مملكة سبأ من المواقع المدرجة على قائمة التراث العالمي.

تمیز الیمن القدیم بممیزات قلما توفرت لغیره من البلدان. أدت إلى نشوء حضارتها و تطورھا في جنوب شبه الجزیرة العربیة. ونشوء ممالك قديمة مهمة مثل مملكة سبأ. فقد يعد موقعها الاستراتيجي الذي يتوسط الثلاث قارات، من أھم الأسباب التي أھلتها لبناء حضارتها.

موقع مملكة سبأ

كانت منطقة مأرب الواقعة في شرق العاصمة اليمنية صنعاء عاصمة لمملكة سبأ، ومهد أعرق حضارة قديمة عرفت في جنوب الجزيرة العربية. فقد اعتبر الحميريون امتداداً متكاملاً لمملكة سبأ التي سادت كامل منطقة جنوب الجزيرة العربية، حتى مناطق ارتيريا وأثيوبيا الشرقية في القرن الأفريقي.

كما انها كانت واحدة من أقوى وأضخم الإتحادات القبلية في اليمن القديم، ويرجع تاريخ وجودها إلى القرن الحادي عشر قبل الميلاد. فاستطاعت تكوين نظام سياسي وصُف بالفيدرالية ضمت مملكة حضرموت ومعين. وسميت المملكة بهذا الاسم، نسبة إلى سبأ بن يشجب بن يعرب بن أرفخشد.[1]

مملكة سبأ وعلاقتها بسد مأرب

يمثل سد مأرب أحد أهم وأقدم منظومات الري المتطورة والعجائب الهندسية لحضارة سبأ، وحِيكت في بنائه الأساطير. فضخامة حجارته جعلت الناس يتناقلون أن من بناه هم عمالقة من قوم عاد. وبفضل السد تحولت مدينة مأرب إلى واحدة من حواضر العالم القديم.[1]

كما كانت بدايات إنشاء السد تتمثل في حجز أجزاء من وادي ذنة بين جبلي البلق الشمالي والأوسط. عبر بناء عتبات مرصوفة من الأحجار والطين على شكل جدران طولية لكسر حدة السيل والتخفيف من قوته. وعُثر على نوع من أسلوب العمارة البدائي هذا في الجنوب الغربي من الوادي.

فقد ساهم الطمي الناتج عن السد في توسع الأراضي الخصبة. وتحولت الزراعة إلى مورد اقتصادي للحضارة السبئية وعامل استقرار على مر قرون طويلة، وفي الوقت نفسه كان السد عامل تهديد؛ فانهياراته تكررت بسبب تراكم ترسبات الطمي في حوضه.[2]

الأهمية الإقتصادية والتجارية

كان للمملكة أهمية خاصة لدى الشعوب القديمة، حول البحر المتوسط كونها مصدر القوافل التجارية وممراً تجارياً. فقد ارتبط اقتصاد سبأ بالنشاط الزراعي، فعملوا السبئيون بالزراعة وأقاموا العديد من السدود للإستفادة من مياه الأمطار، وأشهرها سد مأرب ويعد من أعاجيب العالم، الذي ساهم في زراعة النباتات العطرية.

فقد ساعد الموقع الجغرافي الذي تحتله مدينة مأرب على التحكم بالطريق التجاري الذي يبدأ من ميناء قنا، وصولاً إلى البحر المتوسط. فكان له الفضل في إتقانهم لمهنة التجارة التي درت عليهم أموالاً طائلة. فكان من نتائج هذا الثراء تشييد المباني وتفننوا بتزينها وزخرفتها. وكما تاجرت أيضاً بالعطور والدر والبخور واللبان.[2]

النظام الملكي وأشهر الحكام

شهدت مملكة سبأ عدة أنواع من أنظمة الحكم التي سادتها في فترة قيامها. أولها حكم الكهنة، ثم انتقل إلى الحكم الملكي. حيث تم تأسيس المملكة على يد كربئيل وتر، الذي قام بتوسيع نفوذ سبأ، وشن حملات على المناطق الساحلية الجنوبية الغربية لليمن وسيطر عليها، واتخذ مدينة «صَرْواح» عاصمة للمملكة، ثم نقلها إلى «مأرب».

ومن ناحية أخرى كانت المملكة تحكمها سلالة ملكية، وقد تم تسجيل أسماء بعض الحكام الأكثر شهرة في تاريخ المملكة، ومن بين هؤلاء الحكام “كريب الأول” وهو أحد أوائل ملوك سبأ، ويعتقد أنه حكم المملكة في الفترة ما بين 1200 قبل الميلاد إلى 1150 قبل الميلاد.

ومن بعده جاء “يثعمر بن قحطان” وهو أحد أشهر ملوك سبأ، وذكر اسمه في القرآن الكريم. إضافةً إلى الملكة بلقيس وهي التي ذكرت في القرآن الكريم والتوراة.[3]

الحياة الدينية

تشير المصادر التاريخية والأثرية إلى أن معبد (برآن) يعد المعبد الرئيسي للإله (المقة) إله الدولة السبئية، ويطلق العامة على أطلاله (محرم بلقيس)، ويرجع تاريخ بناءه إلى القرن الخامس قبل الميلاد الذي قام بتسوير حائط المعبد.

وتمثلت هذه الأهمية بأنه كان رمزاً للسلطة الدينية في سبأ، وكان لازماُ على الشعوب التي ضمت إلى الدولة السبئية. زيارة المعبد وتقديم القرابين والنذور لإله المقة تعبيراً عن الخضوع والولاء للدولة السبئية.[5]

أهم الاثار والمكتشفات

كشفت العديد من الدراسات أن التماثيل والمنحوتات السبئية تتشابه إلى حد كبير مع التماثيل اليونانية، لكنها تتفوق عليها بإظهار البعد الثقافي للمملكة. وكان الكثير منها مصنوع من البرونز وحجر الجير وعدد بسيط أُستخدم فيه الذهب والفضة، كما عكست تلك التماثيل بعض ملامح الحياة الاجتماعية في ذلك الوقت حيث تضمنت صوراً للفلاحين والمزارعين البسطاء بجانب أخرى للطبقات الثرية.

