ما هو الطراز الدولي international style في العمارة؟

هذه المقالة هي الجزء 10 من 13 في سلسلة كيف نشأت الحداثة وغيرت من شكل المعمار في عصرنا؟

هل زرت يومًا ما مدينة في بلدك غير مدينتك، أو ربما في بلد آخر، وتساءلت إلى أي حد تشبه مدينتك؟ ماذا لو كانت الأبنية جميعها متشابهة في الطراز، ولا تعرف حدودًا اجتماعية، أو إقليمية، أو دينية، أو حتّى سياسية. فهل ستكون مميّزة أم ستخلق مشهدًا مملًا رتيبًا؟ حسنًا هذا ما دعا إليه معماريو الطراز الدولي. فماذا يقصد بالطراز الدولي في العمارة، وكيف نشأ؟

ما هو الطراز الدولي؟

استُخدم مصطلح « الطراز الدولي – international style » لأوّل مرّة عام 1932. وذلك لوصف المعماريين الذين ارتبطوا بحركة الحداثة، والذين تشاركت تصاميمهم ذات الصفات البصرية. وعقِد معرض MoMA في نيويورك عام 1932، ويعتبر أوّل معرض معماري ضمّ المهندسين المعماريين المرتبطين بحركة الحداثة. وقد صيغ مصطلح الطراز الدولي من قبل المعماري فيليب جونسون وهنري راسل هيتشكوك في مقالتهما، والتي كانت بمثابة نشرة للمعرض. وبصفة عامة ينظر إلى الطراز الدولي على أنّه يحوِّل بمفرده أفق كل مدينة رئيسيّة في العالم إلى أشكال مكعّبة بسيطة. [1]

العوامل التي أدَّت إلى نشوء الطراز الدولي

نشأ الطراز الدولي بسبب 3 ظواهر أساسيّة واجهت المعماريين في أواخر القرن 19 وبداية القرن 20، ألا وهي:

  • تزايد عدم رضى المعماريين على الاتجاه المعماري المنتشر في تلك الفترة. إذ استمرَّ استخدام مزيج من العناصر الزخرفية التي تعود إلى فترات وأنماط معمارية مختلفة، لكي يتشكّل منها مبانٍ جديدة. و يدعى هذا ب: «الانتقائية في العمارة- eclecticism in architecture» ولم يظهر هذا الاتجاه علاقة مباشرة بين شكل المبنى ووظيفته. فأدّت هذه الأسباب إلى رفض المعماريين إحياء الأساليب التاريخية، وبدلًا من ذلك، دعوا للعودة إلى أساس العمارة؛ الشكل والهيكل والتناسب.
  • جميعنا نعرف ما تخلّفه الحروب من تشرّد، وأزمات اقتصادية، ودمار. وبالطبع تطلّبت الحياة بعد الحرب العالميّة حلولًا جديدة في العمارة، لاسيما بعد توجّه العالم نحو الكثير من إعادة الإعمار وإعادة التأهيل. إذ احتاجت الدول إلى مبانٍ اقتصادية منخفضة التكاليف، وتخدم مجتمعا سريع التصنيع.
  • شكّلت التكنولوجيا عاملًا حاسمًا، خاصّةً نتيجة توفّر الحديد والفولاذ المنتج بكمّيات كبيرة ورخيصة الثمن. فبدأ المهندسون بدمج هذه المواد في الأبنية، فارتفعت أوّل ناطحة سحاب في ذلك الوقت والتي تعود لمدرسة شيكاغو.

