تلسكوب جيمس ويب، خليفة هابل القادم

ما هو تلسكوب جيمس ويب الفضائي؟

تلسكوب جيمس ويب الفضائي التابع لناسا، خليفة هابل القادم، هو مرصد فضائي يعمل بالأشعة تحت الحمراء. تم إطلاقه من موقع الإطلاق الخاص بوكالة الفضاء الأوروبية في كورو في غويانا الفرنسية. وذلك يوم 25 ديسمبر 2021 على الساعة 7:20 صباحًا بتوقيت شرق الولايات المتحدة على متن صاروخ «Arianespace Ariane 5».

يعتبر تلسكوب جيمس ويب الفضائي الذي تبلغ تكلفته 10 مليارات دولار، أكبر وأقوى تلسكوب لعلوم الفضاء تابع لوكالة ناسا. وسيهدف إلى سبر الكون لكشف تاريخ الكون من الانفجار العظيم إلى تكوين الكواكب الغريبة وما بعدها. إنه أحد المراصد الكبرى التابعة لوكالة ناسا، وهي أدوات فضائية ضخمة تشمل أمثال تلسكوب هابل الفضائي للتعمق في الكون.

سيستغرق تلسكوب جيمس ويب الفضائي حوالي 30 يومًا للسفر ما يقرب من مليون ميل (1.5 مليون كيلومتر) إلى موطنه الدائم المسمى «نقطة لاغرانج- Lagrange point» وهو موقع مستقر جاذبيًا في الفضاء. سوف يدور تلسكوب جيمس ويب الفضائي حول الشمس عند «نقطة لاغرانج الثانية- second Lagrange point (L2)». وهي بقعة في الفضاء بالقرب من الأرض تقع عكس الشمس؛ وقد كانت هذه البقعة مكانًا شهيرًا للعديد من التلسكوبات الفضائية الأخرى، بما في ذلك تلسكوب هيرشل الفضائي ومرصد بلانك الفضائي. سيسمح هذا المدار للتلسكوب بالبقاء على اتساق مع الأرض أثناء دورانها حول الشمس.

«نقطة لاغرانج الثانية- second Lagrange point (L2)» (حقوق الصورة:ناسا)

إن تلسكوب جيمس ويب الفضائي هو نتاج تعاون دولي مثير للإعجاب بين وكالة ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية «ESA» ووكالة الفضاء الكندية. ووفقًا لوكالة ناسا، فقد شاركت أكثر من 300 جامعة ومنظمة وشركة في 29 ولاية أمريكية و 14 دولة في إظهار تلكسوب جيمس ويب للنور. تقدّر المدة الافتراضية لتلسكوب جيمس ويب في الفضاء بخمس سنوات، ولكن الهدف الحقيقيّ هو 10 سنوات وفقًا لوكالة الفضاء الأوروبية.

سبب تسميته بجيمس ويب

سمي التلسكوب نسبة إلى جيمس إدوين ويب، المدير الثاني لناسا، المعروف برئاسة برنامج أبولو، أول برنامج فضائي يرسل البشر إلى القمر. كما لعب دورًا أساسيًا في برنامجي الفضاء المزودين بطاقم الذين عقبا أبولو، «عطارد والجوزاء- Mercury and Gemini». توفي ويب في عام 1992، عن عمر يناهز 85 عامًا، وترك وراءه إرثًا هائلاً يستحق تلسكوبًا يسمى باسمه.

لم يطلق اسم جيمس ويب على التلسكوب في البداية. فقد بدأ التلسكوب حياته باسم «تلسكوب الفضاء من الجيل التالي-Next Generation Space Telescope» وهو ما لم يكن الاسم الأكثر إبداعًا الذي سمعناه على الإطلاق.

مكونات التلسكوب الأساسية

في هذا الرابط نستطيع أن نرى صورة مفصلة لمكونات التلسكوب.