كما كان هناك العديد من المعالم في المملكة سُجلت على قائمة التراث العالمي مثل مدينة مأرب القديمة، ومدينة ومعبد صرواح، وسد مأرب القديم بمرافقه، ومعبد أوام، ومعبد برآن.

إضافةً على ذلك اشتهروا بفن النحت فاعتمد السبئيون في نحتهم على الحفر على الحجر أو المرمر، فكانوا ينقشون الصور أو الآثار التي يريدون تخليدها على سطح المادة المحفور عليها، كما استعملوا الأحجار الكريمة لارتدائها كخواتم لليد بعد تزيينها بكتابات بخط المسند لختم الوثائق والمستندات الرسمية.[4]

الأساطير والقصص في مملكة سبأ

تحتوي مملكة سبأ على العديد من الأساطير والحكايات التي تدور حولها، ومن بينها قصة ملكة سبأ. التي زارت الملك سليمان عليه السلام في بلاد الشام. ولأنها كانت تريد الاطلاع على حكمته وعلمه. وعن رحلة الملكة إلى بلاد الشام وما حدث خلال هذه الرحلة. إضافةً إلى قصة الإله المقة الذي كان يعبد في مملكة سبأ، وكيف كان يعتبر هذا الإله من أهم الآلهة في الحضارة السبئية.[3]

سقوط المملكة

في عام 115 قبل الميلاد تحالفت سبأ ومملكة حضرموت المجاورة، وأحرقا عاصمة مملكة قتبان، وهو ما أشعل فتيل الحروب الأهلية في تلك المنطقة، حتى واجهت سبأ تحالفات عدائية كبيرة، نجحت مع مرور الوقت في إضعاف المملكة وتقويض نفوذها، ما أدى إلى تفتيت النظام الفيدرالي واستقلال كل قبيلة على حدة، ليبدأ عقد سبأ في الانفراط حبة تلو الأخرى، وصولًا إلى انهيارها بشكل تام وسقوطها في أيدي الحميريين في القرن الثالث الميلادي.

هناك روايات ثانية ترجع سقوط سبأ إلى انهيار مقومات نهضتها، في إشارة إلى نفوذها الاقتصادي، حيث فقدت الكثير من هذا النفوذ بسبب تحويل البطالمة التجارة من البر إلى البحر، وبذلك تراجعت حصة سبأ في العوائد التجارية وهو ما كان بمثابة ضربة قاصمة قوضت ثقلها الاقتصادي في المنطقة، فيما ذهبت ثالثة إلى أن انهيار سد مأرب كان السبب الرئيسي وراء انهيار المملكة وتشتت شعبها.[5]



المراجع

1. Britannica.com
2. worldhistory.org
3. Historyfiles.com
4. heritagedaily.com

5. BIBLICAL ARCHAEOLOGY SOCIETY

مملكة الحضر، أقدم الممالك العربية في العراق

تعد مملكة الحضر واحدة من أقدم المدن التاريخية الهامة في بلاد مابين النهرين، فهي تتميز بتاريخها الغني والمتنوع الذي يعود إلى العصور القديمة.

الموقع وأهمية مملكة الحضر (عربايا)

تقع مدينة الحضر في قلب بادية الجزيرة الشمالية التابعة لمحافظة نينوى شمالي العراق، وتتوسط نهري دجلة والفرات عند الأطراف الشمالية الغربية من العراق. وامتد نفوذها إلى نهر دجلة من الشرق والفرات من الغرب. لكن في عصر ازدهارها، امتد نفوذها شمالاً إلى ما وراء سنجار.

نشأت مملكة الحضر وتعرف أيضا بـ”عربايا”، أي مملكة العرب على أنقاض طبقات سكنية تعود إلى الفترة الآشورية الحديثة. حيث نمت وتوسعت لتصبح مملكة مستقلة في القرن الثاني قبل الميلاد. واستمر حكمها إلى عام 241 من الميلاد، عندما سقطت على يد الملك الساساني شابور الأول.

تشير النقوش الكتابية إلى أن اسم المملكة كُتب بالآرامية بصيغة “حطرا”. ومن ذلك ما نٌقش على المسكوكات المضروبة فيها من الحضريين أنفسهم شعارا لعملتهم الوطنية الخاصة، وذلك في عبارة “حطرا دي شمش”، وتعني الحضر مدينة الشمس أو العائدة للشمس.

أصبحت مملكة الحضر هي الدولة العازلة بين إمبراطوريتين مهمتين، وهما إمبراطورية الإسكندر وإمبراطورية الفرس. ثم الإمبراطورية السلوقية والساسانية والفرثية، لتصبح بذلك حلقة وصل تاريخية، والملاذ الآمن للقبائل العربية والآرامية. وأنشأت مدينة مزدهرة عمرانياً واقتصادياً، لا سيما أنها كانت محطة عبور للقوافل التجارية.[1]

ملوك الحضر

ظلت مملكة الحضر تحت هيمنة الحكم الروماني مئات السنين، ولم تزدهر وتصبح مملكة لها حضورها المستقل وثقلها الإقليمي إلا بعد سقوط الرومان. وقد تناوب على حكمها 4 ملوك عرب فقط، خلال 84 عامًا، كان أولهم الملك ولجش الذي حكم 65 عاماً. تم التعرف عليه من أكثر من 20 نقشًا من النقوش التي وجدت في المملكة.[5]

وتلاه في الحكم شقيقه الملك سنطروق الأول، وقد وجدت كتابة على أحد المباني الأثرية بالمملكة تقول: “سنطروق هو ملك العرب”. ثم تولى الحكم نجله الأكبر الملك عبد سيما الذي دام حكمه عشر سنوات فقط.

