ماذا يقصد بالمدينة السياحية الذكية؟

هذه المقالة هي الجزء 10 من 18 في سلسلة كيف ستغير المدن الذكية من شكل عالمنا؟

تغيرت طرق بناء المدن العالمية مع النمو المتفجّر للتقنية، وانعكس ذلك بدوره على السياحة. وبدأت العديد من الدول بالفعل بتطوير وتأسيس مدن سياحية ذكية؛ على سبيل المثال: مدينة أمستردام، وسنغافورة، وبرشلونة، ونيويورك، وسول. فما هي المدينة السياحيّة الذكيّة، وكيف تغيّر شكل السياحة حول العالم؟

ما هي المدينة السياحيّة الذكيّة؟

تستخدم المدن الذكية التقنيات الذكية والإنترنت لتحسين جودة حياة الأفراد، وتحقيق الاستدامة، والتنمية الاقتصادية، وإدارة الموارد بكفاءة. ويختلف تعريف السياحة الذكية اعتمادًا على سياق الدراسات، ووجهات نظر أصحاب المصلحة. لكن عمومًا تعد «المدينة السياحية الذكية- Smart tourism city» جزءًا من المفهوم الأوسع للمدن الذكية، وتجمع بين مبادئ المدن الذكية، والاحتياجات والخصائص المحدّدة للوجهات السياحيّة. وتهدف إلى تعزيز التجربة السياحيّة، وجذب الزوّار، وتحسين نوعيّة الحياة لكل من السيّاح والمواطنين على حد سواء.[1]

تأثير كوفيد-19 على السياحة

تواجه المدن السياحيّة مشكلات وقضايا ناجمةً عن أزمات وأوضاع غير مسبوقة. بسبب ذلك تسعى باستمرار إلى صنع طرائق من أجل التكيُّف والتصدّي للمخاطر المحتملة، مثل الإرهاب، والكوارث الطبيعية، والأمراض المعدية. على الرغم من ذلك أحدث فيروس كورونا (COVID-19) أزمةً غير مسبوقة من قبل.[2] إذ أحدثت السياحة سابقًا آثارًا اقتصاديةً هائلةً، واعتبرت وسيلةً لتخفيف حدّة الفقر في بعض البلدان النامية.

لكنّ حظر السفر بالكامل تقريبًا في أعقاب إعلان الوباء من قبل منظمة الصحة العالمية تسببّ في تلاشي الازدهار الاقتصاديّ الناشئ عن السياحة.[3] نتيجةً لذلك بدأت الجهات المعنية بإيجاد حلول بديلة لمواجهة الواقع الحالي، مثل الجمع بين المدن الذكيّة والسياحة الذكيّة لتشكيل نظام بيئيّ سياحيّ ذكيّ. يسبب الجمع آثارًا اقتصاديةً يمكن أن تنتشر على نطاق واسع إقليميًّا وصناعيًّا. وقد تصنع المدن حلًا لإعادة فتح السياحة والاقتصاد عن طريق تأمين القدرة التنافسيّة كمدينة سياحية ذكية.[4]

على سبيل المثال؛ يمكن استعمال الروبوتات لتقليل الاتصال البشريّ بين الزبائن (السيّاح)، والموظفين (المواطنين)، بالتالي يساهم ذلك في الحد من انتشار الفيروس.[5] كذلك يمكن أن يزيد الواقع الافتراضيّ رغبات وتوقعات المسافرين المحتملين لزيارة الوجهة بالعالم الواقعيّ.[6]

كيف تختلف المدينة السياحية الذكية عن المدينة السياحية التقليدية؟

تختلف المدينة السياحية الذكية عن المدينة السياحية العادية في أنها تستعمل التقنيات الحديثة لتحسين كفاءة وإدارة الأعمال السياحية، وتعزيز تجربة الزوّار. وتستطيع جذب المزيد من السياح، وتعزيز النمو الاقتصادي في نفس الوقت. وفيما يلي بعض الميزات التي تمنحها:

