كيف تطورت عمارة الأهرامات عبر الزمن؟

ليس من المبالغة القول بأن المصريين القدماء انشغلوا بالموت، وعلى وجه الخصوص بحياة الآخرة. ويبرز هذا الاعتقاد في معظم العمارة المصرية، فبذلوا جهد هائل لبناء المقابر، لاعتقادهم بأن الروح لا يمكن أن تعيش في الآخرة إذا لم يحافظوا على الجسد خاليًا من الفساد على الأرض. ولذلك عملوا على تطوير أساليب أفضل وأكثر تعقيدًا لدفن موتاهم. وتعتبر عمارة الأهرامات تطورًا مذهلًا وفريدًا للمصاطب في العمارة الجنائزية والتي تعود للدولة المصرية القديمة. [1]

توقع الملوك أنهم سيصبحون آلهة بعد موتهم. فلذلك طوروا لأنفسهم مقابر مليئة بما سيحتاجوه لتوجيه أنفسهم والحفاظ عليها في العالم الآخر. [2]

المصاطب

دُفن الملوك والمسؤولون رفيعو المستوى فقط في المصطبة في أوائل الدولة القديمة. واستخدم المصريون الطوب الطيني حصرًا في البداية لبناء المصاطب. وشكّل معظم البناء حتى عندما استخدموا الحجر، فوضعوه في المناطق الهامة فقط. ويشبه شكل المصطبة المكعب مع سقف مسطح وجوانب مائلة. ووصل ارتفاعها عادةً إلى 9م وتمتد أربعة أضعاف عرضها. كما بنى المصريون المصاطب بتوجيه شمالي-جنوبي للتأكد من أن الروح ستدخل الآخرة. [1]

واحتوت المصطبة على مصلى لتقديم القرابين وباب مزيف والعديد من مخازن الغذاء والمعدات للمتوفى. حيث واصلَت أسرة المتوفى جلب الطعام لاعتقادهم بأن الروح تستخدم الأشياء التي يجلبونها. وغالبًا ما يتكوّن الجزء الداخلي من المصطبة من حجرة تحت الأرض معززة بالحجر والطوب، واحتوت أشياء المتوفى، وتمثال له. كما حفروا الحجرة التي تحوي الجثة عميقًا قدر الإمكان. ووجِدَت فتحات في الغرفة المخفية في الأعلى، فتسمح للروح بأن تأتي وتذهب وكانت ضرورية لاستمرار وجودها. [1] [2]

وشهدت الأسرة الأولى بناء المصاطب بشكل مشابه لمخطط المنزل الأساسي. وتكوّنت من العديد من الغرف والمخازن وغرف تقديم القرابين وغرفة مركزية تضم التابوت. وبنوا الهيكل بأكمله في حفرة ضحلة بينما امتد الهيكل الفوقي على مسافة أكبر. [1]

هرم زوسر المدرج أول خطوة نحو عمارة الأهرامات

وصل السارقون إلى غرف المصاطب بسهولة بعد الحفر من الأعلى. لذا، اعتقد الباحثون أن اللصوص هم أحد أسباب الانتقال لبناء الأهرامات. واستطاع سكان الدولة المصرية الحديثة لاحقًا الوصول إليها أيضًا. [4]

طلب ملك الأسرة الثالثة زوسر من إمحوتب بناء قبر له، وجاءت النتيجة بهرم زوسر المدرج في سقارة. وقد بدأ كمصطبة تقليدية ثم تطوّر إلى شكله الحالي. [3]

بدأ الهرم كمصطبة مربعة مبنية بالحجر المحلي m1. وتوسعت بعدها 4 م من كل اتجاه m2، ولكن هذا التوسع كان أخفض بحوالي نصف متر من المصطبة الأولى. وتشبه بذلك مصطبة تعود للأسرة الأولى في سقارة. ثمّ توسعت المصطبة إلى الشرق فقط بحوالي 8.5 م m3، وبنوها أيضًا أخفض من m2. وتغيّر التصميم مرة أخرى، ومددوها بنحو 3م من جميع الجوانب وحوّلوها إلى مصطبة منتظمة مستطيلة. ثم بنوا فوقها ثلاث مصاطب متدرجة ممّا أدى لتشكل هرم من أربع مصاطب بلغ ارتفاعه 40 م p1. ثمّ توسع وأضافوا مصطبتين p2 واكتمل الهرم بارتفاع 62 م، وغلفوه بالكامل بالحجر الجيري. [5]

