ما هي أشباه الموصلات وتطبيقاتها؟

تعد أشباه الموصلات مواد توصيليتها للكهرباء ليست عالية كتلك التي في الموصلات ولا ضعيفة جدًا كتلك التي في المواد العازلة. ولكن بسببها قد تقوم حروب بين الدول ومجازر في أفريقيا. فما هي أشباه الموصلات وتطبيقاتها؟

تأثير أشباه الموصلات على الاقتصاد العالمي

تأسس عام 1987 الشركة التايوانية لصناعة أشباه الموصلات (TSMC) والتي تستحوذ على حوالي 55% من سوق أشباه الموصلات في العالم. فالهيمنة التايوانية في صناعة أشباه الموصلات قد تكون من أهم الأسباب التي تمهد غزو الصين لتايوان [1]. بل وتسببت الصين في تهديد الأمن القومي البريطاني بعد سيطرتها على معظم شركات أشباه الموصلات في بريطانيا [2]. والأصعب من كل ذلك هو عمليات القتل والاغتصاب والسرقة في دول إفريقية مثل الكونغو للتنقيب غير الشرعي عن المواد التي تستخرج منها أشباه الموصلات. وقد تكون شركات كبرى، مثل Apple للهواتف وTesla للسيارات، مسؤولة عن تلك الكوارث في دول إفريقيا [3].

فما الضرورة القصوى التي تراها تلك الدول في أشباه الموصلات؟ هل هي بنفس أهمية البترول لتقوم بسببها مثل تلك الحروب؟ وهل هي بنفس قيمة الألماس كي يقتل بسببها أبرياء أفريقيا؟

أشباه الموصلات وخصائصها الفزيائية

يمكن تقسيم المواد في الطبيعة حسب توصيليتها الكهربية إلى مواد موصلة للكهرباء وشبه موصلة وعازلة. المواد الموصلة هي مواد تسمح بمرور التيار الكهربي بسهولة خلالها، أما المواد العازلة هي مواد لا يمر خلالها التيار الكهربي. وبين توصيلية المواد الموصلة والعازلة للكهرباء توجد المواد شبه الموصلة مثل السيليكون أو الجرمانيوم.

ولفهم تفاصيل اختلاف توصيل المواد للكهرباء يجب أن ننظر للتركيب الذري لتلك المواد. حيث تتكون المواد من نواة موجبة الشحنة تدور حولها إلكترونات سالبة الشحنة، والإلكترونات هي الجسيمات المسؤولة عن التيار الكهربي. فهناك نوعان من الإلكترونات، إلكترونات التكافؤ وإلكترونات التوصيل. إلكترونات التكافؤ هي إلكترونات قريبة من النواة وحركتها ليست حرة وتكون في حيز يسمى منطقة التكافؤ. أما الإلكترونات الحرة هي بعيدة عن النواة وحرة الحركة وبالتالي هي المسؤولة عن مرور تيار كهربي لذلك فهي تقع في حيز يسمى حيز النقل.

كلما كانت الإلكترونات أقرب للنواة كانت طاقتها أقل، وبالتالي فإن مستويات التكافؤ أقل طاقة من مستويات النقل. في المواد العازلة مستويات النقل بعيدة جدًا عن مستويات التكافؤ، أي بينهما فجوة كبيرة. وبالتالي، تحتاج إلكترونات التكافؤ طاقة تساوي طاقة تلك الفجوة كي تعبر إلى مستويات النقل وتصبح إلكترونات حرة. أما في المواد الموصلة فلا وجود لتلك الفجوة حيث تتداخل مستويات التكافؤ مع مستويات النقل وبالتالي سهولة في حركة الإلكترونات داخل المواد الموصلة. أما المواد الشبه موصلة فالفجوة بين مستويات التكافؤ ومستويات النقل ليس ضخمة كتلك التي في العوازل وليس منعدمة مثل الموصلات.  [5] 

الفرق بين المواد العازلة وشبه الموصلة والموصلة

التأثير الكهروضوئية

حصل العالم ألبرت أينشتاين عام 1921 على جائزة نوبل في الفيزياء لتفسيره ظاهرة التأثير الكهروضوئي. تشرح الظاهرة الكهروضوئية كيفية انتقال إلكترونات من مستويات أقل في الطاقة إلى مستويات أعلى في الطاقة وذلك عن طريق سقوط ضوء (أو فوتونات وهي الجسيمات الكمومية من الضوء) على سطح مادة معينة. ومعنى ذلك أن إلكترونات التكافؤ في أشباه الموصلات إذا سقط عليها ضوء له طاقة تساوي طاقة الفجوة ستعبرها وتصبح إلكترونات نقل مسؤولة تعمل على نقل التيار الكهربي. [5]

وأصبح التأثير الكهروضوئي رائد في التكنولوجيا الحديثة حيث يستخدم في تطبيقات مثل الخلايا الشمسية. لذلك يسعى العلماء لتطويرها كي تكون بديل آمن للبترول وغيره باستخدام أشباه الموصلات.

تطعيم أشباه الموصلات بالشوائب لجعلها موصلة

تحتوي أي ذرة على مجموعة من المستويات التي يكون في كل منهم مجموعة من الإلكترونات. ولكي تكون أي ذرة مستقرة يجب أن يحتوي أخر مستوي إلكتروني لها على 8 إلكترونات. فمثلًا، عنصر السيليكون (Si) يحتوي أخر مستوى إلكتروني فيه على 4 إلكترونات وبالتالي فهي تحتاج أن ترتبط بأربع إلكترونات خارجيين كي تكون مستقرة. وبالتالي، نرى في بلورة السيليكون النقية (أي مجموعة من ذرات السيليكون مرتبطة ببعضها) ذرة السيليكون ترتبط بأربع ذرات سيليكون في كل اتجاه وبالتالي يصبح مجموع إلكتروناتها الخارجية 8 إلكترونات.

بلورة السليكون النقية

ولكي تصبح تلك البلورة موصلة للكهرباء فإنها تحتاج لتعديل بسيط. وذلك بتبديل ذرة سيليكون بذرة يحتوي أخر مستوى فيها على خمس إلكترونات مثل الزرنيخ (As). وبالتالي فإن إلكترونات الزرنيخ سترتبط بأربع روابط سيليكون وسيبقي إلكترون حر دون أن يرتبط ويصبح ذلك الإلكترون هو المسؤول عن التوصيل الكهربي. وتسمى بلورة شبه الموصل المطعمة بذلك النوع من التطعيم ب (n-type) أو النوع السالب.

بلورة سليكون مطعمة بشائبة زرنيخ

أما النوع الأخر من التطعيم هو النوع الموجب P-type. وفي ذلك النوع تطعم البلورة بذرة لها ثلاث إلكترونات فقط في المستوى الأخير كذرة البورون (B). حيث ترتبط إلكترونات البورون الثلاثة بثلاث روابط فقط من السليكون وتبقي الرابطة الرابعة ناقصة وكأن بها فجوة موجبة الشحنة. وبالتالي فالفرق بين أشباه الموصلات من النوع السالب والموجب هو: احتواء النوع السالب على إلكترون سال حر أما النوع الموجب يحتوي على فجوة موجبة حرة.

تطعيم بلورة سيليكون بشائبة من البورون

أشباه الموصلات في الإلكترونيات الحديثة

توصيل البلورة الموجبة مع البلورة السالبة يعطينا تركيبة مهمة جدًا تسمى الوصلة الثنائية PN Junction. يتصل الجزئين ببعضهما ويتكون بينهما منطقة تسمى منطقة النضوب وهي متعادلة الشحنة وتمنع مرور الإلكترونات لمنطقة الفجوات والعكس.

الوصلة الثنائية

عند توصيل الوصلة الثنائية ببطارية بحيث يكون طرف البطارية السالب مع طرف الوصلة السالب ويكون طرف البطارية الموجب مع طرف الوصلة الموجب. في تلك الحالة تتنافر إلكترونات الجزء السالب من الوصلة نحو منطقة النضوب بعيدًا عن طرب البطارية السالب وكذلك الطرف الموجب من الوصلة. وبتلك الطريقة تقل مساحة منطقة النضوب وتستطيع الإلكترونات المرور لمنطقة الفجوات والعكس للفجوات وبالتالي يمر تيار كهربي في تلك الدائرة.

التوصيل الأمامي للوصلة الثنائية

أما عند عكس طرفي البطارية، ستعكس العملية بالكامل. ستنجذب إلكترونات الطرف السالب من الوصلة نحو طرف البطارية الموجب وكذلك بالنسبة لطرف الوصلة الموجب مع طرف البطارية السالب. وبذلك ستزيد مساحة منطقة النضوب وتصعب عملية مرور الإلكترونات لمنطقة الفجوات وبالتالي لا يمر تيار في تلك الدائرة.

التوصيل العكسي للوصلة الثنائية

وبذلك قد تحكمنا في مرور التيار الكهربي في الدائرة عن طريق الوصلة الثنائية. والوصلة الثنائية هي أساس الإلكترونيات الحديثة حيث إن فكرة عملها طورت معظم الإلكترونيات المستخدمة حاليًا. مثلا، الدايود بكل أنواعه والترانزستور وغيرهم من مكونات الدوائر الإلكترونية كلها قائمة على فكرة عمل الوصلة الثنائية. [6]

في النهاية فإن هاتفك أو جهاز الحاسوب أو حتى تقنية معينة في سيارتك، كل ذلك يعتمد على أشباه الموصلات. فالدولة التي تتحكم في سوق أشباه الموصلات ستتحكم في كل التكنولوجيا الحديثة حاليًا ومستقبلًا. وعلى الرغم من كل ما ستشهده البشرية من تطور بسبب أشباه الموصلات، فإن ضريبتها أرواح الأبرياء وحروب متوقعة بين الدول.    

المصادر

[1] Will China invade Taiwan?

[2] Semiconductors: Chinese takeover of UK’s leading chipmaker doesn’t need a security review – here’s why

[3] Blood minerals are electronics industry’s dirty secret

[4] Valence band

[5] Photoelectric Effect: Explanation & Applications

[6] PN Junction Diode

كيف تتفاعل الإشعاعات مع أجسامنا؟ وما هي الآثار التي تخلفها؟

مهما كان نوع الإشعاعات التي تتعرض لها أجسامنا، فإنها تتفاعل معها من خلال الطاقة التي تُخلفها في الخلايا البشرية. وتنتقل هذه الطاقة عبر الإلكترونات التي تنشأ على طول مسار الإشعاع مخلفة بذلك آثارًا تختلف باختلاف تفاعل الخلية مع الإشعاع. فكيف تتفاعل الخلية الحية مع الإشعاع؟ وما هي الآثار التي يسببها هذا التفاعل؟

طرق تفاعل الإشعاعات مع الخلايا الحية

تتفاعل الإشعاعات مع الخلايا الحية بشكل مباشر أو غير مباشر؛ ويستغرق التفاعل غير المباشر (10-18 ثانية) أضعاف ما يستغرقه التفاعل المباشر  (10-9 ثانية)  من الوقت من أجل إحداث الأثر البيولوجي. وللإشارة فقط، فإن هذه المدد الزمنية المذكورة لا تمثل الوقت اللازم لظهور الآثار البيولوجية على الجسم البشري، بل تمثل الوقت الذي تبدأ فيه التفاعلات بين الذرات والجزيئات. أما الوقت الذي يبدأ فيه موت الخلايا فإنه يستمر من بضع ساعات إلى عدة شهور. ويمتد الوقت الذي تبدأ معه الآثار البيولوجية بشكل ملاحظ من بضع ساعات إلى عدة سنوات. أما بالنسبة للآثار الوراثية، فقد تمتد إلى عدة أجيال [1].

الفعل المباشر

يشمل «الفعل المباشر-direct action» الذي تتركه الإشعاعات في الخلية الحية إثارة وتأيين الذرات، حيث تمتص إلكترونات الذرات طاقة الإشعاع فتحولها إلى طاقة حركية تساعدها إما على الانطلاق خارج مدارات الذرة (التأين)، أو على التموضع في المدارات الخارجية للذرة (الاستثارة) [1].

الفعل غير المباشر

يتمثل «الفعل غير المباشر-indirect action» في التأثير الذي تُحدِثه الجزيئات غير البيولوجية التي تفاعلت مع الإشعاع، حيث تتحول جزيئات الماء المتواجدة داخل الخلية إلى «جذور حرة-free radicals» بعد تأينها، ثم تتفاعل هذه الجذور مع الأجسام البيولوجية المحيطة بها [1].

الآثار المباشرة وغير المباشرة للإشعاعات

ويهيمن الضرر الذي يسببه الفعل المباشر على الضرر غير المباشر بالنسبة للجسيمات ذات  «نقل الطاقة الخطي-linear energy transfer» العالي كجسيم ألفا والنيوترونات. بينما يكون التأثير غير المباشر أكثر أهمية بالنسبة للجسيمات ذات نقل الطاقة الخطي الضعيف كالإلكترونات والفوتونات. وللتذكير فقط، فإن نقل الطاقة الخطي هو متوسط الطاقة الذي يحرره الإشعاع عند قطعه مسافة معينة داخل الوسط الذي يتفاعل معه. ويكون عاليا بالنسبة للجسيمات الثقيلة كالأيونات وجسيم ألفا ومنخفضًا بالنسبة للجسيمات الخفيفة كالإلكترونات مثلًا [1].

استجابة الخلايا الحية للإشعاع

تتفاعل الجسيمات الناتجة عن امتصاص طاقة الإشعاع مع مختلف الأجسام البيولوجية المحيطة بها. لكن يبقى التفاعل مع الحمض النووي هو المُسَبب الأول لضرر الخلية والذي قد يؤدي إلى موتها.

تضرر الحمض النووي

يؤدي تعرض الحمض النووي للإشعاعات إلى عدة أنواع من الإصابات، بعضها قابل للترميم والبعض الآخر غير قابل لذلك، إذ يتضرّر جانب واحد من لولبي الحمض النووي أو كلا الجانبين وغير ذلك من الإصابات التي قد تطرأ على الحمض النووي. وبفضل قدرته على الترميم، فإن عدد الإصابات التي تنتهي بالخلية إلى الموت قليل جدا مقارنة بالعدد الإجمالي للإصابات [1].

موت الخلية

عند فشل عملية الترميم،  ينتهي الأمر بالخلايا البيولوجية إما إلى الموت أو إلى فقدان قدرتها على الانقسام. ويحدث هذا إما بـ «الاستماتة-Apoptosis» أو بـ «النخر-necrosis» أو بـ «كارثة الانقسام- «mitotic catastropheأو بـ «الشيخوخة المستحثة-induced senescence». تنتحر الخلايا بشكل مبرمج في عملية الاستماتة، ويحدث هذا لبعض أنواع الخلايا عند تعرضها لجرعة منخفضة من الإشعاعات. بينما تموت الخلايا بالنخرـالذي ينتج عن فقدان الغشاء الخلوي لوظائفه- بعد التعرض لجرعة عالية. بالنسبة لفقدان القدرة على الانقسام الناتج عن كارثة الانقسام، فإنه يحدث عندما تدخل الخلايا مرحلة الانقسام الخلوي قبل أن تكمل عملية ترميم الحمض النووي. وتكون نسبة حدوثه أعلى في الوقت الذي يلي التعرض للإشعاع مباشرة. وتفقد الخلايا أيضُا قدرتها على الانقسام في الشيخوخة المستحثة، لكنها تبقى قادرة على القيام بوظائف التمثيل الغدائي [1].