أما الملك سنطروق الثاني فهو الأطول حكمًا للمملكة، فقد دام حكمه أكثر من 40 عامًا. وفي عهده شهدت الحضر أكبر ازدهار لها، على المستوى الجغرافي التوسعي أو الاقتصادي. فامتدت البلاد إلى ما بعد نهر الفرات في الغرب، ووصلت إلى تخوم بلاد الشام. الخاضعة حينها للحكم الروماني.[4]

الديانة في المملكة

سكنت مملكة الحضر قبائل عربية، وعاش وسطهم القليل من الآراميين، ولم تكن سوى قرية نشأت خلال العصر الآشوري الحديث (عام 612 قبل الميلاد). واستغلت غياب قوة الإمبراطورية الآشورية لتتوسع وتصبح مركزا لاستقطاب الأفراد من البدو ورعاة الإبل والمتجولين في عموم البادية الشمالية.[1]

أهل الحضر كانوا يعبدون آلهة عدة منها اللات وشمش. وتعني الحقيقة المطلقة عند الحضريين، كما نعتوا الشمس بالإله الأكبر وقد تخيلوه على هيئة كهل عاقل. كما توضح رسومهم على أقواس وإسكفات في المعبد الكبير، فقد انتقلو من الوثنية و تحولوا إلى الديانة المسيحية. وأصبحت مملكتهم مملكة دينية ذات حكم ديمقراطي، وتتمتع بأرقى معاني الديمقراطية وحرية إبداء الرأي مقارنة بالممالك الأخرى.[2]

العمارة والفن

شهدت الحضر العديد من الاكتشافات الهامة على مر السنين. ومن بين أهم الاكتشافات التي تم العثور عليها في مملكة الحضر عملات معدنية تحمل اسم “حضر شمش” وتماثيل. وتعد العملات والتماثيل جزءًا من التراث الثقافي للمدينة، كما تم اكتشاف أبراج مراقبة وحمامات ذات نظام تسخين متطور. تعكس حمامات عربايا التقدم التكنولوجي الذي كانت تتمتع به المملكة. كما احتوت على مكان عبادة مخصص لكاتب الله نبو والإلهة ناني، بالإضافة إلى شهادة من كاهنة للإلهة عشتار دي أربيل، وربما أيضًا اسم ذكر الله آشور.

تم العثور أيضاً على نقش بارز يمثل الإلهة على ظهر جمل في معبد اللات، والذي يشير إلى طقوس دينية. يمكن القول بأن هذه الاكتشافات تعكس الحضارة والتقدم الذي تمتعت به مملكة الحضر، وتعد جزءاً من التراث الثقافي لهذه المدينة التاريخية.

كلها كانت عوامل مساعدة دفعتهم للتفكير بالإبداع وإيجاد عناصر عمرانية خاصة متمثلة بالمعابد في إبراز الالهة ومكانتهم. فقد تم العثور على البرونز وأعداد كبيرة من المسكوكات، منها ما هو مضروب في مدينة الحضر. حيث امتلكت مملكة الحضر داراً لضرب العملة النحاسية والفضية والذهبية.[3]

قطع معدنية كانت مستخدمة في مملكة الحضر.

علاقات مملكة الحضر

تشكلت علاقات مملكة الحضر مع الدول الأخرى في المنطقة وخارجها على مر السنين، وكانت هذه العلاقات تتميز بالتعقيد والتنوع. ومن بين العلاقات الدبلوماسية التي كانت تربطها مع الدول الأخرى، علاقات تجارية ودبلوماسية مع الإمبراطورية الرومانية. وكانت تستورد منها بعض المواد الأساسية مثل الحديد والبرونز. وأيضاً كان لها علاقات مع الإمبراطورية الساسانية فاستوردت منها الحرير والتوابل. [5]

الكتابة الحَضَرية

تُعتبر الكتابة الحضرية كتابة خاصّة، شأنها شأن الكتابات في الممالك المجاورة لها كالتدمرية والنبطية، وهي ليست آرامية كما يُعتقد. فمحاولات المتخصّصين في الآرامية لقراءتها باءت كلّها بالفشل منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي وما بعده، وإن كانت قد تأثّرت بالآرامية في وضعها لبعض الحروف.

كما لم تُفسّر رموز هذه الكتابة كاملة إلاّ في سنة 1951م على يدي فؤاد سفر ومحمّد علي مصطفى. وتأكّد ذلك بعثورهما على حروفها كاملة منقوشة على الجدار الشرقي لمعبد بَعْلَشْمون بترتيب أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت، وبذلك تيسّر قراءة هذه الكتابة.[3]

حروف الأبجدية الحضرية، وجدت منقوشة على الجدار الشرقي لمعبد بعلشمون. تعود على وجه التقريب إلى القرن الثاني الميلادي.

سقوط المملكة

سقطت المملكة عام 141 من الميلاد، بعد أن حرر آخر ملوك الحضر أقاليم السواد وشهرزور من سلطة الاحتلال الساساني. فأعدّ الإمبراطور الساساني شابور الأول العدّة للهجوم على الحضر، بعد أن فشل والده في احتلالها سابقاً. ففرض عليها حصاراً، وتمكن من اختراقها واحتلالها بعدما ساعده أشخاص من داخلها. [4]

المراجع
1. Britannica.com
2. Unesco.org
3. Depedia.org
4. Heritagedaily.com
5. Ancientneareast

ممالك من العصر البرونزي، مملكة إيمار أين تقع وكيف اكتُشفت؟

تشير الحضارات التي تشكلت على ضفاف الأنهار إلى المدن التي تعتمد على الزراعة والتي تقع بجوار الأنهار وتستفيد منها كمصدر موثوق للمياه والشرب والزراعة. ومن هذه الحضارات مملكة إيمار التي تعد من الممالك القديمة التي ساهم وقوعها على ضفاف نهر الفرات في تطور وأزدهار المملكة آنذاك.

