عهد الدولة المرينية. ولا تزال مدينتا فاس ومكناس في المغرب مركز هذا الفن. [1]

طريقة الصنع

لصنع الزلّيج، يجب على الحرفي أن يلوّن ويصقل البلاطات الخزفيّة من جهة واحدة بعد شيّ هذه البلاطة. ثم يتم تقطيع البلاطات وتشكيلها بأشكال هندسية باستخدام مطرقة مدببة الطرف.، ثمّ يتم نحت أطراف القطع وتدويرها باستخدام مطرقة صغيرة. ثمّ يتم تجهيز رسم يحدد كيفية تجمّع الأشكال والألوان المختلفة. ويتم تجميع البلاطات الخزفية بشكل مقلوب (الوجه الملوّن نحو الأسفل) على أرض مستوية وفقاً للرسم الذي يتم وضعه. ثمّ يتم صبّ مونة جصية (أو إسمنتية حديثاً) فوق القطع المصفوفة. وبعد أن يجفّ الجص، يتم تركيب ألواح الزلّيج في المكان المطلوب. [4]

لا تزال فاس ومكناس في المغرب مدينتين مركزيتين لإنتاج بلاط الزلّيج بسبب الطين الرمادي الميوسيني الموجود في مدينة فاس. يتكوّن الطين في هذه المنطقة بشكل أساسي من الكاولين (Kaolinite)، وتتكون التركيبة الطينية من 2-56% معادن طينية، و3-29% كالسيت (Calcite). [5]

الشكل 2: عمّال يقومون بتقطيع ألواح الزلّيج الملوّنة
الشكل 3: قطع الزلّيج بأشكالها المختلفة قبل تجميعها. المصدر
الشكل 4: صفّ القطع بشكل مقلوب تمهيداً لصب المونة فوقها. المصدر

استخدامات الزلّيج

بالإضافة لاستخدام الزلّيج في تزيين المباني الدينية، كالمساجد والمآذن، فقد تمّ استخدامه بشكل خارجي في المباني الدفاعية والمباني الجنائزية. كما تم استخدامه داخل المباني بإضافته مع عناصر وتقنيات تزيينية أخرى كالجص المنحوت والقطع الخشبية المنحوتة والمجمعة مع بعضها لتشكيل أنماط تزيينية فريدة من نوعها. [3]

الشكل 5: سبيل ماء في مدينة فاس – المغرب
الشكل 6: مدرسة العطارين. فاس-المغرب
الشكل 7: صوانٍ ولوحات مزيّنة بالزلّيج في أحد أسواق مدينة فاس

تشكيل هندسي

إن تصوير البشر والحيوانات محظور بشكل عام في الفنّ الإسلامي. وهذا يفسّر تطوّر هذا الفن التزييني الذي تحكمه الهندسة. حيث يتم تجميع أشكال هندسية بسيطة كالمربعات والمعينات والمثلثات والنجوم ومضلعات أخرى معًا وفقًا لأنماط رياضية دقيقة. وبفضل توافق هذه الأشكال مع بعضها وسهولة تجميهعا وتركيبها فمن الممكن استخدامها لتشكيل أنماط تتداخل وتتناوب ويتم تكرارها باستمرار. [6]

خلافاً لإسبانيا الحالية التي انقرض فيها فنّ الزلّيج حديثًا، فإن هذا الفن لايزال يتطوّر في المغرب حتى وقتنا الحاضر. وفي الواقع، إن المغرب هي البلد الوحيد في حوض المتوسط الذي لا يزال فيه إرث هذا الفن محفوظاً، بل ويتطوّر باستمرار. [3]

الشكل 8: الزلّيج الذي يزيّن مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء-المغرب الذي تمّ بناؤه في عام 1993م

في عام 2015م، سجّلت المغرب زلّيج مدينة فاس في تصنيف فيينّا للعناصر التصويرية الخاص بالمنظمة العالمية للملكية الفكرية في محاولة للحفاظ على تراثها الوطني. [7]

المصادر

  1. Zellige – HiSoUR – Hi So You Are
  2. Zellij – The Prince of Tiles History
  3. The Art of Moroccan Zellij_ A Perpetual Prism into the Divine – Fatima Azzahrae Chaabani
  4. Islamic Tile History and Inspiration – whytile.com
  5. Zellige – Encyclopedia MDPI
  6. History of Moroccan Zellige
  7. www.moroccoworldnews.com – morocco-patents-zellige-of-fez-to-protect-cultural-heritage

استخدام الفسيفساء في الفترة المبكرة للعمارة الإسلامية

يعدّ فن الفسيفساء أو الموزاييك أحد أقدم وأشهر الفنون والحرف التي استخدمت عبر التاريخ لتزيين المباني المختلفة في العالم القديم. فمن مصر القديمة إلى بلاد فارس وإلى الإمبراطورية البيزنطية، لا تزال الكثير من المباني تحمل آثار استخدام هذا الفنّ. ونتيجةً للتأثير المتبادل بين الحضارات وانعكاس ذلك على العمارة والفنون انتقل هذا الفن إلى البلدان الإسلامية المجاورة وتطوّر في العالم الإسلامي لتزيين المباني المختلفة حسب وظائفها.

أصل استخدام الفسيفساء في العالم الإسلامي

استُمِدّ فنّ الفسيفساء أو الموزاييك في الإسلام بشكل مباشر من العمارة البيزنطية والرومانية. حيث استُخدمت بشكل أساسي في تزيين الكنائس والمباني العامّة. [1] فاستخدام الفسيفساء والرخام معًا في تزيين المباني يعدّ من صفات العديد من المباني الدينية البيزنطية التي تعود للقرن السادس الميلادي كآيا صوفيا في إسطنبول-تركيا وسان فيتال في رافينا-إيطاليا. [2]

ويعرف أن العديد من لوحات الفسيفساء في الفترة الإسلامية المبكرة قد تمّ تنفيذها من قبل فنانين وحرفيين بيزنطيين. [1]

نوعان مختلفان

يمكن تمييز نوعين رئيسيين؛ النوع الأول يستخدم لتزيين الجدران، والذي كان يتكون من قطع مصنوعة بشكل خاص من الزجاج يتم تركيبها وتنسيقها كمناظر ولوحات فنية.

