كيف تساعدك البكتيريا في علاج الجيوب الأنفية ؟

اكتشف فريق بحثي بلجيكي نوعًا غير متوقعًا من البكتيريا يعيش في الأنف ويحميها من الأمراض المختلفة، ونشروا دراستهم في مجلة الخلية «Cell Press» في نهاية شهر مايو، فهل تساعدك البكتيريا في علاج الجيوب الأنفية ؟

نشارك أجسادنا مع كائنات دقيقة لا نراها تسمى البكتيريا، ولمَّا تشاركنا الجسم ووفرنا لهم المسكن ساعدونا في الحفاظ على هذا الجسد: فتقطِّع هذه الكائنات وتبَسِّط جزئيات الطعام في بطوننا لنتمكن من هضمها، وتحمي جلودنا ولساننا من البكتيريا الغريبة الضارة،  فماذا عن أنوفنا؟

لإجابة هذا السؤال، سحبت الباحثة سارة ليبيير «Sarah Lebeer» وفريقها عينة من أنوف سليمة من مائة شخص وعينات أخرى من مئات الأنوف المصابة بالجيوب الأنفية والأمراض المزمنة، ولكن ذلك لم يكن فقط لإزعاج المشاركين بالتجربة وإقلاق أنوفهم، بل لدراسة أنواع البكتيريا التي تسكن أنوفنا.

استوقف سارة وفريقها نوعٌ واحدٌ تحديدًا من البكتيريا: اللاكتوباسيلس «Lactobacillus»، والتي ملأت الأنوف السليمة عشرة أضعاف الأنوف التَعِبة، فإن كان هذا النوع من اللاكتوباسيلس لا يحب الهواء ويعيش في الأوساط الفارغة من الأكسجين، كيف لها أن تعيش في الأنف التي تستنشق الهواء والأكسجين إلى الرئتين ثم تزفره؟

تعتقد سارة وفريقها أن هذا النوع اللاكتوباسيلس تأقلم على حياة الأنف والرياح المارة فيها، فهذه البكتيريا تحمل على سطحها شعيرات وأيادي صغيرة «Fimbriae» تساعدها على التمسك بجدار الأنف، وتبني بيتًا لها من الخلايا الأنفية مانعة وصادة للميكروبات الضارة الأخرى، بل وتحمل جينات تساعدها على تحمل نسبة الأكسجين العالية في هواء الأنف.

حين عمرت هذه البكتيريا أنوف الأصحَّاء، منعت الميكروبات والبكتيريا الأخرى أن تحتل الأنف وجيوبها الأنفية، فهل تساعدك هذه البكتيريا في علاج الجيوب الأنفية ؟

يسكن في أمعائنا نوع آخر من اللاكتوباسيلس وتعد من المعززات والمعينات الحيوية «Probiotics» ، فتحمينا من الأمراض المختلفة مثل الإسهال،  ولكن نحتاج للمزيد من الدراسات للتأكد من فعاليتها في الأنف، فإن صحَّت، ستشكل علاجًا أفضل للجيوب الأنفية وبديلًا قويًا للمضادات الحيوية التي تخسر معاركها أمام البكتيريا يومًا بعد يوم . (في الحقيقة يشكل اليوم التعاطي المستمر للمضادات الحيوية والنقصان المستمر في قدرتها العلاجية أزمة عالمية.)

يحذرنا الباحثون من تعليق جميع آمالانا على هذا الفصيل من اللاكتوبايسلس، فهي لا تكفي وحدها للحفاظ على أنفنا وحمايتها من الجيوب الأنفية وسائر الأمراض، سيتطلب ذلك المزيد من الدراسات والتجارب كسائر الاكتشافات العلمية، لعل الصعوبة تكمن في اختلاف أنوفنا وكائناتها عن أنوف حيوانات التجارب.

المصادر :
Science Magazine
Cell Press
Applied and Environmental Microbiology

من جورج فلويد إلى الدمى السوداء، هل تحققت المساواة حقًا في أمريكا؟

من جورج فلويد إلى الدمى السوداء، هل تحققت المساواة حقًا في أمريكا؟ ما بين صرخة مارتن لوثر كينج الإبن: “عندي حلم :I have a dream”، وصرخة جورج فلويد تحت أقدام الشرطي الأمريكي في 25 مايو 2020: “لا أستطيع التنفّس :I can’t breath” أكثر من نصف قرن، تخللتها أحداث كبرى، اعتقد البعض فيها أن العنصرية قد انتهت بالكامل، لتوقظ صرخات جورج أمريكا على كابوس مُفزع حاول السياسيون الأمريكيون واحدًا تلو الآخر حجبه عن الشعب الأمريكي بشتى الطرق. الواقع الأمريكي يقول أن المساواة قد أصبحت كاملة بين البيض والسود، إذ وصل باراك أوباما الأمريكي من أصول أفريقية للحكم في 2009 ليصبح الرئيس رقم 44 للبلاد وقضى فترتين رئاسيتين حتى 2017، فكيف وصلنا إلى جورج فلويد؟ أو كما يُعنون مقالنا، من جورج فلويد إلى الدمى السوداء، هل تحققت المساواة حقًا في أمريكا؟ دعونا نضع الأمور في نصابها أولاً، ونفهم سبب الانتفاضة الحالية.