آثر المتفرج

رغم عدم تعرضها للإشعاع، تتضرر الخلايا المجاورة لتلك التي تم إشعاعها، وهذا ما يعرف بـ «أثر المتفرج-bystander effect ». وفي محاولة لتفسير هذه الظاهرة، اقترح البعض أن الخلايا التي تتعرض للإشعاعات ترسل إشارات إلى قريباتها، فتبدأ هذه الأخيرة بالدخول في عملية الاستماتة أو ما يعرف بالموت المبرمج [1].

آثار الإشعاعات على الجسم البشري

تنتج آثار الإشعاعات الظاهرة على الجسم البشري عن تراكم الآثار التي تحدث لكل خلية. ويمكن تقسيم الآثار على المستوى الخلوي إلى قسمين: قسم يشمل الموت المبكر للخلية أو إيقاف أو تأخير عملية الانقسام، وقسم يتجلى في التغيرات الدائمة التي تتعرض لها الخلايا نتيجة للإشعاع، حيث تنتقل هذه التغيرات للخلايا الوليدة. وحسب هذين القسمين، نجد نوعين من الآثار التي قد يتعرض لها الجسم البشري: الآثار الحتمية والآثار العشوائية [2].

الآثار الحتمية

عند التعرض لجرعة من الإشعاعات، قد يؤدي موت الخلايا وإيقاف عملية الانقسام إلى نقص حاد في الخلايا التي يحتاجها أحد الأعضاء للقيام بوظائفه بشكل طبيعي. ولا تبدأ الأضرار في الظهور-في هذه الحالة- إلا حين تُجاوِز الجرعة عتبة محددة لهذا العضو حيث يكون عدد الخلايا المتضررة كبيرًا. وتزداد خطورة الضرر مع ارتفاع الجرعة التي يمتصها العضو. أما حين تكون الجرعة تحت العتبة المحددة، فلا يلحق أي ضرر بالأداء الوظيفي للعضو الذي تعرض للإشعاع. وهذا ما يسمى بـ «الأثر الحتمي- «Deterministic effect[2].

الآثار العشوائية

تحدث «الآثار العشوائية-stochastic effects» عندما تتغير الخلية بشكل دائم. ويؤدي هذا التغير إما إلى تطور مرض السرطان بالنسبة للفرد المُتعرِّض للإشعاع أو إلى ظهور آثار وراثية بالنسبة لخَلَفِ هذا الفرد. ويزداد احتمال حدوث هذا النوع من الآثار مع ارتفاع الجرعة التي يمتصها الجسم أثناء تعرضه للإشعاع [2].

المصادر

[1] Nuclear Medicine Physics | A Handbook for Teachers and Students

[2] An Introduction to Radiation Protection

ما هو الحث الكهرومغناطيسي وتطبيقاته؟

كان أول توحيد بين قوتين أساسيتين هو التوحيد القوة المغناطيسية مع القوة الكهربية تحت مسمى القوة الكهرومغناطيسية. ويعتبر أول الخطوات ذلك التوحيد هو اكتشاف التأثير المتبادل بين المجال الكهربي والمغناطيسي كما في الحث الكهرومغناطيسي. فما هو الحث الكهرومغناطيسي؟ وما هي تطبيقاته؟

المجال المغناطيسي

عرفت الحضارات القديمة المواد المغناطيسية والخصائص المصاحبة لها، كقدرتها على جذب معدن الحديد مثلًا. فكان يعتقد بعض فلاسفة الإغريق أن المغناطيس له روح لأنه يجذب الحديد، كما قال طاليس [1]. ولكن ظهرت الدراسات العلمية الحقيقة لظاهرة المغناطيسية عام 1269 ميلاديًا على يد العالم «بيتر بيريجرينوس – Peter Peregrinus». عمل بيتر على وصف العديد من الخصائص المغناطيسية للمغناطيس، كما أنه أول من استخدم مصطلح قطب مغناطيسي. ألهمت أعمال بيتر الكثير من العلماء بعده ك «وليام جيلبرت – William Gilbert» الذي وصف مغناطيسية الأرض في كتابه «المغناطيس – De Magnete».

يتكون المغناطيس من قطبين شمالي (N) وجنوبي (S). الأقطاب المتشابهة تتنافر والأقطاب المختلفة تتجاذب. ووصف العالم «مايكل فاراداي – Michael Faraday» طريقة تفاعل المغناطيس مع مغناطيس آخر أو مع المعادن عن طريق مفهوم خطوط القوى. وخطوط القوى (أو خطوط الفيض) تتمثل كخطوط في الفراغ تخرج من القطب الشمالي ويستقبلها القطب الجنوبي.

وتسمى عدد خطوط الفيض التي مرت في مساحة معينة باسم «كثافة الفيض – magnetic flux». ويستخدم مصطلح كثافة الفيض لتبسيط وصف التأثير المتبادل بين المجال المغناطيسي والمجال الكهربي.

التأثير المتبادل بين المجال المغناطيسي والكهربي

لاحظ العالم الدنماركي «هانز أورستيد – Hans Ørsted» عام 1820 حيود إبرة تجاه القطب الجنوبي عند مرور تيار كهربي بالقرب منها [2]. وكانت ملاحظة أورستيد هي أول خطوة نحو توحيد القوى الكهربية مع المغناطسية كقوة واحدة هي القوة الكهرومغناطيسية. وتفسير ما حدث في تجربة أورستيد هو أن مرور التيار كهربي ينتج عنه مجال مغناطيسي وذلك الذي صاغه رياضيًا «أمبير – Ampère».

وعكس تلك الظاهرة هو خَلق مجال كهربي عن طريق وجود مجال مغناطيسي في ظاهرة تسمى «الحث الكهرومغناطيسي – Electromagnetic induction». وأول من اكتشف الحث الكهرومغناطيسي هو مايكل فاراداي عن طريق بعض التجارب التي نشر نتائجها عام 1831 [3]. وشرط الحث الكهرومغناطيسي هو تغير في خطوط المجال المغناطيسي مع الزمن. ولتوضيح معنى ذلك الشرط تخيل ملف على شكل حلقة دائرية ومغناطيس يمكنه ان يعبر من خلال تلك الحلقة.

 ينتج التيار الكهربي في الحلقة الدائرية فقط عند تغير عدد خطوط الفيض المار داخل الحلقة مع الزمن. افترض أن المغناطيس يقترب من الحلقة فستزيد عدد خطوط الفيض مع اقترابه وعند تلك اللحظة سيتولد تيار كهربي مستحث داخل الحلقة. والعكس عند ابتعاد المغناطيس عن الحلقة فسيقل عدد خطوط الفيض وبالتالي ينشأ تيار مستحث نتيجة هذا التغير في خطوط الفيض. أما إذا ظل المغناطيس ساكن بلا حركة مثلًا فلن ينشأ تيار مستحث داخل الحلقة.

ويحدد اتجاه التيار عن طريق قاعدة وضعها العالم «إميل لينز – Emil Lenz». وقاعدة لينز هي أن التيار يمر في الحلقة بحيث يُنشئ مجال مغناطيسي يلاشي التغير الناشئ عن تحرك المغناطيس. فمثلًا إذا اقترب المغناطيس من الحلقة، يمر التيار في الحلقة بشكل ينتج عنه مجال مغناطيسي يحاول إبعاد المغناطيس عن الحلقة.

المولّد الكهربي

للحث المغناطيسي تطبيقات عديدة، ولكن أشهر ما قد ترى منهم هو المولّد الكهربي الذي تقوم فكرته على مبدأ الحث الكهرومغناطيسي. اخترع مايكل فاراداي أول مولد كهربي وأسماه «مولد قرص فاراداي – Faraday disk generator». والمولّد الكهربي من اسمه ينتج طاقة كهربية عن طريق طاقة حركية تُبذل بسبب ظاهرة الحث الكهرومغناطيسي. وبالتالي فالمولّد الكهربي هو جهاز يحول الطاقة الحركية لطاقة كهربية.

يتكون المولد في الأساس من مغناطيسين، أحدهما شمالي والآخر جنوبي، كلاهما مسؤولان عن توليد خطوط الفيض اللازمة للحث الكهرومغناطيسي. وفي المنتصف ملف كهربي يدور بشكل دوري بين المغناطيسيين. مع دوران الملف يتغير عدد خطوط الفيض الذي يعبر من خلال الملف حيث لا تعبر خطوط الفيض إذا كان الملف موازي لخطوط الفيض، وتعبر أقصى عدد لخطوط الفيض إذا كان الملف عمودي على خطوط الفيض. ونتيجة لتغير خطوط الفيض خلال الملف، ينتج تيار كهربي مستحث داخل الملف. وهكذا تتحول الطاقة الحركية الناتجة عن دوران الملف إلى طاقة كهربية.

المصادر

[1] Ancient Greece: The Science of Magnetism is Born

[2] experiments on the effect of a current of electricity on the magnetic needle

[3] The field concepts of Faraday and Maxwell

ستيفن هوكينج: أيقونة علوم الفضاء

إذا أردنا أن نجمع بين العلم وإثارة الجدل، يحق علينا أن نذكر ستيفن هوكينج؛ واحدٌ من أشهر -إن لم يكن أشهر- العلماء على مر التاريخ. يعرفه الملايين بفضل اكتشافاته في الفيزياء الكونية، وبالتحديد في الثقوب السوداء وإشعاعاتها. لخَّص “تاريخ موجز الزمان” في كتابٍ يحمل نفس الاسم، وتغلب على الضمور العضلي مقدمًا لنا درسًا ونموذجًا لن ننساه ما حيينا.

نسلٌ مفكر

وُلد ستيفن هوكينج في الثامن من يناير عام 1942، وبالصدفة العجيبة، يوافق هذا التاريخ المئوية الثالثة لوفاة العظيم جاليليو. وهو ما يفتخر به هوكينج نفسه في كتاب “تاريخ موجز الزمان”. يمكنك قراءة ملخص للكتاب من هنا.

تأججت عائلة ستيفن هوكينج بالمفكرين؛ فأمه -الأسكتلندية- درست في أكسفورد في ثلاثينيات القرن الماضي. ولمن لا يعلم، فهذا الوقت كان عصيًا على النساء فيه أن يلتحقوا بالجامعات، ناهيك عن أكسفورد التي تعد واحدة من أعرق جامعات العالم. أما أبوه، فكان خريجًا لنفس الجامعة أيضًا، وباحثًا كبيرًا في الأمراض الاستوائية Tropical diseases.

على الرغم من التصادف المميز بين مولد هوكينج ووفاة جاليليو، إلا أنه من الناحية العملية، لم يكن موعد مجيئه إلى هذه الحياة هو الأفضل بالنسبة لوالديه. فأبوه كان في ضائقة مالية، وإنجلترا، وبالتحديد لندن، كانت في ضائقة تهدد وجودها من الأساس بسبب تداعيات الحرب العالمية الثانية وقصف ألمانيا المستمر لها. المشكلة أن لندن كانت مستقرًا للأسرة؛ إذ إنها كانت المكان الذي عمل فيه والد ستيفن على أبحاثه. وبسبب الأحداث العصيبة التي كانت تمر بها لندن في ذلك الوقت، قررت أيزوبيل هوكينج (والدة ستيفن)، أن تعود إلى أوكسفورد كي تضع مولودها بسلام.

وفقًا لأحد المقربين من عائلة ستيفن هوكينج، كانت العائلة غريبة الأطوار. كانوا يتناولون العشاء في صمت، وكل فرد منهم يقرأ كتابًا بتركيز شديد. وبدلًا من امتلاك العائلة لسيارة عادية، كانوا يمتلكون سيارة أجرة “تاكسي” من طراز Taxi London القديم. كما لم يفكر أحدهم في إصلاح طوابق منزلهم المتهاوية. وكان قبو المنزل ملجأً للنحل وكانت العائلة تستمع بصناعة الألعاب النارية.

عادةً ما كانت الأم تصطحب ستيفن وإخوته في الباحة الخلفية من المنزل لتقضي معهم أفضل الليالي الصيفية. وهناك -في باحة المنزل- لاحظت أيزوبيل هوكينج أن ابنها ستيفن كان لديه فضول كبير، ودائمًا ما شعر أن النجوم هي مصدر إلهامه.

ستيفن هوكينج لم يكن متفوقًا!

قد تعتقد أن عالمًا بحجم هوكينج كان نابغةً دراسية بكل المقاييس، ولكن الحقيقية أنه لم يكن كذلك البتة، بل العكس هو الصحيح. ففي سنته الأولى في مدرسة St. Albans School، احتل هوكينج المركز الثالث من مؤخرة الترتيب. ولكن في نفس الوقت، كان لديه من الاهتمامات الأخرى ما ينبئ بشيء ما.

أحب ستيفن هوكينج الألعاب اللوحية Board Games، وصنع بمساعدة زملائه المقربين ألعابًا جديدة. وفي سنوات المراهقة، تمكن هوكينج من بناء حاسوب شخصي باستخدام أجزاء معادة التدوير. وكان الهدف الرئيسي من الحاسوب هو استخدامه في حل المعادلات الحسابية البسيطة.

في السابعة عشرة من عمره، التحق هوكينج -كأبويه- بجامعة أكسفورد. إذ أراد أن يدرس الرياضيات، ولكن في ذلك الوقت لم يكن هناك تخصص منفصل للرياضيات في أكسفورد. ولهذا اتجه الشاب الطموح إلى دراسة الفيزياء، وبالتحديد علم الكونيات.

تفوق هوكينج في دراسته وتخرج مع مرتبة الشرف ببكالوريوس في العلوم الطبيعية. ومن ثمَّ التحق بجامعة كامبريدج ليحصل على الدكتوراة في علم الكونيات. وفي ذلك الوقت، أي في عام 1968، أصبح ستيفن هوكينج واحدًا من أعضاء هيئة التدريس في قسم الفلك بجامعة كامبريدج. وكانت تلك الفترة مميزة بالنسبة لهوكينج وأبحاثه، بالإضافة لنشره أول كتاب له بعنوان “هيكل الزمكان واسع النطاق The Large Scale Structure of Space-Time”.

حياة ستيفن هوكينج الزوجية

في 1963، التقى هوكينج بطالبة اللغات، جين وايلد. وقعا في حب بعضهما وتزوجها هوكينج في 1965. حظي كلاهما بولد سمَّياه روبرت، وفتاة تدعى لوسي، وولد أخير اسمه تيموثي.

في 1990، توترت العلاقة بينهما وترك هوكينج زوجته من أجل إيلين ماسون، وهي إحدى الممرضات اللاتي كنَّ يعتنين به. وتزوجها في عام 1995، مما أضعف من علاقة ستيفن هوكينج بأولاده.

في 2003، اتهمت الممرضات الأخريات إيلين بأنها تستغل ستيفن هوكينج جسديًا، ولكنه نفى الأمر بنفسه عندما حققت الشرطة بالأمر. وفي 2006، تم الطلاق بينهما. تصالح هوكينج مع جين (زوجته الأولى) والتي تزوجت الآن، وكتب 5 روايات علمية مع ابنته المحبوبة لوسي.

قصته مع التصلب الجانبي الضموري ALS

إذا طلبت من أحدهم أن يتصور ستيفن هوكينج أو أن يصفه لك، ستجده يقول شيئًا مثل إنه ذلك العالم “المشلول” أو القعيد والذي يتحدث من خلال الشاشة الإلكترونية المتصلة بكرسيه المتحرك. ما آل بستيفن هوكينج إلى هذه الحالة كانت إصابته بمرض التصلب الضموري الجانبي ALS في عامه الواحد والعشرين. وهذا المرض -ببساطة شديدة- يصيب الأعصاب المتحكمة في العضلات، وبالتالي تشل جميع أطراف المريض به. تنبأ الأطباء أن يعيش ستيفن سنتين ونص فقط، ولكنه عاش أكثر من ذلك بالطبع!

