ما هو الفن الجديد art Nouveau؟ وكيف أثّر على العمارة؟

هذه المقالة هي الجزء 3 من 13 في سلسلة كيف نشأت الحداثة وغيرت من شكل المعمار في عصرنا؟

تربط الهندسة المعمارية بين الهندسة الإنشائية والفنون، وكثيرًا ما يطلق لقب فنّان على المعماري. فلطالما كان المعماري حالمًا، يبحث دائمًا عن أفكار جديدة. وفي القرن 19، وتحديدًا في بلجيكا، وُلد نمط يعرف باسم « الفن الجديد – art Nouveau ». ويعدُّ محاولة متعمّدة لخلق نمط جديد خالٍ من التقليد التاريخي الذي كان قد هيمن على الكثير من الفنون والتصميم. فكيف أعاد الفن الجديد art Nouveau تقييم الجمال في العمارة؟

نشأة أسلوب الفن الجديد art Nouveau

نشأ الفن الجديد art Nouveau وازدهر بشكل كبير بين 1890-1910 م في جميع أنحاء أوروبا وأمريكا. ويتميّز الفن الجديد باستخدام خط عضوي طويل ومتعرّج. ويعد نمطا فنّيا شاملا، فيشمل مجموعة واسعة من الفنون الجميلة والزخرفية بما في ذلك الهندسة المعمارية، والرسم، والمجوهرات، والأثاث، والمنسوجات، وفن الزجاج، والأعمال المعدنية وغيرها.

وقد صِيغَ مصطلح الفن الجديد art Nouveau لأوّل مرّة عام 1884 في بلجيكا، من قبل دورية الفن الحديث لوصف أعمال les vingt. وles vingt هي جمعيّة ضمّت 20 فنان بلجيكي، وتم تقديم النمط إلى جمهور أوسع من قبل المعرض العالمي عام 1900 م. ومن أبرز روّاد أسلوب الفن الجديد : المعماري الاسكتلندي «تشارلز ماكينتوش- charles mackintosh » والتي وُصفت أعماله بغرابة الأطوار. كذلك المعماري البلجيكي «فيكتور هورتا- victor horta»، وأيضًا المعماري والنحّات الأسباني «أنطوني غاودي-antoni gaudi»، وربما يعد غاودي الفنّان الأكثر أصالة في الحركة. [1][2]

فن جديد لعصر جديد

حمل منعطف القرن العديد من التغييرات بسبب الثورة الصناعية. فقد ازدادت الابتكارات ووسائل الراحة، وانتشرت كذلك معها زيادة في التصنيع والانتاج الضخم للسلع رخيصة الثمن. فأحدث ذلك بدوره ردّة فعل لدى المصمّمين الذين فضّلوا الأصالة، وأرادوا العودة إلى الحرفية الجيّدة. فسعوا إلى إحداث التغيير، وكنتيجة لذلك فقد ولد الفن الجديد art Nouveau ضد الأنماط الأكاديمية المنتشرة في القرن 19. ورفض فنّانوه أيضًا الصفات الزخرفية الثقيلة، وبشكل خاص تلك التي تعود للعصر الفيكتوري.

ويعدُّ نمط الفن الجديد art Nouveau محاولة من قبل الفنّانين لخلق أسلوب جديد يحمل فلسفة مختلفة مفادها أن الأشياء الجميلة تستطيع أن تفيد الناس الذين يرونها. وقد حدّد سابقًا الأب الفلسفي للحركة وهو المصمّم «ويليام موريس-william morris» أهدافها الرئيسية، وهي إعطاء الناس المتعة في الأشياء التي يجب أن يستخدموها ويجب أن يصنعوها. وأصرّ موريس على دمج التصميم الوظيفي مع أشياء الحياة اليومية. [3][4]

تطوّر نمط الفن الجديد art Nouveau

كان نمط الفن الجديد art Nouveau موازيًا للرمزية في الفنون الجميلة. [1] وتأثّر واستعار جزئيًا من الفن الياباني ukiyo-e، وهو شكل من أشكال الفن الذي يقوم على الرسم عن طريق الطباعة برسوم بارزة. حيث يتم نحت الرسومات على ألواح خشبية أوّلًا، ثم تطبع على الورق بعدها. ورسموا عادةً تصويرات من شكل الإنسان الأنثوي، ومشاهد من التاريخ، والحكايات الشعبية. وبسبب انتشار الفن الجديد art Nouveau في جميع أنحاء أوروبا، فقد أشير إليه بعدّة أسماء مختلفة. فتقريبًا أطلقت عليه كل دولة مصطلحا بلغتها المحكيّة. بينما يرجع اسمه الحالي إلى اللغة الفرنسية، فقد تأثّرت مدينة باريس بشدّة بأسلوب الفن الجديد. [3]

ويمكننا القول بأن الفن الجديد قد اتّبع اثنين من الخطوط الرئيسية. الأول هو الزخرفة المنحنية التي تدفّقت من بلجيكا وفرنسا، والثاني هو النمط الأكثر خطيّة (نمط هندسي) والذي انتشر في النمسا واسكتلندا. بينما دمجت أوروبا الشرقية مثل تشيك ولاتفيا وهنغاريا الفن الجديد مع تقاليدهم المحلية الخاصة. [5]

ما هي خصائص عمارة الفن الجديد art Nouveau؟

اتّبع الفن الجديد art Nouveau نهجًا يعارض بشكل مباشر القيم المعمارية التقليدية للمنطق ووضوح الهيكل. وتميّزت مبانيه بطابع فريد، وغالبًا ما اشتركت في عدّة عناصر وخصائص ومنها:

  • الخط المتموّج والمتعرّج والذي يتّخذ في كثير من الأحيان أشكالًا طبيعية. فيمكن أن يكون الخط أنيقًا ورشيقًا أو أن يمتلئ بقوّة إيقاعية، حيث تمتد الخطوط ثم تنحني مرة أخرى على نفسها لخلق شكل يسمّى أحيانًا «بالسوط-wiplash».
  • التأثّر الشديد بالطبيعة وبخاصّة الأشكال العضوية. فكثيرًا ما تأثّرت الزينة الزخرفية التي تضمُّ عناصر مثل الطيور، والحشرات، والأوراق، والزهور، والنساء العاريات. وقد تأثّر التصميم الداخلي أيضًا بهذه الزخرفة، فمثلًا قد تظهر الأعمدة والعوارض مثل الكروم أو الأغصان السميكة.[2] وقد استوحى المعماري لويس سوليفان، وهو رائد مدرسة شيكاغو من زخرفة الفن الجديد لتزيين بعض مبانيه مثل مبنى «وينرايت- the Wainwright building»
جزء من مبنى وينرايت من تصميم لويس سوليفان، تظهر به الزخرفة
  • وجود نوافذ ملوّنة وأحيانًا فسيفساء وهياكل مستوحاة من الروكوكو والباروك.
  • استخدام مزيج من مواد البناء مثل الحديد والطوب والزجاج والسيراميك. فتحتوي مثلًا مباني الفن الجديد على بلاط سيراميكي زاهي وملوّن يوضع مثلًا بشكل محدّد لكي يخلق أنماطًا للزهور.
  • عدم التماثل.
  • جودة النحت.
  • استخدام ألوان غالبًا ما تكون مشرقة ولطيفة مثل الأبيض واللون الليلكي. [4]

أعيد للفن الجديد مكانته بين الفنون

بعد عام 1910 تم التخلّي عمومًا عن الفن الجديد art Nouveau وأخذ نمط «الفن الزخرفي-Art deco» مكانه. وبذلك دام الفن الجديد حوالي 30 عامًا فقط. وبالرغم من ذلك، ففي الستينيات أعيد ترميم جزء من النمط من خلال المعارض التي نُظّمت في متحف الفن الحديث في نيويورك، ومتحف الفن الوطني الحديث، ومتحف victorian&albert في لندن. وكنتيجة لذلك، رفعت هذه المعارض من مكانة الفن الجديد art Nouveau الذي غالبًا ما كان ينظر النقاد إليه على أنّه اتّجاه عابر. فتحوَّل في نهاية المطاف إلى مستوى حركات الفن الحديث الرئيسية الأخرى في أواخر القرن 19. [2]

أوليسوند مدينة للفن الجديد art Nouveau ولكن بعد الحريق

تقع مدينة «أوليسوند- Ålesund» في النرويج، وقبل الحريق كانت قرية صغيرة لصيد الأسماك. ونمت تدريجيًا حتّى أصبحت فيما بعد مدينة كبيرة. ونشب حريق عام 1904، فاحترقت بسببه المدينة تمامًا وبقي 10 آلاف شخص بدون مأوى. وبدأت إعادة البناء عندما كان طراز الفن الجديد art Nouveau المعماري مسيطرًا في أرجاء أوروبا. ورغب المعماريون الذين جاؤوا إلى أوليسوند أن يبنوا مدينة جديدة، وكاملة، ونرويجية بنفس الوقت. فقرّروا البناء بأسلوب يغطّي احتياجات المواطنين وبذات الوقت يمثّل الاتجاهات المعاصرة في وقتهم. فبنوا المدينة بمواد البناء المحليّة وحاولوا تجنّب البذخ والإسراف. ونجحوا أخيرًا في مهمّتهم، فتميّزت مدينتهم بثقافة العصور الوسطى وحلي الفايكينغ. كما استخدموا الزخرفة المستمدّة من النمط النرويجي القديم بأسلوب الفن الجديد. وتم عام 1909 الانتهاء بالكامل من البناء، وكانت النتيجة أن أصبح للمدينة مظهر من نمط واحد وهو الفن الجديد. ومع ذلك، يُعدّ كل مبنى فريد من نوعه ويملك هويّته وشخصيّته الخاصّة. [6]

مدينة أوليسوند، وتظهر المباني بأسلوب الفن الجديد المتبع في النرويج

كازا باتيو، تحفة ستدهش المراقبين إلى الأبد

لا شكّ أن أنطوني غاودي يمتلك مخيّلة لا مثيل لها. وقد استكشف اهتماماته في تدفّق الأشكال والأنماط والألوان في «كازا باتيو- casa Batlló». فظهر تصميمه كتناقض صاعق للأشكال الصلبة التي تحيط به. وتعكس الواجهة نسيج وصور وألوان مذهلة تعمل معًا لكي تثير الخيال. وأيضًا يظهر إتقان وبراعة غاودي من خلال إحداث التدفئة المركزية، والتي لم تكن أمرًا شائعًا في زمان ومكان برشلونة. وأكثر ما يلفت الاهتمام في المداخن هي زاوية خروجها من السطح، لأنها تخرج بزاوية 45° قبل أن تصبح عمودية. [7]

Casa Batlló من تصميم أنطوني غاودي في اسبانيا.

كازاميلا لأنطوني غاودي

تعتبر «كازاميلا- casa mila» بواجهتها المتميّزة وسقفها النحتي أكثر عضوية من كونها اصطناعية، وكأنها منحوتة مباشرةً من الأرض. وقد صمّم غاودي المبنى واستوحاه من نمط الفن الجديد art Nouveau الأسباني، وانتهى البناء عام 1912. ومن الناحية الإنشائية، فلا تحمل الواجهة الأوزان، بينما تدعم الحزم الفولاذية وزن الواجهة عن طريق ربطها بالهيكل. ونتيجةً لذلك سمح هذا لغاودي بتصميم واجهة المبنى دون قيود إنشائية. واستخدم تكوين من 270 قوس على شكل قطع مكافئ ذات ارتفاعات متفاوتة. وفي النهاية يعد مبنى كازاميلا مثيرًا للجدل، وقد أثّر بشكل كبير على العمارة، وخاصّةً بدفع الحدود الرسمية للمستقيم. وتمثّل هذه الأفكار الجريئة من قبل غاودي جوهر الفن الجديد. [8]