  1. المرآة الذهبية: يبلغ عرض المرآة الأساسية ستة أمتار ونصف (6.5m)، مما يجعل ويب أكبر تلسكوب فضائي تم بناؤه على الإطلاق. تتكون المرآة من 18 قطعة بريليوم سداسية مطلية بالذهب يمكن تعديلها بشكل فردي.
  2. الواقي الشمسي: لحماية نفسه من حرارة الشمس، يمتلك ويب واقيًا شمسيًا بحجم ملعب تنس. تحتوي إحدى أدواته أيضًا على نظام تبريد لإبقائه باردًا، وذلك لأن حرارة الشمس وحرارة أدوات ويب الخاصة ستتداخل مع ملاحظات التلسكوب.
  3. جهاز إرسال لاسلكي عالي التردد: ستستقبل الهوائيات الراديوية الكبيرة المنتشرة في جميع أنحاء العالم إشارات جهاز إرسال ويب. ثم ستحيلها إلى مركز ويب للعلوم والعمليات في معهد علوم تلسكوب الفضاء في بالتيمور، الولايات المتحدة الأمريكية.
  4. الأدوات: «التصوير بالأشعة تحت الحمراء القريبة والمطياف غير الشقِّي- Near-Infrared Imager and Slitless Spectrograph (NIRISS)». و«أداة منتصف الأشعة تحت الحمراء- Mid-Infrared Instrument (MIRI)». و«كاميرا الأشعة تحت الحمراء قريبة- Near-Infrared Camera (NIRCam)». و«مطياف الأشعة تحت الحمراء القريبة- Near-Infrared Spectrograph (NIRSpec)».

ماذا سيفعل التلسكوب بعد إطلاقه؟

لفترة طويلة، كان كل الاهتمام منصبًا على إطلاق التلسكوب. ولكن بعد إطلاقه الآن، يمكننا النظر إلى الشكل الذي سيبدو عليه جدوله الزمني. لحسن الحظ، قدمت وكالة ناسا تفصيلاً كاملاً للجدول الزمني الرسمي للتلسكوب. ففي الشهر الأول، سيبدأ التلسكوب في نشر العديد من مكوناته. في هذه المرحلة، سيبرد التلسكوب ومعه الأدوات بسرعة بفضل حاجب الشمس، لكن الأمر سيستغرق أسابيعا حتى يبرد إلى درجات حرارة مستقرة. خلال هذه المرحلة، سيتم نشر المرايا وإجراء الاختبارات للتأكد من تحركها.

في الشهرين التاليين لذلك، سيباشر القمر الصناعي اختباراته. سيتم باستخدام مستشعر التوجيه الدقيق، توجيه التلسكوب إلى نجمة ساطعة لإثبات قدرته على تعقب الأهداف واستهدافها. بعد ذلك، ستشرع العملية الطويلة لمحاذاة بصريات التلسكوب. سيلحق ذلك إجراء المعايرة على جميع أوضاع التشغيل المختلفة للأداة العلمية. أثناء هذه المرحلة، ستبدأ عمليات الرصد لتتبع الأهداف المتحركة مثل الكويكبات والمذنبات والأقمار والكواكب في نظامنا الشمسي. ومن هذه النقطة فصاعدًا، سيباشر التلسكوب مهمته العلمية، وإجراء مهام علمية روتينية وإبلاغ المعلومات.

مهمة تلسكوب جيمس ويب العلمية

مهمة جيمس ويب العلمية مقسمة إلى أربعة جوانب:

أول ضوء وإعادة التأين

يشير هذا إلى المراحل الأولى للكون بعد أن بدأ الانفجار العظيم الكون كما نعرفه اليوم. في المراحل الأولى بعد الانفجار العظيم، كان الكون عبارة عن بحر من الجسيمات (مثل الإلكترونات والبروتونات والنيوترونات)، ولم يكن الضوء مرئيًا حتى برد الكون بما يكفي لبدء اندماج الجسيمات. أمرٌ آخر سيدرسه التلسكوب وهو ما حدث بعد تشكل النجوم الأولى؛ يُطلق على هذا العصر اسم «حقبة إعادة التأين- the epoch of reionization». لأنه يشير إلى الوقت الذي تمت فيه إعادة تأين الهيدروجين المحايد (الذي أصبح له شحنة كهربائية مرة أخرى) بواسطة إشعاع من هذه النجوم الأولى.

تجمع المجرات

يعد النظر إلى المجرات طريقة مفيدة لمعرفة كيفية تنظيم المادة على مقاييس عملاقة، وهذا بدوره يعطينا تلميحات حول كيفية تطور الكون. إنّ المجرات الحلزونية والإهليلجية التي نراها اليوم، تطورت في الواقع من أشكال مختلفة على مدى مليارات السنين. وأحد أهداف التلسكوب هو النظر إلى أقدم المجرات لفهم هذا التطور بشكل أفضل. يحاول العلماء أيضًا معرفة كيف حصلنا على مجموعة متنوعة من المجرات المرئية اليوم، والطرق الحالية التي تتشكل بها المجرات وتتجمع.

