كيف صنع حريق ضخم مدرسة شيكاغو المعمارية المميزة؟

هذه المقالة هي الجزء 2 من 13 في سلسلة كيف نشأت الحداثة وغيرت من شكل المعمار في عصرنا؟

عندما تشاهد صور لمدينة دبي، فأوّل ما يلفت انتباهك هو ناطحات السحاب التي تكاد تلامس السماء. فهل تساءلت يومًا كيف بدأ كلّ هذا؟ حسنًا، بدأ كلّ شيء في شيكاغو، تلك البلدة التي بدأت بعدد سكّان يبلغ 200 نسمة فقط. ونمت لاحقًا لتصبح موطنًا لأكثر من مليون ونصف بحلول نهاية القرن 19. وتشتهر شيكاغو بهندستها المعماريّة المتنوّعة، ويعود الفضل بتطوّرها وازدهارها إلى مدرسة شيكاغو المعمارية. وساد اتّجاه مدرسة شيكاغو في أواخر القرن 19، وأثّر بشكل فعّال على العمارة من بعده. ويعود له الفضل بتأسيس عمارة ناطحات السحاب.

حريق شيكاغو الذي غيّر كل شيء

اجتاح حريق هائل شيكاغو على طول 6.44 كم واستمرَّ من 8 إلى 10 أكتوبر عام 1871. فقتل 300 شخص وشرّد حوالي 100 ألف شخص، ودمّر 17,500 مبنى وتقريبًا ثلث المدينة. وساعد الطقس الجاف وكثرة المباني الخشبيّة على انتشار الحريق. فقد بُنيت المباني في أغلب الأحيان بطبقة واحدة من المواد المقاومة للحريق من الخارج، بينما أخفت الهيكل الخشبي تحتها. مثل مبنى محطّة المياه في شارع pine فقد استبدلوا سابقًا ألواح السقف الخشبيّة بمادة «الأردواز-slate» وهي نوع من الصخر الصفائحي. ولكنّهم تركوا الهيكل نفسه من خشب الصنوبر. وعندما ضربت جمرة حارقة السقف في الساعات الأولى من الحريق، تدمّرت المحطّة التي كانت المصدر الرئيسي للمياه لإدارة الإطفاء في المدينة. [1][2]

إعادة إعمار مدينة شيكاغو

بدأ بناء مدينة شيكاغو على الفور. وأحيانًا كان يبدأ البناء حتّى قبل أن يكمل المهندس المعماري والإنشائي التصميم. وصدرت قوانين جديدة بعد الحريق فرضت استخدام مواد بناء مقاومة للحرائق مثل الطوب والحجر والرخام وغيرهم. فتلتصق مواد البناء هذه بمادة لزجة وقويّة تدعى الملاط، وتدعى هذه التقنيّة «البناء-masonry». ويشمل مصطلح البناء العديد من المواد وأنواع البناء المختلفة. مثل الحجر الطبيعي وكذلك الوحدات المصنعة من الطوب الطيني، والكتل الخرسانية، والحجر المصبوب، والبلاط الطيني الهيكلي، والطين، والكتل الزجاجية وكلها مواد بناء. ولكن لم يتحمّل السكان الفقراء تكلفة البناء الجديدة.

وأدّى حدثان مختلفان إلى توقّف هذه المرحلة من إعادة الإعمار. الأوّل إفلاس بنك عام 1873 فأحدث بدوره كساد وطني، ممّا أدّى إلى توقّف العديد من أعمال البناء. والثاني هو نشوب حريق أصغر عام 1874 ودمّر أكثر من 800 مبنى. فبدأت عمليّة إعادة البناء البطيئة والمكلفة، فتشكّل تحدي جديد واجهه مهندسو شيكاغو. [2]

عوامل ساعدت مهندسي مدرسة شيكاغو

لطالما عاش المعماريّون في أفكارهم، فهم دائمًا في حالة بحث وتفكير لإحداث فارق وبصمة في المدن. وأدّت الأحداث المتسارعة في شيكاغو إلى انشغال المهندسين بتخطيط مدينتهم على شبكة جديدة، وتصميم مباني تعكس أفكارهم الحديثة.

ولعبت الثورة الصناعيّة دورًا مهمًا، إذ كان قد أحدث اختراعان ثورة في الهندسة الإنشائيّة. فقد صنع إليشا أوتيس المصعد، وعرضه لأوّل مرّة في نيويورك عام 1854. كما اختُرع جهاز إنجليزي يسمح بإنتاج كميّات كبيرة من الفولاذ عالي الجودة ومنخفض التكلفة عام 1856. [3]

وظهرت مادّة بناء تدعى «تراكوتا-terra cotta» وهي من أنواع الطين المحروق. استُخدمت للنحت والبناء كمادّة خزف من الصلصال المزجّج أو غير المزجّج. وانتشرت سريعًا كمادّة شعبيّة وفعّالة بحلول منتصف الثمانينيات. [2]

وساعدت هذه العوامل المهندسون على إعادة الحياة إلى مدينتهم، وأصبحوا قادرين على ابتكار تقنيّة إنشائيّة تسمح ببناء مبنى مرتفع. فقد اعتُبر أقصى ارتفاع لمبنى هو 5 طوابق حتّى منتصف القرن 19. ولكن هذا لم يوقف مهندسو مدرسة شيكاغو. [3]

نشأة اتّجاه مدرسة شيكاغو

عمل المعماريون في شيكاغو وفق المعطيات الجديدة لتلبية احتياجات رجال الأعمال والتجار. وفضّل هؤلاء المظهر العادي وذلك لأنّ وضع الزخارف الفخمة يكلّف المزيد من الأموال. ودعت الحاجة لبناء المزيد من المباني التجاريّة إلى التفكير بالتوسّعات العموديّة أي المباني الشاهقة. وأصبح هذا الأسلوب معروف باسم مدرسة شيكاغو.

وقد تشترك مباني مدرسة شيكاغو ببعض السمات التي تجعلها تبدو موحّدة في الماضي، ولكنّ الحقيقة هي أنّها أظهرت تنوّعًا كبيرًا أيضًا. ممّا أحدث جدلًا حول تسميتها. وقد تدعى أحيانًا أعمالها الأولى باتجاه «النمط التجاري-commercial style». ويعتبر «لويس سوليفان-louis Sullivan» و«وليام لي بارون جيني-william le baron jenny» و«دانيال بورنهام-daniel burnham» و«دانكمار أدلر-dankmar adler» من روّاد مدرسة شيكاغو. [2][4]

مبنى التأمين المنزلي أوّل ناطحة سحاب في العالم

عندما نقلت شركة نيويورك للتأمين المنزلي أعمالها إلى شيكاغو، تحدّوا المجتمع المعماري للتوصّل إلى تصميم يجلب الضوء الطبيعي إلى جميع أجزاء المبنى. فجاء وليام لي بارون جيني بالحل، وكان الفولاذ. [2]

فصمّم جيني المبنى بارتفاع 42م، وبعشرة طوابق واكتمل عام 1885. وأصبح ب 12 طابق بعد 7 سنوات، ممّا جعل ارتفاع المبنى النهائي 54.9م. [4]

وابتكر جيني تقنيّة إنشاء جديدة، إذ جعل المبنى محمول من قبل هيكل من الحديد واستخدم عوارض فولاذية. بدلًا من البناء بطريقة الجدران الحمّالة التقليديّة. فسمح الهيكل الصلب ببناء نوافذ أكبر من كل جانب من المبنى. وصُنعت الأقسام بين المكاتب من الطوب والتراكوتا. ولم تبق الحاجة لبناء جدران سميكة. فأصبح المبنى يزن حوالي ثلث المباني المصنوعة من الطوب أو الحجر. فأثار ذلك في البداية القلق لدى مسؤولي المدينة. فهل كلّ هذا المبنى الطويل بهذا الوزن الخفيف فقط؟

وحدّد هذا المبنى وتيرة عمل اتجاه مدرسة شيكاغو فيما بعد. ولكن للأسف لا نستطيع رؤية هذا المبنى اليوم، فقد هدِم عام 1931. وحلَّ محلّه برج من طراز «أرت ديكو-art deco» وتكوّن من 54 طابق.  [3][5]

مبنى التأمين المنزلي في شيكاغو. صممه وليام لي بارون جيني

كيف نميّز بناء يعود لطراز مدرسة شيكاغو؟

تشترك مباني مدرسة شيكاغو ببعض السمات التي تجعلنا نتعرّف عليها ومنها:

  • يُشبَّه المظهر العام للمبنى بهيكل العمود الكلاسيكي. فتعتبر الطوابق السفلى بمثابة قاعدة العمود والتي أعطوها مظهر خارجي مختلف، وعادةً ما تضمّ المزيد من الزجاج. بينما تعمل الطوابق الوسطى المتكرّرة كجسم العمود. وأخيرًا الطابق الأخير الذي يمثّل تاج العمود، ووتوضع في أعلاه الزخارف والكورنيشات والأفاريز.
  • تَستخدِم جميع المباني نظام إنشائي موحد، فالبناء بالهيكل الفولاذي يسمح بزيادة الارتفاع. وصنعوا حديد الهيكل ليكون مقاومًا للحرائق.
  • استخدام طريقة masonry للبناء والتراكوتا والتي تُظهِر القليل من الزخرفة وتفسح المجال للنوافذ السطحيّة الكبيرة.
  • اتّبع تصميم النوافذ نظامًا يكفل دخول الضوء والتهوية. فتألّفت النافذة النموذجيّة من لوح زجاجي كبير وثابت، ويوجد لوحان زجاجيّان أصغر بجواره. وتتكرّر هذه النوافذ عادةً في جميع أنحاء المبنى وتخلُق شبكة منتظمة. واستخدموا أحيانًا نوافذ أوريل، وهي نوافذ تبرز قليلًا عن الجدار نحو الخارج. [4]

أمثلة لمبان شهيرة على طراز مدرسة شيكاغو المعمارية

مبنى القاعة Auditorium building

ويعتبر هذا المشروع مزيج غريب من فندق ومكاتب وُضِعت على شكل حرف U حول قاعة الأوبرا. وقد صمّم المبنى لويس سوليفان ودانكمار أدلر، وانتهى بناؤه عام 1889. وارتفع المبنى 10 طوابق مع برج من 17 طابق، من الجرانيت والحجر الجيري. وتميّز مظهره بالبساطة الشديدة مع قليل من الزخرفة والأقواس. بينما أظهر سوليفان موهبة في الزخرفة من الداخل. واستلم أدلر الجوانب الإنشائيّة والميكانيكيّة للمبنى مع التصميم الصوتي الفعّال للأوبرا. [6]

مبنى القاعة ويقع في شيكاغو

مبنى وينرايت Wainwright building

يعد المبنى من أهم ناطحات السحاب التي صمّمها سوليفان وأدلر. فلم يهتم جيني وغيره من المعماريين بالتعبير البصري عن ارتفاع مبنى شاهق، على عكس ما فعله سوليفان. ونستطيع ملاحظة التركيب الثلاثي لأجزاء العمود في المبنى. فشكّل الطابقان السفليان القاعدة، واهتمّ بمظهر الطوابق المتكرّرة فأزاح النوافذ قليلًا إلى الداخل لتبرز عنها الأعمدة والعوارض. ونقش زخارف على أجزاء التراكوتا، وغطّى إفريز زخرفي عميق وكورنيشة بارزة نهاية الطابق الأخير من المبنى. [6][7]

مبنى وينرايت ويقع في ولاية ميزوري

مبنى جواراناتي Guaranaty building

يقع المبنى في نيويورك، ويتكون من 16 طابق. صمّمه سوليفان وأدلر، ويشبه مبنى wainwright building ولكنّ سطحه مغلّف بالتراكوتا بدلًا من الطوب الأحمر. [6]

مبنى جواراناتي ويقع في نيويورك

مبنى الاعتماد Reliance building

يقع المبنى في شيكاغو وصمّمه المعماري جون روت. وأحدث المعماري أتوود إضافات عليه، وانتهى المبنى عام 1895 ويعتبر المبنى مثيرًا للإعجاب بسبب مساحات الزجاج الكبيرة التي غطّت الواجهة. ممّا يجعله بذلك أقرب ما يكون لناطحات السحاب الحاليّة. [4]

مبنى الاعتماد ويقع في شيكاغو، وتظهر فيه نوافذ أوريل.

المصادر

  1. History
  2. National geographic
  3. BBC
  4. Arch 2o
  5. Britannica
  6. Britannica
  7. Arch daily

الإدراك البيئي: كيف ندرك بيئاتنا؟

هذه المقالة هي الجزء 8 من 9 في سلسلة مقدمة في علم النفس البيئي

بالنسبة لعلم النفس البيئي وللدراسات العمرانية إجمالًا، هناك فرق بين “الموضوع – object”، و”البيئة – environment”. فبينما يحتاج الموضوع ذاتًا لتتعامل معه، تحتاج البيئة مساهمين «participant» ليتفاعلوا معها؛ إذ أن البيئة تحيط بالفرد ويعتبر جزءًا منها، ويتفاعل معها ويدركها باستعمال الحواس المختلفة (الحركة والشعور والشم وغيرها)، وربما يساهم فيها بتغييرها. ودائمًا ما يتضمن الإدراك البيئي هذا نوعًا من الأفعال، والتي تتضمن بدورها معانٍ ورموزًا معينة.

القدرة التصويرية للمدينة

تحدثنا في مقالٍ سابق عن كيفن لينش وعن كتابه «صورة المدينة»، والذي عرّف صوريّة المدينة أو قدرة الأفراد على تصوير وتخيل واستذكار المدينة بناءً على صفات المدينة العمرانية مثل الطرق والمراكز والحواف والعلامات والأحياء. وعرّف هذا المفهوم بـ«صوريّة المدينة – city imageability»، أو القدرة الصورية للمدينة. وصف لينش عملية الإدراك البيئي التي ترتكز على هذه العناصر العمرانية بـ«التخطيط الإدراكي – cognitive mapping»، وهو العملية العقلية والإدراكية التي يفهم بها البشر بيئاتهم ويتفاعلون بها من خلالها.

حاول لينش أيضًا قياس مستوى السهولة التي يمكن للسكان أن يقيّموا بها بيئةً ما ويستوعبوها داخل نمط أو نسقٍ معين، واطلق على هذا القياس اسم “وضوح المدينة”، أي القدرة على تكوين صورة ذهنية عن المدينة واستيعابها بشكلٍ منطقي ومتناغم. أي ان المدينة التي تحتوي على عناصر عمرانية محددة وواضحة تكون أسهل للتذكر والحركة.

ولكن على عكس ما قد يوحي به هذا من أن المدن المخططة (مثل المدن الحديثة نسبيًا كنيويورك أو الرياض) أسهل في الحركة خلالها، إلا أن جين جيكوبز أظهرت أن الوحدة البصرية الشديدة بين أجزاء المدينة تؤدي للتشويش، أي ان المدينة تحتاج قدرًا من العفوية والتنوع (العملي والبصري) ليتمكن السكان من ادراكها؛ وتتطلب أجزاءً متباينة تعمل فيما بينها، لا إلى أحياء متفرقة ومنفردة بذاتها [1]. ومن هنا نفهم احد أوجه القصور التخطيط الحضري للمدن وتقسيمها إلى أحياء مخصصة (للصناعة أو للسكن أو لغيرها)، أو حتى محاولة تصميم كل المناطق والبيوت والمباني لتبدو بنفس الشكل (بعض من أصدقائي الذين أقاموا في سنغافورة وصفوها بأنها شديدة التنظيم لدرجة الملل).

الصوريّة الاجتماعية

يمكن للأماكن المميزة أيضًا أن تحفز لدى السكان صورًا اجتماعية، أي معانٍ اجتماعية مشتركة بين مستعملي مكانٍ معين. فمثلًا يمكن لميدانٍ أو ساحةٍ ما أن ترتبط في ذهن سكان الحي بأنها مكانٌ للتجمع وللممارسة الأنشطة الجماعية، أو يمكن أن يرتبط شارعٌ ما بنوعٍ معين من السلوكيات أو الأنشطة أو الأحداث. في العادة، تكون الأماكن ذات القدرة التصويرية أيضًا ذات قدرة اجتماعية أيضًا.

تكشف الخرائط الذهنية للمدن وقدراتها التصويرية والاجتماعية عن جانبٍ مهم من دراسات المدن، وهي الفروق الطبقية بين السكان. فالكثير من المدن على سبيل المثال تعتمد بشكلٍ رئيسي على السيارات للتنقل، مما لا يتيح للطبقات الأفقر الانتقال خلال المدينة ومعاينتها، ويظلون مكدسين داخل مناطق سكنهم والتي قد تعاني من فقرٍ في المرافق العامة. والنتيجة هي أن معاينة بعض السكان للمدينة وتجربتهم للسكن فيها قد تكون شديدة الفقر مقارنة بآخرين من الطبقات الأعلى، الأمر الذي قد يفقدهم الشعور بالانتماء أو الاهتمام بالمدينة وبالحيز الذي يحتلونه فيها.

ومن الجوانب المهمة والتي بدأ الاهتمام بها عالميًا أيضًا هي الفوارق العمرية بين السكان. فالكثير من المدن ومشاريع التخطيط العمراني تكون مبنية بالأساس على استعمال السيارات على سبيل المثال وباهتمامٍ هامشي بالمشاة -إن وجد-. في المقابل فإن بعض المعماريين والمخططين بدؤوا بلفت الانتباه لحق الأطفال واليافعين في الاستمتاع بالمدينة بشكلٍ آمن وسلس، وبدأت الدراسات الحضرية باستكشاف كيف يمكن تخطيط المدن لتكون صديقة للأطفال[2].

اعتبرت برازيليا مدينة نموذجية للتخطيط العمراني عديم الحياة، لدرجة أن مصطلح “متلازمة برازيليا – Brasilia Syndrome” صار كناية عن المدن ذات التخطيط والنسب غير المناسبة للبشر

الحواس البشرية وإدراكنا لما حولنا (الإدراك البيئي)

كما سبق لنا القول في الفقرة السابقة، فإن العديد من مشاريع التخطيط العمراني اليوم تعتمد بشكلٍ أساسي على السيارات وعلى المساحات الكبيرة والمسافات الشاسعة. العديد من المدن حول العالم اليوم تتمركز حول التنقل بالسيارات، مثل الكثير من المدن الأمريكية ومدن الخليج العربي على سبيل المثال.

يتعرض هذا النمط من التخطيط والتصميم للكثير من النقد، ومن جوانب هذا النقد المتعلقة بهذا المقال هي علاقة المدينة والعمران بالحواس البشرية وتناسبها معها. وربما يكون المعماري الدنماركي «يان غيل» أبرز من كتبوا عن هذه العلاقة في كتابه «مدن من اجل الناس». بنية البشر البدنية تسمح لهم بالرؤية ضمن نطاق وزاوية محددين، وسرعتهم في السير أيضًا تفرض عليهم رتمًا معينًا من الرؤية والانتباه على سبيل المثال. ولذلك فإن المشاة نادرًا ما ينتبهون لما يدور في الأدوار العلوية من البنايات -ما لم يرفعوا رؤوسهم، وهي عملية “مرهقة” ما لم يكن هناك داعٍ لها-. المشاة أيضًا يحتاجون مسافات قصيرة نسبيًا للمشي والتنقل في المدن، ووجود الطرق السريعة الواسعة أو ممرات المشاة التي تحتوي سلالم للصعود والهبوط يعد عائقًا في طريقهم. سرعة البشر في السير وبنية أجسامهم هي ما تجعلهم يشعرون بالضجر إذا ساروا بجانب جدارٍ فارغ؛ في حين أن وجود نوافذ ومعارض على مسافات متقاربة تشعر المشاة بالتنوع البصري وتلفت نظرهم، ما يشعرهم بالمتعة البصرية (ناهيك عن تحفيز الأنشطة كالبيع والشراء).

تعتمد النظريات الصديقة للمشاة على المساحات الصغيرة والمسافات القصيرة في تخطيط المدن، فالمدن المعتمدة على الطرق السريعة والسيارات تعتمد أيضًا على سرعة السيارات، ما لا يتيح للركاب معاينة المدينة والتفاعل معها كما يتاح للمشاة. من الجدير بالذكر أن المدن التقليدية (أي المدن ما قبل الصناعية وما قبل الحداثة) كانت تطبق هذه الأنساق بالفطرة، إذ كانت تبنى بمسافات متقاربة وبنسبٍ معتدلة تناسب حواس البشر.

الإدراك البيئي وعلم الأعصاب

ذكرنا عرضًا في مقدمة هذه السلسلة عن وجود ما يسمى بـ”علم الأعصاب المعماري”، وهو استعمال تقنيات ومناهج بحث خاصة بعلوم الأعصاب لدراسة تفاعل البشر مع المدن والعمران وإدراكهم لبيئاتهم. يبحث هذا المجال الآثار العقلية والذهنية للبيئة والعمران على العقل والسلوك البشريين، كما يدرس الكيفية التي يدرك بها البشر بحواسّهم البيئة من حولهم، في محاولة لتصميم بيئات أكثر ملائمة للحياة والسلوك البشريين. وجدير بالذكر أن العديد من نظريات هذا المجال لها أسس تطورية.

يميل الناس للنظر إلى المناطق ذات العوامل المثيرة. لم ينظر أحد تقريبًا إلى الجدار الفارغ في هذا المثال.

فعلى سبيل المثال، درس بعض الباحثين الكيفية التي ينظر بها الناس إلى واجهات المباني عن طريق دراسة حركة بؤبؤ العين، واكتشفوا أن الواجهات المثيرة والتي تحتوي على نوافذ وعلامات (وليست مجرد جدران صمّاء) تجذب نظر الناس عكس الجدران الصماء التي يتجاهلها الناس وكأنها لم تكن. يجدر هنا ذكر أن هذه من الافتراضات التي ذكرناها للتو للمعماري «يان غيل» حول السير في المدن: أي أن السير بجانب واجهات تجارية مفتوحة ومثيرة للاهتمام لا يشعر المرء بالملل. فكّر في هذا حين تتمشى لمكان جديد وحاول أن تلاحظ إن كنت تشعر بالملل أثناء المشي فيه أم لا وهل ينطبق هذا المثال عليه.

