كيف نشأت مدرسة باوهاوس Bauhaus وكيف أثرت على العمارة؟

هذه المقالة هي الجزء 4 من 13 في سلسلة كيف نشأت الحداثة وغيرت من شكل المعمار في عصرنا؟

هل شعرت يومًا ما بالملل وأنت جالس على المقاعد المدرسية وتساءلت كيف كانت لحياتك أن تكون لو أن نظام المدرسة قد اختلف؟ حسنًا هذا ما قد حدث بالفعل قبل مئة عام وتحديدًا في ألمانيا. فحلَّ أسلوب التدريس الجديد في مدرسة «باوهاوس-bauhaus» محل العلاقة التقليدية بين التلميذ والمعلم. وظهرت فكرة تجمع مختلف الفنانين الذين يعملون معًا بهدف إعادة الفن إلى الاتصال مع الحياة اليومية. وبالتالي جمعوا بين الهندسة المعمارية وتصميم الأثاث والفنون التطبيقية كالنحت والفخار والنسيج والطباعة والإعلان وغيرها من الحرف. وأعطوها الوزن نفسه كالفنون الجميلة. [1] فكيف نشأت مدرسة باوهاوس Bauhaus وكيف أثرت على العمارة؟

نشأة مدرسة باوهاوس Bauhaus في فايمار

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، ظهرت حكومة جديدة في ألمانيا، وجاءت معها أفكار مثيرة للجدل. فبدأ الناس بتجربة أفكارهم المختلفة بجرأة واستخدموا الفن والمسرح للتعبير عن معتقداتهم. [2]

وتأسست مدرسة باوهاوس عام 1919 في «فايمار-weimar» من قبل المعماري «فالتر غروبيوس-walter gropius». وجمع فالتر بين أكاديميتين، أكاديمية فايمار للفنون، ومدرسة فايمار للفنون والحرف وأسماها باوهاوس وهي مزيج من الكلمات الألمانية «بناء-bau» و «منزل-haus». واستمرت في فايمار لمدة 6 سنوات. [3]

وقد شجّعت باوهاوس طلابها على النظر إلى العالم من حولهم بطريقة مختلفة، ودرّستهم في ورش العمل العملية، والتي كانت على عكس المحاضرات النظرية النخبوية في العديد من مدارس التصميم المعاصر. وغيّرت نظرة الناس عمومًا حول ما يفترض أن يكون عليه الفن. [2]

أهداف باوهاوس ونظامها التعليمي

هدفت باوهاوس إلى معالجة الانقسام بين الفنون والحرف اليدوية، وإزالة الحواجز الطبقية بينهما. وكان على الطلاب الذين بلغ عددهم 100 طالب أن يتعلموا أن يكونوا على نفس القدرة من الكفاءة في المجالات الفنية المتعددة. كما في تكنولوجيا الإنتاج كذلك، فدرسوا في مناهج متعددة التخصصات. [4]

وقبل قبولهم في ورش العمل، كان على طلاب باوهاوس أن يأخدوا دورة تمهيدية لمدة 6 أشهر في عدة ورش كالنجارة، والمعادن، والفخار، والزجاج الملون، والرسم على الجدران، وغيرها من الفنون. ودُرّست هذه الورش عمومًا بواسطة شخصين، الفنان الذي ركّز على التعليم النظري، والحرفي الذي ركّز على التقنيات والتدريب العملي. [3]

وأصرّ غروبيوس على أن يتقن الطلاب عملية الإنتاج الصناعي من البداية إلى النهاية. بحيث يتم إطلاع حاستهم الفنية على إمكانيات جديدة من خلال التكنولوجيا الحديثة. وشجّعت المدرسة الطلاب على الاتصال مع الشركات الصناعية في جميع أنحاء المدينة. فكان الدافع إلى الإنتاج الضخم وتوحيد المعايير مركزيًا ومهمًا في رؤى المدرسة. [4]

انتقال مدرسة باوهاوس Bauhaus إلى ديساو

أعلن غروبيوس إغلاق مدرسة باوهاوس Bauhaus عام 1925 بسبب تخفيض وزارة التعليم لمنحتها المالية. وكان من الممكن أن تنتهي المدرسة تمامًا لولا العرض الذي جاء من مدينة «ديساو-dessau» الصناعية. فانتقلت باوهاوس إلى مدرسة جديدة صمّمها غروبيوس. وتكوّن المبنى من إطارات فولاذية مع جدران كبيرة من الزجاج، وتميز بالعديد من خصائص العمارة الحديثة. [2][4]

وتُعتبر سنوات انتقال مدرسة باوهاوس Bauhaus إلى ديساو ذروة إنتاجها فبدأ المعماري «مارسيل بروير-marcel breuer» وطلابه بإنتاج كراسي أنبوبية ثورية وخفيفة الوزن. فأصبح القسم مصدرًا قيّمًا ويوفر دخلًا للمدرسة.