بدأ هوكينج يشعر بأعراض المرض أثناء دراسته في أكسفورد، وتمثلت الأعراض في سقطات على الأرض، وتلعثم في الكلام، واختلال في الحركة. ولكن هوكينج لم يعط للأمر أهمية ولم يأخذ تلك الأعراض بجدية حتى عام 1963، وهو العام الأول لدراسته في كامبريدج.

حاول ستيفن أن يبقي الأمر سرًا بين طيات نفسه، ولكن سرعان ما اكتشف أبوه مصابه وعرضه على طبيب. بدأ ستيفن هوكينج يتلقى علاجه في المنزل، وأجريت عليه فحوصات بشكل دوري. شخص الطبيب ستيفن بأنه في المراحل الأولى من مرض التصلب الضموري الجانبي، وأُصيب صاحبنا وعائلته باليأس الشديد. ولكن سرعان ما تحول ستيفن إلى استيعابٍ وقبول بعدما شاهد حالة طفل مصاب بسرطان الدم، ليعلم أن مصابه أخف من غيره.

الجدير بالذكر أن الإصابة بهذا المرض جعلت هوكينج يهتم بدراسته. فقبل الإصابة، تشتت بالكثير من الأنشطة، ولكن بعد الإصابة لم يعد هناك الكثير لفعله كما قال ستيفن بنفسه.

ستيفن هوكينج والثقوب السوداء

في عام 1974، ساهمت أبحاث هوكينج المختصة بالثقوب السوداء -التي لا طالما ارتبطت سيرتها به- في شهرة صاحبنا في الأوساط العلمية بشكل كبير. غيَّر ستيفن وجهة نظر المجتمع العلمي بشأن ما كانوا يعتقدونه، وصُكَ مصطلح إشعاع هوكينج للمرة الأولى في تلك السنة.

بفضل اكتشافات هوكينج وإسهاماته في علوم الفضاء، حصل على زمالة الجمعية الملكية للعلوم Royal Society في الثانية والثلاثين من عمره. كما مُنح جائزة ألبرت أينشتاين وغيرها من الجوائز الأخرى المرموقة. وظهر هوكينج في العديد من الأعمال التلفزيونية ونشر من الكتب ما جعله، وكتبه، من الأشهر في تاريخ العلوم. وعلى الرغم من كل اكتشافاته وإسهاماته، لم يحصل على جائزة نوبل.

تنويه: هذا المقال جزءٌ من سلسلة تتناول سيرة “علماء فقدتهم نوبل”، وهدف السلسة هو التعريف بهؤلاء العلماء وحياتهم بشكل عام، وليس الهدف منه أن يتناول إسهاماتهم العلمية بشكل مفصل. إليكم مساق كامل عن الثقوب السوداء.

المصادر:

  1. Britannica
  2. Biography
  3. Spastephen-hawkingce

ما هي ميكانيكا الكم ولم هي معقدة؟

ميكانيكا الكم هي أحد أغرب علوم الفيزياء الحديثة. فهي علم يتكون من عدد من النظريات الفيزيائية المترابطة ظهرت لتفسير الظواهر الفيزيائية على مستوى الذرة و الجسيمات دون الذرية. قال عنه العالم ريتشارد فاينمان أن ميكانيكا الكم هي النظرية التي يستخدمها الجميع ولا يفهمها أحد! لأن نتائجها غير مقبولة من قبل الجمهور غير العلمي وحتى طلاب الفيزياء أحياناً. وذلك غالباً لأننا نطبق تفسير الظواهر التي نراها ونتعامل معها يومياً على كل شيء في الكون. ولكن الميكانيكا التي نحتاجها لتفسير الظواهر على المستوى الذري ودون الذري تختلف عن الميكانيكا التي نتعامل معها يومياً والتي وضعها نيوتن. حيث أن الظواهر التي تحدث على المستوى الذري ودون الذري لا يمكن تفسيرها بما نملكه من علم نستخدمه يومياً. ولذلك فإن ميكانيكا الكم تعد من العلوم الفيزيائية الغريبة إلى حد ما. ولكن ما هي ميكانيكا الكم ؟[1]

ما هي ميكانيكا الكم ؟

ميكانيكا الكم هي نظرية تدرس المادة والطاقة على مستويات صغيرة جداً. وتدرس سلوك وبنية المكونات الأساسية والأولية للطبيعة كالذرة ومكوناتها وبعض القوى الأساسية في الطبيعة. وتنتشر الظواهر الكمية حولنا بشكل أساسي وكبير، ولكن من شبه المستحيل رصدها من قبل الأشخاص أمثالنا. حيث أنها تقتصر على الجسيمات كالإلكترونات والبروتونات والفوتونات. وذلك ما يعطي انطباع على أن ميكانيكا الكم علم غريب أو أنها من عالم آخر. ولكن في الحقيقة فإن ميكانيكا الكم تملأ الكثير من الفجوات في طريقة فهمنا للفيزياء لتعطينا بذلك تفسيراً أكثر وضوحًا لحياتنا اليومية.

وقد تم إدخال الاكتشافات الكمية في طريقة فهمنا الأساسية للمواد، كالكيمياء، والأحياء، وعلوم الفضاء. وشكلت ميكانيكا الكم مصدر ثمين وحجر الأساس للكثير من الاختراعات مثل الليزر والترانزستور. ويدرس العلماء احتمالية تفسير ميكانيكا الكم للجاذبية واتصالها مع المكان والزمان. ويصل الجنون في هذه النظرية إلى حد إمكانية تفسيرها أن كل شيء في الكون (أو في الأكوان الأخرى) مرتبط بشكل أو بآخر بكل شيء عبر مجموعة من الأبعاد العليا التي لا يمكن لحواسنا إدراكها.[1] [2]

تاريخ ميكانيكا الكم

تم وضع ميكانيكا الكم في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. حيث قدم العالم الألماني ماكس بلانك عام 1900 م الفرضية الكمومية التي تنص على أن أي نظام ذري يشع، يمكن تقسيمه نظرياً إلى عدد من وحدات الطاقة بحيث تتناسب كل وحدة طردياً مع التردد الذي تنتجه في مستويات طاقة محددة. ويمكن حساب قيمة وحدات الطاقة باستخدام ثابت طرحه بلانك سمي باسمه “ثابت بلانك”. ولكن لم يهتم بلانك في البداية، ولكن تغير ذلك مع مرور الزمن ومع تمكن النظرية الكمومية من تفسير العديد من الظواهر التي لم يكن لها تفسير في الفيزياء الكلاسيكية. حتى جاء العالم آينشتاين عام 1905 م وقدم تفسيراً مؤيداً لبلانك للنظرية الكهروضوئية. حيث أشار آينشتاين إلى أن الضوء ليس موجة متصلة، ولكنه عبارة عن جسيمات أطلق عليها اسم الفوتونات تحمل طاقات محددة يمكن حسابها باستخدام ثابت بلانك.

غيّرت النظرية الكمومية تصورنا للذرة التي تتكون من نواة محاطة بالإلكترونات. وقد صوّرت هذه النظرية الإلكترونات على أنها جسيمات تدور حول الذرة بشكل منتظم من دون إمكانية تحديد مكانها في الذرة بشكل دقيق. حيث أن ما تقدمه هذه النظرية مجرد احتمالات عن مكان وجود الإلكترونات. وقالت النظرية أيضاً بأنه يمكن للإلكترونات أن تنتقل بين مستويات الطاقة المختلفة وذلك لأن الذرات تفقد أو تكسب إلكترونات في الكثير من المواضع. ولكن لا يمكن إيجاد الإلكترونات بين المدارات بشكل عشوائي لأن ذلك سيعمل على إسقاط بنية الذرة المستقرة.[2] وقد عمل الكثير من العلماء على تطوير هذه النظرية ومن أهمهم:

  • ماكس بلانك
  • ألبرت آينشتاين
  • نيلز بور
  • لويس دي بروي
  • ماكس بورن
  • بول ديراك
  • ويرنر هايزنبيرغ
  • باولي
  • شرودنجر
  • ريتشارد فاينمان

غرابة وجنون نظرية الكم!

تقول ميكانيكا الكم بأن حياتنا اليومية ما هي إلا جزء ضئيل من الكون. وتقول هذه النظرية بأنه لا وجود للحاضر والماضي والمستقبل بأشكاله المستقلة. فكل شيء مرتبط ببعضه البعض، حيث أنه يمكن للمستقبل أن يؤثر بالماضي والعكس. فكيف يكون ذلك؟

في الماضي كان الاعتقاد السائد بأن المادة عبارة عن وحدات دائرية الشكل مصمتة لا يمكن تجزئتها إلى وحدات أصغر وسميت بالذرات. ولكن مم تتكون؟ وقتها لم يكن أحد يعرف إجابة هذا السؤال. ولهذا السبب فشل العلماء في تفسير توهج مصباح أديسون. وتصارع العلماء في محاولة تفسير هذه الظاهرة. حتى جاء بلانك ونجح في تفسير الطاقة (الضوء) حيث قال مثلما ذكرنا سابقاً بأن الضوء يتكون من جسيمات صغيرة، وأيد هذه النظرية العالم نيلز بور حيث قدم تفسيراً منطقياً لكيفية انطلاق الضوء من الذرات. فقال بأن الإلكترونات إذا اكتسبت طاقة بقيمة معينة فإنها تنتقل من مستوى طاقة إلى آخر. وبما أن الذرة تميل إلى الاستقرار فإن هذه الإلكترونات ستعود إلى مدارها الأصلي. وعندما تعود ستطلق الطاقة التي اكتسبتها على شكل ضوء. وهذا ما أيّد وبشدة ما قاله بلانك.

وبعدها خرج آينشتاين بنظرية الكهروضوئية ليؤيد بذلك نظرية ميكانيكا الكم أيضاً. ولكن بعد وضع النظرية الكهروضوئية فتحت أبواب الجحيم في الفيزياء. فقد استنتج آينشتاين بأن الضوء عبارة عن جسيمات. ولكن جاء بعدها العالم هوك أثبت بأن الضوء عبارة عن أمواج أي أنها عبارة عن اضطرابات، ولكن اضطراب ماذا؟ بما أن هناك اضطراب فيجب أن يحدث على مادة مثل موجات البحر الناتجة عن اضطراب الماء. ولكن لأن الضوء ليس مادة فما الشيء الذي يحدث له الاضطراب والذي ينتج الضوء؟! فعاد آينشتاين وافترض الطبيعة المزدوجة للضوء. ولكن بعدها قال دي بروي بأن الإلكترون يمكن أن يكون موجة وبالتالي فإن الذرة عبارة عن موجة. وبذلك فإن المادة عبارة عن أمواج، وبذلك فنحن وكل شيء حولنا عبارة عن أمواج! [2]

قطة شرودنجر

أحد التجارب الغريبة في عالم ميكانيكا الكم، حيث تخيل العالم شرودنجر وضع قطة في صندوق مغلق يحتوي على عداد غايغر ( وهو جهاز حساس يعمل على رصد الإشعاعات والإلكترونات المقذوفة بشكل دقيق ) وعلى مطرقة ومادة مشعة وزجاجة تحتوي على حمض الهيدروسيانيك، حيث يكون احتمال تحلل ذرة واحدة واطلاقها للإلكترونات خلال ساعة أمراً ممكناً، وعند رصد عداد غايغر للإلكترونات المقذوفة يعمل على تحطيم زجاجة الحمض بواسطة المطرقة وبذلك تموت القطة على الفور. وتكون المعضلة بذلك معرفة ما إذا كانت القطة ميتة أم على قيد الحياة بعد مرور الساعة دون فتح الصندوق !

من وجهة نظر ميكانيكا الكم فإن القطة بعد مرور الساعة تكون في حالة مركبة بين الحياة والموت ! أي أن القطة ليست حية وليست ميتة أيضاً وإنما حية وميتة في نفس الوقت.

وتباينت آراء العلماء بخصوص ميكانيكا الكم بشكل عام وبخصوص هذه التجربة بشكل خاص، فمثلاً قال ستيفن هوكينغ “إذا جاء إلي أحد وأراد ذكر قطة شرودنجر سأرفع عليه بندقيتي!”

وفي النهاية ومهما خضنا في هذا العلم فإنه سيكون من الصعب جداً فهمه بشكل كامل.

المصادر

  1. Wikipedia
  2. Caltech

النموذج المعياري النظرية التي تحكم بنية الذرة

النموذج المعياري

هو مجموعة من النظريات التي تتشارك في الأساس الرياضي لها. وتقوم بوصف دقيق لثلاث قوى من قوى الطبيعة الأربعة الأساسية. وهذه القوى هي: القوة الكهرومغناطيسية، والقوة النووية الكبرى، والقوة النووية الصغرى. وتصف هذه النظرية أيضاً الجسيمات الأولية التي تدخل في تركيب الجسيمات الدون ذرية. وبالتالي التي تدخل في تركيب المادة ( أي أنها تشرح كيفية بناء المادة ). وقد تم تطوير هذه النظرية بين عامي 1973 و 1974 كإحدى النظريات التي تتوافق مع أهم نظريتين في الفيزياء الحديثة، وهما نظرية ابنسبية لآينشتاين وميكانيكا الكم لماكس بلانك. وأكدت جميع التجارب المجراة صدق هذه النظرية، ولكن يكمن نقص هذه النظرية في عدم تمكنها من تفسير جميع القوى الأساسية الأربعة في الطبيعة. حيث أنها لم تتمكن من تفسير قوة الجاذبية. و ذلك لاعتبار العلماء عملية دمج النسبية العامة التي تعالج الجاذبية مع ميكانيكا الكم التي تدرس الجسميات على المستوى الذري والدون ذري أحد أكبر معضلات الفيزياء. وقد تم حل هذه المعضلة بشكل نظري عن طريق نظرية الأوتار الفائقة التي اكتشفت فيما بعد.[1] [2]

الجسيمات الأولية في الذرات

عام 400 قبل الميلاد قال ديموقراطس بأن كل شيء يتكون من ذرات. ولكن وقتها لم يكن يعلم مم تتكون هذه الذرات، جتى جاء تومسون عام 1897 ليمهد لنا معرفة وفهم بنية الذرة. وذلك لاكتشافه الإلكترون. حيث أصبح بعد ذلك الأمر أكتر وضوحاً حيث تمكنا من معرفة أن الذرات تتكون من مجموعة من الإلكترونات التي تدور حول جسيم مركزي وهو النواة. وتمكنّا من معرفة أن النواة تتكون من جسيمات أصغر وهي البروتونات الموجبة والنيوترونات المتعادلة. وفهمنا بأن ما يحدد نوع الذرة هو عدد البروتونات داخل نواتها. فعلى سبيل المثال إذا وجد بروتون واحد في الذرة فإنها ستعطينا ذرة هيدروجين. أما إذا كان هناك 79 بروتون في النواة فإن هذه الذرة ستكون ذرة ذهب. ولكن مم تتكون هذه الجسيمات الدون ذرية؟

للإجابة على هذا السؤال صمم العلماء تجربة لتفتيت هذه الجسيمات الأولية لمعرفة مم تتكون. فقد قاموا ببناء مسارع الجسيمات CERN وهو بالمناسبة أحد أضخم المشاريع التي عرفتها البشرية، حيث أن هذا المسارع هو نفق دائري يمر بعدة دول ( لتخيل حجم هذا الجهاز ). ووظيفة هذا المسارع هو قذف الجسيمات بسرعة قريبة جداً من سرعة الضوء وجعلها تتصادم لتتفتت. بالفعل نجح العلماء بتفتيت البروتون ونتج عن ذلك جسيمات أولية سميت بالكواركس Quarks. وبعدها تم اكتشاف عائلة أخرى من الجسيمات الأولية القريبة من الكواركس سميت بالليبتونز Leptons ( والتي ينتمي إليها الإلكترون بالمناسبة ). ولكن ما علاقة هذه الجسيمات الأولية بالقوى الأساسية وبالنموذج المعياري؟

حسناً… للإجابة على هذا السؤال علينا أن نسأل أنفسنا عدد من الأسئلة الأخرى. مثل كيف تتلاصق الجسيمات دون ذرية مثل البروتونات والنيوترونات في النواة ببعضها البعض؟ وما الذي يحول دون انهيار بنية الذرة؟ إجابة هذه الأسئلة هي مجموعة من التفاعلات التي تحدث في الذرات. وينتج عن كل تفاعل شكل من أشكال القوى الأساسية في الطبيعة. وتتم هذه التفاعلات عن طريق تبادل نوع من أنواع نواقل الطاقة في الذرات، وتحدد القوة الناتجة عن التفاعل بالإستناد إلى نوع الناقل المستخدم في هذه التفاعلات.[2]

نواقل الطاقة منبع القوى الأساسية

ذكرنا سابقاً أن القوى الأساسية ناتجة عن تفاعلات تبدال نواقل طاقة. وأن كل نوع من أنواع هذه النواقل يعكس شكلاً من أشكال القوى الأساسية. وتكمن أهمية هذه التفاعلات في الحفاظ على البنية السليمة والطبيعية للذرة. والحيول دون انهيارها وفنائها. وتتفاعل هذه النواقل بين الجسيمات الأولية المكونة للجسيمات الدون ذرية ويكون نتيجة تلك التفاعلات شكل من أشكل الطاقة. حيث أن القوة الكهرومغناطيسية ناتجة عن نوع من أنواع نواقل الطاقة تسمى الفوتونات ( نعم الضوء ولكن بمفهومه الشامل ). والقوة النووية الكبرى ناتجة عن نواقل طاقة تسمى جلوون Gluon. أما القوة النووية الصغرى ناتجة ناتجة عن تفاعلات تبادل البوزونات. أما الجاذبية فالمسؤول عنها ما يسمى بالجرافيتون حيث لم يتم رصده بعد وقد افترض هذا الجسيم في نظرية الأوتار الفائقة.