المصادر:
1: The Death and Life of Great American Cities
2: Cities Alive: Designing for urban childhoods
3: Environmental Psychology: Environmental Cognition

كيف تطورت العمارة في الدولة المصرية الحديثة؟

تأسّست الدولة المصرية الحديثة عندما طرد الملك أحمس الأوّل الهكسوس من مصر ووحّدها. واستمرّت من الأسرة 18 إلى الأسرة 20 وتقريبًا منذ 1550-1070 ق.م. وتوسّعت عسكريًا على مساحات واسعة. وأطلق الباحثون لقب الفراعنة على ملوك مصر، وقد استخدمت كلمة فرعون لأوّل مرّة في عهد الدولة الحديثة، وعَنَت آنذاك المنزل الكبير.

ومن اللافت للنظر بروز عدّة ملكات لعبن دورًا مهمًا في حكم مصر، كما أسهمنَ في تطوّر العمارة. وأصلح ملوك الدولة المصرية الحديثة العديد من المعابد القائمة والتي تعود للدولة المصرية الوسطى والدولة المصرية القديمة وأضافوا عليها. وشيّدوا مواقع هامّة مثل وادي الملوك الذي ضمّ المقابر الملكيّة. [1][2]

بيت البهجة ومجمّع القصور

بنى أمنحتب الثالث مجمّع للقصور بمساحة 360 هكتار، ويعرف اليوم باسم ملقطة في مدينة الأقصر. وتشير بعض الأدلّة أنّ سبب بنائه هو حاجة الملك لمكان للاحتفالات عند قدوم ممثّلين من دول معروفة في ذلك الوقت، للمشاركة كضيوف رسميّين. ودُعي قصر الملك الأساسي ببيت البهجة، وقسّموه إلى قطّاعين رئيسيّين. وعلى الرغم من المتاهة المبنيّة، يُظهِر القصر تصميم منظّم ومدروس بعناية. فاقتصر القطّاع الشمالي على الأقسام الرسميّة، في حين ضمّ القطّاع الجنوبي الأقسام السكنيّة والمخازن. واحتوى القصر على نظام ممر معقّد وصل بين جميع الأقسام الأساسيّة.

وضمّ المجمّع معبد لآمون، وقصر للملكة ووليّ العهد، ومنازل كبيرة للنبلاء. ووُجد قصر للحريم والخدم، الذي أطلَق عليه بعض المستكشفين عن طريق الخطأ لقب القصر الشمالي. واحتوى المجمّع قاعة للجمهور وساحة للاحتفال وطلّت عليها نافذة الملك في الأعلى حيث ظهر منها عند مقابلة الزوّار في الساحة أدناه. [3]

كيف صمّم المصريون منازلهم في العصر الحديث؟

ضمّ المنزل المصري عادةً 3 غرف تعاقبت مع ازدياد الخصوصيّة إلى الداخل، إضافةً إلى ممر أدّى إلى المطبخ ومنطقة خلفيّة مفتوحة. واحتوى المنزل التقليدي على:

  • غرفة استقبال أماميّة. فُتحَت مباشرةً من الشارع وتقدّمها درج، حيث بني المنزل تقريبًا 40-45 سم أخفض من الشارع. وسيطر على أحد الجدران ضريح مرتفع على شكل مصطبة مستطيلة ارتفعت غالبًا 75 سم، ووصِل إليها عبر درجات. ويرجّح أنها وضِعت لأغراض العبادة في المنازل. بينما قابل المدخل باب أدّى إلى الفراغ الثاني.
  • غرفة استقبال أعلى بدرجة أو اثنتين من الغرفة الأولى. واحتوت على عمود أو عمودين مركزيّين بارتفاع وصل إلى 4.3 م. ووجِد مذبح صغير في هذه الغرفة مع طاولة تقديم الهبات، وصنعوا تماثيل من الفخّار للآلهة المنزليّة. ووضعوا أريكة عائليّة بارتفاع 20 سم.
  • قبو، حفروه أغلب الأحيان تحت غرفة الاستقبال الثانية، وأغلقوه بسطح خشبي.
  • غرفة صغيرة أو اثنتان. واستُخدمَت كغرفة نوم أو غرفة عمل سيّدة المنزل، مع ممر مؤدّي إلى الخلف.
  • مطبخ ومنطقة خدمة مع فرن مقبّب وحوض للعجن ومرفق لتخزين المياه مع مكان لمزار عائلي آخر.
  • درج للسطح، حيث تستريح العائلة أو تخزّن حاجياتها.
  • قبو خلفي، حفروه لتخزين الطعام أو الحبوب.
  • نوافذ، وضعوها عادةً في أعلى الجدران مع سواكف حجريّة أو شبكات خشبيّة.

مسقط ومقطع لمنزل تقليدي في دير المدينة رسمته Helena jaeschke

ونستطيع رؤية أمثلة من هذا المنزل التقليدي في دير المدينة. [3]

بينما سكن الفقراء في منازل تكوّنت من غرفة واحدة، استخدموها غالبًا للتخزين أو القيلولة خلال النهار. ويرجّح أنّ السكان ناموا على الأسطح في الليل، واحتوت أحيانًا على مظلّات من القصب لتشكيل الظلال. واحتوى المنزل على ساحة خلفيّة، وارتفع في أماكن أخرى بحوالي 1.2 م عن الأرض لمنع الغبار من الدخول.

بينما احتوت منازل الأغنياء أحيانًا على 30 غرفة، استخدموا معظمها لتخزين الأطعمة. وعلى الرغم من وجود أنابيب من الحمّام إلى الحديقة الخلفيّة إلّا أنّه لم تتوفّر مياه جارية في المنازل. [4]

الشكل النهائي للمعابد الدينيّة في الدولة المصرية الحديثة

تطوّرت المعابد الدينيّة في عهد الدولة المصرية الحديثة بشكل ملحوظ، واختلفت عن المعابد في عهد الدولة المصرية القديمة. واتّبعت نهجًا تطوّر على مدى قرون خلال تعاقب ملوك الأسر. فاستمرّوا بإضافة عناصر إلى المعابد في كثير من الأحيان لتصبح أخيرًا مجمّعات هائلة. ويمكن رؤية العناصر الأساسيّة للمعابد الدينيّة في معبد الأقصر الذي بدأه أمنحتب الثالث وخصّصه لآمون.

وقد أدّى ممر بين تماثيل لأبي الهول برؤوس كباش “طريق الكباش” إلى المدخل الذي شيّدوه على شكل بوّابة مرتفعة أحيط بها برجان عاليان وتدعى «بيلون-Pylon». وقد زوّدوها بسواري للأعلام وتموضعت أمامها زوج من المسلّات وتماثيل ضخمة للملك.

ممشى أبو الهول “طريق الكباش” ويظهر البيلون خلفه في معبد الكرنك

وبعدما عبر المصلّون من البيلون وصلوا إلى ساحة أدّت إلى قاعة أعمدة رئيسيّة وقد تأتي بعدها قاعة أخرى أصغر حجمًا من أجل تقديم الهبات. ووجِد المذبح في قلب المعبد وبنوا بالإضافة إلى ذلك غرف للتخزين وحفروا خارج المعبد الرئيسي بحيرة أو بئر للمياه من أجل الطقوس اللازمة. وبُني في أوقات لاحقة مبنى للاحتفال بالولادة الإلهيّة للملك ويدعى بيت الولادة. وتمّ احتواء كل المباني الخدميّة بواسطة جدار ضخم من الطوب الطيني. [5]

معبد أبو سمبل

أبرز نصب بناه رمسيس الثاني هو بلا شك المعبد المكرّس لآمون رع في أبو سمبل. ويقع على الضفّة الغربيّة للنيل في أسوان حاليًا. وعلى الرغم من أنّ المعبد محفور في الصخر. ولكن يتبع الهيكل عمومًا مخطّط المعبد المصري المعتاد.

وتظهر أربعة تماثيل ضخمة لرمسيس الثاني وهو جالس على وجه الجرف، وكلّ منها بارتفاع 21م، اثنان على كلا جانبي المدخل. ونحتوا شخصيّات صغيرة بينها مَثّلت عائلته. وامتدّ المعبد داخل الصخر حوالي 64 م. وتَلَت المدخل قاعة أعمدة كبيرة تخلّلتها غرف للتخزين. وتمّ الانتقال من القاعة بشكل محوري إلى قاعة أعمدة ثانية، وثمّ إلى قاعة ثالثة. وبعدها حفروا الحرم المقدّس في الصخر.

ووجّهوا المعبد بدقّة بالغة بحيث تعبر أشعة الشمس إلى الحرم المقدّس يومين في السنة (22 فبراير و22 أكتوبر). وتضيء ثلاثة تماثيل جالسة على مقعد. ويعتقد المؤرّخون أنّ هذين التاريخين يمثّلان تتويج الملك وولادته. وبُني معبد آخر أصغر لزوجته نفر تاري شمال المعبد الرئيسي.

ونجا المعبد خلال العصور القديمة ليواجه تحدي الغرق في الستينيات. وذلك بسبب ارتفاع مستوى مياه نهر النيل بعد قرار بناء السد العالي. فنُقل المعبد على هضبة صحراويّة بارتفاع 64م وامتداد 180م غرب موقعها الأصلي. وقد قطّعوا المعبد إلى أجزاء ترواح وزنها بين 20-3 طن، وأعادوا تجميعها في الموقع الجديد. وشارك بالعمل حوالي 3000 شخص من دول متعددة واستغرق الأمر تقريبًا 5 سنوات. [6][7]

مدخل معبد أبو سمبل ويعود للدولة المصرية الحديثة

وادي الملوك

يقع وادي الملوك في مصر العليا على الضفّة الغربيّة للنيل، ويعتبر موقع دفن تقريبًا لكل ملوك الدولة المصرية الحديثة. وضمّ الموقع كذلك قبور للملكات وبعض الأمراء وعدد قليل من المسؤولين ذوي الرتب العالية. واختلفت تصاميم المقابر اختلافًا كبيرًا، ولكنّها تكوّنت بشكل عام من ممر نازل تخلّله فتحات عميقة استُخدمت من أجل تضليل اللصوص. وحفروا غرفة أعمدة وغرفة الدفن وغرفة أخرى للتخزين.

وتعود أطول مقبرة للملكة حتشبسوت، فتبعد غرفة الدفن ما يقارب 215 م عن المدخل، وتنزل 100 م في الصخر. [8]

وقد أخفى البنّاؤون مداخل المقابر بشكل جيّد إلّا أنّه من المرجّح أنّ أغلب المقابر الملكيّة المعروفة قد سُرقت قبل نهاية الأسرة 20. وتشهد السجلّات المصريّة على محاكمات اللصوص والعقوبات القاسية التي صدرت ضدّهم. واعتقد الكثيرون أن المقابر ال 62 التي تمّ اكتشافها قبل عام 1922م مثّلت كلّ ما يمكن العثور عليه في الوادي. حتى اكتشاف قبر توت عنخ آمون الذي نجا من النهب.

وحديثًا عام 2005 عثر المنقّبون على قبر غير معروف وبدون مومياء. رجّح الباحثون بعدها وجود مقابر قريبة لم تكتشف بعد. وخاصّةً أنّه لم يتمّ العثور بعد على قبر رمسيس الثامن. [9]

يمشّط منذ قرون سارقو القبور، وصائدو الكنوز، وعلماء الآثار وادي الملوك. ولكن حتّى الآن لا يزال الموقع يجلب العديد من المفاجآت. فما الذي خبّأته لنا عمارة الدولة المصرية الحديثة أيضًا؟ حسنًا هذا ما سنعرفه مع الزمن.

المصادر

  1. Live science
  2. History
  3. Staffsites.sohag_univ
  4. Ancient Egypt
  5. Britannica
  6. Britannica
  7. Live science
  8. Britannica

9.National geographic

بم تميّزت عمارة الدولة المصرية الوسطى؟

نشأت الدولة المصرية الوسطى عندما نجح الملك منتحوتب الثّاني في استعادة السيطرة على البلاد بأكملها وتوحيدها، بعد انقسام دام طويلًا. ومنتحوتب هو أحد ملوك الأسرة 11، واستمرّت الدولة الوسطى تقريبًا بين 2030-1640ق.م. حتى نهاية الأسرة 13. وقدّمت إسهامات مهمة في العديد من العلوم وخاصّةً في الطب، وطوّرت النصوص الأدبية واللغة الهيروغليفية. ولا يجب أن ننسى إنجازاتها في العمارة. وقد اتّخذت الدولة المصرية الوسطى نهجًا جديدًا في العمارة الجنائزية أثّرت على كل من أتى بعدها وخاصةً عمارة الدولة المصرية الحديثة. [1]

طيبة مدينة الجنوب التي نافست المراكز الشمالية

بدأ تاريخ طيبة الطويل كمركز محافظ، لكنها نَمَت في ظلّ الدولة المصرية الوسطى لتنافس المراكز الشمالية. وتعرف اليوم باسم الأقصر، وقد خدمت كعاصمة خلال فترات من الدولة الوسطى والحديثة.

تقع طيبة في الجنوب، ويبدو أن إجمالي الأراضي المأهولة كانت حوالي 796 هكتار كأقصى تقدير، من دون إضافة مساحة المعابد. فنشأت المدينة على الضفة الشرقية لنهر النيل بمساحة 384 هكتار بالإضافة إلى العديد من المعابد الهامّة مثل مجمّع معابد الكرنك. الذي يُعتبر من أكبر المجمّعات الدينية في العالم بمساحة 1500×800 م. بينما خيَّم الموت على الضفة المقابلة في غرب النيل، إذ بنى المصريون هناك مقابر ملكيّة واسعة بمساحة تقديرية 412 هكتار. [2][3]

مدينة كاهون للعمّال من الدولة المصرية الوسطى

تقع المدينة اليوم في محافظة الفيّوم، وقُسّمَت إلى قسمين غير متساويين فصل بينهما جدار. فشغَلَ القسم الغربي مساحة 3.5 هكتار، أمّا القسم الشرقي 9.5 هكتار، لتصبح مساحة المدينة ككل بعد إضافة المعبد 14 هكتار. أمّا إذا اكتشفت منطقة حضرية جنوب المعبد فستتضاعف مساحة المدينة تقريبًا. وعندما ننظر إلى مخطّط المدينة نلاحظ أنّها صمّمَت ليسهل على شخص واحد فقط حراستها بأكملها.

مخطط لمدينة كاهون رسمته Helena jaeschke

احتوى القسم الغربي على شارع رئيسي تقاطع معه 11شارع بعرض 4 م وباتّجاه شرقي-غربي. واتّبعت المنازل ذات التصميم، حيث اجتمعت 6 غرف سويًّا مع مدخل واحد نحو الخارج ودرج أدّى إلى السطح. بينما احتوت منازل المشرفين على غرف أكبر مع تصاميم متنوّعة، وضمّت 12-5غرفة مع ممرّات. وطليت المنازل باللون الأبيض واحتوت بعضها من الداخل على رسومات ونقوش باللون الأحمر والأصفر والأبيض. ولم يهمل كذلك الصرف الصحي، إذ وجِدت أقنية لتصريف المياه القذرة.

أمّا القسم الشّرقي فضمَّ ستّة قصور في الشمال وثلاثة أخرى على جنوبها بالإضافة إلى المخازن. وشيّدت منازل بجانب السور الداخلي، ووجدَت خمسة شوارع متماثلة من منازل العمّال وبعض المباني غير المحدّدة. ونرى منطقة مرتفعة في الشمال بجانب القصور، ويرجّح أنّها كانت قصرًا أيضًا ولكن بنوه على مرتفع ليتناسب مع الطبوغرافيا. وكانت القصور بمساحة 60×42.

يقدّر الباحثون عدد سكان كاهون بحوالي 5000 نسمة، وقد يصل العدد إلى 8000 بحسب تقديرات أخرى. وتبيّن أنّ المنازل في القسم الغربي قد نُفّذت بدقة شديدة. لدرجة أنّه عند رسم مخطّطاتها، ظهر اختلاف بالكاد وصل إلى 5-2.5 سم. ويعتبر هذا الفارق صغير جدًّا ويصعب تكراره حتّى يومنا هذا. [3]

مقابر النبلاء في الدولة المصرية الوسطى

تغيّر شكل المدافن عن عمارة الدولة المصرية القديمة. ونلاحظ عدد من السمات المهمّة لمجمّعات مقابر كبار المسؤولين التي تعود للدولة الوسطى. فأصبحت المقابر في الضفة الغربية للنيل تُرى من مسافات كبيرة. فيمكن رؤية الساحات الواسعة أمام المقابر من الضفة الشرقية للنهر، والتي أحيطت بالجدران، وارتفع منها منحدر(رامب) للوصول إلى مدخل القبر. وأشارت أبعادها إلى مكانة ونفوذ المتوفّى. [6]

يقع موقع بني حسن الأثري على الضفة الشرقية لنهر النيل، جنوب القاهرة حاليًّا. ويشتهر الموقع بسبب المقابر المحفورة في الصخر والتي تعود لزمن الأسرة 11 و12. وعُثِر على 39 قبر، حيث حفر النبلاء وكبار المسؤولين قبور ضخمة في حجرات ضمن الجرف الصخري. وضمّت العديد من الميّزات المعمارية ومنها الأعمدة والأروقة وأسقف على شكل قبوة اسطوانية. ورسموا على بعضها مشاهد من الحياة اليومية وكتبوا نصوص هامّة. [4][5]

معبد منتحوتب الجنائزي

يتميّز مجمّع منتوحوتب الثاني الجنائزي بطابعه المعماري الفريد عمّا سبقه. ويعتبر أوّل تطوّر لما أصبحت عليه المعابد الجنائزية في الدولة المصرية الحديثة. وقد شيّدوه في الدير البحري في طيبة على الضفة الغربية لنهر النيل. وضمَّ المجمّع معبد الوادي وامتدّ منه ممر إلى الغرب بطول 1200 م، وعرض 6م. وقد حاصروه من كلا الجانبين بجدران عالية من الطوب والحجر. وانتهى الممر بفناء كبير حيث بُني المبنى الرئيسي على سفح الجبل.

ودخل المصلّون الفناء الكبير من الشرق، فرأوا مباشرةً أمامهم واجهة المعبد المكوّنة من طابقين من الأعمدة. وقد نما الجمّيز والتمر على طرفي الفناء بين تماثيل للملك، وأدّى منحدر (رامب) في منتصف الفناء بينها إلى الطابق الثاني من الأعمدة حيث وقع المدخل الرئيسي للمعبد.

ووجِد بعد المنحدر صفّان من الأعمدة على ثلاثة جوانب. وأدّى باب محوري إلى القاعة الرئيسية التي احتوت أيضًا على صفوف من الأعمدة في جميع جوانبها. وتمّ اكتشاف قبر الملكة والأمير في هذا القسم من المجمّع. ورسم العلماء تصوّرات مختلفة لشكل سقف القاعة، فالبعض تصوّر السقف على شكل هرم. بينما رجّح الأغلب أنّ السقف كان على شكل مصطبة مستوية.

وأدّت الجهة الخلفية من القاعة إلى صالة أعمدة أصغر محفورة ضمن الصخر. وحفروا منها للأسفل ممر عميق بطول أكثر من 150 م، قاد إلى مدفن الملك. بينما انتهت الصالة بباب قاد إلى صالة أعمدة حيث حفروا الحرم المقدّس في أقصى جزء من المجمّع. ونحتوا تماثيل للإله آمون والملك منتحوتب الثاني، وقدّموا القرابين على مذبح تقدّم هذه التماثيل. [6]

حلقة بناء معابد الكَرنَك

غطّى الكَرنَك مساحة 100 هكتار تقريبًا، ويعتبر أكبر من بعض المدن القديمة. وقد بدأ إنشاء معابد الكرنك حوالي عام 2000ق.م واستمر حتّى زمن الرومان. حيث ترك كل حاكم عمل في الكرنك لمسته المعمارية الخاصة على المنطقة.

وعمل فريق UCLA digital karnak projectمن جامعة كاليفورنيا على إعادة بناء رقمية للكرنك. فيهدف المشروع إلى إظهار مراحل البناء والهدم والتعديلات التي حدثت على مدار 2000 عام. وضمَّ الموقع العديد من المعابد وأهمها معبد آمون الذي شغل القطاع المركزي للموقع، وخصِص له أكبر مساحة.[7]

يوجد ما لا يقل عن10 مداخل على شكل بوابة مرتفعة يحيط بها برجان عاليان، وتدعى «بيلون-pylon» وتفصل بينها ساحات وقاعات.[8]

ويوجد الآن عدد قليل من الآثار التي تعود للدولة الوسطى. وبدأ فريق إعادة الإعمار نموذجهم الرقمي بعهد الملك سنوسرت الأول. وعرضوا معبد من الحجر الجيري مع ساحة في الوسط مخصصة لآمون-رع. واحتوى على 12عمود، وزيّنت قواعده بتماثيل للملك يظهر في وضع أوزوريس (إله العالم السفلي).[7]

وبقيت المنطقة متواضعة حتى بداية الدولة الحديثة. فأغلق تحتمس الأول -ملك من الدولة الحديثة- هذا المعبد بجدار حجري ووضع أمامه بيلون 4 و5 وأقام مسلتين أمام واجهة المعبد الجديدة. كما أضاف ابنه لاحقًا ساحة احتفالات أمام المعبد.[8]

وقامت حتشبسوت ببناء مصلى وعملت بعض التجديدات. ولكن عندما اعتلى تحتمس الثالث العرش أمر بهدم المصلى مع تماثيلها، واستبدلها بواحدة له. وبنى بحيرة مقدسة، ملأها الباحثون بالماء. وقد استخدمها المصريون لطقوس التطهير، ووجِدت بقايا منازل للكهنة بالقرب منها.[9]

البحيرة المقدسة وتظهر وراءها مسلات وبيلون وأجزاء من معابد الكرنك

وأهم ما ميّز المعبد صالة الأعمدة التي شغلت المسافة بين بيلون 2 و3 بمساحة 103×52م. ولاحظ الباحثون وجود 134 عمود فيها، وارتفع 12 عمود في المركز أعلى من باقي الأعمدة. فسمح فرق الارتفاع بوضع نوافذ من الأعلى والتي سمحت بمرور أشعة خفيفة من الضوء، فمنحت الشعور بالرهبة في وسط الظلام.[7][8][9] وتوقف العمل في الكرنك مع سيطرة الرومان، تاركًا لنا إرثًا معماريًا غنيًا. ولم يتوقف فيه عمل الباحثين حتى الآن.