واستقال غروبيوس من منصبه، فعُيّن المعماري السويسري «هانيس ماير-hannes meyer» رئيسًا لباوهاوس عام 1928. وتأثر ماير بالاتّجاه اليساري، وبسبب الصراع السياسي في تلك الفترة، طُلب منه الاستقالة بسبب آرائه السياسية التي جعلته في صراع مع سلطات ديساو. وأتى بعده المعماري «لودفيغ ميس فان دير روه- ludwing mies van der rohe » مديرًا للمدرسة عام 1930. فحظر لودفيغ النشاط السياسي وحوّل باوهاوس إلى مدرسة معمارية أكثر تقليدية في محاولة عقيمة لإنقاذها. [3][4]

كيف أصبحت النهاية نقطة بداية؟

سيطر النازيون عام 1931 على حكومة مدينة ديساو وحاربوا الباوهاوس، فأجبروا بعض المعلمين والأساتذة على المغادرة. ونقل نتيجةً لذلك ميس فان دير روه المدرسة إلى مستودع قديم في برلين عام 1932. وأغلِقت في نهاية المطاف عام 1933. [4] وضمنت باوهاوس في النهاية استمرارها، ونجحت بسبب إغلاقها. فهاجر فنانونها إلى بلدان أخرى، ونشروا أفكارهم في جميع أرجاء العالم. [5]

ألهمت أساليب فنانو باوهاوس العديد من الدول وخاصةً أمريكا وبريطانيا. فأسس الفنان «لاسزلو موهلي ناجي-laszlo moholy nagy » باوهاوس جديد، وأعيد تسميته فيما بعد باسم معهد التصميم في شيكاغو عام 1937. [3]

كيف أثّرت باوهاوس على الفنون والحرف؟

رفضت مدرسة باوهاوس Bauhaus تركيز الفنون والحرف على الأشياء الفاخرة التي يتم تنفيذها بشكل فردي. وأدرك غروبيوس أن إنتاج الآلات يجب أن يكون الشرط المسبق للتصميم. وبالتالي الاستفادة من التقدم التقني في الفنون بصورة شاملة. فوجّه جهود المدرسة نحو التصنيع الشامل والمتعدد. على سبيل المثال، فكّر المصممون منذ ذلك الحين بإنتاج أشياء وظيفية ومُرضية من الناحية الجمالية للمجتمع، بدلًا من تصميم العناصر الفردية لنخبة الأثرياء.

واشتركت منتجات باوهاوس في نمط هندسي صارم، ولكن تميز بالأناقة. وعلى الرغم من أن الأعمال المنتجة في الواقع كانت غنية بالتنوع، لكنهم نفذوها مع مراعاة كبيرة للجانب الاقتصادي. فأثّرت أفكارها على المدى البعيد، فحتى الآن تتم إعادة إنتاج منتجاتها على نطاق واسع. وتُدين التصاميم غير المزخرفة، والبسيطة، والأنيقة ذات الاستخدام اليومي بالكثير إلى مبادئ الباوهاوس. [3]

تأثير مدرسة باوهاوس على العمارة

على الرغم من أن غروبيوس كان معماريًا، ولكن لم تنشأ كلية الهندسة المعمارية إلّا بعد 8 سنوات من افتتاح المدرسة. فافتقرت المدرسة إلى كلية العمارة عندما فتحت أبوابها ومع ذلك تُعتبر العديد من المباني مثل المنازل الرئيسية في ديساو دليل على أهمية البناء بالنسبة لباوهاوس منذ البداية. [5]

أثّرت الباوهاوس وخاصةً في مرحلة ديساو على عمارة الحداثة بشكل كبير. فأصرّوا على توحيد المعايير والتجارب في التصميم، واهتموا بمفهوم التصميم الصناعي. [4] وبالنسبة لأعضائها لم يكن هناك حاجة إلى التزيين أو الزخرفة أو الاكتظاظ. فيمكن أن تكون المباني أحدث وأفضل دون نسخ أو تقليد مبنى قد سبق وصمّم. حيث يولد الجمال من إيجاد جواب للسؤال: ما هو المفيد؟ فارتبطت مباني الباوهاوس بالوظيفية. [6]

وفي الوقت الحاضر تعني باوهاوس أن التصميم يقتصر على أساسيّاته والاستخدام العقلاني والأنيق للمواد الحديثة والتقنيات الصناعية، إضافةً للوضوح والبساطة وأحادية اللون.[7]

وتميز أسلوبها بزوايا قائمة من الزجاج المكوّن «للجدار الستائري-curtain wall» وهو غلاف خارجي للمبنى الذي تكون جدرانه الخارجية غير إنشائية، فتعزل مستخدمي المبنى عن الخارج، ويمكن صنعه من مواد خفيفة الوزن للتقليل من تكاليف الإنتاج. وتستخدم معها الفولاذ والطوب أو البلوك. فتُنشئ مع بعضها أنماطًا في المباني تتّسم بالكفاءة والعقلانية.

