ماذا يقصد بالخرسانة الشفافة؟

إذا نظرت إلى أحياء مدينتك سترى الخرسانة في كل مكان من حولك، فهي مادّة البناء الأساسية لمعظم المنشآت الآن. لكنها لم تكن كذلك في بداية الأمر، فقد بدت ثوريةً للغاية قبل الميلاد في معبد «البانثيون-Pantheon» عندما بناه الرومان. منذ ذلك الحين وإلى اليوم يستمرّ تطوّر الخرسانة لتواكب التغيُّرات المستمرّة في صناعة البناء. ويطوّر العلماء اليوم مواد بناء غريبةً وغير متوقّعة من قبل، مثل الأسمنت الصالح للأكل، والخرسانة الشفافة. وتحدِّث الخرسانة الشفافة ثورةً في صناعة الإنشاءات، وعلى الرغم من أنها مادة جديدة نسبيًا إلا أنها تكتسب شعبيةً واسعةً. ويرجّح أن تستخدم في المزيد من التطبيقات مع استمرار تطوّرها.

ما هي الخرسانة الشفافة

تعد «الخرسانة الشفافة- Translucent concrete» نوعًا من أنواع الخرسانة التي تسمح بمرور الضوء من خلالها مع الحفاظ على الخصوصية، وذلك بفعل الألياف البصرية المدمجة بها. تعرف أيضًا باسم الخرسانة شبه الشفافة، أو الخرسانة الناقلة للضوء.[1]

تُدعى الألياف البصرية أيضًا باسم «الألياف الضوئية-Fiber optic» وهي عبارة عن ألياف رقيقة ومرنة. تصنع من الزجاج أو البلاستيك لنقل البيانات عبر مساحات طويلة، وتنقل الإشارات الضوئية وتحوّلها إلى إشارات كهربائية في نهاية الاستقبال. لا يتعدّى سمكها سمك الشعرة، وتُجمّع عادةً العديد من الألياف في حزم مع بعضها. وتستخدم على نطاق واسع في الاتصالات السلكية واللاسلكية، والإنترنت، والمعدات الطبية، وأجهزة الاستشعار. مثلًا تستخدم مستشعرات الألياف البصرية لمراقبة السلامة الإنشائية للجسور والبنى التحتية الأخرى.[2]

خرسانة شفافة Translucent concreteفي الظلام.

ترتَّب الألياف البصرية في جميع أنحاء الخرسانة مما يسمح للضوء بالانتقال عبرها من طرف إلى آخر. فيظهر نمط معيّن من الضوء على سطح الجدار اعتمادًا على بنية الألياف المتواجدة فيه.[1]

متى بدأت فكرة الخرسانة الشفافة لأوّل مرة؟

يعود تاريخ الخرسانة الشفافة إلى أوائل القرن ال20، لكنها اكتسبت اهتمامًا كبيرًا في السنوات الأخيرة كمادة بناء مستدامة. ذكر مفهوم الخرسانة شبه الشفافة لأوّل مرّة في براءة اختراع قدّمها الألماني Paul Liese في مكتب الولايات المتحدة لبراءات الاختراع عام 1922. وتعلّقت براءة الاختراع بألواح أو كتل شفافة للجدران والأسقف الخرسانية. طوّر لاحقًا «جيمس هيل- James N.Hill » طريقةً لإنشاء لوح شفاف عام 1965.ثم استمرّت صناعتها بالتطوّر، حتى وصلت إلى نتيجة اليوم.[3]

صناعة الخرسانة الشفافة

تتشابه عملية صنع الخرسانة الشفافة مع الخرسانة العادية، مع فارق انتشار الألياف البصرية في جميع أنحاء الخليط. وتصنع عادةً من الأسمنت، والرمل، والماء، والركام، والملدّنات، والألياف البصرية الناقلة للضوء. يزداد انتقال الضوء بازدياد حجم الألياف POF «بولي ميثل ميثاكريليت-Poly methyl methacrylate» وقطرها. وتنتج الشركات الخرسانة الشفافة بإضافة (1-5)% من الألياف البصرية، ويستخدم ركام ناعم فيها بدلًا من ركام خشن. [1][4]