موقع مملكة إيمار

تأسست إيمار في منتصف الألف الثالث قبل الميلاد وكانت تقع على ضفاف نهر الفرات. حيث كانت مركزًا تجاريًا مهمًا في عصر البرونز، وتحتل موقعًا حيويًا بين مراكز القوة في الجزيرة العليا وأناضوليا-سوريا.

بالإضافة إلى أنها كانت مرتبطة بالعالم القديم الأكبر من خلال القوة الحثية، التي كانت مقرها النهائي في أناضوليا، والتي تمثلت في سوريا من خلال مملكة كركميش.

اكتشاف المملكة

في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، شكلت إيمار مركزًا مهمًا للمملكة الحيثية في مواجهة الآشوريين، بحيث كان ملك إيمار تابعًا لملك كركميش الذي كان بدوره قريبًا وتابعًا للملك الحثي.

فقد تم اكتشاف إيمار عام 1972 من قبل بعثة المعهد الفرنسي للدراسات العربية في دمشق ضمن حملة الإنقاذ الدولية لحوض الفرات.[1]

تسمية الموقع

حملت هذه المدينة تسميات عدة. وكان أقدم ذكر لها في النصوص المسمارية هو (إيمار). في حين ذكرها ياقوت الحموي في معجم البلدان باسم (باليس)، وأشار إلى أنها بلدة صغيرة. وقد ذكرها الأراميون باسم (بيت_بالس)، وباسم ( بارباليسوس) في العهد الكلاسيكي.[1]

إيمار في النصوص القديمة

لقد ورد اسم إيمار في العديد من النصوص والوثائق الكتابية المكتشفة في بلاد ما بين النهرين وشمال سورية، كما ورد اسمها في قائمة المدن التي نجدها مكتوبة على جدران معبد الكرنك من عهد تحوتمس الثالث. وتتحدث بعض الرُقم المكتشفة في إيبلا عن هدايا من الأثواب والمنسوجات قدمت لكبار رجال المدينة.

ويرد ذكر إيمار في نصوص ماري وأوغاريت اللذان يعودان إلى مطلع الألف الثاني قبل الميلاد. إلا أن الوثائق الأكثر أهمية هي التي تم العثور عليها في إيمار نفسها. والتي قدمت صورة متنوعة عن النشاطات التي كانت تجري داخل المدينة وخارجها.[2]

حكام مملكة إيمار

الحكام في إيمار كانوا يتبعون النظام الملكي، وأن النصوص التي تتحدث عنهم تقدم أسماء بعض الحكام ولقبهم الملكي “لوغال” ويمكن القول ومن خلال بعض النصوص  المكتشفة أن السلطة فيها لم تكن مطلقة بيد الملك بل كانت هناك سلطة معبد ورجال دين. وهي التي كانت تشرف على أراضي زراعية واسعة.

فقد كانت السلطة الفعلية والقرارات المهمة بيد ملوك كركميش. إذ كان حكام إيمار تابعين لهم في الأمور والقرارات وخصوصاً بالعلاقات الخارجية. وتؤكد المكتشفات أن حكام مملكة إيمار اهتموا بها وتعاملوا معها بخصوصية نظراً لموقعها الجغرافي المتميز وفي رصد تحركات القبائل البدوية على أطراف البادية السورية.

ووفقاً للنصوص المذكورة فقد ورد فيها أسماء ثلاثة من ملوكها وهم ( أب_ دامو)، (أشجي_دامو)، (روسي_دامو) وأحد أمرائها يدعى (شرسا_دامو).[5]

الحياة الدينية

كانت تمارس عبادة بعل وزوجته عشيرة، تمامًا كما كان يفعل الآراميون والفينيقيون القدماء. حيث كان بعل إلهًا للخصوبة والمطر والرعد، بينما كانت عشيرة إلهة للخصوبة والأمومة. تأتي الأدلة على ذلك من مصادر مختلفة، بما في ذلك الآثار الأثرية والنصوص القديمة مثل ألواح إيمار.

كما اكتشف أرشيف لجميع التراتيل التي كانت تنشد في حجرة العبادة أثناء تأدية الطقوس والمراسيم الدينية، فكانت الطقوس التي تصاحب تقديم الأضاحي والقرابين من حيوانات وخبز وشراب. كما وصفت الأعياد الدينية مثل عيد الذكر التي كانت تجري خارج المدينة وتدوم عدة أيام. وكان الإله داجان هو الإله الرئيسي في هذا العيد. كما كان هناك عيد العرش الذي كان يقام في المعبد.[4]

الحياة الإقتصادية

اعتمدت الحياة الاقتصادية في مملكة إيمار على الزراعة والتجارة وتربية الماشية. فقد كانت زراعة الحبوب النشاط الزراعي الأهم في المجتمع في عصر البرونز المتأخر.
 أما بالنسبة للتجارة كانت تقع على طريق التجارة الرئيسي بين الجزيرة العليا وأناضوليا. وتم العثور على العديد من النصوص التجارية في إيمار، والتي تشير إلى وجود تجارة بين إيمار ومملكتي ماري وإبلا وبعض الممالك الأخرى المجاورة.[3]

مملكة إيمار وعلاقاتها التجارية

كانت مملكة إيمار تضم ميناءً تجارياً مهماً يعد عقدة مواصلات تربط بلاد الرافدين بالممالك التي تقع إلى الغرب منها عن طريق الفرات أو الطريق البري. وكانت السفن تفرغ حمولتها في هذا الميناء، ثم تنقل البضائع على الحمير أو الثيران إلى (حلب)، وعلى العكس كانت البضائع تُنقل من حلب وقطنة إلى إيمار بالأسلوب نفسه.