لذلك أدّت هذه الظواهر إلى البحث عن عمارة صادقة، واقتصادية، ونفعيّة من شأنها تلبية احتياجات البناء الجديدة من جهة. بالإضافة لجاذبية المنظر من جهة أخرى.[2][3]

بمن تأثّر الطراز الدولي؟

نما الطراز الدولي نتيجة عمل مجموعة صغيرة من المعماريين في العشرينيات، الذين واصلوا تحقيق تأثير كبير في مجالهم. وتعتبر مدرسة «باوهاوس-Bauhaus» الألمانية من أكبر المؤثّرين على نشوء الطراز الدولي. خاصة بسبب أعمال مديرها «فالتر غروبيوس-walter gropius»، الذي اشتهر بالجدران الستائرية. ويقصد بها الغلاف الخارجي للمبنى الذي تكون جدرانه الخارجية غير إنشائية، ويمكن صنعها من مواد خفيفة الوزن كالزجاج مثلًا. والمعماري «ميس فان دير روه- Mies van der rohe ». وكذلك المعماري الهولندي «يعقوب أود- jacobus oud» الذي جلب المزيد من الأشكال الدائرية إلى الطراز. بالإضافة للمعماري «لو كوربوزييه-le corbusier» الذي أضاف مفهوم النسبة المعيارية من أجل الحفاظ على مقياس إنساني في عمله. وغيرهم من معماريي الحداثة الذين ساهموا في نشر مبادئ الطراز الدولي. والذي شكّل بدوره أساس المفردات المعمارية لناطحات السحاب في أمريكا خلال فترة الخمسينيات والستينيات. [2]

مبادئ الطراز الدولي

رأى فيليب جونسون أن هذه الاتجاهات التي تبنّاها المعماريون في جميع أنحاء العالم من شأنها أن تؤدي إلى عمارة حديثة، وخالية من المواد المحليّة والعناصر الشخصيّة والإقليمية. ورأى آخرون أن الطراز الدولي قد أعلن استقلاله عن المتطلّبات الفريدة للثقافة، والمناخ، والمكان والزمان أيضًا. [3]

وعمومًا اعتمد الطراز الدولي عدّة مبادئ أساسيّة. فقد ركّز على الحجم بدلًا من الكتلة، أي على التعامل مع الحيّز والمستويات التي يشغلها المبنى. وأكّد على الانتظام، حيث يعكس الشكل البصري للمبنى الإيقاع المنتظم للنظام الإنشائي. إضافةً إلى ذلك استخدم المعماريون مواد أنيقة تحقّق نسبا جميلة بدلًا من اعتماد الزخرفة المنتشرة. وغالبًا ما ارتبطت المرونة مع هذه المبادئ، ولاسيّما مرونة المخطّطات. [3][4]

بماذا تتميّز عمارة الطراز الدولي؟

تتميّز عمارة الطراز الدولي بعدّة صفات وعناصر تحدّدها وتميّزها عن غيرها، منها:

  • بدت هياكل الطراز الدولي عديمة الوزن بصريًا، نتيجة الاستخدام الواسع للزجاج والصلب.
  • اعتماد هياكل إطارية معدنية بدلًا من الجدران الحمّالة. وعكِس هذا بدوره على المساقط من جهة، إذ يتحقّق مسقط حر خالٍ من العديد من الجدران، وعلى الواجهات من جهة أخرى حيث يمكن للنوافذ أن تمتدَّ من طرف إلى آخر بدون إعاقة الجدران.
  • استُخدمت غالبًا الخطوط المستقيمة أي المستطيلات أو المربّعات، بدلًا من المساقط الدائرية. وفضِّلت الخطوط المستقيمة أكثر من الأقواس لتشكيل الفتحات (الأبواب والنوافذ).
  • تجنّب الأسقف المتعرّجة والبارزة، وبالتالي تفضيل الأسقف المستوية، ممّا شجّع على إدخال الأسطح المتدرّجة (المصاطب).
  • تجنّب الزخرفة وتزيين الجدران والأسطح، حيث استخدموا أحيانًا الفنون الناعمة للزينة، وفضّلوا الطلاء أحادي اللون، خاصّةً اللون الأبيض.
  • حلَّت بعض الاعتبارات مثل الجمالية، والوظيفية، واعتماد التقنية، وبساطة التفاصيل في نهج التصميم.
  • لا يعترف الطراز الدولي بالتسلسل الهرمي لأنواع المباني.
  • تخفيض تكلفة البناء وتقليص زمن البناء، إذ استخدموا في الغالب مواد مسبقة الصنع.
  • لا تتوافق المباني مع المناخ، مما يجعلها تتطلّب تطويرًا وضوابط واسعة للمناخ الداخلي، مثل استعمال مكيّفات الهواء والسخّانات وغيرها العديد.
  • فقدت المباني خصوصيّتها وشعورها بالأمان وذلك لأن معظم الواجهات كانت زجاجية.
  • اعتمدت على التوحيد، حيث كثيرًا ما تشابهت المباني.[3]