النموذج المعياري والقوة الكهرومغناطيسية

في البداية.. وضعت نظرية الكهرومغناطيسية من قبل العالم الأسكتلندي جيمس ماكسويل في منتصف القرن التاسع عشر. حيث قام بجمع المعادلات الرياضية التي تصف الظواهر الكهربائية والمغناطيسية معاً. وقام بتصحيح تلك المعادلات وخرج لنا بمجموعة من المعادلات شكلت الأساس البحت للنظيريتين. وصاغ من هذه المعادلات نظرية الكهرومغناطيسية. وقد استنتج عدداً من الأمور، فمثلاً قال بأن القوة الكهربائية والقوة المغناطيسية وجهان لعملة واحدة. ووجود أحدهما يعتمد على وجود الآخر. وقال أيضاً بأن أي ظاهرة مغناطيسية أو كهربائية يمكن أن تفسر باستخدام المعادلات التي وضعها دون الحاجة للإستعانة بغيرها. وقد أثبت من خلال معادلاته ( بشكل نظري قبل أن يتم إثبات ذلك بشكل عملي بعد وفاته ) بأن الضوء يتكون من موجات كهرومغناطيسية.

ولا بد أن نذكر بأن القوة الكهرومغناطيسية ناتجة عن قذف نواقل الطاقة التي تسمى الفوتونات من الذرات.[1] [5]

النموذج المعياري والقوة النووية الكبرى

نحن نعلم ( وكما ذكرنا سابقاً ) بأن الذرة تتكون من مجموعة من الإلكترونات التي تدور حول نواة. وأن هذه النواة تتكون من بروتونات ونيوترونات متلاصقة. ولكن كيف تتلاصق هذه الجسيمات؟ في الواقع تحكم الجسيمات في النواة بواسطة القوة النووية الكبرى ويكون مجال تأثير هذه القوة صغير جداً حيث أنه لا يتعدى حدود النواة. ولا يصل إلى الإلكترون الذي في مدار الذرة الأول. ولذلك واجه العلماء صعوبة في اكتشافها حيث أنها لم تكتشف إلا في القرن العشرين.

في الحقيقة إن هذه القوة لا تؤثر على البروتونات والنيترونات بشكل مباشر. وإنما تؤثر على الجسيمات الأولية ابمكونة للبروتونات والنيترونات وهي الكواركس. حيث أن الكواركس تتفاعل فيما بينها عن طريق تبادل نواقل طاقة من نوع جلوون. ويكون نتيجة تلك التفاعلات القوة النووية الكبرى التي تؤثر هلى الكواركس وتجعلها تتلاصق.

وقد وضعت النظرية التي تبنى عليها أسس هذه القوة على يد العالمين يانج ومايلز. والتي وصفت القوة النووية الكبرى بدقة.[1] [5]

النموذج المعياري والقوة النووية الصغرى

وكما الحال في القوة النووية الكبرى. ينحصر مجال هذه القوة على النواة فقط. وتكون وظيفة هذه القوة تنظيم الإشعاع. حيث أن بعض الذرات تقوم بقذف الجسيمات من داخلها من وقت لآخر. ويتم قذف هذه الجسيمات باستخدام الطاقة الناتجة عن تفاعلات تبادل جسيمات طاقة تسمى البوزونات بين الكواركس داخل النواة. أي أن هذه الجسيمات تقذف بواسطة القوة النووية الصغرى. وبالتالي فإنها المسؤولة عن إشعاع الذرات. مثل ذرات اليورانيوم و الراديوم. ولكن كما نعلم أن هذه الإشعاعات أغلب استخداماتنها تكون في المجال العسكري إلى جانب توظيفها في المجال الطبي. فلماذا هي مهمة لدرجة حتمية؟

حسناً… في البداية لنتفق على أن لولا القوة النووية الصغرى وتطبيقاتها لما كان هناك وجود للحياة ( وكذلك الأمر بالنسبة لباقي القوى الأساسية ). وذلك لأن الإشعاعات الناتجة عن هذه الذرات هي المسؤولة عن الطفرات ( وهي تغيير في التركيبة الذرية والجزيئية للمركبات الكيميائية ). والتي نتج عنها خواص جديدة للأحياء. ولذلك فإنه لولا القوة النووية الصغرى بشكل أو بآخر لما كان هناك وجود للحياة.

و قد اشتقت معادلات هذه القوة من معادلات يانج-مايلز ( كما القوة النووية الكبرى ). وقد قام ثلاثة علماء وهم محمد عبدالسلام وستيفن وينبيرغ وشيلدون جلاشو بتوحيد القوة النووية الضعيفة مع نظرية ماكسول للكهرومغناطيسية. وقاموا باستنباط مجموعة من المعادلات التي تصف القوتين في نفس الوقت. وقد سميت نظريتهم ب “Electroweak model” والتي تجمع بين القوة النووية الصغرى مع لقوة الكهرومغناطيسية.[1] [5]

نظريات النموذج المعياري

في النموذج العياري تشارك جميع قوى الطبيعة الأساسية عدا الجاذبية. وتشارك كل قوة من هذه القوى بنظرية تجمع بين نظريتها الأساسية مع ميكانيكا الكم. حيث تشارك الكهرومغناطيسية بنظرية “Quantum Electrodynamics” والتي تكون نتيجة دمج نظرية ماكسويل مع ميكانيكا الكم وهي التي تشكل الجانب الكمي من نظرية ماكسويل. أنا القوة النووية الكبرى تشارك بنظرية “Quantum Chromodynamics” والتي تشرح الجانب الكمي في القوة النووية الكبرى. أما القوة النووية الصغرى فإنها تشترك مع القوة الكهرومغناطيسية بنظرية “Electroweak model”. وتشكل هذه النظريات الثلاثة النموذج المعياري في الفيزياء الحديثة.[2] [3] [4]

المصادر

  1. فيزيائي من مصر
  2. Wikipedia ²
  3. Wikipedia³
  4. Wikipedia⁴
  5. CERN

ما هو قانون أوم؟

يعد قانون أوم حجر الأساس في وصف الدوائر الكهربية. ويُستخدَم في استنتاج العديد من المتغيرات التابعة لمرور التيار في الدائرة الكهربية، كالفقد الحراري الناتج عن مرور التيار. فما هو قانون أوم؟ وكيف يمكن صياغته من خلال حركة الجسيمات داخل الدائرة الكهربية؟

شدة التيار

يعبر التيار عن حركة الشحنات الكهربية خلال الموصل الكهربي سواء كانت شحنات موجبة أو شحنات سالبة. ولكننا نميل إلى أن نعبر عن اتجاه التيار باتجاه الشحنات الموجبة. فمثلا إذا طبق مجال كهربي (ورمزه E واتجاه من المصدر الموجب إلى المصدر السالب، كطرفي البطارية) على طرفي موصل ما، فإن اتجاه التيار سيكون في نفس اتجاه المجال الكهربي.

أما شدة التيار (ويرمز لها بالرمز I) فهي عدد الشحنات الكهربية (يرمز لها بالرمز q) المارة خلال زمن معين (t). وبالتالي يمكن التعبير عن شدة التيار رياضيًا بالمعادلة الآتية: I=q/t.

ويمكننا النظر لمعني شدة التيار بشكل أعمق من خلال وصفها بتأثير المجال الكهربي على حركة الجسيمات. لنفترض موصل كهربي من النحاس على شكل أسطوانة وتتحرك الإلكترونات على سطحه حركة عشوائية. عند تطبيق مجال كهربي على السلك فإن حركة الإلكترونات تتأثر بقوة كهربية فاتجاه معاكس لاتجاه المجال. ونتيجة لتلك القوة فإن الإلكترونات تتحرك بسرعة تسمى «سرعة الجرف – drift velocity» في عكس اتجاه المجال. وقيمة سرعة الجرف اقل بكثير من قيمة سرعة حركة الإلكترونات العشوائية داخل الموصل بمقدار حوالي 1011 م/ث. وتتمثل العلاقة الرياضية بين شدة التيار والمجال الكهربي كالتالي: I=σAE. ويدل الرمز A على المساحة التي يعبر منها التيار أما σ فهي التوصيلية الكهربية وهي ثابت خاص بكل مادة. ومن العلاقة الرياضية السابقة، فكلما اشتد المجال الكهربي زاد معه شدة التيار. [1]

تأثير فرق الجهد على شدة التيار

نشر «جورج أوم –  Georg Ohm» عام 1827 كتابه «The galvanic circuit investigated mathematically» والذي وضح فيه كيف تتأثر شدة التيار بفرق الجهد بين طرفي الموصل [2]. فرق الجهد يعبر عن مدى شدة المجال الكهربي على بعد مسافة معينةL)). أي يمكن تمثيل فرق الجهد من العلاقة: V=E.L. وبالتالي يمكن كتابة قانون شدة التيار بالشكل الآتي: I=σAV/L. وبالتالي فإن فرق الجهد يتناسب طرديًا مع شدة التيار فكلما ذاد فرق الجهد زاد التيار المار في الموصل. أما القيمة التي تساوي A/Lσ فهي تعبر عن مقلوب المقاومة الكهربية (R). وبالتالي يمكن كتابة قانون أوم بشكل ابسط ليكون: V=IR.

المقاومة الكهربية

المقاومة الكهربية هي ممانعة الموصل لمرور التيار، وبالتالي فإذا كان الموصل جيد التوصيل للكهرباء فمقاومته الكهربية أقل والعكس صحيح. وترتبط المقاومة الكهربية بكفاءة الموصل فقيمة المقاومة تتناسب أيضًا مع قيمة الفقد الحراري الناتج عن مرور التيار في ذلك الموصل.

شذوذ معظم الإلكترونيات الحديثة عن قانون أوم

تختلف المواد في توصيليتها الكهربية (σ) عن بعضها، حيث تتناسب التوصيلية مع بعض الخصائص المرتبطة بحركة الإلكترونات داخل المادة. وواحدة من تلك الخصائص هي زمن التصادمات بين الإلكترونات، فكلما زاد زمن التصادمات بين كل إلكترون زادت التوصيلية الكهربية. وترتبط أيضا بعدد الإلكترونات الحرة، فكلما زاد عددها زادت التوصيلية الكهربية.

في الموصلات كلما ارتفعت درجة الحرارة، زاد عدد التصادمات وبالتالي يقل زمن التصادم وتقل معه التوصيلية. ولكن الإلكترونيات الحديثة تصنع معظم مكوناتها من أشباه الموصلات. وأشباه الموصلات تزداد فيها عدد الإلكترونات الحرة بشكل كبير جدًا بزيادة درجة الحرارة، على عكس الموصلات فعدد إلكتروناتها الحرة شبه ثابت. فعند زيادة درجة حرارة اشباه الموصلات يقل زمن التصادمات، ولكن يزيد عدد الإلكترونات الحرة بشكل أكبر بكثير مما يجعل التوصيلية تزيد، عكس الموصلات.

ذلك الاختلاف جعل الإلكترونيات الحديثة القائمة على اشباه الموصلات تشذ عن قانون أوم المعروف في الدوائر الكهربية المعتادة. بل وأعطى أيضا الإلكترونيات خصائص أحدث تربط الكهربية بمجالات أوسع من الطاقة، كربط الكهرباء بالطاقة الشمسية في الخلايا الشمسية.

المصادر

[1] Fermi energy, metals and the drift velocity of electrons

[2] The galvanic circuit investigated mathematically

[3] Temperature Dependence of Electrical Resistivity of (III, Mn)V Diluted Magnetic Semiconductors

نظرية الأوتار الفائقة نظرية تفسر كل شيء!

ما هي نظرية الأوتار الفائقة؟

هي نظرية ظهرت نتيجة بحث العلماء عن نظرية واحدة تعمل على تفسير الأجسام دون الذرية والتي تمثل وحدات البناء الأولية في المواد. كما تهتم بشرح القوى الأربعة الأساسية في الطبيعة. وهي القوى التي لا يمكن تحليلها إلى مكونات أصغر. وهذه القوى تشكل أساس الكون والمكونات الأولية له. وهي قوى الجاذبية والكهرومغناطيسية والتي يمكن ملاحظة آثارها بشكل واضح ومباشر في حياتنا اليومية. والقوة النووية الكبرى والقوة النووية الصغرى والتي تظهر آثارها في الذرات والتفاعلات النووية بغض النظر عن حجمها.

كانت مسألة توحيد قوى الطبيعة الأربعة تشكل الكثير والكثير من الأرق لعلماء الفيزياء. وذلك لتنافر أهم نظريتين في الفيزياء الحديثة. وهما نظرية النسبية لألبرت آينشتاين، والكم لماكس بلانك. [1]

بداية العقدة والحل المجنون!

بدأت المشكلة التي شكلت كابوساً لعلماء الفيزياء النظرية من تنافر نظرية النسبية ونظرية الكم. حيث فسرت نظرية النسبية قوى الجاذبية وأثرها وتطبيقاتها على الأجسام والعناصر العملاقة في الفضاء، مثل النجوم والمجرات. بينما شرحت نظرية الكم باقي القوى الأساسية الأربعة (وهي الكهرومغناطيسية، والقوة النووية الكبرى، والقوة النووية الصغرى). والتي كانت تطبق على الجسيمات الذرية ودون الذرية. لكن لم تنجح الكم حينها في تقديم تفسير مقبول للجاذبية مما أحدث أزمة حقيقية في الوسط العلمي.