فقد تمتعت إيمار بعلاقات طيبة مع المدن المهمة في تلك الفترة. وخصوصاً إيبلا في نهاية الألف الثالث قبل الميلاد، وماري التي كانت تنافس إيبلا على تمتين العلاقات الطيبة مع إيمار. تبعت إيمار مملكة يمحاض في مطلع الألف الثاني قبل الميلاد، وأصبحت الميناء الرئيسي لها على نهر الفرات، ثم استولى عليها الحثيون عندما احتلوا حلب. وقضوا على مملكة يمحاض وذلك في مطلع النصف الثاني من الألف الثاني قبل الميلاد. وبقيت المدينة ذات موقع تجاري مهم على نهر الفرات حتى تم القضاء عليها عام 1187قبل الميلاد.[2]

أهم الاكتشافات الآثرية

من الأمور المهمة التي أسفرت عنها التنقيبات ظهور شواهد كثيرة من العمارة الدينية والمدنية، منها معابد مستطيلة الأبهاء وذات مدخل محوري، وبيوت ذات ثلاث غرف في بناء منتظم على المصاطب. كما عُثر على كثير من الأواني الفخارية والمذابح والأختام الأسطوانية وغيرها مما يجده الزائر متحف حلب معروضاً في جناح حوض الفرات.
بالإضافة إلى وجود بقايا عدة معابد ضمن المدينة وأهمها معبد بعل ومعبد عشتار اللذين توضعا في قلب المدينة، ويتألف مخطط المعبدين من قاعة كبيرة متطاولة الشكل ومخطط المعابد هنا متوافق مع ما هو سائد في سورية منذ الربع الأول للألف الثالث قبل الميلاد.

كما تميزت المملكة ببعض فنون النحت على الحجر بطريقة الصب كنحت التماثيل والأواني وبعض الصناديق المستطيلة التي عثر عليها بكميات كبيرة التي نقشت عليها أشكال متنوعة تمثل نساءً وطيوراَ وأشكالاً هندسية والتي تبين أهمية التصوير النحتي السوري.[5]

نهاية المملكة

مملكة إيمار تم نهبها وتدميرها من قبل شعوب البحر عام 1187 قبل الميلاد. وقد حدث هذا خلال فترة الاضطرابات التي عانت منها المملكة، وذلك بعد انهيار الإمبراطورية الحيثية.

وبدلاً من ذلك، تم إعادة توطينها، عندما كانت تحت السيطرة البيزنطية وظلت موجودة حتى القرن السادس الميلادي على الأقل، على الرغم من أنها أصبحت حالياً في حالة خراب.[1]

المراجع:
1. Historyfiles.com : syriaemar
2. Britannica : Emar
3. Encyclopedia.com : Emar
4.ancient.neareast.studies : Emar
5. Ancientneareast.com

أين تقع مملكة ماري ومن قام بإكتشافها؟

قدِم الأموريون إلى سوريا في منتصف الألف الثالث قبل الميلاد مع الكنعانيين من شبه الجزيرة العربية، عندما نزل الأموريون في بلاد الشام، أخذوا يتجولون في شمال سوريا بحثاً عن المناطق الأكثر خصوبةً، إلى أن استقروا في عدة مدن مكونين ممالك كان من أهمها مملكة ماري المعروفة ب تل الحريري.

موقع مملكة ماري

تقع ماري المعروفة حالياً باسم (تل الحريري)، على بعد 11كم إلى الشمال الغربي من مدينة البوكمال على الضفة اليمنى لنهر الفرات. في منتصف الطريق الذي يصل بين البحر المتوسط وبلاد مابين النهرين.

فقد شكل اكتشافها عام 1933 حدثًا هامًا لفت أنظار علماء الآثار والباحثين وحثهم على دراسة تلك الحضارة، ومعرفة الازدهار التي كانت عليه تلك الفترة.

اكتشاف مملكة ماري

اكتشفت ماري مصادفة عام 1933م ،عندما وجد جماعة من البدو تمثالاً نصفياً في سفح تل الحريري، فقاموا بإخبار السلطات الفرنسية. وبعدها بدأت بعثة فرنسية تابعة لمتحف اللوفر بالتنقيب في الموقع. بذلك أدت التنقيبات التي كانت برئاسة أندريه بارو إلى التأكد من أن هذا التل هو الموقع الأساسي لمملكة ماري.[1]

Image title

Your subtitle here

حكام مملكة ماري

مملكة ماري كانت تحت حكم عدة ملوك على مر العصور. ومن بين الملوك البارزين في مملكة ماري يمكن ذكرهم: أولاً الملك سرجون الأكادي. الذي حكم ماري في فترة 2200 قبل الميلاد .

ثانياً الملك يجد ليم: برز من السلالة الأمورية تقريباً، حيث بدأ الملك حكمه بتوسيع نطاق نفوذه على طول نهر الفرات، إلى منطقة الخابور في الشمال.[2]

وأخيراً الملك زمري ليم: تميز حكم زمري ليم بقوة ماري ونفوذها، حيث نجح في مواجهة الآشوريين، وتحقيق انتصارات عسكرية فقد كانت فترة حكمه تعتبر العصر الذهبي لمملكة ماري.[1]

مخطط مملكة ماري

بنيت مملكة ماري في الألف الثالث قبل الميلاد وفق مخطط منتظم يحيط بها سور دفاعي قوي. وقامت ضمن هذا السور بيوت المدينة ومعابدها. وكان اللبن المسطح المستخدم في العراق القديم هو مادة البناء الرئيسة، كما استخدم الآجر في الأقواس والأحواض بانتظام وقصورها، موزعة حول الشوارع.[2]

أهم المكتشفات الآثرية في مملكة ماري

القصر الملكي

يعود في تاريخه للألف الثاني لما قبل الميلاد، والذي يُعتبر من العمارة القديمة الشرقية. ويعتبر هذا القصر الملكي من أفخم القصور التاريخية. كما شيد القصر وسط المدينة في مكان مرتفع. وهو مربع الشكل في سوره عدة أبواب، وكل باب مخصص لدخول نوع محدد من الناس.