مقطع في هرم زوسر المدرج يوضح مراحل بنائه

وبنوا البنية التحتية أيضًا على مراحل، وتكوّنت من ممر مركزي 7×7 بعمق 28م أتاح الوصول إلى متاهة من الممرات. وامتدت البنية التحتية بحوالي 5.5 كم وتعتبر لا مثيل لها من حيث الحجم والتعقيد بين أهرامات الدولة القديمة. ووجِد أسفل الممر المركزي قبر من الجرانيت بفتحة واحدة من الأعلى. وعُثر على ممران تحت الأرض، وتبيّن أن الممر الأول أصبح غير صالح بعد توسيع الهرم. لذلك أنشأوا الممر الثاني كمدخل جديد للبنية التحتية من إحدى غرف المعبد الشمالي. وبدأت من هذا الممر رحلة من السلالم في متاهة البنية التحتية. فيتفرع إلى 3 اتجاهات وانتهت بمخازن ونفق خاص لتقديم القرابين وغرفة غير مكتملة.  [4][5]

أهرامات دهشور

تقع دهشور جنوب سقارة وتحوي 5 أهرامات، وتعد مرحلة مهمة في تطور عمارة الأهرامات. وقد بنى الملك سنفرو اثنين منها. ويُعرف الهرم الأول باسم الهرم المنحني بسبب ميله الغريب المزدوج، ويمثل محاولة مبكرة لبناء هرم حقيقي. ويعتبر الأفضل حفظًا، إذ تبين أن الزاوية الأولية للميل 54° شديدة الانحدار، فخفضوها إلى 43.5°. وهو الهرم الوحيد المبني بمدخلين. [6][7]

هرم سنفرو المنحني في دهشور

كما بنى سنفرو هرمه الثاني في الشمال بزاوية ميل قليلة 43° بالتالي فهو الأقصر. ويعتبر أول هرم حقيقي مكتمل (ذو جانب أملس وليس مدرج). ويسمى بالهرم الأحمر بسبب لونه الناجم عن استخدام القرميد. [6][8]

وتنتمي الأهرامات المتبقية إلى الأسرة الـ 12ولم تَصِل لنا بشكل جيد، بسبب بناء نواتها إلى حد كبير من الطوب الطيني. [6][7]

هرم خوفو قمة تطور عمارة الأهرامات عام 2550 ق.م

يعتبَر هرم خوفو أشهر أهرامات الجيزة وأكبرها بمساحة قاعدة تزيد عن 5.3 هكتار وطول القاعدة تقريبًا 230 م. [3] ولم يبن البشر أي شيء أطول منه حتى سنة 1221م. ويُقدر أكبر فرق في الطول بين الجوانب الأربعة للهرم بحوالي 4.4 سم والقاعدة في حدود 2.1 سم. ويصعب تكرار هذا الانجاز المذهل حتى اليوم وباستخدام المعدات الحديثة. وتكاد تكون اتجاهاته متطابقة تمامًا مع الاتجاهات السماوية (الشمال والجنوب والشرق والغرب)، وقد بُني بزاوية ميل 51°. وتتكون النواة من الحجر، وأُزيلَ منذ زمن كسوته الخارجية البيضاء التي وضعوها بدقة بالغة، فأعطوا الهرم سطحًا أملسًا مشرقًا وعاكسًا. ويعتقد بأنه انتهى من الأعلى بهرم صغير ربما غطّوه بالذهب. فيمكن رؤية هذه النقطة التي تلمع في ضوء الشمس من مسافات بعيدة. [9][10]

وتشمل البنية الداخلية عددًا من السمات الغامضة، فتوجد غرفة غير مكتملة تحت الأرض وظيفتها غير معروفة. وكذلك 5 مّما يسمى الأنفاق الهوائية في الأعلى ويقع المدخل على ارتفاع 18 م. [3]