حاول العلماء القضاء على ذلك التنافر القائم على رفض آينشتاين لقبول نظرية الكم كنظرية أساسية. بالرغم من تقديم نظرية الكم تفسيراً مقبولاً إلى حد كبير في تفسير القوى الأساسية الأخرى وثبت صحتها بعد اختبارها بدقة لم يسبق لها مثيل في وقتها. فحاول آينشتاين في آخر حياته أن يجمع بين النظريتين بتفسير الجاذبية بواسطة الكم، ولكنه مات قبل أن يصل إلى حلمه. وجاء بعده الكثير من العلماء ليكملوا ما لم ينتهى منه آينشتاين. وبعد الكثير من المحاولات والجهد، نجح العلماء أخيراً بالجمع بين النظريتين. كما نجحوا في جمع تفسير قوى الطبيعة الأساسية الأربعة أخيرًا، وذلك بنظرية جديدة أقرب إلى الخيال تسمى نظرية الأوتار الفائقة.[2]

نظرية الأوتار الفائقة

ما جعل هذه النظرية غريبة إلى حد كبير هو تخطيها لحدود التفكير البشري المنطقي إلى حد ما. حيث تنص هذه النظرية على أن للكون عشرة أبعاد. ونحن لا نعرف منها إلا أربعة أبعاد وهي أبعاد المكان الثلاثة والبعد الرابع وهو الزمان.

في نظرية الأوتار الفائقة لا وجود للجسيمات الأولية (كالإلكترون والكوارك)، والتي تمثل وحدات البناء للعناصر في الكون. وإنما كل ما هو موجود مجموعة من الأوتار المهتزة، والتي تهتز بترددات مختلفة. ومع كل تردد ينتج نوع من أنواع الطاقة أو نوع من أنواع الجسيمات الأولية. وبذلك تكون تلك الجسيمات الأولية ما هي إلا مجرد انعكاس لتلك الاهتزازات. وتحدد هذه الاهتزازات خصائص الجسيم الناتج عنها على سبيل المثال شحنته وكتلته.

وتحتوي الأوتار الفائقة على الأبعاد العشرة، أربعة منها تحدد الموقع في المكان والزمان والأبعاد الإضافية هي ما تحدد خصائص الكون الذي نعيش فيه. وتكون بعض تلك الأوتار متكورة أو مغلقة. وتتميز الأوتار بإطلاقها لجزيئات الجرافيتون وهي الجسيمات المسؤولة عن الجاذبية كواحد من التفاعلات الأساسية. [1] [2]

كوننا ذو الأبعاد العشرة

تنص نظرية الأوتار الفائقة على أن الكون يحكم بواسطة مجموعة من الأوتار المهتزة ذات الأبعاد العشرة. ونحن لا نعرف من هذه الأبعاد إلا أبعاد الزمكان الأربعة. وبذلك فإنه يوجد ست أبعاد أخرى مجهولة. وما زلنا بحاجة إلى معرفة هذه الأبعاد الستة وربطها بطريقة ما مع الأبعاد المعروفة لدينا حتى نستطيع أن نصف ونفهم الكون بشكل واضح.

ولفعل ذلك يجب علينا تكوير تلك الأبعاد الستة الإضافية، وحصرها في حيّز صغير في الفضاء. فعلى سبيل المثال، لتخيل مدى الصغر المطلوب. إذا كان حجم ذلك الحيز 10^-33 سم³ فإننا لن نتمكن من رصد تلك الأبعاد لأنها صغيرة جداً. وبالتالي فإن النتيجة ستكون العودة إلى الاكتفاء بكوننا ذي الأبعاد الأربعة. ولكن ذلك لا ينفي وجود كرة ضئيلة الحجم مكونة من الأبعاد الستة الأخرى متصلة بكل نقطة في كوننا رباعي الأبعاد.

ويفضل العلماء التخلي عن فكرة فردية الزمان والمكان والاعتراف بعالم من عشرة أبعاد. ذلك لأن نظرية الأوتار الفائقة (كنظرية موحدة) تحاول شرح جميع القوى الأربعة الأساسية في الطبيعة. وبالفعل فإن أحد حلول معادلات الأوتار الفائقة هو قوة تشبه قوة الجاذبية. وبذلك فإنها أعطت تفسيراً مقبولاً لتوحيد تلك القوى الأربعة.[3]

الأبعاد الأربعة المعروفة حاليا

  1. تم بالفعل اكتشاف ورصد الأبعاد الأربعة الأولى. فالبعد الأول هو العرض أو المحور س “x-axis”. ويصف العناصر ذات البعد الواحد كخط مستقيم. ولا يوجد أي صفات مميزة لهذا البعد غير أنه يصف العرض.
  2. البعد الثاني وهو الطول، أو المحور ص “y-axis”. وبتطبيق البعد الأول والبعد الثاني على عنصر ما فإننا سنحصل على عنصر ثنائي الأبعاد. كمربع على سبيل المثال.
  3. البعد الثالث وهو العمق أو المحور ع “z-axis”. وبتطبيق المحاور الثلاثة على عنصر فإننا سنحصل على عنصر ثلالثي الأبعاد. وأبس مثال على ذلك هو المكعب. ويوجد في هذه العناصر الثلاث أبعاد المكانية وهي الطول والعرض والعمق. وهذه هي الأبعاد التي يمكن ملاحظتها بواسطة حاسة اللمس والنظر لدينا. وذلك على خلاف الأبعاد السبعة الباقية.
  4. البعد الرابع وهو الزمن. وهو البعد الذي ينظم خصائص كل العناصر المعروفة لدينا وعند أي نقطة. وبالإضافة إلى أبعاد المكان الثلاثة الأخرى فإن معرفة البعد الزماني لعنصر ما أمر أساسي لتحديد موقعه الزماني في الكون.

الأبعاد المجهولة

عندما يأتي الأمر لباقي الأبعاد المجهولة فإن الإحتمالات العميقة تأتي لتلعب دورها. ويعد تفسير تفاعل تلك الأبعاد مع الأبعاد المعروفة أمراً مخادعاً إلى حد ما بالنسبة لعلماء الفيزياء. وهنا تبدأ نظرية الأوتار الفائقة بلعب دورها المدهش.

  • فبحسب نظرية الأوتار الفائقة، فعند البعدين الخامس والسادس يظهر مفهوم العوالم المحتملة (أو العوالم الموازية). فإذا استطعنا تتبع البعد الخامس فسنرى عالماً مختلف إلى حد ما عن عالمنا الذي نعرفه. وذلك سيعطينا وسيلة لمعرفة أوجه التشابه والاختلاف بين عالمنا المعتاد والعوالم الأخرى.
  • إذا وجدنا البعد السادس فسنكون قادرين على رصد العوالم الموازية لعالمنا. وسيكون بإمكاننا تحديد الأكوان الأخرى التي يعد وجودها ممكناً. والمقارنة بين الأكوان التي تتشارك في ظروف الخلق الأولية ( في حالتنا ستكون الظروف الأولية هي الانفجار العظيم). وإذا تمكنا من التحكم بالبعدين الخامس والسادس فسنتمكن من السفر عبر الزمن!
  • وفي البعد السابع سيمكننا رصد العوالم الأخرى ذات الظروف الأولية المختلفة. فقد كان بإمكاننا في البعدين الخامس والسادس رصد العوالم ذات الظروف الأولية المتشابهة. ولكن الأحداث اللاحقة كانت مختلفة، أما في البعد السابع فكل شيء مختلف منذ بداية تكون تلك الأكوان.
  • وفي البعد الثامن يمكننا رصد تاريخ العوالم الأخرى والتي تملك ظروف أولية مختلفة أيضًا والتي تتفرع إلى ما لا نهاية. ويعتقد العلماء بأن البعد الثامن يشمل جميع الأبعاد السابقة له.
  • وفي البعد التاسع سنستطيع أن نقارن بين تواريخ الأكوان المختلفة بدءاً بقوانين الفيزياء المختلفة والظروف الأولية.
  • وفي البعد العاشر والأخير نصل إلى النقطة التي يكون عندها كل شيء ممكن ويمكننا تخيله قد تم تغطيته. ووراء ذلك البعد لن نكون نحن البشر قادرين على تخيل أي شيء. وذلك ما يجعل البعد العاشر هو الحد لما يمكن تخيله.[3]

المصادر

1. Wikipedia
2. NASA
3. phys.org

كيف تعمل قنابل الاندماج النووي؟ وما هي آثارها؟

تعمل قنابل الاندماج النووي أو ما اصطلح عليه بالقنبلة الهيدروجينية بشكل مختلف عن القنابل الذرية. وتفوق قوتها آلاف المرات القنبلة الذرية بفضل الطاقة الذي يحررها الوقود النووي أثناء عملية الاندماج النووي. ورغم أن هذا النوع من القنابل لم يستخدم في أي حرب حقيقية، إلا أن الاختبارات التي تم إجراؤها في عدة مواقع من العالم تبين هول الخسائر التي قد يسببها انفجار قنبلة اندماجية. فكيف تعمل قنبلة الاندماج النووي؟ وما هي ظاهرة الاندماج النووي التي تقوم عليها القنبلة الاندماجية؟ وما هي الآثار التي تخلفها هذه القنابل؟

الاندماج النووي

في ظاهرة الاندماج النووي، تندمج نواتان خفيفتان لتشكلا معًا نواة واحدة أثقل. ولحصول هذه الظاهرة، يجب أن تتغلب قوى التجاذب النووية على التنافر الذي يحدث بين شحن النواتين. ويتم تحقيق هذا الشرط إما برفع كثافة الوقود النووي -حيث يؤدي الضغط الهائل إلى تجاوز عتبة التنافر- أو من خلال رفع درجة الحرارة إلى ما يقارب مئة مليون درجة مئوية (حوالي سبعة أضعاف درجة حرارة مركز الشمس). وكلما كبُر حجم النواة، زادت معه الطاقة اللازمة لإحداث الاندماج النووي. لهذا، تعتبر نواة الهيدروجين الأنسب لهذا الغرض (باعتبارها أخف ذرة في الطبيعة)[1].

ويتوفر الهيدروجين على ثلاثة نظائر طبيعية. أولها، الهيدروجين العادي (1H) الذي يتكون من بروتون واحد، وتشكل نسبته %99.985 من الهيدروجين الموجود في الطبيعة. وثانيهما، الديوتيريوم (ويرمز له ب D أو 2H) الذي يتشكل من بروتون ونيوترون. ويشكل ما نسبته %0.015 من الهيدروجين الطبيعي. وأخيرًا، التريتيوم (ويرمز له ب T أو 3H). ويتكون من بروتون ونيوترونين، ولا يتواجد في الطبيعة إلا بمقدار ضئيل لا يذكر. وتقوم قنبلة الاندماج النووي بشكل أساسي على اندماج الديوتيريوم 2H والتريتيوم 3H، حيث يندمجان فيُشكلان نواة الهليوم 4He مع تحرير نيوترون وطاقة تقدر ب 17.588 MeV (الشكل 1) [2].

الشكل 1: الاندماج النووي لنظيري الهيدروجين الديوتيريوم 2H والتريتيوم 3H

الاندماج النووي للديوتيريوم

 يمثل اندماج نواتين من الديوتيريوم D مثالا آخر للاندماج النووي الذي يستخدم في الأسلحة النووية، حيث ينتهي التفاعل بإنتاج نواة الهيليوم ونيوترون مع انبعاث MeV3.268 من الطاقة (الشكل 2) [3].

الشكل 2: الاندماج النووي لنواتين من الديوتيريوم D

استخدام الليثيوم كوقود نووي

يمكن أيضًا أن نستخدم الليثيوم (6Li) في الاندماج النووي. حيث تنشطر نواة الليثيوم بعد امتصاص نيوترون إلى نواتي الهليوم (4He) والتريتيوم (3H). فيدخل هذا الأخير في تفاعل كالذي في الشكل 1 من أجل تحرير طاقة الانفجار (الشكل 3). ويتم استعمال الليثيوم كوقود نووي بدل التريتيوم لأن هذا الأخير عنصر مشع غير مستقر يتحلل إلى الهيليوم (3He) بعمر نصف (المدة الزمنية اللازمة لتحلل نصف الكمية) يقدر بـ12 سنة. وبالتالي، فإن استعمال التريتيوم بشكل مباشر يتطلب إعادة تعبئته كل مدة معينة لتعويض الكمية المتحللة [3].

الشكل 3: استخدام الليثيوم من أجل إنتاج الاندماج النووي

تصميمات قنابل الاندماج النووي

تعتبر تصميمات قنابل الاندماج النووي من الأسرار العسكرية للدول النووية. وما يتوافر لدينا من معلومات لا يتعلق إلا بأولى القنابل التي صُنّعت في القرن الماضي، كالقنبلة المعَزَّزة التي تعتمد بشكل جزئي على الاندماج النووي وقنبلة المرحلتين.

القنبلة المعززة

يُستخدم الاندماج النووي في «القنبلة المعَزَّزة-boosted weapon» من أجل تعزيز كفاءة القنبلة التي تعتمد أساسًا على طاقة الانشطار النووي. إذ يساهم الاندماج النووي لكمية صغيرة من (بضعة غرامات) الديوتيريوم D والتريتيوم T في خلق المزيد من الانشطارات النووية قبل أن تدمر القنبلة ذاتها. ويحدث ذلك عندما يمتص الوقود الانشطاري النيوترونات المنبعثة من اندماج D و Tفينشطر محَرِّرًا معه طاقة الانفجار [3].

قنبلة المرحلتين

تعتمد «قنبلة المرحلتين-two stage bomb» أو ما يعرف بـ «تصميم تيلر-أولام-Teller-Ulam design» بشكل أساسي على طاقة الاندماج النووي.  وكما هو بيِّن من الاسم، فإن هذه القنبلة تنفجر على مرحلتين. في المرحلة الأولى -التي تدعى الانفجار الأولي- تنفجر قنبلة انشطارية من نوع الانضغاط الداخلي (الجزء الدائري من الشكل 4) لتُؤمِّن الضغط اللازم لتوليد الاندماج النووي. بعدها، يَظَّل الوقود النووي الاندماجي -المعبأ في أسطوانة أسفل القنبلة الانشطارية- ينضغط إلى مركز الأسطوانة ضاغطًا معه أنبوبًا من المادة الانشطارية الذي يخترق أسطوانة الوقود النووي الاندماجي من مركزها. ويتجلى دور الأنبوب في كونه الفتيل الذي يشعل الانفجار الاندماجي. ذاك أن انضغاط الأنبوب يُوصل المادة الانشطارية داخله إلى الكتلة الحرجة، التي يمكن معها بدء الانفجار الانشطاري بعد امتصاص أحد النيوترونات، فينفجر الأنبوب مولدًا معه الحرارة اللازمة لبدء الانفجار الاندماجي. وهذا ما يعرف بالانفجار الثانوي [3].

الشكل 4: مراحل انفجار قنبلة المرحلتين

ويعتبر التحدي الأكبر في هذا التصميم هو الوصول إلى الانفجار الاندماجي قبل أن يدمر الانفجار الأولي القنبلة. مع العلم أن هذا الانفجار الأولي قادر على تدمير مدينة بأكملها. ويكمن سر نجاح هذا التصميم في كون معظم الطاقة المحررة من الانفجار الأولي عبارة عن أشعة إكس التي تسمح بنقل الطاقة إلى المادة الاندماجية قبل أن ينفجر السلاح كله مدمرا نفسه [3].