عندما يصطدم الضوء الطبيعي أو الاصطناعي بالألياف ينتقل من خلال الخرسانة، مما يجعلها مشعةً. وتوضع الألياف بعناية باليد إما طبقةً بطبقة، أو بشكل فردي ومبعثرة وذلك بالاعتماد على مظهر المنتج النهائي.[5]

فوائد عديدة في صناعة البناء

تجلب الخرسانة الشفافة عدّة فوائد على صناعة البناء والتشييد، ومنها:

  • الجمالية، يمكن استخدامها كميزة معمارية لخلق منظر جمالي مريح وفريد للمبنى. وقد تستعمل في الديكور الداخلي لأجزاء محدّدة من الفراغات.
  • الرصد الإنشائي، يمكن دمج الألياف الضوئية في الخرسانة للكشف عن الإجهاد الإنشائي، ويؤدّي ذلك إلى الكشف المبكّر عن المشاكل المحتملة.[6]
  • انخفاض الوزن، الخرسانة الشفافة أخفّ من الخرسانة العادية، والذي يؤثّر بدوره على الوزن الذاتي للهيكل، مثلًا تنخفض قيمة الحمولة الميتة. ويقصد بالحمولة الميتة في الإنشاء: الأحمال التي تكون ثابتةً نسبيًا مع مرور الوقت، بما في ذلك وزن الهيكل الإنشائي، والجدران، والأبواب.
  • تحسين مقاومة الانضغاط الأولية بنسبة تتراوح بين 10-15% بعد 28 يومًا، في حال استخدام مزيج الألياف البصرية بنسبة 3%. بينما تنخفض مقاومة الانضغاط تدريجيًا مع زيادة الألياف البصرية في المزيج.[4] ويقصد بمقاومة الانضغاط قدرة المادة على مقاومة القوى الضاغطة محوريًا.

تأثيرات على البيئة

تمتلك الخرسانة الشفافة العديد من التأثيرات البيئية التي تجعل منها مادّة بناء مستدامة. إذ تقلّل استهلاك الطاقة لأنها تسمح بمرور الضوء الطبيعي من خلالها، نتيجةً لذلك تقلّ الحاجة إلى استعمال الإنارة الاصطناعية خلال أوقات النهار. وتُصنع من ملاط يتطلّب كمّية مياه أقلّ، ويُنتج نفايات أقل أيضًا. بسبب ذلك ينخفض انبعاث الكربون، وتتحسّن نوعية الهواء بسبب الملوثات الأقل نسبيًا. مما يخلق بيئةً صحيةً أكثر داخل المبنى.[7]

تحديات ومساوئ

تعتبر الخرسانة الشفافة تقنيةً جديدةً نسبيًا، ولا يزال هنالك الكثير من البحوث والتجارب التي يجب القيام بها لفهم كامل خصائصها وتطبيقاتها. وتواجه العديد من الصعوبات والعوائق ومنها:

  • العثور على المواد الصحيحة. يجرّب الباحثون العديد من المواد التي تسمح للضوء بالمرور من الخرسانة، وتحافظ على السلامة الهيكلية لها في نفس الوقت. ويعمل الباحثون اليوم على تطوير الخليط باستخدام مواد نانوية وزجاج بليكسي Plexiglass.
  • الحفاظ على الخصائص الميكانيكية، إذ يمكن أن تتغيّر بإضافة الألياف. على سبيل المثال؛ تمتلك الخرسانة الشفافة مقاومة انضغاط أقل من الخرسانة التقليدية، والتي قد تحد من استخداماتها في تطبيقات معينة.[8]
  • امتصاص الرطوبة، يمكن للخرسانة الشفافة امتصاص الرطوبة، وقد يؤدي ذلك إلى تغيير اللون وغيرها من المشكلات مع مرور الوقت.
  • التكلفة، تتطلب الخرسانة الشفافة تكلفة أعلى لصنعها، بسبب سعر الألياف البصرية المرتفع، وعملية التصنيع الإضافية.
  • التوافر المحدود، لأنها غير متاحة على نطاق واسع، مما يجعل من الصعب الحصول عليها لبعض المشاريع.[6]
  • قيود على التصميم. على سبيل المثال؛ قد تكون كمية الضوء التي تمرّ محدودةً، ويختلف مظهر الخرسانة اعتمادًا على زاوية ورود الضوء. لذلك يجب على المعماريين أخذ هذه العوامل بالحسبان أثناء تصميم المشروع.[8]