  • التوصيات ذات الطابع الشخصي، إذ تستخدم المدن «البيانات الضخمة- Big data»، وخوارزميات الذكاء الاصطناعي لتقديم اقتراحات متعلقة بخطط السياحة الذاتية للأفراد. وتقدم أيضًا توصيات أكثر فعاليةً وعمليةً، مما يساعد السياح وخاصةً من يخطط رحلته بنفسه على التخطيط بشكل أفضل، والاستفادة من الوقت إلى أقصى حد في المدينة.[7]
  • مراقبة مستمرة، تستعمل المدن تقنيات مثل أجهزة الاستشعار و«إنترنت الأشياء- IoT » لمراقبة التدفّقات السياحية، من ثم يمكن تعديل الخدمات وفقًا لذلك. على سبيل المثال؛ تكشف المستشعرات الاكتظاظ في الأماكن السياحية الرائجة، ويمكن بعدها إعادة توجيه الزوار إلى المناطق الأقل ازدحامًا.[8]
  • «الواقع المعزز– Augmented reality » قد تستفيد المدن من الواقع المعزز لتعزيز تجربة الزوار. على سبيل المثال؛ تستخدم مدينة قرطاجنة في كولومبيا إنترنت الأشياء IoT والواقع المعزز لتزويد السياح بمعلومات حول المتاحف، والمعالم الأثرية، وغيرها من المواقع المثيرة للاهتمام في المدينة.[9]
  • تكامل وسائل التواصل الاجتماعي، تعد وسائل التواصل الاجتماعي عنصرًا مهمًا للسياحة الذكية، حيث توفّر منصّةً لتلبية احتياجات جميع أصحاب المصلحة بما في ذلك السياح، والوجهات السياحية، والزوار المحتملين.[10] على سبيل المثال: اقتارح زيارة مطعم ما بعد رؤية صورة لوجباته عبر تطبيق فيسبوك.
  • الاستدامة، تستطيع المدن السياحيّة الذكيّة استخدام التقنيات لتحسين تنمية الاستدامة. على سبيل المثال؛ يمكن استعمال تقنيات ذكية لتحقيق الاستخدام الأمثل للموارد مثل الطاقة، والمياه، والنقل.[8]

ما هي المؤشرات الأساسية المستخدمة لتقييم القدرة التنافسية للمدينة السياحية الذكية؟

يقيّم الاتّحاد الأوروبي EU سنويًا عواصم السياحة الذكية المتميزة اعتمادًا على 4 فئات، وهي: إمكانية الوصول، والاستدامة، والرقمنة، والتراث الثقافي والإبداع. وتعكس هذه الفئات العناصر الأساسية التي يتطلّب وجودها في المدينة السياحة الذكية.[11] يمكن أن تضع جهات أخرى عناصر مختلفةً لتقييم المدينة السياحية الذكية، فمثلًا؛ أجرت منظمة سول السياحية تقييمًا لـ 12 مدينةً وفقًا لـ5 فئات، وهي: الجذب، وإمكانية الوصول، والاستعداد للرقمنة، والاستدامة، والشراكة التعاونية.[12]

تُعتمد بشكل عام بعض المؤشّرات الأولية لتقييم القدرة التنافسية للمدن السياحية، ومنها:

  • البنية التحتية الحضرية، وتشمل جودة وتوافر النقل، وشبكات الاتّصالات، وغيرها من البنية التحتية المادية الداعمة للأنشطة السياحية. ويجب أن تمتلك المدن عمومًا بنية تحتية كافية لكل الأشخاص بغضّ النظر عن العمر، أو الجنسية، أو القدرة البدنية.
  • التنمية الاقتصادية للسياحة، وتشمل مستوى الاستثمار في الأعمال ذات الصلة بالسياحة، وعدد السياح، والإيرادات، التي تحققها الأنشطة السياحية.
  • الدعم التقني، يتضمّن توافر واعتماد التقنيات الرقمية مثل الأجهزة الذكية، وتحليل البيانات، لتعزيز التجربة السياحية.[13][14]
  • الاستدامة البيئية، تتضمّن النظر في العوامل البيئية مثل نوعية الهواء، وإدارة النفايات، وكفاءة الطاقة من أجل تطوير وإدارة الوجهات السياحية المقصودة.
  • القدرة الإقليمية على الابتكار، وتشمل قدرة الوجهة السياحية على تشجيع الابتكار، واعتماد تقنيات جديدة باستمرار لتعزيز التجربة السياحة وهياكلها الأساسية.[13]

ويمكن تقسيم هذه المؤشّرات الأولية إلى مؤشّرات ثانويّة مثل عدد مستخدمي الهواتف المحمولة، والإنترنت في المناطق الحضرية. والتي بدورها يمكن استخدامها لإجراء تقييم كميّ للقدرة التنافسيّة للمدن السياحية. إضافةً إلى ذلك، قد تختلف المؤشّرات المحددة ونتائجها تبعًا لسياق التقييم وأهدافه.[14]