وركّز التعليم فيما بعد بشكل أقل على الوظيفة وأكثر على التجريد، لذلك تأثر الفن المنتج بالتعبيرية والمستقبلية إلى جانب أسلوبها الهندسي الذي يشبه قليلًا التكعيبية في بعض الأحيان. [8]

مصنع فاغوس في ألفيد، ألمانيا

يعتبر مصنع فاغوس للأحذية واحد من أقدم مباني الحداثة. وعُهد به أول الأمر إلى المهندس إدوارد فيرنر، ولكن نجح غروبيوس بإقناع صاحب المصنع بأنه يجب أن ينفذ كمشروع فني. إذ شعر غروبيوس أن التصميم الخارجي للبناء يجب أن يكشف عن وظيفة المبنى. وهذا يماثل مبدأ لويس سوليفان رائد مدرسة شيكاغو، الذي عبّر عنه بمقولته الشهيرة “الشكل يتبع الوظيفة”. وأشار غروبيوس لأهميّة تحسين ظروف العمل من خلال زيادة ضوء النهار والهواء النقي، اللذين يؤدّيان إلى زيادة رضى العمّال وبالتالي زيادة الإنتاج الكلّي.

والتزم غروبيوس ومعاونه أدولف ماير بمخططات فيرنر، وركّزوا على التصميم الخارجي والداخلي للمصنع. فاستخدم غروبيوس الطوب الداكن بارتفاع 40 سم، الذي ابتعد 4 سم عن الواجهة، مرارًا وتكرارًا في جميع أنحاء المجمّع.

صورة لجزء من مصنع فاغوس من تصميم فالتر غروبيوس وأدولف ماير، في ألفيد المانيا.

بينما صمّم مبنى المكاتب على عكس المباني الأخرى، فتميّز هذا الجزء بواجهة زجاجية بدلًا من الجدران التقليدية الحمّالة. واتّخذ غروبيوس قرارًا جريئًا ومبتكرًا بوضع أعمدة الخرسانة المسلحة إلى الخلف من الجدران. فحرر الواجهة، واستطاع بذلك خلق زوايا خارجية زجاجية بالكامل. [9]

مبنى مدرسة باوهاوس في ديساو

تشمل أرض مدرسة باوهاوس Bauhaus في ديساو المدرسة وسكن الطلاب والهيئة التدريسية والمكاتب. واقتبس غروبيوس خطوطه في تصميم المدرسة من شكل مراوح الطائرات، التي صُنعت إلى حد كبير في المناطق المحيطة بديساو. ويتكون المبنى من 3 أجنحة، تتصل جميعها مع بعضها. فمثلًا ترتبط المدرسة مع ورشة العمل من خلال جسر كبير من طابقين، والذي يمثل الإدارة. ووصل غروبيوس المدرسة مع الوحدات السكنية أيضّا ليُسهّل الوصول إلى قاعة الاجتماعات وصالة العروض وقاعة الطعام.

منظور لمجسم يوضح مبنى مدرسة باوهاوس في ديساو من تصميم فالتر غروبيوس

وأظهر غروبيوس مبادئ باوهاوس بتصميمه من خلال إدراج التطورات الإنشائية والتكنولوجية. فتراجعت هنا أيضًا الجملة الإنشائية الحاملة إلى الخلف، لتفسح المجال أمام الجدران الستائرية الزجاجية لتتموضّع كامتداد واحد. وأكدت تلك الواجهات على الطبيعة المكانية المفتوحة للهندسة المعمارية الجديدة. وبالطبع أمكنت هذه النوافذ الواسعة أشعة الشمس من دخول كل المبنى، ولكنها خلقت كذلك تأثيرًا سلبيًا في أيام الصيف الدافئة.

صورة تظهر قسم الإدارة المرفوع على أعمدة وقسم صالة العروض وقاعة الطعام والاجتماعات في مبنى مدرسة باوهاوس .
صورة تظهر الجزء السكني من مدرسة باوهاوس مع شرفاتها الشهيرة.

وكمحاولة لدمج الطلاب في عملية البناء. نفّذت ورشة الطلاء التصميم الداخلي للمبنى بأكمله. وجهّزت ورشة المعادن الإضاءة. وصنعت ورشة الإعلان والطباعة الحروف. [10] فنستطيع القول بأن باوهاوس قد مثّلت تحولًا ملحميًا في كيفية اقتراب الناس من التصميم والفن. وأثّرت إلى الأبد على أنماط العمارة من بعدها.

