كيف تعمل قنابل الاندماج النووي؟ وما هي آثارها؟

تعمل قنابل الاندماج النووي أو ما اصطلح عليه بالقنبلة الهيدروجينية بشكل مختلف عن القنابل الذرية. وتفوق قوتها آلاف المرات القنبلة الذرية بفضل الطاقة الذي يحررها الوقود النووي أثناء عملية الاندماج النووي. ورغم أن هذا النوع من القنابل لم يستخدم في أي حرب حقيقية، إلا أن الاختبارات التي تم إجراؤها في عدة مواقع من العالم تبين هول الخسائر التي قد يسببها انفجار قنبلة اندماجية. فكيف تعمل قنبلة الاندماج النووي؟ وما هي ظاهرة الاندماج النووي التي تقوم عليها القنبلة الاندماجية؟ وما هي الآثار التي تخلفها هذه القنابل؟

الاندماج النووي

في ظاهرة الاندماج النووي، تندمج نواتان خفيفتان لتشكلا معًا نواة واحدة أثقل. ولحصول هذه الظاهرة، يجب أن تتغلب قوى التجاذب النووية على التنافر الذي يحدث بين شحن النواتين. ويتم تحقيق هذا الشرط إما برفع كثافة الوقود النووي -حيث يؤدي الضغط الهائل إلى تجاوز عتبة التنافر- أو من خلال رفع درجة الحرارة إلى ما يقارب مئة مليون درجة مئوية (حوالي سبعة أضعاف درجة حرارة مركز الشمس). وكلما كبُر حجم النواة، زادت معه الطاقة اللازمة لإحداث الاندماج النووي. لهذا، تعتبر نواة الهيدروجين الأنسب لهذا الغرض (باعتبارها أخف ذرة في الطبيعة)[1].

ويتوفر الهيدروجين على ثلاثة نظائر طبيعية. أولها، الهيدروجين العادي (1H) الذي يتكون من بروتون واحد، وتشكل نسبته %99.985 من الهيدروجين الموجود في الطبيعة. وثانيهما، الديوتيريوم (ويرمز له ب D أو 2H) الذي يتشكل من بروتون ونيوترون. ويشكل ما نسبته %0.015 من الهيدروجين الطبيعي. وأخيرًا، التريتيوم (ويرمز له ب T أو 3H). ويتكون من بروتون ونيوترونين، ولا يتواجد في الطبيعة إلا بمقدار ضئيل لا يذكر. وتقوم قنبلة الاندماج النووي بشكل أساسي على اندماج الديوتيريوم 2H والتريتيوم 3H، حيث يندمجان فيُشكلان نواة الهليوم 4He مع تحرير نيوترون وطاقة تقدر ب 17.588 MeV (الشكل 1) [2].

الشكل 1: الاندماج النووي لنظيري الهيدروجين الديوتيريوم 2H والتريتيوم 3H

الاندماج النووي للديوتيريوم

 يمثل اندماج نواتين من الديوتيريوم D مثالا آخر للاندماج النووي الذي يستخدم في الأسلحة النووية، حيث ينتهي التفاعل بإنتاج نواة الهيليوم ونيوترون مع انبعاث MeV3.268 من الطاقة (الشكل 2) [3].

الشكل 2: الاندماج النووي لنواتين من الديوتيريوم D

استخدام الليثيوم كوقود نووي

يمكن أيضًا أن نستخدم الليثيوم (6Li) في الاندماج النووي. حيث تنشطر نواة الليثيوم بعد امتصاص نيوترون إلى نواتي الهليوم (4He) والتريتيوم (3H). فيدخل هذا الأخير في تفاعل كالذي في الشكل 1 من أجل تحرير طاقة الانفجار (الشكل 3). ويتم استعمال الليثيوم كوقود نووي بدل التريتيوم لأن هذا الأخير عنصر مشع غير مستقر يتحلل إلى الهيليوم (3He) بعمر نصف (المدة الزمنية اللازمة لتحلل نصف الكمية) يقدر بـ12 سنة. وبالتالي، فإن استعمال التريتيوم بشكل مباشر يتطلب إعادة تعبئته كل مدة معينة لتعويض الكمية المتحللة [3].

الشكل 3: استخدام الليثيوم من أجل إنتاج الاندماج النووي

تصميمات قنابل الاندماج النووي

تعتبر تصميمات قنابل الاندماج النووي من الأسرار العسكرية للدول النووية. وما يتوافر لدينا من معلومات لا يتعلق إلا بأولى القنابل التي صُنّعت في القرن الماضي، كالقنبلة المعَزَّزة التي تعتمد بشكل جزئي على الاندماج النووي وقنبلة المرحلتين.

القنبلة المعززة

يُستخدم الاندماج النووي في «القنبلة المعَزَّزة-boosted weapon» من أجل تعزيز كفاءة القنبلة التي تعتمد أساسًا على طاقة الانشطار النووي. إذ يساهم الاندماج النووي لكمية صغيرة من (بضعة غرامات) الديوتيريوم D والتريتيوم T في خلق المزيد من الانشطارات النووية قبل أن تدمر القنبلة ذاتها. ويحدث ذلك عندما يمتص الوقود الانشطاري النيوترونات المنبعثة من اندماج D و Tفينشطر محَرِّرًا معه طاقة الانفجار [3].

قنبلة المرحلتين

تعتمد «قنبلة المرحلتين-two stage bomb» أو ما يعرف بـ «تصميم تيلر-أولام-Teller-Ulam design» بشكل أساسي على طاقة الاندماج النووي.  وكما هو بيِّن من الاسم، فإن هذه القنبلة تنفجر على مرحلتين. في المرحلة الأولى -التي تدعى الانفجار الأولي- تنفجر قنبلة انشطارية من نوع الانضغاط الداخلي (الجزء الدائري من الشكل 4) لتُؤمِّن الضغط اللازم لتوليد الاندماج النووي. بعدها، يَظَّل الوقود النووي الاندماجي -المعبأ في أسطوانة أسفل القنبلة الانشطارية- ينضغط إلى مركز الأسطوانة ضاغطًا معه أنبوبًا من المادة الانشطارية الذي يخترق أسطوانة الوقود النووي الاندماجي من مركزها. ويتجلى دور الأنبوب في كونه الفتيل الذي يشعل الانفجار الاندماجي. ذاك أن انضغاط الأنبوب يُوصل المادة الانشطارية داخله إلى الكتلة الحرجة، التي يمكن معها بدء الانفجار الانشطاري بعد امتصاص أحد النيوترونات، فينفجر الأنبوب مولدًا معه الحرارة اللازمة لبدء الانفجار الاندماجي. وهذا ما يعرف بالانفجار الثانوي [3].

الشكل 4: مراحل انفجار قنبلة المرحلتين

ويعتبر التحدي الأكبر في هذا التصميم هو الوصول إلى الانفجار الاندماجي قبل أن يدمر الانفجار الأولي القنبلة. مع العلم أن هذا الانفجار الأولي قادر على تدمير مدينة بأكملها. ويكمن سر نجاح هذا التصميم في كون معظم الطاقة المحررة من الانفجار الأولي عبارة عن أشعة إكس التي تسمح بنقل الطاقة إلى المادة الاندماجية قبل أن ينفجر السلاح كله مدمرا نفسه [3].

آثار قنابل الاندماج النووي

تتغير شدة الآثار التي تخلفها قنابل الاندماج النووي حسب قوة الانفجار. ويتم تحديد هذه القوة بحساب عدد الأطنان اللازمة لخلق نفس الانفجار باستعمال «ثلاثي نيتروتولوين-(Trinitrotoluene (TNT» (متفجرات تي إن تي التقليدية). وقد تصل قوة انفجار قنابل الاندماج النووي إلى عشرات ملايين الأطنان [1].

الكرة النارية النووية

لا تقتصر آثار قنابل الاندماج النووي على قوة الانفجار وحدها، بل إن أغلب الأضرار تنتج عن نواتج الانفجار. وأولها، كرة نارية قد يصل قطرها إلى أكثر من 1000 متر. تتشكل من كمية هائلة من أشعة إكس التي تقوم بتسخين الهواء إلى عشرات الملايين من الدرجات المئوية (درجة حرارة الشمس). وفي هذه الظروف فإن ذرات وجزيئات المادة تتحلل [4].

موجة الهواء المضغوط

وتتسبب الكرية النارية في تشكيل موجة من الهواء المضغوط الذي ينتشر بسرعة تفوق سرعة الصوت وذلك بدفع الهواء بعيدا عن مركز الانفجار. يسبب الضغط الهائل سحق كل  شيء بالقرب من مركز الانفجار بما في ذلك أجسام البشر التي تموت بشكل فوري عند التعرض لهذا الضغط. بالنسبة للمناطق الأبعد، حيث ينخفض الضغط نسبيًا، فإن الضغط قد يتسبب في تمزيق الرئتين أو على أقل تقدير في تمزيق طبلة الأذن. بالإضافة إلى هذا، تصاحب موجة الضغط هذه رياح عاتية قادرة على اقتلاع مباني على بعد عدة أميال من أساساتها. وفي حال بقي شيء من البنيان، فإن ما يسمى بتأثير الفراغ كفيل بتدميره. ذاك أن الأماكن التي تجتاحها موجة الضغط تفقد الكثير من الهواء، وبالتالي ينخفض الضغط في محيط البنايات هناك، فتنفجر هذه الأخيرة بسبب فرق الضغط بين الداخل والخارج [4].

الإشعاعات الحرارية

وأخيرًا وليس آخرًا، يأتي دور الإشعاعات الحرارية التي تكون على شكل ضوء أو حرارة، والتي تصل درجة حرارتها إلى 6000 درجة مئوية. وتتسبب هذه الإشعاعات في إحراق أي شيء قابل للاحتراق داخل مدى انتشارها من خشب أو ملابس أو حتى جلد الإنسان. مما يؤدي إلى انتشار موجة من الحرائق يصل مداها إلى بضعة كيلومترات. وقد يؤدي الوميض الضوئي لهذه الإشعاعات الذي قد يدوم 30 دقيقة ويتخطى 10 أميال إلى الإصابة الدائمة بالعمى. وبسبب قدرة هذه الإشعاعات على الانعكاس في الهواء، فإن أثرها لا ينحصر فقط على من ينظر مباشرة إلى الانفجار بل إلى أي شخص في دائرة الانفجار [4].

المصادر

[1] Nuclear energy: An introduction to the concepts, systems, and applications of nuclear processes

[2] Nuclear Weapons, Risk and Hope -Handout#2

[3] Introduction to Nuclear Weapon Physics and Design 

[4] Basic Nuclear Physics and Weapons Effects 

كيف تعمل الأسلحة النووية الانشطارية؟

تستعمل الأسلحة النووية الانشطارية (القنابل الذرية) طاقة الانشطار النووي من أجل خلق قوة الانفجار. وتنتمي قنبلتا هيروشيما وناكازاكي إلى هذا النوع من الأسلحة. ورغم أن طرازهما صار قديمًا مقارنة بالأسلحة النووية الحديثة، ما زالت الدول العظمى تستميت من أجل منع حيازة باقي الدول لها. فكيف تعمل الأسلحة النووية الانشطارية؟ وكيف يتم تصميمها؟  

الأسلحة النووية الانشطارية

تعتبر الأسلحة النووية الانشطارية أول سلاح نووي تم تصنيعه. وتم ذلك خلال مشروع مانهاتن إبان الحرب العالمية الثانية، حيث واجه العلماء المشاركون في المشروع عدة مشاكل من أجل إيجاد تصميم عملي لصنع قنبلة نووية. وتتعلق معظم هذه المشاكل بكيفية إطلاق التفاعل التسلسلي في الوقت المناسب والتأكد من استمرار نموه من أجل تحرير أكبر قدر من الطاقة في الانفجار [1]. 

