كيف تسهّل المباني الذكية حياة الأفراد؟

هذه المقالة هي الجزء 6 من 18 في سلسلة كيف ستغير المدن الذكية من شكل عالمنا؟

تعتبر المباني من أكبر مستهلكي الطاقة في العالم. نتيجةً لذلك بدأت «المدن الذكية-Smart cities» بتطوير تقنياتٍ جديدة لكي تحول المباني التقليدية إلى مبانٍ ذكية. حيث تسمح المباني الذكية بوجود رقابة أكبر لموارد الطاقة داخل المبنى، وتحسّن نوعية حياة الأفراد في نفس الوقت.

زيادة الطلب على المباني الذكية

تحوّل معظم الدراسات الحديثة المباني التقليدية إلى مبانٍ ذكية، وتستخدم أنظمة تقنية متقدمة لتعزيز الاستخدام الفعّال والاقتصادي للموارد. فتتّصل الأبنية بأجهزة إلكترونية شبكية متطورة وانترنت الأشياء IoT، وتعتمد أيضًا على أجهزة الاستشعار وبرمجيات تحليل البيانات الضخمة. مما يسمح للمقيمين بالتحكم في العديد من الأجهزة الكهربائية عن بعد لتحقيق بيئة معيشية مريحة.[1]

بدأت البحوث في الأوساط الأكاديمية والصناعات الذكية في الآونة الأخيرة بتصميم وتطوير أدوات وأجهزة ذكية مستقلة في المنازل الذكية ابتداءً من الإضاءة الذكية ووصولًا إلى الأثاث الذكي.[2] وتظهر النتائج ازدياد الطلب على سوق البناء الذكي مع زيادة بيع وشحن الأجهزة الذكية في جميع أنحاء العالم.[1]

وتتجلّى أهمية الأبنية الذكية في ضمان بيئة سلسة نظيفة ومريحة مع إمدادات طاقة مجدية ضمن ظروف صعبة مثل أزمة الطاقة وتزايد أعداد السكان.[3] على سبيل المثال؛ يسمح تكييف المبنى الذكي بشراء الطاقة بسعر منخفض ويستخدمها بكفاءة مما يدعم توسّعه في السوق العالمية.

التحكّم الذكي في الطاقة

يطوّر الخبراء أنواعًا مختلفةً من طرق التحكم الذكي في الطاقة من أجل ضمان استهلاك الطاقة بكفاءة دون المساس بصحة السكان وأنشطتهم. وتتناسب تكلفة فواتير الطاقة دائمًا مع كمية الطاقة المستهلكة لهذا السبب يُنصح أصحاب المباني الذكية باستعمال الطاقة بحكمة على أساس الضرورة والأولوية.[4][5] ويساعد التحكم الذكي في الطاقة العميل بتصنيف الأجهزة الكهربائية إلى أجهزة قابلة للتحويل وأجهزة غير قابلة للتحويل. مما يتيح انتقاء أوقات تشغيل الأجهزة الكهربائية على أساس مستوى أولويات استعمالها. ويقصد بالأجهزة القابلة للتحويل تلك الأجهزة التي يمكن تحديد زمن عملها أو تغييره إلى وقت لاحق أو إيقافها في حال وصل استهلاك الطاقة إلى ذروته. بينما يقصد بالأجهزة غير القابلة للتحويل تلك الأجهزة التي لا يمكن تحديد أوقات عملها أو حتى إيقافها.[6][7]

تعتبر غالبية الدراسات جهاز التلفاز والحاسوب ونظام الإضاءة أجهزة غير قابلة للتحويل، لأن الفرد يمكن أن يحتاجهم في أي وقت ولا يعد استهلاكهم الكلي للطاقة كبيرًا بمقارنتهم مع نظام التدفئة والتكييف. إذ تستهلك أنظمة التدفئة والتكييف 50% تقريبًا من إجمالي استهلاك الطاقة في المباني السكنية. على الرغم من ذلك فقد اعتبرتها بعض الدراسات أجهزةً غير قابلة للتحويل وذلك من أجل تحسين الإنتاجية في مكان العمل أو تجنّب المخاطر الصحية المرتبطة بتقليل استخدامها.[6][7] ويبقى اختيار نظام التدفئة والتكييف كجهاز قابل للتحويل أم لا مثيرًا للجدل بين الباحثين ويتباين حسب الدراسة والمكان المدروس.[5]

نظام التدفئة والتكييف والتهوية الذكي

يعد نظام التدفئة والتكييف والتهوية الذكي أحد الإنجازات المتقدمة في المباني الذكية. والذي يهدف إلى توفير الراحة الحرارية للسكان وكذلك شراء الطاقة بسعر منخفض وتجنّب استهلاك الطاقة غير الضروري.[4] وتتوفر اليوم تقنيات ذكية مختلفة تساعد هذا النظام كالمستشعرات وبرنامج كشف الإشغال. ويحدّد كشف الإشغال إذا ما كانت المساحة مشغولةً أم خاليةً. وازداد مؤخرًا الطلب على هذا النظام لأنه يتيح التحكم عن بعد وضبط درجة حرارة ورطوبة الغرف والثلاجة.[6][7]

يعرب الباحثون عن تخوفهم من نظام التدفئة والتكييف والتهوية الذكي والذي أثبت أنه يخفض عمر الجهاز. على سبيل المثال؛ يعتمد هذا النظام على إيقاف وتشغيل الجهاز بشكل متكرر إذا كانت قيم الدرجات غير مستقرة وخاصةً في فترة ما بعد الظهر، مما يؤدي إلى تقليل عمر الجهاز.[4]

التحكم الذكي في الوصول

يعتمد سوق البناء بشكل كبير حتى اليوم على بطاقات الوصول الذكية التقليدية. إذ تستخدم الفنادق ومعظم الأبنية الذكية بطاقات ذكية للدخول إلى المنازل أو الغرف بدلًا من المفاتيح. لكن في الوقت الحالي تركّز العديد من الصناعات على التقنيات القائمة على تطبيقات البلوتوث. والتي توفّر للسكان ميزة التحكم عن بعد للدخول إلى المصاعد الآمنة والأبواب والأبواب الدوارة. وقد تحدث هذه التقنية ثورةً في سوق صناعة الأمن الرقمي، إذ تسمح كذلك بالتخلّص من عبء إدارة وصيانة بطاقات الدخول الأمنية من خلال مراقبة أمن الدخول بواسطة تطبيقات الهواتف. لايزال سوق التحكم الذكي في الوصول يتطوّر إلا أنه يمتلك شعبيةً واسعةً وخاصةً بين المستثمرين الجدد بسبب موثوقيته وتكلفته المعقولة.[6][7]

يعتمد التحكم الذكي في الوصول على مصادقة المستخدم والتحقق من هويته، لكنه لا يوفر الاتصال الأمني من البداية إلى النهاية للوثائق المتعلقة ببيانات المستخدم، والتي يجري بثها بين الأجهزة الذكية الأخرى في المبنى. ولكي نتجنّب المشكلات الأخلاقية التي قد تحدث نحتاج إيجاد حل أمني من البداية إلى النهاية لتحقيق مستوىً كافٍ من الأمن لبيانات اعتماد المستخدم.[6][7]

الأجهزة الترفيهية في المباني الذكية

يقصد بالأجهزة الترفيهية المؤثرات البصرية والصوتية، والتي تلعب دورًا رئيسيًا في السوق الصناعي الحالي. توفّر هذه الأجهزة ميزات ملائمة لاختيار الأغاني أو الأفلام المفضلة تلقائيًا، وتسرع الوصول إلى الأغاني والأفلام الأكثر تشغيلًا. بالإضافة إلى أنها توفر ميزة التحكم عن بعد.[6][7]

تستثمر معظم الشركات في الأجهزة الترفيهية مثل LG وSony وMitsubishi للحفاظ على مكانتهم في السوق. وتتمتع 100 دولة حاليًا بالمزايا الذكية التي تقدمها كل من Apple وSamsung لأجهزة التلفاز وتطبيقاته التي أطلقت عام 2019.[5]

المطبخ الذكي في المباني الذكية

يستخدم المطبخ الذكي أجهزة استشعار مختلفة مصمّمة لتوفير أنشطة مطبخ مناسبة ومريحة. تجهَّز المرافق عادةً بميزات الاتصال اللاسلكي والبلوتوث من أجل توفير الاتصال مع الأجهزة المنزلية الذكية الأخرى مثل الطاولات والكراسي. حيث تركّز الأوساط الأكاديمية على تكامل أنشطة المطبخ الذكي لكي تساعد المقيمين على تنظيم أنشطة المطبخ عن بعد.[5][8]

لعل أول ما يتبادر إلى ذهنك عند التفكير بالمطبخ الذكي هو إعداد الذكاء الاصطناعي لوجبتك المفضلة. حسنًا لا يزال الباحثون يدرسون الموضوع وقد يتحقق يومًا ما. إذ يتميز الجيل الثاني من المطابخ الذكية بالقدرة على التعرف على وجبتك المفضلة ومن ثم تقديمها لك. إذا حدث ذلك سيكون بمثابة ثورة في سوق المنازل الذكية.

الأثاث الذكي

تغيِّر الزيادة في دخل الفرد واقتصاد البلد من نمط حياة المواطنين. ويراقب الأثاث الذكي تصرفات وحياة المقيمين في المباني الذكية. إذ يقوم برصد اللياقة البدنية للقاطنين مثل وقت النوم والتغذية والنظافة الصحية وإجمالي السعرات الحرارية المحروقة. علاوةً على ذلك يستطيع الأثاث الذكي شحن الهاتف وسماعات البلوتوث لاسلكيًا. ويطوّر الباحثون تقنيات تراقب إنتاجية عمل الموظف وكذلك حالة خزانة الملابس، وتنذر في حال حدوث فوضى في المكان.[6][7][8]

يخلق الأثاث الذكي مشكلات إخلاقيةً في تطبيقات المدن الذكية، إذ يشارك الأثاث الذكي معلومات الفرد بين الأجهزة الذكية المنزلية دون وجود آلية مصادقة. ويمكن أن يسبب ذلك انتهاكا في خصوصية السكان، والتي قد تؤدي بدورها إلى تسهيل السرقات أو ارتكاب جريمة عالية المستوى.

المباني الذكية قيد التطوير

لا تزال تقنيات الأبنية الذكية قيد التطوير إلا أن تحسين كفاءة أدائها يحظى باهتمام الخبراء أكثر من مسائل الأمن والخصوصية. فتستخدم معظم التقنيات أجهزة المراقبة القائمة على المستشعرات لتجمع البيانات وتحلّل العمليات المختلفة. فتتضمن معلومات عن حياة السكان وسلوكهم نتيجةً لذلك تحتاج معالجات أمنية أفضل. ويدرس الباحثون في الوقت الحالي كيفية دمج التعلم الآلي مع تقنيات المباني الذكية لتعزيز التعاون بين الأبنية والسكان. فإلى أي مدى ستختلف حياتنا بعد؟ هذا ما سنعلمه في المستقبل.

المصادر

  1. MDPI
  2. MDPI
  3. ResearchGate
  4. Springer
  5. MDPI
  6. ResearchGate
  7. Science direct
  8. IEEE

العمارة الإسلامية في عهد الدولة العباسية (750-1258م)

شهدت الفترة العباسية حقبة مهمة في التاريخ الإسلامي، امتدت من القرن الثامن إلى القرن الثالث عشر الميلادي. وكان العباسيون ثاني سلالة تحكم العالم الإسلامي بعد الأمويين. وقد شهد العالم الإسلامي في هذه الفترة تقدمًا كبيرًا في العلوم والفنون والأدب والعمارة. اشتهر العباسيون برعايتهم للفنون، مما أدى إلى تطوير أسلوب معماري إسلامي فريد [1]. سيستكشف هذا المقال الإنجازات المعمارية التي تمّ إنجازها في عهد الدولة العباسية.

الشكل 1: الدولة العباسية في أقصى امتدادٍ لها

المدن العباسية

مدينة بغداد الدائرية

تم بناء مدينة بغداد الدائرية، والمعروفة أيضًا باسم مدينة السلام ، في 762 من قبل الخليفة العباسي المنصور [1]. واكتمل بناؤها في عام 766م [5]. كانت المدينة الدائرية من روائع العمارة والهندسة الإسلامية ، حيث جمعت بين مبادئ التصميم الإسلامية التقليدية والتقنيات المبتكرة [2].

الشكل 2: رسم تخيّلي يُظهِر مدينة بغداد الدائرية

كانت مدينة بغداد الدائرية ذات قطر يساوي 2 كم تقريباً [5]. محاطة بسور ضخم تتخلله أربع بوابات تواجه الاتجاهات الرئيسية ، مزينة بأنماط هندسية معقدة ونقوش قرآنية [1]. وكانت الشوارع تؤدي من البوابات الأربعة إلى المناطق المركزية بينما تتركز أماكن المعيشة والمحلات التجارية في حلقة بين الجدار الخارجي للمدينة الذي كان محاطًا بخندق عميق وجدار دائري محصن ثانٍ [4].

وكان من أبرز سمات المدينة نظام توزيع المياه، والذي كان ضروريًا لبقاء المدينة في المناخ الجاف لبلاد الرافدين [2]. حيث قام مهندسو المدينة ببناء شبكة واسعة من القنوات لجمع وتوزيع المياه في جميع أنحاء المدينة. كما أنشؤوا نظامًا من الأنفاق الجوفية التي سمحت بالنقل الفعال للمياه من نهر دجلة إلى ينابيع المدينة وحدائقها [3].

مدينة سامرّاء العباسية

تأسست مدينة سامراء عام 836 م على يد الخليفة العباسي المعتصم بالله كمعسكر لحماية الخلافة من التهديد المتزايد لسلالة الطاهريين في الشرق [6]. ومع ذلك ، سرعان ما تطورت لتصبح مدينة رئيسية ، وقد وصل عدد سكانها إلى 600000 نسمة في ذروة ازدهارها [7]. تميّزت المدينة بمخطط شطرنجي ذي شوارع متعامدة، وبأحياء سكنية منظمة حول الأفنية المركزية والمساجد [8]. وتتميز العمارة في مدينة سامراء باستخدامها القرميد والجص ، والتي كانت تستخدم لإنشاء أنماط هندسية تزيينية معقدة. [6]

الشكل 3: صورة جوية لمدينة سامراء تعود لمطلع القرن العشرين ويظهر في مقدمة الصورة جامع سامراء الكبير ومئذنته

جامع سامرّاء الكبير

أحد أشهر الجوامع العباسية، أمر ببنائه الخليفة العباسي المتوكل عند توليه للحكم [9] وبدأ بناءه عام 848 م واكتمل عام 851 م بمساحة 38000 متر مربع تقريباً [1]. بُني المسجد في موقع قصر سابق دُمِّر إبان الحرب الأهلية التي ميزت نهاية عهد الخليفة السابق الواثق [10].

وتقع على المحور الوسطي للجامع وخارج حرمه برج حلزوني يعرف باسم (الملويّة) أو المئذنة الملتوية، بارتفاع 52 متراً، وبقطر 33 متراً عند القاعدة. وتقع على بعد 27 متراً تقريباً من الجدار الشمالي وتتصل بالجامع بواسطة جسر.

تم بناء هذه المئذنة التي تميّز مدينة سامرّاء باستخدام الحجر الرملي، وما يجعلها فريدة من نوعها هو تصميمها الحلزوني المخروطي. ويرتفع البرج الحلزوني على القاعدة المزودة بمنحدر (رامب) يبدأ عند مركز الجهة الجنوبية ويدور حوله بعكس اتجاه عقارب الساعة. وبعد خمس دورات كاملة، يصل المنحدر إلى القمة وينتهي عند الحنية الجنوبية لطابق أسطواني الشكل. ثم يقود درج شديد الانحدار إلى المنصة، بارتفاع 50 متر بالضبط فوق القاعدة. [9]

الشكل 4: جامع سامرّاء الكبير

جامع أبي دُلف

يقع جامع أبي دُلف حوالي 15 كيلومتراً شمال مدينة سامراء في قلب الصحراء، ويحمل مئذنة مشابهة لمئذنة سامراء الملتوية بتصميم حلزوني مشابه [9].

تم بناء المسجد في القرن التاسع وسمي على اسم أبي دُلَف؛ المحارب العربي الذي تم دفنه في باحة المسجد [10]. وهو مستطيل الشكل بأبعادٍ تساوي حوالي 30 × 20 مترًا ، ويتميز بقبة مركزية كبيرة محاطة بقباب أصغر وفناء (صحن) مربع [11]، وعلى الرغم من تشابه مئذنة جامع أبي دُلّف مع مئذنة جامع سامراء الكبير بشكلها الحلزوني، إلا أن مئذنة هذا الجامع ليست نسخة مطابقة لمئذنة جامع سامراء. فمئذنة أبي دلف أصغر حجماً بثلاث دورات فقط يدورها المنحدر حتى يصل إلى القمة مقارنةً بالدورات الخمس التي يدورها مثيله في مئذنة جامع سامراء. [9]

الشكل 5: مئذنة جامع أبي دُلف

مدينة الرّافقة

في عام 772 م، أمر الخليفة العباسي المنصور ببناء مدينة جديدة تسمى الرافقة بالقرب من الرقّة، وقد كلف ابنه وخليفته المهدي (حكم في الفترة الممتدة بين عاميّ 775-785 م) بالإشراف على بنائها. نُفِّذت الإضافات اللاحقة، مثل الجدار الخارجي ، تحت حكم ابن المهدي، هارون الرشيد (حكم في الفترة 170-93 / 786-809). كان المكان بمثابة مدينة حامية على الحدود مع الإمبراطورية البيزنطية لحماية الأراضي العباسية. كما أنها كانت تقع على مفترق طرق مهمة للقوافل عند التقاء نهر الفرات مع نهر الخابور [12].

يحمل مخطط المدينة تشابهاً طفيفاً مع مخطط مدينة بغداد العباسية، لكنه يتخذ شكل حدوة حصان مع وجود ضلع مستقيم في الجانب الغربي من المدينة [13]. ويبلغ قطر سور المدينة المحيط بالرفقة حوالي 1300 م. ويبلغ طول هذا الجدار الضخم 5000 متر تقريبًا ، ويحصر بداخله مساحةً تساوي 1.47 كيلومترًا مربعًا [12].