المصادر

Live science
National geographic
Staffsites.sohag-univ
Britannica
Britannica
Research gate
Live science
Britannica
Ancient Egypt

كيف تطورت عمارة الأهرامات عبر الزمن؟

ليس من المبالغة القول بأن المصريين القدماء انشغلوا بالموت، وعلى وجه الخصوص بحياة الآخرة. ويبرز هذا الاعتقاد في معظم العمارة المصرية، فبذلوا جهد هائل لبناء المقابر، لاعتقادهم بأن الروح لا يمكن أن تعيش في الآخرة إذا لم يحافظوا على الجسد خاليًا من الفساد على الأرض. ولذلك عملوا على تطوير أساليب أفضل وأكثر تعقيدًا لدفن موتاهم. وتعتبر عمارة الأهرامات تطورًا مذهلًا وفريدًا للمصاطب في العمارة الجنائزية والتي تعود للدولة المصرية القديمة. [1]

توقع الملوك أنهم سيصبحون آلهة بعد موتهم. فلذلك طوروا لأنفسهم مقابر مليئة بما سيحتاجوه لتوجيه أنفسهم والحفاظ عليها في العالم الآخر. [2]

المصاطب

دُفن الملوك والمسؤولون رفيعو المستوى فقط في المصطبة في أوائل الدولة القديمة. واستخدم المصريون الطوب الطيني حصرًا في البداية لبناء المصاطب. وشكّل معظم البناء حتى عندما استخدموا الحجر، فوضعوه في المناطق الهامة فقط. ويشبه شكل المصطبة المكعب مع سقف مسطح وجوانب مائلة. ووصل ارتفاعها عادةً إلى 9م وتمتد أربعة أضعاف عرضها. كما بنى المصريون المصاطب بتوجيه شمالي-جنوبي للتأكد من أن الروح ستدخل الآخرة. [1]

واحتوت المصطبة على مصلى لتقديم القرابين وباب مزيف والعديد من مخازن الغذاء والمعدات للمتوفى. حيث واصلَت أسرة المتوفى جلب الطعام لاعتقادهم بأن الروح تستخدم الأشياء التي يجلبونها. وغالبًا ما يتكوّن الجزء الداخلي من المصطبة من حجرة تحت الأرض معززة بالحجر والطوب، واحتوت أشياء المتوفى، وتمثال له. كما حفروا الحجرة التي تحوي الجثة عميقًا قدر الإمكان. ووجِدَت فتحات في الغرفة المخفية في الأعلى، فتسمح للروح بأن تأتي وتذهب وكانت ضرورية لاستمرار وجودها. [1] [2]

وشهدت الأسرة الأولى بناء المصاطب بشكل مشابه لمخطط المنزل الأساسي. وتكوّنت من العديد من الغرف والمخازن وغرف تقديم القرابين وغرفة مركزية تضم التابوت. وبنوا الهيكل بأكمله في حفرة ضحلة بينما امتد الهيكل الفوقي على مسافة أكبر. [1]

هرم زوسر المدرج أول خطوة نحو عمارة الأهرامات

وصل السارقون إلى غرف المصاطب بسهولة بعد الحفر من الأعلى. لذا، اعتقد الباحثون أن اللصوص هم أحد أسباب الانتقال لبناء الأهرامات. واستطاع سكان الدولة المصرية الحديثة لاحقًا الوصول إليها أيضًا. [4]

طلب ملك الأسرة الثالثة زوسر من إمحوتب بناء قبر له، وجاءت النتيجة بهرم زوسر المدرج في سقارة. وقد بدأ كمصطبة تقليدية ثم تطوّر إلى شكله الحالي. [3]

بدأ الهرم كمصطبة مربعة مبنية بالحجر المحلي m1. وتوسعت بعدها 4 م من كل اتجاه m2، ولكن هذا التوسع كان أخفض بحوالي نصف متر من المصطبة الأولى. وتشبه بذلك مصطبة تعود للأسرة الأولى في سقارة. ثمّ توسعت المصطبة إلى الشرق فقط بحوالي 8.5 م m3، وبنوها أيضًا أخفض من m2. وتغيّر التصميم مرة أخرى، ومددوها بنحو 3م من جميع الجوانب وحوّلوها إلى مصطبة منتظمة مستطيلة. ثم بنوا فوقها ثلاث مصاطب متدرجة ممّا أدى لتشكل هرم من أربع مصاطب بلغ ارتفاعه 40 م p1. ثمّ توسع وأضافوا مصطبتين p2 واكتمل الهرم بارتفاع 62 م، وغلفوه بالكامل بالحجر الجيري. [5]

مقطع في هرم زوسر المدرج يوضح مراحل بنائه

وبنوا البنية التحتية أيضًا على مراحل، وتكوّنت من ممر مركزي 7×7 بعمق 28م أتاح الوصول إلى متاهة من الممرات. وامتدت البنية التحتية بحوالي 5.5 كم وتعتبر لا مثيل لها من حيث الحجم والتعقيد بين أهرامات الدولة القديمة. ووجِد أسفل الممر المركزي قبر من الجرانيت بفتحة واحدة من الأعلى. وعُثر على ممران تحت الأرض، وتبيّن أن الممر الأول أصبح غير صالح بعد توسيع الهرم. لذلك أنشأوا الممر الثاني كمدخل جديد للبنية التحتية من إحدى غرف المعبد الشمالي. وبدأت من هذا الممر رحلة من السلالم في متاهة البنية التحتية. فيتفرع إلى 3 اتجاهات وانتهت بمخازن ونفق خاص لتقديم القرابين وغرفة غير مكتملة.  [4][5]

أهرامات دهشور

تقع دهشور جنوب سقارة وتحوي 5 أهرامات، وتعد مرحلة مهمة في تطور عمارة الأهرامات. وقد بنى الملك سنفرو اثنين منها. ويُعرف الهرم الأول باسم الهرم المنحني بسبب ميله الغريب المزدوج، ويمثل محاولة مبكرة لبناء هرم حقيقي. ويعتبر الأفضل حفظًا، إذ تبين أن الزاوية الأولية للميل 54° شديدة الانحدار، فخفضوها إلى 43.5°. وهو الهرم الوحيد المبني بمدخلين. [6][7]

هرم سنفرو المنحني في دهشور

كما بنى سنفرو هرمه الثاني في الشمال بزاوية ميل قليلة 43° بالتالي فهو الأقصر. ويعتبر أول هرم حقيقي مكتمل (ذو جانب أملس وليس مدرج). ويسمى بالهرم الأحمر بسبب لونه الناجم عن استخدام القرميد. [6][8]

وتنتمي الأهرامات المتبقية إلى الأسرة الـ 12ولم تَصِل لنا بشكل جيد، بسبب بناء نواتها إلى حد كبير من الطوب الطيني. [6][7]

هرم خوفو قمة تطور عمارة الأهرامات عام 2550 ق.م

يعتبَر هرم خوفو أشهر أهرامات الجيزة وأكبرها بمساحة قاعدة تزيد عن 5.3 هكتار وطول القاعدة تقريبًا 230 م. [3] ولم يبن البشر أي شيء أطول منه حتى سنة 1221م. ويُقدر أكبر فرق في الطول بين الجوانب الأربعة للهرم بحوالي 4.4 سم والقاعدة في حدود 2.1 سم. ويصعب تكرار هذا الانجاز المذهل حتى اليوم وباستخدام المعدات الحديثة. وتكاد تكون اتجاهاته متطابقة تمامًا مع الاتجاهات السماوية (الشمال والجنوب والشرق والغرب)، وقد بُني بزاوية ميل 51°. وتتكون النواة من الحجر، وأُزيلَ منذ زمن كسوته الخارجية البيضاء التي وضعوها بدقة بالغة، فأعطوا الهرم سطحًا أملسًا مشرقًا وعاكسًا. ويعتقد بأنه انتهى من الأعلى بهرم صغير ربما غطّوه بالذهب. فيمكن رؤية هذه النقطة التي تلمع في ضوء الشمس من مسافات بعيدة. [9][10]

وتشمل البنية الداخلية عددًا من السمات الغامضة، فتوجد غرفة غير مكتملة تحت الأرض وظيفتها غير معروفة. وكذلك 5 مّما يسمى الأنفاق الهوائية في الأعلى ويقع المدخل على ارتفاع 18 م. [3]

وعندما ندخل إلى الهرم، فعلينا أن نزحف إلى غرفة صاعدة ضيقة. وتُفتح فجأة إلى مساحة مذهلة تعرف باسم المعرض الكبير، والتي تتيح الوصول إلى حجرة دفن الملكة. ويرتفع المعرض الكبير إلى حوالي 8.74 م، ويؤدي ممر ضيق إلى حجرة دفن الملك. شيّد المصريون حجرة دفن الملك بالكامل من الجرانيت الأحمر، وتوجد فوقها 5 غرف لتخفيف الضغط، تفصل بينها ألواح أفقية ضخمة من الجرانيت. ونحتوا تابوت الملك من الجرانيت الأحمر ووضعوه في المحور المركزي للهرم. [9][10]

مقطع في هرم خوفو في الجيزة

وبُني بجوار الهرم 3 أهرامات صغيرة لملكاته وعثر على قبر قريب لوالدته. وأحيط الهرم بصفوف من المصاطب حيث دفن أقارب الملك ومسؤولين لمرافقته في حياة الآخرة. [8]

هرم خفرع عام 2520 ق.م.

بنى الملك خفرع هرمه في الجيزة، ويظهر هذا الهرم أكبر من هرم خوفو ولكنهُ أصغر قليلًا. ويعود سبب ذلك إلى بنائه على ارتفاع 10 م من الهضبة. [11]

وتقاس طول قاعدته بحوالي 216 م ويرتفع إلى 143م. [10] ويعتبر هرم خفرع أبسط بكثير من هرم خوفو من حيث البنية الداخلية. فبُني مع غرفة دفن واحدة وغرفة فرعية صغيرة وممرين. [11]

هرم منقرع عام 2490 ق.م

شيّد الملك منقرع ثالث أهرامات الجيزة الرئيسية وهو الهرم الأصغر بطول قاعدة 109 م وبارتفاع 66 م. [10] وتعد غرفهُ أكثر تعقيدًا من غرف هرم خفرع. وتشمل غرفتين إحداهما منحوتة والأخرى غير منحوتة مع ستة محاريب كبيرة، وكسوا غرفة الدفن بكتل من الجرانيت. واكتُشف التابوت الحجري الأسود في الداخل، ولكنه فُقد في البحر عام 1838 م أثناء نقله إلى إنجلترا. [12]

توضيح لمراحل تطور عمارة الأهرامات عبر الزمن.

قوارب حياة الآخرة

ظهرت قوارب حياة الآخرة مع الأسرة الأولى. فاكتُشف أسطول من 14 حفرة تحوي قوارب خشبية في أبيدوس، وهي مقبرة ملوك مصر الأوائل. وخصصوا هذه القوارب لنقل الملك في الآخرة إلى أبعاد نجمية. واحتوى مجمع خوفو الجنائزي على سبع حفر كبيرة للقوارب وكانت مجرد نماذج ولم تحتوِ على قوارب فعلية. ووجِدت حفرتان ضخمتان مستطيلتان بطّنوها بالحجر واحتوت على قوارب مفكّكة. ويبدو أنها استُخدمت في الرحلة الأرضية الأخيرة للملك (المشية الجنائزية) قبل تفكيكها ودفنها. [9]

تراجع أهمية الأهرامات

تمتعت الأسرة 3و4 بعصر ذهبي من السلام والازدهار بينما استُنزفت ثروات الأسرة 5و 6ويرجع ذلك جزئيًا إلى نفقات بناء الأهرامات. [13]

وانخفضت بذلك جودة وحجم عمارة الأهرامات. ويعد هرم أوناس أول هرم يحتوى كتابات ونصوص على جدران غرف الدفن وبقية مداخله، وتعرف باسم نصوص الأهرام. ووجِد أقصر هرم في سقارة بارتفاع تقريبي 52.2 م وهو آخر هرم من الدولة القديمة. وعاد ملوك الأسرة 12 لبناء الأهرامات ولكنها لم تبنَ بنفس مقياس الأهرامات القديمة. [8]

من بنى الأهرامات؟

لطالما تساءل الناس حول بناة الأهرامات، وطُرحت عدة اقتراحات ومنها العبيد والمزارعين. واستبعد الخبراء العبيد اليهود حيث لم يعثروا على بقايا أثرية يمكن ربطها مباشرةً باليهود في تلك الفترة. ولم توجد نقوش تذكرهم حتى اليوم. [14]

وتؤكد الاكتشافات أن المصريين القدماء هم بناة الأهرامات. ورجح الباحثون أن المزارعين عملوا في البناء في غير مواسم الزراعة مع مجموعة من المتخصصين. وقد طُلب توفير عامل من كل أسرة كشكل من أشكال الضرائب، ويمكن للأثرياء الدفع كبديل للعمل. وكتب المؤرخ هيرودوتس بأنه عمل 100,000 شخص لبناء هرم خوفو. وأشارت الأدلة لاحقًا بأن القوة العاملة تقدّر ب 20,000 شخص. [8][15]

اكتُشفت أوراق بردي عام 2013 في وادي الجرف تشير إلى مجموعة من العمال حوالي 200 شخص يرأسهم مفتش يدعى ميرير. ساعدت تلك المجموعة في نقل الحجر الجيري عن طريق القوارب في نهر النيل. ولا تزال البرديات في طور الدراسة والتحليل ولكن تشير النتائج الحالية بأن مجموعة ميرير قامت بأكثر من مجرد المساعدة. ويبدوا أنهم سافروا في معظم أنحاء مصر لينفذوا مشاريع البناء. وتثير هذه البرديات العديد من الأسئلة حول إذا ما كانت هذه المجموعة جزء من قوة مهنية أكثر ديمومة وليست مجرد مجموعة من العمال المزارعين. [14]

كيف بُنيت الأهرامات؟

لا نملك حتى الآن تصورًا حقيقيًا حول طريقة بناء الأهرامات. لكن هناك آثار لميناء بجانب بلدة قرب هرم منقرع وضمّت هذه البلدة منازل لكبار المسؤولين وثكنات للجنود. ويعتقد بأن لها دور في عمارة الأهرامات. ويرجح أن العمال العاديين ناموا بمساكن بسيطة بالقرب من موقع الأهرامات. كما جلبوا حجر الكسوة من الميناء، واستخدموا المقالع الحجرية القريبة من الأهرامات لبنائها. [16]

ويعتقد الخبراء أن المصريين استخدموا منحدرات اصطناعية (رامبات) من الطوب والرمل والحجر، وتغيرت أطوالها وارتفاعاتها مع ارتفاع الهرم. واستخدموها لرفع الأحجار أثناء البناء. بينما استخدموا الزلاجات الضخمة التي يمكن سحبها أو دفعها وبلّلوا الرمال أمامها لتقليل الاحتكاك، فسهلت الحركة كما تظهر بالرسومات. [10][16]

ضمّت مصر حوالي 100 هرم ويعتبرها الكثيرون مجرد مقبرة بالمعنى العصري. ولكن يشير أحد الباحثين بأن المقابر احتوت رسومات ومشاهد لكل جانب من جوانب الحياة في مصر القديمة. ولذلك فهي لا تتعلق فقط بكيفية موت المصريين بل بكيفية حياتهم أيضًا.

المصادر

1-Ancient Egypt

2-National geographic

3-Britannica

4-Live science

5-Ancient Egypt site

6-Britannica

7-The ancient Egypt site

8-History

9-Khan academy

10-Britannica

11-Khan academy

12-Khan academy

13-History

14-Live science

15-Khan academy

16-Live science

 

كيف أبهر تاريخ عمارة الدولة المصرية القديمة العالم؟

بداية الاستيطان في مصر

برزت عمارة الدولة المصرية القديمة بين حضارات البحر الأبيض المتوسط بدءًا من بناء الأهرامات في الدولة القديمة إلى الدولة الحديثة. وعكست آثار عمارة الدولة القديمة في مصر صورة لا نظير لها في جمال فنها، وإنجاز هندستها المعمارية. [1] وتطورت الحضارة المصرية على طول نهر النيل لأن الفيضانات السنوية كونت تربة خصبة لزراعة المحاصيل.

كشفت الأدلة أن البشر سكنوا مصر منذ القدم في مجموعات سكنية صغيرة. ثم بدأت مستوطنة واسعة النطاق في التشكل حوالي عام 6000 ق.م. وكثيرًا ما يحدث التباس عن مصر السفلى والعليا. فإذا نظرنا إلى خريطة المنطقة، نرى أن مصطلح مصر السفلى يطلق على منطقة الدلتا في الشمال. بينما مصطلح مصر العليا يطلق على صعيد مصر والجزء الجنوبي. ويعود سبب ذلك إلى اتجاه سريان نهر النيل. [2]

فترة الأسر ونشأة عمارة الدولة المصرية القديمة

ينقسم جزء كبير من تاريخ مصر إلى ثلاث فترات، الدولة القديمة والوسطى والحديثة. يتخللها فترات انتقالية أقصر بينهم، حيث لم تكن مصر حينها قوة سياسية موحدة. وتشكّلت معظم المستوطنات في وادي النيل وفي حدود بضعة أميال من النهر نفسه. [2]

ونشأت مملكتان منفصلتان حوالي عام 3400 ق.م في المنطقة. ويعتقد الباحثون أنه في حوالي عام 3100 ق.م أخضع ملك الجنوب مينا أو نارمر -وربما كانوا الشخص نفسه- منطقة الشمال، ووحد مصر سياسيًا ليصبح أول ملك من الأسرة الأولى. [2] [1]

وترسخت بعد الوحدة فكرة أن الملك مُنح سلطته من الإله. وعندما أصبح الحكّام أكثر قوة أصبحوا أكثر قدرة على تنسيق العمل والموارد لبناء المشاريع الكبرى. واحتاج المزيد من الناس لإمدادات أكثر من الغذاء، وازدادت أهمية مشاريع تحسين الإنتاج الزراعي كالقنوات والسدود. فبنى المصريون القدماء سدود طينية وجّهت الفيضانات السنوية إلى الأراضي الزراعية وأبقتها بعيدة قدر المستطاع عن المناطق المعيشية. وحفروا القنوات لتوجيه المياه إلى الحقول.

بدأت الدولة المصرية القديمة مع الأسرة الثالثة وحتى نهاية الأسرة السادسة 2686-2181 ق.م. وخلال هذه الفترة كانت مصر موحدة إلى حد كبير وازدادت ازدهارًا. [2]

مواد البناء المستخدمة في الدولة القديمة

اعتمد السكان على ما توفر في محيطهم كمواد بناء حيث وجِدت بعض الأخشاب كالقصب والبردي والنخيل. واستوردوا الأخشاب في أوقات لاحقة عندما احتاجوا إلى عوارض كبيرة لتسقيف القصور أو لصنع الأعمدة.

واستخدموا الطين وبعدها القرميد. كما استخدموا قوالب خشبية لصناعة الطوب، وخلطوا التراب مع القش المفروم وتركوه عادةً ليجف تحت الشمس. بينما اعتمدوا على الوحل لصنع المونة (المادة اللاصقة في البناء). [3]

وشكّل الحجر المادة الرئيسية الثالثة من مواد البناء وازداد الاعتماد عليه بدايةً من الدولة القديمة في بناء المقابر والمعابد. بينما اقتصر الحجر في السكن على سواكف الأبواب والنوافذ، وقواعد الأعمدة. إذ قد تتلف القواعد الخشبية بسبب العفن والرطوبة والحشرات. [4] [3]

عمارة التجمعات الحضرية الطبيعية

لا يوجد أدلة كافية عن القرى قبل العصر الحجري الحديث. ولم يبق من المستوطنات الأولى سوى القليل من الآثار لأنها تألّفت من مساكن قصبية ضعيفة. ومنذ تلك الفترة، فصل المصريون المقابر عن القرى. وعثر المنقبون على مخازن تكوّنت من حفر دائرية في الأرض وبُطّنت بالسلال والطين.

وبنيت الأكواخ في حوالي عام 3600 ق.م من القصب والطين بقطر دائري داخلي حوالي 1-1.2 م وبسمك جدار37 سم. بينما تطوّرت مساقطها فيما بعد لتصبح مستطيلة وبقيت تقنية البناء ذاتها.

و في حضارة العمري، سكن الناس أكواخ بيضاوية الشكل بجدران خشبية. وارتكزت على قواعد حجرية نصفها مستدير حفرت في الأرض، وعلاها هيكل فوقي خفيف. كما دفنوا الموتى في القرية وتحت المنازل.

وعثِر على نموذج لمنزل في مدينة جرزة شمال مصر بقياس 7x 5.5 م مع أرضية خشبية. ووضعوا نافذتان صغيرتان عاليًا في الجدار، وضم المنزل ساحة مسورة. وشمل هذا المسقط البسيط المتطلبات الأساسية للمنزل المصري متعدد الغرف. [3]

رسم تخيلي لمنزل في فترة جرزة. رسمها john kirby

العمارة الجنائزية في الدولة المصرية القديمة

المصاطب

دفن المصريون الأوائل موتاهم في حفر بسيطة في الرمال. ووضعوا الجثة في القبر مع الممتلكات الشخصية وأشياء مفيدة في حياة الآخرة. وبعدها سرعان ما بدأت المقابر بالتطور. [5]

وتألفت معظم المقابر الأولية من جزئين رئيسين وهما غرفة الدفن والمصلى حيث تقدم القرابين للمتوفى. [4]

ودلَّ مصطلح المصطبة بالهيروغليفية على البيت الأبدي إشارة إلى مثوى الموتى الأخير. وبنى المصريون المصطبة بشكل مستطيل مع سقف مستوي وجوانب مائلة وزيّنوها بنقوش متقنة وطلوها باللون الأبيض. وبدأت وظيفتها كمواقع لدفن الملوك في العصور المبكرة من الأسر. إذ بدأ الملوك من الدولة القديمة في الدفن في الأهرامات، بينما استمر العامة في استخدام المصاطب للدفن لأكثر من ألف سنة. [5]

الأهرامات

طلب ملك الأسرة الثالثة زوسر من المعماري إمحوتب تصميم قبر جنائزي خاص به فكان الهرم المدرّج في سقارة. [1]
وتكوّن الهرم من 6 مصاطب متدرجة، ووصل ارتفاعه إلى 62 م. وبنى حول الهرم المدرج ساحات ومعابد، كما أحيط بسياج ضخم.