وعندما ندخل إلى الهرم، فعلينا أن نزحف إلى غرفة صاعدة ضيقة. وتُفتح فجأة إلى مساحة مذهلة تعرف باسم المعرض الكبير، والتي تتيح الوصول إلى حجرة دفن الملكة. ويرتفع المعرض الكبير إلى حوالي 8.74 م، ويؤدي ممر ضيق إلى حجرة دفن الملك. شيّد المصريون حجرة دفن الملك بالكامل من الجرانيت الأحمر، وتوجد فوقها 5 غرف لتخفيف الضغط، تفصل بينها ألواح أفقية ضخمة من الجرانيت. ونحتوا تابوت الملك من الجرانيت الأحمر ووضعوه في المحور المركزي للهرم. [9][10]

مقطع في هرم خوفو في الجيزة

وبُني بجوار الهرم 3 أهرامات صغيرة لملكاته وعثر على قبر قريب لوالدته. وأحيط الهرم بصفوف من المصاطب حيث دفن أقارب الملك ومسؤولين لمرافقته في حياة الآخرة. [8]

هرم خفرع عام 2520 ق.م.

بنى الملك خفرع هرمه في الجيزة، ويظهر هذا الهرم أكبر من هرم خوفو ولكنهُ أصغر قليلًا. ويعود سبب ذلك إلى بنائه على ارتفاع 10 م من الهضبة. [11]

وتقاس طول قاعدته بحوالي 216 م ويرتفع إلى 143م. [10] ويعتبر هرم خفرع أبسط بكثير من هرم خوفو من حيث البنية الداخلية. فبُني مع غرفة دفن واحدة وغرفة فرعية صغيرة وممرين. [11]

هرم منقرع عام 2490 ق.م

شيّد الملك منقرع ثالث أهرامات الجيزة الرئيسية وهو الهرم الأصغر بطول قاعدة 109 م وبارتفاع 66 م. [10] وتعد غرفهُ أكثر تعقيدًا من غرف هرم خفرع. وتشمل غرفتين إحداهما منحوتة والأخرى غير منحوتة مع ستة محاريب كبيرة، وكسوا غرفة الدفن بكتل من الجرانيت. واكتُشف التابوت الحجري الأسود في الداخل، ولكنه فُقد في البحر عام 1838 م أثناء نقله إلى إنجلترا. [12]

توضيح لمراحل تطور عمارة الأهرامات عبر الزمن.

قوارب حياة الآخرة

ظهرت قوارب حياة الآخرة مع الأسرة الأولى. فاكتُشف أسطول من 14 حفرة تحوي قوارب خشبية في أبيدوس، وهي مقبرة ملوك مصر الأوائل. وخصصوا هذه القوارب لنقل الملك في الآخرة إلى أبعاد نجمية. واحتوى مجمع خوفو الجنائزي على سبع حفر كبيرة للقوارب وكانت مجرد نماذج ولم تحتوِ على قوارب فعلية. ووجِدت حفرتان ضخمتان مستطيلتان بطّنوها بالحجر واحتوت على قوارب مفكّكة. ويبدو أنها استُخدمت في الرحلة الأرضية الأخيرة للملك (المشية الجنائزية) قبل تفكيكها ودفنها. [9]

تراجع أهمية الأهرامات

تمتعت الأسرة 3و4 بعصر ذهبي من السلام والازدهار بينما استُنزفت ثروات الأسرة 5و 6ويرجع ذلك جزئيًا إلى نفقات بناء الأهرامات. [13]

وانخفضت بذلك جودة وحجم عمارة الأهرامات. ويعد هرم أوناس أول هرم يحتوى كتابات ونصوص على جدران غرف الدفن وبقية مداخله، وتعرف باسم نصوص الأهرام. ووجِد أقصر هرم في سقارة بارتفاع تقريبي 52.2 م وهو آخر هرم من الدولة القديمة. وعاد ملوك الأسرة 12 لبناء الأهرامات ولكنها لم تبنَ بنفس مقياس الأهرامات القديمة. [8]