خطبة مارتن لوثر كينج جونيور i have a dream

لماذا انتفض الأمريكيين من أصل أفريقي الآن تحديدا؟

بجانب حادث فلويد، هناك عوامل اقتصادية أيضًا، فالكورونا تلقي بظلالها على الأحداث. فقد ملايين الأمريكيين وظائفهم، إذ وصل معدّل البطالة في أبريل 2020 حوالي 14.7% وبالطبع كان للأمريكيين من أصول أفريقية نصيب أكبر من غيرهم، فهم يعانون من التمييز بسبب العرق في الوظائف، فبالرغم من أن السود يمثلون 1 إلى 8 من السكان، إلا أنهم يمثلون رُبع الفقراء في الولايات المتحدة الأمريكية. فمن لا يملك مدخرات كافية تساعده بعد فقدان وظيفته سيعاني بشده حتى يحصل على وظيفة جديدة لقلة المعروض، وهو ما يمثل ضغطًا شديدًا على الكثير من الأسر الأمريكية من أصل أفريقي أكثر من غيرها، لكن هل هو الجانب الاقتصادي وحده أم أن هناك جوانب أخرى تحتاج لتسليط الضوء عليها؟ هل المشكلة في القوانين؟ أم في التركيبة السكانية؟ أم هو اليمين الأمريكي المحافظ؟ أم هي التركيبة النفسية للجماهير؟

التعليم

قد تتعدد المشكلات والأسباب وراء حادث جورج فلويد، لكن دعنا نضع أصابعنا في هذا المقال على جانب قد يغيب على الكثيرين، ألا وهو التعليم. وللتعليم في أمريكا أصول عنصرية قديمة وغريبة، وكما قال الرئيس الأمريكي جونسون في أحد مقولاته:

“التعليم ليس المشكلة، لكنه الفرصة”

إذن كيف أضاعت أمريكا تلك الفرصة؟

الفرصة التي أتاحتها الدمى السوداء

ليندا براون وطفليها

دائمًا ما نجد الدمى في محلات الألعاب أو بين أيدي الأطفال، ولكن دخلت بعض الدمى إلى واحدة من أكبر قاعات المحاكم احترامًا في الولايات المتحدة، وذلك في قضية تُعرف باسم “براون ضد مجلس التعليم” أو “Brown v. board of education”، القضية التاريخية لعام 1954 التي ألغت في نهاية المطاف الفصل العنصري تحت شعار “منفصل لكن متساوي” في الولايات المتحدة، سمع قضاة المحكمة العليا الحجج والمرافعات الشفوية وبحثوا في ملفات القضايا، لكن لم يمنعهم كل ما سبق من أن يعتبروا دمى لطفلين، أحدهما بيضاء والأخرى سوداء – أسلحة غير متوقعة في معركة مكافحة التمييز العنصري. كانت الدمى جزءًا من مجموعة من التجارب النفسية الرائدة التي قام بها الثنائي مامي وكينيث كلارك، وهما فريق يتكون من زوج وزوجة من علماء النفس الأمريكيين الأفارقة الذين كرّسوا عمل حياتهم لمكافحة التمييز العنصري ضد الأطفال وعلاجهم من آثاره.

سبب تسمية القضية يعود لفتاة تُدعى ليندا براون والتي قرر والدها أوليفر براون أن يقدّم لها في مدرسة صيفية للبيض فقط في توبيكا وهو ما قوبل بالرفض، مما دعاه لرفع القضية.

التجربة

أظهرت غالبية الأطفال الأمريكيين من أصل أفريقي تفضيلهم للدمى البيضاء بدلاً من الدمى السوداء خلال “اختبار الدمى”، وهو ما اعتبره كلاركس نتيجة للتأثيرات الضارة للفصل العنصري. ساعد عمل آل كلاركس وشهادتهما في القضية -التي أصبحت معروفة تاريخيًا باسم “قضية براون ضد مجلس التعليم”- قضاة المحكمة العليا بل والعالم كله على فهم بعض الآثار الباقية للفصل العنصري على الأطفال المتضررين. بالنسبة لكلاركس، أظهرت النتائج آثار مُدمّرة للحياة في مجتمع رافض للأمريكيين من أصل أفريقي. كانت تجربتهم، التي تضمنت دمى ذات بشرة بيضاء وأخرى سوداء، بسيطة بشكل مخادع ولم يتوقعه أحد.

د.دينيث كلارك يتابع أحد الأطفال الأمريكيين من أصل أفريقي وهو يختار في تجربة الدمي

كان على كلاركس دهن دمية بيضاء باللون البني من أجل الاختبارات، إذ لم تُصنع الدمى الأمريكية الأفريقية في ذلك الوقت بعد، ثم طُلب من الأطفال تحديد الدمى الأفضل بعدد من الأسئلة مثل: تلك التي يرغبون في اللعب بها، أو تلك التي تبدو “بيضاء”، أو “ملونة”، أو “زنجية”، أو “جيدة” أو “سيئة”. أخيرًا، طُلب منهم تحديد الدمية التي تشبههم تمامًا.

جميع الأطفال المُختبرين كانوا من السود بالطبع، وجميعهم باستثناء مجموعة واحدة التحقوا بمدارس منفصلة أي مدارس للسود فقط وفقا لقوانين عُرفت باسم قوانين جيم كرو للفصل العنصري، وتحديدًا قرار المحكمة المعروف باسم “براون الثاني”. فَضّل معظم الأطفال الدمية البيضاء عن الدمية الأفريقية. كان بعض الأطفال يبكون ويهربون من الغرفة عندما يُطلب منهم تحديد الدمية التي تشبههم، وهذه النتائج أزعجت الزوجين كلاركس لدرجة أنهم أخّروا نشر استنتاجاتهم.

هل كان قرار براون الثاني ضد الفصل العنصري أم معه؟

كان قرار براون الثاني مُصاغا للقضاء على التمييز العنصري وإلزام المقاطعات بمنح فرص تعليمية متساوية لمواطنيها دون تمييز عرقي، لكن بسبب ديباجة النص الفضفاضة ” … بأقصى سرعة ممكنة” والتي استخدمها بعض المتعصبين من أجل وقف تنفيذ القرار لسنوات والإضرار بالمواطنين الأمريكيين من أصل أفريقي.

كان لدى الزوجة مامي كلارك صلات مع النضال القانوني المتنامي لمكافحة الفصل العنصري، فقد عملت في مكتب أحد المحامين الذين ساعدوا في إرساء أسس قضية “براون ضد مجلس التعليم”. وعندما علمت (الجمعية الوطنية للنهوض بالملونين أو الأفارقة الأمريكيين) NAACP بعمل آل كلاركس، طلبوا منهم المشاركة في قضية ستُدرج لاحقًا في الدعوى الجماعية المرفوعة حينها إلى المحكمة العليا. لذا توجه الزوج كينيث كلارك إلى مقاطعة كلارندون بولاية كارولينا الجنوبية لتكرار تجربته مع الأطفال السود هناك. وذكر في وقت لاحق أنها كانت تجربة مرعبة، خاصة عندما تعرّض مضيفه NAACP للتهديد في حضوره. وقال د.كينيث كلارك عن تلك التجارب: “كان علينا أن نختبر هؤلاء الأطفال”. “لقد رأى هؤلاء الأطفال أنفسهم أقل شأنًا وقبلوا الدونية كجزء من الواقع”.