والنوع الثاني يستخدم لتزيين الأرضيات، والذي كان يتألف من قطع ملونة من الحجارة أو الرّخام يتم ترتيبها غالباً بشكل أنماط تزيينية متكررة. [1]

أرضيات مغطاة بالفسيفساء

تم العثور على أمثلة على استخدام الفسيفساء في تزيين الأرضيات في العديد من المباني التي تعود للفترة الإسلامية المبكرة في سوريا وفلسطين، والتي كان العديد منها مبانٍ بيزنطية سابقة تم تحويلها إلى مبانٍ إسلامية. ولا تحتوي لوحات الفسيفساء التي تغطي الأرضيات عادةً على أي تصوير لبشر أو حيوانات. لكنّ بعض القصور الأموية الخاصة كقصري الحير الغربي والشرقي في البادية السوريّة وخربة المفجر في فلسطين قد احتوت على تصوير لحيوانات على الأرضيّات. [1]

الشكل 1: فسيفساء تغطي أرضية خربة المَفجَر [4]
الشكل 2: فسيفساء تصوّر أسداً وغزلان في أرضية خربة المفجر [4]

كما تمّ العثور على فسيفساء بزخارف هندسية في الحمّام الخاص بقصر الخليفة في مدينة عنجر الأمويّة في لبنان. [3]

الشكل 3: الفسيفساء التي تغطي أرضية الحمّام في قصر الخلفية في عنجر

زينة للجدران

هناك العديد من الأمثلة على استخدام الفسيفساء لتزيين الجدران في الفترة المبكرة للعمارة الإسلامية، لكن سنكتفي بذكر أبرز مثالين:

قبة الصخرة في القدس

أقدم الأمثلة هي جدران قبة الصخرة في القدس. وتضمّ الزخارف التي تزيّن جدرانها زخارف ذات أصل ساساني (تيجان مجنّحة) وبيزنطي (مزهريات مرصعة بالجواهر)، وتربط بين الزخارف المختلفة زخارف نباتية. [1]

الشكل 4: قبة الصخرة
الشكل 5: نموذج من الزخارف التي تزيّن قبة الصخرة من الداخل (الزخارف الساسانية والبيزنطية المنشأ)

الجامع الأموي في دمشق

ثاني أشهر الأمثلة هو الجامع الأموي، والذي تظهر في الفسيفساء الخاصة به بيوت وقصور وحدائق بالقرب من نهر بدون تصوير لأي بشر أو أية حيوانات. [1]

ويقال إن الخليفة قد استقدم مئتي حرفي من الإمبراطورية البيزنطية لتزيين الجامع. [3]

الشكل 6: الواجهة الرئيسية لحرم الجامع الأموي

إن أكبر قسم لا يزال محافظًا على شكله الأصلي يوجد في الرواق الغربي لصحن الجامع ويدعى بـ “لوح بردى”. ويعتقد أنّ الجامع قد احتوى على أكبر لوح فسيفساء ذهبي في العالم. لكن بسبب الحرائق العديدة التي تعرّض لها، والتي كان آخرها عام 1893م، فقد تضرر الجامع بشدة وضاعت الكثير من لوحات الفسيفساء، إلا أن بعضاً منها قد تمّ ترميمه واستعادته منذ ذلك الحين. [3]

الشكل 7: جزء من لوح بردى في الرواق الغربي لصحن الجامع الأموي . المصدر

وقد ألهمت فسيفساء الجامع الأموي أعمالًا أخرى لاحقة في دمشق، أبرزها قبة الخزنة التي تقع في صحن الجامع الأموي والتي تعود فسيفساؤها إلى أعمال ترميم تعود للقرن الـ13 أو الـ14م. [3]

قلّت أهمية الفسيفساء في العالم الإسلامي بعد القرن العاشر الميلادي. [1] وقد تمّ الحصول على تأثيرات مشابهة باستخدام البلاطات الملوّنة، والتي قد تكون صغيرة بزخارف هندسيّة (الزلّيج في شمال إفريقيا)، أو بلاطات أكبر حجمًا ملوّنة لتكوّن أجزاءً من رسوم أو زخارف كبيرة الحجم (القاشاني شرقًا في بلاد فارس وتركيا). [3]

المصادر

  1. Dictionary of Islamic Architecture (PDF)
  2. Precious marbles and gold-ground mosaics _ The Great Umayyad Mosque in Damascus
  3. Islamic mosaic art
  4. – academia.edu – The Mosaics of_Khirbet el Mafjar Hishams Palace by Hamdan Taha

ما هو الاتجاه الوظيفي في العمارة؟

هذه المقالة هي الجزء 8 من 13 في سلسلة كيف نشأت الحداثة وغيرت من شكل المعمار في عصرنا؟

غيّر التقدّم التقني في أوائل القرن ال20 المجتمع الغربي بسرعة مذهلة، فاستولت الآلات المتمثّلة في السيارات والهواتف وغيرها على مخيّلة الجمهور. ونشأ اتجاه يعرف باسم الاتجاه الوظيفي في عمارة الحداثة. ووصف المعماري لو كوربوزييه المنزل بأنه آلة للعيش فيها. إذ يجب أن يُصمّم المنزل بشكل مثالي مثل مظهر الآلة، كذلك يجب أن تعتمد صناعة البناء على أساليب الإنتاج الضخم للصناعات مثل صناعة السيارات. والتي يمكن بدورها أن تحل مشاكل الإسكان المزمنة في البلدان الصناعيّة، كما تعيد الطبيعة إلى حياة الناس. ويحدث ذلك عن طريق التخلّص من المدن التي وصفوها بالسجون الفوضويّة المظلمة. وبالتالي تخطيط المدن تخطيطًا عقلانيًا ووظيفيًا باستخدام أنواع المساكن الموحّدة التي تقدِّم بديلًا صحّيًا وإنسانيًا. [1] فماذا يقصد بالاتجاه الوظيفي في العمارة وكيف أثّر على عمارة الحداثة؟