ولادة النجوم وأنظمة الكواكب الأولية

تعتبر «أعمدة الخلق-Pillars of Creation» لسديم النسر من أشهر أماكن ولادة النجوم. تتكون النجوم في غيوم من الغاز، ومع نمو النجوم فإن ضغط الإشعاع الذي تمارسه يزيل الغاز الشرنقي الذي يحيط بها (الذي يمكن استخدامه مرة أخرى من قبل نجوم الأخرى، إن لم يكن منتشرًا على نطاق واسع.) ومع ذلك، من الصعب رؤية ما بداخل الغاز. ستكون عيون الأشعة تحت الحمراء للتلسكوب قادرة على النظر إلى مصادر الحرارة، بما في ذلك النجوم التي تولد في هذه الشرانق.

الكواكب وأصل الحياة

شهد العقد الماضي اكتشاف أعداد هائلة من الكواكب الخارجية باستخدام عدة وسائل بما في ذلك استخدام تلسكوب كبلر الفضائي التابع لناسا والباحث عن الكواكب. ستكون مستشعرات تلسكوب جيمس ويب القوية قادرة على النظر إلى هذه الكواكب بعمق أكبر، بما في ذلك (في بعض الحالات) تصوير غلافها الجوي. يمكن أن يساعد فهم الغلاف الجوي وظروف تكوين الكواكب العلماء على التنبؤ بشكل أفضل بما إذا كانت بعض الكواكب صالحة للسكن أم لا.

الفرق بين هابل وويب

  1. حجم التلسكوب: إن حجم تلسكوب هابل مقارب لحجم حافلة مدرسية، بينما يقارب تلسكوب جيمس ويب حجم ملعب التنس بسبب حاجب الشمس الكبير.
  2. حجم المرآة: يمتلك هابل مرآة واحدة بعرض 2.4 متر، بينما يمتلك ويب 18 قطعة مرآة سداسية بعرض إجمالي يبلغ 6.5 من الأمتار.
  3. الضوء المرصود: يرصد هابل الأشعة فوق البنفسجية والمرئية والأشعة تحت الحمراء القريبة، بينما يرصد ويب الأشعة تحت الحمراء القريبة والمتوسطة.
  4. الموقع: يقع هابل في مدار أرضي منخفض، على ارتفاع 547 كم، بينما يقع ويب على مسافة 1.5 مليون كيلومتر من الأرض.
  5. اعمال صيانة: نظرًا لموقعه، يمكن إصلاح هابل وتحديثه أثناء وجوده في المدار. اشتهر رواد الفضاء بتصحيح مرآة هابل في عام 1993 باستخدام «Canadarm»، الذراع الروبوتية الكندية على متن مكوك الفضاء الأمريكي. لكن ويب سيكون بعيدًا جدًا عن الأرض من أجل إصلاحه، وهذا هو سبب خضوعه لاختبارات غير مسبوقة.
  6. عمر المهمة: تم إطلاق هابل في عام 1990 وسيظل في الخدمة طالما أن أجهزته تعمل. أما العمر المتوقع لويب فالحد الأدنى له هو 5 سنوات، ولكنه قد يتجاوز 10 سنوات، حسب المدة التي سيستمر فيها إندفاعه الذاتي (اللازم للحفاظ على استقرار ويب في مداره).
يمكن رؤية أعمدة الخلق في سديم النسر في الضوء المرئي (الأيسر) والأشعة تحت الحمراء (الأيمن) كما لوحظ بواسطة تلسكوب هابل الفضائي. حقوق الصورة

المصادر:

  1. space.com
  2. science focus
  3. stsci
  4. canadian space agency
  5. canadian space agency

إدوين هابل؛ رائد اكتشاف الفضاء الأعظم

يعد عالم الفضاء الأمريكي، إدوين هابل، أحد أهم رواد الفضاء في القرن العشرين، بل وأحد أهم رواد الفضاء في التاريخ. أفكاره الثورية قلبت موازين علم الفضاء، وتليسكوبه الخاص -تليسكوب هابل- غير منظورنا عن الفضاء الخارجي لما اكتشفه عن توسع الكون والمجرات الأخرى التي تخطت حدود درب التبانة.