مسكن كازاميلا من تصميم أنطوني غاودي في اسبانيا

الفن الجديد كصلة وصل

على الرغم من أن حركة الفن الجديد art Nouveau تعتبر سريعة الزوال، إلا أن لأهميتها التاريخية وزن متناسب عكسيًا مع مدّة استمرارها. إذ تعتبر اليوم محطّة أساسية للانتقال بين التاريخية والحداثة. وقد أثّرت بأشكالها الطبيعية والغريبة على العمارة حتى يومنا هذا. فهل تُفضّل العيش في منزل غريب مثل كازاميلا أم تفضل أنماطًا أخرى؟

المصادر

  1. Tate
  2. Britannica
  3. Research gate
  4. Research gate
  5. The gurdian
  6. Research gate
  7. Arch daily
  8. Arch daily

كيف أثر الفن الزخرفي Art deco على العمارة؟

بعد اكتشاف قبر توت عنخ آمون أخذ الأسلوب المصري القديم يؤثر على التصميم الحديث. فتأثرت الكثير من المجالات، مثل العمارة، وتصميم الأثاث، والمجوهرات. إذ حلّ جنون وسحر الزخارف المصرية والبذخ الذي انعكس بسرعة في الموضة، وأثّر على الحركات المعمارية الحديثة. وقد سعت الحركات إلى أن تخطُ خطوة بعيدًا عن العمارة التقليدية مثلما حدث مع طراز « الفن الزخرفي- Art deco». إذ بدلًا من تكرار التصاميم والتحف الأصلية، تأثّر بشكل كبير بالأعمال القديمة. حدث الأمر عبر استخدام ألوان وأشكال فخمة مستوحاة مما هو قديم لإبراز المباني بين المساحات التجارية. وقد توافق ذلك بصورة شاملة مع العصر الذهبي في هوليوود، والازدهار الاقتصادي في أمريكا في ذلك الوقت. [1]

نشأة طراز الفن الزخرفي art Deco

نشأ «الفن الزخرفي- Art deco» في العشرينيات من القرن الماضي كحركة في الفنون الزخرفية والعمارة. وتطوّر إلى نمط رئيسي في أوروبا الغربية وأمريكا خلال فترة الثلاثينيات. وقد أخذ الطراز اسمه من المعرض الدولي للديكور الفني والصناعات الحديثة، والذي عُقد في باريس عام 1925. حيث تمّ عرض الأسلوب لأوّل مرّة، وأثّر على الموضة والفن والأثاث إضافةً إلى تأثيره الملهم على العمارة. [2][3]

ومن أبرز روّاد طراز الفن الزخرفي Art deco مصمّم الأثاث «جاك رولمان- Jacques ruhlmann » و«موريس دوفرين- maurice dufrêne » والمعماري «إلييل سآرنين- eliel saarinen ». وبينما أضحى الطراز قديمًا بعد الحرب العالميّة الثانية، إلّا أنّه تجدّد الاهتمام به في أواخر الستينيات. واستمرّ الطراز كمصدر إلهام في الموضة منذ ذلك الحين وحتّى وقتنا الحالي. [3]

بمن تأثّر الفن الزخرفي art Deco ؟

يمكن اعتبار الفن الزخرفي خلفًا «للفن الجديد- Art nouveau »، وردّ فعل ضدّه في نفس الوقت. والفرق الرئيسي عن الفن الجديد هو تأثير التكعيبية. إذ أضفت التكعيبية عليه نمط أكثر تجزئةً، كما أضفت الشخصية الهندسية. ومع ذلك، تشابه الفن الزخرفي مع الفن الجديد عبر استمرارية استخدام أشكال النباتات والمنحنيات والخطوط المتعرّجة. أي بعبارة أخرى، تأثّر بالطبيعة. [2]

ويُعتبر الفن الزخرفي art Deco عمومًا شديد التنوّع في تأثيراته. فقد استوحى من الفن المصري القديم، وخاصّةً من التحف التي تعود للدولة المصرية الحديثة. كما استوحى من الآزتك والمصادر الكلاسيكية المبكّرة في أمريكا. واعتمد كذلك على العمارة الحديثة مثل مدرسة الباوهاوس. [3]

بعض سمات منتجات الفن الزخرفي

شملت منتجات art Deco كلًّا من السلع الفاخرة المصنوعة بشكل فردي، والسلع المنتجة بكميات ضخمة على حدٍّ سواء. ولكن في الحالتين كان القصد هو خلق مظهر أنيق وغير تقليدي يدلّ على الثروة والرُقي. ونتيجةً لذلك، استخدم فنانوه مواد متنوعة وغالية الثمن على نحو غير عادي. وكثيرًا ما تشمل منتجات الفن الزخرفي art Deco على عناصر من صنع الإنسان. وعلى الرغم من أنّ هذه المنتجات نادرًا ما كانت تُنتج بكميات كبيرة، إلّا أنّ السمات المميّزة للطراز تعكس الإعجاب بحداثة الآلة والثورة الصناعية. وعلى سبيل المثال تمسك ذلك الفن بالبساطة النسبية للتماثل، والتكرار غير المتنوّع للعناصر. [3]

ومع ذلك، بدأ الأسلوب منذ الثلاثينيات بإقامة حوار أوثق مع التصنيع، لمعرفة إمكانيّة الإنتاج الضخم. وخلال هذه الفترة، أصبح الفن الزخرفي art Deco أكثر اعتدالًا ورصانةً، ويستخدم مواد مثل الخرسانة والفولاذ المقاوم للصدأ. ففي نهاية المطاف، ظهرت الأعمال الأكثر إبداعًا في هذا الوقت في أمريكا، وخاصّةً في نيويورك. فقدّمت لغة جديدة لناطحات السحاب، وغيّرت أفق المدينة حرفيًا. [4]

كيف تختلف عمارة الفن الزخرفي art Deco عن الفن الجديد؟

إنّ الملامح المميّزة للأسلوب هي أشكال بسيطة ونظيفة. وغالبًا ما تكون ذات مظهر مبسّط مزيّن بزخرفة هندسية أو زخرفة منمّقة لأشكال تمثيلية. [3] وعلى الرغم من تشابه الفن الزخرفي art Deco مع الفن الجديد، فقد اختلف عنه في عدّة نواحي مثل:

  • الامتداد والتركيز الأفقي وليس العمودي.
  • استخدام الزوايا الدائرية وليس القائمة في المباني.
  • استخدام الحد الأدنى من زخارف السطح.