انتقادات شديدة

فشل الطراز الدولي في الانتشار في كل أنحاء العالم، لأنّه لم يأخذ تأثير البيئة السياسية بعين الاعتبار. التي أثّرت على وصوله لعدة دول مثل روسيا، والصين، وتشيكوسلوفاكيا، وبولندا. وتلقّى أيضًا انتقادات واسعة من معماريين مشهورين مثل «فرانك لويد رايت- Frank Lloyd Wright ». إذ وصف الطراز الدولي بالصيغة السهلة التي يمكن لأي شخص نسخها. بينما رأى آخرون أن عمارتها هي عمارة بلا مشاعر إنسانية. حيث تمّ تجاهل الغموض والمفاجأة والبهجة في العمارة باعتبارها غير ذات صلة. وبدت الصناديق المصنوعة من الفولاذ والزجاج محبطة ورسمية، ومن ناحية أخرى، لم يحترم الطراز الدولي التقاليد والبيئة المحلية للموقع. فانتشرت مبانيه في الكثير من المدن دون النظر إلى الثقافة المادية والمحلية والاجتماعية للشعوب. وعلى الرغم من ذلك، فقد قبلت بعض دول العالم الثالث هديّة العمارة الأجنبية كدليل على الوصول إلى الساحة السياسية الدولية.

ونتيجةً لهذه الأسباب مجتمعة، تشكّل رد فعل ضد عمارة الحداثة. وسعى المعماريون لإنشاء هياكل أكثر حريّة، وأكثر خياليّة، فاستخدموا مواد البناء الحديثة والعناصر الزخرفية لخلق مجموعة متنوعة من التأثيرات الجديدة. وعرفت هذه الحركة باسم «ما بعد الحداثة- postmodernism » وانتشرت على نطاق واسع.[2][3]

منزل ريتشارد ماندل في أمريكا

يعتبر منزل Richard H.Mandel الواقع في نيويورك واحدا من الأمثلة على الطراز الدولي الأمريكي. صمّمه المعماري «إدوارد دوريل ستون- Edward durell stone». ودمج المنزل كفاءة التصميم مع الأناقة، وتأثّر المبنى بجدارنه الخرسانية الجصيّة البيضاء، وشكل الفتحات الشريطية بتصاميم المعماري لوكوربوزييه.[5]

منزل Richard H.mandel في نيويورك

شقق بحيرة شور في شيكاغو

قدّمت «شقق بحيرة شور- lake shore drive apartments» نموذجًا لناطحات السحاب ذات الإطارات الفولاذية. وقد صمّمها المعماري ميس فان دير روه بين عامي 1948-1951. وتتكون من برج مستطيل، مكوّن من واجهات زجاجية ثبِّتت بإطارات معدنية رقيقة موضوعة بنمط شبكي. وبصفة عامة يعكس المبنى مظهرًا أنيقًا وعالي التقنية. [4]

Lake shore drive apartments من تصميم ميس فان دير روه

مبنى سيغرام عام 1958

يقع «مبنى سيغرام- the seagram building» في نيويورك، ويعدّ رمزًا للطراز الدولي. وهو مبنى مكتبي، بنِي من الفولاذ والزجاج. ويتكوّن من 38 طابق، وعبّر مصمّموه عن هيكله الداخلي من خلال استخدام العوارض البرونزية على واجهاته، والتي لا تحمل أوزانًا. وعلاوةً على ذلك، فإنّ المبنى يقع تقريبًا على بعد 30 م من حافّة الشارع. الأمر الذي أدّى إلى خلق ساحة عامّة أمامه. [6]