لم يكن إجراء تجربة الدمى بالمحكمة أمر سهل

كان ثورغود مارشال حريصًا على استخدام تجربة آل كلاركس في أكبر قضية جماعية وهي “براون ضد مجلس التعليم”، ولكن لم يقتنع الجميع. وكتبت المؤرخة مارثا مينو ما قاله المحامي الحقوقي سبوتسوود روبنسون وهو ممثل NAACP: “من الجنون والإهانة إقناع محكمة بدمى سخيفة”. لكن المحكمة لم توافقه الرأي. شهد كينيث كلارك في ثلاث من المحاكمات وساعد في كتابة ملخص لجميع استشهادات العلوم الاجتماعية للمحاكمات الخمس التي استُخدمت في قضية المحكمة العليا. وأخبر القضاة والمحلفين أن تفضيل الأطفال الأمريكيين من أصل أفريقي للدمى البيضاء يمثّل ضررًا نفسيًا عززه الفصل العنصري. وقال أمام هيئة المحلفين في قضية بريجز (إحدى القضايا المتفرعة من القضية الرئيسية “براون ضد مجلس التعليم”، “أرى أن التأثير الأساسي للفصل هو ارتباك وتضارب المفاهيم لدى الأفراد عن أنفسهم وصورهم الذاتية”. وآمن بأن الشعور بالنقص الناجم عن الفصل كان له عواقب حقيقية مدى الحياة – عواقب بدأت قبل أن يتمكن الأطفال من معرفة أي شيء حول العِرق. كان عمل وشهادة آل كلاركس جزءًا من قضية أوسع نطاقا جمعت خمس حالات وغطت تقريبًا كل جانب من جوانب الفصل العنصري المدرسي – بالرغم من ذلك، يعتقد بعض المؤرخين بأن اختبارات الدمى لعبت دورًا ضئيلًا نسبيًا في قرار المحكمة. لكن أصداء نتائج تجربة الدمى تكمن في الرأي الجمعي لقضاة المحكمة العليا.

قرار تاريخي

كتب رئيس المحكمة ايرل وارن في حكمه التاريخي: “فصل الأطفال السود من نفس العمر والمؤهلات عن الآخرين فقط بسبب العرق، يولّد شعورًا بالدونية فيما يتعلق بوضعهم في المُجتمع، وهو ما قد يؤثر على قلوبهم وعقولهم بطريقة يمكن أن تصبح غير قابلة للمحو”. ساعد عمل كلاركس في القضاء على الفصل العنصري في الولايات المتحدة. اليوم، تُعرض إحدى الدمى السوداء في موقع براون التاريخي ضد مجلس التعليم في كانساس. لكن تبقى التحيزات العنصرية التي وثقها الزوجان في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين موجودة.

فرصة مُهدرة!

في عام 2010 ، نفّذت الـ CNN نسخة حديثة من الدراسة باستخدام صور كرتونية للأطفال وشريط ألوان أظهر مجموعة من درجات لون البشرة – ووجدت نتائج مشابهة بشكل مذهل للنتائج التي أظهرتها تجربة كلاركس. في الاختبار الجديد، اختبرت باحثة تنمية الطفل مارجريت بيل سبنسر 133 طفلاً من مدارس تحوى مزيج عرقي وشرائح دخل مختلفين. نظرت الدراسة هذه المرة إلى الأطفال البيض أيضًا. وعلى الرغم مما بدا أن الأطفال السود لديهم وجهات نظر أكثر إيجابية تجاه الدمى السوداء، إلا أن الأطفال البيض حافظوا على انحياز شديد تجاه الصور البيضاء. تقول سبنسر للسي إن إن: “ما زلنا نعيش في مجتمع يقلل من قيمة السود ويرفع من قيمة البيض” . قد لا تكون قوانين جيم كرو العنصرية موجودة في نصوص القانون ومحاكم الولايات المتحدة اليوم، ولكن التحيز العرقي ما زال موجودًا ونرى آثاره ممتدة عبر الأجيال. أهدرت الولايات المتحدة نصف قرن منذ تلك التجربة لمعرفة أهمية القضاء على التمييز العنصري للمجتمع الأمريكي ومستقبله.

عنصرية الألفية الثالثة

تغيّرت بالطبع ثقافة الإنكار لدى الأمريكّيين العاديّين بشكلٍ كبير، وهو ما أثبتته دراسات استقصائيّة على مدى عقود عديدة ماضية، تُخبرنا بأنّ هناك قطّاعات كبيرة من الأمريكيّبن تعترف بتبنّي وجهات نظرٍ تمييزيّة حتّى في أمريكا الحديثة، فعلى سبيل المثال، واحد من كل عشرة أمريكييّن أقرّ بتحيزه ضد الأمريكيين من الأصول المختلفة. كما وجد استطلاع الإيكونومست عام 2018 أنّ 17٪ من الأمريكيين يعارضون الزواج بين عرقين مختلفين، و19٪ يعارضون الزواج من المجموعات العرقية “الأخرى”، و 18٪ يعارضون الزواج من السود، و17٪ يرفضون الزواج من البيض، و15٪ يرفضون الزواج من اللاتينيين. بل ويعتقد البعض أن قوانين المجمّع الانتخابي والمسؤولة عن انتخاب الرئيس الأمريكي هي بذاتها قوانين عنصرية، فهي تمنح بعض الولايات رغم عدد السكان الكبير وزن أقل في انتخاب الرئيس بالطريقة غير المباشرة بسبب نشأتها القديمة العنصرية. كما أن فرص العائلة الأمريكية من أصول أفريقية للمعاناة من الفقر هي ضعف فرص العائلات الأمريكية البيضاء أو الأمريكيين الأسيويين، وهو ما ينعكس بالطبع على الفرص التعليمية المتاحة لهم. تلك النتائج إن تدل، فهي تدل على عنصرية متجذّرة تحتاج لمواجهة مستمرة وإجراءات أقوى للقضاء عليها، قد تتباطأ فيها الولايات المتحدة وتحتاج لمحررين جدد للقيام بهذا الدور.