الشكل 6: مخطط مدينة الرافقة [12]

وكان من أهمّ الإنجازات المعمارية في عهد الدولة العباسية هو ترميم المسجد الأقصى الشريف

ترميم المسجد الأقصى

خضع المسجد الأقصى في القدس لعملية تجديد وإعادة بناء كبيرة، حيث تولى العباسيون، الذين أرادوا تأكيد سلطتهم على المقدسات الإسلامية، مهمة إعادة بناء المسجد. وقد تضمن المشروع توسيع قاعة الصلاة بالمسجد وإضافة معالم معمارية جديدة، مثل مدخل ضخم وقبة. تضمنت إعادة البناء أيضًا عناصر من الطراز المعماري العباسي، مثل استخدام الجص الزخرفي والتصميمات الهندسية المعقدة. لم تكن إعادة بناء المسجد الأقصى خلال الفترة العباسية رمزًا دينيًا وثقافيًا فحسب، بل كانت أيضًا دليلًا على التزام العباسيين بالعمارة الإسلامية ورغبتهم في ترك بصماتهم على العالم الإسلامي [14].

قصر الأُخَيضِر

أحد أروع أمثلة العمارة العبّاسية، تمّ بناؤه خلال منتصف القرن الثامن الميلادي في صحراء العراق حالياً. القصر عبارة عن قلعة مستطيلة الشكل مع أبراج في كل زاوية وفناء مركزي كبير [1] يعدّ بمثابة النقطة المحوريّة للقصر [14] . تم بناء جدران القصر من القرميد المصنوع من الطين المشوي وتمّ تزيينها بتصميمات جصية متقنة وأنماط هندسية، والتي تميز الطراز المعماري العباسي. تضمن تصميم القصر أيضًا العديد من الميزات الوظيفية، مثل نظام المياه المتطور . كان موقع القصر في المنطقة الصحراوية في العراق استراتيجيًا، حيث كان بمثابة محطة طريق للمسافرين والحجاج. اليوم، يقف قصر الأخيضر كدليل على الإنجازات المعمارية للعباسيين وقدرتهم على خلق الانسجام بين الاعتبارات الوظيفية والجمالية في تصميم المباني [1].

مسجد ابن طولون في القاهرة

يعتبر مسجد ابن طولون ثاني أقدم مسجد موجود في مصر. وهو النصب الوحيد المتبقي في مدينة القطائع ، وقد تم إنشاؤه عام 870م في عاصمة الدولة الطولونية في مصر من قبل حاكم مصر أحمد بن طولون. [15] ويعدّ نموذجاً فريداً للعمارة الإسلامية بمئذنته اللولبية المميزة وفنائه الواسع المفتوح. يغطي المجمع مساحة تزيد عن 26000 متر مربع ويحيط به سور مرتفع له ثلاث بوابات [16]. يقع المدخل الرئيسي في الجهة الشرقية للمسجد ويؤدي إلى قاعة الصلاة التي يدعمها أكثر من 200 عمود مرتبة في 17 صفًا. تم تزيين المسجد من الداخل بأنماط هندسية أنيقة ونقوش بالخط العربي ، وهي سمات مشتركة للفن والتصميم الإسلامي [17]. تم تزيين جدران وأعمدة قاعة الصلاة بنقوش وزخارف معقدة تعكس المفهوم الإسلامي للتناسق والتوازن. [15]

تعتبر مئذنة مسجد ابن طولون أبرز معالمه. يرتفع إلى ارتفاع 26 مترًا وهو مبني على شكل حلزوني فريد من نوعه ، مع درج خارجي يؤدي إلى القمة [15]. تعلو المئذنة قبة صغيرة وهلال، ومن الجدير بالذكر أنها المئذنة الوحيدة خارج العراق التي تماثل في التكوين المئئذنتين الملويّتين لجامعي سامرّاء الكبير وأبي دُلَف.

الشكل 7: بطاقة بريدية من عام 1903م تظهر مسجد ابن طولون ومئذنته

مقياس النيل

بني مقياس النيل بأمرٍ من الخليفة العبّاسي المتوكّل في عام 861م [18]، ويقع في جزيرة الروضة في مصر، وبالتحديد في القاهرة على نهر النيل، وقد استُخدِم بشكلٍ عام لقياس مستويات الفيضان من أجل إعداد السدود والقنوات ، وتحديد مستويات الضرائب للإنتاجية الزراعية ، والاحتفال بفيضان النيل ، الذي كان حدثًا مهمًا من العصور الوسطى حتى نهاية القرن التاسع عشر [18] [ 19].

يتكوّن من جزئين أساسيَّين: الأول هو البئر المكون من ثلاثة طوابق وفي محوره العمود الرخامي ، وهو أداة قياس الفيضان. والثاني القنوات التي تتصل بالنيل من خلال ثلاث فتحات يوجد كلٌّ منها في طابق. يقع البئر في حفرة مربعة عميقة محفورة بعمق 13م وعرض 10م على الأقل، ما استلزَم إزالة ما لا يقل عن 1300متر مربّع من التراب والطين الصلب[20].

وتتدفق مياه النيل إلى البئر عن طريق ثلاثة قنوات تصب مياهها في البئر عن طريق ثلاثة “أفواه”. ,هذه الفتحات ذات أقواس مدببة تدعمها أعمدة مزخرفة ذات قواعد كروية. لا تعتبر هذه الأقواس أقدم الأمثلة المعروفة في مصر الإسلامية وحسب، بل وإنها تسبق تلك المستخدمة في العمارة القوطية في أوروبا بثلاثة قرون [21].

الشكل 8: مقطع طولي في مقياس النيل

الأقواس العباسية المدببة

يعتبر القوس المدبب من أبرز سمات العمارة القوطية التي ازدهرت في أوروبا خلال فترة العصور الوسطى. ومع ذلك ، فإن ما هو أقل شهرة هو أن القوس المدبب كان في الواقع تطورًا من العالم الإسلامي.

الشكل 9: الأقواس المدببة في باب بغداد في الرافقة/ الرقّة حاليّاً

شهدت الفترة العباسية العديد من الابتكارات المعمارية ، بما في ذلك القوس المدبب الذي استخدم على نطاق واسع في المباني الإسلامية. من خلال التبادل التجاري والثقافي ، انتشرت العمارة الإسلامية وابتكاراتها إلى أوروبا. لعبت الحروب الصليبية أيضًا دورًا مهمًا في نقل المعرفة المعمارية الإسلامية، بما في ذلك القوس المدبب ، إلى أوروبا، حيث أنه في الحملة الصليبية الأولى عام 1099 وبعد سقوط فلسطين في أيدي الصليبيين، عقد القادة الصليبيون أول اجتماع لهم في قبة الصخرة لتسوية خلافاتهم وترهيب المسلمين المهزومين. لم يتمكن هؤلاء القادة المهتمون بالهندسة المعمارية من ألا يلاحظوا جمال كل من أروقة قبة الصخرة والأقصى المدببة وأعادوها معهم عندما عادوا إلى أوروبا. بمجرد وصوله إلى أوروبا ، تم تكييف القوس المدبب وتطويره بشكل أكبر ، ليصبح سمة مميزة للعمارة القوطية. هذا النقل للمعرفة المعمارية هو شهادة على الترابط بين الثقافات والطرق التي يمكن للأفكار والابتكارات أن تنتشر من خلال التجارة والتبادل [14].

المصادر

  1. Dictionary of Islamic Architecture
  2. short-history.com/round-city-of-baghdad
  3. .themaparchive.com-plan-of-baghdad-city
  4. socks-studio.com/the-round-city-of-baghdad
  5. the birth of Baghdad was a landmark for world civilisation – The Guardian
  6. Samarra – SmartHistory
  7. Samarra – Barakat Trust
  8. Samarra – Archnet
  9. The origins and functions of the spiral minaret at the great mosque of Samarra (Academia.edu)
  10. Minaret of the Abu Dulaf Mosque. Samarra Archaeological City (Iraq) – UNESCO
  11. “Abu Dulaf Mosque.” Academia.edu.
  12.  Museum With No Frontiers – Al-Rafiqa
  13. Archnet – Raqqah
  14. muslimheritage.com – Muslim Architecture Under the Abbasid Patronage
  15. Ibn Tulun Minaret – Museum With No Frontiers
  16. Mosque of Ahmad ibn Tulun – Encyclopaedia Britannica
  17. Mosque of Ibn Tulun – Archnet
  18. Rawda Island Nilometer – Egyptian Monuments
  19. Nilometer – Islamic Architectural Heritage
  20. Rawda Island Nilometer – UNESCO World Heritage Centre
  21. Rawda Island Nilometer – Museum With No Frontiers

سلسلة العمارة الإسلامية: مدينة الرافقة

كان العصر العباسي وقتًا للابتكار الكبير والإنجاز الثقافي في العالم الإسلامي، ولا يزال تأثيره واضحًا في العمارة الإسلامية الحديثة اليوم. وكانت مدينة الرافقة من أهم المدن التي تم بناؤها خلال هذا الوقت، وتقع في موقع مدينة الرقّة الحالية في سوريا. ومن خلال استكشاف تاريخ هذه المدينة العباسية وتصميمها، يمكننا الحصول على معرفة أكبر تجاه الإنجازات المذهلة للعصر العباسي وتأثيرها على العمارة والتصميم.

موقع وسبب بناء مدينة الرافقة

في عام 772 م، أمر الخليفة العباسي المنصور ببناء مدينة جديدة تسمى الرافقة بالقرب من الرقّة، وقد كلف ابنه وخليفته المهدي (حكم في الفترة الممتدة بين عاميّ 775-785 م) بالإشراف على بنائها. نُفِّذت الإضافات اللاحقة، مثل الجدار الخارجي ، تحت حكم ابن المهدي، هارون الرشيد (حكم في الفترة 170-93 / 786-809). كان المكان بمثابة مدينة حامية على الحدود مع الإمبراطورية البيزنطية لحماية الأراضي العباسية. كما أنها كانت تقع على مفترق طرق مهمة للقوافل عند التقاء نهر الفرات مع نهر الخابور [1].

تخطيط المدينة وعناصرها الدفاعية

يحمل مخطط المدينة تشابهاً طفيفاً مع مخطط مدينة بغداد العباسية، لكنه يتخذ شكل حدوة حصان مع وجود ضلع مستقيم في الجانب الغربي من المدينة [2]. ويبلغ قطر سور المدينة المحيط بالرفقة حوالي 1300 م. ويبلغ طول هذا الجدار الضخم 5000 متر تقريبًا ، ويحصر بداخله مساحةً تساوي 1.47 كيلومترًا مربعًا [1].

الشكل 1: مخطط مدينة الرافقة [1]

تمّ تحصينالمدينة بطبقات دفاعية متعددة بما في ذلك خندقٌ بعرض 15.9 متر، وجدارٌ خارجيّ وجدارٌ داخليٌّ ضخم يعتمد على أساسات حجرية. وتمت تقوية الجدار الداخلي، المصنوع من القرميد المصنوع من الطين المجفف وطبقة من القرميد المشوي على كلا الجانبين، بواسطة 132 برجًا دائريًا موزعة على مسافات متساوية تقريبًا على طول الجدار (حوالي 25 م إلى 28 م). يبلغ محيط كل برج من 15 مترًا إلى 16 مترًا، ويصل عمقه إلى 5.35 متر. ومن المحتمل أن هذه الأبراج كانت ترتفع إلى 18 مترًا، وقد يكون برجا الزاوية أعلى من البقية. الجدار الخارجي أقل ارتفاعًا وأقل كتلة من الجدار الداخلي. وهو مصنوع من القرميد المجفف بالشمس وليس له أساس حجري [1].

الشكل 2: سور المدينة كما يظهر في الوقت الحالي

مداخل المدينة وباب بغداد

ان سور المدينة في الأصل يحتوي على ثلاثة مداخل: البوابة الجنوبية الغربية الصغيرة (باب الجنان)؛ البوابة الشمالية الضخمة (باب حرّان) والتي يبلغ عرضها 4 أمتار (لا تزال بقايا أعمدة الأبواب الحديدية موجودة)؛ ويقع في الزاوية الجنوبية الشرقية من سور المدينة، باب بغداد. والذي تمّ بناؤه باستخدام القرميد المشوي الذي تم استخدامه في سور المدينة الخارجي. بافتراض أن واجهة باب بغداد كانت متناظرة، فلا بد أن قياسها 18 م × 14.5 م [1].
تنقسم واجهة باب بغداد بصرياً إلى جزئين: الجزء السفلي الذي يحتوي على ممر قوسيّ الشكل كبير الحجم، بينما الجزء العلوي ، الذي يبلغ ارتفاعه حوالي 4.40 م [1]، يوجد فيه محرابان مزخرفان على جانبي البوابة مع مجموعة من المحاريب الأصغر في الأعلى على طول واجهة الباب. كان هذا الأسلوب من الأساليب الشائعة المستخدمة في القصور الأموية [3].

تشير السمات التزيينية للبوابة، ونقص العناصر الدفاعية، وموقعها في الجدار الخارجي الأضعف، إلى أنه لم يتم تشييدها بسبب مناعتها، ولكن ربما قد تم استخدامها كنموذج استعراضي لحفلات الاستقبال الاحتفالية في المدينة.
تاريخ باب بغداد لا يزال غير واضح. بناءً على العناصر التزيينية المستخدمة فيه، مثل شكل الأقواس المدببة، غير المسجلة قبل القرن العاشر، والتقنيات المستوحاة من الشرق مثل الزخرفة القرميدية، التي تشبه العمارة الإيرانية في القرن الحادي عشر (كما في أبراج خراقان) ، من غير المرجح أن تكون بوابة بغداد أن تكون قد بنيت في وقتٍ أبكر من أوائل القرن العاشر [1].

الشكل 3: ما تبقّى من باب بغداد في الوقت الحالي

قصور المدينة

كان قصر البنات الذي تمّ بناؤه في القرن التاسع مقرًا صيفيًا ترفيهيًا أسسه الخليفة العباسي هارون الرشيد. تتبع بقايا القصر مخططًا معماريًا للمبنى مرتبة حول فناء مركزي كبير به نافورة. ويحتل كل جانب من الفناء إيوان كبير، مما يجعل قصر البنات مثالاً استثنائياً على استخدام المسقط الإيراني ذو الأواوين الأربعة في سوريا. تم بناء القصر من القرميد. [4]
كما تم الكشف عن قصرين عباسيين آخرين في الحفريات الأخيرة خارج أسوار مدينة الرقة القديمة. أحدهما أسسه هارون الرشيد والآخر الخليفة المأمون [4].

مصير مدينة الرافقة العباسية

على الرغم من عظمة المدينة وابتكارها ، لم يتبقَّ سوى القليل من آثار المدينة اليوم، حيث أنه قد تم التخلي عن المدينة في القرن العاشر الميلادي بسبب عدة عوامل سياسية. ومع ذلك ، فإن إرث الرافقة لا يزال حيًا في ابتكارات التخطيط العمراني والتصميم المعماري التي استخدمت بها.

اقرأ أيضاً: مدينة سامرّاء العبّاسية؛ وجوامعها ذات المآذن الملويّة

المصادر

  1.  Museum With No Frontiers – Al-Rafiqa
  2. Archnet – Raqqah
  3. Archnet – The Gate Of Baghdad
  4. Achnet – Qusur Al Raqqa

مشكلات أخلاقية تنغص مستقبل تطبيقات المدن الذكية

هذه المقالة هي الجزء 16 من 18 في سلسلة كيف ستغير المدن الذكية من شكل عالمنا؟

تبذل الجهات الفاعلة في المدن الذكية جهودًا لتحسين جودة حياة السكان، وتقدّم نماذج وحلول مبتكرة باستمرار. لكن لا ترتبط أعداد هذه الحلول ارتباطًا قويًا بالمسائل الأخلاقية المتعلقة بتطبيقات المدن الذكية. فمن أين نشأت المشكلات الأخلاقية في المدن الذكية؟

نشأة المشكلات الأخلاقية في تطبيقات المدن الذكية

تتطوّر «المدن الذكية-smart cities» سريعًا وتتضمّن اليوم أجهزة استشعار وبرمجيات وروبوتات وشبكات وغيرها الكثير. وتعتمد على الذكاء الاصطناعي AI وتطبيق انترنت الأشياء IoT في مختلف مجالاتها. وأدى الاستخدام الواسع لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات ICT إلى توليد البيانات وجمعها بسرعة، فأصبح جمع البيانات جزءًا لا يتجزأ من حياتنا. وتأتي هذه البيانات من مصادر مختلفة، وقد تحمل أحيانًا معلومات حساسةً وسريةً حول المواطنين. [1]

وإذا افترضنا وجود عالم مثالي يعمل كل شيء فيه على النحو الصحيح، فإن جمع واستخدام هذه البيانات لا يشكل تهديدًا لأي شخص. وبالطبع تفوق الفوائد المخاطر إلى حد كبير في هذا السيناريو المثالي. لكن مع الأسف يوجد دائمًا في العالم الواقعي قضايا ومشاكل يتعيّن التصدي لها أثناء التعامل مع هذه البيانات.

توجهات مختلفة

يهتم الباحثون والمطورون بالتقنيات التي يقدمونها وبتقييم مدى صحتها وفائدتها لمستخدميها. بينما يهتم رجال الأعمال بشكل أكبر بما يحقق لهم المزيد من الأرباح. على الطرف الثالث، يرغب السياسيون في جعل حياتهم أسهل باستخدام التقنيات المختلفة لدعم عمليات صنع القرار بشكل أدق. كل ذلك يقودنا بشكل عام إلى هدف موحد يجتمع عليه الكل وهو تحسين خدمة السكان، والذين يهتمون بدورهم بجودة حياتهم واستقرارها. في نهاية المطاف، يظل الطرف الفاعل الرئيسي المعني بالأخلاقيات والمعضلات الأخلاقية في المدن الذكية والمتضرر منها هو “السكان”. ومع ذلك، يتمتع السكان في الحالة الحالية بأقل قدر من السيطرة على من يقوم بجمع البيانات وكيفية استخدامها.