آثار قنابل الاندماج النووي

تتغير شدة الآثار التي تخلفها قنابل الاندماج النووي حسب قوة الانفجار. ويتم تحديد هذه القوة بحساب عدد الأطنان اللازمة لخلق نفس الانفجار باستعمال «ثلاثي نيتروتولوين-(Trinitrotoluene (TNT» (متفجرات تي إن تي التقليدية). وقد تصل قوة انفجار قنابل الاندماج النووي إلى عشرات ملايين الأطنان [1].

الكرة النارية النووية

لا تقتصر آثار قنابل الاندماج النووي على قوة الانفجار وحدها، بل إن أغلب الأضرار تنتج عن نواتج الانفجار. وأولها، كرة نارية قد يصل قطرها إلى أكثر من 1000 متر. تتشكل من كمية هائلة من أشعة إكس التي تقوم بتسخين الهواء إلى عشرات الملايين من الدرجات المئوية (درجة حرارة الشمس). وفي هذه الظروف فإن ذرات وجزيئات المادة تتحلل [4].

موجة الهواء المضغوط

وتتسبب الكرية النارية في تشكيل موجة من الهواء المضغوط الذي ينتشر بسرعة تفوق سرعة الصوت وذلك بدفع الهواء بعيدا عن مركز الانفجار. يسبب الضغط الهائل سحق كل  شيء بالقرب من مركز الانفجار بما في ذلك أجسام البشر التي تموت بشكل فوري عند التعرض لهذا الضغط. بالنسبة للمناطق الأبعد، حيث ينخفض الضغط نسبيًا، فإن الضغط قد يتسبب في تمزيق الرئتين أو على أقل تقدير في تمزيق طبلة الأذن. بالإضافة إلى هذا، تصاحب موجة الضغط هذه رياح عاتية قادرة على اقتلاع مباني على بعد عدة أميال من أساساتها. وفي حال بقي شيء من البنيان، فإن ما يسمى بتأثير الفراغ كفيل بتدميره. ذاك أن الأماكن التي تجتاحها موجة الضغط تفقد الكثير من الهواء، وبالتالي ينخفض الضغط في محيط البنايات هناك، فتنفجر هذه الأخيرة بسبب فرق الضغط بين الداخل والخارج [4].

الإشعاعات الحرارية

وأخيرًا وليس آخرًا، يأتي دور الإشعاعات الحرارية التي تكون على شكل ضوء أو حرارة، والتي تصل درجة حرارتها إلى 6000 درجة مئوية. وتتسبب هذه الإشعاعات في إحراق أي شيء قابل للاحتراق داخل مدى انتشارها من خشب أو ملابس أو حتى جلد الإنسان. مما يؤدي إلى انتشار موجة من الحرائق يصل مداها إلى بضعة كيلومترات. وقد يؤدي الوميض الضوئي لهذه الإشعاعات الذي قد يدوم 30 دقيقة ويتخطى 10 أميال إلى الإصابة الدائمة بالعمى. وبسبب قدرة هذه الإشعاعات على الانعكاس في الهواء، فإن أثرها لا ينحصر فقط على من ينظر مباشرة إلى الانفجار بل إلى أي شخص في دائرة الانفجار [4].

المصادر

[1] Nuclear energy: An introduction to the concepts, systems, and applications of nuclear processes

[2] Nuclear Weapons, Risk and Hope -Handout#2

[3] Introduction to Nuclear Weapon Physics and Design 

[4] Basic Nuclear Physics and Weapons Effects 

ما هو الوعي الكمي ؟

يعد الوعي الكمي أحد علوم الفيزياء الحديثة المثيرة للجدل، حيث يندرج تحت علم الفيزياء الحيوية الكمومية. ويركز هذا العلم على قضايا الوعي والذكاء وعلاقتهما بفيزياء الكم. حيث أن حجة العلماء العاملين على هذا الفرع العلمي قائمة على وجود فوتونات حيوية في الدماغ. وأين وجدت الفوتونات بالتالي فبالتأكيد يوجد مكان لفيزياء الكم!

الوعي الكمي “Quantum mysticism”

يعرف أيضاً باسم التصوّف الكمي. يعد أحد أكثر العلوم (إذا صح التعبير) المثيرة للجدل في الأوساط العلمية. حتى أنه يشار إليه بازدراء في الكثير من الأحيان. وهو عبارة عن مجموعة من معتقدات الميتافيزيقيا والممارسات المرتبطة بها. والتي تدعي إمكانية بل حتمية ربط جوانب الوعي والروحانيات والذكاء ( والتي تمثل جانب كبير من معتقدات الصوفية ) بأفكار و نظريات ميكانيكا الكم. ولذلك سميت بالتصوّف الكمي.

وقد تعرّض هذا العلم وهذه الأفكار والنظريات إلى سيل من الانتقادات في الأوساط العلمية وخاصة علماء ميكانيكا الكم. وقد وصفت بالدجل وبالعلم الزائف.[1]

ورقة ويجنر

كتب العالم ويجنر “Eugene Wigner” في العام 1961 ورقة بعنوان ملاحظات على أسئلة العقل والجسد “Remarks on the mind-body questions”. أشار فيها إلى أن المراقب ( الواعي ) لعب دوراً أساسياً في ميكانيكا الكم. وقد اتخذت هذه الورقة كمصدر إلهام للصوفيين اللاحقين. وذلك بالرغم من أن ويجنر اتبع أسلوب وأفكار فلسفية في المقام الأول أثناء إعداده لهذه الورقة. وذلك الأمر يعد مخالفاً إلى حد ما للأفكار و المعتقدات الموجودة في تعاليم الصوفية. ولكن في أواخر سبعينيات القرن الماضي قام ويجنر بالتراجع عن أفكاره ورفض ارتباط الوعي البشري بميكانيكا الكم. [1]

الوعي الكمي أحد خرافات الميكانيكا الكمية!

في وقتنا الحاضر تتعرض نظرية الوعي الكمي للكثير من الانتقادات في أروقة أقسام الفيزياء في جميع الأقطاب العلمية في العالم. حيث يرفض العلماء فكرة لعب الميكانيكا الكمية التي وضعت من قبل مجموعة من العلماء المرموقين و هم آينشتاين وبور وبلانك وباولي وهايزنبيرغ دوراً في الصوفية والروحانيات. ولكن لنعود قليلاً إلى الوراء، إلى أوائل سبعينيات القرن الماضي حيث بدأت ثقافة صوفية العصر الجديد بالظهور.

بدأ بعض العلماء الذين اعتنقوا التصوّف الشرقي بتحليل الظواهر التخاطبية المزعومة بواسطة ميكانيكا الكم. حيث ظهرت كتب لعلماء وكُتّاب مثل آرثر كوستلر ولورانس لي شان وآخرون اقترحوا فيها إمكانية تفسير ظواهر التخاطر باستخدام ميكانيكا الكم. وفي نفس العقد ظهرت مجموعة فايزكس الأساسية، وهي مجموعة تتكون من عدد من علماء الفيزياء الذين تمسكوا بالوعي الكمي بعد انخراطهم في أمور التخاطر، والروحانيات، والتأمل، وتمارين مختلفة من العصر الجديد للصوفية الشرقية. وقد كتب أحد منتسبي هذه المجموعة وهو فريتجوف كابرا كتاب “استكشاف أوجه التشابه بين الفيزياء الحديثة والتصوّف الشرقي” وذلك عام 1975. تبنى هذا الكتاب العصر الجديد للوعي الكمي، واكتسب شهرة واسعة بين عامة الناس.[2] [3]

ما هو الوعي الكمي؟

حسناً، تكلمنا عن أن الوعي الكمي علم زائف كما يقول الكثير من العلماء. وتكلمنا أيضاً عن علماء آمنوا بالوعي الكمي. ولكن ما هو الوعي الكمي؟

بصورة مبسطة، الوعي الكمي هو علم يفسر الوعي البشري والذكاء وظواهر التخاطر في علوم الروحانيات والصوفيات بميكانيكا الكم وبالتالي فهو يقع بين التصوّف الشرقي وميكانيكا الكم. وفي بداية ظهور هذا العلم آمن به الكثير من الناس، وذلك لأنه دعم ببراهين مقنعة إلى حد ما وقتها. مثل أن ما يتحكم بالوعي البشري هي الفوتونات العصبية أو الحيوية. ويمكن أن يطبق على تلك الفوتونات مبادئ ميكانيكا الكم. وبالتتابع أصبح تفسير الوعي البشري بميكانيكا الكم ممكناً بل أكيداً بوجهة نظر المؤمنين بالوعي الكمي.

وبالرغم من غرابة هذه النظرية، وغرابة التفسيرات التي أوجدتها لربط الوعي بالكم. إلا أن ظهر مجموعة من العلماء الذين دافعوا عنها وقاوموا لربط الإثنين معاً. فقد كان كلا العلمين صعب الفهم، ومعقدين إلى حد ما. وهذا لا يعني بالضرورة أنهما مرتبطان بشكل ما حقًا أو أنهما يفسران بعضهما البعض. ورغم تزايد عدد المعارضين لها منذ ظهورها في النصف الثاني من القرن السابق. إلا أن أول نظرية مفصلة للوعي الكمي ظهرت في التسعينيات على يد الفيزيائي الحائز على جائزة نوبل من جامعة أكسفورد روجر بنروز، وعالم التخدير ستيوارت هامروف من جامعة أريزونا. والذين قالوا في هذه النظرية ( بشكل شديد الإختصار ) بأن الحسابات الكمومية في الأنابيب الدقيقة (وهي نوع من أنواع الهياكل الخلوية) لها دور وتأثير في إطلاق الخلايا العصبية وبالتبعية الوعي. [3]

اعتقادات بنروز وهاموفر

ذكرنا سابقاً بأن من بين مجتمع العلماء الرافض بأغلبيته الساحقة لهذه النظرية ظهر عدد من العلماء المرموقين المؤيدين لهذه النظرية. ومنهم بنروز الحاصل على جائزة نوبل وعالم التخدير هاموفر. فقد اتفق الاثنان على أن أحد مكونات الدماغ المسؤلة عن إطلاق الخلايا العصبية وهي الأنابيب الدقيقة كما أشرنا سابقاً لها القدرة على إجراء حسابات كمومية عالية الدقة لإطلاق الخلايا العصبية ( وهذا يعني بأن أدمغتنا عبارة عن حواسيب كمومية ). و الخلايا العصبية لها دور كبير في عملية الوعي والإدراك وبالتالي يكون الوعي نتيجة عدد من الحسابات الكمومية. ويدعي العالمان بأن هذه الأنابيب الدقيقة تتمتع بسلوك كمي، وذلك يتجلى في خصائصها المتمثلة في الموصلية الفائقة والميوعة الفائقة ( وذلك في درجات الحرارة المنخفضة فقط ). وذلك ما جعل هذين العالمين يؤمنان بنظرية الوعي الكمي.[2][3]

لماذا رفضت الأغلبية الساحقة من العلماء نظرية الوعي الكمي؟

لاقت نظرية الوعي الكمي رفضاً كبيراً منذ ظهورها في ألمانيا في عشرينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا. فقد رفضها في بداية ظهورها عدد من العلماء منهم اينشتاين رغم اتهامه بالتصوف وماكس بلانك وغيرهم. ولكن لماذا رفض العلماء هذه النظرية؟

يدعي المتصوفون والمؤمنون بهذه النظرية بأن ميكانيكا الكم ترتبط بالوعي، والوعي هو المسؤول عن خلق الواقع وبالتالي فإنه يمكننا التحكم بالواقع بواسطة ميكانيكا الكم. ويقر المتصوفون بإمكانية التحكم بالواقع إذا قمنا بتطبيق قوى عقلية كافية.

وقد وصل بعض المؤمنين بهذه النظرية إلى حد تفسير ظواهر نفسية وربما ظواهر خارقة بميكانيكا الكم. مثلما فعل أميت غوسوامي “Amit Goswami” حيث فسر الرؤية عن بعد والخروج من الجسد بالكم. وقد ذكر ذلك حرفياً في كتابه: كيف يخلق الواقع العالم المادي. وغيره من فسر إمكانية شفاء الأمراض بواسطة التفكير وجلسات التأمل بميكانيكا الكم مثلما فعل الطبيب ديباك شوبرا.

وقد رفض العلماء هذه النظرية لعدم وجود أدلة واضحة ومنطقية على صحتها. وقد رفض العلماء فكرة تفسير أمور غير منطقية بتاتاً بميكانيكا الكم. [1]

مصادر

1.Wikipedia
2.phys.org
3.physicsworld.com

ما هي ظاهرة البرق والرعد؟

تعد ظاهرة البرق والرعد واحدة من الظواهر التي تأخر تفسيرها حتى القرن الثامن عشر ميلادي. نتيجة لتأخر وضع سبب علمي لتلك الظاهرة، نتج الكثير من الأساطير والمعتقدات بشأنها في مختلف الحضارات عبر الزمن. فما هو التفسير العلمي لظاهرة البرق والرعد؟ ولم يحدثا معًا؟ وما سبب حدوث الرعد بعد البرق وليس قبله؟

البرق والرعد في الحضارات القديمة

ارتبطت ظاهرة البرق والرعد بالآلهة في الحضارات القديمة للإنسان منذ أن كانت سبب في إبعاد الحيوانات والتدفئة والإنارة. فاعتقد اليونانيون قديمًا أن البرق هو سلاح الإله زيوس، بل وقدسوا كل بقعة ضربتها صاعقة. أما في الحضارة الاسكندنافية، فكان ثور هو إله الرعد، فكان يضرب به كل أعدائه. وتطول الأمثلة، ولكن لم تسلم ظاهرة البرق والرعد من الافتراضات غير الطبيعية من الإنسان. ورغم محاربة بعض الفلاسفة، مثل سقراط وأرسطو، تلك التخاريف الناتجة عن عدم معرفة سبب حقيقي لتلك الظاهرة، استمر الإنسان في اعتبارها ظاهرة مقدسة لزمن طويل. [1]

ظل الوضع كما هو حتى عام 1752 م عندما اكتشف «بنجامين فرانكلين – Benjamin Franklin» الطبيعة الكهربية للبرق والرعد المصاحب له. وتفسر الظاهرة بإحدى أساسيات الفيزياء الكهربية البسيطة وهي ظاهرة «الحث الكهروستاتيكي – Electrostatic induction».

ما هو الحث الكهروستاتيكي ؟

من المعروف أن الجسيمات المشحونة كهربيًا تتنافر إذا كان لديها نفس الشحنة وتتجاذب إذا اختلفت شحناتها. افترض أن هناك لوح ما يحتوي على عدد متساوٍ من الشحنات الموجبة والسالبة. فإذا اقتربت شحنة ما من ذلك اللوح فإنها ستجذب عدد كبير من الشحنات المخالفة لها في الشحنة لاتجاهها، ويكون ذلك اللوح مشحون في ذلك الجنب أو الاتجاه بشحنة تلك الجسيمات. فمثلا، إذا اقتربت شحنة سالبة من قضيب به عدد متساوٍ من الشحنات، فإن الشحنات الموجبة ستتجه باتجاه الشحنة السالبة الخارجية، ويصبح القضيب مشحونًا بشحنة موجبة في ذلك الاتجاه. [2]

الحث الكهروستاتيكي

ولكن كيف تفسر تلك الظاهرة الكهربية البرق؟ يلزمنا ذلك معرفة ماهية البرق أولًا.

ما هو البرق وكيف يحدث؟

ترتبط ظاهرة البرق بسماء ملبدة بالسحب. والسحب هي عبارة عن جزيئات مياه متبخرة متجمعة في مكان واحد. ويتكون الماء من شحنات كهربية موجبة الشحنة لعنصر الهيدروجين وسالبة الشحنة لعنصر الأوكسجين. ولأن الأرض عبارة عن أكبر خزان للشحنات الكهربية الموجبة، أي يمكن اعتبارها شحنة موجبة ضخمة المقدار. لذا، اكتملت الأركان، فبنفس فكرة الحث الكهروستاتيكي، فإن الأرض موجبة الشحنة تجذب الشحنات السالبة من السحب باتجاهها.