لا نعتقد بأن الأمر يقتصر على الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن يحتاج الأمر لسرد في مقال آخر، فما رأيك عزيزي القارئ؟ إذا أجريت تجربة الدمى على أطفالك في بلدك أينما كنت، فأيهما سيختار، الدمية البيضاء أم السوداء؟

لماذا تأخذ الاحتجاجات السلمية منعطفا عنيفا؟

اشتعلت الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرا بمظاهرات مناهضة للعنصرية وذلك بعد مقتل جورج فلويد، وهو رجل من العرق الأسود، على يد أحد رجال الشرطة. ورغم اعتبار أميركا إحدى أكثر الدول ديمقراطية وحرية، انتشرت أعمال عنف وشغب وتخريب بين المتظاهرين. يتناول مقالنا اليوم في ضوء هذه الأحداث سلوك الجماهير من وجهة نظر علم الاجتماع، كما سنناقش لماذا تأخذ الاحتجاجات السلمية منعطفا عنيفا؟

يندرج سلوك الجماهير في الاحتجاجات ضمن مايدعى في علم الاجتماع بالسلوك الجماعي، فماذا يعني ذلك؟!

يستخدم علماء الاجتماع هذا المصطلح لوصف السلوكيات البشرية العفوية نسبيا ضمن الحشود أو الحركات الاجتماعية أو أثناء الكوارث أو الأحداث الدارجة Trends or Fads أو في أوقات الذعر.

قد يبدو هذا التعريف سهلا لكنه في الحقيقة ليس كذلك، حيث نلاحظ أنه لا يصف ظاهرة أو مؤسسة محددة بعينها فالحشود تصف مجموعة من الناس أما الكوارث فهي حدث اجتماعي أو بيئي، أما الذعر فهو شعور أو حالة للفرد، أما الحركات الاجتماعية فهي نوع من المنظمات. وفي الحقيقة يطرح هذا التنوع تساؤلا هاما عما يربط هذه المجالات المختلفة مع بعضها؟!!

حسنا، يمكن أن نتفق أن السلوك الجماعي يصف المستجدات الطارئة على بيئة ما والغير محددة بقواعد ثقافية خاصة. لكي نوضح أكثر: فالكوارث البيئية حدث طارئ قد يخرج عن سيطرة المؤسسات المعنية ويهدد حياة الناس، فهنا إذا الحدث مستجد وتصرفات الأفراد بخصوصه ليست لها قواعد موضوعة مسبقا. أما التحركات الجماعية كتلك التي نجدها في المظاهرات: فقد تبدو منظمة لكنها حدث طارئ ولا يمكن التنبؤ بمساره وبالتالي ليست هناك قواعد محددة لسلوكيات الأفراد أو الجماعات ضمنه خاصة في حال حصول النزاعات.

حاول الباحثون على مدى سنين طويلة تفسير السلوك الجماعي عبر نظريات عدة ركزت أكثر على الحشود والحركات الاجتماعية وأعمال الشغب:

نظرية العدوى Contagion Theory

طور الباحث الفرنسي Gustave le Bon هذه النظرية عام 1895 حيث يطرح من خلالها أن السلوك الجماعي عاطفي وغير عقلاني وناجم عن تأثير الجماعة في الحشد. فعندما يكون الفرد لوحده يكون منطقيا، ولكن يصبح وكأنه منوم مغناطيسيا ضمن الحشود وبالتالي لايتحكم بوعيه وغرائزه ويمكن أن يصبح عنيفا ومتوحشا.

استمرت أصداء هذه النظرية حتى القرن العشرين، حيث تم نقدها من قبل باحثين اعتبروا أن السلوك الجماعي أكثر عقلانية مما اعتقده Le Bon، وأن الأفراد غير خاضعين للتأثير المعدي للحشد.

نظرية التقارب Convergence theory

تبعا لهذه النظرية فإن السلوك الجماعي ليس ناجما عن تأثير الحشود على الأفراد بشكل عاطفي، وإنما تقترح أن الحشد هو انعكاس للأفراد الذين ينضمون إليه. فعندما يطرأ حدث ما، سيرغب الأفراد بالتصرف بطريقة معينة و سيتقاربون مع اولئك الذين يشاركونهم المشاعر والرغبات ليعكس بذلك الحشد المتشكل منهم معتقداتهم.

على سبيل المثال، عندما يجتمع أفراد متطرفون دينيا، فقد يرتكبون أعمال عنف بدافع الكراهية تجاه مجموعات أخرى.

قد لا يقوم الفرد لوحده بأعمال العنف هذه، ولكن كما نجد في هذه النظرية فإن عنف الحشد في مثالنا السابق انعكاس لمعتقدات أفراده.

نظرية المعيارية الناشئة Emergent Norm Theory

تبعا ل Ralph H. Turner و Lewis M. Killian الذين عرضا هذه النظرية في منتصف القرن العشرين، لا يكون الناس أثناء التفاعل في السلوك الجماعي متأكدين من كيفية التصرف. وبينما يناقشون سلوكهم المحتمل والمسائل الأخرى ذات الصلة، تظهر القواعد التي تحكم سلوكهم، ومن ثم يقوم الانضباط الاجتماعي والعقلانية بتوجيه السلوك.

إذا تعتبر هذه النظرية السلوك الجماعي أكثر عقلانية من نظرية العدوى. لكنها تنظر إليه على أنه أقل قابلية للتنبؤ به مما تقترحه نظرية التقارب، حيث تفترض أن الناس لا يتشاركون بالضرورة المعتقدات والنوايا قبل انضمامهم إلى الحشد.