ورغم كل المهارة اللازمة في الطراز، ولكنّه يعدّ عمليًّا في التنفيذ وخصوصًا في المشاريع القائمة على الميزانية الثابتة. حيث يمكن تزيين المبنى الذي يكون عبارة عن صندوق بسيط بالزخارف التي تميّز النمط. ممّا جعل البنية البدائية تبدو عصرية وحديثة. وعلاوةً على ذلك يمكن تعزيز الاهتمام البصري من خلال الأشكال الخطية (الزخرفية) أفقيًّا ورأسيًّا في جميع أنحاء المبنى. [5]

مسرح minerva/metro بني عام 1939، ويقع في سيدني

العناصر الرئيسية لأسلوب عمارة الفن الزخرفي art Deco

  • استخدام الأسطح المستوية في الأبنية. [5] وبالنسبة إلى ناطحات السحاب، فتتميّز بقممها المدبّبة عادةً. والتي تأثّرت بشكل مباشر بلوائح التنظيم المدني التي صدرت عام 1916. وقد نصّت على أنّ المباني الشاهقة يجب أن تسمح بوصول الضوء الطبيعي للشوارع أدناها. [6]
  • غالبًا ما تكون الجدران ملساء، فتصنع جدران منازل الفن الزخرفي art Deco من الحجر أملس الوجه. وأحيانًا من الخرسانة التي تُكسى بالجص الناعم، أو «التراكوتا- terra cotta»، وهي من أنواع الطين المحروق.
  • استخدام زينة خارجية جريئة، فتزيّن المباني بنمط متعرّج وزخارف مستوحاة من الطبيعة والفن القديم مثل أوراق الشجر، أو الزهور كالزنابق، وأشعة الشمس، «وإشارة الرتبة- chevrons» بالإضافة إلى زخارف مستواحاة جزئيًّا من الفن المصري وخاصّةً من القطع الأثرية المكتشفة داخل قبر الفرعون توت عنخ آمون. واستخدموا كذلك الألوان الزاهية الشائعة في الأعمال الفنية المصرية.
تصميم داخلي مشتق من الفن المصري يعود للمصمم بروس ديليت.
  • التجربة مع مواد داخلية جديدة، حيث استخدم مصمّمو الفن الزخرفي art Deco كلمة مواد جديدة لتدل على كتل الزجاج، والنيون، والمرايا، والألواح الزجاجية المعتمة.
  • تصميم مداخل مميّزة. فأحيانًا تكون أبواب المداخل محاطة بالدعامات والتركيبات المفصّلة. وغالبًا ما يتم تزيينها بزخارف. وتختلف جودتها ومدى تفصيلها تبعًا لاختلاف المصمّم، وبحسب نوع المشروع كذلك. [5]

منافسة في سماء نيويورك لبناء أعلى ناطحة سحاب

ازدهر اقتصاد مدينة نيويورك على نحو لم يسبق له مثيل في أواخر العشرينيات. فاندفع بناة ناطحات السحاب على نحو جنوني لتشييد أعلى ناطحة سحاب على مستوى العالم. واشتدّت المنافسة الرئيسية بين بنك وول ستريت ال40 ومبنى «كرايسلر- chrysler» وهو هيكل متقن من طراز الفن الزخرفي art Deco. وحاول كلا البرجان أن يكون الأفضل عن طريق إضافة المزيد من الطوابق. واحتدم السباق عندما أُعلن عن بناء مبنى «إمباير ستيت- empire state». فعندما علم ويليام فان الين -وهو مصمّم مبنى كرايسلر- أن ارتفاع مبنى إمباير ستيت سيكون 304.8م، غيّر مخطّطه للمرّة الأخيرة. فثبّت نهاية من الفولاذ المقاوم للصدأ على قمّة البرج، ونتيجةً لتلك الإضافة أصبح ارتفاع المبنى النهائي 319.4م.

مبنى كرايسلر في نيويورك، من تصميم ويليام الين.

ولكن لسوء حظّه، فإنّ مصمّمو مبنى إمباير ستيت أيضًا أعادوا تعديل مخطّطات المبنى. وعندما اكتمل البناء أخيرًا عام 1931 ظهر بارتفاع 381 م فوق شوارع المدينة. ليصبح أطول مبنى في العالم لما يقارب من 40 عام، حتّى الانتهاء من برج التجارة العالمي الأوّل عام 1973. وعلى الرغم من ضخامة حجم المشروع، فقد استغرق تصميمه وتنفيذه 20 شهرًًا فقط من بدايته إلى نهايته. بينما استغرق تشييد المبنى وحده 410 يوم، بطاقة ما يصل إلى حوالي 3400 رجل في كل يوم. حيث جمّعوا هيكلها بمعدّل قياسي، بأربعة طوابق ونصف في كل أسبوع، وهو معدّل سريع بحق! فانتهوا من الطوابق ال 30 الأولى قبل الانتهاء من تفاصيل معيّنة من الطابق الأرضي. وفي نهاية المطاف، انتهى البناء قبل الموعد المحدّد، وتحت الميزانية. وبالطبع لم يخلُ الأمر من الخسائر، فقد قُتل للأسف 5 عمال خلال عملية البناء السريعة. [7]

مبنى إمباير ستيت في نيويورك، من تصميم شرييف، ولامب، وهارمون

الفن الزخرفي على خط دقيق!