كلما قصرت المسافة بين السحب والأرض زاد الحث وزاد معه الجهد الكهربي بينهما، أي زاد ميل تلك الشحنات إلى أن تنجذب لبعضها. وعلى الرغم من أن الهواء الجوي مادة عازلة للكهرباء، لكن هناك نقطة يصل فيها الجهد لقيمة ضخمة تحوّل الهواء لمادة موصلة للكهرباء. لذا فنهاية تلك العملية هي زيادة متواصلة في الجهد حتى نقطة معينة يستطيع فيها الهواء تفريغ كل تلك الشحنات مرة واحدة إلى الأرض. [3]

بالتالي، فإن شعاع البرق الذي تراه ما هو إلا تفريغ لحظي للشحنات من السحاب للأرض. وهناك نوع آخر من البرق في السحب نفسها، ويحدث بسبب اختلاف درجات الحرارة داخل السحب. وها قد عرفنا ماهية البرق وتفسيره، إذا فما هو الرعد؟ ولم يلازم البرق؟ وما سبب حدوثه بعد البرق وليس قبله؟

ما هو الرعد وتفسيره؟

نتيجة لتفريخ الشحنات، تزداد حرارة الجو عند منطقة الصاعقة زيادة حادة مفاجئة ينتج عنها عدة تغيرات. من ضمن تلك التغيرات زيادة ضغط الجو فجأة، وعليه فإن جسيمات الهواء تتمدد وتتذبذب بسرعة مرتفعة جدًا، وينتج عن ذلك التذبذب السريع صوت الرعد!

بالتالي، الرعد هو عبارة عن موجات صوتية تنتقل بين جسيمات الهواء عند منطقة الصاعقة. أما البرق فهي موجات ضوئية تظهر نتيجة تفريع الشحنات اللحظي. وسرعة الموجة الضوئية أكبر بكثير من سرعة الموجة الصوتية، لذلك نرى البرق قبل سماع صوت الرعد. [3]

المصادر

The Lightning Book, MIT Press [1]

[2] Fundamentals of physics / David Halliday, Robert Resnick, Jearl Walker. -9th ed. Section 23 (GAUSS’ LAW)

[3] The Lightning Discharge

ما هي خلايا الوقود الهيدروجينية؟

هذه المقالة هي الجزء 16 من 22 في سلسلة موضوعات تأسيسية في الطاقة المتجددة

تمثل الطاقة أهم متطلبات عصرنا الحالي، ويتم استهلاكها بشكل متسارع، ولذا أضحت متطلبات الطاقة تتزايد بشكل كبير. الإنفجار السكاني الذي نشهده منذ عقود، ووفرة الموارد الأولية للطاقة المتجددة، إضافة إلى التنوع الصناعي يدفعنا لمضاعفة الجهود التي تراكم خبراتنا في مجال إنتاج واستهلاك الطاقة. مما لا شك فيه أن تطوير أي تقنية جديدة بحد ذاته يعد عملية مكلفة، لكن قدرتنا على إيجاد حلول في كل مرحلة من مراحل تطوير التقنية هو أيضًا عملية نستطيع مواكبتها تدريجيًا. فالحاجة إلى تقليل التكلفة ورفع الكفاءة ستؤدي إلى إيجاد أنظمة فعّالة ومتاحة تجاريًا، ووقود نظيف نتاج لتقنيات تنافس التقنيات الحالية في عمليات الإنتاج والنقل. أحد هذه التقنيات التي من الممكن أن تنقلنا إلى مرحلة جديدة تمامًا هي تقنيات الوقود الهيدروجيني، ولا يمكننا الحديث عن الهيدروجين كوقود دون التطرق إلى خلايا الوقود الهيدروجينية.

ما هي خلايا الوقود الهيدروجينية ؟

تتمتع خلايا وقود الهيدروجين بإمكانيات حقيقة لأن تكون التقنية المستقبلية من حيث قابلية التطبيق. تحمل هذه التقنيّة المقومات الأساسية التي تؤهلها لتكون أحد الحلول العصرية لمشكلة زيادة الطلب على وقود صديق للبيئة.
تشبه خلية الوقود الهيدروجينية إلى حدٍ كبير الخلية الكهروكيميائية، والتي تتكون بشكل رئيسي من المكونات الثلاثة: كاثود، آنود، والإلكتروليت. تتصل المكونات مع بعضها بدائرة كهربائية. ليس هناك أي أجزاء دوّارة في هذا التصميم، وبالتالي فهو تصميم بسيط وفعّال. وتصنف الخلايا بحسب نوع الإلكتروليت المستخدم.

كيف تنتج خلايا الوقود الهيدروجينية الكهرباء؟

خلية الوقود هي خلية تحويل طاقة، يتم عبرها استغلال طاقة الهيدروجين. هي عبارة عن خلية كهروكيميائية تقوم بتحويل الطاقة الكيميائية إلى طاقة كهربائية. ويحدث ذلك عن طريق التفاعل الكهروكيميائي للأوكسجين والهيدروجين. حيث يتأين غاز الهيدروجين في الآنود، مما يؤدي إلى تحرير الإلكترونات من الذرة، لتتكون أيونات الهيدروجين. ومن هنا يتفاعل الأوكسجين مع الإلكترونات المنطلقة من الآنود وأيونات الهيدروجين من الإلكتروليت، وينتج عن هذا التفاعل إنتاج الكهرباء، وتكوّن الماء.

إن مبدأ العمل السابق ذكره لا يتغير مهما كان نوع خلية الوقود المستخدمة. وتنتج الخلية ما يصل إلى 0.7 فولت عند التحميل الكامل. ويمكن الحصول على الجهد المطلوب عن طريق توصيل خلايا الوقود على التوالي، وبالمثل نحصل على التيار المطلوب عن طريق توصيل الخلايا على التوازي.

يختلف أداء الخلية بحسب نوع الإلكتروليت المستخدم وتتفاوت الخلايا من حيث الحرارة التشغيلية، وتفاعلات الآنود والكاثود، والكفاءة. ويتم اختيار نوع الخلية بحسب التطبيق المطلوب. وما تم ملاحظته من مقارنة الأنواع المختلفة أن الكفاءة في كل الأنواع لازالت لم تتجاوز 60%.

تطبيقات ومستقبل خلايا الوقود الهيدروجيني

إن بساطة تشغيل هذه الخلايا وكذلك انخفاض الانبعاثات جعلا منها خيارًا مستقبليًا واعدًا. وهذه العوامل في حد ذاتها تجعل من خلايا الوقود قابلة للاستخدام على نطاق واسع من التطبيقات. ومن هذه التطبيقات: توليد الطاقة، والنقل، والأجهزة المحمولة، وتطبيقات الفضاء.

حاليًّا، هناك توجّه لإيجاد طريقة يمكن للبشرية من خلالها توليد الكهرباء بطريقة مستدامة. وتتمتع خلايا الوقود بإمكانية عالية للتأهل كتقنية يمكن من خلالها توليد الكهرباء بمنتجات ثانوية غير ضارة. ومع تزايد الطلب على الطاقة الكهربائية، أصبح من المُلح إيجاد طرق جديدة وآمنة لتلبية الطلب. إن العوامل المحدّدة للطاقة المتجددة هي تخزين الطاقة ونقلها. وباستخدام خلايا وقود الهيدروجين، أصبح من الممكن الحصول على الطاقة الكهربائية من مصادر نظيفة بتقنيات نقل وتخزين آمنة سنتطرق لها في مقال قادم.

المصادر:

Fuel Cell and Its Applications: A Review

كيف تعمل الأسلحة النووية الانشطارية؟

تستعمل الأسلحة النووية الانشطارية (القنابل الذرية) طاقة الانشطار النووي من أجل خلق قوة الانفجار. وتنتمي قنبلتا هيروشيما وناكازاكي إلى هذا النوع من الأسلحة. ورغم أن طرازهما صار قديمًا مقارنة بالأسلحة النووية الحديثة، ما زالت الدول العظمى تستميت من أجل منع حيازة باقي الدول لها. فكيف تعمل الأسلحة النووية الانشطارية؟ وكيف يتم تصميمها؟  

الأسلحة النووية الانشطارية

تعتبر الأسلحة النووية الانشطارية أول سلاح نووي تم تصنيعه. وتم ذلك خلال مشروع مانهاتن إبان الحرب العالمية الثانية، حيث واجه العلماء المشاركون في المشروع عدة مشاكل من أجل إيجاد تصميم عملي لصنع قنبلة نووية. وتتعلق معظم هذه المشاكل بكيفية إطلاق التفاعل التسلسلي في الوقت المناسب والتأكد من استمرار نموه من أجل تحرير أكبر قدر من الطاقة في الانفجار [1]. 

فيزياء الأسلحة النووية الانشطارية

تقوم الأسلحة النووية الانشطارية، على مبدإ الانشطار النووي، إذ ينشطر الوقود النووي، عند امتصاصه نيوترونًا، إلى قسمين محررًا معه نيوترونين أو ثلاثة مع مقدار هائل من الطاقة. و تسهِم هذه النيوترونات المحررة بدورها في ولادة انشطارات جديدة، وهذا ما يعرف بالتفاعل التسلسلي [1].

ويشترط في حدوث الانفجار النووي أن يظل التفاعل التسلسلي يتسارع حتى يصل لنقطة الانفجار. ولتحقيق هذا، يجب أن تفوق كتلة المادة الانشطارية (القابلة للانشطار) ما يسمى بالكتلة الحرجة وأن تكون قيمة التفاعلية في القنبلة النووية أكبر من الصفر.

الكتلة الحرجة

تُعرَّف الكتلة الحرجة عل أنها أقل كتلة للمادة الانشطرارية تسمح باستمرار التفاعل التسلسلي. وتسمى المادة الانشطارية «كتلة دون حرجة-subcritical mass» عندما تكون كميتها غير كافية لضمان استمرار التفاعل التسلسلي. وفي هذه الحالة، نجد أن أغلب النيوترونات تتسرب خارج المادة الانشطارية دون أن تسهم في بدئ تفاعل جديد، وبالتالي لا تكون قادرة على خلق الانفجار النووي [1].

وتعتبر الكتلة الحرجة عاملا مهما خلال تصميم القنبلة النووية. ذلك أن المادة الانشطارية يجب أن تبقى “كتلة دون حرجة” حتى الوقت المقرر لتفجيرها، حيث يتم تجميع عدة كتل دون حرجة لتُكوِّن الكتلة فوق الحرجة القابلة للانفجار [2].

التفاعلية

تحدد التفاعلية ρ ما إذا كان التفاعل التسلسي يتسارع (حالة فوق حرجة) أو يتباطأ (حالة دون حرجة) أو يبقى ثابتا (حالة حرجة). ففي الحالة الأولى (0>ρ )، يتزايد عدة التفاعلات بحدة في وقت وجيز محررا معه كمية هائلة من الطاقة التي تسبب الانفجار النووي. أما في الحالة الثانية (0<ρ )، فإن عدد التفاعلات يتناقص مع الزمن. ويحدث هذا عادة بسبب نقص كمية المادة الانشطارية، حيث تقل فرصة التقاء نيوترون بنواة انشطارية وبالتالي تقل معه احتمالية التفاعل [2].

وحتى لا نخلط الأوراق مع بعضها، فإن الكتلة (كتلة المادة الانشطارية) فوق الحرجة يمكن أن تكون في أي من الحالات الثلاث: تسارع التفاعل أو تباطؤه أو ثباته. لكن يستحيل لـ “كتلة دون حرجة” من المادة أن تصل إلى الحالة الحرجة (ثبات التفاعل) أو فوق الحرجة (تسارع التفاعل).

وتتأثر تفاعلية القنبلة النووية بسبعة عوامل هي:

  • نوع المادة الانشطارية: حيث تختلف احتمالية الانشطار من نواة لأخرى؛
  • كمية المادة الانشطارية: التي تحدد الكتلة الحرجة للمادة الانشطارية؛
  • شكل المادة الانشطارية: تختلف نسبة النيوترونات المتسربة بعيدا عن المادة الانشطارية حسب الشكل الخارجي لهذه الأخيرة؛
  • كثافة المادة الانشطارية: مع تزايد كثافة المادة الانشطارية ترتفع نسبة التقائها مع أحد النيوترونات وبالتالي احتمالية التفاعل بينهما؛
  • نسبة التخصيب: يزيد التخصيب من كثافة المادة الانشطارية في عينة ما، وكلما زادت نسبة التخصيب زادت معه نسبة التفاعل؛
  • الوسط: حيث يقلل وجود عاكس للنيوترونات محيط بالمادة الانشطارية عدد النيوترونات التي تتسرب خارجها؛
  • نقاء المادة الانشطارية من الشوائب: حيث قد تمتص بعض الشوائب النيوترونات مقلِّلة بذلك عدد التفاعلات المحتملة [2].

تصميمات الأسلحة النووية الانشطارية

يجب أن يحترم تصميم القنبلة عدة متطلبات من أجل إحداث انفجار نووي. أولاها، أن تبقى المادة الانشطارية في الحالة دون الحرجة إلى موعد تفجير القنبلة. وثانيها، تجميع المادة الانشطارية حتى تفوق كتلتها الكتلة الحرجة مع الحرص على إبقائها خالية من النيوترونات حتى انتهاء عملية التجميع. تأتي بعدها ضرورة وجود مصدر للنيوترونات يشعل فتيل الانفجار بإرساله عددا من النيوترونات نحو المادة الانشطارية. وأخيرًا، يجب أن تأخذ التفاعلية أعلى قيمة ممكنة أثناء التفجير لضمان استعمال أكبر قدر من المادة الانشطارية قبل أن تُدَمِّر القنبلة نفسها [3].

تُعدُّ مهمة عزل المادة الانشطارية عن النيوترونات قبل عملية التفجير مستحيلة، ذاك أن المادة نفسها تبعث نيوترونات عن طريق الانشطار التلقائي الذي يحدث بدون محفز خارجي. وحتى لا تُستنزف المادة الانشطارية بهذه التفاعلات، يجب تجميع الكتلة فوق الحرجة في وقت أقل من الوقت التي تأخذه هذه التفاعلات في إحداث تفاعل تسلسلي في المادة الانشطارية. ويحدث تجميع الكتلة فوق الحرجة بطريقتين مختلفتين هما «الانشطار المُصوَّب-«Gun Assembly و«الانضغاط الداخلي- Implosion Assembly»[3].

نمط الانشطار المُصوَّب

في نمط الانشطار المصوَّب، يتم تجميع “كتلتين دون حرجتين” ليُكَوِّنا معًا عند اجتماعهما “كتلة فوق حرجة” قادرة على إحداث الانفجار. حيث يتم تصويب طلقة من اليورانيوم المخصب نحو أسطوانة من اليورانيوم مجوفة من الداخل (انظر الشكل 1). عندما تلتحم القطعتان مع بعضهما، نحصل على كتلة فوق حرجة قادرة على إحداث الانفجار النووي [1].

الشكل 1: القنبلة النووية ذات نمط الانشطار المصوَّب

نمط الانضغاط الداخلي

يعتمد نمط الانضغاط الداخلي على رفع كثافة المادة الانشطارية، حيث تقل الكتلة فوق الحرجة كلما زادت الكثافة. فمثلًا، إذا كانت الكتلة الحرجة لقنبلة نووية 20 كيلوغراما، فقد تنخفض لتصير 10 كيلوغراما عند زيادة كثافة المادة الانشطارية. ويرجع هذا الارتباط العكسي إلى أن تزايد الكثافة يزيد من احتمالية التقاء نيوترون بنواة انشطارية، فيحدث التفاعل بشكل أسرع [3].