يستطيع الباحثون تقديم وجهة نظر عامة عن المسائل الأخلاقية في المدن الذكية من خلال دراسة المشاريع المطورة أو المشاريع قيد التصميم والبحث. وذلك من أجل تحديد أين وكيف قد تنشأ المشكلات الأخلاقية في المدن الذكية. ولكن كل ذلك لم يعبر إلا عن مشكلة خصوصية البيانات، فهل من نماذج على تلك المشكلات الأخلاقية المزعومة؟

الهند ومعضلتها الأخلاقية في المدن الذكية

بدأ التحالف الوطني الديمقراطي منذ وصوله إلى السلطة في الهند عام 2014 بمبادرة لإنشاء 100مدينة ذكية في جميع أنحاء الهند. وتهدف المبادرة إلى تحسين جودة الحياة والبنية التحتية وتطوير النقل الجماعي والصناعات الذكية في البلاد. وأعيد توجيه الموارد لتحقيق هذه المبادرة، وهو ما أدى إلى نقص في الموارد في مجالات أخرى. ويبدو أن إدخال المدن الذكية في البلد يعمل على النهوض بمدن الطبقة العليا ويتجاهل المدن الفقيرة مثّل معضلة أخلاقية حقيقية. إذ يجري الآن التخلي عن تطوير المدن التي لا تستوفي المعايير المطلوبة. نتيجةً لذلك، يواجه المجتمع الهندي فصلًا أكثر وضوحًا بين الطبقات الاجتماعية مقارنةً بما كان عليه الوضع سابقًا. ويمثّل هذا التقدّم غير المتوازن بين الطبقات في الهند مشكلة أخلاقية في المدن الذكية تنتظر المناقشة الجادة والحلول.[2]

نظام قياس الأداء في أوروبا

ازدادت مبادرات المدن الذكية في أوروبا مع مرور الوقت، وقد ظهرت بشكل مستقل في كل مدينة. بسبب ذلك، احتاجت المدن إلى شكل من أشكال معايير القياس لمعرفة تطبيقات المدن الذكية الناجحة. ويهدف مشروع CITYKeys البحثي إلى إنشاء نظام لقياس أداء للمدن الذكية في أوروبا. ويحتاج النظام إلى قاعدة واسعة من البيانات لإجراء الحسابات، ويتطلّب كذلك وجود ممارسات موحّدة وقياسية لتبادل البيانات ونشرها.

تتمثّل هنا المشكلة الأخلاقية في المدن الذكية في كيفية مشاركة البيانات أو نشرها. ربما تتضمّن هذه البيانات معلومات شخصيةً وخاصةً عن سكان المدينة، بالتالي تتشكل مخاوف مختلفة بشأن ضمان الوصول الأخلاقي للبيانات واستخدامها. علاوةً على ذلك، لابد من بذل جهود تعاونية قوية بين مختلف الجهات، لكي يعمل هذا النظام بنجاح. ويطرح هذا المشروع سؤالًا مهمًا، ألا وهو كيف يمكن لهذه الجهات الوثوق ببعضها البعض؟ [3]

نظام مراقبة المياه في كوريا الجنوبية

صمّمت كوريا الجنوبية نظام إمدادات للمياه في مدينة U-city، ويوفر النظام معلومات آنية عن الخصائص الصحية والتشغيلية للبنية التحتية الرئيسية لإمدادات المياه في المدينة. ويشمل الكثير من أجهزة الاستشعار والبرمجيات المتقدمة والمرتبطة بالعديد من الشركات الخاصة. تجمع الشركات هذه المعلومات وتقدمها إلى موقع مركزي للرصد والتقييم. وعندما يتعطل جهاز استشعار ما يتعيّن على المركز الاتصال بالشركة المالكة ومطالبتهم بإصلاحه. بما يستوجب على الشركة المالكة إغلاق الجهاز أو التفاعل مع أنظمة أخرى قد يقوم بصيانتها موردون آخرون، مما يؤدي إلى تأخير مفرط في الوقت.

لكي ينجح هذا النظام، يتعين على جميع الموردين -سواءً كانوا من القطاع الخاص أو العام- تحديد خطوات قياسية لتشخيص وإصلاح المشاكل التي قد تحدث. وإلا فإنها ستسبّب تأخير في الوقت وهدر الموارد. حتى الآن، لا تحكم هذه الآلية قوانين ولوائح، بل إنها تتعلّق أكثر بالتعاون والاتفاق بين الموردين. وفي حال فرض بعض الموردين قواعدهم الخاصة التي تخدم مصالحهم، فقد تنشأ مشكلات أخلاقية تستعصي على الحل في المدينة الذكية. [4]

التنبؤ بالجرائم

تهدف برمجيات التنبؤ بالجرائم إلى تحديد المخاطر المحتملة للأنشطة الإجرامية أو الأنشطة غير المشروعة داخل المدن. وتعمل عن طريق تجميع البيانات من الهواتف المحمولة والبيانات الجغرافية والديموغرافية. والبيانات الديموغرافية هي البيانات التي تجمع عن السكان وفقًا لسمات معينة، مثل العمر والجنس ومكان الإقامة. وتستخدم هذه البيانات فيما بعد للتنبؤ بمكان النقاط الساخنة، من ثم يمكن للسلطات التوجّه نحوها أو تكثيف مراقبتها.

تصنع هذه البرمجيات العديد من المسائل الأخلاقية في المدن الذكية، مثل التمييز المحتمل بين المناطق، وحماية البيانات وتأمينها. على سبيل المثال؛ ستعمل البرمجيات على نحو أفضل في المناطق التي يتوفّر فيها المزيد من الهواتف المحمولة، والتي عادةً ما تكثر في المناطق الأفضل اقتصاديًا. بالتالي ستؤدي إلى توفير حماية أعلى لهذه المناطق على حساب الأحياء الأفقر التي لا تحتوي على نفس العدد من الهواتف المحمولة. [5] وبذلك، يتفاوت مقدار الأمن المتوفر بين الأغنياء والفقراء، وهو نظام يسهل إلقاء اللوم عليه إذا حدثت أي مشكلة. أليس كذلك؟

الشبكات الذكية في طاقة المدن الذكية

تسمح الشبكات الذكية برصد ومراقبة استخدام الطاقة، وتهدف عمومًا لتحقيق الاستدامة. على الرغم من ذلك، قد يسبب استعمال الشبكات الذكية انتهاكًا لخصوصية المستهلك. خاصةً عندما تكشف المعلومات عن أنواع الأجهزة الكهربائية المستخدمة وعدد مرات الاستخدام. كما قد تكشف كذلك عن الوقت الذي يقضيه المستهلكون خارج المنزل وفترات سفرهم.

قد يسبب أي تسريب أمني لهذه البيانات مخاطر أمنية كبيرة، بالإضافة إلى أنه قد يحقّق مالكو الشبكات الذكية منافع أكبر من الإعلانات المستهدفة أو التسويق المتخصّص. فيمكن بسهولة معرفة أصحاب المنازل ذات استهلاك الطاقة الأعلى بل وتحديد نوع الأجهزة. كما يفتح تكامل الشبكات الذكية مع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ICT إمكانية التعرض لهجمات إلكترونية، والتي يمكن أن تحرم الأفراد أو حتى المدينة بأكملها من الطاقة. [6]

كشف الإشغال

يحدد كشف الإشغال إذا ما كانت المساحة مشغولةً أم خاليةً، ويستهدف عادةً المساحات الخاصة مثل مباني المكاتب. يقدر هذا النوع من رصد الإشغال التحكم في الأنظمة داخل المبنى كأنظمة الإضاءة والتدفئة والتكييف والتهوية. بالتالي يستطيع خفض فواتير الطاقة بشكل كبير، ويقلّل أيضًا من تلوث الهواء الناتج عن عمل الأجهزة المختلفة لساعات أطول. من جهة أخرى، قد يسبب مشكلات متعلقةً بالسلامة في حال استغل لأهداف إجرامية أو هجمات إرهابية، مثل الاستفادة من البرنامج لسرقة مكتب أو مبنىً تجاري. [7]

عد الإشغال

يركز عد الإشغال على العدد الفعلي للأشخاص في المبنى ويعد مفيدًا مثلًا في انتهاكات قوانين السلامة كحرائق المباني. ويتطلب العد استعمال الهواتف المحمولة والكاميرات، لكنه يعتمد أكثر على الكاميرات، إذ لا يمكن ضمان أن يملك الجميع هواتف محمولة. وتُجهّز معظم المباني بأنظمة مراقبة تعمل بأشكال مختلفة. وتتبع بعض النظم عدد الأشخاص عن طريق استخراج السمات التي تصف شكل الجسم. يعني هذا تحديد الأفراد وتصنيفهم وتحديد مواقعهم في أي وقت من الأوقات، وينتهك هذا النوع من المراقبة كل الحقوق المتعلقة بالسرية والكشف عن الهوية، وهو ما يلزم اتخاذ تدابير أمنية دقيقة. فاستغلال تلك الخاصية ضد المدينة قد يحيل حياة أهلها إلى جحيم. [7]

التعرّف على الحدث

يدرس التعرّف على الحدث سلوك وأنشطة الأشخاص المتواجدون داخل الموقع المرصود. ويهدف إلى إنتاج أجهزة تحكّم أكثر ذكاءً وتحديد السلوكيات المرتبطة بالجرائم. يمكن استخدامه في المباني التي تحتوي على حشود كبيرة مثل الساحات الرياضية والمسارح. بغض النظر عن قضايا انتهاك الخصوصية الواضحة الناتجة عن هذا الرصد، قد تكبت هذه التقنية الطبيعة والتفاعلات البشرية بسبب معرفة الشخص بأنه مراقب. فمن المرجح أن يتغيّر سلوكك عندما تكون مراقبًا لتجنب وصمك بالشكوك، كما قد تفعل شيئًا ما عن طريق الخطأ، بما يؤدي إلى إطلاق إنذار داخل النظام. وترتبط هذه القضايا بالمواقف الغريبة الشائعة مثل مغادرة المتجر دون شراء غرض. فعلى الرغم من أنك لم تسرق شيئًا لكنك تشعر بأن الجميع يراقبك أو يشك بك فتضطر للشراء مثلًا.

قد لا تحدّد مثل هذه الأنظمة هوية الأفراد، لكنها تجمع ما يكفي من البيانات التي تستخدم بسهولة للقيام بذلك لاحقًا. يمكن استخدام البيانات لأنشطة غير ضارة مثل الإعلان المستهدف، بينما قد تسبب ضررًا متعمّدًا مثل خلق مواقف خطيرة لبعض الأفراد أو اتهام شخص ما زورًا. [7]

نظام تحديد المواقع GPS

تعتمد العديد من تطبيقات المدن الذكية على قراءة إحداثيات نظام تحديد المواقع GPS. على سبيل المثال؛ تستفيد المدن من الGPS بجمع البيانات من المركبات في مناطق معينة، ثم تتحكّم بالإشارات الضوئية لتجنّب الحوادث والازدحامات المرورية. وفي حالات أخرى تستفيد السلطات منه بتحديد موقع السكان المتضررين من حادث ما لتقديم الدعم اللازم لهم في الطوارئ.

يعد GPS مصدر قلق أخلاقي لأنه يحتاج القليل من الموارد عند مقارنته بتطبيقات أخرى. إضافةً إلى أنه يوفّر بيانات دقيقةً ومخصّصةً للتتبّع. بسبب ذلك، تتّخذ بعض الدول إجراءاتٍ قانونيةً صارمة تجاهه، فتلتزم أمريكا بحجب بيانات الGPS قانونيًا، وأصدرت المحكمة العليا أحكامًا تحظر بها منفذي القانون استخدامه، ما لم يكن لديها سبب جاد للقيام بذلك. ومع ذلك، يشكو العديد من الحقوقيين من أن تعريف “السبب المعقول” يظل غامضًا بما يكفي لتبرير انتهاكات مدنية وحقوقية. [8]

القيادة الذاتية في المدن الذكية

تتقدّم البحوث في مجال القيادة بدون سائق بشكل سريع، وتعمل عليها بعض الشركات مثل Google وUber ومعظم شركات السيارات. وتشير الصحافة ذات الصلة إلى أن حوالي 94% من الحوادث الحالية سببها خطأ بشري. نتيجةً لذلك، قد تصبح السيارات ذاتية القيادة بديلًا مرغوبًا فيه للنقل قريبًا، إلا أنها تثير قلاقل أخلاقية في المدن الذكية. إذ سبق أن صدمت سيارة أوبر ذاتية القيادة امرأة تعبر الشارع في أريزونا. وأشار الرئيس التنفيذي لأوبر في الماضي أن السيارات ذاتية القيادة تتميز بخوارزمية تتعلّم أثناء القيادة. يعني ذلك أن السيارات ذاتية القيادة هي الأكثر خطورةً عند بدء عملها، ولكنها تطور من نفسها حتى تتمكّن الخوارزمية من التعلّم. يطرح الحادث السابق سؤالًا حول ماهية المسؤول عن الحادث، هل هي الشركة المالكة للسيارة أم السائق الاحتياطي في السيارة أم المبرمج الذي صنع برنامج القيادة الذاتية؟ هذا السؤال غير مجاب عليه حاليًا. وفي سيناريو آخر، تتّخذ السيارة ذاتية القيادة قرارًا بالتسبّب في أقل ضرر إذا لم يكن بإمكانها تجنب الأضرار. ولأن الخوارزمية تتعلّم باستمرار فقد تلتقط استجابات متحيّزة تؤثّر سلبًا على قراراتها المستقبلية.[9][10][11]

الطائرات بدون طيار

تستعمل المدن الطائرات بدون طيار للرصد البيئي ومراقبة الأمن المدني ودعم السياحة وخدمات الطوارئ الصحية وإيصال البضائع. إذ تساعد الطائرات بدون طيار في تخفض التكاليف وتدعم السلامة والأمن وتساعد في إدارة الكوارث على نطاق واسع، وبذلك تساهم في خلق مدن ذكية أكثر أمانًا للسكان والزوار.[12][13] على الرغم من ذلك لا يخلو الأمر من الآثار السلبية والمسائل الأخلاقية في المدن الذكية. إذ مثلًا قد تستخدم لأغراض التجسّس على المواطنين والمنظمات.[14]

التركيز على المسائل الأخلاقية في المدن الذكية

تقلب المدن الذكية أسلوب حياتنا رأسًا على عقب، وتجلب معها نتائجَ إيجابيةً وسلبيةً في نفس الوقت، فأضحى التغيير واقعًا لا مفر منه. وباعتبار حياة الفرد منطلق المدن الذكية وغايتها، ينبغي علينا كأفراد مناقشة المسائل الأخلاقية الناتجة عن تطبيقات المدن الذكية. ونسعى لتطبيق سياسات أمنيةً وأحكامًا قانونيةً لكي نقلل من المخاطر قدر الإمكان.

المصادر

  1. ResearchGate
  2. ProQuest
  3. ResearchGate
  4. Semanticsholar
  5. ResearchGate
  6. ACM
  7. ResearchGate
  8. Science direct
  9. USNews
  10. Bloomberg
  11. Bloomberg
  12. IEEE
  13. ResearchGate
  14. Science direct

لماذا تعد المدن الذكية مستودعات للبيانات؟

هذه المقالة هي الجزء 3 من 18 في سلسلة كيف ستغير المدن الذكية من شكل عالمنا؟

تستثمر «المدن الذكية-smart cities» اليوم في التقنيات الذكية والتطبيقات القائمة على البيانات لتعزيز الأداء والكفاءة. إذ تحتاج المدن إلى التقنيات والبيانات والاتصال السريع لتطوير البنية التحتية الحالية. وتتوفر لدى الموجة الجديدة من المدن الذكية بيانات آنيّة تعزّز مشاركة المواطنين في عمليات صنع القرار وتحسّن من نوعية حياتهم.

لماذا تسعى المدن إلى تحقيق الاستدامة ؟

تحتوي المدن على 54% من سكان العالم ومن المتوقع أن يرتفع العدد إلى 66% بحلول عام 2050. [1] وبالإضافة إلى النمو السكاني، لا تزال قدرة المدن على مواجهة الكوارث سواءً الطبيعية أو التي من صنع الإنسان تثير القلق والشكوك لدى الخبراء.[2] إذ تواجه المدن ضغطًا بيئيًا متزايدًا –كتغيُّر المناخ مثلًا- وكذلك نقصًا في البنية التحتية. إلى جانب تزايد طلب السكان على توفير نوعية حياة أفضل لهم.[3][4]

بسبب ذلك تسعى المدن الذكية اليوم إلى تحقيق التنمية الشاملة. ويوجد توجّه عالمي لدمج التكنولوجيا في المدن من أجل تحسين وظائف وأداء المدن الحضرية. وقد ساعد تطوير الشبكة العالمية WWW وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات ICT منذ عام 1990 في خلق فرص للاتصال والمشاركة وتقاسم المعلومات بين المدن على الصعد المحلية والإقليمية والوطنية.[5]

تحوّل المدن إلى مدن ذكية

تحتاج عملية تحوّل المدن إلى مدن ذكية التعاون بين العديد من أصحاب المصالح والجهات الفاعلة. وتحتاج كذلك إلى:

  • وجود الدعم المقدّم من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ICT
  • الاستفادة من البنية التحتية الشبكية لتحسين الكفاءة الاقتصادية والسياسية.[6] وتشير البنية التحتية الشبكية إلى الأجهزة والبرمجيات التي تمكّن الاتصال بالشبكة أو الانترنت والاتصال بين المستخدمين وغيرها من الأمور.
  • يؤكّد باحثون آخرون على أهمية دور رأس المال والتعليم، إذ تبيّن أن أسرع معدلات النمو الحضري تتحقّق في المدن التي تتوافر فيها قوّة عاملة متعلّمة.[7]
  • تحقيق الإندماج الاجتماعي لمختلف السكان في الخدمات العامة.[8]
  • حث المواطنين على استخدام التكنولوجيا والاستفادة منها.