وبلغت الأهرامات الثلاث الشهيرة ذروة العمارة الجنائزية في الجيزة. ويعد هرم خوفو أكبرها وأهمها وهو المبنى الوحيد المتبقي من عجائب الدنيا السبع القديمة. كما بُنيت 3 أهراماتٍ صغيرة لملكات خوفو. [6] وبنى خفرع ثاني أكبر هرم في الجيزة وصُمّم من الداخل بشكل أبسط من هرم خوفو. بينما يعتبر المعبد المرتبط به أكثر تعقيدًا. [7]

وارتبط بهرم خفرع أكبر تمثال منحوت في العالم القديم ويعرف باسم أبو الهول. يرتفع أبو الهول تقريبا 20 م وبطول 73 م. ونحته المصريون من الصخر الأساسي المكون لهضبة الجيزة على شكل أسد مع رأس إنسان. [1]

دمج المصريون الأسد رمزًا للقوة مع رمز الملك على مر التاريخ المصري. ونستطيع ملاحظة

أن رأس الملك بمقياس أصغر من الجسم ويرجح سبب ذلك إلى عيب في الحجر. ويقع أمام أبو الهول مباشرة معبد منفصل كرسوه لعبادته ولكننا لا نعرف عنه سوى القليل بسبب عدم توافر نصوص تشير إليه. [7]

ويعد هرم منقرع ثالث الأهرامات الرئيسية وهو الأصغر بارتفاع 65 م. ويعتبر مقدمة الأهرامات الأصغر التي بنوها في فترة الأسرة الخامسة والسادسة. [1]

المعابد

يمكن تمييز نوعين من المعابد وهما المعابد الدينية التقليدية والمعابد الجنائزية. وضمت الأولى تماثيل للآلهة المتلقين للعبادة اليومية بينما شيّدت المعابد الجنائزية للطقوس الجنائزية للملوك الموتى. ويعتقد الباحثون أن الفترة الأولى من الأسرة الخامسة ركّزوا فيها على عبادة إله الشمس رع بشكل قوي وغير معتاد. وذكرت النقوش بناء 6 معابد للشمس في تلك الفترة، وشيّدوها بمسقط مفتوح وضم كل منها مسلة.

ولم يبقَ الآن سوى القليل من المعابد التي تعود لتلك الفترة. كما بنى ملوك الأسرة الخامسة معبدين في أبي غراب بين سقارة والجيزة. وبنوا أحدهما كليًا بالحجر على حافة الصحراء، ولذلك بقي جزء من آثاره حتى الآن. ويصل إليه من وادي نهر النيل عبر ممر مغطى على جسر وزينوه بنقوش ورسومات ملونة. كما يؤدى إلى ساحة مفتوحة أحيطَت بها مخازن وغرف عبادة ومذبح ضخم من المرمر، ووضِعت مسلة في الغرب على أساس مستطيل. [8] [4]

المعابد الجنائزية في الدولة القديمة

تعتبر معابد خفرع من أشهر المعابد الجنائزية. ويقع المعبد الجنائزي مجاورًا للهرم والمدخل من الجهة الشرقية. ويتألف من قسم مستعرض وقاعة مستطيلة خلفه، ودعموا القسمين بالأعمدة. وتفتح القاعة الثانية على فناء مركزي محاط بالدعامات ويفتح عليه 5 غرف مقدسة تحوي تماثيل الملك، وخلف كل منها مخزن. ويقع الحرم الداخلي في الجزء الخلفي من المعبد وفيه باب مزيف وطاولة تقديم القرابين. حيث أدى الكهنة الشعائر اليومية وقدموا القرابين لروح الملك، وجمع الملك قرابينه بعد مروره من الباب المزيف.

وربط ممر بين فناء المعبد وساحة الهرم في الخارج. وعثر هناك على 6 حفر للقوارب، فآوت هذه الحفر القوارب التي نقلت رفات الملك إلى مثواه الأخير.

وبني معبد الوادي من كتل ضخمة من الحجر بمدخلين ارتبط كل منهما بدهليز، يؤدى إلى باب قاعة كبيرة على شكل حرف T مقلوب. وغطّوا الجدران بالجرانيت الأحمر بينما كسوا الأرضية بالمرمر ودعّموا السقف بواسطة دعامات صنعوها من قطعة واحدة من الجرانيت. وعثر المنقبون على 23 حفرة وضِعت بها تماثيل الملك وأدى الكهنة الطقوس أمام أحد التماثيل. وقاد ممر وُجِد في الجهة الشمالية الغربية إلى الممر المغلق الذي ربط بين المعبد الجنائزي ومعبد الوادي وطوله 494.6 م. [4] [9]

أما بالنسبة لمعابد منقرع فلم يكتمل أي منها قبل وفاته. وكشفت الحفريات عن سلسلة من تماثيل الملك التي وضعوها حول الفناء. وأعيد بناؤه بالكامل تقريبًا في نهاية الأسرة السادسة بعد أن تعرض إلى أضرار كبيرة بسبب الفيضان. [10]

ويشبه معبد أبو الهول معبد خفرع وتألف من فناء مركزي أحيط بأعمدة من الجرانيت. ويعتبر المعبد فريد لاحتوائه على ملجآن أحدهما في الشرق والآخر في الغرب، ويرجح أن لهما رمزية بشروق الشمس وغروبها. [7]

المدن في عمارة الدولة المصرية القديمة

تل بسطة مدينة نمت طبيعيًا

نمت تل بسطة في مصر السفلى (محافظة الشرقية حاليًا) واعتُبرت مركز هام في الدولة القديمة وغطّت حوالي 75 هكتار. واحتوت على مبانٍ تعود للأسرة السادسة وحتى زمن الرومان. وشيّد المصريون أسوار داخلية أحاطت المعابد وربما المساكن الملكية. وضمت معبدًا صغيرًا من الطوب على شكل مربع. وأضافوا سلسلة من الوحدات الملكية إلى مركز المدينة القائم، فيما يشبه المدن المصرية الأخرى. [3]

مدن للكهنة الجنائزيين

أنشأ ملوك المملكة القديمة مجتمعات حضرية لخدمة احتياجاتهم في الآخرة وبُنيت لأول مرة في نهاية الأسرة الرابعة واستمرت حتى نهاية الأسرة السادسة. وعثر على مدينة صغيرة للملكة خنتكاوس بالقرب من أهرامات الجيزة وبشكل حرف L  وبطول 148م  للضلع الشمالي و48م للضلع الشرقي. وبنيت على منسوبين وغطّيت بالرمال. ويؤكد الخبراء بأنها لم تسكن بعدها. ويرجح بأن المنازل شيّدت بطابق واحد لأن الأسوار لم تكن عالية ولم يوجد آثار للأدراج.

مخطط مدينة خنتكاوس. رسمه selim hassan ونُشر عام 1943

وتظهر الآثار أن المصريين صمّموا المدينة لمتطلبات محددة فالشوارع مستقيمة، والتقاطعات منتظمة. ووجدوا مجموعات سكنية لكل منها مخازنها وخزاناتها الخاصة.

ينقسم السكن إلى ثلاثة أقسام بحسب المساحة. ويأتي في الشمال أول صف منازل للكهنة وعددها 6 في الجهة الغربية وأكبرها مساحة 17x 15م ولها مدخلين في الجنوب والشمال. وتطابقت المنازل وصمّمت لتضم مكتب بواب، وغرفة استقبال، وغرفة المعيشة، وغرفتا نوم متصلتين. وأتاح بعدها فناء للوصول إلى المطبخ وغرفة تخزين المياه. وراعوا في التصميم المناخ واتجاه الرياح وخاصةً بتوجيه المطبخ. ووقعت في الجهة الشرقية منازل أصغر وعددها 4 ومدخلها من الشمال فقط. وبنوا قصران في القطاع الجنوبي، على المنسوب الأخفض من المدينة.

ويأتي بعد صف المنازل ممر بين جدارين سميكين من الطوب. أتاح الوصول المباشر بين الجهة الشرقية ومنطقة المقبرة في الغرب. ووجد في المدينة خزان مياه كبير 8x 29 م ويعتقد الخبراء أن المدينة سكنها 200 شخص على مساحة 0.65 هكتار. وهي نسبة قليلة إذا قارنوها مع الكثافة السكانية المقترحة لمصر القديمة والتي تقدر ب 250 شخص لكل 0.4 هكتار. [3] [11]

المراكز الإدارية وممفيس

احتاج المصريون مركزين إداريين لمصر العليا والسفلى، واختلفت المراكز من عصر لعصر. وتواجدت الإدارة في الدولة القديمة حيث يوجد الملك ولكن هذا لا يلغي العاصمة. وتُعتبر التصنيفات صعبة بشكل عام بسبب وجود العديد من المدن التي خدمت كمراكز إدارية لفترات قصيرة.

و شهدت أغلب المدن نموًا طبيعيًا على مدى قرون، ثم خضعت لتخطيط مكثف وإعادة تنظيم. ويروي المؤرخ هيرودوتس أن الملك مينا حوّل مجرى النهر نحو الشرق ليبني مدينة ممفيس على الأراضي المستصلحة أو على تل طبيعي. وربما يكون قوله صحيحًا، فقد أظهرت الأبحاث أن الجزء السابق يقع على أرض أعلى من غرب الموقع.

ويلاحظ عند دراسة ممفيس بأن تصميمها لم يكن فريدًا. ويرجح بأن المصريون تذكروها كأهم المدن لأن الأسرة الأولى قامت بالمهمة الأصعب وهي السيطرة على الفيضانات من خلال بناء السدود الضخمة والأحواض المائية. ووقعت في نقطة مهمة عند انقسام النيل إلى عدة أفرع، واستمرت كعاصمة خلال ثمان أسر. [3]

وأخيرًا لا يسعنا إلّا أن نقف مبهورين أمام عظمة عمارة الدولة المصرية القديمة عبر التاريخ.

المصادر

1-History
2-Khan Academy
3-Staffsites.sohag-univ
4-Britannica
5-Ancient egypt
6-History
7-Khan academy
8-Britannica
9-The ancient Egypt site
10-Khan academy
11- u.chicago.edu

 

تاريخ عمارة البابليين

مراحل ازدهار البابليين

تميزت الفترة التي أعقبت انهيار الدولة السومرية بالصراعات المستمرة بين البابليين والآشوريين. وتأخر تطور بابل كمدينة رئيسية بحسب مقاييس مدن بلاد الرافدين. وأنشئت في عام1894 ق.م وازدهرت لأول مرة في عهد الملك حمورابي. وتُعرف تلك الفترة بالعصر البابلي القديم 1595-1894 ق.م. ثم عادت بابل إلى كونها ممالك من مدن صغيرة بعد موت حمورابي ولعدة قرون. ثم ازدهرت من جديد تحت حكم نبوخذ نصر وتعرف تلك الفترة بالعصر البابلي الحديث 530-646 ق.م. وغطّت بابل مساحة 10 كم2 تقريبًا، وأصبح لدى البابليين أكبر مدينة في العالم القديم. [1]

عمارة مدينة بابل

تقع بابل جنوب بغداد في العراق، وتعد الأشهر بين جميع المدن البابلية. ويمتد الموقع على مساحات واسعة ولم يُنقب كلُّه حتى الآن. ويحاول علماء الآثار تسهيل فهم مخططات المدن من خلال إعادة بناء العناصر الناقصة وخاصةً شبكة الشوارع. وتعد معرفة تشكّل شبكة الشوارع نقطة أساسية في النقاش حول إذا ما تأسست المدينة نتيجة تخطيط بشري أو تنمية عضوية.

ولاحظ العلماء ما أثار دهشتهم وقلقهم حول المخططات المنشورة لبابل. حيث فشِلت دائمًا في تذكر الحالة الراهنة للمدينة عندما قارنوها مع مجمل الأدلة المتوفرة سواءً كانت الأثرية أو النصية.

اخترق نهر الفرات المدينة، ولكن تحوَّل مجراه مع مرور الزمن إلى الغرب ممّا جعل من الصعب الوصول إلى بقايا الآثار في الجزء الجنوبي الغربي للمدينة. [2]

أحيطت المدينة بسورين، تراوح محيط السور الخارجي بين 20-18 كم وصنع من ثلاثة أجزاء، وبنوه باللبن والقرميد. بينما تكوّن السور الداخلي من جدارين، الأول داخل المدينة بسمك 6.52 م، والثاني أصغر بسمك 3.72م.

وبنوا خندق، يحتوي الجدار الداخلي على ثماني بوابات أدَّت إلى المدينة. [3] وخطط البابليون الشوارع ضمن شبكات موازية لنهر الفرات. [1] وانتهت شوارعهم المتعامدة عند بوابات المدينة. وارتفع مستوى المساكن عادةً عن مستوى الشارع وذلك بسبب بنائها على مصاطب من اللبن. وعُثر على ثلاثة قصور على أطراف المدينة. [3]

بينما بنى البابليون المعبد الرئيسي مع الزيقورة في مركز المدينة، وتوزعت أربعة معابد في النصف الشرقي للمدينة. ونظموا شبكة من القنوات لري الأرض ويعود بعضها إلى زمن حمورابي الملك. [1]

بوابة عشتار وشارع المواكب

شُيّدت بوابة عشتار كمدخل رئيسي لمدينة بابل حوالي عام 575 ق.م واستخدموا الطوب المشوي. [4] وأصبحت ثامن بوابة محصنة في المدينة وبلغ ارتفاعها أكثر من 12 م. وكانت البوابة نفسها مزدوجة وبنوا على جانبها الجنوبي حجرة انتظار كبيرة. [5]

زين البابليون بوابة عشتار بطبقة من المينا (الخزف) ذات اللون الأزرق الزاهي. وتخللته رسومات بارزة من الخزف الأصفر ومثّلت حيوانين اسطوريين وهما تنين الأفعى وثور الإله حدد. وأعيد تركيب البوابة بصعوبة واستغرقت سنوات طويلة بسبب قلة توفر بقايا الخزف الأصلية. وتوجد حاليًا في متحف الشرق الأدنى في برلين. [4]

أدت بوابة عشتار إلى بيت آكيتو وهو معبد صغير وقع خارج المدينة شمالًا. [1] وخصصوه للاحتفال برأس السنة لدى شعوب بلاد الرافدين وتحتفل به هذه الشعوب حتى الآن في الواحد من نيسان. ومر من خلال البوابة أفخم الطرق في تلك الفترة وهو طريق المواكب. ورصفوه باستخدام القرميد الأحمر والحجر الجيري الأبيض. [3]

وزين البابليون جانبي الطريق بأسود من الخزف. وتشير التقديرات إلى وجود 120 أسدًا على طول الطريق، ولم تصنع جميعها في الوقت نفسه. ولاحظ العلماء أيضًا ارتفاع مستوى الطريق أكثر من مرة. وربما قد عاملوا الصفوف الدنيا على أنها رسومات تجريبية لأنها كانت موضوعة بشكل غير منتظم. [5]

تنين الأفعى وثور إله الطقس حدد من بوابة عشتار

اختلاف المساكن بين الفترة البابلية القديمة والحديثة

ازداد حجم المساكن بوضوح بين الفترة البابلية القديمة والحديثة. وهذا يدل على وجود درجة غير مسبوقة من التفاوت الاجتماعي في الفترة الحديثة.

وتراوحت مساحة المساكن المحفورة في الفترة البابلية القديمة بين 700-8.5 م2 بمتوسط مساحة 152 م2. وسببت مساحات المساكن الموثقة نصيًا مشكلة حيث كانت أصغر بكثير من المساكن التي نُقِّبت. ورجح الخبراء سبب ذلك أن الوثائق الكتابية تصِف عادةً أجزاء من المساكن كالغرف الفردية أو الأجنحة بدلًا من كامل المسكن. ومن ناحية أخرى، تقاس مساحة المساكن المنقّبة أغلب الأحيان بمحيطها الخارجي. فشكلت الجدران من 40-30% من مساحة المساكن في الفترة البابلية القديمة، بينما شكلت 50% في الفترة الحديثة. وتفادى البابليون هذه المشكلة في الأحياء الأصغر والأكثر كثافة، حيث وفروا المساحات من خلال استخدام جدران مشتركة بين المساكن المتجاورة.

ولم يختلف المنزل البابلي عن المنازل التي سبقته. حيث ضم فناء مركزي أحيط عادةً بأجنحة من الغرف على جوانبه الأربعة. ويفتح المنزل على جناح دهليز منكسر، ليمنع الاتصال البصري المباشر بين الخارج والداخل. [6]

القصور البابلية

تميز العصر البابلي القديم ببناء قصور ضخمة، وشيدها البابليون باستخدام الحجر الجيري على الرغم من استمرار استخدامهم اللبن لبناء المعابد والزيقورات. وبنوا غرفة العرش في منتصف القصر عادةً وتوضعت الغرف حولها. وعُثر على غرفة اجتماعات شبه دائرية كبيرة ولها أدراج. [3]

ظهرت غرفة الاستقبال الرئيسية في العصر البابلي الحديث في الجانب الجنوبي من الفناء لتصبح موجهة على الشمال. [7]

وجد الباحثون قصران غرب بوابة عشتار، غطيا مساحة 16 هكتار. وأعاد الحكّام المتعاقبين بناء القصر الجنوبي في بابل بمساحة 200 × 310 م2، وضم مئات الغرف والملحقات الأخرى وخمسة أفنية. [3]

وبُنيت قاعة العرش في الفناء المتوسط بمساحة 17 × 42 م2 وتميزت الواجهة بالخزف المزيّن بصور الأسود وشجرة الحياة. ووجِدت ثلاثة مداخل مقوسة بعرض 6 م تشبه المداخل الآشورية. ولا يسمح عرض قاعة العرش بوجود عوارض غير مدعمة للسقف، ولم يتم العثور على أي دليل لوجود أعمدة داخل القاعة. لذلك يعتقد البعض أن سقف القاعة كان قبة، ولكن لا يوجد دليل حتى الآن يؤكد ذلك. [7]

كما بنى البابليون قصر صيفي مربع الشكل 250 × 250 م2. وعرِف باسم جبل بابل وذلك بسبب ارتفاعه حيث بنوه على ارتفاع 18م فوق منسوب الشارع. وتألف جبل بابل من قاعتين رئيسيتين، الشرقية والغربية. وسكبوا أرضيته بمزيج من الجير والرمل والجص مع إضافات الألوان ممّا أعطته شكلًا فريدًا. [3]

المعابد البابلية

بنى البابليون معابدهم غالبًا كمعابد ذات فناء مع غرفة هيكل عريضة مع نهج المحور المباشر. وتعتبر غرفة الهيكل عريضة عندما يقع المذبح في منتصف أحد الجوانب الطويلة من الهيكل. ويتشكل المحور المباشر حينما يوضع المدخل الرئيسي للهيكل على خط مباشر مع المذبح. [7]

وأعيد بناء معبد عشتار ضمن ثلاث فترات زمنية وله شكل مستطيل مع فناء وضم 20 غرفة ملحقة به. ووجِدت ثلاثة مداخل غرب غرفة الهيكل ودعِّم المبنى من خلال بناء رصيف محيط من الطوب والقار لحماية الجدران الخارجية. [3]

الزيقورات وبرج بابل

لم يختلف مبدأ الزيقورات البابلية عن الزيقورات السومرية أو الآشورية. وشيّدت عادةً بقاعدة مربعة ويتم الصعود إلى المصاطب السفلى عن طريق الأدراج وإلى المصاطب العليا من خلال المنحدرات.

وبُني على ضفة نهر الفرات معبد «ايساغيلا-Esagila» وخصصوه للإله مردوخ. وارتبط بزيقورة على شماله يعتقد الخبراء أنها قد تكون برج بابل. وقاعدته مربعة 91 م توازي الاتجاهات السماوية ويرجح أنه كان بسبع مصاطب وارتفاعه الإجمالي يساوي قاعدته. [1]

صورة توضح مدخل مدينة بابل وأجزاء منها

ولكن لا تزال الشكوك قائمة حول مظهره، إذ يعتقد البعض أن مظهره العام كزيقورة تقليدية بينما وجدت وثائق كتابية تصف البرج كبرج فريد لم يكن له مثيل.

الجسور بين الآشوريين والبابليين

نادرًا ما عثِر على جسور في بلاد الرافدين. وبنى الآشوريون جسر حجري مزخرف في دورشاروكين وصل بين القلعة ومعبد نابو. بينما كشفت التنقيبات في بابل عن جسر حجري على شكل قارب يعبر الفرات ويربط بين جانبي المدينة. ولذلك يعتقد العلماء أن الجسور العائمة من القوارب ربما كانت أكثر شيوعًا من الجسور الثابتة. [7]

الحدائق المعلقة

تشير الكتابات اليونانية إلى حدائق بابل المعلقة، وهي تلة تحاكي تدرج المصاطب وتُغطى بالنباتات فوق بنية تحتية من الأقنية. واعتبروها في العصر الهلنستي واحدة من عجائب الدنيا السبع. [1]

وجد المكتشفون سلسلة فريدة من الحجرات في الزاوية الشرقية الشمالية من القصر الجنوبي. والمبنى مستطيل تقريبًا 30 × 42 م وأرضيته أخفض من أرضية القصر واحتوى على 14 غرفة متماثلة 2.2 × 3م. ووزعت هذه الغرف على جانبي ممر ضيق، وعثِر على بئر مع ثلاث فتحات بجانب بعضها البعض في واحدة من الغرف الوسطى. ووضعوا طبقة سميكة من التربة على أسطحها ويرجح أنها وضِعت لأغراض زراعية. [3] لذلك يعتقد البعض أنها ربما كانت جزءًا من البنية التحتية للحدائق المعلقة. في حين يعتقد البعض أن الحدائق المعلقة تقع خارج بابل حتى ويظن البعض أنها كانت تقع في نينوى وتعود للملك الآشوري سنحريب. وتستمر التكهنات بشأن موقعها الحقيقي وآليتها مع عدم وجود بقايا مؤكدة منها. [1]

صورة تخيلية لحدائق بابل المعلقة

وعلى الرغم من وجود العديد من التكهنات والتوقعات بشأن عمارة البابليين فلا تزال بلا شك تعكس عظمة الدولة البابلية وما قدمته من انجازات ساهمت في نمو الحضارات البشرية.