فيزياء الأسلحة النووية الانشطارية

تقوم الأسلحة النووية الانشطارية، على مبدإ الانشطار النووي، إذ ينشطر الوقود النووي، عند امتصاصه نيوترونًا، إلى قسمين محررًا معه نيوترونين أو ثلاثة مع مقدار هائل من الطاقة. و تسهِم هذه النيوترونات المحررة بدورها في ولادة انشطارات جديدة، وهذا ما يعرف بالتفاعل التسلسلي [1].

ويشترط في حدوث الانفجار النووي أن يظل التفاعل التسلسلي يتسارع حتى يصل لنقطة الانفجار. ولتحقيق هذا، يجب أن تفوق كتلة المادة الانشطارية (القابلة للانشطار) ما يسمى بالكتلة الحرجة وأن تكون قيمة التفاعلية في القنبلة النووية أكبر من الصفر.

الكتلة الحرجة

تُعرَّف الكتلة الحرجة عل أنها أقل كتلة للمادة الانشطرارية تسمح باستمرار التفاعل التسلسلي. وتسمى المادة الانشطارية «كتلة دون حرجة-subcritical mass» عندما تكون كميتها غير كافية لضمان استمرار التفاعل التسلسلي. وفي هذه الحالة، نجد أن أغلب النيوترونات تتسرب خارج المادة الانشطارية دون أن تسهم في بدئ تفاعل جديد، وبالتالي لا تكون قادرة على خلق الانفجار النووي [1].

وتعتبر الكتلة الحرجة عاملا مهما خلال تصميم القنبلة النووية. ذلك أن المادة الانشطارية يجب أن تبقى “كتلة دون حرجة” حتى الوقت المقرر لتفجيرها، حيث يتم تجميع عدة كتل دون حرجة لتُكوِّن الكتلة فوق الحرجة القابلة للانفجار [2].

التفاعلية

تحدد التفاعلية ρ ما إذا كان التفاعل التسلسي يتسارع (حالة فوق حرجة) أو يتباطأ (حالة دون حرجة) أو يبقى ثابتا (حالة حرجة). ففي الحالة الأولى (0>ρ )، يتزايد عدة التفاعلات بحدة في وقت وجيز محررا معه كمية هائلة من الطاقة التي تسبب الانفجار النووي. أما في الحالة الثانية (0<ρ )، فإن عدد التفاعلات يتناقص مع الزمن. ويحدث هذا عادة بسبب نقص كمية المادة الانشطارية، حيث تقل فرصة التقاء نيوترون بنواة انشطارية وبالتالي تقل معه احتمالية التفاعل [2].

وحتى لا نخلط الأوراق مع بعضها، فإن الكتلة (كتلة المادة الانشطارية) فوق الحرجة يمكن أن تكون في أي من الحالات الثلاث: تسارع التفاعل أو تباطؤه أو ثباته. لكن يستحيل لـ “كتلة دون حرجة” من المادة أن تصل إلى الحالة الحرجة (ثبات التفاعل) أو فوق الحرجة (تسارع التفاعل).

وتتأثر تفاعلية القنبلة النووية بسبعة عوامل هي:

  • نوع المادة الانشطارية: حيث تختلف احتمالية الانشطار من نواة لأخرى؛
  • كمية المادة الانشطارية: التي تحدد الكتلة الحرجة للمادة الانشطارية؛
  • شكل المادة الانشطارية: تختلف نسبة النيوترونات المتسربة بعيدا عن المادة الانشطارية حسب الشكل الخارجي لهذه الأخيرة؛
  • كثافة المادة الانشطارية: مع تزايد كثافة المادة الانشطارية ترتفع نسبة التقائها مع أحد النيوترونات وبالتالي احتمالية التفاعل بينهما؛
  • نسبة التخصيب: يزيد التخصيب من كثافة المادة الانشطارية في عينة ما، وكلما زادت نسبة التخصيب زادت معه نسبة التفاعل؛
  • الوسط: حيث يقلل وجود عاكس للنيوترونات محيط بالمادة الانشطارية عدد النيوترونات التي تتسرب خارجها؛
  • نقاء المادة الانشطارية من الشوائب: حيث قد تمتص بعض الشوائب النيوترونات مقلِّلة بذلك عدد التفاعلات المحتملة [2].

تصميمات الأسلحة النووية الانشطارية

يجب أن يحترم تصميم القنبلة عدة متطلبات من أجل إحداث انفجار نووي. أولاها، أن تبقى المادة الانشطارية في الحالة دون الحرجة إلى موعد تفجير القنبلة. وثانيها، تجميع المادة الانشطارية حتى تفوق كتلتها الكتلة الحرجة مع الحرص على إبقائها خالية من النيوترونات حتى انتهاء عملية التجميع. تأتي بعدها ضرورة وجود مصدر للنيوترونات يشعل فتيل الانفجار بإرساله عددا من النيوترونات نحو المادة الانشطارية. وأخيرًا، يجب أن تأخذ التفاعلية أعلى قيمة ممكنة أثناء التفجير لضمان استعمال أكبر قدر من المادة الانشطارية قبل أن تُدَمِّر القنبلة نفسها [3].

تُعدُّ مهمة عزل المادة الانشطارية عن النيوترونات قبل عملية التفجير مستحيلة، ذاك أن المادة نفسها تبعث نيوترونات عن طريق الانشطار التلقائي الذي يحدث بدون محفز خارجي. وحتى لا تُستنزف المادة الانشطارية بهذه التفاعلات، يجب تجميع الكتلة فوق الحرجة في وقت أقل من الوقت التي تأخذه هذه التفاعلات في إحداث تفاعل تسلسلي في المادة الانشطارية. ويحدث تجميع الكتلة فوق الحرجة بطريقتين مختلفتين هما «الانشطار المُصوَّب-«Gun Assembly و«الانضغاط الداخلي- Implosion Assembly»[3].

نمط الانشطار المُصوَّب

في نمط الانشطار المصوَّب، يتم تجميع “كتلتين دون حرجتين” ليُكَوِّنا معًا عند اجتماعهما “كتلة فوق حرجة” قادرة على إحداث الانفجار. حيث يتم تصويب طلقة من اليورانيوم المخصب نحو أسطوانة من اليورانيوم مجوفة من الداخل (انظر الشكل 1). عندما تلتحم القطعتان مع بعضهما، نحصل على كتلة فوق حرجة قادرة على إحداث الانفجار النووي [1].

الشكل 1: القنبلة النووية ذات نمط الانشطار المصوَّب

نمط الانضغاط الداخلي

يعتمد نمط الانضغاط الداخلي على رفع كثافة المادة الانشطارية، حيث تقل الكتلة فوق الحرجة كلما زادت الكثافة. فمثلًا، إذا كانت الكتلة الحرجة لقنبلة نووية 20 كيلوغراما، فقد تنخفض لتصير 10 كيلوغراما عند زيادة كثافة المادة الانشطارية. ويرجع هذا الارتباط العكسي إلى أن تزايد الكثافة يزيد من احتمالية التقاء نيوترون بنواة انشطارية، فيحدث التفاعل بشكل أسرع [3].

وفي القنابل من هذا النوع، يتم إحاطة كرة من مادة البلوتونيوم بالمتفجرات التي يتم تفجيرها بشكل متزامن لخلق موجة تضغط البلوتونيوم نحو الداخل (انظر الشكل 2). وهكذا، يتكثف البلوتونيوم في مركز الكرة، فتَقِلُّ الكتلة الحرجة الضرورية للحفاظ على التفاعل التسلسلي [2].  

الشكل2: القنبلة النووية ذات نمط الانضغاط الداخلي

إشعال فتيل القنبلة

من أجل بدء التفاعل التسلسلي، تحتاج القنبلة لمصدر خارجي يمدها بالنيوترونات التي تحفز هذا التفاعل. وعادة ما يتم الجمع بين مادتي البولونيوم-210 المشع و البيريليوم-9 من أجل تصنيعها، ذاك أن البولونيوم يتحلل إشعاعا مطلقا الجسيم α الذي يتفاعل بدوره مع البيريليوم ليُنتِج نيوترونا بالإضافة إلى نواة الكربون-12. وهكذا يتم إرسال النيوترون المنبعث نحو الوقود النووي من أجل تفعيل القنبلة لبدء الانفجار [1].

المصادر

[1] Nuclear Energy: An Introduction to the Concepts, Systems, and Applications of Nuclear Processes

[2] Basic Nuclear Physics and Weapons Effects

[3] Introduction to Nuclear Weapon Physics and Design 

كيف يتسمم الوقود النووي؟

رغم فداحة كارثة تشيرنوبل، فقد ساهمت في معرفة كيفية تسمم الوقود النووي. ذاك أن الجهل بأثر أحد المسممات على المفاعل، أدى إلى تقدير خاطئ في التعامل مع المفاعل، مما أدى إلى تلك الكارثة التي لا تزال تنفث سمومها حتى الآن. فكيف يتسمم الوقود النووي؟ وما الذي علينا فعله لنتجاوز آثار هذا التسمم؟

تسمم الوقود النووي

يتسمم الوقود النووي عندما تتراكم فيه نواتج الانشطار. ذاك أن هذه الأخيرة، تعمل على إيقاف الانشطار التسلسلي الذي يبقي المفاعل حيًّا: فبسبب قدرتها الهائلة على امتصاص النيوترونات، لا يبقى في قلب المفاعل العدد الكافي الذي يسمح باستمرار التفاعل، فيصير المفاعل في الحالة دون الحرجة. وهذا يعني أن المفاعل لن يعمل مجددًا إلا اختفت هذه النواتج من قلب المفاعل أو، على الأقل، إذا نقُصت كميتها. وتظهر نواتج الانشطار السامة في المفاعلات عبر ثلاثة سبل: فإما أنها تَنتج مباشرة عن الانشطار النووي، أو تَنتج عن الانحلال الإشعاعي لأحد نواتج الانشطار، أو أن أحد نواتج الانشطار المباشر يقتنص نيوترونًا فيتحول إلى ناتج سام. وتختفي هذه النواتج السامة سواء عن طريق الانحلال الإشعاعي أوعن طريق اقتناص نيوترون فتتحول إلى نظير غير سام. ومن أبرز المسممات نجد الزينون و الساماريوم [1].