ما هو الاتجاه الوظيفي؟

تعدّ « الوظيفية في العمارة- Functionalism architecture » أو المدرسة الوظيفية من أبرز اتجاهات عمارة الحداثة. والاتجاه الوظيفي في العمارة هو المبدأ القائل بأن شكل المبنى يجب أن يتحدّد عن طريق اعتبارات عمليّة مثل الاستخدام، والمواد، والهيكل. ويجب أن يعكس تصميم المبنى الغرض منه ووظيفته. ويمكن التعبير عن الفكرة الرئيسيّة في الوظيفية بشعار “الشكل يتبع الوظيفة” والذي صيغ في ثمانينيات القرن 19 من قبل المعماري الأمريكي «لويس سوليفان- louis sullivan» رائد مدرسة شيكاغو.[2]

تاريخ قديم وتنوع مذهل

لا يمكن اعتبار الوظيفية مفهومًا حديثًا وحصريًا، وبصرف النظر عن حقيقة أنه حتّى أكثر المباني الخياليّة تمتلك من دون أدنى شك اعتبارات وظيفية وأسباب لكي تتنفّذ. ولكن وُجِدَت أوقات في الماضي حينما هيمنت فيها الوظيفية على الوسط المعماري، بينما اختلف الطابع الفني من وقت لآخر. فابتداءً من مساكن كهوف العصر الحجري، واستمرارًا بالتحصينات والقنوات الرومانية، وقلاع القرون الوسطى، والعمارة الصناعية والتجارية في القرن 19. استمرت العلاقة الوثيقة بين الشكل والوظيفة وبذلك يكون الاتجاه الوظيفي قديمًا كقِدَم البناء نفسه.

مع ذلك ترتبط الوظيفية على نحوٍ خاص مع عمارة الحداثة والتي تطوّرت خلال الربع الثاني من القرن ال20. وانتشر الاتجاه الوظيفي ليؤثّر على مجموعة متنوّعة من المدارس المعمارية والمعماريين. إذ أثّر على العمارة العضوية لفرانك لويد رايت، والعقلانية الكلاسيكية لميس فان دير روه، والعمارة التعبيرية لإريك مندلسون، وهندسة لو كوربوزييه وغيرهم أيضًا الكثير. وبذلك يمكنكم تخيل حجم هذا التنوع! [2][3]

ما هي أسباب نشأة الاتجاه الوظيفي في العمارة؟

ظهر حجم الدمار الهائل بعد الحرب العالمية، وبالطبع ظهرت معه الحاجة الملحّة إلى إعادة الإعمار. وأبدى المعماريون استياءهم آنذاك من الإحيائيّة التاريخيّة والعمارة الاصطفائيّة. إذ كانت قد ظهرت تقنيّات وأنواع جديدة للبناء، وتغيّرت معها المُثل الثقافيّة والجماليّة. ونتيجةً لذلك بدأت عمليّة البحث عن فكر حديث في ظلِّ واقع احتوى على القليل من المال والكثير من المشاكل مثل أزمة السكن. لذلك ظهرت الوظيفية في العمارة والتي كان من المفترض أن تكون أكثر هندسية وأقلّ فنية. حيث تمَّ وضع الاهتمام بالأشكال جانبًا بينما أعطوا الأولوية للمسكن الفعّال الذي يستخدم أقلّ قدرٍ ممكنٍ من الموارد سواءً كانت مادّيةً أو ماليةً أو بشريةً مع تحقيق أفضل النتائج المرغوبة. [4]

بم يتميز الاتجاه الوظيفي في العمارة؟

أصرَّ المعماريون على أن عمليّة التصميم تبدأ مع تحليل وظيفة المبنى ومن ثمَّ اختيار أفضل الوسائل التقنيّة لتلبية تلك الوظائف. وأكّد مؤيّدو الاتجاه الوظيفي بأن العمارة الجيّدة تنتج تلقائيًا من خلال تلبية الاحتياجات العملية، ورغم ذلك لا يزال هناك العديد من البدائل التي يجب على المهندس أن يختار من بينها، وهذا الاختيار قد يحدّد الفرق بين الهندسة المعمارية الجيّدة والسيّئة.

وأيضًا تقدّر الوظيفية الكفاءة والجودة العالية للبناء إضافةً إلى التكلفة الماليّة المنخفضة. ونتيجةً لذلك تغيّرت أشكال ومساقط المباني، فانتشرت الأشكال الهندسية والجدران الخرسانية البسيطة، مع إظهار التركيبات الكهربائيّة والعناصر الإنشائيّة. وأعطت الأولويّة للضوء والتهوية الطبيعيّين، واستخدموا أحيانًا المواد مسبقة الصنع. هكذا تحدّد الطابع الجمالي بالاتجاه الوظيفي باعتباره جزءًا من عملية التصميم، أي أنه يظهر وحده عند تلبية الاحتياجات الوظيفية بدلًا من أن يتمّ تركيبه مع عمليّة التصميم. وبصفة عامّة فإن التركيز على الوظيفة في العمارة الحديثة يعني إعادة توحيد العمارة والهندسة. [2][4]

نقاط لو كوربوزييه الخمسة

حدّد المعماري «لو كوربوزييه- le Corbusier» الخصائص 5 التي تُعرّف عمارة الحداثة. وتمثّلت بمباني مثل منزل citrohan و«فيلا سافوي- villa savoye» والتي تعد أبرز أمثلة الاتجاه الوظيفي. وشملت هذه الخصائص:

Villa savoye من تصميم لو كوربوزييه
  1. رفع المبنى على أعمدة وبذلك يتحرّر الطابق الأرضي ليصبح مساحة مغطّاة تُستخدم لحركة الناس والسيارات، وتوضع بها الأدراج والخدمات اللازمة.
  2. تحرير الواجهات ويحدث هذا عن طريق فصل الجدران عن الجملة الإنشائية، أي لا تكون الجدران حمّالة وكذلك تتراجع الأعمدة أحيانًا عن الجدران الخارجية ممّا يعطي حرّيّة أكثر بتحديد شكل وأبعاد فتحات النوافذ.
  3. جدران خارجيّة بسيطة وغير مزخرفة، إضافةً إلى استعمال نوافذ شريطيّة.
  4. مساقط مفتوحة، وتظهر المرونة في التصميم عند استخدام قواطع خفيفة للفصل بين الفراغات.
  5. أسقف مستوية، مع إمكانية تحويل السطح إلى حديقة، فتصبح الحديقة جزءًا أساسيًا من التصميم. [5]
منزل citrohan من تصميم لو كوربوزييه

منزل سيسيل، فريدا، ودييغو في المكسيك

صمّم «خوان أوجورمان- juan o’gorman» ما يعتقد بأنه أوّل مبنىً يعود للوظيفية في أمريكا اللاتينية، وهو منزل لوالده سيسيل ومن ثمّ أضيف إليه منزل لفريدا كاهلو ودييغو ريفيرا.

منازل Cecil, Diego and Frida من تصميم خوان أوجورمان
منازل Cecil, Diego and Frida من تصميم خوان أوجورمان

وركّز أوجورمان على احتياجات المكسيك مع الأخذ بعين الاعتبار الثقافة المحلّيّة، لهذا السبب كان للمنازل ألوان مختلفة نابضة بالحياة. واختار النباتات المحلية للحدائق من أجل أن تنمو من تلقاء نفسها دون الحاجة إلى عناية خاصّة. واستخدم الصبّار ليكون سياجًا عوضًا عن الجدران. ورفع المنزل على الأعمدة ممّا سمح له بتحرير الطابق الأرضي.[4]

مشروع وحدة السكن في مرسيليا، فرنسا

كُلّف لو كوربوزييه بتصميم مشروعٍ سكنيٍّ لعائلات مرسيليا «وحدة السكن- unité d’habitation». ليستوعب تقريبًا 1600 ساكن. واختار لو كوربوزييه الامتداد الشاقولي بدلًا من الأفقي في تصميمه لذلك ارتفع المبنى ليضمَّ 18 طابقًا. وتمثّلت فكرته بتخصيص فراغ سكني خاصّ، ولكن خارج هذا الفراغ صمّم أماكن عامّة مشتركة احتوت على فراغات للتسوّق والأكل والرياضة والاجتماعات. كذلك شَكَّل السطح شرفة لحديقة بها مضمار للجري وروضة أطفال ومسبح ونواد. إضافةً إلى ذلك احتوى المجمّع على محلات تجارية ومرافق طبّيّة وحتّى فندق صغير. فأصبح مبنى وحدة السكن كمدينة داخل مدينة يتمّ تطويرها وفق الاحتياجات المكانيّة والوظيفيّة للسكّان. [6]

وحدة السكن في مرسيليا، فرنسا من تصميم لو كوربوزييه

آلة ولكن

كثيرًا ما تُنتقد الوظيفية في أوروبا بوصفها وكأنها مثل الآلة، خاليةً من الروح، أو أنها ابتعدت عن الفنّ في سبيل تحقيق عدّة احتياجات. ولكن بالرغم من ذلك لا نستطيع إنكار الدور الرئيسي الذي لعبته في حلّ أزمة السكن المنتشرة. وما قدّمته من إلهام إلى مدارس عمارة الحداثة والتخطيط العمراني عمومًا.

المصادر

  1. Le Corbusier – OpenLearn – Open University
  2. Functionalism | architecture | Britannica
  3. MODERNISM (architecture-history.org)
  4. Architecture or Revolution: Frida Kahlo’s Houses and the Functionalist Movement | ArchDaily
  5. Le Corbusier – The first period | Britannica
  6. AD Classics: Unite d’ Habitation / Le Corbusier | ArchDaily

ما هي العمارة التعبيرية Expressionist architecture ؟

هذه المقالة هي الجزء 7 من 13 في سلسلة كيف نشأت الحداثة وغيرت من شكل المعمار في عصرنا؟

نستطيع وصف الحداثة بأنها من أكثر الأساليب تفاؤلًا في التاريخ المعماري نتيجة اعتمادها على الابتكار، وإعادة النظر في كيفيّة عيش الناس وعملهم وتفاعلهم مع بعضهم. ولا تزال فلسفة الحداثة تهيمن حتّى اليوم على الكثير من الأعمال المعمارية، بالرغم من أن العوامل التي تسببت في ظهور الحداثة قد تغيّرت تمامًا. وقد نشأت العمارة التعبيرية كمدرسة من مدارس الحداثة وأثّرت وتأثّرت بالعمران من حولها. فماذا يقصد بالعمارة التعبيرية؟ وبم تتميز؟

ما المقصود بالتعبيرية؟

تعد التعبيرية أسلوبًا فنيًا يسعى فيه الفنان إلى تصوير المشاعر والاستجابات الذاتيّة التي تثيرها الأشياء والأحداث داخل الشخص عوضًا عن تصوير الواقع الموضوعي. وحقّق الفن التعبيري هدفه من خلال التشويه والمبالغة والبدائيّة والخيال. وبدأت الموجة الرئيسية للتعبيرية حوالي عام 1905 عندما شكّلَت مجموعة من الفنانين الألمان جمعية دعوها بالجسر. ووقف هؤلاء الرسامون في ثورة ضدّ ما اعتبروه الطبيعة السطحية للانطباعية والأكاديمية. [2]