تقدّم البيانات فرصًا في المدن الذكية

تقدّم البيانات الفرص للحكومات والسلطات لتقوم بالتنبؤ والاستجابة والتخطيط لسيناريوهات المستقبل. ويتيح الوصول إلى البيانات والمعلومات في الوقت المناسب توفير خدمات فعّالة وتطوير الإنتاجية مما يؤدي إلى فوائد بيئية واجتماعية واقتصادية. كما تساعد في عمليات صنع القرار وتوفر الفرص لإشراك المجتمع المحلي عن طريق تعزيز الثقافة الرقمية ومحو الأمية الرقمية من خلال دمج تكنولوجيا الانترنت في حياتهم وعملهم. ويمكن تعريف محو الأمية الرقمية على أنها القدرة والمهارة في العثور على المحتوى وتقييمه واستخدامه ومشاركته وإنشائه باستخدام تقانة المعلومات IT والانترنت.[9]

البيانات الآنيّة في المدن الذكية

تعمل المدن اليوم كمستودعات واسعة للمعلومات والبيانات الآنيّة التي يتم جمعها وتنظيمها بشكل منهجي. من ثم يمكن تخزين البيانات ومشاركتها وتطبيقها لتوفير خدمات وتطبيقات جديدة أو تحسين الخدمات الحالية. لذلك يتوجّه الخبراء اليوم للتعامل مع هذه البيانات المجمّعة. نتيجةً لذلك تولّد في المدن الذكية قاعدة بيانات كبيرة يصعب إدارتها واستخدامها.[10] وتصنّف البيانات إلى عدّة أنواع ومنها:

البيانات المفتوحة Open data

تعرف «البيانات المفتوحة-Open data» على أنها البيانات المتاحة للجميع وقد تنشأ من قبل مصادر خاصة أو عامة على حد سواء. وتخزّن بشكل آمن في قواعد البيانات أو على أجهزة إلكترونية. لكن قد تتشكّل في نفس الوقت تحديات عديدة تتعلّق بالتمسّك بأمن البيانات وخصوصيتها.[11]

البيانات الضخمة Big data

تشير «البيانات الضخمة-Big data» إلى مجموعات البيانات الكبيرة أو المعقدة التي لا نستطيع التعامل معها بواسطة البرمجيات التقليدية. وتتسم بالحجم (تولّد التجارة الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي كميات كبيرةً جدًا من البيانات)، والتنوّع (تتّخذ البيانات العديد من الأشكال المختلفة مثل رسائل البريد الإلكتروني والمستندات والصور ومقاطع الفيديو)، والسرعة (تتولّد بيانات جديدة بوتيرة سريعة). [12] وتسمى بعض التطبيقات التي تستخدم مصادر البيانات الضخمة DDDAS، وتكتسب أهمية حيوية في المدن الذكية لأنها تجمع بين العديد من أنظمة البنية التحتية.[13]

البيانات و IoT

توسّع تطبيق انترنت الأشياء IoT في المدن الذكية ليشمل الأبنية الذكية، والتنقل، والطاقة، والبيئة، والاقتصاد والصناعة، والرعاية الصحية. وتضم المدن الذكية المعتمدة على IoT شبكات من أجهزة الاستشعار وتربط الأجهزة الذكية ببعضها وبالانترنت من أجل المراقبة والمعالجة عن بعد. على سبيل المثال؛ تراقب استخدام الطاقة لتحسين إدارة استخدام الكهرباء والإضاءة والتكييف.[14]

يمكن توسيع أجهزة الاستشعار في مواقع مختلفة لجمع وتحليل البيانات وتغذي هذه البيانات تطبيقات الخدمة التي تعتمد على IoT. والتي تؤدي بدورها إلى تحسين المعيشة وتصنع مكانًا أكثر إنتاجيةً للأعمال التجارية.[15]

نقل البيانات في المدن الذكية

تحتاج المدن الذكية لنقل البيانات التي جُمعت بواسطة الأجهزة الذكية وأجهزة الاستشعار، ويمكن لشبكات الاتصال القوية نقل البيانات بسرعة وأمان. ويستخدم عادةً مصطلح النطاق العريض الترددي لنقل البيانات وتقاس سرعته بميغابت في الثانية، وتوفر التطبيقات ذات عرض النطاق الترددي الأعلى اتصالات أسرع. وتعطي المدن الذكية الأولوية لسرعات النطاق الترددي العريض الأعلى -الأسرع- والتي تشكل ضرورة أساسية لدعم الاستعمال المطلوب للبيانات من قبل المواطنين.[16]

بينما يمكن للتطبيقات التي تحتاج إلى سرعات أقل الاستفادة من الشبكات الواسعة ذات الطاقة المنخفضة المعروفة بLPWAN. والتي تسمح بنشر أجهزة استشعار على نطاق واسع وبتكاليف قليلة. تعد LPWAN نوع من أنواع الاتصالات اللاسلكية على شكل شبكة واسعة مصمّمة للسماح بالاتصالات طويلة المدى بمعدل بت منخفض بين الأجسام المتصلة مثل أجهزة الاستشعار التي تعمل بالبطارية.[17]

استخدام البيانات في المدن الذكية

تُدمج البيانات المفتوحة في التطبيقات الذكية، وتعتبر البيانات والاتصال عنصرين أساسيين في تحقيق العمليات السهلة بكفاءة. وكذلك تعد شبكات الجيل الرابع والخامس 4G و5G والربط بLPWAN ذات أهمية حاسمة في هذه العملية.

فيما يتعلق بوظائف المدن، تعمل البيانات الضخمة وIoT على توفير فرص جديدة للابتكار، وتسرّع عملية إطلاق منتجات وخدمات جديدة. وتوفر مصادر جديدة للإيرادات وتقوم بتحويل الأعمال التجارية وفقًا لنماذج العمليات المستقبلية.[18]

يساعد الباحثون وأصحاب المصلحة والمنظمات المحلية المدن الذكية على إدارة التعقيد التقني لجمع البيانات. أيضًا تمويل وتحليل احتياجات التطبيقات التي تجمع البيانات على مستوى المدينة بما في ذلك جودة الهواء والضوضاء والطقس وغيرها. بالطبع بدلًا من جمع البيانات بشكل مستقل، من المفيد تحقيق التعاون بين الإدارات في إطار مبادئ توجيهية شاملة للحصول على رؤى مشتركة.

تحديات وعوائق

يتعين على الجهات الفاعلة مواجهة العديد من التحديات في تشغيل وإدارة البيانات إذ توجد تقنيات معقدة للحصول على البيانات وتخزينها واستخدامها. ومن ضمنها:

  • مشاكل تتعلق بحماية البيانات وأمنها وخصوصيتها، على سبيل المثال؛ ضعف أمن الحاسوب الموجود في تطبيقات الويب، والقرصنة، وتسرّب البيانات، والسرقة.
  • تعد بعض البلدان متقدمةً في مجال إدارة البيانات الضخمة. بالرغم من ذلك تفتقر غالبية الدول إلى القدرة أو المعرفة الكافية بشأن التقنيات والقدرات التحليلية للبيانات. بالتالي تحتاج هذه الدول اعتماد تدابير جادةً لضمان خصوصية وأمن بيانات المواطنين. وبدون هذا الضمان لا يمكن للمواطنين أن يثقوا في نظم الحوكمة، وبذلك يصبح جمع البيانات صعبًا.
  • يقترن استخدام البيانات بتحديات متعلقة بالجوانب القانونية والاجتماعية.
  • عمليات نقل البيانات الضخمة.
  • إدارة الحجم الكبير من البيانات غير المنظمة والتعامل مع النمو المستمر لها. إضافةً إلى ازدياد في عدد أشكال البيانات مثل بيانات وسائل التواصل الاجتماعي والصوت والفيديو وغيرها.
  • توظيف واستبقاء المهنيين المهرة في معالجة البيانات وتحليلها نظرًا لوجود نقص في أعداد الموظفين ذوي الخبرة.[19]

تسعى المدن اليوم لإدخال تدابير أمن البيانات في مرحلة مبكرة من جمع وتخزين واسترداد البيانات. من أجل ردع أي اختراق للبيانات المتعلقة بالبنية التحتية للمدينة. لأن الهجمات الإلكترونية يمكن أن تسبّب ضررًا لعمليات خدمة المدينة، وعواقب ماليةً كبيرةً.[20]

المصادر

  1. UN
  2. abag
  3. Georgia institute of technology
  4. Ideas
  5. UCLG
  6. ResearchGate
  7. Harvard Kennedy school
  8. Southampton
  9. ResearchGate
  10. Anne Galang
  11. Bee smart city
  12. SAGE journals
  13. ResearchGate
  14. ResearchGate
  15. MDPI
  16. Discount Domains
  17. Mckinsey
  18. Semanticsholar
  19. Dataversity
  20. cloud flare

سلسلة العمارة الإسلامية: مسجد ابن طولون في القاهرة

يعد مسجد ابن طولون من أهم وأقدم المساجد في مصر ، ويقع في قلب القاهرة الإسلامية التاريخية. تم بناؤه في القرن التاسع على يد أحمد بن طولون، الحاكم العباسي لمصر، ويشتهر بهندسته المعمارية الفريدة وعناصره الزخرفية وأهميته التاريخية. ستقدم هذه المقالة لمحة عامة عن تاريخ المسجد، وهندسته المعمارية، وأهميته الثقافية.

تاريخ وعمارة مسجد ابن طولون

يعتبر مسجد ابن طولون ثاني أقدم مسجد موجود في مصر. وهو النصب الوحيد المتبقي في مدينة القطائع ، وقد تم إنشاؤه عام 870 م في عاصمة الدولة الطولونية في مصر من قبل حاكم مصر أحمد بن طولون. [3] ويعدّ نموذجاً فريداً للعمارة الإسلامية بمئذنته اللولبية المميزة وفنائه الواسع المفتوح. يغطي المجمع مساحة تزيد عن 26000 متر مربع ويحيط به سور مرتفع له ثلاث بوابات [1]. يقع المدخل الرئيسي في الجهة الشرقية للمسجد ويؤدي إلى قاعة الصلاة التي يدعمها أكثر من 200 عمود مرتبة في 17 صفًا. تم تزيين المسجد من الداخل بأنماط هندسية أنيقة ونقوش بالخط العربي ، وهي سمات مشتركة للفن والتصميم الإسلامي [2]. تم تزيين جدران وأعمدة قاعة الصلاة بنقوش وزخارف معقدة تعكس المفهوم الإسلامي للتناسق والتوازن. [3]

الشكل 1: مسقط الجامع

تتوج الواجهات الخارجية للمبنى بتشكيلات مكونة من أشكال فريدة تعرف باسم ‘العرائس’، والتي تشبه الأشكال البشرية المجردة أو الدمى الورقية. يتخلل النصف العلوي من واجهات المبنى صفٌّ من النوافذ ذات الأقواس المدببة؛ والتي تحاط بأعمدة متراصة تشبه تلك الموجودة في مقياس النيل في جزيرة الروضة في القاهرة. يوجد 19 بابًا مستطيلًا بسيطًا على جدران المسجد، وبعتبر الرواق الشرقي للجامع هو الأكثر زخرفةً ويحتوي على محاريب من العصور الطولونية والفاطمية والمملوكية. ترتكز أقواس الممرات على أرصفة مبنية من الآجر الأحمر ، وفي أركانها أعمدة صغيرة، وهو النمط الذي ظهر من قبل في جامع سامراء الكبير. [3]

مئذنة مسجد ابن طولون

تعتبر مئذنة مسجد ابن طولون أبرز معالمه. يرتفع إلى ارتفاع 26 مترًا وهو مبني على شكل حلزوني فريد من نوعه ، مع درج خارجي يؤدي إلى القمة [3]. تعلو المئذنة قبة صغيرة وهلال، ومن الجدير بالذكر أنها المئذنة الوحيدة خارج العراق التي تماثل في التكوين المئئذنتين الملويّتين لجامعي سامرّاء الكبير وأبي دُلَف.

الشكل 2: مئذنة جامع ابن طولون

فناء المسجد

فناء مسجد ابن طولون هو سمة فريدة أخرى للمسجد، وهو مساحة شاسعة ومفتوحة محاطة برواق مكوّن من أعمدة تعلوها أقواس حدويّة الشكل، كما تم دعم الممرات بأعمدة مصنوعة من أنواع مختلفة من الحجر ، بما في ذلك الرخام والغرانيت، والتي يُرجح أنها مأخوذة من المباني الرومانية والبيزنطية القديمة [2].

الشكل 3: فناء المسجد وتظهر في الصورة قبة الوضوء

الأهمية التاريخية للمسجد

ليس مسجد ابن طولون مكانًا للعبادة فقط؛ ولكنه أيضًا رمز لسلطة وثروة الخلافة العباسية. تم بناء المسجد في فترة ازدهار ثقافي واقتصادي كبير في مصر العباسية، ويعكس تصميمه وبنائه التقنيات المبتكرة والإنجازات الفنية في ذلك الوقت [1]. ما يعدُّ شهادة على الإرث الدائم للحضارة الإسلامية وإسهاماتها في العلوم والتكنولوجيا والثقافة.

المصادر

  1. Mosque of Ahmad ibn Tulun – Encyclopaedia Britannica
  2. Mosque of Ibn Tulun – Archnet
  3. Ibn Tulun Minaret – Museum With No Frontiers

مقياس النيل وجماليات العمارة الإسلامية: الشكل والوظيفة

عُرفت الخلافة العباسية باهتمامها بالعلوم والفنون والعمارة ويعدُّ مقياس النيل أحد أبرز الأمثلة على الإبداع في تلك الفترة. وتم استخدامه لقياس مستوى مياه النيل من أجل التنبؤ بالفيضان السنوي للنهر وتقييم الإنتاج الزراعي للبلاد. سوف نستكشف في هذا المقال تاريخ وأهمية مقياس النيل.

تاريخ وأهمية مقياس النيل

بني مقياس النيل بأمرٍ من الخليفة العبّاسي المتوكّل في عام 861م [1]، ويقع في جزيرة الروضة في مصر، وبالتحديد في القاهرة على نهر النيل، وقد استُخدِم بشكلٍ عام لقياس مستويات الفيضان من أجل إعداد السدود والقنوات ، وتحديد مستويات الضرائب للإنتاجية الزراعية ، والاحتفال بفيضان النيل ، الذي كان حدثًا مهمًا من العصور الوسطى حتى نهاية القرن التاسع عشر [1] [ 3].

الشكل 1: مقياس النيل في جزيرة الروضة

البنية المعمارية لمقياس النيل

إنّ مقياس النيل مبنى موجودٌ تحت الأرض، وهو يتكوّن من جزئين أساسيَّين: الأول هو البئر المكون من ثلاثة طوابق وفي محوره العمود الرخامي ، وهو أداة قياس الفيضان. والثاني القنوات التي تتصل بالنيل من خلال ثلاث فتحات يوجد كلٌّ منها في طابق. يقع البئر في حفرة مربعة عميقة محفورة بعمق 13م وعرض 10م على الأقل، مما استلزَم إزالة ما لا يقل عن 1300متر مربّع من التراب والطين الصلب[2].

وتتدفق مياه النيل إلى البئر عن طريق ثلاثة قنوات تصب مياهها في البئر عن طريق ثلاثة “أفواه”. ,هذه الفتحات ذات أقواس مدببة تدعمها أعمدة مزخرفة ذات قواعد كروية. لا تعتبر هذه الأقواس أقدم الأمثلة المعروفة في مصر الإسلامية وحسب، بل وإنها تسبق تلك المستخدمة في العمارة القوطية في أوروبا بثلاثة قرون [4].

تم بناء المبنى بالكامل من الحجر المقطوع بدقة، وتحيط السلالم القريبة من الجدران بالمساحة الدائرية في الأسفل وحول المربع المكون من مستويين، وفي المحور المركزي يرتفع عمود مثمن من الرخام مقسَّم إلى أذرع، والتي كانت وحدة القياس في زمن بناء هذه المنشأة [2].

وقد نقشت على جدران البئر نصوص قرآنية [1] وأنماط هندسية ونباتية معقدة، وتصوير لعلامات الأبراج السماوية [4]، ويتميز كذلك بوجودِ علاماتٍ على العمود لقياس مستوى الماء، والتي استخدمت لتحديد ارتفاع الفيضان مع ارتفاع المياه في البئر، بالإضافة لوجود سلم حلزوني للنزول إلى الأسفل [1].

الشكل 2: مقطع طولي في مقياس النيل
الشكل 3: البئر وعمود القياس
الشكل 4: الزخارف التي تزيّن مقياس النيل من الداخل

مؤشر للفيضان

كان من المتعارف عليه أن السنة ستكون جيدة إذا تم تسجيل قياس لمستوى الماء على العمود يبلغ 15 ذراع وسيئة إذا سجلت ما بين 12 و 15 ذراع. وعندما كان مستوى الماء يصل إلى رقمٍ بين 10 و 12 ذراع، كان سعر القمح يبلغ عشرة مثاقيل وكَيلاً واحدًا. وعندما كان المستوى يتجاوز 18 ذراعا ، فكانت المتاجر والمحلات والمنازل والحقول تواجه خطر الفيضانات. [2]

أعمال ترميم مختلفة

أجرى أحمد بن طولون (حكم في الفترة الممتدة بين عامي 868-884م) ترميم المقياس عام 873 م ، واستبدل شريطين من النقوش القديمة بأخرى أكثر حداثة على الجانبين الجنوبي والغربي. وقد قام بوضع اسمه في النقش الجديد ، لكنه أبقى على تاريخ البناء الأصلي كما هو [4].

وعلى مر العصور ، خضع المبنى للعديد من الترميمات والتجديدات (الفاطمية والمملوكية والعثمانية)، وتم تجديده في العصر الحديث عام 1925 عندما تم استبدال القبة المملوكية التي تتوج السطح الخارجي للمبنى بسقف مخروطي الشكل مغطى بألواح من الرصاص [4].

إرث ثقافي وحضاري

تقديراً لأهميته الثقافية والتاريخية، تمت إضافة مقياس النيل إلى قائمة الآثار الوطنية في مصر في عام 1951م. كما تم إدراجه في قائمة اليونسكو للتراث العالمي المؤقت في عام 2001 ، والتي تعترف بالمواقع الثقافية والطبيعية التي لديها الإمكانية في أن تُضاف إلى قائمة التراث العالمي. وإن إدراج مقياس النيل في القائمة يسلط الضوء على قيمته الفريدة كدليل على براعة وإبداع الثقافات المصرية والإسلامية القديمة [2].