المصادر

  1. Tate
  2. B.B.c
  3. Britannica
  4. The open university
  5. Arch daily
  6. The gurdian
  7. The gurdian
  8. History
  9. Arch daily
  10. Arch daily

كيف أثر دي ستايل de stijl على العمارة؟

هذه المقالة هي الجزء 5 من 13 في سلسلة كيف نشأت الحداثة وغيرت من شكل المعمار في عصرنا؟

تربط دائمًا علاقة بين الشكل والمحتوى في التصميم والفن، وبعبارة أخرى قدرة الشكل على تجسيد مفاهيم وأفكار التصميم. ونشأت «دي ستايل-de stijl» كحركة أثّرت في الفنون عمومًا، وتصميم الأثاث، والهندسة المعماريّة. وسلّطت الضوء على الاندماج بين الشكل والمحتوى. وسعت إلى تحقيق التوازن والوئام، بحيث تنطبق أفكارها على الفن والحياة. [1]

نشأة طراز دي ستايل de stijl

نشأ طراز دي ستايل de stijl في هولندا عام 1917 ويحتلّ دورًا مركزيًا في تاريخ الفن والعمارة الحديث. ويعد مزيج من أفكار وأهداف مجموعة صغيرة من الفنّانين والمهندسين المعماريين والمنظّرين الهولنديين. [1]

ويعتبر دي ستايل استجابة لفوضى الحرب العالميّة الأولى. ويعتقد الكثير من الباحثين أنّه وقف ضدّ الفن الزخرفي «أرت ديكو-art deco» الذي هيمن على التصميم الغربي في ذلك الوقت. بينما تأثّر بالفن التكعيبي، ودعا إلى النقاء النسبي للأشكال والفن التجريدي. [2]

ويعتبر الرسّام «بيت موندريان-piet Mondrian» والفنّان «تيو فان دوسبورخ-theo van doesburg» والمعماري «غيريت ريتفيلد-gerrit rietveld» من أبرز روّاد طراز دي ستايل.

كما شارك دوسبورخ أفكار موندريان الصارمة، وأطلقوا مجلّة دوريّة 1917-1932 والتي وضعت نظريّات ومبادئ طراز دي ستايل. [3]

ما هي مبادئ دي ستايل de stijl ؟

عبّر دوسبورخ عن عناصر دي ستيل عندما قال بأنّه لا يوجد شيء أكثر واقعيّة من اللون، والخط، والسطح. [2]

وصاغ موندريان مصطلح Neoplasticism ليعبّر عن رغبته بتحرير وتجريد العمل الفني من التمثيلات الرمزيّة للواقع. وأراد تقديم رؤيته الحقيقيّة للواقع في لوحاته. ومن وجهة نظره، لم يعد عليه أن يعتمد على الطبيعة في البدء باللوحة. وبدلًا من ذلك، يستطيع أن يستخدم القواعد المجرّدة في الهندسة والألوان. واعتبر هذه اللغة الأكثر فعّالية لنقل رسالته الروحيّة.

وتألّفت لوحات موندريان الأولى من مستطيلات بأشكال ناعمة من الألوان الأساسية (الأصفر، والأحمر، والأزرق). والتي رسمها على خلفيّة بيضاء ومن دون استخدام الخطوط. إلّا أنّه أعاد الخطوط لاحقًا إلى لوحاته، وربط مستويات (سطوح) الألوان بعضها ببعض، وبالخلفيّة أيضًا. من خلال سلسلة من الشرائط السوداء العموديّة والأفقيّة.

Composition with Yellow, Blue, and Red لموندريان

وبالتالي، تكوّنت لوحات موندريان التي تنتمي للفن التجريدي من مستطيلات وخطوط مستقيمة تتقاطع في زوايا قائمة، من أجل تشكيل الإيقاع البصري المجرّد الخاص بها. [4]

بم تميّزت عمارة دي ستايل de stijl ؟

صمّم معماريو دي ستايل مبانيهم على أساس المبادئ التي وضعها الفنّانون المؤسسون، وبالتالي استطاعوا تحويل اللوحات إلى تكوينات ثلاثية الأبعاد تعكس أفكارهم. وعمومًا يبدأ المبنى بصندوق، ومن ثمّ يقوم المعماريّون بتجزئته وتقطيعه ليتشكّل التكوين النهائي. وتندمج الأجزاء (الجدران والأرضيّات) لصنع الشكل العام المتكامل للمبنى. وغالبًا ما يتم طلاء بعض الجدران بالألوان الأساسيّة لتتكوّن السطوح المميّزة لدي ستايل. إلّا أنّه تعتبر هذه الأجزاء أقل أهميّة من الكل، أي من الشكل العام النهائي. أمّا بالنسبة للمساقط، فاعتمد المعماريّون على المساقط المفتوحة في تصميمهم. [5]