نظرية القيمة المضافة Value-Added Theory

طرح Neil Smelser هذه النظرية عام 1963 لتصبح أكثر تفسيرات السلوك الجماعي شيوعا وتأثيرا. وتقترح نظرية القيمة المضافة أن الحركات الاجتماعبة وأشكال السلوك الجماعي الأخرى تظهر فقط عند ظهور عدة حالات معينة ك:

الإجهاد الهيكلي Structural starain أو ما يمكن أن ندعوه كذلك بالضغط الاجتماعي: فالقيود الخاصة بهيكلية المجتمع قد تدفع الناس للغضب والإحباط وتشكيل حركات اجتماعية.

المعتقدات العامة: وهي المعتقدات التي يتشاركها الناس حول أسباب المشاكل وطرق حلولها، فإذا اجتمعوا على أن هذه المشاكل هي ذنبهم أو أن الاحتجاج لن يقوم بحلها، فلن يقوموا بالتظاهر.

ظهور عوامل طارئة: فالأحداث الفجائية قد تشعل فتيل السلوك الاجتماعي، كانتشار أخبار عن حوادث عنف للشرطة في المدن تجاه الناس.

نقص السيطرة الاجتماعية: يكون السلوك الجماعي أكثر احتمالا عندما لا يتوقع الأفراد الذين ينوون المشاركة القبض عليهم أو إيذائهم أو معاقبتهم.

تم انتقاد هذه النظرية لكونها غامضة فهي مثلا لا توضح مدى الضغط الاجتماعي الواجب وجوده حتى تظهر الحركات الاجتماعية. كما وجد أن السلوك الاجتماعي لا يقتصر على الشروط التي ذكرها Smelser.

حسنا، نأمل أن نكون قد وضحنا السلوك الاجتماعي وتفسيراته العامة قبل أن ننتقل لنقطة أكثر تحديدا: السلوك العدائي ضمن المظاهرات والاحتجاجات

لماذا تتحول الاحتجاجات السلمية إلى عنيفة؟!

حسنا سنقوم بتفسير أعمال العنف والشغب بناء على آراء العديد من الخبراء:

دور الشرطة في تحريض العنف:

إن ردة فعل الشرطة تجاه الاحتجاجات وعلاقتهم مع المجتمع المحلي مهمة جدا، حيث يمكن للعناصر المدربة جيدا تجنب حصول العنف في المظاهرات ومثالا على ذلك: انضمام عناصر الشرطة في كامدن ونيوجيرسي في أميركا للمحتجين في مسيرهم المناهض للعنصرية وذلك في سياق الأحداث الراهنة في الولايات المتحدة الأمريكية.

من جهة أخرى، يمكن أن تشعل عدة مواجهات بسيطة مع الشرطة فتيل التوتر، خصوصا مع كون الشرطة تتصرف بكلية (وحدة متجانسة) تجاه الحشود، مما قد يعزز فكرة ( هم ضدنا) في عقول المتظاهرين خاصة مع شعورهم بأن عنف الشرطة غير مبرر وقد يكسبهم شعورا بأن العنف بحد ذاته شرعي في مثل هذه الظروف.

إذا، هل تعتقد بعد كل هذا أن العنف في المظاهرات ناجم عن مجرد فعل ورد فعل بين الجماهير والشرطة؟ حسنا، قد يكون هذا أعقد من ذلك بقليل.

قام Jonathan Pinckney (وهو باحث في المقاومة غير العنيفة والديمقراطية والعنف السياسي) بدراسة بيانات من قاعدة بيانات الحملات العنيفة وغير العنيفة ونتائجها NAVCO 3.0 Dataset، وأيضا دراسة ثلاث حالات مقارنة، ليجد بذلك أن احتمال تحول التظاهرات السلمية إلى عنيفة يرتفع مع زيادة معدل القمع بشكل مستمر على فترة طويلة من الزمن. مما يوضح بأن هذه الانعطافات العنيفة ليست مجرد ردة فعل عاطفية، وإنما ناجمة عن تراكمات محسوبة داخل الوعي مع الزمن.

دور وجهات النظر الأخلاقية:

عندما نشاهد شيئا لا أخلاقيا، تتولد بداخلنا مشاعر قوية بوجوب حماية فهمنا للأخلاق

Marloon Moojiman: أستاذ مساعد في قسم السلوك المنظم في جامعة رايس

عندما تشعر أن شيئا أو نظاما ما معطلا، ستود أن تفعل شيئا صارما لتظهر أن ذلك غير مقبول. فعلى سبيل المثال: في الحالات المتطرفة من الشغب يظن شخص ما أن الإجهاض عمل مناف للأخلاق، فيقوم بحرق عيادة للإجهاض. وقس على ذلك.

وإن لوسائل التواصل الاجتماعي في زمننا الحالي دورا في إكساب القضايا صفة أخلاقية وتصعيد وتيرة العنف. وفي هذا السياق قام باحثون في معهد Brain and creativity بدراسة على 18 مليون تغريدة على تويتر في فترة الاحتجاجات في بالتيمور 2015، حيث ارتفعت معدلات الاعتقال عند رواج التغريدات ذات الخطاب الأخلاقي وتضاعف العنف تقريبا بالتزامن مع انتشار ذلك الخطاب.

التنازلات الحكومية:

تبعا ل Jonathan Pinckney، ترتبط التنازلات الحكومية بانهيار حالة السلم، ربما لأنها تقسم الحركات إلى معتدلين ومتطرفين. حيث يحاول المتطرفون إثبات أنفسهم من خلال العنف.

دور التنظيم:

قد تظن أن الحملات الأكثر تنظيما هي الأكثر سلمية، تبعا ل Pinckney فإن البيانات تشير لعكس ذلك، فالحملات ذات الهيكلية الهرمية والغير واضحة الخلافات أكثر عرضة للعنف من تلك ذات الهيكلية المتوازية ( غير الهرمية) والتي توضح خلافاتها السياسية. حيث أن روح المشاركة والنقاش تسهل من الحفاظ على حالة السلم.

النهب والتخريب كجزء من الاحتجاج:

كثيرا ما نتساءل عن سبب النهب والتخريب في الاحتجاجات، وحسب الباحثين قد يكون هذا الفعل جزءا من الاحتجاج.