تسميم الزينون

يعتبر «تسميم الزينون -Xenon Poisoning » أخطر أنواع التسممات في المفاعلات، ذاك أن نسبته  تتضاعف بشكل هائل في غضون أجزاء من الثانية عند إيقاف المفاعل. و يمكن أن ينتج الزينون-135 (135Xe) عن الانشطار المباشر للوقود النووي لكنه يتشكل أساسًا من تحلل اليود-135 (135I) الذي يأتي من انشطار الوقود النووي. ويختفي إما بتحوله للزينون-136 (136Xe) غير السام عن طريق اقتناص نيوترون أو عن طريق تحلله إلى عنصر السيزيوم-135 (135Cs) [1].

عند إشعال المفاعل، ينشطر الوقود النووي فينتج اليود-135 الذي تبدأ كميته في التزايد. وفي نفس الوقت، يبدأ اليود بالتحلل إلى الزينون-135 الذي ما إن يظهر حتى يبدأ بالاختفاء بدوره. وبما أن سرعة انحلال 135I أكبر من تلك التي لدى 135Xe، فإن هذا الأخير يظل يتزايد إلى أن نصل إلى حالة من التوازن تبقى فيها كميات 135I و 135Xe مستقرة مع مرور الزمن [1].

أما عند إيقاف المفاعل، فإن عملية الانشطار الانشطار تتوقف. وهكذا يتوقف منبع اليود الذي يستمر في الانحلال إلى أن يختفي نهائيا. بالنسبة ل 135Xe، فإنه يتوقف عن الاختفاء عن طريق اقتناص نيوترون (بسبب توقف دفق النيوترونات). بينما تستمر عملية إنتاجه من خلال انحلال اليود. وهكذا، تبدأ كميته بالتزايد رغم تحلله إلى 135Cs (بسبب الاختلاف في سرعة التفاعل بين  135I و 135Xe)، ثم تعود للتناقص بعد نفاذ كمية اليود (الشكل 1) [1].

الشكل 1: تغير نسبة الزينون بعد إيقاف المفاعل

وتأثر نسبة ارتفاع الزينون بشكل مباشر على تفاعلية المفاعل، حيث قد تصل هذه الأخيرة إلى نسبة يستحيل معها إعادة تشغيل المفاعل إلا بعد أن يختفي الزينون أي بعد يومين من إيقاف المفاعل. وفي حال أردنا أن نشغل المفاعل بعد الإيقاف مباشرة، فيجب أن نفعل ذلك في غضون عشر دقائق قبل أن يصل مستوى الزينون إلى حالته القصوى فيستحيل تشغيله حينها [2].

تسميم الساماريوم

يتميز «تسميم الساماريوم-Samarium Poisoning» بكون نظير الساماريوم-149 (149Sm) مستقرًا، أي أنه لا يخضع للانحلال الإشعاعي. وبالتالي، لا يمكن التخلص منه بل يظل تراكم مع الزمن في كل تشغيل للمفاعل إلى أن يتوقف المفاعل نهائيا عن العمل. وحينها يجب استبدال الوقود بآخر جديد.  وينتج  عن انحلال أحد نواتج الانشطار وهو البروميثيوم-149 (149Pm). ويختفي باقتناص نيوترون فيتحول إلى الساماريوم-150 (150Sm) [1].

عند تشغيل المفاعل، يبدأ إنتاج  فتتزايد كميته، ثم يبدأ بالانحلال إلى الذي يبدأ بالتحول بدوره إلى 150Sm. في النهاية، نصل إلى حالة من التوازن حيث تستقر كلتا الكميتين بعد أن يتكافئ عدد النويات الذي يظهر مع تلك التي تختفي [1].

أما بعد إيقاف المفاعل، يختفي  بتحلله إلى الساماريوم السام. بينما يتوقف اقتناص هذا الأخير للنيوترونات فيظل يتزايد إلى أن ينفذ  149Pm. وهكذا فإن الساماريوم السام (149Sm)،  يظل في قلب المفاعل دون أن يختفي لأنه نظير مستقر. وكلما تم إيقاف المفاعل، يتراكم القليل من 149Sm، وتقل معه تفاعلية المفاعل (القدرة على الاستمرارية الانشطار) إلى أن يصبح الوقود النووي غير ذي جدوى [1].

ويعتبر الساماريوم أقل سوءا ما الزينون لأن احتمالية امتصاصه للنيوترونات التي تسهم في الانشطار أقل بكثير من احتمالية امتصاص الزينون. إذ نجد أن احتمالية امتصاص الساماريوم قد تصل إلى 41000 barn، بينما تتجاوزها عند الزينون إلى 270000 barn. ومع ذلك فيجب أخذ هذا التسميم بعين الاعتبار من أجل التحكم بدقة في قدرة المفاعل [2].

المصادر

[1] NUCLEAR REACTOR PHYSICS AND ENGINEERING

[2] Physique des Réacteurs Nucléaires Table de matières

كيف نتحكم في المفاعلات النووية؟

في حادثة تشيرنوبل، أدت تجربة روتينية إلى كارثة عالمية. وكان السبب في ذلك أخطاء فادحة في اتخاذ قرارات حول التحكم بالمفاعل النووي، حيث أدى قرار برفع كل أعمدة التحكم (التي تتحكم بدرجة الانشطار النووي) إلى إفلات السيطرة على التفاعلات في قلب المفاعل. فكيف يتم التحكم في المفاعلات النووية؟ وكيف نتأكد أن أحد المفاعلات لن يخرج عن السيطرة أثناء تشغيله؟

التحكم  في المفاعلات النووية

يتم التحكم في المفاعلات النووية عن طريق التحكم في «دفق النيوترونات-Neutron Flux» (كمية النيوترونات التي تخترق مساحة معينة في الثانية) داخله. ويحدث هذا بفضل قضبان التحكم التي يمكن رفعها أو تغطيسها في قلب المفاعل حسب الحاجة. فعندما نريد رفع قدرة المفاعل (كمية الكهرباء التي نريد إنتاجها) مثلًا، نرفع قضبان التحكم إلى أن نصل إلى القدرة المطلوبة ثم نعيد تغطيس جزء منها حتى لا تظل القدرة في ازدياد. وتحكم هذه العملية عدة عوامل تجعل التحكم في المفاعلات أكثر تعقيدًا مما يبدو عليه. ذاك أن التحكم في التفاعل التسلسلي الذي يحدث داخل المفاعل يستدعي حساب بعض المعاملات كمعامل التضاعف الفعال، الذي يحدد ما  إذا كان المفاعل تحت السيطرة أم لا. بالإضافة إلى هذا، فإن تقادم المفاعل النووي يسمم الوقود مما يؤدي إلى تأثيرات جانبية يجب التعامل معها ضمانا لاستمرار عمل المفاعل بشكل طبيعي [1].

التفاعل التسلسلي

في التفاعل التسلسلي، يدخل نيوترون مقذوف في تفاعل مع نواة انشطارية فتنقسم هذه النواة باعثة معها عدة نيوترونات جديدة (بين 2 و3). وتدخل هذه النيوترونات في عمليات انشطار جديدة. وهكذا، نجد أن نيوترونًا واحدًا قد يؤدي –نظريًا- إلى عدد لا نهائي من التفاعلات (انظر الشكل 1). وهنا يأتي دور أعمدة التحكم التي تمتص جزءا من هذه النيوترونات حتى لا يخرج التفاعل عن السيطرة. ويحدد عدد الأعمدة المغطوسة بالإضافة إلى مستوى التغطيس (طول الجزء المغطوس في قلب المفاعل) نسبة النيوترونات الممتصة [1].

الشكل 1: التفاعل التسلسلي داخل المفاعل النووي

معامل التضاعف الفعال

يحدد معامل التضاعف الفعال keff ما إذا كان عدد النيوترونات داخل قلب المفاعل يتزايد مع الزمن. ويمثل نسبة النيوترونات المنبعثة بين جيلين من التفاعل التسلسلي، أي  معدل النيوترونات المنبعثة بين انشطار والذي يليه. ويكون المفاعل في أحد من ثلاث حالات حسب قيمة Keff:

  • في حالة keff < 1، يتباطئ التفاعل التسلسلي، أي أن عدد النيوترونات المنبعث يتناقص من جيل لآخر. وتوصف هذه الحالة بأنها “دون حرجة”، حيث نحاول فيها إما إيقاف المفاعل أو خفض قدرته.
  • في حالة1 = keff ، يبقى عدد النيوترونات ثابتًا مع الزمن. أي أن نيوترونا واحدًا يَنتج عن عملية انشطار ما، ليُسهم في الانشطار الذي يليه. وهكذا يبقى عدد التفاعلات ثابتًا وتبقى معه قدرة المفاعل ثابتة أيضا، وهو ما يسمى بالحالة “الحرجة” للمفاعل.
  • أما في حالة keff > 1، فإن التفاعل التسلسلي يتسارع، حيث يظل عدد النيوترونات يتزايد أسِّيا من جيل لآخر. وفي هذه الحالة تتزايد قدرة المفاعل فيكون في حالة “فوق حرجة”.  وقد يؤدي استمرار هذا الوضع إلى خروج المفاعل عن السيطرة كما حدث في تشرينوبل.

ويمكن أن نصف حالة المفاعل بمعامل آخر هو «التفاعلية-Reactivity»، ويرمز له ب  ρ. ويكتب بدلالة keff كالتالي:

وحسب المعادلة فإن التفاعلية تكون منعدمة في الحالة الحرجة. بينما تكون موجبة في الحالة فوق الحرجة وسالبة في الحالة دون الحرجة [1]. وفي العادة، نستعمل التفاعلية في وصف تطور المفاعل وليس المعامل keff.

دورة حياة النيوترون

تبدأ حياة جيل من النيوترونات بانبعاثها من الانشطار النووي ثم تمر بمرحلة التباطؤ (يتم إبطاؤها حتى تصير حرارية) ومن تم تنتهي بامتصاصها في الانشطار الذي يليه. وخلال عبورها لهذه المراحل، يمكن أن تختفي بعض النوترونات وتظهر أخرى. فعند انبعاث نيوترون إثر انشطار نووي، فإنه إما يدخل في انشطار جديد فينتج جيلا جديدا من النيوترونات، أو يُفقَد من خلال امتصاصه من بعض المواد غير الانشطارية أو من خلال تسربه خارج قلب المفاعل. وهكذا، فإننا نبدأ بنيوترون حراري واحد تمتصه نواة انشطارية فينتج عنها عدة نيوترونات سريعة. تحاول هذه الأخيرة أن تتباطئ لتصير حرارية بدورها، فيُفقَد منها من فقِد عبر الشرود خارج قلب المفاعل أو عبر اقتناصه من قبل نواة غير انشطارية، ويتضاعف جزء منها بفضل الانشطار السريع -الذي ينشأ عن النيوترونات السريعة. وتشكل النسبة التي نجحت في أن تصير حرارية وتخلق انشطارًا نوويًا قيمة keff (انظر الشكل 2) [2].