من بنى الأهرامات؟

لطالما تساءل الناس حول بناة الأهرامات، وطُرحت عدة اقتراحات ومنها العبيد والمزارعين. واستبعد الخبراء العبيد اليهود حيث لم يعثروا على بقايا أثرية يمكن ربطها مباشرةً باليهود في تلك الفترة. ولم توجد نقوش تذكرهم حتى اليوم. [14]

وتؤكد الاكتشافات أن المصريين القدماء هم بناة الأهرامات. ورجح الباحثون أن المزارعين عملوا في البناء في غير مواسم الزراعة مع مجموعة من المتخصصين. وقد طُلب توفير عامل من كل أسرة كشكل من أشكال الضرائب، ويمكن للأثرياء الدفع كبديل للعمل. وكتب المؤرخ هيرودوتس بأنه عمل 100,000 شخص لبناء هرم خوفو. وأشارت الأدلة لاحقًا بأن القوة العاملة تقدّر ب 20,000 شخص. [8][15]

اكتُشفت أوراق بردي عام 2013 في وادي الجرف تشير إلى مجموعة من العمال حوالي 200 شخص يرأسهم مفتش يدعى ميرير. ساعدت تلك المجموعة في نقل الحجر الجيري عن طريق القوارب في نهر النيل. ولا تزال البرديات في طور الدراسة والتحليل ولكن تشير النتائج الحالية بأن مجموعة ميرير قامت بأكثر من مجرد المساعدة. ويبدوا أنهم سافروا في معظم أنحاء مصر لينفذوا مشاريع البناء. وتثير هذه البرديات العديد من الأسئلة حول إذا ما كانت هذه المجموعة جزء من قوة مهنية أكثر ديمومة وليست مجرد مجموعة من العمال المزارعين. [14]

كيف بُنيت الأهرامات؟

لا نملك حتى الآن تصورًا حقيقيًا حول طريقة بناء الأهرامات. لكن هناك آثار لميناء بجانب بلدة قرب هرم منقرع وضمّت هذه البلدة منازل لكبار المسؤولين وثكنات للجنود. ويعتقد بأن لها دور في عمارة الأهرامات. ويرجح أن العمال العاديين ناموا بمساكن بسيطة بالقرب من موقع الأهرامات. كما جلبوا حجر الكسوة من الميناء، واستخدموا المقالع الحجرية القريبة من الأهرامات لبنائها. [16]

ويعتقد الخبراء أن المصريين استخدموا منحدرات اصطناعية (رامبات) من الطوب والرمل والحجر، وتغيرت أطوالها وارتفاعاتها مع ارتفاع الهرم. واستخدموها لرفع الأحجار أثناء البناء. بينما استخدموا الزلاجات الضخمة التي يمكن سحبها أو دفعها وبلّلوا الرمال أمامها لتقليل الاحتكاك، فسهلت الحركة كما تظهر بالرسومات. [10][16]

ضمّت مصر حوالي 100 هرم ويعتبرها الكثيرون مجرد مقبرة بالمعنى العصري. ولكن يشير أحد الباحثين بأن المقابر احتوت رسومات ومشاهد لكل جانب من جوانب الحياة في مصر القديمة. ولذلك فهي لا تتعلق فقط بكيفية موت المصريين بل بكيفية حياتهم أيضًا.

المصادر

1-Ancient Egypt

2-National geographic

3-Britannica

4-Live science

5-Ancient Egypt site

6-Britannica

7-The ancient Egypt site

8-History

9-Khan academy

10-Britannica

11-Khan academy

12-Khan academy

13-History

14-Live science

15-Khan academy

16-Live science

 

كيف أبهر تاريخ عمارة الدولة المصرية القديمة العالم؟

بداية الاستيطان في مصر

برزت عمارة الدولة المصرية القديمة بين حضارات البحر الأبيض المتوسط بدءًا من بناء الأهرامات في الدولة القديمة إلى الدولة الحديثة. وعكست آثار عمارة الدولة القديمة في مصر صورة لا نظير لها في جمال فنها، وإنجاز هندستها المعمارية. [1] وتطورت الحضارة المصرية على طول نهر النيل لأن الفيضانات السنوية كونت تربة خصبة لزراعة المحاصيل.