طفولة حيوية

في 20 نوفمبر عام 1889، وفي بلدة مارشفيلد بولاية ميزوري الأمريكية، وُلدَ طفل صغير مولع بقراءة روايات الخيال العلمي. طفل أحب كتب الروائي الفرنسي، جول فيرن، وبالتحديد روايته الشهيرة، 20 ألف فرسخ تحت الماء. هذا الطفل يدعى إدوين هابل.

كان هابل أخًا لسبعة آخرين، وفي عام 1898، أي بعمر 10 سنوات، انتقل هو وعائلته الكبيرة إلى مدينة شيكاغو بولاية إلينوي. وفي شيكاغو، ارتاد هابل أحد المدارس الثانوية هناك وتفوق في الرياضة وحطم رقمًا قياسيًا هناك كأعلى قفزة في المدرسة كُلها. بل وأصبح مدربًا لفريق كرة السلة هناك.

شاب رياضي يحب روايات الخيال العلمي ومولع بالفضاء. مؤشرات توحي بمستقبل باهر، كله حيوية ودأب مستمر.

بعد مرور 8 سنوات على ارتداده للمدرسة الثانوية، تلقى هابل منحة لدخول جامعة شيكاغو عام 1906. قبل هابل المنحة وعمل كأستاذ مساعد في أحد المعامل هناك تحت إشراف الدكتور Robert Millikan، والذي حصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1923.

قضى هابل 4 سنوات في الجامعة وتخرج عام 1910. بعدها، ترك العالم الشاب مدينة شيكاغو بأكملها وذهب ليلتحق بجامعة أوكسفورد ليدرس الفلسفة. نعم، الفلسفة. وبالفعل، حصل إدوين هابل على درجة البكالوريوس في علم فلسفة التشريع بعد ثلاثة سنوات من دراسته في أوكسفورد وفي نفس الوقت الذي توفي فيه والده، جون هابل. [1]

اكتشاف هابل الأعظم

بعد رحلة طويلة مع الدراسة، عمل إدوين هابل كأستاذ جامعي بولاية إنديانا، ليعود بعدها إلى جامعة شيكاغو، ولكن هذه المرة ليدرس المجال الذي سيبرع فيه، علم الفلك. وبالفعل، درس علم الفلك ولم يلبث أن عينه مرصد ماونت ويلسون في كاليفورنيا كباحث لاستكمال بناء تيلسكوب هوكر Hooker الشهير هناك. الجدير بالذكر أن إدوين هابل حصل على درجة الدكتوراه في علم الفلك والتحق بالجيش الأمريكي ليعمل معهم على مهمة ما في الحرب العالمية الأولى قبل أن يقبل منصبه الجديد في مرصد ماونت ويلسون.

خلال فترة عمله هناك، خرج لنا هابل بواحدة من أهم اكتشافاته بعد أن أثبت لنا -من خلال تليسكوب هوكر- أن هناك مجرات أخرى غير مجرتنا، درب التبانة. استطاع هابل الوصول إلى هذا الاكتشاف من خلال دراسته للأطوال الموجية للنجوم ومقارنة درجات اللمعان المتفاوتة بينهم. وقتها، لم نكن نعلم شيئًا عن حجم مجرة درب التبانة أو حتى ما يحيط بها، ولكن العالم العبقري تمكن من خلال أبحاثه أن يحسب المسافة بين مجرتنا وسديم أندروميدا (قبل أن تُعرف بمجرة أندروميدا) وقدرها بحوالي 900 ألف سنة ضوئية. تلك المسافة، على الرغم من عدم دقتها وكون المسافة الصحيحة هي 2.48 مليون سنة ضوئية، إلا أنها كانت السبب في الاستنتاج الآتي: سديم أندروميدا ليس مجرد سديم، ولكنه مجرة كاملة.

في منتصف عشرينيات القرن الماضي، عمل هابل على بحث جديد بمساعدة رائد الفضاء ميلتون هيوماسون. ارتكز البحث على المسافة بين المجرات، وبالتحديد على العلاقة بينها وبين الأرض. نشر العالمان ذلك البحث عام 1929 والذي أحدث ثورة بدوره عندما تحدث عن الانزياح الأحمر Red Shift والذي علمنا منه أن المجرات تبتعد عنا. [2]

تليسكوب هابل

The Hooker 100-inch reflecting telescope at the Mount Wilson Observatory, just outside Los Angeles. Edwin Hubble’s chair, on an elevating platform, is visible at left. A view from this scope first told Hubble our galaxy isn’t the only one.