اعتبر العديد من الخبراء أن الفن الزخرفي art Deco يقع على الخط الدقيق بين البحث عن البساطة والبذخ. وقد اتّخذ دورًا هامًّا في التاريخ من خلال تحديث المشهد الحضري وموازنة عناصر الماضي مع التكوينات الهندسية الجديدة. والآن، نعتقد أننا قدمنا لك موجز عن الفن الزخرفي يستحق مزيد من الاطلاع، أليس كذلك؟

المصادر

  1. Archdaily
  2. Tate
  3. Britannica
  4. Arch daily
  5. Research gate
  6. Arch daily
  7. History

كيف أثر دي ستايل de stijl على العمارة؟

هذه المقالة هي الجزء 5 من 13 في سلسلة كيف نشأت الحداثة وغيرت من شكل المعمار في عصرنا؟

تربط دائمًا علاقة بين الشكل والمحتوى في التصميم والفن، وبعبارة أخرى قدرة الشكل على تجسيد مفاهيم وأفكار التصميم. ونشأت «دي ستايل-de stijl» كحركة أثّرت في الفنون عمومًا، وتصميم الأثاث، والهندسة المعماريّة. وسلّطت الضوء على الاندماج بين الشكل والمحتوى. وسعت إلى تحقيق التوازن والوئام، بحيث تنطبق أفكارها على الفن والحياة. [1]

نشأة طراز دي ستايل de stijl

نشأ طراز دي ستايل de stijl في هولندا عام 1917 ويحتلّ دورًا مركزيًا في تاريخ الفن والعمارة الحديث. ويعد مزيج من أفكار وأهداف مجموعة صغيرة من الفنّانين والمهندسين المعماريين والمنظّرين الهولنديين. [1]

ويعتبر دي ستايل استجابة لفوضى الحرب العالميّة الأولى. ويعتقد الكثير من الباحثين أنّه وقف ضدّ الفن الزخرفي «أرت ديكو-art deco» الذي هيمن على التصميم الغربي في ذلك الوقت. بينما تأثّر بالفن التكعيبي، ودعا إلى النقاء النسبي للأشكال والفن التجريدي. [2]

ويعتبر الرسّام «بيت موندريان-piet Mondrian» والفنّان «تيو فان دوسبورخ-theo van doesburg» والمعماري «غيريت ريتفيلد-gerrit rietveld» من أبرز روّاد طراز دي ستايل.

كما شارك دوسبورخ أفكار موندريان الصارمة، وأطلقوا مجلّة دوريّة 1917-1932 والتي وضعت نظريّات ومبادئ طراز دي ستايل. [3]

ما هي مبادئ دي ستايل de stijl ؟

عبّر دوسبورخ عن عناصر دي ستيل عندما قال بأنّه لا يوجد شيء أكثر واقعيّة من اللون، والخط، والسطح. [2]

وصاغ موندريان مصطلح Neoplasticism ليعبّر عن رغبته بتحرير وتجريد العمل الفني من التمثيلات الرمزيّة للواقع. وأراد تقديم رؤيته الحقيقيّة للواقع في لوحاته. ومن وجهة نظره، لم يعد عليه أن يعتمد على الطبيعة في البدء باللوحة. وبدلًا من ذلك، يستطيع أن يستخدم القواعد المجرّدة في الهندسة والألوان. واعتبر هذه اللغة الأكثر فعّالية لنقل رسالته الروحيّة.

وتألّفت لوحات موندريان الأولى من مستطيلات بأشكال ناعمة من الألوان الأساسية (الأصفر، والأحمر، والأزرق). والتي رسمها على خلفيّة بيضاء ومن دون استخدام الخطوط. إلّا أنّه أعاد الخطوط لاحقًا إلى لوحاته، وربط مستويات (سطوح) الألوان بعضها ببعض، وبالخلفيّة أيضًا. من خلال سلسلة من الشرائط السوداء العموديّة والأفقيّة.

Composition with Yellow, Blue, and Red لموندريان

وبالتالي، تكوّنت لوحات موندريان التي تنتمي للفن التجريدي من مستطيلات وخطوط مستقيمة تتقاطع في زوايا قائمة، من أجل تشكيل الإيقاع البصري المجرّد الخاص بها. [4]

بم تميّزت عمارة دي ستايل de stijl ؟

صمّم معماريو دي ستايل مبانيهم على أساس المبادئ التي وضعها الفنّانون المؤسسون، وبالتالي استطاعوا تحويل اللوحات إلى تكوينات ثلاثية الأبعاد تعكس أفكارهم. وعمومًا يبدأ المبنى بصندوق، ومن ثمّ يقوم المعماريّون بتجزئته وتقطيعه ليتشكّل التكوين النهائي. وتندمج الأجزاء (الجدران والأرضيّات) لصنع الشكل العام المتكامل للمبنى. وغالبًا ما يتم طلاء بعض الجدران بالألوان الأساسيّة لتتكوّن السطوح المميّزة لدي ستايل. إلّا أنّه تعتبر هذه الأجزاء أقل أهميّة من الكل، أي من الشكل العام النهائي. أمّا بالنسبة للمساقط، فاعتمد المعماريّون على المساقط المفتوحة في تصميمهم. [5]

ومن ضمن معماريي دي ستايل «يعقوب أود-jacobus oud»، والذي تميّزت مبانيه بتناقضات دقيقة لخطوط أفقيّة ورأسيّة. إذ استخدم جدران طويلة مستقيمة تلتفّ أحيانًا في زوايا مستديرة بسلاسة، لتتشكّل وحدات بناء محاطة بحيّز مفتوح. وحقّقت الأشكال المستقيمة والدائريّة المبسّطة توازنًا على الرغم من ترتيبها غير المتماثل. [6]

Gallery house صممه المعماري يعقوب أود في مقاطعة سكنية في شتوتغارت المانيا

المساقط المفتوحة في عمارة دي ستايل de stijl

يزيل معماريو دي ستايل الحدود الفاصلة بين الخارج والداخل عن طريق فتح الجدران. كما يقضون على الحدود المكانيّة في الفراغ الداخلي من خلال تقسيمه باستخدام الجدران (القواطع) المتحرّكة. [5] ممّا يجعل مسقط المبنى مفتوح، فيكسبه صفة المرونة لأنّه يسمح يتحريك الجدران وبالتالي خلق غرف تختلف مساحاتها حسب الحاجة. وبذلك نجحوا في إلغاء الترتيبات الهرميّة للغرف في مخطّطات الطوابق. [2]