كشفت الأدلة أن البشر سكنوا مصر منذ القدم في مجموعات سكنية صغيرة. ثم بدأت مستوطنة واسعة النطاق في التشكل حوالي عام 6000 ق.م. وكثيرًا ما يحدث التباس عن مصر السفلى والعليا. فإذا نظرنا إلى خريطة المنطقة، نرى أن مصطلح مصر السفلى يطلق على منطقة الدلتا في الشمال. بينما مصطلح مصر العليا يطلق على صعيد مصر والجزء الجنوبي. ويعود سبب ذلك إلى اتجاه سريان نهر النيل. [2]

فترة الأسر ونشأة عمارة الدولة المصرية القديمة

ينقسم جزء كبير من تاريخ مصر إلى ثلاث فترات، الدولة القديمة والوسطى والحديثة. يتخللها فترات انتقالية أقصر بينهم، حيث لم تكن مصر حينها قوة سياسية موحدة. وتشكّلت معظم المستوطنات في وادي النيل وفي حدود بضعة أميال من النهر نفسه. [2]

ونشأت مملكتان منفصلتان حوالي عام 3400 ق.م في المنطقة. ويعتقد الباحثون أنه في حوالي عام 3100 ق.م أخضع ملك الجنوب مينا أو نارمر -وربما كانوا الشخص نفسه- منطقة الشمال، ووحد مصر سياسيًا ليصبح أول ملك من الأسرة الأولى. [2] [1]

وترسخت بعد الوحدة فكرة أن الملك مُنح سلطته من الإله. وعندما أصبح الحكّام أكثر قوة أصبحوا أكثر قدرة على تنسيق العمل والموارد لبناء المشاريع الكبرى. واحتاج المزيد من الناس لإمدادات أكثر من الغذاء، وازدادت أهمية مشاريع تحسين الإنتاج الزراعي كالقنوات والسدود. فبنى المصريون القدماء سدود طينية وجّهت الفيضانات السنوية إلى الأراضي الزراعية وأبقتها بعيدة قدر المستطاع عن المناطق المعيشية. وحفروا القنوات لتوجيه المياه إلى الحقول.

بدأت الدولة المصرية القديمة مع الأسرة الثالثة وحتى نهاية الأسرة السادسة 2686-2181 ق.م. وخلال هذه الفترة كانت مصر موحدة إلى حد كبير وازدادت ازدهارًا. [2]

مواد البناء المستخدمة في الدولة القديمة

اعتمد السكان على ما توفر في محيطهم كمواد بناء حيث وجِدت بعض الأخشاب كالقصب والبردي والنخيل. واستوردوا الأخشاب في أوقات لاحقة عندما احتاجوا إلى عوارض كبيرة لتسقيف القصور أو لصنع الأعمدة.

واستخدموا الطين وبعدها القرميد. كما استخدموا قوالب خشبية لصناعة الطوب، وخلطوا التراب مع القش المفروم وتركوه عادةً ليجف تحت الشمس. بينما اعتمدوا على الوحل لصنع المونة (المادة اللاصقة في البناء). [3]

وشكّل الحجر المادة الرئيسية الثالثة من مواد البناء وازداد الاعتماد عليه بدايةً من الدولة القديمة في بناء المقابر والمعابد. بينما اقتصر الحجر في السكن على سواكف الأبواب والنوافذ، وقواعد الأعمدة. إذ قد تتلف القواعد الخشبية بسبب العفن والرطوبة والحشرات. [4] [3]

عمارة التجمعات الحضرية الطبيعية

لا يوجد أدلة كافية عن القرى قبل العصر الحجري الحديث. ولم يبق من المستوطنات الأولى سوى القليل من الآثار لأنها تألّفت من مساكن قصبية ضعيفة. ومنذ تلك الفترة، فصل المصريون المقابر عن القرى. وعثر المنقبون على مخازن تكوّنت من حفر دائرية في الأرض وبُطّنت بالسلال والطين.

وبنيت الأكواخ في حوالي عام 3600 ق.م من القصب والطين بقطر دائري داخلي حوالي 1-1.2 م وبسمك جدار37 سم. بينما تطوّرت مساقطها فيما بعد لتصبح مستطيلة وبقيت تقنية البناء ذاتها.