The seagram building في نيويورك

مبنى ليفر هاوس 1951

يعد مبنى «ليفر هاوس- lever house» أيضًا من أحد رموز الطراز الدولي. وهو عبارة عن هيكل من الفولاذ المقاوم للصدأ، والزجاج المقاوم للحرارة. ويتكوّن من 24 طابق، ويقع فوق قاعدة مرتفعة مستطيلة من طابقين. [6]

Lever house في نيويورك

إيجابيات وسلبيات

يمكن للمرء استنتاج أن الطراز الدولي قد اجتاح بهدوء ولكن تدريجيًا معظم دول العالم. وقد تخلّص من الاستعارات التاريخية في الأبنية. وخدم بشكل فعّال العمارة، وخاصة في كيفية التعامل مع نتائج الحرب. ولكنّه في نفس الوقت كان سينتهي بتدمير تاريخ الشعوب وتراثها، وسحق العمارة المحلية التقليدية. [3]

وأنت، هل تعتقد أن الطراز الدولي قد لعب دورًا إيجابيًا أم سلبيًا في العمارة؟

المصادر

  1. Tate
  2. Britannica
  3. Research gate
  4. architecture history
  5. Research gate
  6. archdaily

كيف نشأت مدرسة باوهاوس Bauhaus وكيف أثرت على العمارة؟

هذه المقالة هي الجزء 4 من 13 في سلسلة كيف نشأت الحداثة وغيرت من شكل المعمار في عصرنا؟

هل شعرت يومًا ما بالملل وأنت جالس على المقاعد المدرسية وتساءلت كيف كانت لحياتك أن تكون لو أن نظام المدرسة قد اختلف؟ حسنًا هذا ما قد حدث بالفعل قبل مئة عام وتحديدًا في ألمانيا. فحلَّ أسلوب التدريس الجديد في مدرسة «باوهاوس-bauhaus» محل العلاقة التقليدية بين التلميذ والمعلم. وظهرت فكرة تجمع مختلف الفنانين الذين يعملون معًا بهدف إعادة الفن إلى الاتصال مع الحياة اليومية. وبالتالي جمعوا بين الهندسة المعمارية وتصميم الأثاث والفنون التطبيقية كالنحت والفخار والنسيج والطباعة والإعلان وغيرها من الحرف. وأعطوها الوزن نفسه كالفنون الجميلة. [1] فكيف نشأت مدرسة باوهاوس Bauhaus وكيف أثرت على العمارة؟

نشأة مدرسة باوهاوس Bauhaus في فايمار

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، ظهرت حكومة جديدة في ألمانيا، وجاءت معها أفكار مثيرة للجدل. فبدأ الناس بتجربة أفكارهم المختلفة بجرأة واستخدموا الفن والمسرح للتعبير عن معتقداتهم. [2]

وتأسست مدرسة باوهاوس عام 1919 في «فايمار-weimar» من قبل المعماري «فالتر غروبيوس-walter gropius». وجمع فالتر بين أكاديميتين، أكاديمية فايمار للفنون، ومدرسة فايمار للفنون والحرف وأسماها باوهاوس وهي مزيج من الكلمات الألمانية «بناء-bau» و «منزل-haus». واستمرت في فايمار لمدة 6 سنوات. [3]

وقد شجّعت باوهاوس طلابها على النظر إلى العالم من حولهم بطريقة مختلفة، ودرّستهم في ورش العمل العملية، والتي كانت على عكس المحاضرات النظرية النخبوية في العديد من مدارس التصميم المعاصر. وغيّرت نظرة الناس عمومًا حول ما يفترض أن يكون عليه الفن. [2]