الشكل 2: دورة حياة جيل من النيوترونات داخل قلب المفاعل

صيغة العوامل الستة

تحدد «صيغة العوامل الستة-six-factor formula» قيمة keff انطلاقا من ستة عوامل متضمنة في دورة حياة النيوترون. وتكتب المعادلة على الشكل التالي:

حيث يمثل η «معامل التكاثر-reproduction factor» الذي يعطي نسبة النيوترونات المنتجة بعد الانشطار الحراري (الرقم 1 في الشكل 2).

أما ε  فهو «معامل الانشطار السريع-fast fission factor»، ويَحسُب نسبة النيوترونات التي أُنتِجت عن طريق الانشطارات غير الحرارية أي تلك التي حصلت أثناء عملية إبطاء النيوترونات (الرقم 2 في الشكل 2).   

وبالنسبة ل p، فإنه يعبر عن احتمالية وصول النيوترونات إلى الحالة الحرارية دون أن يتم امتصاصها (الرقم 3 في الشكل 2)، ويسمى «احتمال الهروب الرنيني-resonance escape probability».

بينما يعطي «معامل الاستعمال الحراري-Thermal utilization factor f» احتمالية امتصاص النيوترونات الحرارية داخل الوقود (الرقم 4 في الشكل 2).

وأخيرا نجد PNL الذي يمثل احتمالية عدم تسرب النيوترونات خارج المفاعل. ويمكن كتابته على الشكل:

PNL =  PNLT* PNLF

حيث يمثل   PNLT احتمالية عدم التسرب بالنسبة للنيوترونات الحرارية و PNLF احتمالية عدم التسرب بالنسبة للنيوترونات السريعة. وتتعلق احتمالية عدم التسرب هذه بشكل المفاعل وتصميمه. ومن أجل التخلص من هذه التبعية، تم اعتماد ∞k الذي يمثل معامل التضاعف في وسط لا نهائي حيث لا وجود لأي تسربات. وهو ما يعرف أيضا ب « صيغة العوامل الأربعة- four-factor formula» [2]. 

ختامًا، نجد أن قيمة معامل التضاعف تلعب دورًا محوريًا في التحكم في المفاعل، حيث يتم رفع أو إنزال أعمدة التحكم حسب الحالة التي نريدها. لكن المؤسف في الأمر، أن معامل التضاعف لا يخضع فقط لمستوى إنزال أعمدة التحكم، بل إن تقادم المفاعل يسمم الوقود النووي، حيث تتراكم نواتج الانشطار النووي وتسبب تغيرات كبيرة في قيمة معامل التضاعف يجب أخذها بعين الاعتبار أثناء تشغيل المفاعل. وهذا ما سيكون موضوع المقال القادم.

المصادر

[1] Physique des Réacteurs Nucléaires

[2] Nuclear Reactor: Physics and Engineering

ماهي أنواع المفاعلات النووية وكيف يتم تصنيفها؟

منذ اكتشاف الطاقة الهائلة التي تنتج عن الانشطار النووي، تسابقت القوى العضمى في تطوير مختلف أنواع المفاعلات لاستخلاص هذه الطاقة. وتعددت المفاعلات حسب الغرض من الاستخدام وحسب إمكانات الدول، فنجد مفاعلات تستعمل اليورانيوم الطبيعي في الدول الغنية به، بينما تنحو الدول التي تفتقر إليه إلى عملية التخصيب. ويمكن تصنيف المفاعلات حسب مكوناتها ومبدإ عملها. فعلى أي أساس تُصنّف المفاعلات النووية؟ وما هي أنواع كل صنف؟

تصنيفات المفاعلات النووية

 تنقسم المفاعلات إلى عدة أنواع رغم أن مبدأ العمل يبقى نفسه، ويتحدد نوع المفاعل حسب طاقة النيوترونات داخله و حسب نوع مكوناته (المثبط والمبرد والوقود النووي)، بالإضافة إلى طريقة تركيبته.

طاقة النيوترونات

يمكن تصنيف المفاعلات النووية إلى صنفين حسب طاقة النيوترونات المستعملة في إنتاج التفاعلات النووية. ف «المفاعلات السريعة-Fast Reactors»، تستخدم نيوترونات عالية السرعة (0.1MeV< E< 1MeV) من أجل تحفيز عملية الانشطار داخل المفاعل. بينما تحتاج « المفاعلات الحرارية-Thermal Reactors» نيوترونات حرارية (طاقتها أقل من 0.1eV) لإتمام التفاعل. لهذا، نجد أن المفاعلات السريعة لا تحتاج مثبطا لإبطاء النيوترونات عكس المفاعلات الحرارية. وتُستعمل االمفاعلات الحرارية عادة في إنتاج الطاقة الكهربائية. بينما يكثر استعمال المفاعلات السريعة في إنتاج الوقود النووي [1].

المثبط

بالنسبة للمثبط، فإن الشرط الذي يقوم على قابليته لإبطاء الإلكترونات بكفاءة، يحد من المواد التي يمكن اختيارها. إذ إنها لا تتعدى ثلاث مواد: الهيدروجين والكربون والبيريليوم. ويتم استخدام الماء كمثبط باعتباره غنيا بالهيدروجين وهو الأكثر انتشارا في المفاعلات النووية. أما الكربون فيُستخدم على شكل غرافيت. وبالنسبة للبيريليوم، فإنه يكون على شكل أوكسيد البيريليوم، وقد كان شائعا في المفاعلات القديمة، لكنه تراجع بسبب سُمِّيته و تكلفته الباهضة [2].

المُبرِّد

يحدد المُبرِّد -الذي ينقل الحرارة الناتجة عن الانشطار النووي خارج قلب المفاعل- عادة نوعَ المفاعل. ويكون المُبرِّد إما سائلًا أو غازًا، وتستخدم أغلب المفاعلات الماء كمُبرِّد نظرًا لقلة كلفته، لكننا نجد أيضا الماء الثقيل وغاز ثنائي أكسيد الكربون والهليوم غيرها. وفي بعض الأحيان، يكون المبرد هو نفسه المثبط كما في الماء. لكن في حالة كان المبرد غازا، فإن كثافته لا تسمح بإبطاء الإلكترونات، لذلك نستعين في بالغرافيت كمثبط [2].

الوقود النووي

يختلف الوقود النووي في المفاعلات النووية حسب نوع النظير المستعمل وحسب درجة التخصيب التي تتراوح عادة بين 3% و 4%، ولا تتعدى العناصر الطبيعية التي يمكن استخدامها كوقود عنصري اليورانيوم والثوريوم. أما اليورانيوم، فيحتوي على نظير «انشطاري -Fissile»-أي القابل للانشطار- هو اليورانيوم-235، وآخر « خصب-fertile» –أي يمكن تحويله إلى عنصر انشطاري- هو االيورانيوم-238. ويستخدم اليورانيوم الانشطاري مباشرة كوقود نووي، بينما تمتص نواة اليورانيوم الخصب نيوترونا لتتحول إلى البلوتونيوم-239 الانشطاري. بالنسبة للثوريوم، فإنه يعتبر أيضا وقودًا خصبًا، لذلك يتم تحويله لليورانيوم-233 الانشطاري [2].

تركيبة المفاعل

يمكن تصنيف المفاعلات حسب تركيبتها إذا كانت متجانسة أو غير متجانسة. ونقصد بهذا، ما إذا كان الوقود النووي والمبرد  يمتزجان معا ليشكلا خليطا متجانسًا، أم أن الوقود منفصل عن المبرد في وحدة خاصة به. وأغلب المفاعلات اليوم هي من النوع غير المتجانس، وذلك ضمانا لعدم تسرب الوقود النووي خارج قلب المفاعل. لكننا نجد أيضا المفاعلات المتجانسة كمفاعلات الملح المصهور على سبيل المثال، وهذا النوع من المفاعلات لا يستخدم لإنتاج الطاقة الكهربائية [1][2].

أنواع المفاعلات النووية

يمكن أن نقسم المفاعلات حسب أي من التصنيفات التي ذكرناها في الفقرة السابقة. وقد درج أهل الاختصاص على تصنيفها حسب نوع المبرد. فنجد: المفاعلات المبرَّدة بالغاز، وتلك المبرَّدة بالماء الثقيل، والمفاعلات المبرَّدة بالماء العادي، والمفاعلات المبرَّدة بالغرافيت، وأخيرًا المفاعلات السريعة.

المفاعلات المبرَّدة بالغاز

 يمثل صنف المفاعلات المبردة بالغاز أقدم جيل من المفاعلات، ويستخدم هذا النوع الغرافيت كمثبط وأحد الغازات كمبرد. ونجد في هذا الصنف ثلاثة أنواع: « المفاعل ماجنوس-MagnoxReactors» ونسخته المطورة «ا المفاعل المتقدم المبرد بالغاز-Advanced Gas-Cooled Reactor»، وأخيرا « المفاعل المرتفع الحرارة المبرد بالغاز – High Temperature Gas cooled Reactor».

المفاعل ماجنوس

يعتبر المفاعل ماجنوس من أقدم تصميمات المفاعلات. وقد بُنيَت أول منشأة نووية في العالم بهذا التصميم سنة 1956 في بريطانيا، وبلغت قدرتها 60MWe. وترجع تسمية المفاعل إلى سبيكة المغنيسيوم التي تغلف وقوده النووي. يتشكل هذا الأخير من اليورنيوم الطبيعي غير المخصب ويحيط به الغرافيت كمثبط. ويتم تبريد المفاعل بغاز ثنائي أكسيد الكربون (CO2)، حيث يقوم الغاز الساخن القادم من قلب المفاعل بتحويل الماء إلى بخار في محول حراري، ليحرك البخار عنفة (طوربين) لتوليد الكهرباء [1].

المفاعل المتقدم المبرد بالغاز

تم تطوير المفاعل المتقدم المبرد بالغاز كجيل محَسَّن من مفاعل ماجنوكس وذلك بهدف رفع مردودية المفاعل. فتم استبدال الوقود بثنائي أكسيد اليورانيوم المخصب (من 2.5% إلى 3.5%) الذي غُلِّف بالفولاذ المقاوم للصدإ بدل سبيكة المغنيسيوم. مما أدى إلى ارتفاع درجة الحرارة في قلب المفاعل إلى درجات قد تصل إلى 650°C، وبالتالي إلى زيادة الطاقة الحرارية المستخرجة من المفاعل. بالإضافة إلى هذا، فقد وُضِعت أداة جديدة للتحكم في سير الانشطار إلى جانب أعمدة التحكم، حيث أصبح من الممكن إلقاء مادة النيتروجين في المبرد من أجل إيقاف المفاعل [3][4].  

المفاعل المرتفع الحرارة المبرد بالغاز

يعتبر المفاعل المرتفع الحرارة المبرد بالغاز النسخة الأحدث من المفاعلات المبردة بالغاز. ويتميز بفاعليته التي تفوق بقية مفاعلات هذا الصنف، خصوصًا مع استبدال المثبط بغاز الهليوم الأكثر كفاءة. ويستعمل المفاعل الثوريوم واليورانيوم المخصب بالكامل كوقود نووي، حيث تم حشو كرات من الغرانيت (المثبط) بحبيبات صغيرة تحتوي الثوريوم-232 (الذي يستخدم كمنتج للوقود الانشطاري) واليورانيوم-235 [1].