تحديّات وصعاب تواجه السياحة الذكية

قد يشكل تطبيق السياحة الذكية في المدن تحديات بسبب عوامل مختلفة، ومنها:

  • الخصوصية، يثير جمع، وتحليل البيانات مخاوف تتعلّق بالخصوصية لدى السياح، والسكان المحلّيين على حدّ سواء.
  • جودة البيانات ودقّتها، قد تتأثّر جودة البيانات التي تجمع بسبب عوامل متنوعة مثل الطقس، والاتصالات الشبكية، والكوارث الطبيعية.
  • المورّدون، قد تعتمد المدن على بائع واحد فيما يتعلق بهياكلها الأساسية للسياحة الذكية، الأمر الذي يمكن أن يحد من قدرتها على الابتكار والتكيُّف. [15]
  • نقص البنية التحتية، قد يشكل تنفيذ ممارسات السياحة الذكية في المناطق النائية تحديًا بسبب نقص البنية التحتية، والوعي لدى المواطنين.
  • النجاح والوعي، يعتمد نجاح المدينة السياحية الذكية على تعليم وتوعية السياح والسكان المحليين بالتقنيات المستخدمة.[16]
  • التكلفة، تطبيق التقنيات الذكية يكلّف مبالغ كثيرةً، وقد تكافح المدن لتبرير هذه التكلفة.[17]

دبي كمدينة سياحية ذكية

تعد دبي مدينةً سياحيةً ذكيةً، تدعم التقنيات الحديثة وتمزجها مع العمل، والترفيه، والسفر. وتيسّر طرقًا جديدةً لإدارة التدفّقات السياحية من أجل تقديم خدمات أفضل، ونماذج إعلانية مبتكرة، ومشاريع تعاونية جديدة. فمثلًا طوّرت دبي تطبيقًا يقدّم خدمات متعلقة بالسياحة والخدمات الجغرافية، التي تشجع الزوار على السفر حول المدينة، وتقليل الجهد والوقت اللازم لتنظيم الرحلات. ويوفر التطبيق إمكانية الوصول إلى ميزات مثل دليل السفر التفصيلي، ومسارات السفر، وشعبيّة النقاط الهامة، وساعات فتح وعمل الوجهات وأماكنها. علاوةً على ذلك، يزوّد التطبيق المستخدمين بالخرائط المفصلة، والملاحية، وأيضًا طريقة الوصول إلى الموقع بواسطة النقل العام. نتيجةً لذلك، يوفر التطبيق معلومات غنيةً ومتعمقةً عن الوجهات المقصودة.[18]

المتاحف الذكية

نفذت بعض الدول مثل إسبانيا وبولندا تقنيات المتحف الذكيّ لتحسين تجربة الزوار، وتطوير السياحة. حيث توفر هذه التقنيات طرقًا جديدةً للتفاعل مع الأعمال الفنية المعروضة، وزيادة فهمهم وتقديرهم للمتحف. مثلًا يطرح المتحف تطبيقًا على الهاتف يوفر للقادمين معلومات يوميةً عن المتحف كساعات العمل، والأحداث، والمعارض المقبلة. وقد يطبق المتحف أيضًا الواقع الافتراضي، إذ يمكن إنشاء جولة افتراضية تسمح للقادمين استكشاف المتحف، وتوفر تجربةً فريدةً حيث تعرض الأعمال الفنية في سياقات مختلفة.[19]

تتنافس المدن كل سنة على جذب المزيد من السياح، وتسعى إلى جعل رحلة الأفراد زيارةً مثيرةً، وممتعةً، وغريبةً. فهل تحلم بزيارة مكان ما حول العالم في أحد الأيام؟

المصادر

  1. Semantic scholar
  2. Springer link
  3. ResearchGate
  4. MDPI
  5. Science Direct
  6. Science Direct
  7. Taylor & Francis
  8. Semantic scholar
  9. Semantic Scholar
  10. Longdom
  11. European capital of smart tourism
  12. springer link
  13. ACM
  14. Semantic Scholar
  15. Semantic scholar
  16. IEEE
  17. semantic scholar
  18. ResearchGate
  19. MDPI

برج إيفل وكل ما تحتاج معرفته عنه

برج إيفل وكل ما تحتاج معرفته عنه

يمثل برج إيفل (Eiffel Tower – La Tour Eiffel) أحد أشهر المعالم السياحية في فرنسا والعالم. تربع لمدة أربعين عاماً على عرش أطول برج في العالم، ومنذ افتتاحه في عام 1889، لاقى نجاحاً منقطع النظير رغم كل الاعتراضات التي واجهت فكرة بنائه.

