هل يمكن أن يحولنا النوم لقتلة؟

هل يمكن أن يحولنا النوم لقتلة؟

لا يخفى على أحد منا أن النوم يعد من أهم العمليات التي تساعدنا على الاسترخاء بعد عناء يوم طويل من العمل والتركيز، ولكن قد يجد البعض صعوبة في الوصول إلى تلك الراحة نظرا لما يعانونه من اضطرابات عديدة أثناء النوم، تلك الاضطرابات التي قد توصل أحدهم إلى تنفيذ جريمة دون أن يدري!

أحد تلك الجرائم التي حدثت في كندا، في شهر مايو عام 1987 عندما خرج “كينيث باركس” أثناء نومه من بيته ليركب سيارته ويقود بها مسافة 20 كيلومتر إلى بيت حماته (والدة زوجته) ليقتلها هي وحماه (والد زوجته) وبعد نجاحه في قتل المرأة وإصابة الرجل، توجه إلى قسم الشرطة ليسلم نفسه وهو ملطخ بدماء الجريمة، ويقول: “يبدو أنني قد قتلت أحدهم”.حتى نستطيع تفسير ما حدث يجب أن نعرف أكثر عن تفاصيل ومراحل عملية النوم.

كينيث باركس

كيف تسير عملية النوم؟

تتكون العملية إجمالا من خمس مراحل مقسمة على جزئين، وتبدأ بجزء يسمى عدم «حركة العينين السريع-Non Rapid Eye Movement» ونمر فيه بأربع مراحل، تبدأ المرحلة الأولى بإغلاق العينين والدخول في النوم، ثم المرحلة الثانية حيث ينخفض ضغط الجسم وتنخفض أيضا درجة الحرارة ويستعد الجسم للدخول للمرحلتين التاليتين وهما مرحلتي النوم العميق؛ حيث تكون العضلات منبسطة ويقل نشاط الدماغ. ثم ننتقل إلى جزء آخر يسمى «حركة العينين السريع-Rapid Eye Movement» وهنا تراودنا الأحلام وتكون العضلات في كامل استرخائها وعدم قدرتها على الحركة بينما يكون العقل في قمة نشاطه وتتحرك العينين في جميع الاتجاهات. تدوم تلك عملية لمدة 90 دقيقة تقريباً ثم تتكرر مرة أخرى، ولكن مع الوقت تقل الفترة المتاحة لمرحلتي النوم العميق. ولعلك إن حاولت إيقاظ شخص وهو في جزئه الأول من النوم قد تجد بعض الصعوبات ولكنه سيفيق، ولكن إن حاولت إيقاظه في الجزء الثاني قد لا يستجيب لك وخصوصا إذا كان في بدايته، وإن استجاب ستجده غير مدرك لما يحدث حوله.

مراحل النوم

إذاً ما الذي حدث أثناء نوم “باركس” جعله يقدم على ما فعل؟

يفسر العلماء ما حدث باضطرابات النوم وهي عدة أنواع ولعل ما يتعلق بحادثتنا هما اثنان، ونفرق بينهما بحسب الأجزاء التي تحدثنا عنها، فإن حدثت في الجزء الأول وخصوصاً في مرحلتي النوم العميق نتج عنها ما يسمى «بالمشي أثناء النوم-Somnambulism» فيصدر عن الشخص أفعال قد تدل على أنه واعٍ لكنه في الحقيقة عكس ذلك. أما إذا حدثت في الجزء الثاني فينتج عنه «اضطراب نوم حركة العين السريعة السلوكي-REM sleep behavior disorder» ويميل فيه الشخص إلى إصدار كلمات وفعل حركات ليمثل فيها أحلامه التي يراها. لعل ما يميز الاضطراب الثاني أن الشخص قد يستيقظ حينما تلامس قدماه الأرض، مما يجعل احتمالية حدوث الاضطراب الأول مع “باركس” هو الاحتمال الأكبر. ولكن ما الذي يوجد وراء تلك الاضطرابات؟