مسجد العزيز في أبو ظبي

يحتوي مسجد العزيز في أبو ظبي على عناصر بارزة من الكتابة العربية، تمثّل تهجئة 99 اسمًا للّه من القرآن. وتضيء الكتابة على الواجهة البالغ مساحتها 515 متر مربع في الظلام بفعل الخرسانة الشفافة. حيث تمكّنت الشركة الألمانية LUCEM من تحديد موقع الألياف الضوئية وفقًا للرسومات التي قدّمها المعماريون والخطّاط العربي.

مسجد العزيز في أبو ظبي.

وصبغوا الخرسانة بذات لون الألواح الحجرية المستعملة في أماكن أخرى من واجهة المسجد، حتى تصبح الواجهة متناسقةً. كما صبغوا الألواح الشفافة بالرمل، من أجل منحهم الملمس الصحيح. على الرغم من أن الواجهة تبدو وكأنها مضاءة من داخل المبنى، لكن يتحقق التأثير بالحقيقة بفضل نظام المصابيح المثبّتة داخل تجويف الجدار.[9]

جزء من الكتابة على واجهة مسجد العزيز في أبو ظبي.

مصرف العاصمة في الأردن

سعى مصممو «مصرف العاصمة- capital bank» إلى تغيير النهج التقليدي للمصارف، وإنشاء تجربة تجارية فيه. فاستعاضوا عن طاولات الخدمة وأماكن الانتظار التقليدية بمكاتب فردية، وأماكن استقبال مخصّصة لتلبية احتياجات العملاء. ودمجوا الطبيعة في التصميم عن طريق وضع المكاتب حول فراغ داخلي متأثر بالحدائق اليابانية. أما بالنسبة للمظهر الخارجي، فعادةً ما تتطلب المصارف وجود خصوصية للعملاء، لذلك توضع الفتحات الزجاجية في الحد الأدنى. واختار المهندسون الحجر للإكساء، لكي يتناسب مظهر المصرف مع العمارة المحلية في المنطقة. بينما استخدمت الخرسانة الشفافة لإكساء واجهة الدرج بارتفاع 14م من أجل استكمال فكرة الطبيعة التي تتدفّق عبر الأضواء والظلال. واستخدمت كذلك خرسانة عادية لتغطية الأجزاء غير الشفافة من الواجهة، والتي صنعت بذات الخليط السابق للحفاظ على السطح النهائي متماثلًا ومتناسبًا أيضًا مع لون الحجر المستعمل في باقي أنحاء المبنى.[10]

Capital bank في عمان الأردن.

استخدامات متنوعة في التصميم الداخلي والديكور

تدخل اليوم الخرسانة الشفافة في التصميم الداخلي بكثرة. على سبيل المثال كنيسة St. Andreas في ألمانيا. وفي ردهة Hansa carrée في هامبورغ، ألمانيا. وتنار بألوان مختلفة من للخلف، فيخلق ذلك مظهرًا فريدًا ومميزًا.[11]

كنيسة St. Andreas في ألمانيا.
ردهة Hansa carrée في هامبورغ، ألمانيا.
ردهة Hansa carrée في هامبورغ، ألمانيا.