مفاعلات الماء الخفيف

تمثِّل «مفاعلات الماء الخفيف-Light Water Reactor» الصنف الأكثر انتشارًا في العالم. ويشمل نوعين من المفاعلات: «مفاعلات الماء المضغوط-Pressurized Water Reactor» و«مفاعلات الماء المغلي-Boiling Water Reactor». ويستعمل كلا المفاعلان اليورانيوم المخصب (بنسبة 3.2%) كوقود نووي والماء العادي  (H2O) كمبرد ومثبط [3].

الشكل 1: مفاعل الماء المضغوط

ويختلف المفاعلان في طريقة استعمال الماء للتبريد. إذ يخضع الماء في مفاعلات الماء المضغوط  لضغط عال حتى يحافظ على حالته السائلة في ظل درجات الحرارة العالية في قلب المفاعل، ويحمل هذه الحرارة إلى مولد للبخار منفصل عنه. وهكذا، فإن القناة التي يسري فيها المبرد الرئيسي (الذي يمر بقلب المفاعل) منفصلة تمامًا عن قناة مولد البخار –والتي يتحول فيها الماء إلى بخار من أجل تحريك العنفة (انظر الشكل 1). بينما نجد أن مفاعلات الماء المغلي، لا تحتوي إلا على قناة واحدة، حيث يتحول الماء نفسه الذي يدخل قلب المفاعل إلى بخار لتحريك العنفة (انظر الشكل 2) [2].

الشكل 2: مفاعل الماء المغلي

يمكن أيضا أن نضيف إلى هذا التصنيف مفاعلات RBMK  بما أنها تُبرّد بالماء المغلي، لكنها عادة تُكوِّن صنفًا لوحدها. وقد طور الاتحاد السوفييتي هذا النوع من المفاعلات من أجل تصنيع البلوتونيوم لأغراض عسكرية قبل أن يتم تعديله لإنتاج الكهرباء. ويتكون قلب المفاعل من كتلة من الغرافيت المثبط تتخلله قضبان الوقود النووي، والتي تتكون بدورها من ثنائي أكسيد اليورانيوم المخصب. وقد تسبب هذا النوع من المفاعلات في حادثة تشيرنوبل الشهيرة  [4].

مفاعلات الماء الثقيل

تشبه مفاعلات الماء الثقيل -أو CANDU كما يطلق عليها أحيانًا- مفاعلات الماء المضغوط في طريقة العمل. وقد تم تطويرها من أجل تجنب تخصيب اليورانيوم، حيث تستعمل اليورانيوم الطبيعي كوقود. ولتعويض نسبة اليورانيوم المخصب، تستعمل هذه المفاعلات الماء الثقيل (D2O) ذي الكفاءة العالية في إبطاء النيوترونات، وبالتالي زيادة نسبة الانشطار في الوقود. أما من حيث التصميم، فإن أعمدة الوقود النووي تجمع على شكل أفقي داخل ما يسمى ب كالاندريا calandria على عكس الأعمدة العمودية في باقي المفاعلات. ويسمح هذا التصميم بإعادة شحن المفاعل بالوقود النووي دون حاجة لإزالة الأعمدة من قلب المفاعل (انظر الشكل 3)[4].

الشكل 3: مفاعل الماء الثقيل، ويمثل (1) الوقود النووي االمحاطة بالماء الثقيل (9) والمتضمن في الكالاندريا (2)، أما (3) فهي أعمدة التحكم، و يمكن تموين المفاعل أوتوماتيكيا بفضل (8). بالنسبة لبقية المفاعل فإنه يشبه مفاعل الماء المضغوط

المفاعلات السريعة

لا تزال المفاعلات السريعة في طور التخطيط والتطوير، ذاك أن كل مفاعلات هذا النوع واجهت مشاكل أثناء تشغيلها. ويُعد إنتاج الوقود النووي الهدف الرئيس لهذه المفاعلات. وقد تم الأخذ بعين الاعتبار أن تكون كمية المادة الانشطارية المنتجة أكبر من تلك المستهلكة. لهذا، فإن الوقود النووي سيكون غنيا بالبلوتونيوم الانشطاري الذي يحيط به اليورانيوم الخصب، حيث سيسهم البلوتونيوم في خلق نيوترونات يمتصها اليورانيوم الخصب ليتحول إلى البلوتونيوم بدوره. وبما أن هذه المفاعلات لا تملك مثبطا، فإن أفضل مبرد لها هو سائل الصوديوم نظرا لأنه موصل حراري ممتازقادر على منع ارتفاع درجة حرارة قلب المفاعل. ولأن الصديوم يصير مشعا عند تعرضه للنيوترونات، وجب التأكد من أنه لن يتسرب خارج المفاعل. لذلك فإن نظام التبريد فيه يتكون من دورتين منفصلتين كما في مفاعلات الماء المضغوط [1], [3], [4].

في النهاية، كانت هذه أهم أنواع المفاعلات المنتشرة في العالم. ورغم أننا تناولنا مكوناتها وطرق عملها، فلا يزال الجانب الفيزيائي يحتاج إلى مزيد من الشرح. لذلك، سنخصص المقالات القادمة لفيزياء المفاعلات النووية. 

المصادر

[1]  £An Introduction to the Concepts, Systems, and Applications of Nuclear Processes

[2] Nuclear Energy: Principles, Practices, and Prospects

[3] Nuclear Reactor Types

[4] Physique des Réacteurs Nucléaires

كيف تعمل المفاعلات النووية؟

ما نعرفه عن عمل المفاعلات النووية، هو أنها تُنتج الطاقة الكهربائية من خلال تفاعلات نووية. لكن ما الذي يحدث بالضبط داخل المفاعل النووي؟ هذا ما نحاول كشفه في هذا المقال.

مبادئ عمل المفاعلات النووية

تقوم المفاعلات النووية على عدة مبادئ فيزيائية من أجل القيام بدورها في إنتاج الطاقة الكهربائية. فتستغل الطاقة الناتجة عن الانشطار النووي، وتتحكم بها من خلال الإبقاء على استمرار عملية الانشطار ثابتة، فلا هي تتزايد فيحدث انفجار ولا هي تخمد فيخرج المفاعل عن العمل. و من أبرز الظواهر التي تتظافر من أجل النهوض بهذه المهمة، نجد الطاقة النووية الناتجة عن التفاعل التي هي أساس العمل كله، ثم التفاعل التسلسلي وإبطاء النيوترونات والتخصيب، التي تحافظ مجتمعة على إمدادات الطاقة النووية.

الطاقة النووية

تنتج الطاقة النووية التي تستخدم في المفاعلات النووية عن ظاهرة الانشطار النووي (انقسام نواة إلى نواتين أخف منها). وتحدِّد معادلة أينشتاين الشهيرة كمية الطاقة المحررة أثناء التفاعل، حيث تكتب على الشكل التالي:

الطاقة المحررة أثناء تفاعل نووي

وبعبارة أخرى، تساوي الطاقة الناتجة عن التفاعل ΔE فرق كتل المتفاعلات عن النواتج Δm. وتمثل الثابتة C سرعة الضوء في الفراغ [1].

وتساوي الطاقة الناتجة عن التفاعل النووي ما يعادل 200MeV. ولتخيل هذه الكمية الهائلة من الطاقة، فإن غراما واحدًا من اليورانيوم المنشطر يعادل طُنين من الفحم الحجري [1].

التفاعل التسلسلي

يحفِّز نيوترون ظاهرة الانشطار النووي عند اصطدامه بنواة اليورانيوم، فتنشطر هذه الأخيرة محرِّرة معها بضعة نيوترونات (2 أو 3)  تدخل بدورها في انشطارات جديدة، وهذا ما يدعى ب «التفاعل التسلسلي-Chain Reaction». ومن أن أجل ألا يخرج هذا التفاعل عن السيطرة في المفاعلات النووية، يتم التحكم به من خلال إدخال مواد تمتص النيوترونات الزائدة، فلا تسمح إلا ببقاء نيوترون واحد بعد كل تفاعل.  

ولوصف حالة التفاعل التسلسلي، نستعمل «معامل التضاعف الفعال-effective multiplication factor» الذي يحدد ما إذا كان عدد النيوترونات، بين كل انشطار والذي يليه، يتزايد أو يتناقص.  ويُعَرّف بالشكل التالي:

معامل التضاعف الفعال

حيث يمثل ni عدد النيوترونات في جيل ما، وni+1 عددها في الجيل الذي يليه [1].

إبطاء النيوترونات

بعد انبعاثها من التفاعل النووي، تكون النيوترونات سريعة جدا (20000km/s) بحيث لا تستطيع ذرات اليورانيوم التقاطها من أجل بدء تفاعل جديد. لهذا، يتم إبطاء هذه النيوترونات حتى تصير «نيوترونات حرارية-Thermal Neutrons» (تقل سرعتها عن 2km/s)، وذلك بإخضاعها لسلسلة من التشتتات تُفقدها طاقتها الحركية. وتتجلى ظاهرة «التشتت Scattering-»  في ارتطام النيوترون بالجسيمات التي تعترض طريقها مع الانزياح عن مساره في كل اصطدام. ويصحب هذا التصادم انتقال جزء من طاقة البروتون إلى الجسيم الذي يرتطم به [2].

وتُستعمل لإنجاز مهمة الإبطاء هذه الذرات الخفيفة، لأن كل تصادم للنيوترون معها يفقده كمية مهمة من الطاقة (على عكس الذرات الثقيلة)، فيكون عدد التصادمات اللازمة لجعل النيوترون حراريًا صغيرًا. وبالتالي تقل احتمالية امتصاصه بشكل كلي من قبل أحد الجسيمات التي يتفاعل معها. وتستعمل المفاعلات النووية الهيدروجين الموجود في الماء عادة من أجل إبطاء النيوترونات رغم أنه يمتص بشكل كلي عددا لابأس به منها. وفي بعض الأحيان، يتم استبداله بالديوتيريوم الموجود في الماء الثقيل رغم كلفته الباهضة. وقد تم استعمال الغرافيت (الكربون) أيضا كمثبط للنيوترونات في بعض المفاعلات. لكن تبقى كفاءة هذا الأخير أقل بكثير من سابقيه، حيث يحتاج نيوترون بطاقة 2MeV إلى 120 تصادما مع ذرات الغرافيت ليصبح حراريًا مقابل ما يقارب 30 تصادما مع الهيدروجين أو الديوتيريوم [3].

و يتم قياس قدرة الذرات على إبطاء النيوترونات (في حالة التشتت المرن) بواسطة «معامل التباطؤ- Slowing-down Parameter» ξ، الذي يحدد نسبة الطاقة (المتوسطة) المفقودة لكل اصطدام إلى الطاقة الكلية للنيوترون. ويعتبر الهيدروجين، حسب هذا المعامل، أفضل مثبط، حيث تبلغ النسبة  فيه 100%. مما يعني أن النيوترون يفقد كل طاقته خلال تصادم واحد فقط. وللذكر فقط، فالمعامل لا يأخذ بعين الاعتبار نسبة النيوترونات التي يمتصها الهيدروجين كليًا [4].