تبعا ل بروفسور Clifford Stott ( خبير في سلوك الجماهير وشرطة النظام العام في جامعة كيلي) فإن ” النهب تعبير عن القوة، فمثلا قد يشعر الشرطة المواطنين السود بانعدام القوة، لذا يصبحون أكثر قوة من الشرطة أثناء أعمال الشغب”.

وأيضا يناقش Stott أن دراسات لأعمال شغب سابقة تشير لكون المحلات التي يتم نهبها تابعة لأعمال كبرى، وهنا برتبط النهب بالشعور بعدم المساواة في مجتمع رأسمالي.

ما يؤيد وجهة النظر هذه قيام المتظاهرين في أعمال الشغب في لوس أنجلوس عام 1992 بطلاء محلات الأقليات بطلاء خاص ليتجنب الناس تخريبها.

إذا، ترتبط أعمال النهب والتخريب بعاطفية الأحداث ونمطها بالنسبة للناس. حيث قد يميل الناس في الأحداث السياسية الصرفة التي لا تنطوي على التمييز الاجتماعي للصدام مع الشرطة أو تحطيم نوافذ المحال، لكن قد لا يقومون بالنهب.

بالتأكيد، الأمر معقد وخاصة مع اختلاف دوافع الناس وفروقاتهم الفردية، فقد يتم استغلال الأحداث من قبل الفئات الإجرامية المشاركة.

المصادر:

MIT

UMN

Political Violince at a glance

Psychological today

BBC

ما هي حدسية ريمان؟

هذه المقالة هي الجزء 4 من 8 في سلسلة مسائل الألفية، ألغاز رياضية مذهلة!

حدسية ريمان من أصعب مسائل الرياضيات وأقدمها. استعصت على عقول العلماء منذ صاغها عالم الرياضيات الألماني برنارد ريمان عام 1859. حتى يومنا هذا لم يستطع أحد تقديم برهان رياضي مقبول لها. كانت ثامن مسألة ضمن مسائل هيلبرت الثلاث والعشرين والتي طرحت في المؤتمر الدولي للرياضيات في باريس عام 1900. كما أنها إحدى مسائل الألفية السبع التي اختارها معهد كلاي عام 2000، ورصد لحلها مليون دولار.

حدسية ريمان هي المسألة الوحيدة المشتركة بين اللائحتين السابقتين وذاك دليل على أهميتها. لنحاول الآن الإجابة بصورة مبسطة على سؤال ما هي حدسية ريمان؟

دالة زيتا ريمان

لفهم فرضية ريمان علينا أولاً أن نتعرف على دالة زيتا ريمان التي تحدد قيمة معينة لكل رقم عند التعويض عنه في هذه العلاقة.

فمثلا لإيجاد قيمة الدالة عند التعويض عن s بالرقم 3 تصبح العلاقة

ظن ريمان في البداية أن أي قيمة أكبر من الواحد يمكننا استبدالها بـ s وتكون الدالة معرفة. لكنه لاحقاً نجح في اكتشاف أن هذه الدالة تصبح معرفة عند جميع الأعداد حتى الأعداد المركبة (الأعداد التخيلية) ما عدا الرقم واحد.

ما المطلوب لأكسب المليون دولار؟

سؤال المليون دولار في حدسية ريمان ببساطة، ما هي أصفار دالة زيتا كاملة؟، أو بمعنى آخر ما هي جميع القيم التي يمكن أن نستبدل حرف s بها وتصبح قيمة الدالة تساوي صفر، جدير بالذكر أن هناك بعض الأصفار واضحة ومثبتة رياضياً وهي مجموعة الأعداد الزوجية السالبة لكن للدالة أصفار أخرى، ابتكر ريمان افتراض طريف للمنطقة التي تقع فيها كل الأصفار الغير واضحة للدالة وهي المنطقة المحصورة بين الخط الرأسي الذي يمر بالصفر والخط الرأسي الذي يمر بالواحد وأن الأصفار الغير واضحة للدالة تقع على الخط الرأسي الذي يمر بالنقطة 0.5 ويسمى الخط الحرج

تم استخدام الحواسيب العملاقة في محاولة لتفنيد فرضية ريمان لكنها باءت بالفشل، تريليونات الأعداد تم تجربتها وكلها تؤكد على فرضية ريمان، الآن لكي تكسب مليون دولار في هذه الحدسية هناك وسيلتان، إما تقديم برهان رياضي جيد لإثبات صحة الحدسية أو تقديم عدد واحد يفند حدسية ريمان.

مايكل عطية

عالم الرياضيات البريطاني ذو الأصول اللبنانية مايكل عطية الحائز على ميدالية فيلدز وجائزة أبيل وميدالية دي مورغان، زعم أنه حل الحدسية، لكن بعد عرضه لبرهانه الرياضي في منتدى هايدلبرج لورييت، قوبل بالرفض والشك من قبل الرياضيين.

ما الفائدة من حل هذه الحدسية؟

إحدى القضايا المرتبطة بحدسية ريمان هي قضية توزيع الأعداد الأولية، فحل هذه الحدسية يعني أن يصبح لدى الرياضيين خريطة تمكنهم من تحديد مواقع الأعداد الأولية، ومن المعروف أن الأعداد الأولية هي اللبنات الأساسية لباقي الأعداد الأخرى.

المصادر:

claymath
newscientist
primes

كيف تتواصل البكتيريا؟

كيف تتواصل البكتيريا؟

قد تتعجب من العنوان لمجرد قراءته، ولكن ما تخفيه هذه الأحياء الدقيقة من أسرار، كانت ولا زالت تمثل ألغازًا يجدر بالبشر الاهتمام بها، لما تمثله من خطورة على حياتهم بأساليب متعددة. بالعودة إلى عنواننا، كيف لهذه الكائنات الدقيقة التواصل فيما بينها؟

توصل أحد العلماء إلى حقيقة هذا التواصل وذلك في منتصف ستينات القرن العشرين وهو العالم «ألكسندر توماز-Alexander Tomasz» وسماه «استشعار النصاب-Quorum sensing» وهو يتمثل في تعديل التعبير عن الجينات في البكتيريا بما يتناسب مع المتغيرات في البيئة المحيطة، حيث أنها تفرز مواد تسمى «محفزات ذاتية-autoinducers» استجابة للتغيرات المحيطة بها حتى تصل إلى الكمية التي تُمكِّن البكتيريا المجاورة من الإحساس بها، والتي بدورها تمتصها وتفرز مثلها ويؤدي في النهاية إلى تغيرات في «التعبير الجيني-gene expression» للجينات المسؤولة عن تكاثر البكيتيريا فيزداد عددها مثلاً أو المسؤول عن خصائصها الممرضة فتزداد قدرتها على إحداث المرض وغيرها من الجينات.