مقهى «الموهبة- l’Aubette» في فرنسا

يختفي مقهى الموهبة خلف واجهة باروكيّة تعود إلى القرن الثامن عشر في ستراسبورغ، في فرنسا. ويعدّ تعبير غير متناسق على نحو مذهل من حركة دي ستايل في عشرينيات القرن الماضي. وقد بُني المقهى عام 1767 بتكليف من الحكومة الفرنسيّة لبناء مبنى يعكس أحدث طراز في ذلك الوقت. وأعيد تصميمه داخليًا من قبل دوسبورخ بمساعدة الفنّان «هانز آرب-hans arp» وزوجته «صوفي تايوبير آرب-sophie taeuber arp». وسعى دوسبورخ إلى القيام بأكثر من مجرّد وضع المشاهد أمام لوحة له، بل أراد تطويقه بها.

وعلى الرغم من أن دوسبورخ وهانز وصوفي عملوا ظاهريًا كفريق واحد، ولكن عمليّة تصميمهم الفعليّة كانت مفكّكة على نحو يثير الدهشة. فيلاحظ المشاهد بأنّ الغرف قد صُمّمت من قبل فنانين مختلفين مع القليل من التعاون المنظّم. ممّا سمح لأنماطهم الشخصيّة بتشكيل فراغات المبنى.

ففي حين عكس عمل هانز وصوفي مشاركتهم السابقة في حركة دادا. نفّذ دوسبورخ تصميمه بطريقة مستقيمة متعامدة، وغطّى الجدران بشبكات كبيرة من المستطيلات الملوّنة. وقد ركّز بعمله التصميمي على استخدام اللون كوسيلة لتفعيل الفراغ، ويعتقد أنّ هذا ساعد المشاهدين على تقدير الشكل المجرّد بشكل أفضل. ولكنّه لم يتقيّد بشكل صارم بمبادئ دي ستايل عندما لم يناسبه ذلك. فلذلك كسرها من أجل خلق المزيد من المساحات الديناميكيّة والتعبيريّة. ومن الأمثلة على ذلك قاعة الرقص، حيث تميل مستطيلات دي ستايل بزاوية 45° ممّا يخلق جذبًا بصريًا مع اتجاه الأبواب والنوافذ. [7]

لقطة داخلية في مقهى الموهبة من تصميم تيو فان دوسبورخ

منزل «شرودر-shroder» في هولندا

صمّم المعماري ريتفيلد منزل شرودر في أوترخت، في هولندا عام 1924. وتجعل مرونة التصميم وأشكال الزوايا والخطوط المنزل فريدًا ومميّزًا. إذ يجسّد أفكار دي ستايل عبر تصميم الجدران في الطابق العلوي بحيث تكون قابلة للطي حول درج مركزي. وقد صمّمها كذلك ليزوّد أطفال شرودر بخيار فتح الغرف على بعضها من أجل تشكيل مساحة لعب مفتوحة وكبيرة. بينما يستطيعون إغلاقها ليلًا لتشكيل غرف نومهم الخاصّة.

وحدّدت السيّدة شرودر 3 معايير حول غرف أطفالها، أوّلًا يجب أن يسمح موقع السرير ليكون في موضعين مختلفين من الغرف. وثانيًا ينبغي أن توجد إمكانيّة للوصول إلى الحمّام من كل غرفة خاصّة. وأخيرًا ينبغي أن تحوي كل غرفة على باب يصلها بالهواء الطلق مباشرةً. وكنتيجة لذلك خطّط ريتفيلد هذا النوع من التفاصيل بشكل جيّد ودقيق. واعتمد على النسبة الذهبيّة أو شكل المربّع في تصميم الفراغات. واستخدم الألوان لتمييز المساحات أو الوظائف المختلفة أثناء طي الجدران. واختار اللون الأسود لطلاء الباب الأمامي باعتباره أكثر استخدامًا وبالتالي سيصبح سهل الاتّساخ.

منزل شرودر من الخارج من تصميم ريتفيلد
جزء من منزل شرودر من الداخل.

واعتمد بلاطات من الخرسانة المسلّحة لبناء الهيكل الرئيسي للمنزل مع عوارض من الفولاذ، وصنع الجدران من الطوب ثمّ طلاها. واختار الخشب لتشكيل إطارات النوافذ والأبواب والأرضيّات. وبالإضافة إلى ذلك، فقد صنع مفاصل النوافذ بحيث تُفتح فقط بزاوية 90° إلى الجدار وذلك للحفاظ على معايير تصميمه الصارمة. [8]

ما جعل منزل شرودر رمزًا لحركة دي ستايل هو نهجه الفريد في التصميم وتكوين الفراغات، فقد نجح هذا التكوين الثلاثي الأبعاد في عكس مفاهيم ومبادئ دي ستايل وحقّق أهدافها عبر سعيه للوصول إلى النقاء والتجريد ليس بالفن فقط بل في الحياة ككل أيضًا.

المصادر

  1. Research gate
  2. Arch daily
  3. Britannica
  4. Britannica
  5. Tylor and francis
  6. Britannica
  7. Arch daily
  8. Arch daily

كيف صنع حريق ضخم مدرسة شيكاغو المعمارية المميزة؟

هذه المقالة هي الجزء 2 من 13 في سلسلة كيف نشأت الحداثة وغيرت من شكل المعمار في عصرنا؟

عندما تشاهد صور لمدينة دبي، فأوّل ما يلفت انتباهك هو ناطحات السحاب التي تكاد تلامس السماء. فهل تساءلت يومًا كيف بدأ كلّ هذا؟ حسنًا، بدأ كلّ شيء في شيكاغو، تلك البلدة التي بدأت بعدد سكّان يبلغ 200 نسمة فقط. ونمت لاحقًا لتصبح موطنًا لأكثر من مليون ونصف بحلول نهاية القرن 19. وتشتهر شيكاغو بهندستها المعماريّة المتنوّعة، ويعود الفضل بتطوّرها وازدهارها إلى مدرسة شيكاغو المعمارية. وساد اتّجاه مدرسة شيكاغو في أواخر القرن 19، وأثّر بشكل فعّال على العمارة من بعده. ويعود له الفضل بتأسيس عمارة ناطحات السحاب.