وصنعت كذلك نجمة متعددة الألوان على الأرض كمشروع فني مشترك في مدينة آوغسبورغ الألمانية.[11]

نجمة من الخرسانة الشفافة في مدينة آوغسبورغ الألمانية.
نجمة من الخرسانة الشفافة في مدينة آوغسبورغ الألمانية.

يبدأ كل ابتكار بفكرة، ونطوّر اليوم ما بدأ به أسلافنا منذ أكثر من ألفي عام. فإلى أين ستقودنا أفكارنا لاحقًا في المستقبل البعيد؟

المصادر

  1. iJRASET
  2. National Library of medicine
  3. Semantic scholar
  4. Research Gate
  5. LUCEM
  6. Research Gate
  7. Research Gate
  8. Semantic scholar
  9. Archdaily
  10. Archdaily
  11. LUCEM

ما هي فلسفة التصميم الزلزالي؟

هل يجب أن نتخلّى عن تصميم المباني المقاومة للزلازل؟ أم يجب أن نصممها؛ بحيث لا يحدث ضرر في أثناء الزلازل القوية؟ من الواضح أن النهج الأول يمكن أن يؤدي إلى كارثة كبيرة، والنهج الثاني مكلف للغاية. وبالتالي، يجب أن تقع فلسفة التصميم الزلزالي في مكان ما بين هاتين الحالتين. [1]

فلسفة التصميم الزلزالي

يمكن تلخيصها كالآتي:

  1. عند الاهتزاز الطفيف، يجب ألّا تتضرر العناصر الرئيسية للمبنى؛ والتي تحمل قوىً شاقولية وأفقية، أما أجزاء المبنى غير الحاملة؛ فقد تتعرض لأضرار يمكن إصلاحها.
  2. وعند الاهتزاز المتوسط، قد تتعرض العناصر الرئيسية لأضرار يمكن إصلاحها، أما الأجزاء الأخرى للمبنى فقد تتضرر لدرجة أنه قد يتعين استبدالها بعد الزلزال.
  3. وعند الاهتزاز القوي، قد تتعرض العناصر الرئيسية لأضرار شديدة (لا يمكن إصلاحها حتى)، ولكن يجب ألّا ينهار المبنى.
أهداف الأداء الزلزالي: الحصول على أضرار قليلة قابلة للإصلاح عند الاهتزاز الطفيف، ومنع الانهيار عند الاهتزاز القوي

فبعد الاهتزاز الطفيف، سيعمل المبنى بكل قوته خلال زمن قصير، وستكون تكاليف الإصلاح قليلة. وبعد اهتزاز متوسط، سيعمل المبنى بمجرد الانتهاء من إصلاح وتقوية العناصر الرئيسية المتضررة. أما بعد حدوث زلزال قوي، فقد يصبح المبنى معطلًا غير قابل للاستخدام مرة أخرى، ولكنه يجب أن يبقى قائمًا حتى يمكن إجلاء الأشخاص واستعادة الممتلكات.

يجب أخذ عواقب الضرر في الحسبان في فلسفة التصميم الزلزالي. على سبيل المثال؛ تلعب المباني المهمة مثل المستشفيات ومحطات الإطفاء، دورًا مهمًا في أنشطة ما بعد الزلزال، ويجب أن تعمل فور حدوثه. يجب ألّا تتعرض هذه المنشآت إلّا لأضرار قليلة جدًا، وأن تصمّم لتوفير مستوى حماية أعلى ضد الزلازل. يمكن أن يسبب انهيار السدود في أثناء الزلازل حدوث فيضانات، يمكن أن تكون بذاتها كارثة ثانوية. لذلك، يجب تصميم السدود (وبالمثل، محطات الطاقة النووية) لأجل مستويات كبيرة من الحركة الزلزالية. [1]

لا مفرّ من الأضرار الزلزالية

يتضمن تصميم المباني لمقاومة الزلازل التحكم في مستويات مقبولة من الأضرار والتكلفة. تحدث أنواع مختلفة من الأضرار تظهر بشكل رئيسي من خلال التشققات؛ خاصة في المباني الخرسانية والحجرية- في أثناء الزلازل. بعض هذه الشقوق مقبول (من حيث الحجم والموقع)، أما بعضها الآخر فغير مقبول. على سبيل المثال؛ في مبنى إطاري من الخرسانة المسلحة ذي جدران حجرية بين الأعمدة، تكون الشقوق بين الأعمدة والجدران الحجرية مقبولة، لكن الشقوق القطرية التي تمر عبر الأعمدة غير مقبولة.