ومن ضمن معماريي دي ستايل «يعقوب أود-jacobus oud»، والذي تميّزت مبانيه بتناقضات دقيقة لخطوط أفقيّة ورأسيّة. إذ استخدم جدران طويلة مستقيمة تلتفّ أحيانًا في زوايا مستديرة بسلاسة، لتتشكّل وحدات بناء محاطة بحيّز مفتوح. وحقّقت الأشكال المستقيمة والدائريّة المبسّطة توازنًا على الرغم من ترتيبها غير المتماثل. [6]

Gallery house صممه المعماري يعقوب أود في مقاطعة سكنية في شتوتغارت المانيا

المساقط المفتوحة في عمارة دي ستايل de stijl

يزيل معماريو دي ستايل الحدود الفاصلة بين الخارج والداخل عن طريق فتح الجدران. كما يقضون على الحدود المكانيّة في الفراغ الداخلي من خلال تقسيمه باستخدام الجدران (القواطع) المتحرّكة. [5] ممّا يجعل مسقط المبنى مفتوح، فيكسبه صفة المرونة لأنّه يسمح يتحريك الجدران وبالتالي خلق غرف تختلف مساحاتها حسب الحاجة. وبذلك نجحوا في إلغاء الترتيبات الهرميّة للغرف في مخطّطات الطوابق. [2]

مقهى «الموهبة- l’Aubette» في فرنسا

يختفي مقهى الموهبة خلف واجهة باروكيّة تعود إلى القرن الثامن عشر في ستراسبورغ، في فرنسا. ويعدّ تعبير غير متناسق على نحو مذهل من حركة دي ستايل في عشرينيات القرن الماضي. وقد بُني المقهى عام 1767 بتكليف من الحكومة الفرنسيّة لبناء مبنى يعكس أحدث طراز في ذلك الوقت. وأعيد تصميمه داخليًا من قبل دوسبورخ بمساعدة الفنّان «هانز آرب-hans arp» وزوجته «صوفي تايوبير آرب-sophie taeuber arp». وسعى دوسبورخ إلى القيام بأكثر من مجرّد وضع المشاهد أمام لوحة له، بل أراد تطويقه بها.

وعلى الرغم من أن دوسبورخ وهانز وصوفي عملوا ظاهريًا كفريق واحد، ولكن عمليّة تصميمهم الفعليّة كانت مفكّكة على نحو يثير الدهشة. فيلاحظ المشاهد بأنّ الغرف قد صُمّمت من قبل فنانين مختلفين مع القليل من التعاون المنظّم. ممّا سمح لأنماطهم الشخصيّة بتشكيل فراغات المبنى.

ففي حين عكس عمل هانز وصوفي مشاركتهم السابقة في حركة دادا. نفّذ دوسبورخ تصميمه بطريقة مستقيمة متعامدة، وغطّى الجدران بشبكات كبيرة من المستطيلات الملوّنة. وقد ركّز بعمله التصميمي على استخدام اللون كوسيلة لتفعيل الفراغ، ويعتقد أنّ هذا ساعد المشاهدين على تقدير الشكل المجرّد بشكل أفضل. ولكنّه لم يتقيّد بشكل صارم بمبادئ دي ستايل عندما لم يناسبه ذلك. فلذلك كسرها من أجل خلق المزيد من المساحات الديناميكيّة والتعبيريّة. ومن الأمثلة على ذلك قاعة الرقص، حيث تميل مستطيلات دي ستايل بزاوية 45° ممّا يخلق جذبًا بصريًا مع اتجاه الأبواب والنوافذ. [7]

لقطة داخلية في مقهى الموهبة من تصميم تيو فان دوسبورخ

منزل «شرودر-shroder» في هولندا

صمّم المعماري ريتفيلد منزل شرودر في أوترخت، في هولندا عام 1924. وتجعل مرونة التصميم وأشكال الزوايا والخطوط المنزل فريدًا ومميّزًا. إذ يجسّد أفكار دي ستايل عبر تصميم الجدران في الطابق العلوي بحيث تكون قابلة للطي حول درج مركزي. وقد صمّمها كذلك ليزوّد أطفال شرودر بخيار فتح الغرف على بعضها من أجل تشكيل مساحة لعب مفتوحة وكبيرة. بينما يستطيعون إغلاقها ليلًا لتشكيل غرف نومهم الخاصّة.

وحدّدت السيّدة شرودر 3 معايير حول غرف أطفالها، أوّلًا يجب أن يسمح موقع السرير ليكون في موضعين مختلفين من الغرف. وثانيًا ينبغي أن توجد إمكانيّة للوصول إلى الحمّام من كل غرفة خاصّة. وأخيرًا ينبغي أن تحوي كل غرفة على باب يصلها بالهواء الطلق مباشرةً. وكنتيجة لذلك خطّط ريتفيلد هذا النوع من التفاصيل بشكل جيّد ودقيق. واعتمد على النسبة الذهبيّة أو شكل المربّع في تصميم الفراغات. واستخدم الألوان لتمييز المساحات أو الوظائف المختلفة أثناء طي الجدران. واختار اللون الأسود لطلاء الباب الأمامي باعتباره أكثر استخدامًا وبالتالي سيصبح سهل الاتّساخ.