حريق شيكاغو الذي غيّر كل شيء

اجتاح حريق هائل شيكاغو على طول 6.44 كم واستمرَّ من 8 إلى 10 أكتوبر عام 1871. فقتل 300 شخص وشرّد حوالي 100 ألف شخص، ودمّر 17,500 مبنى وتقريبًا ثلث المدينة. وساعد الطقس الجاف وكثرة المباني الخشبيّة على انتشار الحريق. فقد بُنيت المباني في أغلب الأحيان بطبقة واحدة من المواد المقاومة للحريق من الخارج، بينما أخفت الهيكل الخشبي تحتها. مثل مبنى محطّة المياه في شارع pine فقد استبدلوا سابقًا ألواح السقف الخشبيّة بمادة «الأردواز-slate» وهي نوع من الصخر الصفائحي. ولكنّهم تركوا الهيكل نفسه من خشب الصنوبر. وعندما ضربت جمرة حارقة السقف في الساعات الأولى من الحريق، تدمّرت المحطّة التي كانت المصدر الرئيسي للمياه لإدارة الإطفاء في المدينة. [1][2]

إعادة إعمار مدينة شيكاغو

بدأ بناء مدينة شيكاغو على الفور. وأحيانًا كان يبدأ البناء حتّى قبل أن يكمل المهندس المعماري والإنشائي التصميم. وصدرت قوانين جديدة بعد الحريق فرضت استخدام مواد بناء مقاومة للحرائق مثل الطوب والحجر والرخام وغيرهم. فتلتصق مواد البناء هذه بمادة لزجة وقويّة تدعى الملاط، وتدعى هذه التقنيّة «البناء-masonry». ويشمل مصطلح البناء العديد من المواد وأنواع البناء المختلفة. مثل الحجر الطبيعي وكذلك الوحدات المصنعة من الطوب الطيني، والكتل الخرسانية، والحجر المصبوب، والبلاط الطيني الهيكلي، والطين، والكتل الزجاجية وكلها مواد بناء. ولكن لم يتحمّل السكان الفقراء تكلفة البناء الجديدة.

وأدّى حدثان مختلفان إلى توقّف هذه المرحلة من إعادة الإعمار. الأوّل إفلاس بنك عام 1873 فأحدث بدوره كساد وطني، ممّا أدّى إلى توقّف العديد من أعمال البناء. والثاني هو نشوب حريق أصغر عام 1874 ودمّر أكثر من 800 مبنى. فبدأت عمليّة إعادة البناء البطيئة والمكلفة، فتشكّل تحدي جديد واجهه مهندسو شيكاغو. [2]

عوامل ساعدت مهندسي مدرسة شيكاغو

لطالما عاش المعماريّون في أفكارهم، فهم دائمًا في حالة بحث وتفكير لإحداث فارق وبصمة في المدن. وأدّت الأحداث المتسارعة في شيكاغو إلى انشغال المهندسين بتخطيط مدينتهم على شبكة جديدة، وتصميم مباني تعكس أفكارهم الحديثة.

ولعبت الثورة الصناعيّة دورًا مهمًا، إذ كان قد أحدث اختراعان ثورة في الهندسة الإنشائيّة. فقد صنع إليشا أوتيس المصعد، وعرضه لأوّل مرّة في نيويورك عام 1854. كما اختُرع جهاز إنجليزي يسمح بإنتاج كميّات كبيرة من الفولاذ عالي الجودة ومنخفض التكلفة عام 1856. [3]

وظهرت مادّة بناء تدعى «تراكوتا-terra cotta» وهي من أنواع الطين المحروق. استُخدمت للنحت والبناء كمادّة خزف من الصلصال المزجّج أو غير المزجّج. وانتشرت سريعًا كمادّة شعبيّة وفعّالة بحلول منتصف الثمانينيات. [2]

وساعدت هذه العوامل المهندسون على إعادة الحياة إلى مدينتهم، وأصبحوا قادرين على ابتكار تقنيّة إنشائيّة تسمح ببناء مبنى مرتفع. فقد اعتُبر أقصى ارتفاع لمبنى هو 5 طوابق حتّى منتصف القرن 19. ولكن هذا لم يوقف مهندسو مدرسة شيكاغو. [3]

نشأة اتّجاه مدرسة شيكاغو

عمل المعماريون في شيكاغو وفق المعطيات الجديدة لتلبية احتياجات رجال الأعمال والتجار. وفضّل هؤلاء المظهر العادي وذلك لأنّ وضع الزخارف الفخمة يكلّف المزيد من الأموال. ودعت الحاجة لبناء المزيد من المباني التجاريّة إلى التفكير بالتوسّعات العموديّة أي المباني الشاهقة. وأصبح هذا الأسلوب معروف باسم مدرسة شيكاغو.