وتميّزت «العمارة التعبيرية -expressionist architecture» بأشكالها الحيوية والعضوية والعاطفية التي حدّدت نمطها. واستكشفت العمارة التعبيرية الإمكانيات التقنية الجديدة التي ظهرت بسبب الإنتاج الضخم للصلب والزجاج، وأثارت تجمّعاتٍ ومبانٍ غير عاديةٍ ورؤىً مثالية.[1]

نشأة وأهداف العمارة التعبيرية

أدّى الدمار المادي والبشري الهائل بعد الحرب العالمية الأولى إلى خلق واقع يصعب تحمله، ففي تلك السنوات جمد الواقع وخلا من المشاعر والأحاسيس. ولذلك نشأت العمارة التعبيرية كطريقة للتعامل مع مشاكل أوائل العشرينيات، إذ سعت بشدة إلى البحث عن واقع وحس جديد بالحياة. وشعر المعماريون بضرورة أن يتصرّفوا نيابةً عن المجتمع، واعتقدوا أن تحقيق سعادة الناس سيكون من خلال البناء. فلم يعد التمثيل هو الهدف الرئيسي للفن بل أصبح التعبير عن الذات الروحية الداخلية هو الغاية وأصل التصميم.

قبل كل شيء، رفضت التعبيرية الآلة كأساس للإبداع الفني، وتركوا أيديهم ترسم التصاميم تلقائيًا. وحاولوا أيضًا استبعاد العقل من المشاركة في الرسم، إذ أرادوا تحويل الروح إلى واقع، فلا يشعر المرء داخل مباني العمارة التعبيرية بأنه محاط بالجدران والسقف ولكنه يشعر بوجود غشاء يحيط به، يوجب عليه استخدام حواسه لفهم مكان وجوده. ولذلك كانت عمارتهم مبهجةً للفكرِ، فعن طريق الشعور وجد المعماريون التعبيريون حداثتهم. [3]

بمن تأثرت العمارة التعبيرية؟

نشأت العمارة التعبيرية مع مدارس حداثية مثل مدرسة «الباوهاوس-bauhaus» ولكنها لم تستوح من الخطوط المستقيمة النظيفة لبنية الباوهاوس. بينما فضّلت أعمال معماريين مثل «فرانك لويد رايت-Frank Lloyd Wright » و«أوتو فاغنر-otto wagner» وبالأخص مدرسة «الفن الجديد-art Nouveau» لأنها رفضت أساليب البناء الصناعي وعرضت شوقًا رومانسيًا إلى حدٍ ما في الهياكل الزخرفية الطبيعية. وبشكل عام استلهم المعماريون من الأساليب التي اعتمدت الزخرفة، وأيضًا من عمارة الشرق الأقصى. [1][3]

العمارة التعبيرية في ألمانيا

شكّلت مجموعة من المعماريين حلقةً سحريةً بينهم ضمن العالم الصناعي من حولهم. وتشارك معظم الأعضاء الرغبة بتصميم مبانٍ ذات مقاييس أكبر، من شأنها أن تجمع الفنون معًا. ويمكن القول بأن جوهر المشاريع كان فنيًا وليس معماريًا لأنها لا تهدف في المقام الأول إلى أن تتحقق. ولكي يفهم شخص ما تصميم مبنىً عليه فقط أن يتبع محيط الشكل بعينيه.

استخدم المعماريون الزجاج بكثرةٍ حيث رمز إلى وعي وتصميم أوضح واعتبروه توضيحًا للروح. واعتقدوا بأن الزجاج يمكن أن يكون محفّزًا اجتماعيًا حيث تجبر هذه المادة الشفّافة المستخدمين على التواصل باستمرار مع بيئتهم سواءً كانت الطبيعة أو الجوار المبني. واعتقد البعض بأن الزجاج يشبه العاطفة ويشير إلى مساحة لا نهائية في شكله وهكذا أصبح الزجاج رمزًا للحياة الجديدة. ومن جهةٍ أخرى، استخدم بعض المعماريين الطوب بكثرة كذلك، لأنه يشير إلى الحرفة التقليدية، وفي بعض الأحيان كان أكثر ملاءمةً للمناخ. على سبيل المثال chile house في مدينة هامبورغ 1923 من تصميم فريتز هوغر. يستحضر المبنى صورة سفينة بزواياها الحادة، وبصفة عامة يلمح الشكل إلى العديد من الصور الأخرى مثل الأسماك.

chile house في هامبورغ، ألمانيا 1923

وقد تبدو العديد من التصاميم التعبيرية وكأنها على استعداد للمغادرة وذلك لكي توحي بالتحول والتسامي. وانتشرت أفكار المعماري «هيرمان فينستيرلين- Hermann Finsterlin» الذي كان مفهومه للعمارة بيولوجيًا تقريبًا، فقد اعتبر أن تصاميمه هي كائنات حية طبيعية مجمعة من أشكال أساسية. [3]

برج أينشتاين لإريك مندلسون افتتح عام 1924

يعدّ المعماري الألماني «إريك مندلسون-Erich mendelsohn» من أبرز روّاد العمارة التعبيرية. وقد كُلّف بتصميم برج أينشتاين، فرسم مندلسون العديد من الرسومات في محاولةٍ لخلق بنيةٍ ديناميكيةٍ من شأنها أن توحي بنظريات أينشتاين. وانتهى تصميم المرصد الفلكيِّ على شكل برج مرفوع فوق مصطبة ضمّت المختبرات، وتشير بشكلها إلى موجة. واستخدم مندلسون الزوايا المنحنية إضافةً إلى قبّة تسمح للراصد بمراقبة السماء. وحاول تمثيل الطاقة من خلال كتلة المبنى، فشكل البرج يوحي للبعض بقدرته على الحركة أو القفز إلى الأمام. ويعد المبنى من أشهر مباني العمارة التعبيرية حتّى يومنا هذا.[4]

برج أينشتاين في ألمانيا من تصميم إريك مندلسون.