اقرأ أيضاُ: مدينة سامراء العباسية وجوامعها ذات المآذن الملويّة

المصادر

  1. Rawda Island Nilometer – Egyptian Monuments
  2. Rawda Island Nilometer – UNESCO World Heritage Centre
  3. Nilometer – Islamic Architectural Heritage
  4. Rawda Island Nilometer – Museum With No Frontiers

ما هي صناعات المدن الذكية؟

هذه المقالة هي الجزء 8 من 18 في سلسلة كيف ستغير المدن الذكية من شكل عالمنا؟

توفّر «المدن الذكية-smart cities» المستدامة بيئات اقتصاديةً وثقافيةً واجتماعيةً من أجل تحسين نوعية حياة سكانها. وتسعى إلى توفير آلية تلبي متطلبات الجيل الحالي وجيل المستقبل في نفس الوقت. ولتحقيق ذلك لا بد من دراسة نظم وصناعات المدن الذكية مثل النظم البيئية لصناعة المدن الذكية، والحوكمة، والخدمات الذكية.[1]

مفهوم المدن الذكية

تعد المدينة الذكية مفهوم لمدينة المستقبل التي تطبّق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ICT على الخدمات والبنى التحتية والحوكمة في المناطق الحضرية.[2] وتتضمّن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ICT مجموعةً متنوعةً من الأدوات والموارد التقنية، مثل الحواسيب والانترنت والهواتف والبرمجيات المستخدمة لإنشاء أو نقل أو تخزين أو تبادل المعلومات المختلفة.

ولخّص باحثون المدينة الذكية في 4 أبعاد:

  • تمتلك بنيةً تحتيةً شبكيةً تحقّق التنمية الاجتماعية والثقافية.
  • تركّز على التنمية الحضرية التي تقودها الأعمال التجارية والأنشطة الإبداعية.
  • تدمج السكان ورأس المال في التنمية الحضرية.
  • تحافظ على البيئة الطبيعية كعنصر استراتيجي للمستقبل.[3]

بحسب الدراسة، تتشكّل المدن الذكية عند وجود ترابط وتكامل بين المدن التقليدية العادية وأعمال التصنيع المرتبطة بتقانة المعلومات IT مثل أجهزة الاستشعار، وكذلك الخدمات المعرفية مثل خوارزميات المعارف.[4]

أشار بعض الباحثين إلى الجوانب السلبية للمدينة الذكية ومنها: اتساع التفاوت في التكنولوجيا (الفجوة الرقمية)، والاستعمار الإقليمي في العصر الرقمي. كما تضع المدن الذكية أحيانًا الخطط التي تركّز على مصالح الشركات بدلًا من المواطنين.[5][6]

تطوّر الصناعة عبر الزمن

أنتجت الثورتين الصناعيتين الأولى والثانية المحرّكات البخارية والمحرّكات التي تعمل بالاحتراق الداخلي. وأثّر الابتكار التقني حينها على الإنتاج بالجملة والتحضّر والتكتلات الاقتصادية. بعدها طبّقت الثورة الصناعية الثالثة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ICT على التصنيع، وأدّت كذلك إلى ظهور الواقع الافتراضي.[7][8]

الآن تقود الثورة الصناعية الرابعة الاقتصاد العالمي وذلك بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي AI، وانترنت الأشياء IoT. وتسرّع التقارب بين الأعمال والصناعات وتقانة المعلومات IT بهدف خلق نماذج أعمال جديدة لتكوين مجتمع شديد الترابط.[9]

المدن الذكية والثورة الصناعية الرابعة

توفّر المدن الذكية نموذجًا صناعيًا جديدًا يستند إلى التقارب بين البيئة المبنية وICT. وأثّرت في الآونة الأخيرة بشكل كبير على التغييرات التي طرأت على النظام البيئي الصناعي. فظهرت أشكالًا جديدةً من بيئات المعيشة والعمل مقترنةً بالتكنولوجيا التخريبية أو المعطِّلة والصناعات القائمة على المعرفة. وتعد «التكنولوجيا التخريبية-Disruptive technology» ابتكارًا يغيّر الطريقة التي تعمل بها الصناعات أو الشركات أو المستهلكون، حيث تقوم التقنية المعطِّلة بالتخلّص من الأنظمة أو العادات التي تحل محلّها لأنها تمتلك سماتٍ متفوّقةً ومتطورةً أكثر منها.[9][10]

تركّز المدن الذكية على الاستدامة الحضرية بسبب الثورة الصناعية الرابعة، والتغيُّر المناخي، والركود الاقتصادي. إذ ستواجه الدول التي لم تستجب لاحتياجات الثورة الصناعية الرابعة تحديات في التنمية المستدامة.[11][12]

على سبيل المثال؛ أنشأت كوريا الجنوبية مدنًا ذكيةً تعتمد على ICT لتعزيز القدرة التنافسية الوطنية، وتدعيم سلاسل القيم الصناعية وسلاسل الإنتاج عن طريق الاستفادة من النظم البيئية الصناعية المتطورة. [4]

صناعات المدن الذكية

لا توجد تعريفات وتصنيفات واضحة ومحدّدة لصناعات المدن الذكية، بينما تصنّف بشكل متباين اعتمادًا على أهداف البحث والآراء الذاتية للباحثين. بصفة عامة تصنّف صناعات المدن الذكية إلى صناعة تقانة المعلومات IT (مثل الأدوات الدقيقة كأجهزة الاستشعار، والمعدّات الكهربائية والإلكترونية كالحواسيب)، وخدمات تقانة المعلومات (صناعة الاتصالات والبث الإذاعي)، والخدمات المعرفية (مثل الخوارزميات المتخصّصة وتشمل مجالات مثل التمويل والتأمين، والعقارات والتأجير، والخدمات التقنية والعلمية). [4]

دراسات عديدة على صناعات المدن الذكية

هناك نقص في البحوث المتخصّصة بالنظام البيئي الصناعي المتطور داخل المدن الذكية بالرغم من وجود العديد من الدراسات حول المدن الذكية. وصنّفت إحدى الدراسات الصناعات الذكية إلى 15 صناعة بما في ذلك الحياة الشخصية والمعدات والإدارة العامة والخدمات. واستهدفت تلك الدراسة تحليل تأثير تبنّي نظم بناء المدن الذكية على الاقتصاد الكوري.

حلّل الخبراء تأثير التموّج للمدن الكورية Dongtan وHwaseong على الاقتصاد المحلي بمساعدة جداول المدخلات والمخرجات الوطنية الإقليمية. وصنّفوا صناعات المدن الذكية إلى 13 فئة رئيسية، وتتضمّن الحياة الشخصية (كالخدمات الاجتماعية) والصناعة والاقتصاد (كالمعدات الكهربائية والإلكترونية) والإدارة العامة (الكهرباء والغاز وإمدادات المياه) وغيرها من الصناعات.[13] ويعبر «بتأثير التموّج-Ripple effect»، والمقتبس اسمه من التموّجات التي تحدث عند إسقاط شيء ما في الماء، من الانتشار المركزي من الحالة الأولية إلى الخارج تدريجيًا. ويستخدم المصطلح في عدة سياقات من بينها مضاعف الاقتصاد. في حين حلّل باحثون آخرون كيفية تكامل عمل أجهزة الاستشعار المرتبطة بانترنت الأشياء IoT مع صناعات المدن الذكية.[14]

أهمية صناعات المدن الذكية بين الصناعات

من خلال تحليل البيانات المتعلقة بصناعات المدن الذكية في كوريا الجنوبية ومع مرور الوقت، لاحظ الخبراء انخفاض أعداد الصناعات الأولية والثانوية للزراعة والتعدين والتصنيع التقليدي. في المقابل ازدادت صناعات المدن الذكية. وبيّنت النتائج نموًا هائلًا في تصنيع تقانة المعلومات IT. إذ أظهرت نموًا أعلى بنحو 10 مرات من الصناعات ذات النمو الأدنى، وكذلك أعلى بنحو 2.5 من الصناعة التي تظهر ثاني أعلى نمو.

ويشير عدد المسارات في التحليل إلى تعقيد وترابط النظام البيئي لصناعات المدن الذكية. وبرزت خدمات تقانة المعلومات والخدمات المعرفية في جميع المسارات مما يشير إلى أهميتها كصناعات رئيسية. كذلك تدل على أنها تُنشئ سلاسل قيّمة لصناعات جديدة مستحدثة، وتعمل أيضًا كمسرّعات لتطوير صناعات أخرى.

واقع جديد

لا شك في أن واقعنا يتغيّر عبر الزمن، وعلى المدن مواكبة التطورات والثورة الصناعية الحديثة من أجل تحقيق غاياتها المتمثّلة بتحسين الواقع المعيشي لمواطنيها وتحقيق التنمية الشاملة المستدامة. ولأجل ذلك لا بد من أن تربط بين صناعات المدن الذكية وانترنت الأشياء IoT والذكاء الاصطناعي AI.

المصادر

  1. Semanticscholar
  2. ResearchGate
  3. semanticsholar
  4. Journal of Korea planning association
  5. SAGE journals
  6. MIT technology review
  7. Northwestern university
  8. Edisciplinas
  9. ResearchGate
  10. Semanticsholar
  11. Ideas
  12. MDPI
  13. IEEE
  14. IEEE

مدينة سامراء العباسية؛ وجوامعها ذات المآذن الملويّة

مدينة سامراء القديمة، الواقعة في العراق حاليًا، هي كنز تاريخي وثقافي يمثل شهادة على براعة وإبداع العالم الإسلامي. تأسست مدينة سامراء خلال الخلافة العباسية في القرن التاسع، وسرعان ما أصبحت مركزًا سياسيًا وثقافيًا مهمًا يشتهر بهندسته المعمارية الفريدة وإنجازاته الفنية. وفي هذا المقال، سوف نتعمق في التاريخ الغني والأهمية الثقافية لمدينة سامراء القديمة، واستكشاف عجائبها المعمارية ودراسة تأثيرها على الثقافة الإسلامية.

الشكل 1: صورة جوية لمدينة سامراء ويظهر في مقدمة الصورة جامع سامراء الكبير

إنشاء مدينة سامراء وتطوّرها

تأسست مدينة سامراء عام 836 م على يد الخليفة العباسي المعتصم بالله كمعسكر لحماية الخلافة من التهديد المتزايد لسلالة الطاهريين في الشرق [1]. ومع ذلك ، سرعان ما تطورت لتصبح مدينة رئيسية ، وقد وصل عدد سكانها إلى 600000 نسمة في ذروة ازدهارها [3]. تميّزت المدينة بمخطط شطرنجي ذي شوارع متعامدة، وبأحياء سكنية منظمة حول الأفنية المركزية والمساجد [4]. وتتميز العمارة في مدينة سامراء باستخدامها القرميد والجص ، والتي كانت تستخدم لإنشاء أنماط هندسية تزيينية معقدة. [1]

الشكل 2: صورة جوية لمدينة سامراء

أساليب الزخرفة والتزيين في مدينة سامراء

تشتهر الهندسة المعمارية لمدينة سامراء بزخارفها الغنية من الجص والبلاط والزجاج. الزخارف الجصّية، والتي تمّ إنجازها بخليطٍ من الجص والرمل والماء، وتم استخدامها بكثرة في زخرفة مباني سامراء، وخاصةً القصور والمباني الحكومية. وغالبًا ما تم تشكيل الجص بأنماط هندسية ونباتية معقدة، ثم تم طلاؤها بعد ذلك بألوان زاهية [1]

الشكل 3: زخارف جصية في أحد منازل مدينة سامراء
الشكل 4: مثال عن زخارف جصية نباتية من مدينة سامراء القديمة

كما تميزت مباني سامراء بالبلاط الملون المصنوع من مجموعة متنوعة من المواد مثل الطين والحجر والزجاج ، والتي تم ترتيبها في تصميمات معقدة داخل المباني وخارجها [1].

الشكل 5: قطع من بلاطات ملوّنة

استخدم الزجاج الملون في سامراء على نطاق واسع، والذي تم استخدامه لإنشاء أنماط معقدة ومتعددة الألوان في نوافذ المساجد والمباني الأخرى [1].

الشكل 6: قطع زجاجية

جامع سامرّاء الكبير

أمر ببنائه الخليفة العباسي المتوكل عند توليه للحكم [6] وبدأ بناءه عام 848 م واكتمل عام 851 م بمساحة 38000 متر مربع تقريباً [5]. بُني المسجد في موقع قصر سابق دُمِّر إبان الحرب الأهلية التي ميزت نهاية عهد الخليفة السابق الواثق [7].

وتقع على المحور الوسطي للجامع وخارج حرمه برج حلزوني يعرف باسم (الملويّة) أو المئذنة الملتوية، بارتفاع 52 متراً، وبقطر 33 متراً عند القاعدة. وتقع على بعد 27 متراً تقريباً من الجدار الشمالي وتتصل بالجامع بواسطة جسر.

تم بناء هذه المئذنة التي تميّز مدينة سامرّاء باستخدام الحجر الرملي، وما يجعلها فريدة من نوعها هو تصميمها الحلزوني المخروطي. ويرتفع البرج الحلزوني على القاعدة المزودة بمنحدر (رامب) يبدأ عند مركز الجهة الجنوبية ويدور حوله بعكس اتجاه عقارب الساعة. وبعد خمس دورات كاملة، يصل المنحدر إلى القمة وينتهي عند الحنية الجنوبية لطابق أسطواني الشكل. ثم يقود درج شديد الانحدار إلى المنصة، بارتفاع 50 متر بالضبط فوق القاعدة. [6]

يمكنكم معرفة المزيد حول جامع سامراء الكبير في المقال التالي: جامع سامرّاء الكبير ومئذنته الملويّة.

الشكل 7: مئذنة جامع سامراء الكبير

جامع أبي دُلَف

يقع جامع أبي دُلف حوالي 15 كيلومتراً شمال مدينة سامراء في قلب الصحراء، ويحمل مئذنة مشابهة لمئذنة سامراء الملتوية بتصميم حلزوني مشابه [6].

تم بناء المسجد في القرن التاسع وسمي على اسم أبي دُلَف؛ المحارب العربي الذي تم دفنه في باحة المسجد [7]. وهو مستطيل الشكل بأبعادٍ تساوي حوالي 30 × 20 مترًا ، ويتميز بقبة مركزية كبيرة محاطة بقباب أصغر وفناء (صحن) مربع. تدعم القبة المركزية أربعة مجازات تقسم المساحة الداخلية إلى ثلاثة أقسام متساوية. جدار القبلة ، الذي يواجه مكة ، مصمت ولا يوجد فيه محراب ، وهي سمة غير شائعة في العمارة الإسلامية. الصحن مربع به رواق من ثلاثة عشر قوسًا مدببًا على كل جانب من الجوانب الأربعة. المسجد مبني من الطوب والحجر ويتميز بزخارف وتصميمات معقدة تزين الجدران والسقوف. [8]

على الرغم من تشابه مئذنة جامع أبي دُلّف مع مئذنة جامع سامراء الكبير بشكلها الحلزوني، إلا أن مئذنة هذا الجامع ليست نسخة مطابقة لمئذنة جامع سامراء. فمئذنة أبي دلف أصغر حجماً بثلاث دورات فقط يدورها المنحدر حتى يصل إلى القمة مقارنةً بالدورات الخمس التي يدورها مثيله في مئذنة جامع سامراء. [6]

الشكل 8: مسقط جامع أبي دُلّف
الشكل 9: مئذنة جامع أبي دُلف

أهمية مدينة سامراء بالنسبة للعالم الإسلامي

تنعكس أهمية مدينة سامراء كمركز ثقافي وفكري في العديد من المكتبات والمدارس ومراكز التعلم التي استقطبت العلماء من جميع أنحاء العالم الإسلامي [4]. كانت المدينة موطنًا لعلماء مشهورين مثل الجاحظ والمتنبي ، ولعبت دورًا رئيسيًا في تطوّر الفلسفة الإسلامية وآدابها وعلومها [3].

نهاية مدينة سامراء القديمة

لم يدم مجد مدينة سامراء طويلاً ، حيث نهب المغول المدينة في القرن الثالث عشر الميلادي وبدأت في الانهيار. تم التخلي عن المدينة في وقت لاحق ونسيانها إلى حد كبير حتى أعاد علماء الآثار اكتشافها في القرن العشرين. اليوم ، سامراء معترف بها كموقع ثقافي وتاريخي مهم وهي أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو. على الرغم من أن نهوض المدينة وسقوطها امتد عبر قرون ، إلا أن إرثها لا يزال قائمًا كدليل على التراث الثقافي الغني للعالم الإسلامي.

اقرأ أيضاً: مقياس النيل وجماليات العمارة الإسلامية: الشكل والوظيفة

المصادر

  1. Samarra – SmartHistory
  2. Samarra Archaeological City-  UNESCO World Heritage Centre
  3. Samarra – Barakat Trust
  4. Samarra – Archnet
  5. Dictionary of Islamic Architecture
  6. The origins and functions of the spiral minaret at the great mosque of Samarra (Academia.edu)
  7. Minaret of the Abu Dulaf Mosque. Samarra Archaeological City (Iraq) – UNESCO
  8. “Abu Dulaf Mosque.” Academia.edu.

هل يفتح تطبيق IoT في المدن الذكية آفاقًا جديدةً؟

هذه المقالة هي الجزء 4 من 18 في سلسلة كيف ستغير المدن الذكية من شكل عالمنا؟

تطورت «المدن الذكية-smart cities» ووسعت مجالاتها بشكل كبير في السنوات القليلة الماضية. يهدف تطبيق IoT «انترنت الأشياء-Internet of things» في المدن الذكية إلى مواصلة التقدّم، وتوفير قدرات وخصائص جديدة، مع الحد بشكل كبير من التدخل البشري.[1]

تدعم المدن الذكية استخدام IoT

أشارت التقديرات وفقًا لتقرير قدّمته منصة Statista Research عام 2019 أن العدد الإجمالي للأجهزة المتصلة بIoT في جميع أنحاء العالم سوف يزيد إلى نحو 75 مليار جهاز بحلول عام 2025.[2]

بالتالي تكشف هذه الأرقام أن تطبيق IoT في المدن الذكية سيفتح حدودًا وإمكانياتٍ وتحديات جديدةً لتطوير الخدمات والتطبيقات الذكية. ترتبط أهميتها مباشرةً بتطور المدن الذكية لأنها تمثّل المحركات الرئيسية للإبداع والتنمية المستدامة.[1]

مجالات المدن الذكية التي تعتمد على IoT

قُدّمت العديد من الأوراق البحثية والدراسات التي تتحدث عن المدن الذكية وIoT في السنوات الأخيرة. وتصنَّف عادةً عناصر المدن الذكية التي تدعم IoT إلى 8 مجلات وهي: الحوكمة، والحياة والبنى التحتية، والتنقل والنقل، والاقتصاد، والصناعة والإنتاج، والطاقة، والبيئة، والرعاية الصحية. وقد تتداخل هذه المجالات في عدّة سياقات وتطبيقات.[3]

مجالات المدن الذكية التي تدعم تطبيق IoT

حوكمة ذكية

تعتمد الحوكمة الذكية على IoT لإدارة المدن الذكية من أجل تحسين عملية صنع القرار وتسريع الإجراءات الإدارية. وذلك عن طريق تحقيق تعاون أذكى بين مختلف أصحاب المصلحة والأطراف الفاعلة الاجتماعية.[4] ويعمل IoT على تحويل المعاملات والعمليات التقليدية إلى موارد حكومية ذكية استنادًا إلى مختلف الجهات الفاعلة المشاركة. ويمكن تقسيمها إلى: «من حكومة إلى مواطن-G2C»، و«من حكومة إلى قطاع أعمال-G2B»، و«من حكومة إلى حكومة-G2G».