الغلاف الجوي للأرض هو بمثابة اللعنة أو الحاجز الوحيد أمام علماء الفلك واستكشافاتهم الكامنة وراءه. وللتغلب على هذا الحاجز، تم اقتراح فكرة إرسال التليسكوبات إلى الفضاء، حتى قبل إرسال الأقمار الصناعية. أحد رواد تلك الفكرة، كان العالم الألماني هيرمان أوبيرت، حيث اقترح الفكرة عام 1923 في كتابه الذي حمل اسم “Die Rakete zu den Planeträumen”.

توالت الأفكار والاختراعات إلى أن بدأت ناسا بتوحيد جهودها مع وكالة الفضاء الأوروبية ليقدما لنا تليسكوبًا بطول 3 متر. بدأ تمويل المشروع في عام 1977. وتم الاتفاق على إطلاق اسم العالم العظيم إدوين هابل عليه بسبب إسهاماته الثورية خصوصًا في اكتشاف توسع الكون في العشرينات. [3]

إرث مشرف

استمر إدوين في العمل على أبحاثه بمرصد ماونت ويلسون جنبًا إلى جنب مع مرصد بالومر في كاليفورنيا حتى وفاته في سبتمبر عام 1953. توفي إدوين هابل إثر إصابته بسكتة دماغية عن عمر ناهز 63 عامًا.

إسهامات هابل في مجال الفضاء ثورية بحق. إسهامات أدت إلى مساعدة من خلفه من العلماء على معرفة الكثير والكثير عن كوننا الفسيح.

حصل هابل على الكثير من الجوائز مثل وسام الاستحقاق عام 1946، ووسام فرانكلين في الفيزياء، ووسام بروس، والميدالية الذهبية من الجمعية الفلكية الملكية تقديرًا لريادته في الفيزياء الكلاسيكية. أطلقت ناسا اسمه على التليسكوب الأشهر كما ذكرنا، بالإضافة إلى الكثير من الأشياء الأخرى. لم ينقص إدوين هابل سوى جائزة نوبل، ومن يدري، فربما كانت “لتظفر به” إذا عاش لوقت أطول قليلًا! [1]

المصادر

1- Biography

2- NASA

3- Space

بيانات هابل الجديدة وثابت جديد لمعدل توسع الكون اللانهائي

الكون يزداد حجمه كل لحظة، وتتمدد المسافات بين المجرات مثلما يحدث للعجين في الفرن. ولكن السؤال الأهم هنا، ما هو معدل توسع الكون؟ ولأن هابل والتلسكوبات الأخرى تم توجيهها للعثور على الإجابة، فأنهم قد أثاروا فرقًا مثيرًا بين ما يتوقعه العلماء وما ترصده تلك التلسكوبات.

يقول علماء الفلك العاملون بتلسكوب هابل الفضائي التابع لوكالة ناسا أنهم تقدموا خطوة مهمة في الكشف عن التناقض بين الطريقتين الرئيسيتين في لقياس معدل توسع الكون. وتبين الدراسة الأخيرة أننا بحاجة إلى نظريات جديدة لشرح القوى التي شكلت الكون.

تشير قياسات هابل إلى أن معدل توسع الكون الحديث أكبر مما كان متوقعًا، وذلك استنادًا إلى كيفية نشأة الكون قبل 13 مليار عام. هذه القياسات تأتي من القمر الصناعي بلانك (Planck satellite) التابع لوكالة الفضاء الأوروبية. هذا التناقض تم تعريفه في الأوراق البحثية في السنوات الماضية، ولكن لم يكن واضحًا إن ما كان الاختلاف في تقنيات القياس هي السبب أم بعض الفروق في القيم المقاسة.

وقد تطورت دقة قياسات هابل خلال هذا العام. وهذه القياسات الأكثر دقة تجبرنا على اكتشاف فيزياء جديدة قد تكون ضرورية لشرح هذا التناقض.

ويقول آدم ريس، الحائز على جائزة نوبل في معهد مراصد علوم الفضاء:

“إن الاختلاف بين الكون المبكر والكون الحديث قد يكون أكثر التطورات الأخيرة في علم الكونيات منذ عقود، وقد كان هذا الاختلاف صغيرًا فيما مضى، إلا أنه ظل ينمو حتى وصل إلى نقطة لا يمكن استبعادها باعتبارها مجرد صدفة. هذا التفاوت لا يمكن أبدًا أن يحدث عن طريق الصدفة.”