و في حضارة العمري، سكن الناس أكواخ بيضاوية الشكل بجدران خشبية. وارتكزت على قواعد حجرية نصفها مستدير حفرت في الأرض، وعلاها هيكل فوقي خفيف. كما دفنوا الموتى في القرية وتحت المنازل.

وعثِر على نموذج لمنزل في مدينة جرزة شمال مصر بقياس 7x 5.5 م مع أرضية خشبية. ووضعوا نافذتان صغيرتان عاليًا في الجدار، وضم المنزل ساحة مسورة. وشمل هذا المسقط البسيط المتطلبات الأساسية للمنزل المصري متعدد الغرف. [3]

رسم تخيلي لمنزل في فترة جرزة. رسمها john kirby

العمارة الجنائزية في الدولة المصرية القديمة

المصاطب

دفن المصريون الأوائل موتاهم في حفر بسيطة في الرمال. ووضعوا الجثة في القبر مع الممتلكات الشخصية وأشياء مفيدة في حياة الآخرة. وبعدها سرعان ما بدأت المقابر بالتطور. [5]

وتألفت معظم المقابر الأولية من جزئين رئيسين وهما غرفة الدفن والمصلى حيث تقدم القرابين للمتوفى. [4]

ودلَّ مصطلح المصطبة بالهيروغليفية على البيت الأبدي إشارة إلى مثوى الموتى الأخير. وبنى المصريون المصطبة بشكل مستطيل مع سقف مستوي وجوانب مائلة وزيّنوها بنقوش متقنة وطلوها باللون الأبيض. وبدأت وظيفتها كمواقع لدفن الملوك في العصور المبكرة من الأسر. إذ بدأ الملوك من الدولة القديمة في الدفن في الأهرامات، بينما استمر العامة في استخدام المصاطب للدفن لأكثر من ألف سنة. [5]

الأهرامات

طلب ملك الأسرة الثالثة زوسر من المعماري إمحوتب تصميم قبر جنائزي خاص به فكان الهرم المدرّج في سقارة. [1]
وتكوّن الهرم من 6 مصاطب متدرجة، ووصل ارتفاعه إلى 62 م. وبنى حول الهرم المدرج ساحات ومعابد، كما أحيط بسياج ضخم.

وبلغت الأهرامات الثلاث الشهيرة ذروة العمارة الجنائزية في الجيزة. ويعد هرم خوفو أكبرها وأهمها وهو المبنى الوحيد المتبقي من عجائب الدنيا السبع القديمة. كما بُنيت 3 أهراماتٍ صغيرة لملكات خوفو. [6] وبنى خفرع ثاني أكبر هرم في الجيزة وصُمّم من الداخل بشكل أبسط من هرم خوفو. بينما يعتبر المعبد المرتبط به أكثر تعقيدًا. [7]

وارتبط بهرم خفرع أكبر تمثال منحوت في العالم القديم ويعرف باسم أبو الهول. يرتفع أبو الهول تقريبا 20 م وبطول 73 م. ونحته المصريون من الصخر الأساسي المكون لهضبة الجيزة على شكل أسد مع رأس إنسان. [1]

دمج المصريون الأسد رمزًا للقوة مع رمز الملك على مر التاريخ المصري. ونستطيع ملاحظة

أن رأس الملك بمقياس أصغر من الجسم ويرجح سبب ذلك إلى عيب في الحجر. ويقع أمام أبو الهول مباشرة معبد منفصل كرسوه لعبادته ولكننا لا نعرف عنه سوى القليل بسبب عدم توافر نصوص تشير إليه. [7]

ويعد هرم منقرع ثالث الأهرامات الرئيسية وهو الأصغر بارتفاع 65 م. ويعتبر مقدمة الأهرامات الأصغر التي بنوها في فترة الأسرة الخامسة والسادسة. [1]

المعابد

يمكن تمييز نوعين من المعابد وهما المعابد الدينية التقليدية والمعابد الجنائزية. وضمت الأولى تماثيل للآلهة المتلقين للعبادة اليومية بينما شيّدت المعابد الجنائزية للطقوس الجنائزية للملوك الموتى. ويعتقد الباحثون أن الفترة الأولى من الأسرة الخامسة ركّزوا فيها على عبادة إله الشمس رع بشكل قوي وغير معتاد. وذكرت النقوش بناء 6 معابد للشمس في تلك الفترة، وشيّدوها بمسقط مفتوح وضم كل منها مسلة.