كما كان القصر مقسماً إلى أجزاء عديدة يتجمع كل قسم منها. وقد رُصعت بعض جدران القصر الرئيسة بلوحات ملونة،أخذت مناظرها، بما أخذ به فن النحت المحلي في عهدها من واقعية الملامح وتفاصيل الأزياء.[3]

Image title

Your subtitle here

تمثال آلهة الينبوع

من بين الاكتشافات، تمّ العثور على بعض التماثيل مثل تمثال (آلهة الينبوع) متمثلاً بإمرأة واقفة ترتدي ثوباً طويلاً متموجاً مشيرا إلى تموجات المياه، وتتدلى منه فروع صغيرة ترمز إلى مجاري الأنهار. كما تمسك الإلهة بيدها إناءً تتدفق منه المياه. رمزاً للخصوبة والحياة ،ويعرض هذا التمثال حالياً في متحف حلب.

Image title

Your subtitle here

الديانة في ماري

حظيت العبادة في مملكة ماري بالاهتمام الأكبر ،مما دفع سكان ماري لبناء معابد آلهتهم وفق طراز معماري متميز، وقد تم العثور على عدة معابد هامة منها معبد “عشتار” و”داغان” و”شمش” وبعض التماثيل بوضعية العبادة.
كما هناك العديد من المعابد منها معبد “عشتار”‏ يقع على حافة المدينة الغربية وكان المعبد متميزاً بمساحة واسعة ذات نتوءات بارزة، وتحتوي على منصات لتقديم القرابين، وعلى قاعة للهيكل تقام فيها طقوس العبادة، ومعبد “شمش” ويقع في الشمال الشرقي من القصر ويتألف من باحة يحيط بها جدار ذو بروزات.
من ناحية أخرى عثر على لقى كثيرة في معبد “عشتار” وأكثرها تماثيل أشخاص في وضعية العبادة، وتماثيل آلهة وبعض المعابد متعددة القاعات، وبعضها يضم حجرة واحدة، وكانت هذه المعابد على غاية من الثراء والزينة، وكان في معابد ماري كتبة لتسجيل ما يخرج منها وما يدخل إليها من الأموال التي تجبى أو تنفق باسم المعبد. [3]

الموسيقى في ماري

تُعتبر آثار ماري أغنى مصدر كتابي مؤرّخ للموسيقى في عصر البرونز، حيت تضمّ رقماً وكتابات جدارية تتحدث عن الموسيقى والهيكل التنظيمي للموسيقيين في القصر الملكي وكيفية اختيار العازفين والمغنين. ولعل “أورنينا” عازفة ومغنية المعبد، ما زالت الرمز الأجمل لماري التي تعكس عمق تأثير الموسيقى في حياة الإنسان.

فقد عزفت ماري الآلات الموسيقية الوترية والإيقاعية والهوائية، كآلة القيثارة ذات الأوتار التسعة وآلة القيثارة المصنوعة من خشب الصندل المغطى بالذهب، وصندوقها الصوتي المصنوع من الجلد، وآلة الهارب.

كما ذكر الأرشيف الملكي أنواع الآلات الموسيقية ومواد صناعتها وتأثير نوع كل مادة على صوت النغم الموسيقي، مثل صناعة الناي من خشب الأبنوس المفضل على خشب التنوب، وصناعة القيثارة من الجلد بعد نقعه في اللبن والحليب والقطران، ثم تلوينها، وكيفية معالجة جلد البقر لصنع الطبول.[6]

مملكة ماري وعلاقاتها التجارية

لعبت مدينة ماري دوراً بارزاً في التجارة والمواصلات التجارية ما بين جنوب بلاد الرافدين وسورية وآسية الصغرى. حيث يضيء أرشيف ماري لنا جوانب عديدة من حياة تلك المدينة ومنها الجانب التجاري.

ومن مواد التجارة التي كانت ماري تستوردها أو تعبرها إلى بلاد بابل، الخمر الذي كان يُستورد من سورية وبشكل خاص من مدينة إيمار والاخشاب بأنواعها المختلفة كالأرز والسرو والصنوبر وزيوت الاشجار ومنتجاتها.

كما كانت الطرق التجارية التي تربط سورية مع بلاد الرافدين تمر عبر ماري. أحد هذه الطرق كان يتجه إلى الشمال الغربي بمحاذاة الفرات حتى إيمار. فقد كانت ماري تجني أرباحاً جمة من الجمارك التي تفرضها على القوافل التجارية التي تعبر أراضيها.

وبالطبع كان لها علاقات متبدلة مع مملكة إيبلا المعاصرة. وتذكر نصوص إبلا مدرسة الكتبة في ماري،حيث تعلّم كتبة إيبلا كما تشير النصوص إلى حملة عسكرية من قبل إبلا ضد ماري في عهد ملكها ابلول – إيل.[5]

نهاية مدينة ماري

شهدت مملكة ماري فترتي ازدهار الأولى في الألف الثالث. والثانية في الألف الثاني قبل الميلاد في حين سقطت ماري في نهاية المرحلة الأولى بيد الملك الأكادي شروكين وتعرضت للدمار والتخريب.
أما في المرحلة الثانية استمر زمري ليم في حكمه تحت السيادة البابلية لمدة عامين. ثم حدث عصيان في ماري، فأرسل الملك حمورابي البابلي جيشاً إليها دك أسوارها وأحرق القصر الملكي وبداخله الملك زمري ليم.[4]

المراجع:

  1. Worldhisotry.org
  2. historyfile: City State of Mari
  3. Britannica.com: mari ancient city
  4. Heritagedaily: Mari the ancient city
  5. Ancient pages: lost kingdome Mari
  6. Harvard.Archive University

من هي زنوبيا، وكيف وصلت إلى حكم مدينة تدمر؟

تعد زنوبيا من أشهر الشخصيات في التاريخ، فقد كانت ملكة المستعمرة الرومانية في مدينة تدمر في سوريا آنذاك. حكمت في الفترة الواقعة بين (267 – 272م)، وقامت بغزو عدة مقاطعات في الجهة الشرقية من روما.