تعرّضُ الشقوق القطرية في الأعمدة قدرة تحمّل الأحمال الشاقولية للخطر

لذلك، يهتم التصميم المقاوم للزلازل بضمان كون الأضرار الزلزالية من النوع المقبول، وكذلك أنها تحدث في الأماكن الصحيحة وبالكميات المناسبة. يشبه هذا النهج كثيرًا استخدام «الصمامات الكهربائية-Fuses» في المنازل؛ فلحماية الأسلاك والأجهزة الكهربائية بالكامل في المنزل، فإنك تضحّي ببعض الأجزاء الصغيرة من الدارة الكهربائية، والتي تسمى الصمامات. تستبدل هذه الصمامات بسهولة بعد زيادة التيار الكهربائي. وكذلك، لإنقاذ المبنى من الانهيار، فإنك ستسمح لبعض الأجزاء المحددة مسبقًا بالخضوع لنوعٍ ومستوى مقبولٍ من الضرر. [1]

المطاوعة

لنأخذ قضيبَين بنفس الطول ونفس المقطع العرضي، أحدهما مصنوع من مادة «مطاوعة-Ductile» والآخر من مادة «هشة-Brittle». الآن، شدّهما حتى ينكسرا! ستلاحظ أن القضيب المطاوع يستطيل بمقدار كبير قبل أن ينكسر، بينما ينكسر القضيب الهش فجأةً عند الوصول إلى مقاومته القصوى مع استطالة صغيرة نسبيًا. بالنسبة للمواد المستخدمة في التشييد؛ يعتبر الفولاذ مطاوعًا، أما حجر البناء والخرسانة مادتان هشتان. [2]

يعرّف المهندسون الخاصة التي تسمح للمادة بالانحناء للخلف والأمام بمقدار كبير، بـ«المطاوعة-Ductility». يجب تحديد الأشكال المقبولة للضرر والسلوك المرغوب للبناء في أثناء الزلزال. كما يجب تصميم وتشييد «المباني المقاومة للزلازل-Earthquake-Resistant Buildings»، ولا سيما عناصرها الرئيسية، لتكون مطاوِعةً. تتمتع هذه المباني بالقدرة على التأرجح ذهابًا وإيابًا في أثناء الزلزال، ومقاومة تأثيراته مع بعض الأضرار، ولكن دون الانهيار. تعتبر المطاوعة من أهم العوامل المؤثرة في أداء المبنى. وبالتالي، يسعى التصميم المقاوم للزلازل إلى التحديد المسبق للمواقع التي يحدث الضرر فيها، ثم تقديم تفاصيل تصميمية جيدة في هذه المواقع لضمان سلوكٍ مطاوِعٍ للمبنى. [1]

تصميم الأبنية لمقاومة الزلازل

تنتقل قوى العطالة الزلزالية المتولدة عند مستويات أرضيات الطوابق عبر الجيزان والأعمدة المختلفة إلى الأرض. يجب أن تكون مكونات البناء الصحيحة مطاوِعةً. يمكن أن يؤثر «فشل أو انهيار-Failure» العمود على استقرار المبنى بأكمله، أما فشل الجائز فيسبب تأثيرًا موضعيًا. لذلك، من الأفضل تصميم الجيزان لتكون حلقاتٍ مطاوِعةً أضعف من الأعمدة (يمكن تحقيق ذلك بتحديد الحجم المناسب للعناصر، وتزويدها بالكمية المناسبة من فولاذ التسليح). تسمى هذه الطريقة في تصميم المباني الخرسانية المسلحة؛ طريقة العمود القوي والجائز الضعيف. [2]

العمود القوي والجائز الضعيف

المصادر

[1] What is the Seismic Design Philosophy for Buildings?