المصادر

  1. Britannica
  2. Research gate
  3. Research gate
  4. History
  5. Britannica
  6. Research gate
  7. Silo.tips

تاريخ عمارة الآشوريين

ازدهار الممالك الصغيرة

انهارت الدولة السومرية حوالي عام 2004ق.م، فاجتاحت المنطقة فترة فوضى واستمرت ما يقارب القرن. وبدأت إثر ذلك مدن الدول والممالك الصغيرة في شمال البلاد بالتطور والتوسع.[1] وتميزت تلك الفترة بالصراع المستمر بين الآشوريين والبابليين، وتناوبوا على فرض سيطرتهم. فعرف البابليون مرحلتي ازدهار بينما عرف الآشوريون ثلاث مراحل ازدهار، المرحلة القديمة والوسطى والحديثة. وعلى الرغم من تشابه النمط المعماري بين السومريين والآشوريين ولكننا نستطيع التمييز بينهما. حيث أضاف الآشوريون أساليب جديدة ولمستهم الخاصة على العمارة. فبم تميزت عمارة الآشوريين؟

من هم الآشوريون ؟ 4000-612 ق.م

انحدر الآشوريون من الساميين الذين عاشوا في المناطق الشمالية من بلاد الرافدين منذ عام 5000 ق.م تقريبًا. [1]

وسيطرت الإمبراطورية الآشورية على بلاد الرافدين وكل الشرق الأدنى تقريبًا في النصف الأول من الألفية الأولى ق.م. بقيادة سلسلة من الملوك المحاربين الطموحين، ووُصفت الدولة الآشورية بأنها كانت عسكرية وعدوانية للغاية. [2]

انتقلت العواصم الآشورية على التوالي من «آشور-assur» إلى «كالح-kaleh» و«دور شاروكين-dur scharrukin» و«نينوى-niniveh».

عمارة مدينة آشور

تقع آشور على الضفة الغربية لنهر دجلة في شمال العراق. وقد سُكن الموقع الأصلي حوالي عام 2500 ق.م. وتعتبر آشور من الناحية الاستراتيجية أصغر حجمًا وأقل مكانةً من كالح أو نينوى. واستمرت رغم ذلك أهميتها الدينية حتى عام 614ق.م. [3]

واتبع الآشوريون التضاريس الجغرافية عند بناء مدنهم، وهذا يفسر الشكل غير التقليدي لمدينة آشور، حيث كانت على شكل مثلث. [4]

حصّن الآشوريون مدنهم جيدًا كونهم دولة عسكرية، فبنوا سور بطول 4 كم لحماية الجزء الشرقي من المدينة. واعتمدوا على التضاريس الطبيعية في الشمال للحماية حيث الجرف المرتفع وبنوا الميناء. [3]

ووقعت جميع المباني العامة في سلسلة على طول الحافة الشمالية للمدينة. وبني قصر الملك بجانب المعابد والزيقورات كونه الكاهن الرئيسي للإله. وحدّت المباني العامة بأكملها من الجنوب أحياء سكنية، ولم يوجد جدار يفصل بينهم. [4] ويشير تخطيط المدينة إلى الاحترام الصارم لحقوق الملكية وحيازة الأراضي. [3]

عمارة مدينة كالح

تطور التخطيط الحضري لمدينة كالح خلال أكثر من 150عام، وكانت هذه فترة حياتها الكاملة كمركز سياسي للإمبراطورية الآشورية. وتعرف أيضَا باسم نمرود أو كالخو. واعتمد الآشوريون على المنحدر الطبيعي للتضاريس في الجهة الجنوبية من المدينة، وبنوا أبنيتهم العامة فوق المصاطب المرتفعة.

يُعتقد أن أول القلاع تعود للحثيين، ومع ذلك أصبحت القلاع في القرن التاسع ق.م فصاعدًا سمة مميزة للمدن الآشورية. وكانت قلعة كالح متصلة بأسوار المدينة، وأصبح ذلك النمط السائد.

كما اهتم الآشوريون عند تخطيط مدنهم بالمنظر العام الذي يراه الزائرين من بعيد. حيث استطاع الزائر رؤية سلسلة المباني العامة من المعابد والزيقورات بجانب القصر والقلعة. وبرزت أكثر لأنها بنيت بمقاييس أكبر من مباني السومريين إضافةً إلى بنائها على المصاطب.

وتم إدخال بعض الميزات الجديدة في كالح ومنها أول حديقة ملكية حضرية وحديقة حيوان. واحتوت هذه الحدائق على نباتات وحيوانات جلبوها من البلدان المحتلة. وصنع الملك «تغلث فلاسر الأول» أول الحدائق الملكية في نينوى ولكن نسخت في كالح على نطاق أوسع فأخذت أهمية أكبر. [4]

عمارة مدينة دور شاروكين

تأسست مدينة دور شاروكين عام 712 ق.م ولكنها لم تكتمِل عندما مات مؤسسها «سركون الثاني» عام 705 ق.م. فانتقل ابنه «سنحريب» إلى نينوى وهُجرت المدينة، وربما لم تُسكن أبدًا حتى. [5]

وتعرف الآن باسم خورسباد وبنيت على شكل مربع تقريبًا 1766*1675 م وبجدران سميكة 14م وبارتفاع 12 م مما أعطاها هيئة الحصن. وضم السور سبعة أبواب وبُني على جانبي كل باب ثيران مجنحة ذات رؤوس بشرية، وخصص كل باب لإله آشوري. [6] [7]

رسم المختصون شبكة الشوارع من خلال دراسة تموضع البوابات والأحياء السكنية والآثار المتبقية، وكانت الشوارع مستقيمة ومنتظمة. وهيمن القصر أكثر من المعبد في الجزء الشمالي من المدينة وبنيت قلعة وقصر ثانوي في الجزء الجنوبي من المدينة. [4]

رسم منظوري لقصر ومعبد وزيقورة دور شاروكين

القصور الآشورية

قسّم الآشوريين قصورهم إلى قسمين أساسين بواسطة الأفنية. فجَرَت الشؤون العامة في القاعات والفراغات حول الفناء الخارجي والذي عرِف باسم «بابانو». وخصصوا الفناء الداخلي «بيتانو» للوظائف الخاصة، وفصَلَت غرفة العرش بين الفناءين.

وبنيت القصور الآشورية عادة بطابق واحد، ولكن وجِدت بعض الأدلة على قيام الملك ببعض الطقوس الدينية على السطح. وشيدوا القصور عادةً بمحاور منكسرة بينما تحولت في المراحل اللاحقة إلى محاور مباشرة، ويعتقد سبب ذلك هو تأثرها بالقصور البابلية. وفي حالات كثيرة وضِع صفان متوازيان من الحجارة على أرضية غرفة العرش. ويتم دحرجة أداة ذات عجلات فوقها لكي توفر مصدر حرارة للملك. [8]

ومن أبرز القصور قصر دورشاروكين الذي يعرف باسم «قصر من دون منافس». فبُني بأكثر من 200 غرفة و30 قاعة وثلاثة أفنية. [6] وكانت غرفة العرش أكبر الغرف، وارتفع العرش في أحد أطرافها على منصة حجرية. ووجِد في الطرف الآخر غرفة انتظار ودرج حلزوني يؤدي إلى السطح. وغطيّت الجدران الداخلية لغرف القصور الملكية بحجارة عادةً ما تكون منحوتة بمشاهد. وتعد المنحوتات الآشورية أدلة قيمة تساعد على معرفة مظهر المباني حيث عادةً ما تبقى الأجزاء السفلية من الجدران فقط. [8]

ثيران مجنحة وألواح حجرية منحوتة من دور شاروكين. وتتواجد حاليًا في متحف اللوفر

وعثر علماء الآثار في قصر الملك سنحريب في نينوى على جميع مداخل الأفنية. وأحيطت المداخل بثيران مجنحة، ووجدت مشاهد منحوتة على الحجارة حولها. وجاور غرفة العرش حمام مرصوف بالحجارة، واحتوت قاعة الانتظار الكبيرة على ما لا يقل عن 40 شخصًا منحوتًا. [9]

المعابد الآشورية

بنيت المعابد في الفترة الآشورية المتأخرة غالبًا كمعابد ذات فناء مع غرفة هيكل طويلة مع نهج المحور المباشر. وتعتبر غرفة الهيكل طويلة وتحديدًا عندما يقع المذبح في منتصف أحد الجوانب القصيرة من الهيكل. ويتشكل المحور المباشر حينما يوضع المدخل الرئيسي للهيكل على خط مباشر مع المذبح. [8]

الزيقورات بين الآشوريين والبابليين

تغيرت نسب الزيقورات في عهد الآشوريين والبابليين فأصبحت أكثر ارتفاعًا وميلًا ولكن بقي المبدأ نفسه.

وبنيت قاعدة زيقورة مدينة دور شاروكين مربعة الشكل 42×42 م. وتكونت من سبع مصاطب ارتفاعها الفردي 6.1م مما يجعل ارتفاعها الإجمالي 42.7 م، وتناقصت مساحات المصاطب كلما ارتفعنا إلى القمة. وبنوا أدراج حلزونية جانبية. وطُليت المصاطب بالألوان وكانت ألوان المصاطب الأربعة الأولى بيضاء، وسوداء، ووردية، وزرقاء على التوالي. ولا يعرف ألوان المصاطب الأخرى بسبب دمارها. [7]

رسم تصوري لزيقورة مدينة دور شاروكين

المقابر الملكية الآشورية

عثر على مقابر الملوك الآشوريين في غرف تحت الأرض في قصر شمشي أداد في آشور. بينما عثر على مقابر الملكات الآشوريات في الجزء الجنوبي من القصر الشمالي الغربي في كالح. وصنعت القبور بالطوب المشوي وكان لدى البعض أبواب حجرية، وعلى الرغم من دفنهم لثروة هائلة من الذهب والمجوهرات في القبور، كانت غرف القبور نفسها صغيرة ومجهزة فقط بالقليل من الكوات. [8]

بعض سمات عمارة الآشوريين

أصبح استخدام الحجر في أساس وبناء المباني شائعًا جدًا في عمارة الآشوريين بسبب استيراده من المناطق الجبلية في الشمال. واستخدموا الحجر الجيري والمرمر لتغطية الجدران الضخمة ولبناء قواعد الأعمدة وسواكف الأبواب وكذلك لرصف قاعات المباني المهمة.

كذلك استخدموا الصخور الصلبة مثل الديوريت والبازلت وغيرها لنحت التماثيل والألواح والمشاهد البارزة. وشيدوا الأعمدة حتى ارتفاع 4 م بالحجر الجيري ووضعوا التاج الحلزوني في نهايتها. وكان مقطع الأعمدة إما مربع أو دائري وبعض الأعمدة مضلعة إما بستة أو ثمانية أضلاع، ونحتوا في القاعدة تماثيل حيوانية. كما حفروا نفق بعمق 25م تحت الأرض لجمع المياه الجوفية. وصنعوا فتحات تهوية فيه على مسافة 42م استخدمت للصيانة ولتنظيف القناة. [7] واستخدموا الشرافات كنهايات علوية للمباني.

وأظهر الآشوريون قدرتهم على تحويل الأراضي الجافة إلى مناطق خصبة. وحققوا ذلك من خلال أعمال البستنة وإنشاء الحدائق النباتية والحيوانية المثيرة للإعجاب. فهكذا كانت العمارة الآشورية وهكذا تميزت عن غيرها، وتركت لنا مدنًا وآثارًا شاهدة على عظمتها.

المصادر

  1. History file
  2. Khan academy
  3. Britannica
  4. Research gate
  5. University of Chicago
  6. Cultural property training resource
  7. Research gate
  8. Silo.tips
  9. Britannica

تاج محل وأبرز فصول حكايته

تاج محل وأبرز فصول حكايته

بناء مهيب يكسوه الرخام الأبيض الذي شبهه شعراء المغول بضوء الفجر وبالغيوم، وتحيط به حدائق تمتد على مساحة 170,000 متر مربع. لكنه ليس قلعة للاستجمام أو قصراً للاسترخاء، بل هو ضريح إحدى ملكات المغول التي عشقها زوجها ولم يطق صبراً على رحيلها. فكرّمها بهذا الصرح الذي خلد به ذكراها، حتى بعد مضي أكثر من ثلاثة قرون من الزمن. إنه تاج محل الذي يمثل أحد عجائب العالم السبع الجديدة، وأبرز المعالم السياحية في الهند، ودرة معمارية جمعت أنماط تصميم مختلفة [1].

موقع تاج محل

يقع تاج محل في ولاية أتر برديش (Uttar Pradesh) في شمال الهند، وتحديداً في مدينة أغرا (Agra) على الضفة اليمنى لنهر يامونا (Yamuna River). ولم يكن اختيار هذا الموقع بالصدفة، فقد فكر شاه جهان – الإمبراطور المغولي الذي أمر ببنائه – ملياً حتى وقع اختياره على هذا الموقع الذي يمكن له رؤيته من قصره في قلعة أغرا [2].

إمبراطور المغول والسبب وراء بناء تاج محل

كان شهاب الدين محمد الإمبراطور الخامس للمغول في الهند، وقد لقبه والده باسم “شاه جهان” ويعني “ملك الدنيا” [3]. وشاه جهان هو صاحب فكرة بناء هذا الضريح الكبير تخليداً لذكرى زوجته ممتاز محل. فعلى الرغم من تعدد زوجاته، كان ملك المغول مولعاً بممتاز – زوجته الثالثة – وقد حطم موتها فؤاده. فاستحال شعر رأسه ولحيته أبيض كالثلج في غضون بضعة أشهر [4].

ومن الجدير بالذكر أن ممتاز محال هي ابنة أخ نور جهان، وهي الزوجة المفضلة لوالد شاه جهان. اسمها أرجمند بانو بيجم، ووالدها آصف خان، أحد نبلاء بلاد فارس. لقبها زوجها شاه جهان بممتاز محل، ويعني هذا الاسم “حلية القصر المحببة”. كان زواجهما سعيداً وكانت تساعد السلطان في أمور الإدارة [5]. لكنها فارقت الحياة بعد ولادة ابنهما الثالث عشر، وكانت قد أخذت من زوجها وعداً بأن يشيد ضريحاً لها ويزوره في ذكرى وفاتها [4].

وبالفعل، قرر شاه جهان في عام 1631، بعد أن خرج من حالة حزنه وكآبته على فقدها، أن يشيد هذا البناء. حيث يعكس جماله وتناظره ودقة صنعته الجمال الأخاذ لصاحبة الذكرى والحب الكبير الذي كان يحمله زوجها في قلبه [4].

تشييد الضريح

يمثل تاج محل نموذجاً عن العمارة المغولية بسماته الهندية والإسلامية والفارسية. ويعتمد هذا النمط المعماري على رمزية محتويات البناء ومكوناته. وقد كان الهدف من تصميم تاج محل أن يمثل بيتاً لممتاز على الأرض يعكس بيتها في الجنة. فينطبع كامل المجمع بأجزائه المختلفة بهذه الفكرة، بالإضافة إلى وجود مفاهيم ثانوية أخرى تبرز من خلال التصميم. كما تتفاعل كافة أجزائه من أبنية وزخارف ومواد بناء وتخطيط هندسي. ويمتد هذا التفاعل من الأجزاء المحسوسة ليصل إلى الجوانب المجردة كالدينية والشعرية والفكرية [6].

تمتد الرمزية إلى مواد البناء المستخدمة وألوانها. فقد كان الهدف من إدخال الرخام الأبيض في البناء هو ارتباط الحجارة البيضاء ببيوت طبقة الكهنة لدى الهنود. وبالتوازي، كانت الحجارة الحمراء مرتبطة بطبقة المحاربين الهندية، ولهذا السبب استخدمت الحجارة الرملية الحمراء. ومن خلال استعمالهم لهذا الترميز في مواد البناء، كان المغول يتماهون مع الطبقتين الاجتماعيتين الحاكمتين عند الهنود، وبهذا رسخوا أنفسهم كحكام للهند وفق التقاليد الهندية [6].

استمر العمل على بناء الضريح لأكثر من عشرين عاماً، وكان المهندس المعماري الرئيسي المشرف على العمل الأستاذ أحمد لاهوري. وهو مهندس من أصول فارسية. كما عمل أكثر من 20 ألف عامل من الهند وإيران وآسيا الوسطى، من بنائين ونحاتين ودهانين وخطاطين وحرفيين [7، 8].

أقسام تاج محل

ينقسم كامل مجمع تاج محل إلى أكثر من مبنى وجزء، وتحيط به حديقة واسعة وتزينها نوافير وبحرات مائية.

الضريح الأساسي

يقع الضريح الرخامي الأبيض على قاعدة مربعة، ويتألف من بناء متناظر تعلوه قبة مزينة. أما مدخله فقد صمم على الطراز الفارسي الذي يتميز ببوابته المقنطرة [9]. تشكل القبة المركزية فوق القبر أكثر الأجزاء وضوحاً. حيث يضفي عليها الرخام الأبيض طابعاً ملفتاً للنظر على الفور، بالإضافة إلى ارتفاعها على القاعدة الأسطوانية، الأمر الذي يجعلها أكثر بروزاً. وتزين قمة القبة بزخرفة على شكل زهرة اللوتس مما يزيد من ارتفاعها. كما تحيط بها أربع قبب أصغر، تساعد على إبرازها وتوجيه تركيز الناظر إليها. وتتشارك معها بالزخرفة المذهبة التي تشبه زهرة اللوتس [10].

ينعكس التناظر المعماري في البناء بوجود أربع مآذن محيطة بقاعدة الهيكل الرئيسي. ويتعزز التناظر في أبراج المآذن بوجود شرفتين تحيطان بكل برج، وتقسمانه إلى ثلاثة أجزاء متساوية بالطول [10].

ضريح تاج محل والمآذن المحيطة به

الأبنية المحيطة

شيد إلى جانبي الضريح مبنيان متطابقان، وهما المسجد من جهة الغرب وغرفة الاستراحة أو غرفة الضيوف من جهة الشرق. ينقسم حرم المسجد إلى ثلاث مساحات على نمط الطراز السائد في المساجد المغولية في ذلك الوقت. وترتفع فوق كل مساحة منها قبة مسقوفة. أما غرفة الاستراحة فتشكل نسخة مطابقة للمسجد، ويخلق تطابقهما توازناً في التناظر الثنائي للبناء ككل. وكان الهدف الرئيسي لبنائها إيواء الزوار الذين كانوا يتوافدون في كل ذكرى سنوية لوفاة الأميرة ممتاز محل إحياءً للمناسبة [11].

يوجد أمام كل من المسجد وغرفة الضيوف منصة كبيرة ترتفع عن سطح أرض الحديقة المحيطة، مما يجعل المنطقة التي تصل بين المنصة والضريح أشبه بمساحة مستطيلة غائرة. وتوجد أمام المسجد بحيرة ماء تخدم أغراض الشعائر الدينية للمصلين، وتحديداً الوضوء قبل الصلاة. أما البحيرة أمام غرفة الضيوف، فهي صورة مقابلة لتلك الموجودة في المسجد للحفاظ على التناظر، وليس لها غرض محدد [11].

مسجد تاج محل

الحدائق

اقتبس المغول مفهوم حدائق الجنة من الفرس، وقد كان هذا أول تعبير معماري للإمبراطورية الجديدة في الهند. ويتجسد هذا الفن في حدائق تاج محل [12].

تقسم الحديقة المربعة بممرين رئيسيين إلى أربعة أقسام متساوية. وبدوره، يعبر من كل قسم ممرات فرعية تقسمه أيضاً إلى أرباع أصغر، مما يشكل بالمجمل ست عشر قسماً فرعياً. ويحيط الحديقة بأكملها ممر للمشي ويتفرع عنه ممرات تتقاطع مع تلك الموجودة في الداخل. وتمثل هذه الأنماط الهندسية سمات الزخرفة المعمارية المغولية في بداياتها. ولكن تم استبدالها بزخارف نباتية كتلك التي تزين الضريح. في حين اقتصرت الأشكال الهندسية على تزيين الأرضيات [12].

عند تقاطع الممرات في المركز، ترتفع منصة من الرخام الأبيض وتضم حوضاً مائياً للزينة. يوجد في هذا الحوض خمس نوافير؛ واحدة في كل زاوية وواحدة في المنتصف. ويعد انعكاس الضريح على صفحة الماء من أكثر الصور المميزة لتاج محل، فهي تعمق فكرة التناظر المعماري. وقد تم استجرار الماء إلى الحديقة من نهر يامونا المجاور عبر قنوات مائية ومنها توزعت في أنابيب إلى كامل الحديقة [12].

حديقة تاج محل

أهمية تاج محل

أدرج تاج محل على قائمة التراث العالمي في عام 1983 لأنه يمثل ” أفضل جوهرة في الفن الإسلامي في الهند إحدى أبرز تُحف التراث البشري التي هي محطّ إعجاب العالم بأسره” حسب موقع منظمة اليونسكو. علاوة على ذلك، أعلن في عام 2007 عن فوزه ضمن مبادرة عجائب العالم السبعة الجديدة [1، 7].

وتعد زيارة هذا المعلم من أساسيات السياحة في الهند. إذ يستقطب بين 7 و8 مليون سائح كل عام. كما يتوجب على السياح أن يترجلوا في مواقف السيارات، حيث يمكنهم عبور البوابة إما مشياً أو باستخدام الحافلة الكهربائية [13].