ولم يبقَ الآن سوى القليل من المعابد التي تعود لتلك الفترة. كما بنى ملوك الأسرة الخامسة معبدين في أبي غراب بين سقارة والجيزة. وبنوا أحدهما كليًا بالحجر على حافة الصحراء، ولذلك بقي جزء من آثاره حتى الآن. ويصل إليه من وادي نهر النيل عبر ممر مغطى على جسر وزينوه بنقوش ورسومات ملونة. كما يؤدى إلى ساحة مفتوحة أحيطَت بها مخازن وغرف عبادة ومذبح ضخم من المرمر، ووضِعت مسلة في الغرب على أساس مستطيل. [8] [4]

المعابد الجنائزية في الدولة القديمة

تعتبر معابد خفرع من أشهر المعابد الجنائزية. ويقع المعبد الجنائزي مجاورًا للهرم والمدخل من الجهة الشرقية. ويتألف من قسم مستعرض وقاعة مستطيلة خلفه، ودعموا القسمين بالأعمدة. وتفتح القاعة الثانية على فناء مركزي محاط بالدعامات ويفتح عليه 5 غرف مقدسة تحوي تماثيل الملك، وخلف كل منها مخزن. ويقع الحرم الداخلي في الجزء الخلفي من المعبد وفيه باب مزيف وطاولة تقديم القرابين. حيث أدى الكهنة الشعائر اليومية وقدموا القرابين لروح الملك، وجمع الملك قرابينه بعد مروره من الباب المزيف.

وربط ممر بين فناء المعبد وساحة الهرم في الخارج. وعثر هناك على 6 حفر للقوارب، فآوت هذه الحفر القوارب التي نقلت رفات الملك إلى مثواه الأخير.

وبني معبد الوادي من كتل ضخمة من الحجر بمدخلين ارتبط كل منهما بدهليز، يؤدى إلى باب قاعة كبيرة على شكل حرف T مقلوب. وغطّوا الجدران بالجرانيت الأحمر بينما كسوا الأرضية بالمرمر ودعّموا السقف بواسطة دعامات صنعوها من قطعة واحدة من الجرانيت. وعثر المنقبون على 23 حفرة وضِعت بها تماثيل الملك وأدى الكهنة الطقوس أمام أحد التماثيل. وقاد ممر وُجِد في الجهة الشمالية الغربية إلى الممر المغلق الذي ربط بين المعبد الجنائزي ومعبد الوادي وطوله 494.6 م. [4] [9]

أما بالنسبة لمعابد منقرع فلم يكتمل أي منها قبل وفاته. وكشفت الحفريات عن سلسلة من تماثيل الملك التي وضعوها حول الفناء. وأعيد بناؤه بالكامل تقريبًا في نهاية الأسرة السادسة بعد أن تعرض إلى أضرار كبيرة بسبب الفيضان. [10]

ويشبه معبد أبو الهول معبد خفرع وتألف من فناء مركزي أحيط بأعمدة من الجرانيت. ويعتبر المعبد فريد لاحتوائه على ملجآن أحدهما في الشرق والآخر في الغرب، ويرجح أن لهما رمزية بشروق الشمس وغروبها. [7]

المدن في عمارة الدولة المصرية القديمة

تل بسطة مدينة نمت طبيعيًا

نمت تل بسطة في مصر السفلى (محافظة الشرقية حاليًا) واعتُبرت مركز هام في الدولة القديمة وغطّت حوالي 75 هكتار. واحتوت على مبانٍ تعود للأسرة السادسة وحتى زمن الرومان. وشيّد المصريون أسوار داخلية أحاطت المعابد وربما المساكن الملكية. وضمت معبدًا صغيرًا من الطوب على شكل مربع. وأضافوا سلسلة من الوحدات الملكية إلى مركز المدينة القائم، فيما يشبه المدن المصرية الأخرى. [3]