أهداف باوهاوس ونظامها التعليمي

هدفت باوهاوس إلى معالجة الانقسام بين الفنون والحرف اليدوية، وإزالة الحواجز الطبقية بينهما. وكان على الطلاب الذين بلغ عددهم 100 طالب أن يتعلموا أن يكونوا على نفس القدرة من الكفاءة في المجالات الفنية المتعددة. كما في تكنولوجيا الإنتاج كذلك، فدرسوا في مناهج متعددة التخصصات. [4]

وقبل قبولهم في ورش العمل، كان على طلاب باوهاوس أن يأخدوا دورة تمهيدية لمدة 6 أشهر في عدة ورش كالنجارة، والمعادن، والفخار، والزجاج الملون، والرسم على الجدران، وغيرها من الفنون. ودُرّست هذه الورش عمومًا بواسطة شخصين، الفنان الذي ركّز على التعليم النظري، والحرفي الذي ركّز على التقنيات والتدريب العملي. [3]

وأصرّ غروبيوس على أن يتقن الطلاب عملية الإنتاج الصناعي من البداية إلى النهاية. بحيث يتم إطلاع حاستهم الفنية على إمكانيات جديدة من خلال التكنولوجيا الحديثة. وشجّعت المدرسة الطلاب على الاتصال مع الشركات الصناعية في جميع أنحاء المدينة. فكان الدافع إلى الإنتاج الضخم وتوحيد المعايير مركزيًا ومهمًا في رؤى المدرسة. [4]

انتقال مدرسة باوهاوس Bauhaus إلى ديساو

أعلن غروبيوس إغلاق مدرسة باوهاوس Bauhaus عام 1925 بسبب تخفيض وزارة التعليم لمنحتها المالية. وكان من الممكن أن تنتهي المدرسة تمامًا لولا العرض الذي جاء من مدينة «ديساو-dessau» الصناعية. فانتقلت باوهاوس إلى مدرسة جديدة صمّمها غروبيوس. وتكوّن المبنى من إطارات فولاذية مع جدران كبيرة من الزجاج، وتميز بالعديد من خصائص العمارة الحديثة. [2][4]

وتُعتبر سنوات انتقال مدرسة باوهاوس Bauhaus إلى ديساو ذروة إنتاجها فبدأ المعماري «مارسيل بروير-marcel breuer» وطلابه بإنتاج كراسي أنبوبية ثورية وخفيفة الوزن. فأصبح القسم مصدرًا قيّمًا ويوفر دخلًا للمدرسة.

واستقال غروبيوس من منصبه، فعُيّن المعماري السويسري «هانيس ماير-hannes meyer» رئيسًا لباوهاوس عام 1928. وتأثر ماير بالاتّجاه اليساري، وبسبب الصراع السياسي في تلك الفترة، طُلب منه الاستقالة بسبب آرائه السياسية التي جعلته في صراع مع سلطات ديساو. وأتى بعده المعماري «لودفيغ ميس فان دير روه- ludwing mies van der rohe » مديرًا للمدرسة عام 1930. فحظر لودفيغ النشاط السياسي وحوّل باوهاوس إلى مدرسة معمارية أكثر تقليدية في محاولة عقيمة لإنقاذها. [3][4]

كيف أصبحت النهاية نقطة بداية؟

سيطر النازيون عام 1931 على حكومة مدينة ديساو وحاربوا الباوهاوس، فأجبروا بعض المعلمين والأساتذة على المغادرة. ونقل نتيجةً لذلك ميس فان دير روه المدرسة إلى مستودع قديم في برلين عام 1932. وأغلِقت في نهاية المطاف عام 1933. [4] وضمنت باوهاوس في النهاية استمرارها، ونجحت بسبب إغلاقها. فهاجر فنانونها إلى بلدان أخرى، ونشروا أفكارهم في جميع أرجاء العالم. [5]

ألهمت أساليب فنانو باوهاوس العديد من الدول وخاصةً أمريكا وبريطانيا. فأسس الفنان «لاسزلو موهلي ناجي-laszlo moholy nagy » باوهاوس جديد، وأعيد تسميته فيما بعد باسم معهد التصميم في شيكاغو عام 1937. [3]