مما تنشأ هذه الاضطرابات؟

دعنا نأخذ “باركس” كمثال لشرح هذه النقطة، عندما تم التقصي حوله وجدوا أنه غارق في الديون ويتم التحقيق معه في قضية اختلاس أموال شركته وأن هذا الأمر قد أثر على نومه. مما يطرح سببين محتملين وهما الضغط النفسي، وقلة ساعات النوم. وهناك سبب آخر يطرح نفسه بقوة وهو شرب الكحول؛ فبشهادة من حوله كان “باركس” شاربا نهماً للكحوليات. ويظهر السبب الرابع عند محاكمته فقد قدم محاميه دليلاً مهما يفيد بأن “باركس” له تاريخ في المشي أثناء النوم وأن والده كان عنده نفس الاضطرابات، مما يجعل التاريخ المرضي للشخص وعائلته أحد الأسباب أيضا. ومن الأمور المهمة المساهمة في نشوء اضطراب عنيف هو العداء بين المريض والشخص الذي يطاله الأذى، ولكن لم يكن هذا سبباً في حادثتنا فعندما بحث المحققون وجدوا أن العلاقة كانت طيبة بين “باركس” ووالدي زوجته، فقد كانا داعما قويا له، ولكن ما انتهوا إليه أن آخر ما دار في حديثه مع زوجته في الليلة المشؤومة كان حول ذهابه لهما في اليوم التالي، مما جعل تفكيره متوجها إليهما بصورة غير واعية. في نهاية الأمر حُكم ببراءة “باركس” بعد فحصه من قبل أخصائيين وثبوت أنه يعاني من هذا الاضطراب، ولكن لم تكن أجهزة الفحص كجهاز «تشخيص النوم-polysomnography» (جهاز يتيح فحص حركة العين والعضلات ونشاط الدماغ) قد دخلت حيز التنفيذ والاستخدام، ولعلها لو استُخدمت لتوصلت المحكمة إلى قرار آخر إذا ثبت عدم مرضه.

فبذلك نخلص أن الأسباب الؤدية لمثل تلك الحالات تتلخص في الضغط النفسي، وقلة ساعات النوم، وشرب الكحول، والتاريخ المرضي للشخص وعائلته، والعداء بين المريض والشخص الذي يطاله الأذى. فعليه ننصحك عزيزي القارئ باتباع نصائح بعض المختصين من جامعة هارفارد، حيث ينصحون بتجنب المنبهات قبل النوم وتجنب شرب الكحول والحرص على ممارسة الرياضة بشكل منتظم واحرص على تحديد ميعاد ثابت للنوم، كي تنعم بنوم أفضل بلا اضطرابات.

مصادر (هل يمكن أن يحولنا النوم لقتلة؟):

While You Were Sleepwalking: Science and Neurobiology of Sleep Disorders & the Enigma of Legal Responsibility of Violence During Parasomnia

Violence in Sleep

Twelve Simple Tips to Improve Your Sleep

الطباعة ثلاثية الأبعاد، نماءٌ وازدهار أم خراب ودمار؟

الطباعة ثلاثية الأبعاد، نماءٌ وازدهار أم خراب ودمار؟

دائمًا ما يبدع البشر في خلق الشر من قلب الخير، ليرضوا أهواءهم، التي تؤدي إلى الدمار. من الممكن أنك شاهدت فيلم Star Trek ولاحظت كيف استخدم أبطال الفيلم الطابعة ثلاثية الأبعاد في توفير غذائهم، أو فيلم Jurassic Park III حين استخدموها لطباعة تجويف رنين لمحاكاة صوت أحد الديناصورات، وغيرها من التطبيقات الخي الية وحتى الحقيقية، التي يمكن استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد فيها بطريقة تساعد في تطوير الحياة. ولكن يظهر لنا الوجه الآخر لهذه التقنية، مشيرًا إلى مستقبل مظلم، يسود فيه العنف ويطغى عليه الكره، بداية بعام ٢٠١٣ حينما نشرت شركة تصميم أمريكية على شبكة الإنترنت، نموذجًا جاهزًا للطباعة لسلاح ناري، مرورًا إلى حادثة في نفس العام حينما ألقت الشرطة الإنجليزية القبض على طالب، لطباعته أجزاء سلاحٍ ومحاولة تجميعها، وصولًا إلى اليابان في عام ٢٠١٤، والحكم على مواطن بالسجن لعامين لحوزته سلاحًا مطبوعًا. دعنا في البداية نوضح كيف بدأت الطباعة ثلاثية الأبعاد؟

طابعة ثلاثية الأبعاد

بداية الطباعة ثلاثية الأبعاد:

في أوائل ثمانينات القرن العشرين، تمكن السيد «تشارلز هلّ-Charles Hull» من تطوير تقنية «الطباعة الحجرية المجسمة-stereolithography» والتي تستخدم البوليمرات الضوئية (وهي مركبات تتغير أشكالها بفعل الأشعة الفوق بنفسجية) لإنتاج مجسمات بلاستيكية ثلاثية الأبعاد. وفي أواخر نفس العقد، استطاع إنتاج أول طابعة ثلاثية الأبعاد وسماها «جهاز الطباعة الحجرية المجسمة-stereolithography apparatus». وتوالت بعد ذلك الشركات المتعددة في تطوير وإنتاج الطابعات ثلاثية الأبعاد، والتي يتاح فيها استخدام العديد من المواد، ليس فقط البلاستيك بل الرخام والمعادن وحتى السوائل والخلايا الحية. وأصبحت تعتمد على بناء طبقات فوق بعضها لإنتاج الشكل النهائي، بدلًا من تسليط الأشعة على البوليمرات الضوئية. وتوالت الأفكار ومازالت تتوالى إلى خواطر العلماء لاستخدام هذه التقنية في العديد من مجالات الحياة كالصحة وذلك في طباعة بعض المجسمات التخطيطية للعمليات الجراحية الدقيقة.

المجسمات التخطيطية للعمليات الجراحية الدقيقة

وكذلك استخدامها في البناء، لأنها تساعد في تخفيف التكلفة وتقليل المخلفات واليد العاملة. ومثالا على ذلك، أكبر مبنى مطبوع في العالم ويوجد في دبي وتم البناء بتعاونٍ بين شركة «أبيس كور-Apis Cor» و «جامعة نانت-University of Nantes» الفرنسية، ومشاركة 15 عامل فقط. ومع كل ذلك التطور بدأ حدوث التحول لصالح الاستخدامات القاتله.

أكبر مبنى مطبوع في العالم-دبي

كيف حدث التحول؟

في بادئ الأمر، لم تكن التصاميم المستخدمة متاحة للعامة وذلك حتى عام ٢٠٠٦، حين بدأت المصادر المفتوحة بالظهور، وإتاحة التصاميم للاستخدام. ودعنا نكن متفائلين، فقد استغرق البشر ٧ سنوات لإظهار الوجه الآخر لتلك التقنية، وذلك بتسجيل أول حالة من نوعها في مايو/أيار عام ٢٠١٣ بنشر شركة تصاميم أمريكية تصاميم سلاحٍ يمكن طباعته، اسمه «المحرِّر-Liberetor» وهو سلاح مركب من 15 قطعة بلاستيكية (المطبوعة) وقطعة أخرى حديدية يسهل الحصول عليها من المتاجر ويمكنه إطلاق طلقة واحدة ، ولكن باختبارها (في المعمل) من قبل خبراء في وزارة الداخلية النمساوية، أكدوا أنها قاتلة. والمثير في الأمر أنه يمكن التنقل به بكل سهولة، وخصوصًا إذا كان كل جزء على حدا. وذلك ما أكدته تجربة «سايمون مورفي-Simon Murphy» المراسل بصحيفة ديلي ميل البريطانية، بالسفر بالقطار من لندن إلى باريس وبحوزته القطع مفككة (ولكنه لم يحمل القطعة الحديدية)، واستطاع تجاوز نقاط التفتيش وتجميع القطع على متن القطار.

«المحرِّر-Liberetor»

ولم تكن هذه الصدمة الوحيدة، فلم تمض أشهر حتى انتشر تصميم آخر لبندقية نصف آلية، ثم أعلنت شركة أمريكية طباعة أول سلاح معدني من نوع M1911. والعديد من القضايا الحديثة المتعلقة بطباعة الأسلحة والتي تدعو إلى أخذ الحيطة والحذر.

فكيف يمكن التعامل مع تلك القضايا؟ وهل تمثل خطورة على البشر؟ نظرًا لقانونية حمل السلاح في بعض الدول، فمحاولة السيطرة وتجريم تلك الأفعال يعد أحد الحلول الممكنة، فعلى سبيل المثال، تحاول السلطات الأمريكية منع تداول التصاميم أولًا بأول. بينما اتخذت البرازيل وأسبانيا وألمانيا وبريطانيا بعض التدابير الحاسمة، خصوصًا بعد ملاحظة انتشار تصاميم المحرِّر فيها. ومنها مثلًا تعديل بريطانيا لنص قانون منع تصنيع الأسلحة بدون تصريح، وجعل الأسلحة المطبوعة ضمن نطاق القانون. ولكن نظرًا إلى عدم فعالية المحرِّر في الاستخدام المتكرر، وعدم توافر الإمكانيات لعامة الناس لإنتاج سلاح آخر، قد لا تمثل خطورة على البشر في الوقت الحالي، ولكن تظل الفكرة قائمة، ويخفي المستقبل في طياته العديد من الأسرار التي قد لا يُحمد عقباها.