  • يشير مصطلح G2C إلى مجموعة الحلول البرمجية التي تدعم العلاقات بين الإدارات العامة والمواطنين. مثل بوابات الانترنت، وتطبيقات الهاتف المحمول، ووسائل التواصل الاجتماعي المستخدمة للاتصال والتفاعل بين الحكومات المحلية والمواطنين.[5][6] وتعتمد بطاقات الهوية الإلكترونية بشكل متزايد على تقنيات IoT لأغراض التعرف على الهوية والتوثيق والتوقيع الإلكتروني. وتطلب هذه المعلومات عادةً للوصول إلى الخدمات التي تقدمها الحكومة وللإطلاع على البيانات الشخصية للمواطنين المتعلقة بالخدمات العامّة، مما يسهل التواصل والتفاعل بين السلطات والمواطنين كثيرا.[6]
  • تعتمد المدن الذكية على IoT لكي تعزز العلاقة بين الحكومات وقطاع الأعمال G2B. فتنشر الحكومات المحلية عبر الأدوات الرقمية -كالويب مثلًا- المشاريع والمسابقات، وتسهل كذلك عمليات البيع والشراء، وتقدم خدمات عامّة أخرى من وإلى الشركات الخاصة. مثالًا؛ تستخدِم شركات النقل أجهزة الاستشعار الموقعية لجمع المعلومات ثم تشاركها مع الإدارات لمساعدتها على تخطيط مناطق النقل على نحو أيسر وأكثر كفاءةً.[7]
  • تستغل المدن الذكية IoT لجمع البيانات وتخزينها وتبادلها بين الحكومات G2G، فتحسِّن الاتصالات بين مختلف كيانات ومجموعات الإدارة العامّة. يؤدي ذلك إلى تسريع العمليات التي تتطلب التفاعل بين الجهات الفاعلة.[8]

تجارب عملية للحوكمة الذكية

أطلق اتحاد من البلديات والشركات ومراكز البحوث في أمستردام منصة أمستردام الذكية ASCP عام 2014. وهي عبارة عن مجلس إلكتروني يمكن فيه لأصحاب المصلحة مناقشة القضايا الحضرية واقتراح الحلول وتعزيز الابتكار في المدينة.[9]

نفّذت مدينة ريو دي جانيرو مشروع ريوأغورا الاجتماعي بهدف السماح للمواطنين باقتراح السياسات العامّة ومناقشتها مع سلطات البلدية.[10]

اعتمدت سنغافورة كذلك عدّة مشاريع للحوكمة الذكية من خلال SNDGG، وتتضمّن نظامًا رقميًا لهويات المقيمين في سنغافورة. ويتيح لهم النظام الرقمي إجراء المعاملات بسهولة مع الإدارات، وتبادل المعلومات المختلفة.[11]

يعد مشروع Songdo في كوريا الجنوبية واحدًا من أكثر مشاريع المدن الذكية تقدّمًا في العالم. حيث تُجمع البيانات باستمرار بواسطة شبكة من أجهزة الاستشعار والمعدات، ويجري تبادلها وربطها بالمعلومات الورادة من المؤسسات العامة. مثل؛ مركز معلومات المرور بمدينة إنتشون، وإدارة الأرصاد الجوية الكورية، ومعهد الصحة والبيئة، ووكالة الشرطة، وغيرهم. ويحلل مركز العمليات المتكامل البيانات ويقدمها إلى المواطنين عن طريق البث الإعلامي والخوادم لمساعدة الشعب في العثور على المعلومات اللازمة.[12]

الحياة الذكية والبنى التحتية

يشمل مجال الحياة الذكية جميع المكونات المتصلة بتطوير بنى تحتية أذكى للمدن، كما يتضمن إدارة وتحسين الأنشطة الثقافيّة والسياحيّة والتعليميّة.

يسمح استخدام IoT في المباني الذكية التنفيذ السريع لأنواع عديدة من المرافق. مثل إدارة تكييف الهواء، وتصريف مياه الأمطار، ونظم الأمن لإدارة الدخول الموثق إلى المباني والمراقبة بالفيديو.[13] إضافةً إلى الإنذارات المتعلقة بحوادث مثل الحرائق، وتسريبات الغاز، وأدوات رصد السلامة الهيكلية للمباني.[14] ويوفر دمج IoT مع «نمذجة معلومات المباني-BIM» تمثيلًا عالي الدقة للمنشآت وخصائصها المكانية.[15]

تتصل أنواعٌ عديدة من أجهزة الاستشعار والمشغلات والأجهزة الشخصية من خلال شبكات لاسلكية في البيوت الذكية. وكثيرًا ما تُدعم بواجهات تستند إلى الذكاء الاصطناعي AI ليتعامل معها الأفراد بيسر. فهي تهدف إلى مساعدة المستخدمين في المهام اليومية مثل التحكم بالإضاءة والأدوات المنزلية والمراقبة واستهلاك الطاقة وغيرها الكثير.[16] على سبيل المثال؛ تستخدَم الأجهزة التي تعتمد على المولدات النانوية الكهربائية TENG في النوافذ الذكية، ونظم الإضاءة الداخلية.[17]

يساعد IoT في خدمات الحياة الذكية، فتستفيد الإدارة الذكية للسياحة من تطبيقات الهواتف المحمولة، ومن الخدمات المرتبطة ب GIS وGPS، ومن الواقع الافتراضي، ومن وسائل التواصل الاجتماعي لكي تقدم تجربةً أفضل للسياح.[18] وذلك عن طريق تعزيز التجربة السياحية والقدرة التنافسية للوجهات السياحية وتحسين الاستدامة، وذلك بسبب تتبع تدفقات المستخدمين وسلوكياتهم.[19]

وَرَّدَت الصين 840 مليون قطعة من المنتجات المنزلية الذكية عام 2019.[20] ونَفّذت لوس أنجلوس استراتيجيات ذكيةً في السياحة، فاستطاعت قياس حركة المرور السياحية بواسطة أجهزة استشعار مدمجة في الأرصفة، واستخدمت هذه المعلومات لضيط الأضواء لزائري المواقع السياحية.[21]

النقل والتنقل الذكي

ينطوي مفهوم النقل والتنقل الذكي على التحول من نظم النقل التقليدية إلى النقل كخدمة MaaS. إذ تربط بنية تحتية ذكية جهات فاعلةً مختلفةً (مواطنون، وإدارات عامة، وشركات خاصة) وكيانات مختلفةً (مركبات، وأجهزة شخصية، وأجهزة استشعار).[22] وتستفيد المدن الذكية من IoT بتوفير خدمات وتطبيقات النقل. على سبيل المثال؛ توفير المواقف الذكية للسيارات، وتقاسم المركبات، والقيادة الموصولة، والتنقل المستدام. وغالبًا ما تعتمد حلول المرور الذكية على تطبيق النماذج التنبؤية للإنذارات المبكرة وذلك لمنع الحوادث وإدارة الازدحام المروري في الوقت المناسب.[23]

وضعت أتلانتا إشارات المرور التكيفية التي تتكيّف مع ظروف المرور في الوقت المناسب في الممر الذكي للجادة الشمالية وهو طريق حرج عادةً.[10]

يسمح نظام النقل العام في لندن باستعمال بطاقات إلكترونية ذكية لدفع وشراء التذاكر الإلكترونية للنقل. يؤدي ذلك إلى تقليل طوابير الانتظار وتسمح بتتبع تحركات المستخدمين في نفس الوقت.[24]

وقد عززت بلباو استدامة التنقل المحلي بنشر شبكة من الدراجات تضم 40 نقطة استقبال، وحافلات إلكترونيةً. ودعمتها بتطبيقات على الهاتف تبلغ عن مواقف السيارات المتاحة وحركة المرور، وأخرى تبلغ عن مواقف الحافلات وجدولها الزمني.[25]

اقتصاد ذكي

يستند الاقتصاد الذكي إلى الترابط المبتكر بين الأسواق المحلية والعالمية من خلال «تكنولوجيا المعلومات والاتصالات-ICT». ويتيح القيام بأعمال وخدمات التجارة الإلكترونية وذلك بهدف زيادة الإنتاجية والتسليم.[26] علاوةً على ذلك، يدرج مفهوم اقتصاد المشاركة أو الاقتصاد التعاوني وهو نظام مستدام يشارك فيه الأفراد أو الشركات بإنتاج واستهلاك وتوزيع السلع والخدمات.[27]

طُبّقت تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي من أجل بناء نماذجَ تنبؤيةٍ بهدف تطوير نظم التوصية للتجارة الإلكترونية والتسوق بالتجزئة.[28] ويجعل استخدام الهواتف المحمولة في مدينة شنجن الصينية النقود والبطاقات المصرفية قديمةً إلى حد ما.[29]

الصناعة الذكية والإنتاج

يخلق استخدام IoT في مجال الصناعة الذكية والصناعة4.0 بيئةً إنتاجيةً ابتكاريةً تكون أقل اعتمادًا على الإنسان. ويمكن تتبع أتمتة سلاسل توريد السلع بسهولة من عملية التصنيع إلى التوزيع النهائي. كذلك يمكن جمع وتحليل المعلومات الآتية لتتبع الشحنات وتقييم نوعية المنتجات وقابليتها للاستخدام.[30]

بصفة عامة يشمل مجال الصناعة الذكية جميع التطبيقات التي تؤدي فيها IoT وICT إلى أتمتة تدفق العمل المنتج. نتيجةً لذلك تشمل أيضًا تطبيقات الزراعة الذكية.[31] تستفاد الزراعة الذكية من حلول الذكاء الاصطناعي في IoT لمراقبة المحاصيل والكشف عن الأمراض وإدارة إمدادات المحاصيل استنادًا إلى البيانات المتوفرة.[32] ويشمل المجمّع الصناعي في شنجن سلسلة المصانع الذكية التي تتقاسم التقنيات وتقدّم خدماتًا تتسم بالكفاءة.[10]

الطاقة الذكية

يضم مجال الطاقة الذكية الإدماج الذكي لمصادر الطاقة اللامركزية المتجددة ومصادر الطاقة المتجددة وتوزيعها بكفاءة. وتهدف إلى تحقيق الاستخدام الأمثل للطاقة.[33] تستفيد الشبكات الذكية من IoT وICT لتحسين إدارة توليد الطاقة وتوزيعها وكثيرًا ما تكفل المعالجة الذاتية لإمدادات شبكة الطاقة.[34] وتوازن الشبكات الذكية حمل الطاقة على أساس الاستعمال والتوافر. نتيجةً لذلك يمكن التحول تلقائيًا إلى مصادر طاقة بديلة عند الحاجة. وتتنبّأ كذلك بالطلب المستقبلي على الطاقة، وتُقدّر كمية الطاقة المتاحة وسعرها.[30]

تساعد الشبكات الذكية في هلسنكي على خفض استهلاك الطاقة بنسبة 15%. [35] ويسعى مشروع مدينة مصدر الإماراتية إلى أن يكون أحد الأنظمة الصديقة للبيئة الأكثر كفاءةً، من خلال استغلال تقنيات الطاقة المتجددة. إذ وضعت المدينة مجموعة للطاقة الشمسية بسعة أكثر من 10 ميغاواط، وألواحًا على الأسطح بسعة 1 ميغاواط، بالإضافة إلى مساعدة طاقة الرياح. يستطيع المشروع أن يوفر طاقةً لمستهلكين يبلغ عددهم 40 ألف مواطن.[36]

بيئة ذكية

يضم مجال البيئة الذكية جمع البيانات البيئية ورصدها وتحليلها للحد من التلوث، ورصد نوعية المياه وإمداداتها، وإدارة الأحوال الجوية والمناخية. ويعد رصد نوعية الهواء عاملًا حاسمًا في تتبع مستويات ملوثات الهواء والتي تشكّل مسألةً خطيرةً بالنسبة لصحة الإنسان. [20][33]

ركّبت ستوكهولم صناديق نفايات ذكيةً تعمل بالطاقة الشمسية وتبلغ تلقائيًا عن امتلائها بالكامل وتقوم أيضًا بضغط النفايات، فلا تحتاج إلى تفريغ كثير كغيرها من الحاويات العادية.[27]

واعتمدت 6 مدن أوروبية في إيطاليا وإسبانيا على منصة snap4city لرصد نوعية الهواء في المناطق الحضرية. وتوفر تنبؤات بنوعية الهواء باستخدام نماذج المحاكاة.[37]

رعاية صحية ذكية

طبِقت تقنيات IoT في مجال الرعاية الصحية على نطاق واسع في المدن الذكية، وتوسعت لتشمل مراقبة المرضى عن بعد واختراع أدوية وحبوب رقمية وغيرها الكثير. ويعد مستشفى Hefei واحدا من أوائل المستشفيات الذكية في الصين. إذ تدار جميع احتياجات المرضى عن طريق تقنيات IoT المتنوعة، ويوفر المستشفى أيضًا خدمات البناء الذكية وإدارة الطاقة المستدامة.[38]

سعى البشر منذ بدايات تشكل الحضارات إلى تطوير مدنهم وسبل العيش فيها بمختلف الوسائل. ونحن بدورنا نقف اليوم أمام نقطة تحول جذرية ستغير رؤيتنا وتعريفنا للمدن. فإلى أي مدى سوف تتغير حياتنا بسبب دخول IoT في الخدمات والتطبيقات؟ هذا ما سيكشفه لنا الزمن.

المصادر

  1. science direct
  2. ResearchGate
  3. ResearchGate
  4. ResearchGate
  5. ResearchGate
  6. readcube
  7. MDPI
  8. semanticscholar
  9. semanticscholar
  10. MDPI
  11. semanticscholar
  12. webology
  13. ResearchGate
  14. ResearchGate
  15. Science direct
  16. ResearchGate
  17. Science direct
  18. MDPI
  19. ResearchGate
  20. IEEE
  21. ResearchGate
  22. MDPI
  23. MDPI
  24. science direct
  25. ResearchGate
  26. ResearchGate
  27. Dokumen PUB
  28. semanticsholar
  29. ResearchGate
  30. ResearchGate
  31. MDPI
  32. MDPI
  33. MDPI
  34. IEEE
  35. IEEE
  36. ResearchGate
  37. IEEE
  38. wsp

مدينة السلام؛ مدينة بغداد الدائرية

تتمتع بغداد ، عاصمة العراق ، بتاريخ ثري وتراث ثقافي عريق. ومن بين أكثر المدن الإسلامية القديمة شهرة هي مدينة بغداد الدائرية، والمعروفة أيضًا باسم مدينة السلام. بنيت في عهد الخلافة العباسية في القرن الثامن الميلادي ، وتعتبر من روائع العمارة الإسلامية. يستكشف هذا المقال تاريخ وتصميم وإرث مدينة بغداد المستديرة.

تاريخ مدينة بغداد الدائرية

تم بناء مدينة بغداد الدائرية، والمعروفة أيضًا باسم مدينة السلام ، في 762 من قبل الخليفة العباسي المنصور [1]. واكتمل بناؤها في عام 766م [7]. كانت المدينة الدائرية من روائع العمارة والهندسة الإسلامية ، حيث جمعت بين مبادئ التصميم الإسلامية التقليدية والتقنيات المبتكرة [5].

جعل الخليفة المنصور العمال يرسمون مخطط مدينته المستديرة على الأرض باستخدام الرماد تحت إشراف صارم. كانت الدائرة المثالية مستوحاة من التعاليم الهندسية لإقليدس ، التي درسها الخليفة وأعجب بها. ثم سار خلال هذا المسقط على مستوى الأرض ، وأشار إلى موافقته وأمر بوضع كرات قطنية منقوعة في النفثا (البترول السائل) على طول الحدود الخارجية وإشعال النار فيها لتحديد موضع الجدران الخارجية [7].

بناء مدينة بغداد الدائرية

ذُكِرَ أنّ القوة العاملة كانت ذات حجم هائل، حيث تم توظيف الآلاف من المهندسين والخبراء القانونيين والمساحين والنجارين والحدادين والحفارين والعمال من جميع أنحاء الدولة العباسية. أولاً، قاموا بمسح وقياس وحفر الأساسات. بعد ذلك ، قاموا ببناء أسوار المدينة الشبيهة بالقلعة باستخدام القرميد المشوي الذي كان دائمًا مادة البناء الرئيسية في سهول بلاد ما بين النهرين المغمورة بالنهر في غياب المقالع الحجرية ، وقُدِّر أن 100000 عاملٍ قد شارك بعمليّة البناء [7].

تصميم وتخطيط مدينة بغداد الدائرية

الشكل 1: رسم يوضح مدينة بغداد الدائرية مظهراً قصر الخليفة والقصور المحيطة به في المركز والشوارع المحيطة وأسماء البوابات الأربع

كانت مدينة بغداد الدائرية ذات قطر يساوي 2 كم تقريباً [7]. محاطة بسور ضخم تتخلله أربع بوابات تواجه الاتجاهات الرئيسية ، مزينة بأنماط هندسية معقدة ونقوش قرآنية [1]. وكانت الشوارع تؤدي من البوابات الأربعة إلى المناطق المركزية بينما تتركز أماكن المعيشة والمحلات التجارية في حلقة بين الجدار الخارجي للمدينة الذي كان محاطًا بخندق عميق وجدار دائري محصن ثانٍ [6].

فتحت بوابة الكوفة إلى الجنوب الغربي وبوابة البصرة إلى الجنوب الشرقي على قناة سارات – وهي جزء رئيسي من شبكة الممرات المائية التي جلبت مياه نهر الفرات إلى نهر دجلة وجعلت هذا الموقع جذابًا للغاية. بوابة الشام (السورية) إلى الشمال الغربي تؤدي إلى الطريق الرئيسي المؤدي إلى الأنبار ، وعبر الصحراء إلى سوريا. وإلى الشمال الشرقي بوابة خراسان التي تقع بالقرب من نهر دجلة.