أين يقع برج إيفل؟

يا لسهولة هذا السؤال! ومن لا يعرف أن برج إيفل هو أبرز المعالم الفرنسية، والباريسية على وجه الخصوص؟ لكننا سنقرب عدسة الكاميرا أكثر لنتعرف على موقع هذا المَعلَم بالتحديد، ونلقي نظرة على المنطقة المحيطة به.

في الدائرة السابعة شمال غرب العاصمة الفرنسية، وعلى ضفة نهر السين (Seine)، ينتصب هذا البرج الذي كان فيما مضى أطول برج في العالم. تحيط به حدائق شامب دو مارس (Champ de Mars)، وتقابله على الضفة الأخرى للسين ساحة تروكاديرو (Trocadéro) التي تعد منطقة مميزة لالتقاط صور للبرج [1].

تاريخ برج إيفل

السبب وراء بنائه

عمل المهندس الفرنسي غوستاف إيفل (Gustave Eiffel) على تشييد البرج ليكون جزءاً من المعرض العالمي (Exposition Universelle) العاشر في باريس في عام 1889. وكان هذا العام يمثل الذكرى المئوية الأولى للثورة الفرنسية. ولهذه المناسبة، تم الإعلان في عام 1886 عن مسابقة تخص المعرض لتشييد برج حديدي بارتفاع 300 متر. وقد اختير مشروع غوستاف إيفل من بين 107 مشروعات أخرى. وعمل على تصميمه كل من المهندسين موريس كويشلين (Maurice Koechlin)، وإميل نوغوير (Emile Nouguier)، وستيفن سوفيستر (Stephen Sauvestre) الذين كانوا يعملون لدى شركة إيفل [2].

بدأت عملية التشييد في 1887 وانتهت في 1889. وعلى وجده الدقة، استمرت لمدة عامين وشهرين وخمسة أيام، وهذا ما عدَّ آنذاك إنجازاً معمارياً مهماً. أطلق على البرج بداية الأمر اسم “برج 300 متر”، واقد افتُتح رسمياً في 15 أيار/مايو من عام 1889، أول أيام المعرض. ولكن سرعان ما أصبح معروفاً باسم بانيه [2] [3].

في ذلك العام، استقبل المعرض العالمي ملايين الزوار. وكان عدد كبيرٌ منهم، تحديداً 1,953,122، قد أتوا لرؤية برج إيفل. وفي أول أسبوع له، وحتى قبل أن يتم تفعيل المصاعد، تسلق حوالي 30,000 زائراً إلى قمة البرج، باستخدام السلم الذي يتألف من 1,710 درجة. لقد كانت رؤية باريس من قمة أعلى برج في العالم أمراً مذهلاً في ذاك الوقت، ولم يمنع الارتفاع الشاهق أولئك الزوار من خوض هذه التجربة الفريدة [4].

المعرض العالمي في عام 1889

أعمال غوستاف إيفل

كانت شركة غوستاف إيفل مختصة ببناء الهياكل والأطر المعدنية، ويعود له الفضل في إنشاء العديد من الأعمال في أوروبا. ونذكر على سبيل المثال جسر غارابيت في فرنسا، ومحطة قطار بودابست في هنغاريا. ولكنه تجاوز حدود القارة الأوروبية ووصل إلى أمريكا. فقد شيد الهيكل المعدني لأحد أشهر النصب في العالم، وهو تمثال الحرية في نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية [5].

إذاً، تحيط ببرج إيفل معالم مميزة على عدة أصعدة، منها جغرافياً أي في نفس المنطقة المحيطة به، ومنها تاريخياً أي في فترات زمنية متقاربة. كما لا تخفى عبقرية صانعه على أحدٍ، مع كل المنشآت التي شيدها والإنجازات التي حققها. وتكمن أهمية برد إيفل أنه بات رمزاً للمهارة التقنية، وتمثيلاً للهندسة الفرنسية في أواخر القرن التاسع عشر، وصرحاً مميزاً للحقبة الصناعية. ولكن عند بنائه، كان من المقصود له أن يبقى مشيداً لمدة 20 عاماً فقط. إلا أن التجارب العلمية التي شجعها أطالت بعمره وجعلت له أهمية كبيرة تفوق مجال الجذب السياحي [6].