اقرأ أيضاً: برج إيفل وكل ما تحتاج معرفته عنه

المصادر

  1. New 7 Wonders of the World
  2. Taj Mahal
  3. Shah Jahan
  4. Story
  5. Mumtaz Mahal
  6. Architecture
  7. UNESCO
  8. History
  9. Interior
  10. Exterior
  11. Outlying Buildings
  12. Gardens
  13. Tourism

عمارة حضارة سومر وأكاد في بلاد الرافدين

مع تطور أساليب الري ظهرت فكرة إنشاء المستوطنات، وبدأت تنتشر في وسط بلاد ما بين النهرين لتصل في نهاية المطاف إلى الجنوب حيث ظهرت أولى المدن لدى السومريين. وتميز «عصر ما قبل السلالات- pre strains age» بحوالي 3000-6000ق.م بتوسع وازدهار العديد من المستوطنات الزراعية والتي ساهمت بتطور عمارة حضارة سومر وأكاد. إذ استخدم السومريون أساليب عمارة هذه المستوطنات وطوروها وأضافوا عليها وكذلك فعل الأكاديون لاحقًا. فكيف كانت عمارة حضارة سومر وأكاد؟

عمارة المستوطنات الزراعية

أكواخ القصب

عاش السكان الأوائل في جنوب العراق في منطقة الأهوار بأكواخ من قصب. فحفر البناؤون سلسلة من الثقوب في الأرض، ووضعوا حزمة طويلة من القصب في كل ثقب. فلزم لبناء منزل دائري استخدام سلسلة ثقوب دائرية، بينما استخدِم صفين متوازيين من الثقوب للمنزل المستطيل. وبمجرد إدخال الحزم بإحكام يتم ثني الحزم المقابلة لبعضها البعض وربطها من الأعلى ليتشكل السقف. ثم تغطى بحصر من القصب، وغطّيت أحيانًا بطبقة من الطين في المناطق الأكثر برودة. حيث وفرت حزمة القصب الظل وأعطت بعض العزل. وتطورت بعدها أساليب الإنشاء واستُخدِم اللبن بأنواعه. [1][8]

سامراء

تعود سامراء تقريبًا إلى عام (5500-6000) ق.م. فسكن الناس في منازل من غرف صغيرة وغطّيت أرضيتها بالجص للعمل والمعيشة. بالإضافة إلى وجود غرف لتخزين الطعام وباحات داخلية مع أفران في الهواء الطلق.[2]

حسونة

يقع موقع حسونة جنوب الموصل ويمثل ثقافة قروية متقدمة. ويعود تقريبًا إلى عام (5500-6000) ق.م. وكشفت التنقيبات عن 6 طبقات من المنازل، تزداد كل طبقة تدريجيًا. وعاش شعب حسونة في قرى صغيرة تراوحت مساحتها بين (3.2-0.8) هكتار. وحتى أكبرها كانت أصغر من أريحا حوالي عام 6500 ق.م، فكانت مساحتها تقريبًا 4هكتار. ولم يتجاوز سكان حسونة 500 شخص.

لم يتم العثور على بقايا معمارية في الطبقات الأقدم لذلك افترِض وجود مجتمع شبه بدوي، وعُثر على رماد نيران نتيجةً لذلك يعتقد بأنهم سكنوا الخيام. ووصلت بقايا الجدران في المستوى الثاني إلى ما يقارب 1م. ووجدت جدران متقاطعة بزوايا قائمة، شكلت عدة فراغات في المبنى، بالإضافة إلى فراغات ملحقة لتربية المواشي. ولكن لا يزال الشك قائمًا حول أن المستوطنة تم التخطيط لها.[3]

حلف

يقع تل حلف غرب الخابور أحد روافد نهر الفرات، في سوريا، ويعود تقريبًا لعام (5000-5500) ق.م. ومَثَل تطور القرى الزراعية في أساليب التنظيم وبناء المباني، وقد رُصِفت شوارعه بالحجارة الطبيعية. وسكن لاحقًا من قبل الآراميين.[4]

السومريون

يُعتبر السومريون صانعي الحضارة بمفهومنا الحالي. واستمرت سيطرتهم على جنوب بلاد الرافدين لمدة 2000 سنة تقريبًا قبل أن يتولى البابليون المسؤولية عام 2004 ق.م.

استوطن السومريون المنطقة تقريبًا بين 4000-4500 ق.م على الرغم من احتمالية وصول بعض المستوطنين قبل ذلك بكثير، وعرف هذا الاستيطان المبكر بفترة العُبيد.

فرض السومريون سيطرتهم بحلول عام 3000ق.م على منطقة جنوب بلاد الرافدين. وتألفت حضارتهم من مجموعة من المدن تحولت لمراكز ممالك مدن، ومنها «اريدو-Eridu » و«نيبور-Nippur» و«لجش-Lagash» و«أور-Ur» وأول مدينة في العالم «أوروك-Uruk» في العراق. [5]

الأكاديون

بقيت المنطقة في صراعات ونزاعات دائمة بين الممالك التي سكنتها. وأسس الملك «سركون-Sargon» مدينة «أكادي- agade» في حوالي عام 2300 ق.م في وسط بلاد الرافدين. وتعد أكادي سبب تسمية الأكاديين بهذا الاسم. ووحد الملك المدن المختلفة في المنطقة تحت حكمه. وبعد سقوط سلالة سركون حوالي عام 2150 ق.م تشكلت فكرة نشوء الدولة المركزية الكبيرة. التي وصلت إلى أوجها عند اتحاد الدولة السومرية والأكادية في عهد الأسرة الثالثة في أور 2003-2130 ق.م.[6]

قد يتوقع المرء أن يلاحظ تغييرًا واضحًا في طابع العمارة إثر هذه الأحداث، ولكن الحقيقة ليست كذلك. وربما يرجع ذلك إلى ندرة الأمثلة المستخرجة. إضافةً إلى أن السلالة السركونية قامت بإعادة بناء واستخدام العديد من الأبنية السومرية. ولا تكفي أنقاض المباني للإشارة إلى تغيرات في النمط المعماري أو اكتشاف الابتكارات الإنشائية.[7]

المدن السومرية

أحاط بالمدن السومرية سور بيضوي الشكل غالبًا، ودعم بالأبراج وأحيط به خنادق مائية، واستقرت قرى خارج السور.

ضمت المدن القصور والمباني الدينية بالإضافة إلى قسم الأحياء السكنية والذي يشكل الجزء الأكبر من المدن. وتربط أجزاء المدينة شبكة عفوية من الشوارع والأزقة المتعرجة الضيقة والتي لا تتبع نظامًا معينًا.

وتعد أوروك أقدم مدينة وازدهرت عام 2800 ق.م في العراق، وعاش فيها (80,000-40,000) شخص بين 9.66 كم من الجدران الدفاعية.[5]

ومن أشهر المدن أور في عهد الأسرة الثالثة وتقع عند التقاء نهري الدجلة والفرات، وضمت زيقورة إله القمر نانا.

مخطط مدينة أور في عهد الأسرة الثالثة

المنازل السكنية في عمارة حضارة سومر وأكاد

قسم السومريون الشعب إلى ثلاث طبقات، الطبقة العليا للأغنياء والطبقة الوسطى للعاملين. وتضمنت الطبقة الدنيا العبيد.

مساحة معظم المنازل حوالي 90م² واحتوت على فراغ مركزي مربع مكشوف يدعى الفناء والذي يؤمن الضوء والتهوية إلى الغرف التي تُبنى حوله.

كان المنزل المتوسط عبارة عن مبنى صغير، بُني بطابق واحد من اللبن واحتوى عدة غرف حول الفناء وغطّيت أرضيته بالقصب.

بينما عاش الأغنياء في منازل من طابقين، احتوت على 12-10 غرفة وجُهّزت بأبواب ودرج من خشب. وتكون الطابق الأرضي من غرفة استقبال ومطبخ ومكان للخدم، وكسي المنزل بالجص الأبيض. وتوفرت النوافذ أحيانًا فيه ولكنها صغيرة جدًا ووضعت على ارتفاعات عالية، وعَزَلت بكفاءة جزء المنزل الداخلي من الحرارة الخارجية. وغطّيت الجدران والأرضيات بالحصر المصنوع من القصب والسجاد.[8]

مقطع منظوري للمنازل السومرية

بنيت المنازل على نمط واحد عدا منزل العالم إبراهيم في عهد الأسرة الثالثة في أور. فاحتوى المنزل على مكتبة داخلية وبعض الغرف المتداخلة والمتجاورة والتي يفصل بينها أروقة من أقواس نصف دائرية. ووُجدت أدراج بين الغرف مما يدل أن المنزل بني على مستويات مختلفة.

وكانت المنازل في أور في أوقات لاحقة تحتوي على شبكات ثقيلة لتصريف المياه وتعتبر الأولى من نوعها في ذلك الوقت.[4]

القصور في عمارة حضارة سومر وأكاد

اعتمدت القصور على الأفنية والفراغات المحيطة. بحيث تتجمع الوظائف حول فناء محدد وتتم إحاطة المبنى الناتج بسور خارجي. وضمت القصور قسم التمثيل الحكومي، وقسم سكن الملك وحاشيته، وقسم الخدمات والمستودعات. اكتُشف قصران متماثلان في أريدو في العراق ويعتبران من أقدم قصور المنطقة، أحدهما هو القصر الشمالي الذي بني على شكل مستطيل (68*45) م بالطوب من النوع محدب-مستقيم. احتوى القصر على جدارين سميكين من الخارج مع ممر ضيق لحماية القصر.

وفي حقبة الإمبراطورية الأكادية استُخدم اللبن ذو المقطع العرضي المربع، واعتُبرت القصور أكثر أهمية من المعابد. فبنى الملك نارامسين قصر في تل براك غرب نهر الجغجغ في سوريا، وهو شبيه بالحصن، على شكل مربع تقريبًا (95*90) م وكانت الجدران سميكة حوالي 10 م. وتألف القصر من أربعة أفنية أحدهم أكبر من الآخرين وعدد من الغرف والقاعات.[4]

مسقط قصر الملك نارامسين في تل براك

العمارة الدينية

صنف علماء الآثار المعابد وفقًا لمحاور الدخول وتوضع الحرم المقدس حيث يقيم الإله.

عثر على عدة معابد في أريدو ترجع إلى فترة العُبيد وكانت بسيطة واحتوت على غرفة واحدة. في حين أصبحت المعابد اللاحقة تشبه المنازل ذات الفناء. وضمت المعابد الأهم عدة أفنية ومداخل. ودعّمت وعزلت الجدران الخارجية. والهياكل عبارة عن فراغات مستطيلة طويلة والحرم المقدس في نهايتها واحتوى قاعدة لوضع التمثال.

ويتشكل المحور المنكسر حين يوضع المدخل الرئيسي للهيكل من الضلع الطويل، واستخدم هذا النوع في فترة الأسرة الثالثة ووجد في فترات لاحقة أيضأ. استُمدت معابد أوروك من الفترات السابقة واعتمدت المخطط الثلاثي وهي قاعة مركزية مستطيلة طويلة مع غرف على كلا الجانبين. ومنها معبد العيون في تل براك والمعبد المصبوغ في تل عقير.[9] ويمكن التعرف على المعابد من خلال مظهرها المعماري أيضًا.

المعبد البيضوى

واقتُصر على «فترة الأسر- Dynastic era» مثل معبد خفاجي حيث يلتف سور بيضوي من جدارين حول فناء فيه مصطبة ترتفع 6م فوقها معبد.[9]

معابد المصاطب

وجدت استمرارية في عمارة بلاد الرافدين، مثلًا أعيد بناء معبد في أريدو حتى الألفية الأولى ق.م على الرغم من أن المدينة نفسها هُجرت لفترات طويلة. وأدى تكرار ذلك إلى تشكل مصاطب ارتفعت تدريجيًا عن منسوب الأرض واستخدمت أدراج للوصول إلى المعبد. وعُثر على أقدم هذه المعابد في أريدو، فاكتشفت خمس طبقات من المعابد ومُيّزت من أبعاد الطوب المستخدم.

ومن أشهر المعابد المعبد الأبيض وسمي بذلك لأنه يغطّيه طبقة رقيقة من الجص الأبيض. وبني على مصطبة بارتفاع 13م.[9]

واتبع المخطط الثلاثي وهو مستطيل له ثلاث مداخل لم تواجه الأدراج فاحتاج الزوار للتجول حوله وملاحظة مظهره المشرق والقوي ويعتقد أنه من المحور المنكسر.[10]

مخطط ومنظور للمعبد الأبيض

الزيقورات

تعد الزيقورات تطور لمعابد المصاطب، وهي مصطبة مرتفعة بنيت بأربعة جوانب مائلة مثل الهرم المقطوع من الطوب. وقسمت جدران الزيقورة إلى أجزاء بارزة وغائرة عمودية، ويتم الوصول إلى قمتها عبر درج قاسي يؤدي إلى منحدر اصطناعي (رامب).[10]

يعتبر الملك أورنامو في فترة الأسرة الثالثة أول من بنى زيقورة بالمعنى التقليدي فبناها في مكان بعيد في المدينة موازية للاتجاهات السماوية. بنيت من اللبن المشوي من عدة مصاطب وضمت معبدين.

أشهر زيقورات أور حمراء اللون بسبب استخدام الآجر المشوي بنيت من ثلاث مصاطب وبني المعبد على المصطبة العليا. بنيت الجدران بسمك 2.4م وتخلله ملاط صُنع من القصب والقطران. وارتفعت المصطبة الأولى حوالي 15م والثانية 5.7م والثالثة 3م. وضمت الزيقورة ثلاثة أدراج بارتفاع 12م واحد في الوسط ووقع الآخران على جانبي الزيقورة فانضما إلى الدرج الوسطي واستمرا بالصعود معًا.

بنيت زيقورة أورو بطريقة مختلفة حيث وضعت طبقات من الحصائر المصنوعة من القصب بين طبقات اللبن على مسافات متساوية لزيادة الاتصال بينها. ووضعت حبال في قنوات أفقية اخترقت الزيقورة، يعتقد أنها لتصريف المياه. ووضع البيتومين على الجدران الخارجية وخاصة السفلية لدعمها وللعزل المائي.[4]

زيقورة أور

المقبرة الملكية

بنى الملك أورنامو مقبرة ملكية في أور تحت الأرض، ضمت غرف دفن وممرات غطّيت بأقواس صنعت من الطوب. ويمكن الوصول إليها عن طريق درج والمدخل مميز على شكل مثلث.[4]

مدخل المقبرة الملكية في أور

بعض سمات عمارة حضارة سومر وأكاد

استخدمت الأعمدة في كل الفترات تقريبًا ولكنها لم تشكل جزءًا محوريًا في عمارة حضارة سومر وأكاد كما كانت في عمارة الدولة المصرية القديمة واليونان.

تشكلت واجهات مميزة من خلال تناوب سطوح بارزة وغائرة عند بناء الجدران الخارجية مما أعطت مظهرًا فريدًا وخاصةً مع تناوب الظل والنور.

استخدمت الفسيفساء المخروطية لتزيين الجدران في فترة أوروك المتأخرة. وهي مخاريط من الحجر أو الفخار وطولها 15-10سم ذات أطراف ملونة، تلتصق على طبقة سميكة من الملاط الطيني وتُرتَب لتشكِل أنماط هندسية. ولم يتم العثور عليها بعد فترة أوروك.[9]

أحدثت الأبواب مشكلة إذ كانت واسعة كأطول العوارض المتاحة، فإذا وضع الكثير من الوزن على الجزء العلوي من الساكف يمكن أن يحدث انهيار. فأوجد السومريون الحل وبنوا الأقواس لتشكل مداخل الفراغات وكانت الأولى من نوعها.[1] أثرت عمارة حضارة سومر وأكاد على غيرها من حضارات بلاد الرافدين، ولا تزال تعتبر حتى يومنا هذا من أعرق حضارات العالم بما قدمته من إنجازات عظيمة بمختلف المجالات.

المصادر

  1. Research gate
  2. The history file
  3. Cultural property training resource
  4. Research gate
  5. History
  6. Britannica
  7. Britannica
  8. Ancient pages
  9. Silo.tips
  10. Khan academy

تاريخ عمارة بلاد ما بين النهرين

هل نظرت يومًا إلى ما حولك في المجتمع وتساءلت كيف بدأ كل شيء وكيف نمت أول الحضارات؟ أين تشكلت أول مدينة في العالم وكم تختلف عما نحن عليه الآن؟ دعونا نعود كثيرًا من الزمن إلى الوراء وتحديدًا إلى حوالي عام 150,000 ق.م، إلى منطقة تدعى «بلاد ما بين النهرين-Mesopotamia » وهو اسم يوناني يتكون من شقين وهما «في المنتصف أو بين-meso» و«نهر-potamos».

لنتعرف سويًا على مراحل تطور عمارة بلاد ما بين النهرين، حيث تقع حاليًا بلاد ما بين النهرين في العراق وأجزاء من سوريا، وتركيا وإيران. إذ يشير النهران إلى نهري الدجلة والفرات. وتعرف المنطقة باسم «الهلال الخصيب-«fertile crescent كونها منطقة خصبة محاطة بالمياه. ويطلق لقب الرافدين على نهري الدجلة والفرات.

بداية حضارات بلاد ما بين النهرين

بدأ الناس بالاستقرار في منطقة بلاد ما بين النهرين في بقع صغيرة ومتفرقة. وبعد فترات من الزمن، شكَّلت منازل تلك المجموعات مجتمعات زراعية حيث تحتاج الزراعة إلى عمل جماعي. ازدهر التطور الزراعي بعد تدجين الحيوانات وتطور تقنيات الري التي استفادت من قرب نهري الدجلة والفرات. ومع زيادة احتياجات الحياة اليومية بدأت تتوسع منازلهم. وأخذت هذه المجتمعات بالانتشار واستمرت في النمو لعدة آلاف من السنين حتى شكلت ما نسميه الآن بالمدن، والتي تعتبر من عمل شعب سومر. [1]

على عكس الحضارات الأكثر توحدًا في مصر أو اليونان، ضمت أرض بلاد ما بين النهرين مجموعة مختلطة من حضارات متنوعة. وربطت بينهم فقط آلهتهم، وموقفهم من النساء، والعادات الاجتماعية والقوانين. على سبيل المثال البابليين والآشوريين والآراميين.

ينبغي علينا فهم أن هذه البلاد أنتجت امبراطوريات وممالك متعددة بدلًا من حضارة واحدة. وتعرف بلاد ما بين النهرين بأنها مهد الحضارات وتعود هذه التسمية إلى تطورين حدثا في مملكة سومر في الألفية الرابعة ق.م وهما:

تترك البشرية بصمتها على الأرض من خلال المهارات المعمارية والهندسية والفنية. وبقي جزء من فن بلاد ما بين النهرين إلى يومنا هذا. وتوصف هندسة العمارة في حضارات بلاد ما بين النهرين بالعقلانية والمنطقية. فهي ليست هامة فقط في شكلها الخارجي ومهارة التخطيط ولكنها اعتبرت بيئتها ومناخها محورين أساسين في تكوين حضارتها. [3]

بيئة ومناخ بلاد ما بين النهرين

امتدت البلاد على مساحات طبيعية متباينة، حيث تضمنت صحراء، وسفوح تلال، وسهوب ومستنقعات. ولكنها اشتركت في ميزة وهي ندرة تساقط الأمطار.

تنقسم أرض بلاد ما بين النهرين إلى منطقتين بيئيتين تقريبًا، أسفل البلاد في الجنوب وأعلى البلاد في الشمال. حيث تميزت المنطقة السفلى بشتاء بارد جاف، وصيف حار جدًا وجاف. بينما منطقة الشمال تميزت بشتاء معتدل رطب وصيف جاف وحار. فاعتمدت الزراعة فيها على توزيع مياه النهر بشكل اصطناعي وكانت عرضة للفيضانات الدورية.

تحدد الموارد الطبيعية لأي حضارة إلى حد كبير المواد الانشائية المستخدمة من قبل السكان. وساهمت ثلاث عوامل رئيسية في عمارة وفن بلاد ما بين النهرين وهي:

  • التنظيم السياسي والاجتماعي.
  • دور الدين الهام في في تنظيم شؤون الدولة.
  • تأثير البيئة الطبيعية والقيود العملية التي فرضتها الجيولوجيا والمناخ.

ونرى هذه الأخيرة واضحة في عمارة بلاد ما بين النهرين.

تأثير الموارد الطبيعية على عمليات البناء

تكونت منطقة جنوب بلاد ما بين النهرين من الطين والتراب وافتقرت إلى الحجارة. بينما توافرت الحجارة في الشمال والسهول الآرامية بشكل أكبر. لكن افتقرت المنطقتان إلى الغابات الكثيفة، فالخشب الوحيد الذي كان متاحًا هو خشب النخيل. ولذلك تم اعتماد الطين كمادة بناء أساسية، حيث تم تشكيل اللبن في قوالب مستطيلة وتركت لتجف.

تطور الطوب في عمارة بلاد الرافدين

كان هناك نوعان من الطوب المجفف، الأول المجفف تحت أشعة الشمس والثاني المجفف في الفرن. حيث كان الطوب المجفف في الشمس معمر إلى حدٍ ما ورخيص الإنتاج. في حين كان الطوب المجفف في الفرن مكلفًا لأنه يحتاج إلى حرق وقود، لذلك استُخدم في المباني المرموقة والقصور.

أدرك البناءون بعد ذلك أن خلط الطين بالقش يجعل اللبن أقوى ويمنعه من التشقق. وفي بعض الأحيان تم خلط الطين بالحصى أو الجير لجعله أكثر استقرارًا. واستمر تطوير اللبن كمادة بناء أساسية وعلى مر الزمن تم تغيير مظهره ونسبه.

الرخام في عمارة بلاد الرافدين

وُجد في المنطقة رخام عُرف باسم رخام الموصل، ولكن نقله تطلب الكثير من القوة البشرية وكان ذلك مكلفًا أيضًا لذلك اقتصر استخدامه على القصور والمعابد.

استخدام البيتومين

واستخدم البناؤون مادة «البيتومين-«pitmen الذي تم الحصول عليها من شقوق نهر الفرات. والبيتومين هو نوع من أنواع الاسفلت. كان يستخدم البيتومين كمادة رابطة بسبب خصائصه اللاصقة والمتماسكة واستخدم أيضًا لطلاء الأسطح والأنابيب بسبب خصائصه العازلة للماء.