ألكسندر تومازAlexander Tomasz

يجدر الإشارة إلى أن المواد المستخدمة من قبل البكتيريا وكذلك الطريقة التي تتم بها العملية تختلف من نوع إلى آخر. ولا يقتصر دورها فحسب على ما سبق، بل وُجد أنها تلعب دورًا مهمًا في العديد من العمليات الحيوية للبكتيريا، والتي من أهمها عملية إنتاج الأبواغ-Spores (وهي عملية تحول البكتيريا إلى كائن خامل بسبب ظروف قاسية كدرجة حرارة عالية فتكون مقاومة لما حولها من ظروف صعبة)، والتي تمثل تحديًا في وجه مكافحة العدوى البكتيرية وذلك لصعوبة التخلص منها. ومن الخواص المهمة أيضًا للبكتيريا، والتي تتنتج من استشعار النصاب-Quorum sensing، هي خاصية إنتاج الغشاء الحيوي-biofilm والتي تتيح لها الالتصاق مع بعضها وعلى الأسطح، وذلك لحماية نفسها من المضادات الحيوية. وتمثل هذه الخاصية إحدى الصعاب التي تواجه البشر في المعركة ضد العديد من أنواع البكتيريا الخطيرة. ولكن لماذا يجب أن نولي الاهتمام لعملية التواصل تلك؟ إن ما سبق يشير إلى مدى أهمية التركيز على تلك العملية ودراسة تأثيراتها المختلفة، لأن عملية استشعار النصاب عند البكتيريا تشبه الكلمات التي ينطق بها البشر، وبدون الكلمات يصعب على البشر التواصل، وبدون استشعار النصاب لا يمكن للبكتيريا الإحساس بمحيطها وبالتالي لن تقاوم ما يحدث فيه من متغيرات وتكون فريسة سهلة للموت، مما يطرح سؤالًا مهمًا: كيف لنا أن نستفيد من هذه المعلومات؟ هذا ما سعى إليه العلماء في أواخر القرن العشرين، بأن بدأوا في اكتشاف تقنيات متعددة لإيقاف تلك العملية، مما يتيح فرصة مهمة لمجابهة المقاومة البكتيرية للمضادات الحيوية، والتي تمثل أيضًا إحدى الخواص الناتجة عن استشعار النصاب.

إن هذه العملية تعطي البكتيريا العديد من الخواص التي تساعدها على التأقلم مع الظروف المحيطة، وتتيح للبشر إمكانية استخدامها لصالحهم في محاولة تقليل العدوى البكتيرية، وبالعلم والبحث العلمي يمكن تطوير العديد من الطرق لمجابهة تلك الكائنات الدقيقة، ويظل الوعي بالطرق الصحيحة لاستخدام المضادات الحيوية والحفاظ على العادات الصحية هو الحل الأنسب للحفاظ على البشر من خطر العديد من الكائنات الدقيقة.

مصادر (كيف تتواصل البكتيريا؟):

annual reviews

Brittanica

Science Direct

كيف يكون النشوء مع والدين من نفس الجنس عامل للإصابة بالاكتئاب ؟

’النشوء مع والدين من نفس الجنس عامل للإصابة بالاكتئاب‘. كان هذا الاستنتاج هو ختام دراسة نُشرت دون إحداث أي ضجة قبل بضعة سنين في مجلة «Depression Research and Treatment». وجدت الدراسة أن الأفراد الذين نشأوا مع والدين من نفس الجنس كانوا أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بأكثر من الضعف من أولئك الذين تم تربيتهم من قبل أمٍ وأب. إذًا كيف يكون النشوء مع والدين من نفس الجنس عامل للإصابة بالاكتئاب ؟

أضيفت هذه النتائج إلى مجموعةٍ متزايدةٍ من الدراسات التي تبحث في آثار الهياكل العائلية المثلية. تعد تربية الأبناء من قبل والدين مثليين ظاهرةً حديثةً نسبيًا، وكانت البيانات المتاحة حول هذه العائلات قليلة. كان عنوان الدراسة «الضحايا غير المرئيين: الاكتئاب المتأخر بين البالغين ممن نشأوا لآباء من نفس الجنس-
‏Invisible Victims: Delayed Onset Depression among Adults with Same-Sex Parents». تزعم هذه الدراسة أنها أول من “يفحص الأفراد الذين نشأوا لآباء من نفس الجنس إلى مرحلة البلوغ المبكرة.” واستخدمت بياناتٍ لمراهقين على مدى 13 عاما.

قال د. بول سولينز، عالم الاجتماع في الجامعة الكاثوليكية الأمريكية ومؤلف الدراسة: “نعلم أن الكثير من التجارب المحزنة التي نشأ خلالها الأطفال لا تبدأ في الظهور حتى بداية العشرينات من عمرهم عندما يبدأون في تكوين أسرهم.” وجدت دراسة سولينز أنه على الرغم من أن 18% فقط من الأفراد الناشئين لوالدين من نفس الجنس أبلغوا عن أعراض الاكتئاب في سن المراهقة (تقريبًا نفس معدل الأفراد الناشئين لأمٍ وأب)، فإن حوالي نصف الأفراد الناشئين لوالدين من نفس الجنس أصيبوا بالاكتئاب عند بلوغ سن الثامنة والعشرين. وبالمقارنة، كان حوالي خُمس الأفراد الناشئين لأمٍ وأب فقط أصيبوا بالاكتئاب في مرحلة البلوغ.