وفي القنابل من هذا النوع، يتم إحاطة كرة من مادة البلوتونيوم بالمتفجرات التي يتم تفجيرها بشكل متزامن لخلق موجة تضغط البلوتونيوم نحو الداخل (انظر الشكل 2). وهكذا، يتكثف البلوتونيوم في مركز الكرة، فتَقِلُّ الكتلة الحرجة الضرورية للحفاظ على التفاعل التسلسلي [2].  

الشكل2: القنبلة النووية ذات نمط الانضغاط الداخلي

إشعال فتيل القنبلة

من أجل بدء التفاعل التسلسلي، تحتاج القنبلة لمصدر خارجي يمدها بالنيوترونات التي تحفز هذا التفاعل. وعادة ما يتم الجمع بين مادتي البولونيوم-210 المشع و البيريليوم-9 من أجل تصنيعها، ذاك أن البولونيوم يتحلل إشعاعا مطلقا الجسيم α الذي يتفاعل بدوره مع البيريليوم ليُنتِج نيوترونا بالإضافة إلى نواة الكربون-12. وهكذا يتم إرسال النيوترون المنبعث نحو الوقود النووي من أجل تفعيل القنبلة لبدء الانفجار [1].

المصادر

[1] Nuclear Energy: An Introduction to the Concepts, Systems, and Applications of Nuclear Processes

[2] Basic Nuclear Physics and Weapons Effects

[3] Introduction to Nuclear Weapon Physics and Design 

ما هي فلسفة التصميم الزلزالي؟

هل يجب أن نتخلّى عن تصميم المباني المقاومة للزلازل؟ أم يجب أن نصممها؛ بحيث لا يحدث ضرر في أثناء الزلازل القوية؟ من الواضح أن النهج الأول يمكن أن يؤدي إلى كارثة كبيرة، والنهج الثاني مكلف للغاية. وبالتالي، يجب أن تقع فلسفة التصميم الزلزالي في مكان ما بين هاتين الحالتين. [1]

فلسفة التصميم الزلزالي

يمكن تلخيصها كالآتي:

  1. عند الاهتزاز الطفيف، يجب ألّا تتضرر العناصر الرئيسية للمبنى؛ والتي تحمل قوىً شاقولية وأفقية، أما أجزاء المبنى غير الحاملة؛ فقد تتعرض لأضرار يمكن إصلاحها.
  2. وعند الاهتزاز المتوسط، قد تتعرض العناصر الرئيسية لأضرار يمكن إصلاحها، أما الأجزاء الأخرى للمبنى فقد تتضرر لدرجة أنه قد يتعين استبدالها بعد الزلزال.
  3. وعند الاهتزاز القوي، قد تتعرض العناصر الرئيسية لأضرار شديدة (لا يمكن إصلاحها حتى)، ولكن يجب ألّا ينهار المبنى.
أهداف الأداء الزلزالي: الحصول على أضرار قليلة قابلة للإصلاح عند الاهتزاز الطفيف، ومنع الانهيار عند الاهتزاز القوي

فبعد الاهتزاز الطفيف، سيعمل المبنى بكل قوته خلال زمن قصير، وستكون تكاليف الإصلاح قليلة. وبعد اهتزاز متوسط، سيعمل المبنى بمجرد الانتهاء من إصلاح وتقوية العناصر الرئيسية المتضررة. أما بعد حدوث زلزال قوي، فقد يصبح المبنى معطلًا غير قابل للاستخدام مرة أخرى، ولكنه يجب أن يبقى قائمًا حتى يمكن إجلاء الأشخاص واستعادة الممتلكات.

يجب أخذ عواقب الضرر في الحسبان في فلسفة التصميم الزلزالي. على سبيل المثال؛ تلعب المباني المهمة مثل المستشفيات ومحطات الإطفاء، دورًا مهمًا في أنشطة ما بعد الزلزال، ويجب أن تعمل فور حدوثه. يجب ألّا تتعرض هذه المنشآت إلّا لأضرار قليلة جدًا، وأن تصمّم لتوفير مستوى حماية أعلى ضد الزلازل. يمكن أن يسبب انهيار السدود في أثناء الزلازل حدوث فيضانات، يمكن أن تكون بذاتها كارثة ثانوية. لذلك، يجب تصميم السدود (وبالمثل، محطات الطاقة النووية) لأجل مستويات كبيرة من الحركة الزلزالية. [1]

لا مفرّ من الأضرار الزلزالية

يتضمن تصميم المباني لمقاومة الزلازل التحكم في مستويات مقبولة من الأضرار والتكلفة. تحدث أنواع مختلفة من الأضرار تظهر بشكل رئيسي من خلال التشققات؛ خاصة في المباني الخرسانية والحجرية- في أثناء الزلازل. بعض هذه الشقوق مقبول (من حيث الحجم والموقع)، أما بعضها الآخر فغير مقبول. على سبيل المثال؛ في مبنى إطاري من الخرسانة المسلحة ذي جدران حجرية بين الأعمدة، تكون الشقوق بين الأعمدة والجدران الحجرية مقبولة، لكن الشقوق القطرية التي تمر عبر الأعمدة غير مقبولة.

تعرّضُ الشقوق القطرية في الأعمدة قدرة تحمّل الأحمال الشاقولية للخطر

لذلك، يهتم التصميم المقاوم للزلازل بضمان كون الأضرار الزلزالية من النوع المقبول، وكذلك أنها تحدث في الأماكن الصحيحة وبالكميات المناسبة. يشبه هذا النهج كثيرًا استخدام «الصمامات الكهربائية-Fuses» في المنازل؛ فلحماية الأسلاك والأجهزة الكهربائية بالكامل في المنزل، فإنك تضحّي ببعض الأجزاء الصغيرة من الدارة الكهربائية، والتي تسمى الصمامات. تستبدل هذه الصمامات بسهولة بعد زيادة التيار الكهربائي. وكذلك، لإنقاذ المبنى من الانهيار، فإنك ستسمح لبعض الأجزاء المحددة مسبقًا بالخضوع لنوعٍ ومستوى مقبولٍ من الضرر. [1]

المطاوعة

لنأخذ قضيبَين بنفس الطول ونفس المقطع العرضي، أحدهما مصنوع من مادة «مطاوعة-Ductile» والآخر من مادة «هشة-Brittle». الآن، شدّهما حتى ينكسرا! ستلاحظ أن القضيب المطاوع يستطيل بمقدار كبير قبل أن ينكسر، بينما ينكسر القضيب الهش فجأةً عند الوصول إلى مقاومته القصوى مع استطالة صغيرة نسبيًا. بالنسبة للمواد المستخدمة في التشييد؛ يعتبر الفولاذ مطاوعًا، أما حجر البناء والخرسانة مادتان هشتان. [2]

يعرّف المهندسون الخاصة التي تسمح للمادة بالانحناء للخلف والأمام بمقدار كبير، بـ«المطاوعة-Ductility». يجب تحديد الأشكال المقبولة للضرر والسلوك المرغوب للبناء في أثناء الزلزال. كما يجب تصميم وتشييد «المباني المقاومة للزلازل-Earthquake-Resistant Buildings»، ولا سيما عناصرها الرئيسية، لتكون مطاوِعةً. تتمتع هذه المباني بالقدرة على التأرجح ذهابًا وإيابًا في أثناء الزلزال، ومقاومة تأثيراته مع بعض الأضرار، ولكن دون الانهيار. تعتبر المطاوعة من أهم العوامل المؤثرة في أداء المبنى. وبالتالي، يسعى التصميم المقاوم للزلازل إلى التحديد المسبق للمواقع التي يحدث الضرر فيها، ثم تقديم تفاصيل تصميمية جيدة في هذه المواقع لضمان سلوكٍ مطاوِعٍ للمبنى. [1]

تصميم الأبنية لمقاومة الزلازل

تنتقل قوى العطالة الزلزالية المتولدة عند مستويات أرضيات الطوابق عبر الجيزان والأعمدة المختلفة إلى الأرض. يجب أن تكون مكونات البناء الصحيحة مطاوِعةً. يمكن أن يؤثر «فشل أو انهيار-Failure» العمود على استقرار المبنى بأكمله، أما فشل الجائز فيسبب تأثيرًا موضعيًا. لذلك، من الأفضل تصميم الجيزان لتكون حلقاتٍ مطاوِعةً أضعف من الأعمدة (يمكن تحقيق ذلك بتحديد الحجم المناسب للعناصر، وتزويدها بالكمية المناسبة من فولاذ التسليح). تسمى هذه الطريقة في تصميم المباني الخرسانية المسلحة؛ طريقة العمود القوي والجائز الضعيف. [2]

العمود القوي والجائز الضعيف

المصادر

[1] What is the Seismic Design Philosophy for Buildings?

[2] How to make Buildings ductile for Good Seismic Performance?

كيف يتسمم الوقود النووي؟

رغم فداحة كارثة تشيرنوبل، فقد ساهمت في معرفة كيفية تسمم الوقود النووي. ذاك أن الجهل بأثر أحد المسممات على المفاعل، أدى إلى تقدير خاطئ في التعامل مع المفاعل، مما أدى إلى تلك الكارثة التي لا تزال تنفث سمومها حتى الآن. فكيف يتسمم الوقود النووي؟ وما الذي علينا فعله لنتجاوز آثار هذا التسمم؟

تسمم الوقود النووي

يتسمم الوقود النووي عندما تتراكم فيه نواتج الانشطار. ذاك أن هذه الأخيرة، تعمل على إيقاف الانشطار التسلسلي الذي يبقي المفاعل حيًّا: فبسبب قدرتها الهائلة على امتصاص النيوترونات، لا يبقى في قلب المفاعل العدد الكافي الذي يسمح باستمرار التفاعل، فيصير المفاعل في الحالة دون الحرجة. وهذا يعني أن المفاعل لن يعمل مجددًا إلا اختفت هذه النواتج من قلب المفاعل أو، على الأقل، إذا نقُصت كميتها. وتظهر نواتج الانشطار السامة في المفاعلات عبر ثلاثة سبل: فإما أنها تَنتج مباشرة عن الانشطار النووي، أو تَنتج عن الانحلال الإشعاعي لأحد نواتج الانشطار، أو أن أحد نواتج الانشطار المباشر يقتنص نيوترونًا فيتحول إلى ناتج سام. وتختفي هذه النواتج السامة سواء عن طريق الانحلال الإشعاعي أوعن طريق اقتناص نيوترون فتتحول إلى نظير غير سام. ومن أبرز المسممات نجد الزينون و الساماريوم [1].

تسميم الزينون

يعتبر «تسميم الزينون -Xenon Poisoning » أخطر أنواع التسممات في المفاعلات، ذاك أن نسبته  تتضاعف بشكل هائل في غضون أجزاء من الثانية عند إيقاف المفاعل. و يمكن أن ينتج الزينون-135 (135Xe) عن الانشطار المباشر للوقود النووي لكنه يتشكل أساسًا من تحلل اليود-135 (135I) الذي يأتي من انشطار الوقود النووي. ويختفي إما بتحوله للزينون-136 (136Xe) غير السام عن طريق اقتناص نيوترون أو عن طريق تحلله إلى عنصر السيزيوم-135 (135Cs) [1].

عند إشعال المفاعل، ينشطر الوقود النووي فينتج اليود-135 الذي تبدأ كميته في التزايد. وفي نفس الوقت، يبدأ اليود بالتحلل إلى الزينون-135 الذي ما إن يظهر حتى يبدأ بالاختفاء بدوره. وبما أن سرعة انحلال 135I أكبر من تلك التي لدى 135Xe، فإن هذا الأخير يظل يتزايد إلى أن نصل إلى حالة من التوازن تبقى فيها كميات 135I و 135Xe مستقرة مع مرور الزمن [1].

أما عند إيقاف المفاعل، فإن عملية الانشطار الانشطار تتوقف. وهكذا يتوقف منبع اليود الذي يستمر في الانحلال إلى أن يختفي نهائيا. بالنسبة ل 135Xe، فإنه يتوقف عن الاختفاء عن طريق اقتناص نيوترون (بسبب توقف دفق النيوترونات). بينما تستمر عملية إنتاجه من خلال انحلال اليود. وهكذا، تبدأ كميته بالتزايد رغم تحلله إلى 135Cs (بسبب الاختلاف في سرعة التفاعل بين  135I و 135Xe)، ثم تعود للتناقص بعد نفاذ كمية اليود (الشكل 1) [1].

الشكل 1: تغير نسبة الزينون بعد إيقاف المفاعل

وتأثر نسبة ارتفاع الزينون بشكل مباشر على تفاعلية المفاعل، حيث قد تصل هذه الأخيرة إلى نسبة يستحيل معها إعادة تشغيل المفاعل إلا بعد أن يختفي الزينون أي بعد يومين من إيقاف المفاعل. وفي حال أردنا أن نشغل المفاعل بعد الإيقاف مباشرة، فيجب أن نفعل ذلك في غضون عشر دقائق قبل أن يصل مستوى الزينون إلى حالته القصوى فيستحيل تشغيله حينها [2].

تسميم الساماريوم

يتميز «تسميم الساماريوم-Samarium Poisoning» بكون نظير الساماريوم-149 (149Sm) مستقرًا، أي أنه لا يخضع للانحلال الإشعاعي. وبالتالي، لا يمكن التخلص منه بل يظل تراكم مع الزمن في كل تشغيل للمفاعل إلى أن يتوقف المفاعل نهائيا عن العمل. وحينها يجب استبدال الوقود بآخر جديد.  وينتج  عن انحلال أحد نواتج الانشطار وهو البروميثيوم-149 (149Pm). ويختفي باقتناص نيوترون فيتحول إلى الساماريوم-150 (150Sm) [1].

عند تشغيل المفاعل، يبدأ إنتاج  فتتزايد كميته، ثم يبدأ بالانحلال إلى الذي يبدأ بالتحول بدوره إلى 150Sm. في النهاية، نصل إلى حالة من التوازن حيث تستقر كلتا الكميتين بعد أن يتكافئ عدد النويات الذي يظهر مع تلك التي تختفي [1].

أما بعد إيقاف المفاعل، يختفي  بتحلله إلى الساماريوم السام. بينما يتوقف اقتناص هذا الأخير للنيوترونات فيظل يتزايد إلى أن ينفذ  149Pm. وهكذا فإن الساماريوم السام (149Sm)،  يظل في قلب المفاعل دون أن يختفي لأنه نظير مستقر. وكلما تم إيقاف المفاعل، يتراكم القليل من 149Sm، وتقل معه تفاعلية المفاعل (القدرة على الاستمرارية الانشطار) إلى أن يصبح الوقود النووي غير ذي جدوى [1].

ويعتبر الساماريوم أقل سوءا ما الزينون لأن احتمالية امتصاصه للنيوترونات التي تسهم في الانشطار أقل بكثير من احتمالية امتصاص الزينون. إذ نجد أن احتمالية امتصاص الساماريوم قد تصل إلى 41000 barn، بينما تتجاوزها عند الزينون إلى 270000 barn. ومع ذلك فيجب أخذ هذا التسميم بعين الاعتبار من أجل التحكم بدقة في قدرة المفاعل [2].

المصادر

[1] NUCLEAR REACTOR PHYSICS AND ENGINEERING

[2] Physique des Réacteurs Nucléaires Table de matières

Exit mobile version