القصب والبردي والكلس في عمارة بلاد ما بين النهرين

استخدم القصب والبردى أيضًا في مناطق المستنقعات كمادة بناء للمنازل في مراحل معينة. وكذلك الكلس توافر بكثرة واستخدموه للطلاء. فعادةً ما كانت جدران المنازل الطينية السمكية تطلى بالجير لزيادة الإضاءة عبر عكس أشعة الشمس مما يوفر وسيلة للسيطرة على البيئة داخل المنازل. بينما استخدم السكان الحجر في المناطق الجبلية في شمال البلاد.

الميزة الأساسية للطين هو سهولة توافره وسهولة استخدامه وتمنح قدرته الحرارية العالية مزايا التحكم في البيئة الداخلية للفراغ. ويعتبر نظام البناء بالطين صديقًا للبيئة ولا يستهلك الكثير من الطاقة وأكثر فعالية في الظروف المناخية الحاصلة في المنطقة. لذلك يعتبر الخيار الأمثل لعمليات البناء. [4]

السكان القدماء في العراق في العصور الحجرية

تنقسم مراحل حياة القدماء في العراق في العصور الحجرية إلى:

1. «العصر الحجري القديم- «Paleolithic (12000-150000) ق.م

عاش الإنسان القديم في الكهوف منذ حوالي عام 100,000 ق.م في شمال العراق واستخدم حجارتها لصناعة أدواته. ومن أقدم الكهوف التي تم العثور عليها كهف «زوزة-Souza» وكهف «هزارمرد-hazairmrd» في مدينة سليمانية. وتبلغ أبعاد أحد أشهر الكهوف وهو كهف «شانيدر-shanider» في جبل رواندوز حوالي25 م عرض * 8 م ارتفاع مدخل الكهف، بينما بلغ 40 م طول * 53 م عرض من داخل الكهف.

كهف شانيدر

2. «العصر الحجري المتوسط-«mesolata بدأ بحوالي عام 12000 ق.م

انتقل السكان ليعيشوا بالقرب من الكهوف وبدؤوا بالاستقرار وزراعة الأرض. وتعتبر مستوطنة zawe Jamie واحدة من أقدم المستوطنات المكتشفة وتقع على ضفاف نهر الزاب وهو ثاني روافد نهر دجلة، إلى الغرب من كهف شانيدر. فبنى السكان منازلهم من الطين وأخذت شكل دائري بقطر حوالي 4 م وسمك الجدران 1.65 م حيث صنعوا الأساس من حجر كبير طبيعي.

مخطط لمنزل دائري

3. «العصر الحجري الحديث-neolithic age» بدأ بحوالي عام 10000 ق.م

ويقسم بدوره إلى عدة أقسام. تطورت حياة الناس في هذه المرحلة حيث ابتعدوا عن الكهوف وبدؤوا العيش في القرى كمجتمعات زراعية ومن أمثلة ذلك قرية جرمو التي يعود تاريخها إلى عام 6700 ق.م وتقع في الجزء الشمالي من العراق.

المنازل في هذه القرية مستطيلة الشكل وتضم أكثر من غرفة. واستخدموا مادة الطين للبناء، والحجر للأساس، وبنوا الأعمدة، بينما كانت الحوائط محشوة بأغصان الصفصاف والأرضية مغطاة بالطين والخشب، كما استخدم القصب لبناء الأسقف.

ومن نماذج القرى أيضًا قرية جوخ ماري والتي تقع في الشمال الغربي للعراق، حيث وجد أساس لبرج يقع في مدخل القرية. كانت منازل سكان قرية جوخ ماري أيضًا تحتوي على عدد من الغرف والجدران والتي بنيت من اللبن الذي كان ذو نسبة متطاولة. تم ترتيبه في مجموعات من ثلاث أعمدة عمودية وثلاث أعمدة أفقية. [5]

بدأت تكبر المستوطنات بعد ذلك شيئًا فشيئًا وأخذت بالانتشار والتطور لندخل بعدها إلى عصر «ما قبل السلالات-pre strains age» الذي شكل حلقة وصل بين العصور الحجرية وعصور الامبراطوريات والممالك الكبيرة.

المصادر:

  1. History
  2. World history encyclopedia
  3. Britannica
  4. Research
  5. Research

 


 

ما هو أثر الزلازل في المباني الخرسانية المسلحة؟

تعتبر مباني « الخرسانة المسلحة -Reinforced Concrete (RC)» شائعة في جميع أنحاء العالم. وتتكون من مادتين أساسيتين هما الخرسانة، وقضبان التسليح الفولاذية. تصنع الخرسانة من الرمل والحصويات (الركام) والإسمنت، وتخلط كلها بكمية محددة مسبقًا من الماء. يمكن تشكيل الخرسانة بأي شكل مرغوب، ويمكن ثني القضبان الفولاذية في أشكال عديدة. وبالتالي، يكون تشييد المنشآت ذات الأشكال المعقدة ممكنًا باستخدام RC. فما هو أثر الزلازل في المباني الخرسانية المسلحة؟

تنتقل قوى العطالة الزلزالية المتولدة عند مستويات أرضيات الطوابق عبر البلاطة والجيزان إلى الأعمدة والجدران، ثم إلى الأساسات حيث تتبدد في الأرض. عندما تتراكم قوى العطالة من أعلى المبنى إلى أسفله، تتعرض الأعمدة والجدران في الطوابق السفلية لقوى زلزالية أكبر. وبالتالي من المهم أن تصمم تلك الأعمدة والجدران لتكون أقوى من تلك الموجودة في الطوابق أعلاها. [1]

أثر الزلازل في المباني الخرسانية المسلحة

بلاطات الأرضيات

عندما تنحني الجيزان شاقوليًا في أثناء الزلازل، تنحني البلاطات الرقيقة معها. وعندما تتحرك البلاطة في الاتجاه الأفقي، فإنها عادة ما تجبر الجيزان والأعمدة على التحرك معها.

يكون التشوه الهندسي للبلاطة ضئيلًا في المستوي الأفقي في معظم المباني. ويُعرف هذا السلوك بعمل «الديافرام الصلب-Rigid Diaphragm». يجب على المهندسين الإنشائيين مراعاة هذا أثناء التصميم. [1]

اختلاف التأثيرات الزلزالية الأفقية

تؤدي حمولات الجاذبية (الوزن الذاتي ومحتويات المبنى) إلى انحناء إطارات الخرسانة المسلحة مما يسبب تمددًا وتقاصرًا في مواقع مختلفة. تحت حمولات الجاذبية، يكون «الشد-Tension» في الجيزان عند السطح السفلي للجائز لمنتصفه وعلى السطح العلوي عند نهايتيه. أما الحمولة الزلزالية، فتسبب شدًا على أوجه الجائز والعمود في مواقع مختلفة عن تلك التي تخضع للشد تحت حمولات الجاذبية. يوضح الشكل المستويات النسبية لهذا الشد (عزم الانعطاف) المتولدة في العناصر.

بالتالي، يمكن لنهايتي الجائز أن تطورا شدًا على أي من الوجهين العلوي والسفلي في ظل اهتزاز زلزالي قوي. ونظرًا إلى أن الخرسانة لا يمكنها تحمل هذا الشد، يكون وجود القضبان الفولاذية ضروريًا على كلا وجهي الجائز لمقاومة تغيرات اتجاه «عزم الانعطاف-Bending Moment». وبالمثل، يكون وجودها ضروريًا على جميع أوجه الأعمدة. [1]

التسلسل الهرمي للقوة

لكي نتجنب أثر الزلازل في المباني الخرسانية ، يجب أن تكون الأعمدة (والتي تتلقى القوى من الجيزان) أقوى منها. ويجب أن تكون الأساسات (والتي تتلقى القوى من الأعمدة) أقوى من الأعمدة. علاوة على ذلك، يجب ألا تنهار الوصلات بين الجيزان والأعمدة، والأعمدة والأساسات. [1]

كيف تقاوم الجيزان الزلازل في مباني الخرسانة المسلحة؟

تحتوي الجيزان (الكمرات) في مباني الخرسانة المسلحة على مجموعتين من فولاذ التسليح، وهما: القضبان الطولية؛ وهي قضبان مستقيمة موضوعة على طول الجائز، وحلقات مغلقة من قضبان فولاذية صغيرة القطر (تسمى الأساور) موضوعة عموديًا على مسافات منتظمة على طول الجائز. [2]

وتتعرض الجيزان لنوعين أساسيين من الانهيارات، وهما:

  • انهيار الانعطاف: يتميز الانهيار المطاوع بالعديد من الشقوق الشاقولية التي تبدأ من السطح المتمدد للجائز، وتتجه نحو منتصف عمقه.
  • انهيار القص: قد ينهار الجائز أيضًا بفعل قوة القص. يميل شق القص 45 درجة عن الأفق؛ ويتطور عند منتصف العمق بالقرب من المسند (العمود) ويمتد نحو الوجهين العلوي والسفلي. يعد انهيار القص هشًا، لذلك يجب تجنبه في تصميم جيزان RC، وذلك باستخدام الأساور الفولاذية التي تعمل على مقاومته. [2]

تستخدم القضبان الطولية لمقاومة تشقق الانعطاف على الجانب المتمدد للجائز. ونظرًا إلى تمدد الوجهين العلوي والسفلي أثناء اهتزاز زلزالي قوي، فإن القضبان الفولاذية الطولية مطلوبة على كلا الوجهين عند النهايتين وعلى الوجه السفلي عند منتصف طول الجائز. [2]

تحمل الأساور قوة القص الشاقولية وبالتالي تقاوم شقوق القص القطرية، وتحمي الخرسانة من الانتفاخ إلى الخارج بسبب الانعطاف. كما تمنع أساور قوة القص تحنيب القضبان الطولية المضغوطة بسبب الانعطاف. وفي مناطق زلزالية معتدلة إلى شديدة يجب توفير بعض المتطلبات: [2]

كيف تقاوم الأعمدة في مباني الخرسانة المسلحة الزلازل؟

تحتوي الأعمدة على نوعين من فولاذ التسليح، موضحان في الشكل. يمكن أن تتعرض الأعمدة لنوعين من الضرر، وهما؛ انهيار الانحناء المحوري (الانحناء الانضغاطي المشترك) وانهيار القص. يعد ضرر القص هشًا ويجب تجنبه في الأعمدة من خلال استخدام أساور عرضية. [3]

تحمل الأساور الأفقية المغلقة المتقاربة قوى القص الزلزالية الأفقية، وبالتالي تقاوم شقوق القص القطرية، وتربط القضبان الشاقولية معًا وتمنعها من الانحناء للخارج بشدة (التحنيب). [3]

يجب توفير بعض المتطلبات في الأعمدة لمقاومة الزلازل وفق فلسفة التصميم الزلزالي:

  • أساور متقاربة عند طرفي العمود.
  • عندما يتجاوز التباعد بين قضبان الزاويا 300 مم، نضع روابط إضافية بنهايات معقوفة بمقدار 180 درجة لكي تكون الأساور فعالة في تثبيت الخرسانة ومنع تحنيب القضبان الشاقولية. يجب أن تدور هذه الروابط حول كل من القضبان الشاقولية والأساور الأفقية المغلقة. [3]

المصادر

[1] How do Earthquakes affect Reinforced Concrete Buildings?
[2]NICEE: How do Beams in RC Buildings resist Earthquakes ?
[3] How do Columns in RC Buildings resist Earthquakes?

برج إيفل وكل ما تحتاج معرفته عنه

برج إيفل وكل ما تحتاج معرفته عنه

يمثل برج إيفل (Eiffel Tower – La Tour Eiffel) أحد أشهر المعالم السياحية في فرنسا والعالم. تربع لمدة أربعين عاماً على عرش أطول برج في العالم، ومنذ افتتاحه في عام 1889، لاقى نجاحاً منقطع النظير رغم كل الاعتراضات التي واجهت فكرة بنائه.

أين يقع برج إيفل؟

يا لسهولة هذا السؤال! ومن لا يعرف أن برج إيفل هو أبرز المعالم الفرنسية، والباريسية على وجه الخصوص؟ لكننا سنقرب عدسة الكاميرا أكثر لنتعرف على موقع هذا المَعلَم بالتحديد، ونلقي نظرة على المنطقة المحيطة به.

في الدائرة السابعة شمال غرب العاصمة الفرنسية، وعلى ضفة نهر السين (Seine)، ينتصب هذا البرج الذي كان فيما مضى أطول برج في العالم. تحيط به حدائق شامب دو مارس (Champ de Mars)، وتقابله على الضفة الأخرى للسين ساحة تروكاديرو (Trocadéro) التي تعد منطقة مميزة لالتقاط صور للبرج [1].

تاريخ برج إيفل

السبب وراء بنائه

عمل المهندس الفرنسي غوستاف إيفل (Gustave Eiffel) على تشييد البرج ليكون جزءاً من المعرض العالمي (Exposition Universelle) العاشر في باريس في عام 1889. وكان هذا العام يمثل الذكرى المئوية الأولى للثورة الفرنسية. ولهذه المناسبة، تم الإعلان في عام 1886 عن مسابقة تخص المعرض لتشييد برج حديدي بارتفاع 300 متر. وقد اختير مشروع غوستاف إيفل من بين 107 مشروعات أخرى. وعمل على تصميمه كل من المهندسين موريس كويشلين (Maurice Koechlin)، وإميل نوغوير (Emile Nouguier)، وستيفن سوفيستر (Stephen Sauvestre) الذين كانوا يعملون لدى شركة إيفل [2].

بدأت عملية التشييد في 1887 وانتهت في 1889. وعلى وجده الدقة، استمرت لمدة عامين وشهرين وخمسة أيام، وهذا ما عدَّ آنذاك إنجازاً معمارياً مهماً. أطلق على البرج بداية الأمر اسم “برج 300 متر”، واقد افتُتح رسمياً في 15 أيار/مايو من عام 1889، أول أيام المعرض. ولكن سرعان ما أصبح معروفاً باسم بانيه [2] [3].

في ذلك العام، استقبل المعرض العالمي ملايين الزوار. وكان عدد كبيرٌ منهم، تحديداً 1,953,122، قد أتوا لرؤية برج إيفل. وفي أول أسبوع له، وحتى قبل أن يتم تفعيل المصاعد، تسلق حوالي 30,000 زائراً إلى قمة البرج، باستخدام السلم الذي يتألف من 1,710 درجة. لقد كانت رؤية باريس من قمة أعلى برج في العالم أمراً مذهلاً في ذاك الوقت، ولم يمنع الارتفاع الشاهق أولئك الزوار من خوض هذه التجربة الفريدة [4].

المعرض العالمي في عام 1889

أعمال غوستاف إيفل

كانت شركة غوستاف إيفل مختصة ببناء الهياكل والأطر المعدنية، ويعود له الفضل في إنشاء العديد من الأعمال في أوروبا. ونذكر على سبيل المثال جسر غارابيت في فرنسا، ومحطة قطار بودابست في هنغاريا. ولكنه تجاوز حدود القارة الأوروبية ووصل إلى أمريكا. فقد شيد الهيكل المعدني لأحد أشهر النصب في العالم، وهو تمثال الحرية في نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية [5].

إذاً، تحيط ببرج إيفل معالم مميزة على عدة أصعدة، منها جغرافياً أي في نفس المنطقة المحيطة به، ومنها تاريخياً أي في فترات زمنية متقاربة. كما لا تخفى عبقرية صانعه على أحدٍ، مع كل المنشآت التي شيدها والإنجازات التي حققها. وتكمن أهمية برد إيفل أنه بات رمزاً للمهارة التقنية، وتمثيلاً للهندسة الفرنسية في أواخر القرن التاسع عشر، وصرحاً مميزاً للحقبة الصناعية. ولكن عند بنائه، كان من المقصود له أن يبقى مشيداً لمدة 20 عاماً فقط. إلا أن التجارب العلمية التي شجعها أطالت بعمره وجعلت له أهمية كبيرة تفوق مجال الجذب السياحي [6].

موقف الفن من الصرح المعماري

احتجاجات الفنانين على بناء برج إيفل

قبل تشييده، لم يلق برج إيفل شعبية كبيرة في المجتمع الفني. إذ إن برجاً حديدياً بارتفاع 300 متر لم يكن ليُعتبر فناً بالأصل، فهو نتيجة عمل مهندسين ومعماريين.

في 14 من شهر شباط/فبراير من عام 1887، وبعد أن بدأ تشييد البرج بالفعل عقب توقيع المهندس إيفل على اتفاقية مع الدولة ومدينة باريس مُنح بموجبها حقوق الموقع لمدة عشرين عاماً. وعندها، اشتعلت احتجاجات مجموعة من الفنانين على الصفحات الأولى لصحيفة “لو تيمبس” (Le Temps) التي كانت من أشهر الصحف آنذاك. وكان من ضمن الأربعين فناناً الذين وقعوا على الاحتجاج المؤلف الموسيقي شارل جونو (Charles Gounod)، والكاتب غي دو موباسان (Guy de Maupassant)، والفنانون ويليام بوغيرو (William Bouguereau) وإرنست ميسونييه (Ernest Meissonier). وحتى المهندس المعماري تشارلز غارنييه (Charles Garnier) الذي صمم أوبرا باريس اشترك بالاحتجاجات التي كانت تدافع عن “جمال مدينة باريس” [7].

وقد تمثلت المخاوف من أن يلوث تشييد هذا البرج “عديم الفائدة” – على حد تعبيرهم – قلب العاصمة، ويهدد تاريخها وفنها. وقد ذهبوا إلى حد الهجوم على المهندس إيفل ووصفه “بباني الآلات”، واتهام مشروعه بأنه سيجلب العار لمدينة باريس التي تخاطر بالتخلي عن جمالها مقابل قبحٍ لا يمكن إصلاحه. من ضمن احتجاجهم، شبّه أولئك الفنانون برج إيفل بمدخنة مصنع سوداء عملاقة تمتد على كامل المدينة مثل “بقعة حبر سوداء” [7].

كيف رد غوستاف إيفل؟

لم تكن آراء الفنانين المعارضة لتحبط من عزيمة المهندس إيفل. بل واجه احتجاجهم بالتأكيد على جمالية البرج. وذهب إلى مقارنته مع أهرامات مصر التي – إذا جردناها من قيمتها الفنية والتاريخية – تستحيل إلى كتل صناعية من التراب. وبهذا كان إيفل يحاول جذب الانتباه إلى الطبيعة المميزة لتصميم برجه. ساعد الدعم الرسمي الذي تلقاه المشروع في إكمال العمل بع رغم كل التحديات، ولم يخيب البرج أمل أحدٍ. بل أصبح بعد إتمامه رمزاً للتقدم التقني والصناعة، وإحدى علامات باريس المميزة التي تحمل عناصر جمالية جديدة [7].

تشييد البرج

عمل على تصميم البرج 50 مهندساً ومصمماً بالمجمل. وفي مرحلة البناء، بلغ عدد العمال المتواجدين في المصنع في بلدة لوفالوا-بيري 150، مقابل 150-300 عاملاً في موقع التشييد. استُخدم لبناء البرج 18,038 قطعةً معدنيةً و2,500,000 مسمار تثبيت (برشام). وقد بلغ وزن الحديد المستخدم 7,300 طن متري، واستهلك 60 طن متري من الطلاء [2].

تتركز قوائم البرج في قاعدة إسمنتية بعمق بضعة أمتار تحت مستوى الأرض. واستُخدم القيسون المنيع للماء في الأساسات من جهة نهر السين كي يتمكن العمال من العمل تحت مستوى الماء [2].

اختيار مادة البناء

اختار السيد إيفل لبناء برجه الحديد المطاوع المصهور في فرن التسويط (puddling iron) بدلاً من الاعتماد على الحجر كما كان حال الأبنية حتى منتصف القرن التاسع عشر. ويعود سبب الابتعاد عن الحجر إلى طول البناء الشاهق آنذاك، والذي كان سيجعل من استخدام الحجر أحد عوامل الخطورة. فكلما زاد الارتفاع، زاد وزن البناء معه. وستكون الأجزاء السفلية هي التي تحمل الأجزاء العلوية وتدعمها لدرجة قد تؤدي إلى التصدع وانهيار البناء [8].

في ذلك الوقت، كانت المعادن من المواد حديثة العهد في عمليات البناء والتشييد، إذ إن دراسة علم المعادن واستخدامها في الصناعة كانت في بداياتها. وكانت الاكتشافات الجديدة هي الطريقة المعتمدة لإثبات إمكانية استخدام المعادن في عمليات البناء [8].

لم يقع الاختيار على الفولاذ لأنه قاسٍ جداً بالنسبة لهيكل البرج الذي يتطلب المرونة بقدر ما يتطلب المقاومة. كما أن عملية تصنيع الفولاذ كانت باهظة في ذاك الوقت. ولم يصبح الفولاذ متوفراً للاستخدام إلى في القرن العشرين مع إدخال طرق الإنتاج الحديثة. ولذا كان لابد من الاعتماد على الحديد الذي تناسب خواصه من مرونة ومقاومة مشروع البرج. ومع أن إيفل كان يستخدم الحديد الصب في مشاريع الجسور الحديدية، كان قد درس الحديد المطاوع الناتج عن الصهر. ووقع اختياره عليه في بناء برجه ذي الـ 300 متر بسبب مقاومته بالمرتبة الأولى. كما أن خفة وزنه مقارنة بمواد البناء الأخرى تجعل بالإمكان تخفيف الدعائم في القاعدة [8].

ولكن كأغلب أنواع المعادن، يتعرض هذا الحديد للتمدد الحراري، أي تتغير أبعاده مع تغير درجات الحرارة. ويبلغ مقدار التمدد/التقلص 15 سم بين أكثر الأيام حرارة وأكثرها برودة [9].

طلاء برج إيفل

تساعد طبقات الطلاء المتعددة على حماية برج إيفل من التأكسد. وكان غوستاف إيفل قد أكد على أهمية الطلاء في كتابه “برج الـ 300 مترٍ” حيث ذكر أن الطلاء هو مادة جوهرية في الحفاظ على المعادن. وكلما كانت عملية الطلاء أكثر دقة، كلما زادت مدة بقاء البرج [10].