العمارة التعبيرية في هولندا

اختلفت العمارة التعبيرية الهولندية عن الألمانية، ونُظر إلى التصميم في المقام الأوّل على أنه صراع فردي داخلي من رؤية المهندس المعماري ضد المواد وواقع البناء. وامتازت عمارتها بالتركيز على القوّة في شكل المباني، وصمّمت المباني وفقًا للنمو العضوي في الطبيعة ونتيجةً لذلك أصبحت تشبه النحت. واستخدم المعماريون الطوب والبلاط المشكّل يدويًا بألوان مختلفة وشكّلت مع المداخن والشرفات والأبراج والزخرفة إضافات نحتية. وبهذه الطريقة حوّلوا الأجزاء الوظيفية من المباني إلى جوانب رمزية عبّروا بها عن بهجة الحياة اليومية.

استخدم المعماريون بشكل عام خطوطا بسيطة وحازمة ولكنها مفصّلة في إيقاعات متقطّعة ممّا سمح لهم بعرض العاطفة في تصاميمهم، ومنحت مبانيهم طابعًا فريدًا. وعكست مباني التعبيرية الهولندية الحنين إلى النسيج الاجتماعي في القرون الوسطى. وحاول بعض المعماريين ومنهم بييت كرامر وميشيل د.كليرك تجديد تقاليد الإسكان الجماعي الهولندية القائمة بدلًا من اختراع شيء جديد تمامًا. فاستخدموا المواد التقليدية وأنظمة البناء على حساب المواد والهياكل الصناعية الجديدة. [3]

عقارات إيجين هارد في هولندا 1913-1921

تعتبر عقارات Eigen haard للإسكان من تصميم ميشيل د.كليرك من أشهر مباني التعبيرية الهولندية. واستعمل البلاط والطوب متعدد الألوان لتوفير الانطباعات اللازمة. وتؤكّد الأشكال الأسطوانية على زوايا المباني، واستخدمها للتعبير عن المداخل المشتركة. كما تهدف أشكال الأبراج إلى التعبير عن طبيعة القرية، وبصفة عامة يشير مجمّع البناء بأكمله وتفاصيله إلى بقايا من ثقافات العصور الوسطى الماضية.[3]

عقارات Eigen haard للإسكان في هولندا 1913-1921
عقارات Eigen haard للإسكان في هولندا 1913-1921

كنيسة غروندفيغ في كوبنهاغن، الدنمارك

لم يقتصر وجود العمارة التعبيرية على ألمانيا وهولندا بل انتشرت في العديد من الدول الأخرى مثل النمسا والتشيك والدنمارك. وتشتهر مدينة كوبنهاغن بكنيسة «غروندفيغ-Grundtvig» من تصميم «بيدر جنسن كلينت- peder jensen klint» وأثار جنسن كلينت في تصميمه نوعًا من الرومانسية القومية إذ دمج بين الشكل التقليديّ للكنائس والتقاليد الدنماركية مع التعبيرية. فعكس تصميم الكنيسة بمداخلها وعناصرها الرموز الدينية. كما احترم قوانين البناء لذلك استخدم الطوب الأصفر المصنوع يدويًا، واعتمد كذلك على النسب التقليدية. وتكاد تخلو جدران الكنيسة من أيّ زخرفة، فأصبحت نصبًا تذكاريًا للثقافة الدنماركية والروح التعبيرية.[5]

كنيسة Grundtvig من تصميم peder jensen klint

واقع جديد

أدّى كلٌ من إعادة الاستقرار الجزئيّ في ألمانيا بعد عام 1924، والواقع السياسي الجديد، والواقعية الاجتماعية إلى تسريع تراجع التعبيرية في أواخر العشرينيات. ولكن يمكننا القول بأنه تمّ القضاء على التعبيرية بعد وصول النازيين إلى السلطة وتحديدًا عام 1933. حيث وصفت مجمل الأعمال التعبيرية بأنها منحطّة، ومُنعت من النشر أو العرض أو حتّى العمل بها. وفي نهاية المطاف ذهب العديد من روّاد التعبيرية إلى المنفى في أمريكا وبلدان أخرى.[2]

ختاما، جسّدت العمارة التعبيرية فكرًا معماريًا مختلفًا تمامًا عن حركات الحداثة الأخرى، وأصبحت إحدى المدارس المعمارية المبدعة في فترة العشرينيات فكانت مصدرًا للإحساس والشعور وسط الزخم الصناعيّ والآليّ.

المصادر

  1. archdaily
  2. Britannica
  3. architecture history
  4. archdaily
  5. archdaily

مدينة عنجر المهجورة: تخطيط روماني وبناء لم يكتمل

من الآثار الأموية القليلة الموجودة في لبنان، مدينة كاملة أُنشِئت لتكون مركزًا تجاريًا على نقطة تقاطع للطرق التجارية من بيروت إلى دمشق، ومن حمص إلى طبريا مرورًا بالبقاع، فلنتعرف على مدينة عنجر الأثرية.

موقع وتقسيم مدينة عنجر

الشكل 1: مدينة عنجر كما تظهر على خرائط Google
الشكل 2: مخطط المدينة ويظهر به: 1- قصر الخليفة الكبير، 2- المسجد، 3-القصر الثاني، 4-حمام ومسجد ثاني، 5-منطقة سكنية، 6-شارع رئيسي، 7- شارع ثانوي، 8-تقاطع الشارعين والتترابيل، 9-بوابات المدينة [3]

تقع المدينة على بعد 58كم شرق بيروت، [1] في نقطة التقاء طريقين تجاريين مهمين. أحدهما يصل بين بيروت ودمشق، والآخر يقطع البقاع واصلًا بين حمص وطبريّا.