[2] How to make Buildings ductile for Good Seismic Performance?

السمات المعماريّة والأداء الزلزالي للمنشآت

تدفع الرغبةُ في إنشاء مبنىً جميلٍ وفعّالٍ وظيفيًّا المهندسين المعماريّين لتصوّر منشآت رائعة وخياليّة. أحيانًا، يلفتُ شكل المبنى انتباه الزائر، وأحيانًا يلفته «النظام الإنشائي-Structural System»، وفي حالاتٍ أخرى يعمل كلٌّ من الشكل والنظام الإنشائيّ معًا لجعل المُنشأ أعجوبةً.
إنّ لكلٍّ من خيارات الشكل والنظام الإنشائيّ هذه؛ تأثيرًا كبيرًا على الأداء الزلزالي للمنشآت أثناء الزلازل القويّة. وتعدّ المجموعة الواسعة من الأضرار الإنشائيّة الملاحَظَة أثناء الزلازل الماضية في جميع أنحاء العالم؛ مفيدةً للغاية في تحديد التصاميم الإنشائيّة المرغوبة، وتلك التي يجب تجنّبها. [1]

قياسات المُنشأة

يكون الأداء الزلزالي للمنشآت التالية سيّئًا:

في المباني الشاهقة ذات نسبة (الارتفاع إلى مساحة القاعدة) الكبيرة، تكون الحركة الأفقيّة للطوابق أثناء اهتزاز الأرض كبيرة. (الشكل 1a). وفي المباني قصيرة الارتفاع ذات الامتداد الأفقيّ الطويل، تكون الأضرار أثناء اهتزاز الزلزال كثيرة؛ (الشكل 1b). وفي المباني ذات المساحة الكبيرة كالمستودعات، يمكن أن تكون القوى الزلزاليّة الأفقيّة كبيرةً جدًّا بحيث لا تستطيع الأعمدة والجدران تحمّلها؛ (الشكل 1c). [1]

المباني التي يكون أحد أبعادها أكبر بكثير أو أصغر بكثير من البُعدَين الآخرَين، يكون أداؤها الزلزالي سيّئًا

التخطيط الأفقيّ للمنشأة

بشكلٍ عام، كان الأداء الزلزالي للمنشآت ذات الشكل الهندسي البسيط جيّدًا أثناء الزلازل القويّة؛ (الشكل 2a). أمّا المباني ذات الزوايا (أي التي يكون مسقطها الأفقيّ بشكل U, V, H أو+)؛ فقد تعرّضت لأضرار كبيرة؛ (الشكل 2b). كثيرًا ما نتجنّب التأثيرات السيّئة لهذه الزوايا الداخليّة في المساقط الأفقيّة للمباني بتقسيم المبنى إلى قسمين (كتلتين). على سبيل المثال، يمكن تقسيم المخطّط ذي الشكل L إلى مستطيلَين بفصلهما عند موضع التقاطع (الشكل 2c). غالبًا ما يكون المخطّط بسيطًا، لكنّ الأعمدة و/أو الجدران غير موزّعة بشكل مناسب. تميل هذه المنشآت إلى «الالتواء-Twisting» (الدوران حول المحور الشاقوليّ Z) أثناء اهتزاز الزلزال. [1]

تؤدّي الأبنية ذات المخطّط البسيط أداءً جيّدًا أثناء الزلزال

التخطيط الشاقوليّ للمنشأة

تحتاج القوى الزلزاليّة التي تطوّرت في مستويات طوابق مختلفة أن تنزل إلى الأرض بأقصر مسار. يؤدّي أيّ انحراف أو «انقطاع-Discontinuity» في مسار نقل الحمولة هذا؛ إلى ضعف أداء المبنى. وتسبّب المباني ذات الانتكاسات الشاقوليّة (مثل مباني الفنادق ذات الطوابق القليلة الأعرض من البقيّة) قفزةً مفاجئة في قوى الزلازل عند مستوى الانقطاع؛ (الشكل 3a).