يستخدم العلماء ما يسمى سلم المسافات الكونية (Cosmic distance ladder) لتحديد مكان وجود الأشياء في الكون. تعتمد هذه الطريقة على اجراء قياسات دقيقة للمجرات القريبة ثم الانتقال إلى مجرات أبعد وأبعد، وذلك باستخدام نجومها كمعلم ميليّ. يستخدم الفلكيون هذه القيم، بالإضافة إلى قياسات أخرى لضوء المجرات المحمر أثناء مرورها عبر الكون المتمدد، لحساب مدى سرعة توسع الكون مع الزمن، وهي قيمة تعرف باسم ثابت هابل. ويعمل العلماء وعلى رأسهم البروفيسور آدم رييس (Adam G. Ries) على السعي من أجل تحسين قيمة هذا الثابت.

في هذه الدراسة الجديدة، استخدم علماء الفلك تلسكوب هابل لمراقبة 70 من النجوم النابضة، والتي تسمى (متغير قيفاوي-Cepheids)، بداخل سحابة ماجلان الكبرى. وقد ساعدت هذه الملاحظات العلماء في “إعادة بناء” سلم المسافة من خلال تحسين المقارنة بين تلك النوابض وأقربائهم الأكثر بعدًا من السوبرنوفا الوليدة حديثًا. وقد خفض فريق رييس حالة عدم اليقين في قيمة ثابت هابل من 2.2% إلى 1.9%.

على الرغم من قياسات الفريق التي أصبحت أكثر دقة، إلا أن حساب ثابت هابل طل على اختلاف مع القيمة المتوقعة والمستمدة من ملاحظات تمدد الكون المبكر. هذه القياسات قد أجريت بواسطة القمر الصناعي بلانك، والذي رسم خريطة الكون المعروفة بإشعاع الخلفية الكونية الميكروي، وهي صورة ملتقطة لحالة الكون عندما كان عمره 380,000 سنة بعد الانفجار العظيم.

وبقد تمت فحص تلك القياسات بشكل دقيق، لذلك لا يمكن للعلماء إهمال أو استبعاد تلك الفجوة بين القيمتين نظرًا لاحتمال حدوث خطأ في القياس في واحدة منهما أو كلاهما. وقد تم اختبار كلتا القيمتين بطرق متعددة.

وقد أوضح رييس قائلاً:

“هذه ليست مجرد تجربتين مختلفتين، فنحن نقيس شيئًا مختلفًا اختلافًا جذريًا. الأول هو قياس مدى سرعة تويع الكون كما نراه اليوم. والثاني عبارة عن تنبؤ قائم على فيزياء الكون المبكر وعلى قياسات للسرعة يجب أن يتوسع بها. وإذا لم تتفق هذه القيم، فستكون هناك احتمالية قوية لأننا نفتقد شيئًا ما في النموذج الكوزمولوجي الذي يربط بين تلك الفترتين الزمنيتين من الكون.”

كيف تمت إجراء الدراسة الجديدة؟

يستخدم الفلكيون المتغيرات القيفاوية كمقاييس كونية لقياس المسافات القريبة بين المجرات لأكثر من قرن. ولكن محاولة حصاد مجموعة كبيرة من النجوم قد تستغرق وقتًا طويلًا بحيث لا يمكن تحقيقها. لذلك استخدم الفلكيون طريقة ذكية تسمى (Drift And Shift-DASH)، وذلك باستخدام تلسكوب هابل كنقطة تصوير والتقاط لالتقاط صور سريعة للنجوم النابضة المشعة للغاية، مما يلغي الحاجة المستهلكة للوقت للحصول على دقة كبيرة.

وأوضح ستيفانو كاسير تانو، أحد أعضاء الفريق:

“عندما يستخدم هابل توجيهًا دقيقًا عن طريق تتبع النجوم الدالّة، فإنه يمكنه رصد متغير قيفاوي واحد فقط كل تسعين دقيقة كزمن دورة تلسكوب هابل حول الأرض. ولذلك سيكون مكلفًا للغاية بالنسبة للتلسكوب أن يلاحظ كل متغير قيفاويّ، وبدلًا من ذلك فأننا نقوم بالبحث عن مجموعة من تلك النجوم النابضة بحيث تكون قريبة بما فيه الكفاية حتى نتمكن من التحرك بينها دون الحاجة إلى إعادة معاير التلسكوب. وهذه التقنية تسمح لنا بمراقبة عشرات النجوم النابضة خلال دورة التلسكوب الواحدة حول الأرض.”