نشأة زنوبيا وبداية حياتها

ولدت زنوبيا في تدمر، سوريا في عام 240 م. وكان لها عدة أسماء كزينب كما عرفها العرب، وسبتيما زنوبيا باليونانية، وأوريليا زنوبيا باللاتينية. وقد كانت سوريا في ذلك الوقت مقاطعة رومانية. وكانت زنوبيا تتقن، إضافة إلى لغتها الأمّ التدمرية، اللغتين المصرية واليونانية، وكانت تتحدّث اللاتينية أيضاً.

صفات الملكة زنوبيا

كانت غزيرة المعارف، مولعة بالصيد والقنص، تحسن أكثر اللغات الشائعة في عصرها. كما كانت ملكة جليلة ذات رأي وحكمة، وعاشت عظمة ملوكية مقلدة ملوك الأكاسرة. تثقفت بالثقافة اليونانية، كان لها اطلاع واسع على تاريخ الشرق والغرب.

تولّي زنوبيا العرش

تزوجت زنوبيا من سبتيموس أودينثوس المعروف بأُذينة، الحاكم الروماني لسوريا، الذي أنجبت منه ابناً واحدًا، وهب اللات. وقد حكم أُذينة مدينة تدمر، التي كانت مركزاً تجارياً مُهماً على طريق الحرير بين الشرق والغرب. وبذلك كان يجب على التجار القادمين إلى روما أو العائدين منها التوقف في تدمر لدفع الضرائب وللراحة. لم تخلفه زنوبيا في منصبه بعد وفاته فحسب، بل إنها عقدت العزم على بسط سلطانها على الدولة الرومانية الشرقية. وكان ابنها وهب اللات لا يزال حينذاك طفلاً، فتسلمت مقاليد الحكم. كما حصلت العديد من المعارك خلال فترة حكمها كملكة لتدمر بينها وبين الإمبراطورية الرومانية منها معركة انطاكية ومعركة حمص وقد أسفرت عن فوز الإمبراطورية الرومانية.

سيطرة الملكة زنوبيا على مصر

تميزت فترة حكم زنوبيا لتدمر بسلسلة من الحملات العسكرية التي كانت تهدف إلى توسيع إمبراطوريتها. فنجحت في السيطرة على مصر، التي كانت واحدة من أغنى مناطق الإمبراطورية الرومانية. لذلك أدى التوسع الجريء الذي قادته زنوبيا إلى صدام مباشر مع الإمبراطورية الرومانية. حكم الامبراطورية آنذاك الإمبراطور أوريليان، فكانت أفعال زنوبيا بمثابة تحدٍ واضح لسلطة الرومان في منطقة البحر الأبيض المتوسط الشرقي. فقد امتدت دولتها من الفرات إلى النيل، وقامت بتوسيع نفوذها وبسط سيطرتها على أقوى الأمبراطوريات وهي الإمبراطورية الرومانية الشرقية. [2]

أهم أعمال الملكة زنوبيا

كانت زنوبيا من الملكات اللواتي قمن بثورة كبيرة في دور قيادة الأنثى في عصرها، إذ إنها قامت بكثير من الأعمال التي خلدها التاريخ. حيث قادت جيوشها إلى معارك كبيرة، وهزمت جيوش لم تتمكن إمبراطوريات كبيرة من هزمها. وبالإضافة إلى ذلك فقد أصدرت الملكة زنوبيا عملة خاصة بمدينة تدمر وصكّت النقود في إنطاكية. كما طبعت على عملتها صورة وهب اللات على وجه وعلى الوجه الثاني صورة الإمبراطور أورليانوس. كما أزالت من النقود صورة الإمبراطور لتميّز النقود السورية التدمرية عن نقود روما. وايضًاكانت زنوبيا تدعم الفنون والثقافة، وقد قامت بإنشاء مكتبة في تدمر ودعمت الفنون والآداب.[3]

آخر أيام زنوبيا

قطعت زنوبيا إمدادات الحبوب عن روما؛ فقد سيطرت على مصر وثروتها من الحبوب التي تُقدمها إلى روما. فتعاظم تحدي زنوبيا للإمبراطورية الرومانية وهو ما استفز الإمبراطور أورليانوس، الذي استحوذ على السلطة في روما. لذلك أعلن الإمبراطور الجديد حربه على زنوبيا، وبالفعل استطاع أن يهزم جيوشها في أنطاكية بتركيا الآن. وبذلك فقد اختلف العرب حول قصة موت “زنوبيا”، فبعضهم يعتقد بأن حياتها انتهت في منزل بسيط أعده لها ( أورليانوس). وبعضهم الآخر يقول أنها امتنعت عن الأكل، وخارت قواها وماتت. بينما تقول رواية أخرى بأنها قد طلبت من أحد حراسها بأن يأتي لها بالسم، فشربته وماتت به.

الأوضاع بعد وفاة زنوبيا

تولى وهب اللات الحكم على مملكة تدمر وأصبح الملك الأخير لتلك المملكة. ولا يوجد الكثير من المعلومات حول الأحداث التي جرت في مملكة تدمر بعد وفاة زنوبيا، قاد وهب اللات جيوش مملكة تدمر في غزوها لمصر وآسيا الصغرى لفترة، ولكنه تمكن الإمبراطور الروماني أوريليان من هزيمته وأسره ونقله إلى روما حيث توفي بعد ذلك بوقت قصير.[4]

المراجع:

  1. Britannica
  2. History.magazine
  3. thecollector.com
  4. worldhistory

ماذا تعرف عن مملكة أوغاريت ومتى اكتشفت وبم اشتهرت؟

تصدرت سوريا بممالكها التاريخية المقام الرفيع في سلم الحضارة الانسانية، كمملكة أوغاريت التي تعد من أهم ممالك الشرق القديم. نأخذكم معنا في هذا المقال في رحلة إلى مملكة أوغاريت في سوريا.