موقف الفن من الصرح المعماري

احتجاجات الفنانين على بناء برج إيفل

قبل تشييده، لم يلق برج إيفل شعبية كبيرة في المجتمع الفني. إذ إن برجاً حديدياً بارتفاع 300 متر لم يكن ليُعتبر فناً بالأصل، فهو نتيجة عمل مهندسين ومعماريين.

في 14 من شهر شباط/فبراير من عام 1887، وبعد أن بدأ تشييد البرج بالفعل عقب توقيع المهندس إيفل على اتفاقية مع الدولة ومدينة باريس مُنح بموجبها حقوق الموقع لمدة عشرين عاماً. وعندها، اشتعلت احتجاجات مجموعة من الفنانين على الصفحات الأولى لصحيفة “لو تيمبس” (Le Temps) التي كانت من أشهر الصحف آنذاك. وكان من ضمن الأربعين فناناً الذين وقعوا على الاحتجاج المؤلف الموسيقي شارل جونو (Charles Gounod)، والكاتب غي دو موباسان (Guy de Maupassant)، والفنانون ويليام بوغيرو (William Bouguereau) وإرنست ميسونييه (Ernest Meissonier). وحتى المهندس المعماري تشارلز غارنييه (Charles Garnier) الذي صمم أوبرا باريس اشترك بالاحتجاجات التي كانت تدافع عن “جمال مدينة باريس” [7].

وقد تمثلت المخاوف من أن يلوث تشييد هذا البرج “عديم الفائدة” – على حد تعبيرهم – قلب العاصمة، ويهدد تاريخها وفنها. وقد ذهبوا إلى حد الهجوم على المهندس إيفل ووصفه “بباني الآلات”، واتهام مشروعه بأنه سيجلب العار لمدينة باريس التي تخاطر بالتخلي عن جمالها مقابل قبحٍ لا يمكن إصلاحه. من ضمن احتجاجهم، شبّه أولئك الفنانون برج إيفل بمدخنة مصنع سوداء عملاقة تمتد على كامل المدينة مثل “بقعة حبر سوداء” [7].

كيف رد غوستاف إيفل؟

لم تكن آراء الفنانين المعارضة لتحبط من عزيمة المهندس إيفل. بل واجه احتجاجهم بالتأكيد على جمالية البرج. وذهب إلى مقارنته مع أهرامات مصر التي – إذا جردناها من قيمتها الفنية والتاريخية – تستحيل إلى كتل صناعية من التراب. وبهذا كان إيفل يحاول جذب الانتباه إلى الطبيعة المميزة لتصميم برجه. ساعد الدعم الرسمي الذي تلقاه المشروع في إكمال العمل بع رغم كل التحديات، ولم يخيب البرج أمل أحدٍ. بل أصبح بعد إتمامه رمزاً للتقدم التقني والصناعة، وإحدى علامات باريس المميزة التي تحمل عناصر جمالية جديدة [7].

تشييد البرج

عمل على تصميم البرج 50 مهندساً ومصمماً بالمجمل. وفي مرحلة البناء، بلغ عدد العمال المتواجدين في المصنع في بلدة لوفالوا-بيري 150، مقابل 150-300 عاملاً في موقع التشييد. استُخدم لبناء البرج 18,038 قطعةً معدنيةً و2,500,000 مسمار تثبيت (برشام). وقد بلغ وزن الحديد المستخدم 7,300 طن متري، واستهلك 60 طن متري من الطلاء [2].

تتركز قوائم البرج في قاعدة إسمنتية بعمق بضعة أمتار تحت مستوى الأرض. واستُخدم القيسون المنيع للماء في الأساسات من جهة نهر السين كي يتمكن العمال من العمل تحت مستوى الماء [2].

اختيار مادة البناء

اختار السيد إيفل لبناء برجه الحديد المطاوع المصهور في فرن التسويط (puddling iron) بدلاً من الاعتماد على الحجر كما كان حال الأبنية حتى منتصف القرن التاسع عشر. ويعود سبب الابتعاد عن الحجر إلى طول البناء الشاهق آنذاك، والذي كان سيجعل من استخدام الحجر أحد عوامل الخطورة. فكلما زاد الارتفاع، زاد وزن البناء معه. وستكون الأجزاء السفلية هي التي تحمل الأجزاء العلوية وتدعمها لدرجة قد تؤدي إلى التصدع وانهيار البناء [8].