وقد تشترك مباني مدرسة شيكاغو ببعض السمات التي تجعلها تبدو موحّدة في الماضي، ولكنّ الحقيقة هي أنّها أظهرت تنوّعًا كبيرًا أيضًا. ممّا أحدث جدلًا حول تسميتها. وقد تدعى أحيانًا أعمالها الأولى باتجاه «النمط التجاري-commercial style». ويعتبر «لويس سوليفان-louis Sullivan» و«وليام لي بارون جيني-william le baron jenny» و«دانيال بورنهام-daniel burnham» و«دانكمار أدلر-dankmar adler» من روّاد مدرسة شيكاغو. [2][4]

مبنى التأمين المنزلي أوّل ناطحة سحاب في العالم

عندما نقلت شركة نيويورك للتأمين المنزلي أعمالها إلى شيكاغو، تحدّوا المجتمع المعماري للتوصّل إلى تصميم يجلب الضوء الطبيعي إلى جميع أجزاء المبنى. فجاء وليام لي بارون جيني بالحل، وكان الفولاذ. [2]

فصمّم جيني المبنى بارتفاع 42م، وبعشرة طوابق واكتمل عام 1885. وأصبح ب 12 طابق بعد 7 سنوات، ممّا جعل ارتفاع المبنى النهائي 54.9م. [4]

وابتكر جيني تقنيّة إنشاء جديدة، إذ جعل المبنى محمول من قبل هيكل من الحديد واستخدم عوارض فولاذية. بدلًا من البناء بطريقة الجدران الحمّالة التقليديّة. فسمح الهيكل الصلب ببناء نوافذ أكبر من كل جانب من المبنى. وصُنعت الأقسام بين المكاتب من الطوب والتراكوتا. ولم تبق الحاجة لبناء جدران سميكة. فأصبح المبنى يزن حوالي ثلث المباني المصنوعة من الطوب أو الحجر. فأثار ذلك في البداية القلق لدى مسؤولي المدينة. فهل كلّ هذا المبنى الطويل بهذا الوزن الخفيف فقط؟

وحدّد هذا المبنى وتيرة عمل اتجاه مدرسة شيكاغو فيما بعد. ولكن للأسف لا نستطيع رؤية هذا المبنى اليوم، فقد هدِم عام 1931. وحلَّ محلّه برج من طراز «أرت ديكو-art deco» وتكوّن من 54 طابق.  [3][5]

مبنى التأمين المنزلي في شيكاغو. صممه وليام لي بارون جيني

كيف نميّز بناء يعود لطراز مدرسة شيكاغو؟

تشترك مباني مدرسة شيكاغو ببعض السمات التي تجعلنا نتعرّف عليها ومنها:

  • يُشبَّه المظهر العام للمبنى بهيكل العمود الكلاسيكي. فتعتبر الطوابق السفلى بمثابة قاعدة العمود والتي أعطوها مظهر خارجي مختلف، وعادةً ما تضمّ المزيد من الزجاج. بينما تعمل الطوابق الوسطى المتكرّرة كجسم العمود. وأخيرًا الطابق الأخير الذي يمثّل تاج العمود، ووتوضع في أعلاه الزخارف والكورنيشات والأفاريز.
  • تَستخدِم جميع المباني نظام إنشائي موحد، فالبناء بالهيكل الفولاذي يسمح بزيادة الارتفاع. وصنعوا حديد الهيكل ليكون مقاومًا للحرائق.
  • استخدام طريقة masonry للبناء والتراكوتا والتي تُظهِر القليل من الزخرفة وتفسح المجال للنوافذ السطحيّة الكبيرة.
  • اتّبع تصميم النوافذ نظامًا يكفل دخول الضوء والتهوية. فتألّفت النافذة النموذجيّة من لوح زجاجي كبير وثابت، ويوجد لوحان زجاجيّان أصغر بجواره. وتتكرّر هذه النوافذ عادةً في جميع أنحاء المبنى وتخلُق شبكة منتظمة. واستخدموا أحيانًا نوافذ أوريل، وهي نوافذ تبرز قليلًا عن الجدار نحو الخارج. [4]

أمثلة لمبان شهيرة على طراز مدرسة شيكاغو المعمارية

مبنى القاعة Auditorium building

ويعتبر هذا المشروع مزيج غريب من فندق ومكاتب وُضِعت على شكل حرف U حول قاعة الأوبرا. وقد صمّم المبنى لويس سوليفان ودانكمار أدلر، وانتهى بناؤه عام 1889. وارتفع المبنى 10 طوابق مع برج من 17 طابق، من الجرانيت والحجر الجيري. وتميّز مظهره بالبساطة الشديدة مع قليل من الزخرفة والأقواس. بينما أظهر سوليفان موهبة في الزخرفة من الداخل. واستلم أدلر الجوانب الإنشائيّة والميكانيكيّة للمبنى مع التصميم الصوتي الفعّال للأوبرا. [6]

مبنى القاعة ويقع في شيكاغو

مبنى وينرايت Wainwright building

يعد المبنى من أهم ناطحات السحاب التي صمّمها سوليفان وأدلر. فلم يهتم جيني وغيره من المعماريين بالتعبير البصري عن ارتفاع مبنى شاهق، على عكس ما فعله سوليفان. ونستطيع ملاحظة التركيب الثلاثي لأجزاء العمود في المبنى. فشكّل الطابقان السفليان القاعدة، واهتمّ بمظهر الطوابق المتكرّرة فأزاح النوافذ قليلًا إلى الداخل لتبرز عنها الأعمدة والعوارض. ونقش زخارف على أجزاء التراكوتا، وغطّى إفريز زخرفي عميق وكورنيشة بارزة نهاية الطابق الأخير من المبنى. [6][7]

مبنى وينرايت ويقع في ولاية ميزوري

مبنى جواراناتي Guaranaty building

يقع المبنى في نيويورك، ويتكون من 16 طابق. صمّمه سوليفان وأدلر، ويشبه مبنى wainwright building ولكنّ سطحه مغلّف بالتراكوتا بدلًا من الطوب الأحمر. [6]

مبنى جواراناتي ويقع في نيويورك

مبنى الاعتماد Reliance building

يقع المبنى في شيكاغو وصمّمه المعماري جون روت. وأحدث المعماري أتوود إضافات عليه، وانتهى المبنى عام 1895 ويعتبر المبنى مثيرًا للإعجاب بسبب مساحات الزجاج الكبيرة التي غطّت الواجهة. ممّا يجعله بذلك أقرب ما يكون لناطحات السحاب الحاليّة. [4]

مبنى الاعتماد ويقع في شيكاغو، وتظهر فيه نوافذ أوريل.

المصادر

  1. History
  2. National geographic
  3. BBC
  4. Arch 2o
  5. Britannica
  6. Britannica
  7. Arch daily
Exit mobile version