منزل شرودر من الخارج من تصميم ريتفيلد
جزء من منزل شرودر من الداخل.

واعتمد بلاطات من الخرسانة المسلّحة لبناء الهيكل الرئيسي للمنزل مع عوارض من الفولاذ، وصنع الجدران من الطوب ثمّ طلاها. واختار الخشب لتشكيل إطارات النوافذ والأبواب والأرضيّات. وبالإضافة إلى ذلك، فقد صنع مفاصل النوافذ بحيث تُفتح فقط بزاوية 90° إلى الجدار وذلك للحفاظ على معايير تصميمه الصارمة. [8]

ما جعل منزل شرودر رمزًا لحركة دي ستايل هو نهجه الفريد في التصميم وتكوين الفراغات، فقد نجح هذا التكوين الثلاثي الأبعاد في عكس مفاهيم ومبادئ دي ستايل وحقّق أهدافها عبر سعيه للوصول إلى النقاء والتجريد ليس بالفن فقط بل في الحياة ككل أيضًا.

المصادر

  1. Research gate
  2. Arch daily
  3. Britannica
  4. Britannica
  5. Tylor and francis
  6. Britannica
  7. Arch daily
  8. Arch daily

كيف صنع حريق ضخم مدرسة شيكاغو المعمارية المميزة؟

هذه المقالة هي الجزء 2 من 13 في سلسلة كيف نشأت الحداثة وغيرت من شكل المعمار في عصرنا؟

عندما تشاهد صور لمدينة دبي، فأوّل ما يلفت انتباهك هو ناطحات السحاب التي تكاد تلامس السماء. فهل تساءلت يومًا كيف بدأ كلّ هذا؟ حسنًا، بدأ كلّ شيء في شيكاغو، تلك البلدة التي بدأت بعدد سكّان يبلغ 200 نسمة فقط. ونمت لاحقًا لتصبح موطنًا لأكثر من مليون ونصف بحلول نهاية القرن 19. وتشتهر شيكاغو بهندستها المعماريّة المتنوّعة، ويعود الفضل بتطوّرها وازدهارها إلى مدرسة شيكاغو المعمارية. وساد اتّجاه مدرسة شيكاغو في أواخر القرن 19، وأثّر بشكل فعّال على العمارة من بعده. ويعود له الفضل بتأسيس عمارة ناطحات السحاب.

حريق شيكاغو الذي غيّر كل شيء

اجتاح حريق هائل شيكاغو على طول 6.44 كم واستمرَّ من 8 إلى 10 أكتوبر عام 1871. فقتل 300 شخص وشرّد حوالي 100 ألف شخص، ودمّر 17,500 مبنى وتقريبًا ثلث المدينة. وساعد الطقس الجاف وكثرة المباني الخشبيّة على انتشار الحريق. فقد بُنيت المباني في أغلب الأحيان بطبقة واحدة من المواد المقاومة للحريق من الخارج، بينما أخفت الهيكل الخشبي تحتها. مثل مبنى محطّة المياه في شارع pine فقد استبدلوا سابقًا ألواح السقف الخشبيّة بمادة «الأردواز-slate» وهي نوع من الصخر الصفائحي. ولكنّهم تركوا الهيكل نفسه من خشب الصنوبر. وعندما ضربت جمرة حارقة السقف في الساعات الأولى من الحريق، تدمّرت المحطّة التي كانت المصدر الرئيسي للمياه لإدارة الإطفاء في المدينة. [1][2]

إعادة إعمار مدينة شيكاغو

بدأ بناء مدينة شيكاغو على الفور. وأحيانًا كان يبدأ البناء حتّى قبل أن يكمل المهندس المعماري والإنشائي التصميم. وصدرت قوانين جديدة بعد الحريق فرضت استخدام مواد بناء مقاومة للحرائق مثل الطوب والحجر والرخام وغيرهم. فتلتصق مواد البناء هذه بمادة لزجة وقويّة تدعى الملاط، وتدعى هذه التقنيّة «البناء-masonry». ويشمل مصطلح البناء العديد من المواد وأنواع البناء المختلفة. مثل الحجر الطبيعي وكذلك الوحدات المصنعة من الطوب الطيني، والكتل الخرسانية، والحجر المصبوب، والبلاط الطيني الهيكلي، والطين، والكتل الزجاجية وكلها مواد بناء. ولكن لم يتحمّل السكان الفقراء تكلفة البناء الجديدة.