في ذلك الوقت، كانت المعادن من المواد حديثة العهد في عمليات البناء والتشييد، إذ إن دراسة علم المعادن واستخدامها في الصناعة كانت في بداياتها. وكانت الاكتشافات الجديدة هي الطريقة المعتمدة لإثبات إمكانية استخدام المعادن في عمليات البناء [8].

لم يقع الاختيار على الفولاذ لأنه قاسٍ جداً بالنسبة لهيكل البرج الذي يتطلب المرونة بقدر ما يتطلب المقاومة. كما أن عملية تصنيع الفولاذ كانت باهظة في ذاك الوقت. ولم يصبح الفولاذ متوفراً للاستخدام إلى في القرن العشرين مع إدخال طرق الإنتاج الحديثة. ولذا كان لابد من الاعتماد على الحديد الذي تناسب خواصه من مرونة ومقاومة مشروع البرج. ومع أن إيفل كان يستخدم الحديد الصب في مشاريع الجسور الحديدية، كان قد درس الحديد المطاوع الناتج عن الصهر. ووقع اختياره عليه في بناء برجه ذي الـ 300 متر بسبب مقاومته بالمرتبة الأولى. كما أن خفة وزنه مقارنة بمواد البناء الأخرى تجعل بالإمكان تخفيف الدعائم في القاعدة [8].

ولكن كأغلب أنواع المعادن، يتعرض هذا الحديد للتمدد الحراري، أي تتغير أبعاده مع تغير درجات الحرارة. ويبلغ مقدار التمدد/التقلص 15 سم بين أكثر الأيام حرارة وأكثرها برودة [9].

طلاء برج إيفل

تساعد طبقات الطلاء المتعددة على حماية برج إيفل من التأكسد. وكان غوستاف إيفل قد أكد على أهمية الطلاء في كتابه “برج الـ 300 مترٍ” حيث ذكر أن الطلاء هو مادة جوهرية في الحفاظ على المعادن. وكلما كانت عملية الطلاء أكثر دقة، كلما زادت مدة بقاء البرج [10].

منذ إنشائه، أعيد طلاء البرج 19 مرة، بمتوسط مرة كل سبع سنوات. وقد اكتسى العديد من الألوان المختلف، من البني المحمر مروراً بالأصفر المائل إلى البني الفاتح والبني الكستنائي والبرونزي حالياً. كما أن اللون يكون أغمق في الأعلى لضمان أن يبدو البرج بلون واحد حتى الأعلى حيث تظهر سماء باريس خلفه [10].

يتم طلاء البرج بالطريقة التقليدية. حيث يستخدم العمال الطرق اليدوية التي كانت مستخدمة في زمن غوستاف إيفل. في البداية يقشرون طبقات الطلاء القديم الأكثر تآكلاً، ثم ينظفون مكانها، ويضعون مادة مضادة للصدأ، وبعدها تتم عملية الطلاء. تستمر عملية الطلاء لمدة تتراوح بين عام ونصف وأكثر من ثلاث سنوات أحياناً. إذ تؤخذ عوامل الطقس بعين الاعتبار. حيث يستحيل العمل في الأجواء شديدة البرودة، كما أن الطلاء لا يلتصق عندما يكون المعدن رطباً [10].

ما هو مصدر الحديد المستخدم في بناء برج إيفل؟

يواجه صانع برج إيفل اتهاماتٍ بسرقة الحديد المستخدم في الإنشاء من الجزائر، وتحديداً من منجمي زكار والروينة. ولكن لا يوجد دليل قاطع على هذا، ولذلك يبقى مصدر الحديد محل جدال. فحسب الموقع الرسمي لبرج إيفل، تم جلب حديد البناء من منطقة تعدين موجودة فيما هو الآن إقليم مورت وموزيل (Meurthe-et-Moselle). كما رد المؤرخ والباحث الجزائري محمد الصالح بوقشور على هذه الاتهامات ونفاها. حيث يشير إلى أن استثمار المنجمين المذكورين لم يبدأ حتى أعوام 1904 و1906 على الترتيب، في حين انتهى بناء البرج في عام 1889. كما يضيف أن شركة “مقطع الحديد” هي التي كانت تعمل في الجزائر في وقت إنشاء البرج، لكن لم يكن لديها ترخيص للعمل في هذين المنجمين. لذلك لا توجد أدلة كافية على أن حديد البرج قد سرق من الجزائر. لكن تبقى هذه الاتهامات نقطة غامضة في قصة بناء أحد أشهر الأبراج في العالم [8] [11].