كيف أثّرت باوهاوس على الفنون والحرف؟

رفضت مدرسة باوهاوس Bauhaus تركيز الفنون والحرف على الأشياء الفاخرة التي يتم تنفيذها بشكل فردي. وأدرك غروبيوس أن إنتاج الآلات يجب أن يكون الشرط المسبق للتصميم. وبالتالي الاستفادة من التقدم التقني في الفنون بصورة شاملة. فوجّه جهود المدرسة نحو التصنيع الشامل والمتعدد. على سبيل المثال، فكّر المصممون منذ ذلك الحين بإنتاج أشياء وظيفية ومُرضية من الناحية الجمالية للمجتمع، بدلًا من تصميم العناصر الفردية لنخبة الأثرياء.

واشتركت منتجات باوهاوس في نمط هندسي صارم، ولكن تميز بالأناقة. وعلى الرغم من أن الأعمال المنتجة في الواقع كانت غنية بالتنوع، لكنهم نفذوها مع مراعاة كبيرة للجانب الاقتصادي. فأثّرت أفكارها على المدى البعيد، فحتى الآن تتم إعادة إنتاج منتجاتها على نطاق واسع. وتُدين التصاميم غير المزخرفة، والبسيطة، والأنيقة ذات الاستخدام اليومي بالكثير إلى مبادئ الباوهاوس. [3]

تأثير مدرسة باوهاوس على العمارة

على الرغم من أن غروبيوس كان معماريًا، ولكن لم تنشأ كلية الهندسة المعمارية إلّا بعد 8 سنوات من افتتاح المدرسة. فافتقرت المدرسة إلى كلية العمارة عندما فتحت أبوابها ومع ذلك تُعتبر العديد من المباني مثل المنازل الرئيسية في ديساو دليل على أهمية البناء بالنسبة لباوهاوس منذ البداية. [5]

أثّرت الباوهاوس وخاصةً في مرحلة ديساو على عمارة الحداثة بشكل كبير. فأصرّوا على توحيد المعايير والتجارب في التصميم، واهتموا بمفهوم التصميم الصناعي. [4] وبالنسبة لأعضائها لم يكن هناك حاجة إلى التزيين أو الزخرفة أو الاكتظاظ. فيمكن أن تكون المباني أحدث وأفضل دون نسخ أو تقليد مبنى قد سبق وصمّم. حيث يولد الجمال من إيجاد جواب للسؤال: ما هو المفيد؟ فارتبطت مباني الباوهاوس بالوظيفية. [6]

وفي الوقت الحاضر تعني باوهاوس أن التصميم يقتصر على أساسيّاته والاستخدام العقلاني والأنيق للمواد الحديثة والتقنيات الصناعية، إضافةً للوضوح والبساطة وأحادية اللون.[7]

وتميز أسلوبها بزوايا قائمة من الزجاج المكوّن «للجدار الستائري-curtain wall» وهو غلاف خارجي للمبنى الذي تكون جدرانه الخارجية غير إنشائية، فتعزل مستخدمي المبنى عن الخارج، ويمكن صنعه من مواد خفيفة الوزن للتقليل من تكاليف الإنتاج. وتستخدم معها الفولاذ والطوب أو البلوك. فتُنشئ مع بعضها أنماطًا في المباني تتّسم بالكفاءة والعقلانية.

وركّز التعليم فيما بعد بشكل أقل على الوظيفة وأكثر على التجريد، لذلك تأثر الفن المنتج بالتعبيرية والمستقبلية إلى جانب أسلوبها الهندسي الذي يشبه قليلًا التكعيبية في بعض الأحيان. [8]

مصنع فاغوس في ألفيد، ألمانيا

يعتبر مصنع فاغوس للأحذية واحد من أقدم مباني الحداثة. وعُهد به أول الأمر إلى المهندس إدوارد فيرنر، ولكن نجح غروبيوس بإقناع صاحب المصنع بأنه يجب أن ينفذ كمشروع فني. إذ شعر غروبيوس أن التصميم الخارجي للبناء يجب أن يكشف عن وظيفة المبنى. وهذا يماثل مبدأ لويس سوليفان رائد مدرسة شيكاغو، الذي عبّر عنه بمقولته الشهيرة “الشكل يتبع الوظيفة”. وأشار غروبيوس لأهميّة تحسين ظروف العمل من خلال زيادة ضوء النهار والهواء النقي، اللذين يؤدّيان إلى زيادة رضى العمّال وبالتالي زيادة الإنتاج الكلّي.