التخصيب

من بين جميع نظائر اليورانيوم، فإن اليورانيوم-235 هو وحده القادر على الانشطار داخل المفاعلات النووية. وللأسف لا تشكل نسبته سوى 0.7% من اليورانيوم الطبيعي، بينما تشكل  نسبة اليورانيوم-238 غير القادر على الانشطار حوالي 99.3%. وهنا يأتى دور عملية التخصيب التي تقوم على رفع نسبة اليورانيوم-235 مقارنة باليورانيوم-238. ويتم حساب نسبة التخصيب بقسمة عدد ذرات اليورانيوم-235 على العدد الكلي لذرات اليورانيوم في عينة ما [2].

 وتكون نسبة التخصيب في المفاعلات عادة بين 3% و5%. وقد تتعداها إلى 20% في بعض الأحيان. أما بالنسبة للقنابل النووية فتفوق نسبته 90%.

ولا يمكن للوقود النووي أن يُفَعِّل سلسلة الانشطار النووي حتى تفوق كتلة اليورانيوم-235، في حجم معين من هذا الوقود، ما يسمى ب «الكتلة الحرجة-Critical Mass». ذاك أن باقي مكونات الوقود النووي قد تمتص كل النيوترونات التي تغدي التفاعل التسلسلي في حالة كانت كتلة اليورانيوم-235 أقل من المطلوب. وبالتالي، تمنع المفاعل عن العمل [2].

مكونات المفاعلات النووية

تقوم المفاعلات النووية بتحويل طاقة الانشطار إلى طاقة كهربائية بفضل تركيبته المعقدة والتي تسمح بخروج الطاقة دون أي تسرب للمواد المشعة. وتتضمن هذه المكونات قلب المفاعل الذي يحوي الوقود النووي، وأعمدة التحكم التي تسيطر على التفاعل التسلسلي والمحولات الحرارية التي تعمل على نقل الطاقة إلى خارج قلب المفاعل.

قلب المفاعل

يتركز الوقود النووي في قلب المفاعل النووي. ويتم جمع هذا الوقود على شكل أقراص صغيرة من ثنائي أكسيد اليورانيوم (UO2) يتم ضغطها في أعمدة طويلة. ويتخلل هذه الأعمدة ما يسمى ب «المُبرِّد -Coolant»، وهو سائل يعمل كناقل للحرارة (عادة ما يتم استعمال الماء). بالإضافة إلى « المُثبِّط -Moderator»، الذي يقوم بإبطاء النيوترونات. ويحيط بقلب المفاعل وعاء مضغوط يحفظ المواد المشعة من التسرب خارجه [1].

أعمدة التحكم

تتحكم أعمدة التحكم (أو ذراع التحكم كمافي الشكل) في التفاعل التسلسي. ذاك أنها تحوي مواد تمتص النيوترونات الناتجة عن الانشطار النووي كالكاديوم والبورون. ويتم إدخال الأعمدة في قلب المفاعل أو رفعها حسب الطاقة المراد استخراجها. ففي حال تشغيل المفاعل، تُرفع مجموعة من الأعمدة من القلب، فيضل عدد النيوترونات يتزايد مع كل انشطار حتى تصل الطاقة إلى الحد المرغوب. ويكون المفاعل هنا في حالة «فوق حرجة-Supercritical» (keff >1). أما في الحال الطبيعي، فيكون المفاعل في الحالة «الحرجة-Critical» (keff = 1) حيث يظل عدد النيوترونات ثابتا بمرور الوقت. وفي حال أردنا إيقاف تشغيل المفاعل، نُنزل جميع الأعمدة إلى القلب. فيظل عدد النيوترونات يتناقص إلى أن ينعدم كليًا. ويصير المفاعل في حاالة  «دون حرجة-Subcritical»(keff <1) [1].

محولات حرارية

تقوم المحولات الحرارية بضمان تحويل الطاقة النووية إلى طاقة كهربائية. وتتضمن نظامين للتبريد: نظام التبريد الأساسي الذي يوجد داخل وعاء المفاعل النووي ونظام التبريد الثانوي، حيث يتحول السائل إلى بخار يعمل على تحريك توربين مرتبط بمولد كهربائي (انظر الشكل) [5].

داخل نظام التبريد الرئيسي، يتلامس السائل (الماء) مع الوقود النووي فترتفع درجة حرارته كثيرًا. وحتى لا يتبخر السائل يخضع نظام التبريد لضغط عال، ففي أغلب الأحيان، يكون المبرِّد هو نفسه المثبِّط، وهذا الأخير لا يستطيع إبطاء النيوترونات في الحالة الغازية. وتضمن إحدى المضخات حركة السائل داخل وعاء المفاعل [5].

بالنسبة لنظام التبريد الثانوي، فإنه يقوم باستقبال الحرارة من النظام الرئيسي، فيتحول الماء الذي يُضخ داخله إلى بخار. يقوم هذا الأخير بتحريك توربين مرتبط بمولد كهربائي، ثم يعود إلى الحالة السائلة بفضل مكثف للماء (انظر الشكل) [5].

آلية عمل مفاعل نووي

ختامًا، فإن عمل المفاعلات النووية أعقد من أن يغطيه مقال كهذا. ففيزياء المفاعلات النووية تشكل لوحدها فرعًا من فروع الفيزياء لها علماؤها ومختبراتها. لكننا نحاول قدر الجهد تسليط الضوء على ما يحدث داخل المفاعلات النووية. وفي المقال التالي سنركز على أنواع المفاعلات النووية الموجودة في العالم وكيفية تطورها.

المصادر

[1] Physique des Réacteurs Nucléaires

[2] Principes fondamentaux des réacteurs CANDU
[3] https://www.laradioactivite.com/site/pages/Moderateurs_Neutrons.htm

[4] The Physics of Nuclear Reactors

[5] https://www.irsn.fr

كيف يتم إنتاج المواد المشعة؟

بالإضافة إلى المواد المشعة الطبيعية، نحتاج إلى إنتاج مواد مشعة جديدة، تتأقلم مع طبيعة الاستخدام. فالمواد المشعة المستخدمة في المجال الطبي مثلًا، يجب أن تكون آمنة للمريض، بحيث لا تبقى في جسمه لمدة طويلة. لذلك، بدأنا في اللجوء إلى تقنيات جديدة لصناعتها كالمفاعلات النووية والمسرعات. فكيف تُنتَج المواد المشعة بهذه الوسائل؟

إنتاج المواد المشعة

يتم إنتاج المواد المشعة من خلال مبدإ بسيط يقوم على تعريض نواة مستقرة إلى دفق من الإشعاعات عالية الطاقة لتحفز تفاعلًا نوويا. يؤدي هذا التفاعل إلى تحويل النواة إلى أخرى مشعة -وهو ما يسمى بالتنشيط الإشعاعي- أو إلى ظهور نويات مشعة جديدة نتيجة للانشطار النووي. وتستعمل المُسرعات التنشيط الإشعاعي من أجل إنتاج المواد المشعة. بينما تَستخدِم المفاعلات النووية لذلك الانشطار النووي (في العادة).  

المفاعلات النووية

تُنتِج المفاعلات النووية المواد المشعة كنتيجة للانشطار النووي الذي يخضع له الوقود النووي في قلبها. وتُستخدم المفاعلات النووية كوسط مهيَّئ لتحفيز الانشطار النووي. حيث يبعث مصدر مشع نيوترونا يمتصه الوقود النووي (اليورانيوم أو البلوتونيوم) فينشطر هذا الأخير إلى نويات مشعة جديدة. ينشأ عن الانشطار أيضا نيوترونات ذات طاقة عالية، تدخل بدورها في عملية انشطار جديدة [1].

يمكن أيضا أن تَنتج المواد المشعة في المفاعلات النووية عن طريق «التنشيط النيوتروني -Neutron Activation» . في هذه الحالة، تقصف حزم من النيوترونات الناتجة عن الانشطار النووي النواة الهدف من أجل تحويلها إلى مادة مشعة [1].

المسرعات

تستخدم المسرعات التنشيط الإشعاعي كمحفز لإنتاج المواد المشعة. ولكل نوع معين من المسرعات، نجد نوعًا محددًا من التنشيط. فالمسرعات الدورانية (تتسارع الجسيمات فيه باتباع مسار لولبي حيث يتسارع الجسيم كلما ابتعد عن المركز)، تُنتِج البروتونات التي تنبعث بسرعات عالية لتقصف النواة الهدف، وهو ما يطلق عليه «التنشيط البروتوني-Proton Activation». بينما تًصدر المسرعات الخطية (في هذا النوع تسلك الجسيمات أثناء تسارعها مسارًا مستقيميًا) فوتونات تصدم النواة الهدف من أجل تحفيز التفاعل النووي، ويدعى هذا ب «التنشيط الفوتوني-Photon Activation» [1].

مسرع دوراني

وتختلف كمية المواد المشعة المصَنّعة حسب عدة عوامل نذكر منها: زمن القصف -أي الفترة الزمنية التي تتعرض لها النواة الهدف لحزمة الإشعاعات- وعدد النويات التي تتعرض للقصف، بالإضافة إلى احتمالية نشوء التفاعل بين الإشعاعات والنواة الهدف [2].

وتُستخدم المواد المشعة الناتجة عن التنشيط الإشعاعي أو الانشطار النووي عادة لأغراض طبية، حيث يتم حقن المريض بجرعة من هذه المواد بهدف التشخيص أو العلاج. لكن هذا لا ينفي الاستخدامات الأخرى لها (حتى إن الأمر وصل إلى استخدامها في اغتيالات سياسية) التي ستكون مدار المقالات القادمة.

المصادر

[1]  Nuclear Medicine Physics: A Handbook for Teachers and Students

[2] Handbook of Radiotherapy Physics

ما هي مصادر النشاط الإشعاعي؟

يتلقى الإنسان كل يوم جرعة معينة من النشاط الإشعاعي، والتي تختلف باختلاف المنطقة التي يقطنها وباختلاف نظام الحياة الذي يعيشه. ومنذ اكتشاف النشاط الإشعاعي، لاقت نسبة هذه الجرعة ارتفاعًا بسبب توسع تطبيقاته في كل المجالات. فكان لا بد من تحديد عتبات لا تتجاوزها هذه الجرعة لكل فرد ضمانًا لسلامته. فماهي مصادر النشاط الإشعاعي الذي نتعرض له كل يوم؟

مصادر النشاط الإشعاعي

تنشأ الجرعة الإشعاعية، التي يتعرض لها الأفراد من منشئين: طبيعي واصطناعي.  يضمُّ المصدر الطبيعي ما وُجد في الطبيعة من إشعاعات ومواد مشعة نشأت مع تكون العالم. ويشمل الاصطناعي ما عدا ذلك مما ابتدعه الإنسان لاستخدامه في المجالات الطبية والطاقية وغيرها.

المصادر الطبيعية

تشمل المصادر الطبيعية الإشعاعات الكونية القادمة من الفضاء والمواد المشعة الموجودة في الأرض بالإضافة إلى تلك الكائنة في جسم الإنسان، والتي تسمى أحيانًا مصدرًا داخليًا.