أقسام برج إيفل

المصاعد

تضم المصاعد التي تعمل حالياً على برج إيفل اثنين من المصاعد الأصلية. وكان بناء المصعد في ذاك الوقت يعتبر إنجازاً كبيراً، خاصة وأن ارتفاعاً كهذا لم يكن له مثيل. ولكي يكون العمل متكاملاً، وضعت خمس مصاعد هيدروليكية على كل من الأعمدة الشمالي والجنوبي والشرقي والغربي، إضافة إلى مصعد هيدروليكي أيضاً بين الطابق الثاني والثالث. وقد سمحت هذه المصاعد للزوار أن يعيشوا تجربة البرج بالكامل ويتمتعوا بمنظر مدينة باريس [12].

المطاعم

ليس هذا فحسب، بل عند افتتاحه في عام 1889، كان البرج يضم أربعة مطاعم فخمة في الطابق الأول، يتسع واحدها لـ 500 شخص. طرأت عدة تعديلات على هذه المطاعم منذ إنشائها، والآن يعتبر مطعم جول فيرن في الطابق الثاني من أهم الوجهات لمحبي تذوق الطعام في باريس [13].

المختبر

ولكن الجزء الأهم الذي حافظ على بقاء البرج كل هذا الوقت هو المختبر العلمي الذي بناه إيفل. فقد كان الاتفاق أن يتم هدم البرج بعد عشرين عاماً، لكن التجارب العلمية التي قامت فيه كانت كفيلة بإطالة عمر بقائه. كان للمهندس إيفل مكتب في الطابق الثالث يقوم فيه بعمليات مراقبةٍ فلكية وفيزيولوجية. كما سمح للقيام بعدد من التجارب العلمية في مجال الأرصاد الجوية والفيزياء ومقاومة الهواء. في النهاية، نجح إيفل في إبقاء برجه قائماً بعد أن جعل منه لاقطاً هوائياً ضخماً للبث اللاسلكي، وسخره لأغراض الهندسة العسكرية. وبالفعل، كان لمحطة الإبراق اللاسلكي أو الإبراق عن طريق الراديو في البرج دور كبير في كشف العديد من مراسلات الأعداء في الحرب العالمية الأولى [14].

شروط زيارة البرج

والآن لنذهب بزيارة إلى البرج. يجب الانتباه إلى أن الحجز المسبق إلكترونياً يسمح بتجنب الطوابير الطويلة أمام مكتب الحجز. تتفاوت أسعار البطاقات حسب عمر الزائر وحسب الطابق الذي يرغب في زياراته، كما يختلف السعر باختلاف طريقة الصعود إن كانت على السلم أو باستخدام المصعد.

يمكن الصعود للطابق الثاني بإحدى الطريقتين، ولكن لا يمكن الوصول لقمة البرج دون استخدام المصعد، إما من الأرض، أو من الطابق الثاني. بالنسبة للأعمار، يعد الأطفال الصغار دون الرابعة من العمر الفئة الأكثر حظاً لأن بطاقات دخولهم للبرج مجانية. أما إذا كان مع الزوار حيوانات أليفة، فيمنع دخولها منعاً باتاً باستثناء الكلاب المرافقة للعميان. ويمنع أيضاً اصطحاب الحقائب الثقيلة إلى الداخل، في حين قد تجري مراقبة محتوى الحقائب والطرود والأمتعة التي تبقى مع أصحابها [15].

ولنختم بهذا الانفوجراف المبسط عن سبب بناء برج إيفل ومعلومات أخرى عنه.

معلومات عن برج إيفل

اقرأ أيضاً: تاريخ ناطحات السحاب

المصادر

  1. Landmarks of the World
  2. History of the Tower
  3. Eiffel Tower
  4. Universal Exhibition
  5. Gustave Eiffel
  6. Key Figures about the Tower
  7. The Artists
  8. Choice of Iron
  9. Purdue University
  10. Painting the Tower
  11. الجزيرة
  12. Lifts
  13. Restaurants
  14. Laboratory
  15. Prices & Timing
Exit mobile version