بعد ذلك جمع علماء الفلك نتائجهم مع مجموعة أخرى من الملاحظات، وهي التي أدلى بها مشروع أراوكاريا (Araucaria Project) وهي تعاون بين علماء الفلك في تشيلي والولايات المتحدة وأوروبا. حيث أجرت هذه المجموعة قياسات المسافة إلى سحابة ماجلان الكبرى عن طريق رصد خفوت الضوء القادم من نجم واحد يمر أمام شريكه فيما ما يسمى كسوف الأنظمة النجمية الثنائية (Eclipsing binary-star systems). وهذا قد ساعد فريق رييس في تحسين قياس السطوع الفعليّ للنجوم النابضة. حيث تكمن الفريق مع هذه الدقة الإضافية، من تشديد البراغي لبقية سلم المسافة الذي يمتد لعمق الكون.

إن القيمة المقدرة الجديدة لثابت هابل هي 74 كيلومترًا في الثانية لكل ميجابارسك. هذا يعني أنه لكل 3.3 مليون سنة ضوئية لمجرة تبعد عنا، فإنها تبدو لنا أنها تتحرك مسافة 74 كيلومترًا لكل ثانية بشكل أسرع، وهذا كنتيجة لتمدد الكون.

ويشير هذا الرقم إلى أن الكون يتمدد بمعدل أسرع بنسبة 9% من التنبؤ ذو 67 كيلومترًا في الثانية لكل ميجابارسك، والذي يأتي من ملاحظات بلانك للكون المبكر، إلى جانب فهمنا الحالي للكون المبكر.

إذًا، ما الذي يفسر هذا التناقض؟

واحدة من التفسيرات المحتملة لهذا التناقض يتضمن ظهورًا غير متوقع للطاقة المظلمة في الكون المبكر، والذي يُعتقد أنه يشكل 70% من الكون. ويقترح فلكيون من جامعة جونز هوبكينز نظرية يطلق عليها (الطاقة المظلمة المبكرة-early dark energy)، حيث تشير إلى أن الكون تطور مثل مسرحية ثلاثية الفعل.

افترض العلماء بالفعل أن الطاقة المظلمة قد تكون موجودة في الثواني الأولى من ولادة الكون ودفعت المواد في أنحاء الفضاء، حيث بدأ التوسع الأولي. ربما تكون الطاقة المظلمة هي السبب وراء التوسع السريع للكون لما هو عليه اليوم. تشير النظرية إلى أن هناك حلقة ثالثة للطاقة المظلمة بعد فترة ليست بكبيرة بعد الانفجار العظيم، والتي عملت على تمدد الكون بمعدل أسرع مما هو متوقع. وما تبقى من هذه الطاقة المظلمة الأولية يمكن أن يفسر سبب اختلاف قيمتي ثابت هابل.

وهناك فكرة أخرى تقول بأن الكون يحتوي على جسيمات دون ذرية جديدة تتحرك بسرعة مقاربة لسرعة الضوء. وتسمى هذه الجسيمات بالإشعاع المظلم، وتشمل مجموعة من الجسيمات المعروفة بالنيوتريونات، والتي تتكون في المفاعلات النووية.

وهناك فكرة أخرى مثيرة، وهي أن المادة المظلمة، وهي شكل غير مرئي للمادة لا تحتوي بروتونات ولا إلكترونات ولا نيوترونات، تتفاعل بشكل قوي مع المادة العادية أو الإشعاع الذي ذُكر آنفًا. لكن مازال التفسير الحقيقي للاختلاف لغزًا غامضًا.

إن الكون الفسيح في حالة تمدد مستمر، وتلك حقيقة لا يمكن الجدال حولها. وسيظل العلماء باحثين خلف معدل التمدد الحقيقي للكون الحالي، ففريق رييس سيواصل استخدامه لتلسكوب هابل حتى يقلل حالة عدم اليقين إلى 1%، وقد يساعد هذا العلماء على تحديد سبب التناقض بين القيمتين المتوقعة والفعلية المقاسة.

إعداد وتقديم: محمد المصري

المصادر:

Exit mobile version