الإشعاعات الكونية

تأتي الإشعاعات الكونية من الفضاء الخارجي الذي يحيط كوكبنا. وتعتبر الشمس المصدر الرئيسي لهذه الإشعاعات الناتجة عن الانفجارات والاحتراقات التي تحدث داخل النجوم. ولحسن حظنا، فإن معظم هذه الإشعاعات لا تصل إلى سطح الأرض بفضل الغلاف الجوي الذي يعمل كدرع واق من هذه الأشعة. حيث يظل عدد الإشعاعات في تناقض أثناء اختراقها المجال الجوي للأرض إلى أن يصل إلى السطح. لهذا، نجد أن الجرعة التي يتعرض لها سكان المناطق المرتفعة أكبر من تلك التي يتعرض لها أولائك الذين يقطنون في أماكن منخفضة. وتُقَدّر الجرعة المتوسطة عند سطح البحر ب mSv0.2 في السنة لكل فرد، بينما تتجاوزها إلى 1mSv في السنة لكل فرد عند 3000 متر من الارتفاع [1] .

وهنا تظهر خطورة تضرر طبقة الأوزون التي شغلت العالم. فتناقص سمك طبقة الأوزن في بعض المناطق، يزيد من الجرعة الإشعاعية التي يتعرض لها السكان هناك. مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات السرطان، خصوصًا بالنسبة إلى من يقتضي عملهم المكوث تحت أشعة الشمس لفترة طويلة [2].

الإشعاعات الأرضية

تحتوي صخور الأرض، بشكل طبيعي، على مواد مشعة –تسمى «المواد المشعة المتكونة طبيعيًا-Naturally Occurring Radioactive Materials (NORM) ». وتعتبر فصيلة اليورانيوم (اليورانيوم والنويات المشعة الناتجة عن انحلاله) من أبرز هذه المواد. وتختلف نسبة هذه النويات حسب نوع الصخور، حيث تكون منخفضة في الحجر الرملي مقارنة بالجرافيت. و نجد هذه المواد المشعة أيضا في مواد البناء التي تستخدم في بناء المنازل. لذلك فهي تشكل نسبة من الجرعة الإشعاعية التي يتعرض لها الفرد على مدار اليوم [1].

الإشعاعات في جسم الإنسان

تنتج الإشعاعات الموجودة في جسم الإنسان عن المواد المشعة –الطبيعية- التي تدخل جسمه سواء عن طريق الابتلاع أو الاستنشاق. وتختلف جرعة هذه الإشعاعات حسب المنطقة التي يقطنها الفرد وحسب النظام الغدائي الذي يتبعه. ويساهم الرادون بالجزء الأكبر في هذه الجرعة، إذ يشكل أكثر من 50 بالمئة من الجرعة الكلية (التي تضم المصادر الطبيعية والاصطناعية). ويزيد خطورته، كونه غازا بدون رائحة أو لون، بالإضافة إلى تكونه من انحلال اليورانيوم والثوريوم اللذان يتركزان في مواد البناء. وللأسف فإن تركيزه يكون مرتفعا في المنازل (خصوصا الأقبية) مقارنة بالهواء الطلق. ويعتبر ثاني مسبب لسرطان الرئة بعد التدخين حسب وكالة حماية البيئة الأمريكية. لذلك، تقوم الجهات المسؤولة عادة بمراقبة تركيزالرادون دوريًا في مختلف المنشآت، للتأكد من عدم تجاوزها العتبات المسموح بها [1].

المصادر الاصطناعية

تشكل جرعة الإشعاع الاصطناعي جزءا لابأس به من الجرعة الكلية للنشاط الإشعاعي. ولا تزال نسبتها في تزايد بسبب التطور التكنولوجي الذي وسّع نطاق استغلال المواد المشعة، خصوصًا في المجال الطبي. ويمكن إجمال المصادر الاصطناعية في التالي:

الأشعة التشخيصية

نقصد بالأشعة التشخيصية الأشعة السينية (أشعة X) التي تستخدم في تشخيص الأمراض. و تفوق نسبة الجرعة الناتجة عنها 90 بالمئة من إجمالي جرعة النشاط الإشعاعي الاصطناعي [1].

الأشعة العلاجية

تستخدم الأشعة العلاجية في علاج مرضى السرطان. وحسب حالة كل مريض، تحدد الجرعة اللازمة لقتل كل الخلايا السرطانية. وتكون الجرعة عالية جدًا مقارنة بالجرعة التي يتلقاها المريض في التشخيص. لكن، نظرًا لقلة الأفراد الذين يتلقون هذا العلاج، تبقى جرعة هذه الإشعاعات أصغر بكثير من تلك المستخدمة في التشخيص [1].

استخدام النظائر المشعة

تستعمل النظائر المشعة (الشكل غير المستقر لعنصر ما) عادة في التشخيص والعلاج. حيث يتم إدخالها إلى الجسم –في حالة التشخيص- من أجل تقفي أثر بعض المواد الكيميائية في الجسم. فتتموضع في الجسم كما تتموضع نظائرها غير المشعة-المراد كشفها. ومن تم يمكن استنتاج تركيز المواد غير المشعة انطلاقًا من نظائرها المشعة. أما في حالة العلاج، فتتموضع النظائر المشعة قرب الخلايا السرطانية من أجل تدميرها [1].

النفايات المشعة

يتسرب جزء يسير من النفايات المشعة الناتجة عن المفاعلات النووية وغيرها إلى الطبيعة. وتساهم بذلك في زيادة الجرعة الإشعاعية التي يتعرض لها الأفراد في السنة. وتبقى نسبتها صغيرة مقارنة بباقي المصادر، نظرًا للجهود الجبارة التي تُبذل لمنع تسرب هذه النفايات [1].

تساقطات الغلاف الجوي

تنتشر الإشعاعات الناتجة عن تجارب الأسلحة النووية والحوادث النووية عبر الغلاف الجوي للأرض. ثم تتسرب بعدها إلى التربة والنباتات والإنسان. وتتساقط هذه الأشعة تدريجيًا من الغلاف الجوي على مدى سنوات. لذلك فإن عواقب أي حادث واسع النطاق تظل تلاحقنا على مدى أجيال، كما هو الحال بالنسبة لتشيرنوبل وفوكوشيما [1].

التعرض المهني للإشعاع

يتعرض العاملون في مجال الصناعة والطب والبحث العلمي إلى جرعة زائدة من النشاط الإشعاعي. ويُعتبر العاملون في المفاعلات النووية والأطباء أكثر المتعرضين للإشعاع. لذلك يتوجب عليهم ارتداء مقياس للجرعات، للتأكد من أن الجرعة التي يتلقونها لا تتخطى العتبة الموصى بها من قبل الجهات المختصة [1].

ختامًا، فإنه رغم تنوع مصادر النشاط الإشعاعي بين ما هو طبيعي واصطناعي، تبقى الجرعة التي نتلقاها كأفراد -في الأعم الغالب- في النطاق الطبيعي الذي لا يهدد سلامة صحتنا. لذلك لا داعي للقلق من هذه الجرعات، فهناك أسباب كثيرة للموت غير النشاط الإشعاعي!

المصادر

[1] An Introduction to Radiation Protection 6E

[2] Physics and Engineering of Radiation Detection

ما هو النشاط الإشعاعي؟ وما هي أنواعه؟ وما هي العوامل التي تحدد درجة خطورته؟

تطلق جميع المواد –بما في ذلك أجسادنا- بضع إشعاعات في كل فترة زمنية معينة بشكل تلقائي. وهذا ما يُعرف بالنشاط الإشعاعي. وما يميز أجسامنا عن الأجسام المصنعة في مفاعل نووي هو درجة هذا النشاط، أي عدد الإشعاعات التي يبعثها في الساعة.وتعتبر أجسادنا مستقرة إشعاعيًا، نظرًا للمقدار الضئيل الذي تبعثه من الإشعاعات. وفي المقابل، تعتبر مادة اليود المشع – التي تستعمل في علاج سرطان الغدة الدرقية- نشطة إشعاعيًا. فكيف تم اكتشاف النشاط الإشعاعي؟ وماهو القانون الذي يحكمه؟ ومتى يجب أن نقلق من وجود هذا النشاط بجوارنا؟

اكتشاف النشاط الإشعاعي

كان اكتشاف النشاط الإشعاعي مصادفة نوعًا ما. حيث اكتشفه العالم الفرنسي «هنري بيكريل-Henri Becquerel» وهو يحاول معرفة مصدر الأشعة السينية. وقد قاده افتراضه أن مصدر هذه الأشعة هو إشعاعات الشمس إلى تعريض أحد أحجار اليورانيوم لأشعة الشمس، على أساس أن الحجر سيطلق بعدها حزمة من الأشعة السينية. نجحت التجربة ولاحظ هنري وجود آثار لإشعاعات منبعثة. وللتأكد أكثر من النتيجة، أعاد التجربة دون أن يُعرض الحجر لأشعة الشمس. فوجد أن الإشعاعات قد انبعثت مرة أخرى. وهذا يعني أن الحجر يبعث إشعاعات من تلقاء نفسه دون الحاجة إلى محفز. وكانت هذه هي ظاهرة النشاط الإشعاعي.

بعدها نجحت «ماري كوري-Marie Curie» وزوجها في عزل بعض المواد المشعة (الراديوم والبولونيوم)، فنال الثلاثة جائزة نوبل في الفيزياء سنة 1903. وللتحقق من طبيعة هذه الأشعة، قام العالم «رذرفورد-Rutherford» بتجربة أخرى. فاكتشف أن هناك ثلاثة أنواع من الأشعة هي: الأشعة α –التي تتميز بشحنتها وبثقلها- والأشعة β  -التي تتميز أيضا بشحنتها لكنها أخف من الأولى- وأخيرًا، أشعة γ -التي لا شحنة ولا كتلة لها [1].

تعريف النشاط الإشعاعي وقانونه

يُعَرف النشاط الإشعاعي على أنه احتمالية أن تبعث نواة ما إشعاعات بشكل تلقائي. ويحكم هذه الظاهرة قانون النشاط الإشعاعي، الذي يتنبأ بعدد الإشعاعات المنبعثة عند كل لحظة انطلاقا من عدد النوى (جمع نواة) المتواجدة عند بداية العملية. بعبارة أخرى، إذا علمنا مقدار النوى التي لدينا في اللحظة الصفر، فإننا نستطيع معرفة عدد النوى المتحللة (التي قامت بإصدار إشعاع) في أية لحظة [1]. ويمكن كتابة القانون كالتالي:

حيث يمثل الجزء الأول من المعادلة dN/dt ، التغير الذي يحصل لعدد النوى مع مرور الوقت. ويمثل N عدد النوى في اللحظة الزمنية t. أما λ فتمثل ثابت الانحلال الذي يميز كل عنصر على حدة. وتُعرَّف λ على أنها احتمالية الانحلال خلال ثانية واحدة. ويمكننا أن نلاحظ أن عدد النوى يتناقص مع الزمن انطلاقا من علامة السالب الموجودة بالمعادلة [1] .