تميل المباني التي تحتوي على عدد قليل من الأعمدة أو الجدران في طابق محدّد أو ذات طوابق عالية بشكل غير عادي -كالأبنية ذات الطوابق الأرضيّة المخصّصة لوقوف السيارات- إلى الانهيار بدءًا من ذلك الطابق؛ (الشكل 3b).

أما المباني على «الأرض المنحدرة-Slopy Ground» فلها ارتفاعٌ غير متساوٍ للأعمدة على طول المنحدر. يسبّب هذا الارتفاع غير المتساوي تأثيرات سيّئة مثل الانفتال والتضرّر في الأعمدة القصيرة؛ (الشكل 3c). وللمباني ذات الأعمدة المستندة على جيزان في طابق متوسّط، ولا تصل إلى الأساس، انقطاعاتٌ في مسار نقل الحمولة؛ (الشكل 3d).

تمتلك بعض المباني جدران خرسانيّة مسلّحة لنقل حمولات الزلزال إلى الأساس. والمباني التي لا تصل فيها هذه الجدران إلى الأرض، وتتوقّف عند مستوى أعلى؛ معرّضة للتضرّر الشديد أثناء الزلازل؛ (الشكل e3). [1]

تؤدّي الانحرافات المفاجئة في مسار نقل الحمولة على طول الارتفاع إلى ضعف أداء المباني

تجاور المنشآت

عند وجود مبنيَين قريبَين جدًّا من بعضهما، فقد يصدمان بعضهما البعض أثناء الاهتزاز الشديد. ومع زيادة ارتفاع المبنى، يمكن أن يكون هذا الاصطدام مشكلةً أكبر. عندما لا يتطابق ارتفاعا المبنيَين (الشكل 4)، فقد يصدم سقف المبنى الأقصر أحد أعمدة المبنى الأطول في منتصفه؛ يمكن ان يكون هذا خطيرًا جدًّا. [1]

يمكن أن يحدث الاصطدام بين المبنيَين المتجاورَين بسبب اهتزازاتهما الأفقيّة

الفتل في المنشآت

يطلق المهندسون الإنشائيّون على الالتواء (الالتفاف) في المباني اسم «الفتل-Torsion». إذ يحرّك الفتل أجزاءً مختلفة في نفس مستوى الطابق أفقيًّا بقيم مختلفة. يؤدّي هذا التحريك إلى مزيد من الضرر في «الإطارات-Frames» (وهي جملة الأعمدة والجيزان) والجدران في الجانب الذي يتحرّك أكثر.

تأثّرت العديد من المباني بشدّة من هذا السلوك الالتوائيّ المفرط أثناء الزلازل الماضية. لذلك، من الأفضل تقليل هذا الالتواء (إن لم نتمكّن من تجنّبه تمامًا)؛ بضمان تناظر المباني في المسقط (أي توزيع الكتلة والنظام الإنشائيّ المقاوم للحمولات الجانبيّة، بانتظام). إذا تعذّر تجنّب هذا الالتواء، فيجب إجراء حسابات خاصّة لقوى القصّ الإضافيّة عند تصميم المباني. ولكن بالتأكيد، سيكون أداء المباني ذات الالتواءات سيّئًا أثناء الاهتزاز القويّ للزلزال. [2]

تتعرّض العناصر الشاقوليّة (الأعمدة والجدران الحاملة) التي تتحرّك أفقيًّا بمقدار أكبر؛ لضرر أكبر.

المصادر
[1] How Architectural Features affect Buildings during Earthquakes?
[2] How Buildings twist during Earthquakes?

Exit mobile version