والتزم غروبيوس ومعاونه أدولف ماير بمخططات فيرنر، وركّزوا على التصميم الخارجي والداخلي للمصنع. فاستخدم غروبيوس الطوب الداكن بارتفاع 40 سم، الذي ابتعد 4 سم عن الواجهة، مرارًا وتكرارًا في جميع أنحاء المجمّع.

صورة لجزء من مصنع فاغوس من تصميم فالتر غروبيوس وأدولف ماير، في ألفيد المانيا.

بينما صمّم مبنى المكاتب على عكس المباني الأخرى، فتميّز هذا الجزء بواجهة زجاجية بدلًا من الجدران التقليدية الحمّالة. واتّخذ غروبيوس قرارًا جريئًا ومبتكرًا بوضع أعمدة الخرسانة المسلحة إلى الخلف من الجدران. فحرر الواجهة، واستطاع بذلك خلق زوايا خارجية زجاجية بالكامل. [9]

مبنى مدرسة باوهاوس في ديساو

تشمل أرض مدرسة باوهاوس Bauhaus في ديساو المدرسة وسكن الطلاب والهيئة التدريسية والمكاتب. واقتبس غروبيوس خطوطه في تصميم المدرسة من شكل مراوح الطائرات، التي صُنعت إلى حد كبير في المناطق المحيطة بديساو. ويتكون المبنى من 3 أجنحة، تتصل جميعها مع بعضها. فمثلًا ترتبط المدرسة مع ورشة العمل من خلال جسر كبير من طابقين، والذي يمثل الإدارة. ووصل غروبيوس المدرسة مع الوحدات السكنية أيضّا ليُسهّل الوصول إلى قاعة الاجتماعات وصالة العروض وقاعة الطعام.

منظور لمجسم يوضح مبنى مدرسة باوهاوس في ديساو من تصميم فالتر غروبيوس

وأظهر غروبيوس مبادئ باوهاوس بتصميمه من خلال إدراج التطورات الإنشائية والتكنولوجية. فتراجعت هنا أيضًا الجملة الإنشائية الحاملة إلى الخلف، لتفسح المجال أمام الجدران الستائرية الزجاجية لتتموضّع كامتداد واحد. وأكدت تلك الواجهات على الطبيعة المكانية المفتوحة للهندسة المعمارية الجديدة. وبالطبع أمكنت هذه النوافذ الواسعة أشعة الشمس من دخول كل المبنى، ولكنها خلقت كذلك تأثيرًا سلبيًا في أيام الصيف الدافئة.

صورة تظهر قسم الإدارة المرفوع على أعمدة وقسم صالة العروض وقاعة الطعام والاجتماعات في مبنى مدرسة باوهاوس .
صورة تظهر الجزء السكني من مدرسة باوهاوس مع شرفاتها الشهيرة.

وكمحاولة لدمج الطلاب في عملية البناء. نفّذت ورشة الطلاء التصميم الداخلي للمبنى بأكمله. وجهّزت ورشة المعادن الإضاءة. وصنعت ورشة الإعلان والطباعة الحروف. [10] فنستطيع القول بأن باوهاوس قد مثّلت تحولًا ملحميًا في كيفية اقتراب الناس من التصميم والفن. وأثّرت إلى الأبد على أنماط العمارة من بعدها.

المصادر

  1. Tate
  2. B.B.c
  3. Britannica
  4. The open university
  5. Arch daily
  6. The gurdian
  7. The gurdian
  8. History
  9. Arch daily
  10. Arch daily
Exit mobile version