وكانت الطرق الأربعة المستقيمة التي تمتد باتجاه وسط المدينة من البوابات الخارجية محاطة على جانبيها أروقة مقببة تحتوي على متاجر وأسواق للتجار. كانت الشوارع الأصغر تسير خارج هذه الشرايين الأربعة الرئيسية ، مما يتيح الوصول إلى سلسلة من الساحات والمنازل ؛ استجابت المساحة المحدودة بين الجدار الرئيسي والجدار الداخلي لرغبة المنصور في الحفاظ على قلب المدينة كمنطقة محميّة مخصصة للخليفة [7].

مركز المدينة

تم تخصيص الهوامش الخارجية لقصور أبناء الخليفة ، ومنازل الموظفين والخدم الملكيين ، ومطابخ الخليفة ، وثكنات حرس الخيول ومكاتب الدولة الأخرى. كان المركز نفسه فارغًا باستثناء أرقى مبنيين في المدينة: المسجد الكبير وقصر الخليفة الذي كان يسمى قصر البوابة الذهبية [7]. كما كانت المدينة أيضًا موطنًا لبيت الحكمة، وهو مركز للتعلم والبحث في العالم الإسلامي [2].

نظام الري المبتكر لمدينة بغداد الدائرية

من أبرز سمات المدينة نظام توزيع المياه ، والذي كان ضروريًا لبقاء المدينة في المناخ الجاف لبلاد الرافدين [5]. حيث قام مهندسو المدينة ببناء شبكة واسعة من القنوات لجمع وتوزيع المياه في جميع أنحاء المدينة. كما أنشؤوا نظامًا من الأنفاق الجوفية التي سمحت بالنقل الفعال للمياه من نهر دجلة إلى ينابيع المدينة وحدائقها [2].

الشكل 2: موقع مدينة بغداد الدائرية على نهر دجلة وشبكة القنوات المائية التي كانت ترويها

موقع استراتيجي

كانت مدينة بغداد الدائرية تقع على موقع استراتيجي على طريق الحرير ، وهي شبكة من الطرق التجارية التي تربط الصين بالبحر الأبيض المتوسط. ونتيجة لذلك ، أصبحت بغداد مركزًا للتجارة الدولية ، وامتلأت أسواقها بالسلع من جميع أنحاء العالم [4].

نهاية مدينة بغداد الدائرية

تم تدمير مدينة بغداد المستديرة أثناء الغزو المغولي عام 1258 ولم تعد قائمة [4]. وتم هدم آخر آثار مدينة المنصور المستديرة في أوائل سبعينيات القرن التاسع عشر عندما قام مدحت باشا ، الحاكم العثماني الإصلاحي ، بهدم أسوار المدينة [7] ومع ذلك ، فإن إرثها لا يزال حياً في الروايات التاريخية والخرائط والرسومات المعمارية التي بقيت حتى يومنا هذا [6].

المصادر

  1. Dictionary of Islamic Architecture
  2. .themaparchive.com-plan-of-baghdad-city
  3. Baghdad during the Abbasid Caliphate (JSTOR)
  4. Baghdad – Britannica
  5. short-history.com/round-city-of-baghdad
  6. socks-studio.com/the-round-city-of-baghdad
  7. the birth of Baghdad was a landmark for world civilisation – The Guardian

سلسلة العمارة الإسلامية: جامع سامراء الكبير ومئذنته الملوية

جامع سامراء الكبير أعجوبة تاريخية ومعمارية تقع في مدينة سامراء العراقية. يعتبر من أكبر المساجد في العالم ويعتبر من أهم نماذج العمارة الإسلامية. تم بناء المسجد خلال الخلافة العباسية في القرن التاسع وخضع منذ ذلك الحين لتغييرات وتجديدات كبيرة. يستكشف هذا المقال تاريخ وعمارة الجامع الكبير في سامراء ، ويسلط الضوء على أهميته في التاريخ الإسلامي.

موقع جامع سامراء الكبير وبنيته العامّة

يقع في العراق ، على بعد 120 كلم شمال بغداد ، على ضفاف نهر دجلة [1]. تم بناء المسجد في الأصل في القرن التاسع، بين عاميّ 848 و851 م، وكان على مساحة 17 هكتارًا ، ويغطي المبنى نفسه 38000 متر مربع. كان المسجد مستطيل الشكل ومُحاط بجدار من الطوب مكون من 44 برجًا نصف دائري. كان للمسجد 16 بوابة و 17 ممرًا ، وكانت جدرانه مزيّنة بفسيفساء من الزجاج الأزرق الغامق. مئذنة الجامع ، التي دُمرت جزئيًا عام 2005 ، هي الجزء الوحيد المتبقي من المبنى الأصلي [1] [3].

تاريخ جامع سامرّاء الكبير

بدأ بناء المسجد عام 848 م واكتمل عام 851 م [1]. بُني المسجد في موقع قصر سابق دُمِّر إبان الحرب الأهلية التي ميزت نهاية عهد الخليفة السابق الواثق [3]. تم بناء المسجد على نطاق واسع وكان الهدف منه أن يكون بمثابة رمز لسلطة وثروة الخلافة العباسية. خضع المسجد لعدة تغييرات وتجديدات على مر القرون .

ظل المسجد هو الأكبر في العالم لمدة 400 عام قبل أن يدمره الحاكم المغولي هولاكو خان ​​عام 1278 [1]. وأعيد بناء المسجد في القرن الرابع عشر ، ولكن لم يتم إعادة بناء المئذنة إلا في القرن العشرين [2

الشكل 1: صورة جوّية تظهر بقايا جامع سامراء الكبير

البنية المعمارية لجامع سامرّاء الكبير

يشتهر الجامع الكبير في سامراء بالعديد من الميزات الفريدة. تم بناء المسجد على نطاق هائل يغطي مساحة 42 هكتارًا [1]. يشتهر المسجد أيضًا بمئذنته الحلزونية وقاعة الأعمدة والفناء.

الشكل 2: رسم تخيُّلي لجامع سامراء الكبير

المئذنة الملويّة

تقع المئذنة على المحور الوسطي للجامع وخارج حرمه من جهة الشمال ويبلغ ارتفاعها 52 متراً. تمكن رؤيتها من على بعد أميال.

من أبرز معالم الجامع الكبير في سامراء مئذنته الحلزونية المعروفة بالمئذنة الملوية [3]. تم بناء هذه المئذنة باستخدام الحجر الرملي، وما يجعلها فريدة من نوعها هو تصميمها الحلزوني المخروطي. ويرتفع البرج الحلزوني على القاعدة المزودة بمنحدر (رامب) يبدأ عند مركز الجهة الجنوبية ويدور حوله بعكس اتجاه عقارب الساعة. وبعد خمس دورات كاملة، يصل المنحدر إلى القمة وينتهي عند الحنية الجنوبية لطابق اسطواني الشكل. ثم يقود درج شديد الانحدار إلى المنصة، بارتفاع 50 متر بالضبط فوق القاعدة [5]. ويُعتقد أن التصميم الحلزوني مستوحى من زيقورات بلاد ما بين النهرين ، والتي كانت عبارة عن أهرامات متدرجة قديمة تم بناؤها في المنطقة [2].

الشكل 3: برج جامع سامراء الكبير الحلزوني الذي يعرف باسم المئذنة الملتوية أو (الملويّة)

حرم وصحن جامع سامراء الكبير

يبلغ طول القاعة المشكّلة للحرم 162 متراً وعرضها 48 متراً ، مما يجعلها واحدة من أكبر قاعات الأعمدة في المساجد الموجودة في العالم الإسلامي [1]. وهو مدعم بـ 144 عموداً بارتفاع 10 أمتار. الأعمدة مرتبة بنمط شبكي ، مما يخلق مساحة مفتوحة للمصلين. وتغطى القاعة بسقف مسطح مدعوم بعوارض خشبية ترتكز على الأعمدة. تم تزيين الأعمدة الموجودة في الحرم بتصميمات وأنماط معقدة منحوتة في الحجر. تشتمل التصميمات على أنماط هندسية ، وزخارف نباتية ، وفن الخط ، وكلها مواضيع شائعة في الفن والهندسة المعمارية الإسلامية [1] [3].

وتجدر الإشارة أيضاً إلى صحن أو فناء المسجد المحاط بسور. يبلغ طول الفناء 234 متراً وعرضه 144 متراً. وزُخرف الجدار المحيط بالفناء باستخدام القرميد ويضم عدة مداخل مقوسة [1].

أهمية جامع سامراء الكبير

أولاً ، إنه مثال مهم لتاريخ العمارة الإسلامية. المئذنة الحلزونية للمسجد وقاعة الأعمدة والفناء كلها ميزات معمارية رائعة صمدت أمام اختبار الزمن. تتجلى أهمية المسجد بشكل أكبر من خلال إدراجه في قائمة التراث العالمي لليونسكو عام 2007 [2]. ثانياً ، كان المسجد رمزاً لسلطة وثروة الخلافة العباسية. وتم بناؤه على نطاق واسع بحيث يظهر الهدف منه وهو أن يكون بمثابة رمز لهيمنة الخلافة العباسية في العالم الإسلامي في ذلك الوقت.

المصادر

  1. Dictionary of Islamic Architecture (archive.org)
  2. The historic Great Mosque of Samarra – timesofindia.indiatimes.com
  3. study.com – great-mosque-samarra-history-architecture
  4. britannica.com – Samarra
  5. The origins and functions of the spiral minaret at the great mosque of Samarra (Academia.edu)

كيف تستخدم المدن الذكية IoT لتحسين الرعاية الصحية؟

هذه المقالة هي الجزء 5 من 18 في سلسلة كيف ستغير المدن الذكية من شكل عالمنا؟

يشمل مصطلح «المدينة الذكية-smart city» التقنيات والمفاهيم التي تهدف إلى جعل المدن فعّالةً وتقدّميةً. والمدن الذكية هي رد فعل على التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تواجهها المجتمعات في بداية الألفية الجديدة. ويعد استخدام التقنيات الحديثة مثل انترنت الأشياء والمعروف اختصارًا بـ IoT في الرعاية الصحية من العوامل الرئيسيّة التي تحسّن تجربة المستخدم للمدن الذكية.

IoT أو انترنت الأشياء في المدن الذكية

يقصد ب IoT «انترنت الأشياء-Internet of Things»، وهو الجيل الجديد من الانترنت الذي يربط بين الأجهزة المختلفة والنُظُم بشبكة. ويتيح انترنت الأشياء إمكانية تبادل البيانات فيما بينها. ويشمل أجهزة الاستشعار والحسّاسات وأدوات الذكاء الاصطناعي والبرمجيات وغيرها من الأدوات.

ويعتبر استخدام IoT في المدن الذكية فكرة واعدة. على سبيل المثال؛ يساعد استخدام IoT في تطبيقات الرعاية الصحية في الحد من عدم كفاءة البنية التحتية الحالية. ويعد نهج التعلّم الآلي المفتاح الأساسي لنجاح شبكات الاستشعار اللاسلكية التي تعمل بتقنية IoT، نظرًا لوجود كمية كبيرة من البيانات التي يتم التعامل معها عبر تلك المستشعرات.

تطبيقات عديدة لانترنت الأشياء IoT في المدن الذكية

سرعان ما بدأت أهمية IoT في المدن الذكية تزداد سريعًا وأخذ الباحثون يقدّمون دراسات لإدخاله في مختلف التطبيقات. ونذكر من بعض الدراسات:

  • درس باحثون الاتجاهات الناشئة في تطبيقات الرعاية الصحية الذكية، والتطورات التكنولوجية الرئيسية التي لها تأثير مباشر عليها. بينما استعرض آخرون اعتبارات أمنية مختلفة في أنظمة الرعاية الصحية الذكية وعواقبها والتدابير اللازمة. [1]
  • قدّم آخرون دراسات شاملة للتقنيات والتطبيقات المحتملة للطائرات بدون طيار، بالإضافة إلى ربطها مع النقل الجوي الدولي. واقترحوا استخدامها لتعزيز ذكاء المدن الذكية استنادًا إلى جميع البيانات، وقوانين الأمن والسلامة العامة، وإدارة الكوارث، واستهلاك الطاقة، ونوعية الحياة في المدن الذكية. [2]
  • اقترح خبراء نموذجًا يجمع بين الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا النقل الداخلي، من أجل الحد من الازدحام المروري ضمن المدن الذكية.
  • أجرى باحثون دراسة لوضع نظام فعّال للرصد المحتمل للخسائر، وإدارة حركة المرور في المدن. [3]
طائرة بدون طيار مجهزة بأجهزة IoT لجمع البيانات

استخدام IoT في الرعاية الصحية كنموذج

جرت العديد من الأبحاث خلال السنوات القليلة الماضية حول انترنت الأشياء IoT والبلوك تشين Blockchain والذكاء الاصطناعي AI. وبدأت بعض المدن بالفعل في استعمال تلك التقنيات في مختلف التطبيقات وبشكل خاص في مجال الرعاية الصحية. ويجلب IoT كميةً غير مسبوقة من البيانات التي تحتاج الشبكة إلى التعامل معها فسبّب مشكلةً كبيرةً. نتيجةً لذلك تم تكييف تصاميم الشبكات التقليدية مع أحدث معايير ذكاء الشبكات مما يضمن الأمن الأمثل. [4]

بشكل عام تحتاج المستشفيات والعيادات والمرافق الطبية إلى شبكة واحدة وفعّالة من حيث التكلفة. ويمتثل أمنها كذلك للوائح حماية المعلومات، ويسهل استخدامها وتشغيلها في ذات الوقت.[5]

مراقبة المرضى في المدن الذكية

تستفيد المدن الذكية من IoT في مراقبة المرضى عن بعد، إذ يتمكّن أخصائي الرعاية الصحية من مراقبة العلامات الحيوية وتقييم التفاعلات البدنية للمرضى دون الحاجة إلى التواجد معهم في نفس المكان. ويحدث ذلك عن طريق أجهزة معينة كجهاز لمراقبة التنفس، أو لمراقبة انتظام دقات القلب، أو لقياس مستوى سكر الدم، أو غيرهم من الأجهزة المرتبطة بواسطة IoT. ويجمع الجهاز المعني البيانات المطلوبة؛ وفي حال لم تكن القيم كما ينبغي، ترسل البيانات في وقت واحد إلى قاعدة البيانات للتسجيل وإلى الطبيب المعالج. لكي يتمكن الطبيب من تحليل المعلومات في الوقت المناسب والاستجابة وفقًا لذلك. وغالبًا ما تستخدم هذه الأجهزة مباشرةً بعد التدخلات الجراحية.

يساعد IoT في تقليل مدّة إقامة المريض في المستشفيات، وتتحدّد المشاكل أيضًا بسرعة أكبر مما يسمح للأطباء بالاستجابة في وقت مبكّر وتجنّب المضاعفات المحتملة. وبمساعدة البيانات التي تُجمع من الممكن تعديل وتكييف خيارات العلاج اعتمادًا على رد الفعل البدني للمريض وحالته الجسدية. [6]

الأدوية الرقمية

طوّر العلماء ما يعرف باسم «الحبوب الذكية-smart pills». ويتناول الشخص الحبوب الذكية مثل الأدوية العادية لكنها تكون مجهّزة بنوع من تقنيات المراقبة بالإضافة إلى الدواء الفعلي. ويستعملها الأطباء لرصد البيانات البيولوجية وإرسالها إلى جهاز استشعار يرتديه المريض، فتراقب هذه المستشعرات مستويات الدواء في الجسم. ثم تنقل البيانات من أجهزة الاستشعار إلى تطبيق على الهاتف المحمول لكي يتمكن المريض من الوصول إلى المعلومات الخاصة بوظائفه الحيوية بنفسه. ويستطيع الأطباء كذلك الوصول إلى تلك المعلومات إذا وافق المريض. وبهذه الطريقة يحدّد الأطباء المعالجون إذا ما كان الدواء يعمل على النحو المطلوب أو ربما يتسبب بآثار جانبية أو أن جرعته تحتاج إلى زيادة مثلًا. [6]

ويوجد كذلك حبوب تدعى باسم «الحبوب الروبوتية-Robotic bills»، والتي بمجرد بلعها تصبح قادرة على أداء وظائف معينة في جسم المريض. على سبيل المثال؛ اخترع Rani حبة تنتقل عبر المعدة إلى الأمعاء الدقيقة حيث تحقن الدواء من دون التعرض للأنزيمات الهاضمة، وعندما يضخ الدواء بالكامل، تذوب البقايا وتهضم. [7]

الأدوات الطبية

تعد الأجهزة الطبية القابلة للارتداء الخيار الأكثر جاذبيةً اليوم بالنسبة للمستهلكين من جميع الأعمار وذلك من أجل تتبع علاماتهم الحيوية. علاوةً على Fitbit وApple watch وco يطور علماء تقنيات أخرى لا تسجّل البيانات فحسب، بل تؤدّي وظائف معيّنةً بناءً على أوامر أو حالات مسبقة التعريف. من الأمثلة على ذلك؛ Intelligent associations وهي مزودة بأجهزة استشعار لتقييم حجم الجروح وتحديد إذا ما كان الجرح سيلتئم لوحده أم لا، كما تصدر تنبيه أيضًا في حال حدوث عدوى. [8]

بدأت شركة Google وNovaritis عام 2014 بتطوير عدسات لاصقة بإمكانها مراقبة مستويات السكر في الدم عن طريق تحليل دموع المريض. وترسل البيانات التي تجمعها العدسات إلى مضخة الأنسولين المزروعة داخل جسم المريض، ويتم إعلام المريض في حال وصول مستوى السكر إلى درجات خطيرة. يمكن أن تُغيّر هذه التقنية حياة الكثيرين وخصوصًا المرضى الذين يعانون من حقن الإنسولين اليومية وشكاكات قياس نسبة السكري المؤلمة. [9]

المرافق الطبية في المدن الذكية

تطور وضع المرافق الطبية بفضل IoT كثيرًا. فتُقلِّل أجهزة الاستشعار عدد الاختبارات اليدوية، وقد تلغي الحاجة إليها في بعض الأحيان، ويؤدي ذلك إلى توفير الوقت. وتعتبر نقل المعدات والأجهزة من المشاكل الشائعة في المرافق الطبية، فأحيانًا يتعذر تحديد موقعها في حالات الطوارئ. وتسمح تقنية البلوتوث منخفض الطاقة بتحديد مكان الجهاز بدقة. [10]

أهمية IoT

بسبب تنامي الحجم الهائل للبيانات في المدن فإن استخدام التقنيات الحديثة صار أمرًا محتومًا على نحو متزايد. وبدأت المدن الذكية باستخدام IoT، وBlockchain، والذكاء الاصطناعي Al، والتعلم الآلي في مختلف التطبيقات. سيساعد الابتكار الصغير في إنقاذ أرواح لا حصر لها، ففي نهاية المطاف يهدف IoT لتحسين نوعية الحياة لأكبر عدد من السكان. وبالرغم من وجود سلبيات محتملة للذكاء الاصطناعي إلا أنه قابل للتطوير والتعديل لخدمتنا مع مرور الزمن بسبل لم تكن في الحسبان.