منذ إنشائه، أعيد طلاء البرج 19 مرة، بمتوسط مرة كل سبع سنوات. وقد اكتسى العديد من الألوان المختلف، من البني المحمر مروراً بالأصفر المائل إلى البني الفاتح والبني الكستنائي والبرونزي حالياً. كما أن اللون يكون أغمق في الأعلى لضمان أن يبدو البرج بلون واحد حتى الأعلى حيث تظهر سماء باريس خلفه [10].

يتم طلاء البرج بالطريقة التقليدية. حيث يستخدم العمال الطرق اليدوية التي كانت مستخدمة في زمن غوستاف إيفل. في البداية يقشرون طبقات الطلاء القديم الأكثر تآكلاً، ثم ينظفون مكانها، ويضعون مادة مضادة للصدأ، وبعدها تتم عملية الطلاء. تستمر عملية الطلاء لمدة تتراوح بين عام ونصف وأكثر من ثلاث سنوات أحياناً. إذ تؤخذ عوامل الطقس بعين الاعتبار. حيث يستحيل العمل في الأجواء شديدة البرودة، كما أن الطلاء لا يلتصق عندما يكون المعدن رطباً [10].

ما هو مصدر الحديد المستخدم في بناء برج إيفل؟

يواجه صانع برج إيفل اتهاماتٍ بسرقة الحديد المستخدم في الإنشاء من الجزائر، وتحديداً من منجمي زكار والروينة. ولكن لا يوجد دليل قاطع على هذا، ولذلك يبقى مصدر الحديد محل جدال. فحسب الموقع الرسمي لبرج إيفل، تم جلب حديد البناء من منطقة تعدين موجودة فيما هو الآن إقليم مورت وموزيل (Meurthe-et-Moselle). كما رد المؤرخ والباحث الجزائري محمد الصالح بوقشور على هذه الاتهامات ونفاها. حيث يشير إلى أن استثمار المنجمين المذكورين لم يبدأ حتى أعوام 1904 و1906 على الترتيب، في حين انتهى بناء البرج في عام 1889. كما يضيف أن شركة “مقطع الحديد” هي التي كانت تعمل في الجزائر في وقت إنشاء البرج، لكن لم يكن لديها ترخيص للعمل في هذين المنجمين. لذلك لا توجد أدلة كافية على أن حديد البرج قد سرق من الجزائر. لكن تبقى هذه الاتهامات نقطة غامضة في قصة بناء أحد أشهر الأبراج في العالم [8] [11].

أقسام برج إيفل

المصاعد

تضم المصاعد التي تعمل حالياً على برج إيفل اثنين من المصاعد الأصلية. وكان بناء المصعد في ذاك الوقت يعتبر إنجازاً كبيراً، خاصة وأن ارتفاعاً كهذا لم يكن له مثيل. ولكي يكون العمل متكاملاً، وضعت خمس مصاعد هيدروليكية على كل من الأعمدة الشمالي والجنوبي والشرقي والغربي، إضافة إلى مصعد هيدروليكي أيضاً بين الطابق الثاني والثالث. وقد سمحت هذه المصاعد للزوار أن يعيشوا تجربة البرج بالكامل ويتمتعوا بمنظر مدينة باريس [12].

المطاعم

ليس هذا فحسب، بل عند افتتاحه في عام 1889، كان البرج يضم أربعة مطاعم فخمة في الطابق الأول، يتسع واحدها لـ 500 شخص. طرأت عدة تعديلات على هذه المطاعم منذ إنشائها، والآن يعتبر مطعم جول فيرن في الطابق الثاني من أهم الوجهات لمحبي تذوق الطعام في باريس [13].

المختبر

ولكن الجزء الأهم الذي حافظ على بقاء البرج كل هذا الوقت هو المختبر العلمي الذي بناه إيفل. فقد كان الاتفاق أن يتم هدم البرج بعد عشرين عاماً، لكن التجارب العلمية التي قامت فيه كانت كفيلة بإطالة عمر بقائه. كان للمهندس إيفل مكتب في الطابق الثالث يقوم فيه بعمليات مراقبةٍ فلكية وفيزيولوجية. كما سمح للقيام بعدد من التجارب العلمية في مجال الأرصاد الجوية والفيزياء ومقاومة الهواء. في النهاية، نجح إيفل في إبقاء برجه قائماً بعد أن جعل منه لاقطاً هوائياً ضخماً للبث اللاسلكي، وسخره لأغراض الهندسة العسكرية. وبالفعل، كان لمحطة الإبراق اللاسلكي أو الإبراق عن طريق الراديو في البرج دور كبير في كشف العديد من مراسلات الأعداء في الحرب العالمية الأولى [14].

شروط زيارة البرج

والآن لنذهب بزيارة إلى البرج. يجب الانتباه إلى أن الحجز المسبق إلكترونياً يسمح بتجنب الطوابير الطويلة أمام مكتب الحجز. تتفاوت أسعار البطاقات حسب عمر الزائر وحسب الطابق الذي يرغب في زياراته، كما يختلف السعر باختلاف طريقة الصعود إن كانت على السلم أو باستخدام المصعد.

يمكن الصعود للطابق الثاني بإحدى الطريقتين، ولكن لا يمكن الوصول لقمة البرج دون استخدام المصعد، إما من الأرض، أو من الطابق الثاني. بالنسبة للأعمار، يعد الأطفال الصغار دون الرابعة من العمر الفئة الأكثر حظاً لأن بطاقات دخولهم للبرج مجانية. أما إذا كان مع الزوار حيوانات أليفة، فيمنع دخولها منعاً باتاً باستثناء الكلاب المرافقة للعميان. ويمنع أيضاً اصطحاب الحقائب الثقيلة إلى الداخل، في حين قد تجري مراقبة محتوى الحقائب والطرود والأمتعة التي تبقى مع أصحابها [15].

ولنختم بهذا الانفوجراف المبسط عن سبب بناء برج إيفل ومعلومات أخرى عنه.

معلومات عن برج إيفل

اقرأ أيضاً: تاريخ ناطحات السحاب

المصادر

  1. Landmarks of the World
  2. History of the Tower
  3. Eiffel Tower
  4. Universal Exhibition
  5. Gustave Eiffel
  6. Key Figures about the Tower
  7. The Artists
  8. Choice of Iron
  9. Purdue University
  10. Painting the Tower
  11. الجزيرة
  12. Lifts
  13. Restaurants
  14. Laboratory
  15. Prices & Timing

ما هي المدن الذكية؟

هذه المقالة هي الجزء 1 من 18 في سلسلة كيف ستغير المدن الذكية من شكل عالمنا؟

إلى أي مدى نستطيع الاستفادة من التطور التكنولوجي من أجل تحقيق مستقبل أفضل لمحيطنا وتحسين جودة الحياة؟ هذا ما تدور حوله فكرة المدن الذكية، فما هي المدن الذكية؟

ما هي المدينة الذكية؟

مع التطور التقني والتكنولوجي الذي أخذ يؤثر شيئًا فشيئًا بشكل متزايد على نمط حياتنا وكل ما حولنا، ظهر نوع جديد من المدن عُرف باسم المدن الذكية. والمدن الذكية هي المدن التي يشترك فيها أصحاب المصالح والجهات الفاعلة بالمسؤولية في الإدارة الحضرية. وتعرف الإدارة الحضرية في المدن الذكية باسم «إدارة معلومات المدن- CIM»، وهي أداة إنتاج لتخطيط وإدارة المدن الذكية.

تعمل إدارة معلومات المدن على الاستفادة القصوى من التقدم العلمي والتكنولوجي وإشراك البرامج الحديثة مثل تقنية «سلسلة الكتلblockchain-» و«نمذجة معلومات المباني-BIM» من أجل تحقيق بنية تحتية مستدامة. كما تسعى لتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والمستدامة لتحسين نوعية حياة سكانها.

تاريخ المدن الذكية

ظهر مصطلح المدن الذكية لأول مرة في التسعينات [1] ولم يتحدد حتى الآن بتعريف واحد ثابت وسيبقى يتغير ويتطور باستمرار تبعًا للجهات الفاعلة. ولكن يبقى الأمر متعلقًا بالأبعاد الستة المستخدمة لقياس تطور المدن الذكية وهي: أُناس أذكياء، واقتصاد ذكي، وحكومة ذكية، وتنقل ذكي، وحياة ذكية، وبيئة ذكية [2].

ويعرّف «المعهد البريطاني للمعايير-BSI» [3]المدن الذكية باعتبارها التكامل الفعّال للنظام المادي، والرقمي والبشري في البيئة المبنية لتحقيق مستقبل مستدام ومزدهر وشامل لمواطنيها.

تستطيع كل مدينة إجراء تعديلات وتحسينات خاصة بها تبعًا لاحتياجاتها باستخدام التكنولوجية الحديثة كوسيلة وأداة لتحقيق التنمية الحضرية عن طريق تجميعها للبيانات والمعلومات في جميع أنحاء العالم فتنتج تغيرات نوعية في كميات كبيرة من البيانات وتعزز الابتكار والتغيير [5].

يحدد «ديسوزا-Desouza» وباحثون آخرون [6] ثلاث مسارات لتنمية المدن الذكية وهي أرض جديدة، وحي وساحة. ولأن المدينة تنطلق من الفرد، يتطلب تطوير المدن الذكية التركيز على المواطن وتحسين نوعية حياة السكان [4]. يأتي هذا كهدف أساسي، ويوضح واضعو السياسات أن التكنولوجيا والتنمية الحضرية ليست جوهر صنع السياسات بل رعاية المواطنين. يتحقق ذلك عبر العمل على ثالوث التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية على المدى الطويل.

أثر التجديد الحضري والمدن الذكية في تحقيق التنمية

شهدت التنمية الحضرية مراحل تطور متعددة، فتشكلت الاستراتيجية الحضرية الحالية وفقًا للتحديات التي واجهتها [9]. فكل تجديد حضري هو عملية تحسين حضري متراكم. حيث شهدت المدن الغربية خمس تحولات من إعادة الإعمار في الخمسينات، والإنعاش الحضري في الستينات، والتجديد الحضري في السبعينات، ثم التنمية الحضرية في الثمانينات إلى الإحياء الحضري في التسعينات.

يتحقق إصلاح المدينة عند دراسة التحديات الفعلية التي تواجهها، وتحديد الفرص التي تمتلكها، وتطوير سياسات جديدة متوافقة معها، وإدارة المدينة بأسلوب ممنهج، وتحسين نوعية الحياة في ذات الوقت [5].

وتستطيع استراتيجية المدينة الذكية أن تجلب تغييرات جذرية على المدن وتحسن صورتها ووضعها، وتعزز التنمية الاقتصادية وصناعات المدن الذكية، وتجذب مواهب عالية الجودة. كما تشكل المدن الذكية نموذجًا من المستوطنات قادر على الصمود في ظل حالات الطوارئ المناخية [7].

لذلك تعتبر المدن المستدامة الذكية حاليًا النمط الرئيسي المعتمد للتنمية في جميع أرجاء العالم. وذلك لأنها أبدت أفضل الاستجابات للتغييرات البيئية الحاصلة. وتشير المدن الذكية إلى مدى نزاهة وصدق الحكومات، وقدرتها على صنع شبكة اقتصاد عالمية وتحسين جودة الحياة [8].

دراسة حالة: تحول حي بوبلينو في برشلونة

عند دراسة حالة «بوبلينو-poblano» البرشلونية كحالة يرتكز تطورها على الاندماج الاجتماعي [10] وهو أسلوب مرن لدمج القادمين أو الأقليات في الهيكل الاجتماعي للمجتمع المضيف، تقوم المدينة بتطوير اتجاه ورؤية بعيدة المدى وتقدُّمية ومستدامة. وباعتبارها مدينة ذكية، تحتاج الكثير من الخبرات والفهم والمعلومات والمواهب لتحقيق النجاح وتستطيع تحقيق المزايا التالية:

  • استقطاب الأفراد ذوي العقول والمواهب كي يولّد زخم ابتكار قوي للمجتمع ويطور مقدرته على مواجهة تحديات التنمية الحضرية. [11]
  • تعزز المدينة بناء البنية التحتية والأمن والرفاهية مثل بنية الأعمال التجارية، والمرافق الثقافية والترفيهية، والتعليم الطبي، والسكن والنقل. [12]
  • يكثر الاستثمار في العقارات مثل مراكز المواهب، ومناطق الأعمال والمدارس والاستثمار في القطاعات العامة كالمواصلات، والجامعات، والمرافق الثقافية والسياحية. [13]
  • قيام علاقات منفعة متبادلة بين التعليم الجامعي والشركات فتتمكن الجامعة من اكتساب خبرة عملية وتستمد الشركات المعارف والمهارات. [14]
  • تجعل المواطنين جزءًا من التنمية الحضرية عن طريق تشجيعهم وإشراكهم في جلسات حوار. [15]
  • يمكن للمعرفة المرنة أن تخلق بشكل فعّال قيمة للمدن وتقدم حلول أنسب للإدارة الحضرية. [16]

توضح حالة بوبلينو أن بناء مدينة المعرفة الذكية يتطلب تحليل الوضع الراهن، ثم وضع خطط استراتيجية بعد مناقشتها مع كل الجهات الفاعلة في المجتمع، وصياغة خطة تعتمد على الوقائع من خصائص المدينة والإمكانيات والمحددات.

أثر التكنولوجيا في تحقيق التنمية المستدامة

أصبحت الأجهزة والخدمات الذكية جزءًا أصيلًا من المدن الذكية. [19] ويمكن أن توفر إدارة معلومات المدن CIM أفكار للتعامل مع مشاكل البناء الحضري. [20] وتتشكل سيم من منصة مدمجة مع «نظام المعلومات الجغرافية-GIS»، وأدوات تحليل البيانات، وأدوات المرئيات وأدوات التصميم البارميتري [23]. وتقوم بتوفير الدعم القوي للإدارة الشاملة للمدن.

ولا يقتصر استخدام التكنولوجيا فقط على بناء مبتكر وشامل للبنية التحتية الجديدة بل أن تلعب تلك البنية التحتية دورًا رئيسيًا في تحقيق التحول الرقمي والذكي للصناعات الحضرية من خلال تنفيذ بنية جديدة وواسعة للبيانات الضخمة. فتساعد في صنع شكل اقتصادي وتكنولوجي جديد من خلال تحويل المجتمع إلى مجتمع صناعي وزيادة توسعه. [21]

يتكامل عمل سيم مع نمذجة معلومات المباني BIM، حيث يعتبر الاتجاه الرئيسي لإدارة المعلومات في الصناعة المستقبلية للبناء.[22]

يجب على البناء الذكي أن يجعل التنمية المستدامة كجزء من المدينة الذكية طوال دورة حياة المدينة. حيث تعد الاستدامة ركيزة هامة لتنمية المدن الذكية. [18]فظهرت مفاهيم لحماية البيئة الخضراء وجعل المجتمع أكثر استدامة ولكن لا تزال الفجوة قائمة بين الفكرة والتنفيذ [24]. بسبب تخلف أعمال البناء عن القطاعات الأخرى في استخدام تكنولوجيا المعلومات الرقمية. [25, 26]

المصادر

1– research gate
2- semantic scholar
3- bsi
4- research gate
5- urban institute
6- taylor & francis
7- monash university
8- taylor & francis
9- research gate
10- mdpi
11- sage journals
12- research gate
13- coventry University
14- research gate
15- sage journals
16- ideas
17- ntnu open
18- research gate
19- research gate
20-science direct
21- repository
22- the hong kong polytechnic University
23- mdpi
24- graz University of technology
25- research gate
26- research gate

ما هو التصميم الميكانيكي؟ وما هي مميزاته ومهاراته وأقسامه؟

التصميم الميكانيكي هو عملية تتضمن تصميم آلة جديدة تمامًا أو تحسين وظيفة آلة سابقة. والجزء التصميمي هو أهم وأول جزء في عملية تصنيع وإنتاج أي آلة، ويتم عن طريق تصميم الأجزاء أو القطع أو المنتجات ذات الطبيعة الميكانيكية مثال: تصميم عناصر الآلية المختلفة كالأعمدة أو القوابض أو المسننات.

معايير التصميم الميكانيكي

يوجد العديد من المعايير في عملية التصميم الميكانيكي، إذ يجب صياغة مشكلة التصميم ببيانات واضحة وكاملة للوظائف والمواصفات. ويتم ذلك عن طريق الخطوات التالية:
أولًا: تحديد الوظائف المطلوبة من المنتج والتي يمكن له تنفيذها.
تتمثل مثلًا: وظيفة الشاحن النموذجية في شحن الطاقة للإلكترونيات، وتتمثل وظيفة المكنسة الكهربائية في تنظيف الأرضيات، وهناك العديد من الأمثلة الأخرى.
ثانيًا: تحديد المواصفات والمتطلبات بدقة. حيث يجب تحديد مواصفات المنتج من حيث الحجم أو الوزن أو الدقة أوحجم العمل المطلوب أو السرعة أو سعة الحمولة.
ثالثًا: معايير التقييم، وهي بيانات الخصائص أو النوعية المرغوبة المحددة من قبل العميل، ويتم التعامل معها كأهداف في التصميم. إذ يقلل تعيين معايير التصميم من عيوبه المحتملة.
على الرغم من أن المواصفات والمعايير تختلف من تصميم منتج إلى آخر؛ إلا أن بعض المعايير الشائعة تنطبق على أي أنظمة ميكانيكية. تشمل هذه المعايير قدرة التحميل والتشوه والاستقرار والمتانة [1].

أقسام التصميم الرئيسية

  1. قسم تطوير المنتج:
    يركز هذا القسم على شكل المنتج العام ويعمل على إنشاء رسم يدوي لشكل المنتج أو التصميم المطلوب من العميل.وينتهي العمل في هذا القسم بعد إنشاء نموذج أولي مستوفٍ للعناصر الرئيسية.
  2. قسم التصميم:
    يعمل هذا القسم على إنشاء نموذج ثلاثي الأبعاد انطلاقًا من الرسم ثنائي الأبعاد الذي تم رسمه مسبقًا.
  3. قسم التحليل:
    في هذه المرحلة يتم التحقق من إمكانيات وأساسيات التصميم. فيحول ويعالج ملف التصميم المعطى من خلال تحليل العناصر، والتأكد من صحة التصميم وكيفية عمله كي لا يفشل التصميم عند تنفيذه على أرض الواقع[2].

مهارات يجب أن يكتسبها مهندسي التصميم الميكانيكي

1-الاهتمام بأدوات التصميم بمساعدة الحاسوب والمحاكاة

يجب على المهندس أن يركز على تعلم بعض الأدوات المتعلقة بـ CAD، مثل CATIA V5 و Solidworks و Autocad وما إلى ذلك. يستطيع استثمار الأموال في برامج التعلم ومحاولة الحصول على شهادات لها . يمكنه حتى محاولة القيام بمشاريع صغيرة باستخدام برامج CAD والتحليل. إذا كان بإمكانه تعلم أي أداة تحليل ومحاكاة مثل Ansys و Matlab فستكون مفيدة للغاية.

2-معرفة المواد

يجب أن يدرك المصمم جيدًا خصائص المواد وتطبيقاتها. ويجب أن يعرف أيضًا أن العمليات تكمن في المعالجة الحرارية، وطلاء المسحوق على المادة.

3. الرسم الصناعي ومعاييره

يجب أن يكون مصمم الآلة على دراية جيدة بالتفاوتات الهندسية والملاءمة والحدود. لأن أي تفصيل خاطئ يسبب تغييرًا كبيرًا في دقة عمل الآلية.

4-معرفة الميكاترونكس

غالبًا ما يتعاملالمهندسون الذين يحرصون على التخصص في الميكاترونكس مع هندسة أنظمة التحكم. ولتصميم نظام التحكم، يحتاج المرء إلى أن يكون على دراية جيدة بـ MATLAB / Simulink. لأنه سيساعد أثناء محاكاة حركة الهيكل الخارجي للآلة باستخدام إشارة مرجعية.

5-إتقان الرياضيات

إذا كان المصمم يعمل في مجال CAE، يجب أن يتقن الرياضيات المستخدمة في البرنامج بحيث يكون لديه ميزة إضافية عن مجرد تشغيل البرنامج.

6. الإبداع

تشمل الهندسة الميكانيكية إنشاء وتصميم المنتجات التي تمتد من البطاريات إلى المولدات الكهربائية إلى الأدوات الطبية. ويتضمن اختراع المنتجات قدرًا كبيرًا من الخيال والإبداع.

7-التحسين

يجب أن يتعلم المصمم كيفية التحسين، فقد يحتاج إلى تقليل الوقت والمال وكذلك تقليل الهدر.

8-الجمالية وبيئة العمل

يجب أن يؤخذ في عين الاعتبار ما إذا كانت أولوية التصميم أن يبدو جماليًا ، أي أن المنتج يجب أن يكون قابلاً للتسويق .[3]

مميزات التصميم الميكانيكي

• من الممكن تحليل التصميم بكل سهولة وإجراء أي تغييرات في وقت قصير وبدون خسارة مادية.
• يمكن للعديد من الأشخاص العمل معًا على فكرة واحدة.
• التصميم الميكانيكي يوضح بشكل كامل حركة الآلية ويساعد المصممين على تصحيح أي خطأ.
• يمكن للعملاء أو المعنيين فحص التصميم المطلوب قبل تنفيذه.

مجالات التصميم الميكانيكي

  1. ميكانيك الموائع الطبية والهندسية.
  2. أنظمة المركبات الأرضية.
  3. نقل الحرارة والديناميكا الحرارية.
  4. أنظمة الطاقة.
  5. أنظمة النقل.
  6. التحكم ومراقبة الجودة.

يعتبر التصميم الميكانيكي مجالًا مطلوبًا في عدد كبير من الصناعات مثل صناعة السيارات، وهو مطلوب أيضا في المعامل ومجال الفضاء فكل هذه الأماكن تحتاج لمهندس ميكانيكي يقوم بتصميم المكونات والأنظمة فيها.
مثلاً: تحتوي الطائرة أو السيارة أو القمر الصناعي على آلاف المكونات التي تشكل الأنظمة الفرعية وفي النهاية تشكل النظام الكامل. [4]

المصادر :

  1. Sciencedirect.com
  2. Learnmech.com
  3. Learnmech.com
  4. Mtech.edu

Exit mobile version