تم اكتشاف هذه المدينة في أربعينات القرن ال20، حيث أظهرت عمليات التنقيب مدينة مستطيلة الشكل بأبعاد (350×385م) مسوّرة محاطة بجدران وب40 برج (36 برج نصف دائري متصل بالجدران بالإضافة إلى برج في كل زاوية من الزوايا الزوايا الأربعة). [2]

يقطع مدينة عنجر شارع في كلّ من محوريها، محور شمالي-جنوبي رئيسي، ومحور أقل أهمية شرقي-غربي يقسمانها إلى أربع أقسام متساوية. يقع قصر الخليفة الكبير والمسجد في الربع الجنوبي-الشرقي من المدينة ويشغلان القسم الأكثر ارتفاعاً منها. في حين تقع القصور الأصغر والحمامات في الربع الشمالي-الشرقي. وتوزّع الوظائف الثانويّة والمناطق السكنية في الربعين الشمالي-الغربي والجنوبي-الغربي. [3]

الشكل 3: واجهة قصر الخليفة بعد أن تم ترميمها بشكل جزئي

تخطيط وتقنيات بناء رومانية

يعد الشارعان الرئيسيان اللذان يقطعان المدينة مثالًا على تخطيط الشوارع في المدن الرومانية. حيث يوجد المحور الرئيسي (شمال جنوب) الذي يسمى «كاردو ماكسيموس – Cardo Maximus» بعرض 20م والذي كان محاطًا بالمتاجر من الجهتين. ويتقاطع في منتصفه مع الشارع الثانوي الذي يسمى «ديكومانوس ماكسيموس – Decumanus Maximus» الذي كان محاطًا بالمتاجر والدكاكين من الجهتين أيضاً. تم اكتشاف 600 متجرًا أو دكانًا بالمجمل، [4] مما يجعل مدينة عنجر مثالًا على المراكز التجارية الداخلية. [2]

الشكل 4: احد الشارعين الرئيسيين لمدينة عنجر وتظهر في الصورة الأعمدة التي تم بناؤها بشكل جزئي والمتاجر المحيطة بالشارع من الجانبين

نلاحظ في نقطة تقاطع الشارعين وجود أربعة «تترابيلات – Tetrapylons» على الزوايا الأربعة لمفترق الطرق هذا. وقد تمت إعادة بناء أحد التترابيلات بشكل كامل بأعمدته الأربعة. ونلاحظ الكتابات الإغريقية على القواعد والتيجان الكورنثية التي تتميز بأوراق نبات «الأكانتوس – Acanthus» المنحنية. [4]

الشكل 5: التترابيل

كما نلاحظ استخدام تقنية بناء ذات أصل بيزنطي تتألف من صفوف من الحجارة المنحوتة والتي تتناوب مع صفوف من القرميد. هذه التقنية التي استخدمها البيزنطيون للتخفيف من آثار الزلازل. [4] (وتطوّرت لاحقًا في العالم الإسلامي لتعرف باسم “الأبلق“).

الشكل 6: صورة مقرّبة لأحد الجدران في مدينة عنجر تظهر استخدام تقنية صفوف الحجارة المتناوبة

يمكننا رؤية قواعد أعمدة ذات أبعاد متساوية عن بعضها على جانبي الشارعين والعديد من الأعمدة المنهارة والتي كانت جزءًا من رواق كان ممتدًا على جانبي الشارعين. تم إعادة بناء قسم من أعمدته من أجل إعادة تخيّل المشهد. [4]

بناء لم يكتمل

تم تأسيس مدينة عنجر من قبل الخليفة الأموي الوليد الأول (الوليد بن عبد الملك (705-715م)) في بداية القرن 8 الميلادي، ولم يكتمل بناؤها حيث لم تحظَ إلا بفترة قصيرة من الازدهار. إذ هزم الخليفة الأموي ابراهيم بن الوليد في عام 744م ، وبعدها، تم هجر المدينة شبه المدمّرة ليعاد اكتشافها من قبل علماء الآثار في أربعينات القرن ال20 م. أضيفت المدينة إلى قائمة اليونسكو للتراث العالمي في عام 1984م. [2] وتعدّ عنجر مثالًا على تأثّر الحضارات ببعضها من خلال تخطيطها وأسلوب بنائها، ومثالًا على قيام الأمويين بإعادة استخدام الآثار الموجودة والمتوفرة في بناء مبانٍ جديدة.

المصادر

  1. Anjar – Umayyad Route
  2. Anjar – UNESCO World Heritage Centre
  3. phoenician-anjar (pdf)
  4. Aanjar – middleeaast.com

قبة الصخرة ما بين الماضي والحاضر

تعد قبة الصخرة من أشهر الصروح التي تميّز العمارة الإسلامية، ومن أبرز رموز فلسطين المحتلة. فمن منا لا يعرف قبة الصخرة الذهبية؟ لنتعرف معًا على تاريخها وعلى عناصرها المعمارية.

بناء وموقع قبة الصخرة

بنيت قبة الصخرة بأمر من الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بين عامي 688 – 691 م [1]. وتعدّ من أولى المباني الإسلامية على الإطلاق. بنيت لتكون نقطة محورية دينية لحلفاء الخليفة الأموي. إذ إن منطقة الحجاز (مكة المكرمة والكعبة المشرفة) آنذاك لم تكن تحت سيطرة الدولة الأموية. [2]

تقع القبة ضمن الحرم الشريف [2] في موقع المعبد اليهودي الذي تم تدميره أثناء الحصار الروماني للقدس في عام 70م. [3] وبسبب موقعها على أرض صخرية لم تتضرر بشكل ملحوظ إثر الزلازل العديدة التي أصابت المنطقة. [1]

الشكل 1: موقع قبة الصخرة ضمن الحرم الشريف

البنية المعمارية لقبة الصخرة

إن بنية المنشأة وقبتها التي نراها اليوم لا تزال محافظةً على شكلها الأصلي. حيث تتميز بمسقط مثمن الشكل. يسقف مركزه بقبة ذات قطر 20 م تقريبًا، مرفوعة على رقبة محمولة على 4 دعامات و12 عمود[3]. تحتوي هذه الدائرة في مركزها على الصخرة المشرفة [2]. ويحيط بالدائرة رواق مثمن الشكل مؤلف من 8 دعامات و16 عمود. وتشكل الجدران الخارجية شكلًا مثمنًا بطول 18م وبارتفاع 11م لكلّ جدار. بينما تشكّل الجدران الخارجية مع الرواق الداخلي ومع أعمدة القبة ممرين يدوران حول الصخرة المشرفة. [3] تحتوي كل من الرقبة التي تحمل القبة والجدران الخارجية على نوافذ عدّة.