وأدّى حدثان مختلفان إلى توقّف هذه المرحلة من إعادة الإعمار. الأوّل إفلاس بنك عام 1873 فأحدث بدوره كساد وطني، ممّا أدّى إلى توقّف العديد من أعمال البناء. والثاني هو نشوب حريق أصغر عام 1874 ودمّر أكثر من 800 مبنى. فبدأت عمليّة إعادة البناء البطيئة والمكلفة، فتشكّل تحدي جديد واجهه مهندسو شيكاغو. [2]

عوامل ساعدت مهندسي مدرسة شيكاغو

لطالما عاش المعماريّون في أفكارهم، فهم دائمًا في حالة بحث وتفكير لإحداث فارق وبصمة في المدن. وأدّت الأحداث المتسارعة في شيكاغو إلى انشغال المهندسين بتخطيط مدينتهم على شبكة جديدة، وتصميم مباني تعكس أفكارهم الحديثة.

ولعبت الثورة الصناعيّة دورًا مهمًا، إذ كان قد أحدث اختراعان ثورة في الهندسة الإنشائيّة. فقد صنع إليشا أوتيس المصعد، وعرضه لأوّل مرّة في نيويورك عام 1854. كما اختُرع جهاز إنجليزي يسمح بإنتاج كميّات كبيرة من الفولاذ عالي الجودة ومنخفض التكلفة عام 1856. [3]

وظهرت مادّة بناء تدعى «تراكوتا-terra cotta» وهي من أنواع الطين المحروق. استُخدمت للنحت والبناء كمادّة خزف من الصلصال المزجّج أو غير المزجّج. وانتشرت سريعًا كمادّة شعبيّة وفعّالة بحلول منتصف الثمانينيات. [2]

وساعدت هذه العوامل المهندسون على إعادة الحياة إلى مدينتهم، وأصبحوا قادرين على ابتكار تقنيّة إنشائيّة تسمح ببناء مبنى مرتفع. فقد اعتُبر أقصى ارتفاع لمبنى هو 5 طوابق حتّى منتصف القرن 19. ولكن هذا لم يوقف مهندسو مدرسة شيكاغو. [3]

نشأة اتّجاه مدرسة شيكاغو

عمل المعماريون في شيكاغو وفق المعطيات الجديدة لتلبية احتياجات رجال الأعمال والتجار. وفضّل هؤلاء المظهر العادي وذلك لأنّ وضع الزخارف الفخمة يكلّف المزيد من الأموال. ودعت الحاجة لبناء المزيد من المباني التجاريّة إلى التفكير بالتوسّعات العموديّة أي المباني الشاهقة. وأصبح هذا الأسلوب معروف باسم مدرسة شيكاغو.

وقد تشترك مباني مدرسة شيكاغو ببعض السمات التي تجعلها تبدو موحّدة في الماضي، ولكنّ الحقيقة هي أنّها أظهرت تنوّعًا كبيرًا أيضًا. ممّا أحدث جدلًا حول تسميتها. وقد تدعى أحيانًا أعمالها الأولى باتجاه «النمط التجاري-commercial style». ويعتبر «لويس سوليفان-louis Sullivan» و«وليام لي بارون جيني-william le baron jenny» و«دانيال بورنهام-daniel burnham» و«دانكمار أدلر-dankmar adler» من روّاد مدرسة شيكاغو. [2][4]

مبنى التأمين المنزلي أوّل ناطحة سحاب في العالم

عندما نقلت شركة نيويورك للتأمين المنزلي أعمالها إلى شيكاغو، تحدّوا المجتمع المعماري للتوصّل إلى تصميم يجلب الضوء الطبيعي إلى جميع أجزاء المبنى. فجاء وليام لي بارون جيني بالحل، وكان الفولاذ. [2]

فصمّم جيني المبنى بارتفاع 42م، وبعشرة طوابق واكتمل عام 1885. وأصبح ب 12 طابق بعد 7 سنوات، ممّا جعل ارتفاع المبنى النهائي 54.9م. [4]

وابتكر جيني تقنيّة إنشاء جديدة، إذ جعل المبنى محمول من قبل هيكل من الحديد واستخدم عوارض فولاذية. بدلًا من البناء بطريقة الجدران الحمّالة التقليديّة. فسمح الهيكل الصلب ببناء نوافذ أكبر من كل جانب من المبنى. وصُنعت الأقسام بين المكاتب من الطوب والتراكوتا. ولم تبق الحاجة لبناء جدران سميكة. فأصبح المبنى يزن حوالي ثلث المباني المصنوعة من الطوب أو الحجر. فأثار ذلك في البداية القلق لدى مسؤولي المدينة. فهل كلّ هذا المبنى الطويل بهذا الوزن الخفيف فقط؟