المصادر

  1. ResearchGate
  2. Readcube
  3. ResearchGate
  4. ResearchGate
  5. ResearchGate
  6. IAfCIS
  7. Rani therapeutics
  8. MDPI
  9. The new York times
  10. science direct

قصور الصحراء الأموية: قصر الحير الغربي وقصر المشتّى

تعّرفنا في مقالٍ سابق على القصور الأموية، وإلى البنية العامة لهذه المنشآت حيث ذكرنا سابقاً أنها أكثر المنشآت التي ميّزت العمارة الأموية عن غيرها. والتي كان بعضُها مبنياً حديثاً في تلك الفترة، بينما كان بعضها الآخر حصوناً رومانية وبيزنطية تمّ تحويلها لتلبّي احتياجات الحكام الجدد، بالإضافة إلى بعض الأمثلة المهمة عليها، وفي هذا المقال سنتعرف على مثالين من أهم الأمثلة على عمارة القصور في عهد الدولة الأموية.

قصر الحير الغربي

الشكل 1: واجهة قصر الحير الغربي في متحف دمشق الوطني والذي يعدّ مثالاً على نقل أجزاء من أحد القصور الأموية للحفاظ عليها
الشكل 2: مسقط القصر الرئيسي والذي يعدّ أحد الأمثلة المهمة على توزيع الفراغات في القصور الأموية بشكل عام

بُني قصر الحير الغربي في عام 728م بأمرٍ من الخليفة الأموي الوليد، ويقع في الصحراء السوريّة على بعد 40كم شرق تدمر و40 كم غرب قصر الحير الشرقي، وهو مكوّن من مجمّع يتألف من قصر، وخان، وحمّام، وطواحين وعدة منشآت مائية. [1]

يعدُّ القصر أحد أفخم الأمثلة على عمارة القصور الأموية، وهو ذو واجهة خارجية تشبه واجهة الحصن، لكن أيّة عناصر دفاعية تمّ وضعها للزينة فقط. وهو ذو مسقط مربع الشكل، بطول ضلع يساوي 70 م تقريباً، وهو مبني من الحجارة حتى ارتفاع 2م ثمّ تم إكماله باستخدام القرميد المصنوع من الطين المشوي. [2] ترتبط بالجدران الخارجية للقصر جدران مصمتة نصف دائرية (برجان لكلّ جدار) بالإضافة إلى أبراج دائرية في ثلاث من زواياه، [1] أما البرج في الزاوية الشمالية الغربية فهو برج بيزنطيّ مربّع الشكل يعود إلى القرن السادس الميلادي. [2]

ولعلّ أبرز ما يميّز القصر من الخارج هي الواجهة الشرقية التي يقترب البرجان فيها من بعضهما ليحيطا بالبوابة الرئيسية للقصر وتتميز البوابة بزخارف جصية عديدة نباتية وهندسية، وشرّافات كبيرة في الأعلى بالإضافة إلى نوافذ ضيّقة تشبه فتحات رمي السّهام. والجدير بالذكر أنه في عام 1940م، تم نقل هذه الواجهة لتصبح المدخل الرئيسي للمتحف الوطني في دمشق. [2]

يقود من مدخلِ القصر ممرٌّ إلى رواقٍ مسقوف [2] يحيط بفناء داخلي مركزي مربّع الشكل، ويتألف القصر من طابقين يقسم كلّ منهما إلى ستة أقسام بشكل متماثل. [2] وهي وحدات سكنية أو بيوت (وحدتان متناظرتان في الشمال والجنوب، بالإضافة إلى وحدتين في كلّ من الشرق والغرب) والتي تتألف كلّ منها من قاعة مركزيّة متصلة من الجانبين بعدد من الغرف الجانبية، [1] ويلحق بكلٍّ منها مرحاض. [2]

يقع شمال القصر مباشرةً حمّام، وهو منشأة صغيرة نسبياً [1] مؤلفة من قسمين: القسم البارد الذي يتألف من أربع غرف، يوجد في إحداها محراب، والقسم الدافئ الموجود فوق سخّان المياه والذي يتألف من ثلاث غرف. [2]

يقع الخان الذي يعرف باسم خان الملح على بعد 10 كم شمال غرب القصر ويأخذ شكل مربّع مائل، بطول ضلع يساوي 55م تقريباً. وتتألف جدرانه من قرميد مصنوع من الطين المشوي فوق أساس مصنوع من الحجارة، ويتضمن فناءً داخليّاً، [2] ومسجداً في الجهة الجنوبية. [1]

إن مجمع قصر الحير الغربي يعتمد بالكامل على نظام مائي يعتمد على سدّ يبعد عن المجمّع 15كم. وهناك قناتان رئيسيتان، إحداهما تتجه نحو القصر والأخرى نحو الخان وبعض الطواحين ثم إلى خزّان مستطيل كبير الحجم. وتُرفد القناتان بمجرى مياه كبير شبه دائري يقوم بجمع المياه من التل. [1] تم استخدام هذا الموقع لأغراض عسكرية أثناء الفترتين الأيوبية والمملوكية، ثمّ تمّ هجره أثناء الغزو المغولي في القرن الثالث عشر الميلادي. [2]

قصر المُشَتَّى

الشكل 3: قصر المُشتّى في الأردن
الشكل 4: مسقط قصر المُشتّى والذي يُظهِر أساليب مختلفة في بناء القصور الأموية

أحد أشهر القصور الأموية، ويقع قصر المشتّى على حدود الصحراء الأردنية (حوالي 25 كم جنوب غرب عمّان)، [1] وهو مؤلف من منشأة مربعة الشكل بطول ضلعٍ يساوي 144م، ويحتوي على أربعة أبراج دائرية في زواياه، بالإضافة إلى خمسة أبراجٍ نصف دائرية على ثلاثة من جوانبه، أما جهة المدخل الرئيسي، فتحتوي على أربعة أبراجٍ يضافُ إليها برجان يحيطان المدخل الرئيسي بشكل نصف مثمّن. [3]

يتجاوز ارتفاع الجدران في الأجزاء المحفوظة جيّدا ارتفاع 5م. ويقسّم القصر إلى ثلاثة أقسام طوليّة باتجاه شمال-جنوب، في حين أنّ عمليات البناء في القسم الأوسط لم تنتهِ، فإنها لم تبدأ حتى في القسمين الجانبيين. ويوجد في منتصف القسم الأوسط فناء داخلي مربع الشكل طول ضلعه 55م ويحدّه من جهتي الشمال والجنوب مجمّعان. يتألف المجمّع الجنوبي من ممر يحاط بالمسجد من الشرق، ومبنى غير معروف الاستخدام من الغرب. ويقود هذا الممر إلى فناء محاط بأروقة، والذي يقود بدوره إلى الفناء المركزيّ.

تقع قاعة الاستقبال الخاصة بالقصر شمال الفناء المركزي. وهي تحتوي على مدخل ثلاثي الأقواس يقود إلى قاعة العرش، المحاطة بمجموعة من الغرف (بيت) من كلِّ جهة. [3]

تتلخص أهمية القصر بالنسبة للمؤرخين المعماريين أنه يجمع بين العناصر الغربية (البيزنطية والرومانية) والعناصر المأخوذة من الفن الساساني. [1]

معظم الزخارف التي عُثِر عليها في القصر تم إرسالها إلى برلين في بداية القرن العشرين كهديّة من السلطان العثماني عبد الحميد إلى القيصر الألماني ويلهيلم، ويمكن مشاهدتها اليوم في متحف شرق برلين. [4]

الشكل 5: عناصر معمارية ذات زخارف بيزنطية وساسانية من قصر المشتّى في متحف برلين

المصادر

  1. Dictionary of Islamic Architecture
  2. Qasr al-Hayr al-Gharbi – Discover Islamic Art – Virtual Museum
  3. Qasr al-Mushatta – Discover Islamic Art – Virtual Museum
  4. Qasr Al-Mushatta – UNESCO World Heritage Centre

ما هي عمارة ما بعد الحداثة Postmodernism ؟

بدت عمارة الحداثة في يوم من الأيام ثوريّةً للغاية، وانتشرت بمدارسها المختلفة مثل «باوهاوس-Bauhaus» و«دي ستايل-De stijl» في أنحاء العالم. لكن في النهاية لم يصمد الحجم الهائل لهذه العمارة العمودية من الخرسانة أمام اللغة الكلاسيكية للعمارة. وظهر ما يعرف الآن باسم عمارة ما بعد الحداثة Postmodernism. كما يشير المصطلح بالفعل، فقد شكّلت عمارة ما بعد الحداثة نقطة تحوّل في تاريخ العمارة، ممّا يثبت استعداد الخبراء لتعريف هذا العصر الجديد على أساس رفض الحركة السابقة له.

نشأة عمارة ما بعد الحداثة Postmodernism

تميّزت فترة الستينيات بعدم الرضى عن عواقب حركة الحداثة وخاصّةً في أمريكا الشمالية. وسعى بعض الخبراء -بالتزامن مع بناء ناطحات السحاب- إلى إعادة إنسانية الهندسة المعمارية من خلال تخليصها من العمارة الحديثة.[1]

وقد ظهرت «عمارة ما بعد الحداثة – Postmodernism» لأوّل مرّة في الستينيات باعتبارها خروجًا عن الحداثة، ورد فعل ضدّ التقشّف والرسميّات والرتابة. حيث تدافع ما بعد الحداثة عن تصاميم مليئة بالعلاقات والرموز، والتي يمكن أن تنقل القيم الثقافية المختلفة. ووقفت ضدّ الملل والتشابه عن طريق الثناء على التنوّع.[2]

انتقادات ساهمت في تطوّر عمارة ما بعد الحداثة

يقرُّ المنظّر والمعماري «تشارلز جنكس-charles jencks» موت عمارة الحداثة بهدم عدّة مباني. كونها لم تفِ بوعودها إذ لم تُوفّر لمستخدميها بيئةً صالحةً للعيش. وافتقرت إلى التواصل، بعبارة أخرى لم تتعامل مع العمارة كلغة، وفشلت كذلك في التواصل مع عامّة الناس. ووجد جنكس الحل البديل في عمارة ما بعد الحداثة والتي اعتبر أن أهم ميزة لها هي الترميز المزدوج؛ من وجهة نظره تتواصل مباني ما بعد الحداثة عبر مستويين في وقت واحد. فهي تعبّر عن معانٍ محدّدة لأقليّة من الخبراء مثل المعماريين ومؤرخي الفن، وغيرهم من الذين يميّزون إشارات ودلالات الأساليب التاريخية والإيماءات الساخرة. بينما في الوقت نفسه تتواصل هذه المباني مع جمهور أكبر من الناس عن طريق استدعاء الصور التي ترضي مشاعر الحنين لديهم.

هاجمت الصحفية «جاين جاكوبز-Jane Jacobs» التخطيط العمراني الحديث بسبب فشله في تصميم بيئات آمنة وصالحة للعيش، وذلك لأنّه عرقل التفاعل الاجتماعي بدلًا من تحفيزه كما حدث في برج تريليك والذي يعود للعمارة الوحشية. وأدّى التصميم الحديث كذلك إلى خلق رتابة وملل ومبانٍ أحادية الوظيفة.

كما اشتكى المعماري «روبرت فينتوري-Robert Venturi» من أن الحداثة شكّلت نظامًا جامدًا ونمطيًّا، في حين تمتلك التعقيدات والتناقضات قدرة أكبر على إثارة اهتمام مستمر لدى الأفراد.[3]

أهداف ومبادئ العمارة ما بعد الحداثة:

امتلك معماريو عمارة ما بعد الحداثة العديد من وجهات النظر المختلفة لكنّهم تشاركوا الرغبة في تبديد المخاوف من الذاكرة التي سادت في عمارة الحداثة، والتي كانت قد رفضت تقليد كل ما هو قديم.[1]

وتتعارض عملية تحديد خصائص عمارة ما بعد الحداثة مع الرؤية التعدّدية لها والتي ترفض العالمية. ويستخدم المصطلح اليوم للدلالة على سلسلة من التعبيرات المعمارية الجديدة التي تهدف إلى انتقاد عمارة الحداثة. وبذلك تُمثّل عمارة ما بعد الحداثة روح التشكيك في الظروف غير المرضية دون رفض وجود الماضي أو فهم الظروف الثقافيّة الجديدة والتقنيات الحديثة.[2]

اتّجاهات عمارة ما بعد الحداثة

اشتركت اتّجاهات ما بعد الحداثة في رفض التركيز على الوظائف والكفاءة التي ميّزت عمارة الحداثة. وبشكل عام يمكن تمييز 3 اتّجاهات، لكن لا تخلو الحركة من معماريين لا يمكن تصنيفهم ضمن قالب معين.

  • اتّجاه هيمنت عليه العاميّة والاعتماد على الصور والمراجع الشعبية. على سبيل المثال منزل لوالدة روبرت فينتوري في فيلادلفيا في أمريكا. ففي حين تبدو واجهته الأمامية تقليدية بشكل مثير للشبهة، لكن يخفي المنزل تصميم داخلي معقّد. فمثلًا ما يبدو بدايةً على أنه مدخنة كبيرة هو في الواقع درج وغرفة إضافيّة صغيرة. ويتميّز المنزل كذلك بشرائط للزينة وأقواس وهي عناصر لم تظهر كثيرًا في ذلك الوقت.
  • فضّلت القوميّة الجديدة خلال فترة الثمانينيات العمارة المشبعة بتحليلات الأشكال والنماذج التاريخية. بالنسبة لهم ينبغي أن تستند المساهمات الجديدة في المدينة على التحوّل العقلاني للأنواع الموجودة سابقًا، ووفقًا لسياقها التاريخي والحضري بدلًا من ابتكار نماذج جديدة.
  • دعا بعض المعماريين إلى العودة المباشرة للكلاسيكية.
منزل والدة روبرت فينتوري في فيلادلفيا عام 1962.

بصفة عامّة تمتّع معماريو ما بعد الحداثة بحريّة استعارة عناصر من الماضي سواءً من الفترة الكلاسيكية أو حتى من العمارة الحديثة!. ففي بعض الأحيان تصنّف أعمال معماريين مثل «ريتشارد ماير-Richard Meier» و«ريم كولهاس-Rem Koolhaas» على أنها تعود لعمارة ما بعد الحداثة على الرغم من أنهم يقلّدون بوضوح التصميم الحديث.[3]

مبنى AT&T في أمريكا 1984

صمّم مبنى AT&T «فيليب جونسون-Philip Johnson» و John Burgee، ويتكوّن البرج من 37 طابقًا، ويجمع بين الجاذبية التجارية وأفكار ما بعد الحداثة. شيّد البرج بنظام الإطارات لكن عوضًا عن استخدام واجهات زجاجية كما في «الطراز الدولي-international style» استخدموا الغرانيت الوردي للإكساء. بصورة شاملة يعكس البرج عمارة الماضي مستعيرًا عناصر معماريةً من مصادر متباينة مثل إيطاليا في عصر النهضة، وإنجلترا في القرن ال17، وحتى نيويورك في القرن ال19.[4]

مبنى AT&T في أمريكا 1984.

مبنى بورتلاند للخدمات

صمّم «مبنى بورتلاند-the Portland building» للخدمات المعماري «مايكل جريفز-Michael Graves». ويعرض التصميم العديد من العناصر الرمزيّة على واجهاته الضخمة في تناقض واضح مع التصميم الحديث. إذ يسعى المبنى إلى إنشاء اتصال بين الماضي والحاضر باستخدام إكساءات جصيّة تضمّ عناصر كلاسيكية أعيد تفسيرها. ويُذكّر التصميم كذلك بالبناء اليوناني وعلاوةً على ذلك أضاف جريفز رمزية من خلال اللون الأخضر والأزرق للدلالة على الأرض والسماء، من أجل ربط المبنى بصريًّا مع بيئته وموقعه.

مبنى بورتلاند للخدمات في أمريكا.

انتُقد التصميم كثيرًا بسبب عدم كفاءته الوظيفية، على سبيل المثال؛ صعوبة الوصول إلى المداخل من ثم وجود ردهة ضيّقة وغير مريحة. واشتكى المستخدمون بسبب وجود مطعم بدون نوافذ بالإضافة إلى أنّ المساحات المكتبيّة كانت مظلمةً وخانقةً. [5]

مبنى بورتلاند للخدمات في أمريكا.

انتقادات كثيرة

يشير العديد من النقّاد أن عمارة ما بعد الحداثة تميّزت بالسطحيّة، والمبالغة، والاشتقاق من الماضي. وبدأت الحركة بالتلاشي في نهاية القرن ال20، بينما عادت مبادئ عمارة الحداثة بالظهور مجدّدًا. ربّما ارتبط هذا التقدير المتزايد للخطوط البسيطة للمباني بسنوات الركود على الأقل في أوائل التسعينيات بعد انهيار سوق الأوراق المالية عام 1987. إذ رغب العملاء بتوفير المال عن طريق تصاميم أبسط، ممّا أدّى إلى التخلّي عن الزخرفة المعقّدة المكلفة المرتبطة بما بعد الحداثة.[1]

اليوم لا يمكن لأحد أن يشكّك بأهميّة عمارة ما بعد الحداثة وأن الاستخدام البسيط للأفكار التاريخية قد صنع هذا التطوّر الصادم في العمران والثقافة الشعبيّة.

المصادر

  1. Britannica
  2. Archdaily
  3. Architecture history
  4. Archdaily_AD classics
  5. Archdaily_AD classics
Exit mobile version