مصادر:

Printing Insecurity? The Security Implications of 3D-Printing of Weapons

Suspected 3D-printed gun found in Manchester gang raid, say police

Dubai Unveils World’s Largest On-Site 3D Printed Building

Medical Applications for 3D Printing: Current and Projected Uses

Mail online

اقرأ أيضاً:

أفكار و اختراعات نيكولا تسلا التي لم تر النور

كيف تتواصل البكتيريا؟

كيف تتواصل البكتيريا؟

قد تتعجب من العنوان لمجرد قراءته، ولكن ما تخفيه هذه الأحياء الدقيقة من أسرار، كانت ولا زالت تمثل ألغازًا يجدر بالبشر الاهتمام بها، لما تمثله من خطورة على حياتهم بأساليب متعددة. بالعودة إلى عنواننا، كيف لهذه الكائنات الدقيقة التواصل فيما بينها؟

توصل أحد العلماء إلى حقيقة هذا التواصل وذلك في منتصف ستينات القرن العشرين وهو العالم «ألكسندر توماز-Alexander Tomasz» وسماه «استشعار النصاب-Quorum sensing» وهو يتمثل في تعديل التعبير عن الجينات في البكتيريا بما يتناسب مع المتغيرات في البيئة المحيطة، حيث أنها تفرز مواد تسمى «محفزات ذاتية-autoinducers» استجابة للتغيرات المحيطة بها حتى تصل إلى الكمية التي تُمكِّن البكتيريا المجاورة من الإحساس بها، والتي بدورها تمتصها وتفرز مثلها ويؤدي في النهاية إلى تغيرات في «التعبير الجيني-gene expression» للجينات المسؤولة عن تكاثر البكيتيريا فيزداد عددها مثلاً أو المسؤول عن خصائصها الممرضة فتزداد قدرتها على إحداث المرض وغيرها من الجينات.

ألكسندر تومازAlexander Tomasz

يجدر الإشارة إلى أن المواد المستخدمة من قبل البكتيريا وكذلك الطريقة التي تتم بها العملية تختلف من نوع إلى آخر. ولا يقتصر دورها فحسب على ما سبق، بل وُجد أنها تلعب دورًا مهمًا في العديد من العمليات الحيوية للبكتيريا، والتي من أهمها عملية إنتاج الأبواغ-Spores (وهي عملية تحول البكتيريا إلى كائن خامل بسبب ظروف قاسية كدرجة حرارة عالية فتكون مقاومة لما حولها من ظروف صعبة)، والتي تمثل تحديًا في وجه مكافحة العدوى البكتيرية وذلك لصعوبة التخلص منها. ومن الخواص المهمة أيضًا للبكتيريا، والتي تتنتج من استشعار النصاب-Quorum sensing، هي خاصية إنتاج الغشاء الحيوي-biofilm والتي تتيح لها الالتصاق مع بعضها وعلى الأسطح، وذلك لحماية نفسها من المضادات الحيوية. وتمثل هذه الخاصية إحدى الصعاب التي تواجه البشر في المعركة ضد العديد من أنواع البكتيريا الخطيرة. ولكن لماذا يجب أن نولي الاهتمام لعملية التواصل تلك؟ إن ما سبق يشير إلى مدى أهمية التركيز على تلك العملية ودراسة تأثيراتها المختلفة، لأن عملية استشعار النصاب عند البكتيريا تشبه الكلمات التي ينطق بها البشر، وبدون الكلمات يصعب على البشر التواصل، وبدون استشعار النصاب لا يمكن للبكتيريا الإحساس بمحيطها وبالتالي لن تقاوم ما يحدث فيه من متغيرات وتكون فريسة سهلة للموت، مما يطرح سؤالًا مهمًا: كيف لنا أن نستفيد من هذه المعلومات؟ هذا ما سعى إليه العلماء في أواخر القرن العشرين، بأن بدأوا في اكتشاف تقنيات متعددة لإيقاف تلك العملية، مما يتيح فرصة مهمة لمجابهة المقاومة البكتيرية للمضادات الحيوية، والتي تمثل أيضًا إحدى الخواص الناتجة عن استشعار النصاب.

إن هذه العملية تعطي البكتيريا العديد من الخواص التي تساعدها على التأقلم مع الظروف المحيطة، وتتيح للبشر إمكانية استخدامها لصالحهم في محاولة تقليل العدوى البكتيرية، وبالعلم والبحث العلمي يمكن تطوير العديد من الطرق لمجابهة تلك الكائنات الدقيقة، ويظل الوعي بالطرق الصحيحة لاستخدام المضادات الحيوية والحفاظ على العادات الصحية هو الحل الأنسب للحفاظ على البشر من خطر العديد من الكائنات الدقيقة.

مصادر (كيف تتواصل البكتيريا؟):

annual reviews

Brittanica

Science Direct

Exit mobile version