مدن للكهنة الجنائزيين

أنشأ ملوك المملكة القديمة مجتمعات حضرية لخدمة احتياجاتهم في الآخرة وبُنيت لأول مرة في نهاية الأسرة الرابعة واستمرت حتى نهاية الأسرة السادسة. وعثر على مدينة صغيرة للملكة خنتكاوس بالقرب من أهرامات الجيزة وبشكل حرف L  وبطول 148م  للضلع الشمالي و48م للضلع الشرقي. وبنيت على منسوبين وغطّيت بالرمال. ويؤكد الخبراء بأنها لم تسكن بعدها. ويرجح بأن المنازل شيّدت بطابق واحد لأن الأسوار لم تكن عالية ولم يوجد آثار للأدراج.

مخطط مدينة خنتكاوس. رسمه selim hassan ونُشر عام 1943

وتظهر الآثار أن المصريين صمّموا المدينة لمتطلبات محددة فالشوارع مستقيمة، والتقاطعات منتظمة. ووجدوا مجموعات سكنية لكل منها مخازنها وخزاناتها الخاصة.

ينقسم السكن إلى ثلاثة أقسام بحسب المساحة. ويأتي في الشمال أول صف منازل للكهنة وعددها 6 في الجهة الغربية وأكبرها مساحة 17x 15م ولها مدخلين في الجنوب والشمال. وتطابقت المنازل وصمّمت لتضم مكتب بواب، وغرفة استقبال، وغرفة المعيشة، وغرفتا نوم متصلتين. وأتاح بعدها فناء للوصول إلى المطبخ وغرفة تخزين المياه. وراعوا في التصميم المناخ واتجاه الرياح وخاصةً بتوجيه المطبخ. ووقعت في الجهة الشرقية منازل أصغر وعددها 4 ومدخلها من الشمال فقط. وبنوا قصران في القطاع الجنوبي، على المنسوب الأخفض من المدينة.

ويأتي بعد صف المنازل ممر بين جدارين سميكين من الطوب. أتاح الوصول المباشر بين الجهة الشرقية ومنطقة المقبرة في الغرب. ووجد في المدينة خزان مياه كبير 8x 29 م ويعتقد الخبراء أن المدينة سكنها 200 شخص على مساحة 0.65 هكتار. وهي نسبة قليلة إذا قارنوها مع الكثافة السكانية المقترحة لمصر القديمة والتي تقدر ب 250 شخص لكل 0.4 هكتار. [3] [11]

المراكز الإدارية وممفيس

احتاج المصريون مركزين إداريين لمصر العليا والسفلى، واختلفت المراكز من عصر لعصر. وتواجدت الإدارة في الدولة القديمة حيث يوجد الملك ولكن هذا لا يلغي العاصمة. وتُعتبر التصنيفات صعبة بشكل عام بسبب وجود العديد من المدن التي خدمت كمراكز إدارية لفترات قصيرة.

و شهدت أغلب المدن نموًا طبيعيًا على مدى قرون، ثم خضعت لتخطيط مكثف وإعادة تنظيم. ويروي المؤرخ هيرودوتس أن الملك مينا حوّل مجرى النهر نحو الشرق ليبني مدينة ممفيس على الأراضي المستصلحة أو على تل طبيعي. وربما يكون قوله صحيحًا، فقد أظهرت الأبحاث أن الجزء السابق يقع على أرض أعلى من غرب الموقع.

ويلاحظ عند دراسة ممفيس بأن تصميمها لم يكن فريدًا. ويرجح بأن المصريون تذكروها كأهم المدن لأن الأسرة الأولى قامت بالمهمة الأصعب وهي السيطرة على الفيضانات من خلال بناء السدود الضخمة والأحواض المائية. ووقعت في نقطة مهمة عند انقسام النيل إلى عدة أفرع، واستمرت كعاصمة خلال ثمان أسر. [3]

وأخيرًا لا يسعنا إلّا أن نقف مبهورين أمام عظمة عمارة الدولة المصرية القديمة عبر التاريخ.

المصادر

1-History
2-Khan Academy
3-Staffsites.sohag-univ
4-Britannica
5-Ancient egypt
6-History
7-Khan academy
8-Britannica
9-The ancient Egypt site
10-Khan academy
11- u.chicago.edu

 

Exit mobile version