وحدّد هذا المبنى وتيرة عمل اتجاه مدرسة شيكاغو فيما بعد. ولكن للأسف لا نستطيع رؤية هذا المبنى اليوم، فقد هدِم عام 1931. وحلَّ محلّه برج من طراز «أرت ديكو-art deco» وتكوّن من 54 طابق.  [3][5]

مبنى التأمين المنزلي في شيكاغو. صممه وليام لي بارون جيني

كيف نميّز بناء يعود لطراز مدرسة شيكاغو؟

تشترك مباني مدرسة شيكاغو ببعض السمات التي تجعلنا نتعرّف عليها ومنها:

  • يُشبَّه المظهر العام للمبنى بهيكل العمود الكلاسيكي. فتعتبر الطوابق السفلى بمثابة قاعدة العمود والتي أعطوها مظهر خارجي مختلف، وعادةً ما تضمّ المزيد من الزجاج. بينما تعمل الطوابق الوسطى المتكرّرة كجسم العمود. وأخيرًا الطابق الأخير الذي يمثّل تاج العمود، ووتوضع في أعلاه الزخارف والكورنيشات والأفاريز.
  • تَستخدِم جميع المباني نظام إنشائي موحد، فالبناء بالهيكل الفولاذي يسمح بزيادة الارتفاع. وصنعوا حديد الهيكل ليكون مقاومًا للحرائق.
  • استخدام طريقة masonry للبناء والتراكوتا والتي تُظهِر القليل من الزخرفة وتفسح المجال للنوافذ السطحيّة الكبيرة.
  • اتّبع تصميم النوافذ نظامًا يكفل دخول الضوء والتهوية. فتألّفت النافذة النموذجيّة من لوح زجاجي كبير وثابت، ويوجد لوحان زجاجيّان أصغر بجواره. وتتكرّر هذه النوافذ عادةً في جميع أنحاء المبنى وتخلُق شبكة منتظمة. واستخدموا أحيانًا نوافذ أوريل، وهي نوافذ تبرز قليلًا عن الجدار نحو الخارج. [4]

أمثلة لمبان شهيرة على طراز مدرسة شيكاغو المعمارية

مبنى القاعة Auditorium building

ويعتبر هذا المشروع مزيج غريب من فندق ومكاتب وُضِعت على شكل حرف U حول قاعة الأوبرا. وقد صمّم المبنى لويس سوليفان ودانكمار أدلر، وانتهى بناؤه عام 1889. وارتفع المبنى 10 طوابق مع برج من 17 طابق، من الجرانيت والحجر الجيري. وتميّز مظهره بالبساطة الشديدة مع قليل من الزخرفة والأقواس. بينما أظهر سوليفان موهبة في الزخرفة من الداخل. واستلم أدلر الجوانب الإنشائيّة والميكانيكيّة للمبنى مع التصميم الصوتي الفعّال للأوبرا. [6]

مبنى القاعة ويقع في شيكاغو

مبنى وينرايت Wainwright building

يعد المبنى من أهم ناطحات السحاب التي صمّمها سوليفان وأدلر. فلم يهتم جيني وغيره من المعماريين بالتعبير البصري عن ارتفاع مبنى شاهق، على عكس ما فعله سوليفان. ونستطيع ملاحظة التركيب الثلاثي لأجزاء العمود في المبنى. فشكّل الطابقان السفليان القاعدة، واهتمّ بمظهر الطوابق المتكرّرة فأزاح النوافذ قليلًا إلى الداخل لتبرز عنها الأعمدة والعوارض. ونقش زخارف على أجزاء التراكوتا، وغطّى إفريز زخرفي عميق وكورنيشة بارزة نهاية الطابق الأخير من المبنى. [6][7]

مبنى وينرايت ويقع في ولاية ميزوري

مبنى جواراناتي Guaranaty building

يقع المبنى في نيويورك، ويتكون من 16 طابق. صمّمه سوليفان وأدلر، ويشبه مبنى wainwright building ولكنّ سطحه مغلّف بالتراكوتا بدلًا من الطوب الأحمر. [6]

مبنى جواراناتي ويقع في نيويورك

مبنى الاعتماد Reliance building

يقع المبنى في شيكاغو وصمّمه المعماري جون روت. وأحدث المعماري أتوود إضافات عليه، وانتهى المبنى عام 1895 ويعتبر المبنى مثيرًا للإعجاب بسبب مساحات الزجاج الكبيرة التي غطّت الواجهة. ممّا يجعله بذلك أقرب ما يكون لناطحات السحاب الحاليّة. [4]

مبنى الاعتماد ويقع في شيكاغو، وتظهر فيه نوافذ أوريل.

المصادر

  1. History
  2. National geographic
  3. BBC
  4. Arch 2o
  5. Britannica
  6. Britannica
  7. Arch daily
Exit mobile version