تحتوي كل من الجدران الخارجية الأربعة المواجهة للجهات الرئيسية الأربع (شمال، جنوب، شرق، غرب) على باب. وتغطى الواجهات الخارجية بألواح من الرخام في الأسفل وبلاطات خزفية من الأعلى. تعود هذه البلاطات لعهد السلطان العثماني سليمان القانوني، الذي أمر باستبدال الفسيفساء الزجاجية الأصلية في الفترة الواقعة بين عامي 1545و 1552م. كما جددت الألواح الرخامية عدة مرات. [6]

الشكل 2: مسقط قبة الصخرة من رسم المؤرخ البريطاني كريزويل
الشكل 3: الصخرة المشرفة والأروقة المحيطة بها

الفسيفساء

أصبحت الفسيفساء التي تزّين الجدران والأسقف منتشرة بشكل كبير في الفترة القديمة المتأخرة (حوالي 300- 800م). وأصبحت تزيّن عددًا كبيرًا من الكنائس البيزنطية، ككنسية سان فيتالي في روما، وآيا صوفيا في اسطنبول. ولا تحتوي لوحات الفسيفساء في قبة الصخرة على أية تصوير لبشر أو حيوانات. وعوضًا عنها نرى زخارف نباتية وأوعية وتيجان مجنحة تشبة تلك التي كان يرتديها الملوك الساسانيون. [4]

وعلى الرغم من استخدام آيات قرآنية للتزيين، فإن العناصر المعمارية والتزيينية متأثرة كثيرًا بتقاليد البناء البيزنطية المسيحية. [5]

الشكل 4: نموذج من الفسيفساء التي تزين قبة الصخرة من الداخل
الشكل 5: البلاطات الخزفية التي تزين الجدران الخارجية

تعديلات وتحسينات طرأت على قبة الصخرة

خضعت المنشأة لتعديلات مع تعاقب الفترات الإسلامية التي حكمت القدس، بمن فيهم العباسيون والفاطميون والأيوبيون. وخلال الحملات الصليبية، كانت الصخرة محاطة بحاجز من الحديد المطاوع، واستبدله الأيوبيون بالحاجز الخشبي الذي يحيط بالصخرة اليوم. ولعلّ من أهم عمليات الترميم، تلك التي أمر بها السلطان العثماني سليمان القانوني في القرن 16م. إذ استبدلت الفسيفساء الخارجية ببلاطات خزفية ملونة. [7] وفي القرن العشرين (1968م) [8]، تم إصلاح الزخارف الداخلية والخارجية التالفة واستبدالها. وزوِّدت القبة بغطاء ذهبي جديد. [7]وكذلك تم تجديد الصفائح الذهبية التي تغطي القبة في عام 1993م. [8]

قبة السلسلة

تعتبر قبة السلسلة منشأة مشابهة لقبة الصخرة، غير أنها أصغر حجمًا. تقع شرق قبة الصخرة مباشرةً، وتتميز بمسقط مشابه مثمن الشكل، مسقوف بقبة، ومفتوح الجوانب. [8] بنيت من قبل الأمويين، وحولت إلى كنيسة صغيرة أثناء الحملات الصليبية. ثم أعاد الأيوبيون تحويلها إلى مصلى. ورممت من قبل الممالي العثمانيين. ورممت حديثًا من قبل المملكة الأردنية الهاشمية. إن قطر قبة السلسلة 14م، وهذا يجعلها ثالث أكبر منشآت الحرم الشريف بعد المسجد الأقصى وقبة الصخرة. [9]

الشكل 6: قبة الصخرة وقبة السلسلة

بئر الأرواح

هو كهف طبيعي ومن صنع الإنسان بشكل جزئي. يوجد داخل الصخرة الأساسية تحت قبّة الصخرة. وعرِف خلال فترة الحملات الصليبية باسم «قدس الأقداس – The Holy of Holies». يبدو سقف الكهف طبيعيًا، بينما رصِفت أرضيته بالرخام وغطِيت بالسجاد.

يقع مدخله في الجهة الجنوبية الغربية من البناء، ويحتوي على أربعة محاريب؛ محراب إبراهيم، ومحراب خضر، ومحراب داوود، ومحراب سليمان.

الشكل 7: مدخل بئر الأرواح
الشكل 8: بئر الأرواح من الداخل ويظهر في الصورة محراب سليمان

المصادر

  1. Dome of the Rock (BiblePlaces.com)
  2. The Dome of the Rock (Qubbat al-Sakhra) – Smarthistory
  3. Dome of the Rock – Madain Project (en)
  4. The Dome of the Rock (Qubbat al-Sakhra) (article) _ Khan Academy
  5. The Dome of the Rock _ The Metropolitan Museum of Art
  6. Dome of the Rock – Discover Islamic Art – Virtual Museum
  7. Dome of the Rock – Britannica
  8. Dictionary of Islamic Architecture (pdf)
  9. Dome of the Chain – Madain Project (en)
  10. Well of Souls (Temple Mount) – Madain Project (en)
Exit mobile version