أنواع الانحلال الإشعاعي

للحديث عن أنواع الانحلال الإشعاعي، نُذكِّر أولًا بأن الذرة تتكون من نواة تدور حولها إلكترونات. وأن النواة تتكون بدورها من عدد Z من البروتونات –ذات الشحنة الموجبة- ومن عدد N من النيوترونات –التي لا شحنة لها.

الانحلال α

في هذا الانحلال، تبعث نواة ثقيلة X نواة الهيليوم (الجسيم α) فتتحول إلى نواة جديدة Y حسب التفاعل الآتي:

ويمكن أن نلاحظ من خلال المعادلة أن العدد الإجمالي للنويات A (عدد البروتونات والنوترونات) ينحفظ خلال التفاعل أي أنه لا يتغير. وللذكر فقط، فإن عدد بروتونات النواة Z يجب أن يزيد على 80 حتى يتأتى لهذا التفاعل أن يحدث [1].

الانحلال β

بالنسبة للانحلال β، فإنه يحدث عادة للنوى التي لها فائض من النيوترونات على حساب البروتونات. حيث تنحو النواة في هذه الحالة إلى تحويل النيوترون إلى بروتون باعثة بذلك الجسيم β الذي ما هو إلا إلكترون [1]. وتكون المعادلة على الشكل التالي:

الانحلال +β

على عكس الانحلال β، فإن هذا التفاعل يُحوّل البروتون إلى نيوترون. وبالتالي فإن النواة تكون مثقلة بالبروتونات على حساب النيوترونات في هذه الحالة. وكما يشير الإسم، فإن الإشعاع المنبعث في هذا التفاعل هو +β (البوزيترون وهو الجسيم المضاد للإلكترون) [1]. وتلخص المعادلة التالية التفاعل الذي يحصل:

التقاط إلكترون

يتمثل تفاعل التقاط إلكترون في اقتناص النواة لأحد إلكترونات الذرة، والذي يدخل في تحويل البروتون إلى نيوترون. أي أن التفاعل هنا، على عكس الانحلال+β، يحتاج وسيطًا حتى يتم تحول البروتون إلى نيوترون. وكما هو متوقع، فإن النواة الناتجة عن هذا التفاعل هي نفسها التي قد تنتج عن الانحلال+β. ونتيجة لبقاء ثغرة مكان الإلكترون الذي تم امتصاصه، ينزل أحد إلكترونات المدارات العليا ليشغلها، مطلقًا بذلك إشعاعا يحمل فرق الطاقة بين المدارين [1].

الانحلال γ

على خلاف الأنواع الأولى من التفاعلات، فإن طبيعة النواة في الانحلال γ لا تتغير. لكنها تنتقل من حالة مثارة إلى حالة أكثر استقرارًا. وينبعث إشعاع γ حاملًا معه الطاقة التي فقدتها النواة أثناء التفاعل [1].

التحويل الداخلي

على غرار انحلال γ، لا تتغير طبيعة النواة في «التحويل الداخلي- Internal Conversion». و بدلًا من انبعاث الإشعاع γ، يمتص أحد إلكترونات الذرة هذا الإشعاع ويستغل طاقته للتحرر من الذرة فينطلق بعيدًا عنها. أما بالنسبة للثغرة التي يتركها الإلكترون الهارب، فيملؤها إلكترون من المدارات العليا مع انبعاث إشعاع يحمل فرق الطاقة بينهما كما بات معروفًا لدينا [1].

الإنشطار التلقائي

في ظاهرة الانشطار النووي، تنقسم نواة ثقيلة إلى نواتين أخف وزنًا. ويختص الانشطار التلقائي بكونه يحدث بشكل طبيعي دون الحاجة إلى محفز (كما يحدث في المفاعلات النووية مثلا) [1].

العوامل التي تحدد خطورة النشاط الإشعاعي

ليس كل ما هو مشع خطير بالضرورة. و تتوقف مدى خطورة مادة مشعة على ثلاثة عوامل رئيسية:

النشاط الإشعاعي للمادة

يحدد النشاط الإشعاعي عدد الإشعاعات المنبعثة في الثانية، وبالتالي عدد الإشعاعات التي يمكن أن يتعرض لها الجسم في مدة معينة. وهكذا، فكلما زاد النشاط الإشعاعي لمادة ما، زادت معه كمية الإشعاعات التي قد يتعرض لها الجسم وبالتالي خطورة المادة لمشعة [2].

طاقة الإشعاع المنبعث

تشكل طاقة الإشعاع المنبعث أثناء الانحلال الإشعاعي أهم عامل في تحديد مدى خطورته على الجسم. ذلك أن قدرة الاختراق لدى نوع معين من الإشعاع ترتبط بشكل رئيسي بطاقته. فكلما زادت الطاقة، زادت معها قدرة الإشعاع على اختراق المادة، وبالتالي قدرته على إلحاق الضرر بالخلايا الحية [2].

نوع الإشعاع

يحدد نوع الإشعاع درجة الحماية التي يجب اتخاذها من أجل منع الإشعاعات من الانتشار في محيطنا. وتعتبر أشعة γ الأشد قدرة على الاختراق، حيث تحتاج عدة سنتيمات من الرصاص لإيقافها. تليها أشعة β -التي تحبسها طبقة رقيقة من الألمنيوم. وفي النهاية، تأتي أشعة α، التي يمكن لمجرد ورقة أن توقفها. ورغم هذا، فلا يمكن أن نحكم  بأن الإشعاع α أقل خطورة من الإشعاع  γ بالنسبة لطاقة معينة. لأنه رغم عجزها عن اختراق المادة كما تفعل أشعة γ، فإن أثرها على الخلايا الحية أقوى بآلاف المرات من أشعة γ [2].

في الختام، إن النشاط الإشعاعي ظاهرة طبيعية تحيطنا من كل الجهات ولا مهرب منها. وكل ما يمكن فعله حيالها هو اتخاذ التدابير الاحتياطية للحماية منها، خصوصًا بالنسبة للعاملين في مجالات تعرضهم لجرعات كبيرة من الإشعاع.

المصادر

[1]       The Physics of Nuclear Reactors

[2]      Handbook of Radiotherapy Physics

ليز ميتنر؛ أم القنبلة الذرية

عار علينا أن نعرف الانشطار النووي دون معرفة من صك المصطلح. ليز ميتنر، العالمة العظيمة التي درست الفيزياء النووية والإشعاع النووي، وواحدة من أشهر العلماء في التاريخ. كانت جزءًا من الفريق المُكتشف للانشطار النووي Nuclear Fission، وهي من صاغت المصطلح ذاته. حصلت على جائزة نوبل في الكيمياء وسُميت بأم القنبلة الذرية.

بداياتها العلمية

وُلدت ليز ميتنر في شهر نوفمبر عام 1878 في مدينة فيينا بالنمسا، وكانت الطفلة الثالثة من بين ثمانية أطفال. بسبب القيود النمساوية التي كانت مفروضةً وقتها على تعليم النساء، لم يُسمح لميتنر أن تلتحق بالجامعة كتعليم حكومي، ولكن لحسن الحظ، استطاعت عائلتها أن توفر لها تعليمًا خاصًا انتهت منه عام 1901 لتلتحق بعده بجامعة فيينا. تأسيًا بأستاذها الفيزيائي لودويج بولتزمان، درست ميتنر الفيزياء وركزت أبحاثها على المجال النووي، وبالتحديد الإشعاع النووي، وأصبحت ثاني امرأة تحصل على درجة الدكتوراة من جامعتها عام 1905.

بعد تفوقها، سمح لها الفيزيائي العملاق ماكس بلانك من حضور محاضراته، وهذا ما لم أدهش الجميع؛ فماكس بلانك لم يسمح لأي امرأة بهذا الشرف من قبل! ليس هذا فحسب، بل أصبحت ليز ميتنر مساعدة لماكس بلانك وعملت مع أوتو هان (مكتشف انشطار اليورانيوم) واكتشفا معًا الكثير من النظائر.

ظل العالمان يعملان معًا كشريكين لمدة 30 عامًا. وخلال عملهما على الكثير من الأبحاث، كانا أول من عزل نظير عنصر البروتاكتينيوم 231. أسهم كليهما أيضًا في تفاعلات انحلال بيتا، قبل أن ينضم إليهما الكيميائي القدير “فريتز ستراسمان” ويبهر الثلاثي العالم أجمع بإسهاماتهما، وبالتحديد في كشف آفاقٍ جديدة متعلقة بتفاعلات اليورانيوم المتسلسلة. [1]

صراع من أجل العلم

في عام 1926، بدأت العالمة رحلتها الخاصة مع أبحاثها في الانشطارات النووية، وفي نفس الوقت كانت تعمل كأستاذة بدوام كامل في جامعة برلين. معظم طموحات ليز ميتنر كانت مرتبطة بأبحاثها التي لم تخرج من النطاق النظري، ولكن الآلاف تيقنوا من انتظار جائزة نوبل للعالمة الطموحة.

عندما تولى هتلر مقاليد الحكم، ثبط من أبحاث ليز ميتنر مما تسبب في إحباطها، ولكن ميتنر كانت أكثر حظًا من زملائها الألمان بسبب جنسيتها النمساوية التي حمتها مؤقتًا من تسلط المختل صاحب المئة وسبعة وثلاثين سنتيمتر، ولكن القدر كان له رأي آخر؛ تمكنت ليز من انتزاع حريتها والفرار عن طريق الحدود الهولندية عام 1938.

وصلت ليز إلى السويد وتابعت أبحاثها الدؤوبة في ستوكهولم. عملت في مختبر Manne Siegbahn وبدأت مشاريع جديدة مع العملاق نيلز بور.

ظلت ليز ميتنر تعمل في السويد حتى بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، كان هذا قبل انتقالها للولايات المتحدة الأمريكية لتعطي محاضراتها هناك. [2]

ما استحقته ليز ميتنر

على الرغم من إسهاماتها العلمية الثورية، إلا أن ليز ميتنر تعد تمثيلًا جليًا للعلماء المهضوم حقهم في التاريخ. احتج الكثيرون على عدم حصولها على جائزة نوبل، ولكن يجب ألا ننسى أن أوتو هان لم يكن ليحصل عليها لولا إسهامات ميتنر.

في 1966 حصل الثلاثي، ليز ميتنر، وأتو هان، وفريتز ستراسمان على جائزة إنريكو فيرمي؛ والتي يتم منحها للعلماء الدوليين تكريمًا لهم ولإسهاماتهم في تطوير أو استخدام أو إنتاج الطاقة.

وبسبب قوة إسهاماتها في المجال النووي عمومًا، والإشعاع خصوصًا، يعتبر الجميع عالمتنا الجليلة لهذا اليوم “أكثر عالمة تأثيرًا في القرن العشرين.” لم نكن لنصل إلى هنا في الفيزياء النووية لولاها. الجدير بالذكر أيضًا أن أحد أثقل العناصر في الجدول الدوري، وهو عنصر الماتنريوم 109 سُمي كذلك تيمنًا بليز متنر. [3]

المصادر:

1- Live Science
2- Atomic Heritage foundation
3- Oxford

Exit mobile version