ارتبط ارتفاع معدل الاكتئاب عند الأطفال الناشئين لوالدين من نفس الجنس بمعدلات أعلى من السمنة، ومشاعر الحرج الاجتماعي، والشعور بالبعد العاطفي عن الآباء. على سبيل المثال، وجدت الدراسة أن 72% من الأطفال من الأسر التي يولدها الأزواج المثلي يعانون من السمنة المفرطة في مرحلة البلوغ، مقارنة بـ 37% فقط من البالغين من الأسر التقليدية. كما أبلغ عدد أكبر من البالغين الذين نشأوا في أسر لوالدين مثليين أنهم فكروا بجديةٍ في الانتحار (30%، مقارنة بـ 7% فقط من البالغين الذين نشأوا في أسرٍ تقليدية)، كما كانوا أكثر عرضةً للإهانة اللفظية والجسدية أو الاعتداء الجنسي من قبل أحد الوالدين أو مقدم الرعاية.

حللت الدراسة بيانات من مسح كبير أُجريَ في أمريكا، وهو «الدراسة الوطنية المطولة لصحة المراهقين والبالغين-the National Longitudinal Study of Adolescent to Adult Health»، والّتي استجوبت أكثر من 15000 مراهق أمريكي بين عامي 1995 و 2008، وتتبعت تفاصيل مَن متوسط ​​عمرهم من 15 إلى 28 عامًا. يُعتبر المسح مجموعة بيانات موثوقة للباحثين لأنه يوفر عينة تمثل سكان الولايات المتحدة. لا تزال تربية الأبناء من قبل آباء مثليين موضوع دراسة مثير للجدل، نظرًا للمعارك السياسية التي خاضها الغرب بسبب زواج المثليين وحقوق أخرى للمثليين. يشير المدافعون عن الهياكل العائلية المثلية إلى عشرات الدراسات السابقة التي أشارت إلى أن أطفال الأزواج المثليين لا يواجهون مشاكلًا خاصة.

لكن النقاد يقولون إن العديد من تلك الدراسات اعتمدت على «عينات ملائمة-convenience samples» مكونة من مشاركين في استطلاعات عامة تم تجميعها من خلال مواقع الويب، أو محافل دعم المثليين، أو بنوك الحيوانات المنوية، أو منتديات الآباء، أو التسويق الشفهي، أو طرق أخرى. يمكن أن تكون أساليب التجميع هذه عرضة للتحيز لأن العوائل التي تحقق أداءً تربويًا جيدًا قد تكون الأكثر تطوعًا للمشاركة. باستخدام بيانات مسح الدراسة الوطنية، تظهر دراسة سولينز أن خطر الاكتئاب والسمنة والأفكار الانتحارية يزداد أو ينقص مع تقدم المراهقين في السن.

على سبيل المثال، بالنسبة للأشخاص الذين نشأوا في أسر مكونة من زواج مثلي، يكون الأفراد أقل عرضة للأفكار الانتحارية مع تقدمهم في السن: لكن 44% من المراهقين فكروا في الانتحار، في حين 30% من البالغين راودتهم أفكار انتحارية (أما بالنسبة للأطفال الناشئين في أسر تقليدية، تنخفض نسبة الأفكار الانتحارية لتصل إلى 14% عند المراهقين و 7% عند البالغين.) وبالمثل، من بين للأشخاص الذين نشأوا في أسر مكونة من زواج مثلي، قال 93% من المراهقين أنهم شعروا بالبعد العاطفي عن أحد أو كلا الوالدين، و 73% من البالغين أفادوا ذلك. (في العائلات التقليدية، أوضح 36% من المراهقين و 44% من البالغين شعروهم بالبعد العاطفي عن أحد الوالدين.)

كان البالغون الذين نشأوا في أسر ولدها الزواج المثلي أكثر عرضةً للشعور بالحرج الاجتماعي (37%، مقارنة بـ 7% من الأطفال من الأسر التقليدية). لكن من غير الواضح لماذا شعروا بهذا الحرج. يعتقد سولينز أن هذا الشعور يمكن ربطه بشكل الجسم وارتفاع معدل السمنة. استفادت دراسة سولينز من استخدام عينة تمثل المجوعة السكانية بشكل جيد، على الرغم من أن تلك العينة صغيرة. لكن نظرًا لكون مجموعة بيانات الدراسة الوطنية مرجحة لتمثيل جميع السكان، فإن الأزواج المثليين الذين شاركوا في الدراسة يمثلون إحصائيًا مئات آخرين.

يقول مارك ريجنروس، عالم الاجتماع بجامعة تكساس، والذي درس أيضًا هيكل الأسر المثلية، إن حجم العينة الصغير يمثل مشكلة مفهومة ولم يقوض نتائج أبحاث سولينز. أحد أسباب صغر العينة يرجع إلى الحقبة التي بدأ فيها جمع البيانات لأول مرة. لكن قلة المعلومات عن الآثار طويلة المدى للأسر المثلية هي ما يجعل البحث مهمًا إلى حد ما. تشير بعض الدراسات الحديثة إلى أن نتائج التربية من قبل والدين مثليين ووالدين مغايري الجنس تكون غير متساوية بشكلٍ عام، على الرغم من وجود بعض الادعاءات الّتي تشير إلى العكس.

أبلغ عدد من البالغين الناشئين في أسر الزواج المثلي لموقع WORLD أن فقدان الأبوين البيولوجيين – الأم أو الأب – في منزلهم ولد حاجزًا أعاقهم في تطوير علاقات عاطفية وجنسية صحية. في دراسة منفصلة سابقة، وجد سولينز أن الأطفال الناشئين لآباء مثليين هم أكثر عرضة للإصابة بالمشاكل العاطفية والسلوكية من الأطفال الناشئين لأم وأب. وتشمل هذه المشاكل الاكتئاب والقلق وعدم الانتباه.

يشدد سولينز على عدم وجود أي هجوم في بحثه على المثليين جنسياً. إذ يمكن أن تنبع المشاكل من عدم قدرة الأطفال على الوصول إلى أحد والديهم البيولوجيين أو كليهما.

المصادر:
NCBI
WORLD

إقرأ أيضًا: هل تشعر بالاكتئاب؟ قد يكمن الحل في هذه اللعبة القديمة

Exit mobile version