موقع مملكة أوغاريت

 تقع مملكة أوغاريت على تل أثري يسمى رأس شمرا ، على ساحل البحر الأبيض المتوسط في شمال سوريا. ومن ناحية أخرى كانت مركزًا اقتصاديًا رئيسيًا في الشرق الأدنى القديم وبمثابة مركز تجاري رئيسي بين مصر وآسيا الصغرى وبلاد ما بين النهرين. فقد تم اكتشافها بالصدفة على بعد حوالي نصف ميل من الشاطئ من قبل مزارع كان يحرث أرضه. وفيما بعد بدأت الحفريات في عام 1929 من قبل بعثة أثرية فرنسية تحت إشراف كلود شيفر. [1]

أبجدية مملكة أوغاريت

 الأبجدية في مملكة أوغاريت كان عبارة عن نظام كتابة مسماري استخدم على الساحل السوري من القرن الخامس عشر إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد. يُعتقد أنه تم اختراعه بشكل مستقل عن أنظمة الكتابة المسمارية الأخرى والأبجدية الخطية الشمالية السامية ، المكتوبة من اليسار إلى اليمين. وهي مكونة من ثلاثين رمزًا تتضمن ثلاثة أصوات للحروف المتحركة ، على عكس 22 حرفًا ثابتًا في الأبجدية السامية الشمالية.

كما كُتبت الوثائق الأوغاريتية على ألواح طينية بقلم إسفيني الشكل وتعود إلى القرنين الخامس عشر والرابع عشر قبل الميلاد. بذلك تم العثور عليها لأول مرة في أوغاريت (رأس شمرا) على الساحل السوري في عام 1929.[2]

الديانة في مملكة أوغاريت

يفترض علماء الآثار أن المعبد كان مكونًا من فناء مغلق وفي وسطه وُجِدَ أول مذبح حجري. وراء جدران الباحة الأولى تواجدت الحرم المخصصة لإله المدينة بعل. بالإضافة إلى ذلك مجمًعْ الأرباب الإلاهي في مملكة أوغاريت، ضم العديد من الآلهة كالاله بعل، إله العاصفة والمطر الخصيب، وغالبًا ما توج بالذهب .[3]

الاكتشافات في مملكة أوغاريت

تم الكشف ايضاً عن العديد من الطرق المعبدة والمنازل الجميلة والمباني السكنية والمباني الإدارية والحكومية. ومن أفضل الاكتشافات هي المكتبة الفخمة في القصر الملكي الذي يعتبر من أفخم القصور في الشرق القديم ، بمساحة تقدر بـ 10.000 متر مربع بالإضافة إلى مجموعة من المدافن والمقابر في الجهة الجنوبية وعلى الخلفية. من الأرشيف المكتوب الكبير الذي تم العثور عليه في القصر الشمالي ، والذي يعود تاريخه إلى عهد الملك عميشتارو.

تم الكشف ايضاً عن أقدم نغمة مسجلة في العالم  عمرها 3400 عام هذا هو الترنيمة الحورية ٦ مكرسة لزوجة إله القمر. كما انها وجدت في أوغاريت في سوريا القديمة. وبذلك يمكنك الاستماع إليها من هنا: [4]

أوغاريت وعلاقاتها التجارية

أن للتجارة أهمية بالنسبة لأوغاريت وهذا ما نلمسه من خلال تشجيع ملوك أوغاريت للتجارة إذ وجدت آثار كثيرة للنحاس والبرونز في الميناء إضافة إلى كتل كبيرة من الرصاص وبما ان كان لاوغاريت علاقات تجارية مع كثير من الدول كمصر هذا يعطي دليلها مصدر مصري وهو عبارة عن لوحة من مدفن في طيبة يعود إلى حوالي 1400 قبل الميلاد. ويظهر سفناً من الطراز المصري مزدحمة بطاقم من العمال الفينيقيين يفرغون الحمولة في مدينة مصرية ( لعلها طيبة).

ووجدت ايضًا مجموعة كبيرة من المنحوتات المستوردة من مصر ومنها منحوتة تمثل شخصًا يدعى سنوسرت. فكانت أوغاريت دائمًا في نصوص إيبلا ايضًا , لأن التجار المصريون كانوا يأتون إليها عن طريقها حاملين بضائعهم المختلفة ويعودون ومعهم اللازورد والاخشاب وغير ذلك.[2]

الأرض والسكان

كانت أراضي مملكة أوغاريت قرابة 2000 كيلو متر مربع,  وهي غنية بأمطارها وكثرة مصادر مياهها. كما تؤكد ذلك الوثائق المكتشفة التي تشير إلى انتشار الأعمال الزراعية ولعل أهم المحاصيل المنتجة الحبوب و الاعناب والزيتون, كما اهتموا بالحدائق والبساتين فضلًا عن تربية المواشي.

لم يشكل سكان أوغاريت وحدة متماثلة ففضلًا عن الأوغاريتيين الذين يشكلون الجزء الرئيس من السكان ويتكلمون بإحدى  اللغات الجزرية وهي الأمورية كان الحوريين يشكلون جزءًا مهمًا من سكان المدينة. أما عن أصل سكان مملكة أوغاريت فهم من الكنعانيين والذين أطلق اليونانيين عليهم اسم (الفينيقيين) الذين اشتهروا بإنتاج الصبغة القرمزية من مواقع البحر وكما سكنوا المناطق الممتدة من فلسطين وصولًا إلى الشمال السوري ومنها أوغاريت وأصبحوا يتكلمون لغة واحدة نجد أقدم أشكالها على الرقم الطينية بحروف مسمارية.

نهاية مملكة أوغاريت

أكدت الدراسات و الأبحاث أن نهاية هذه المملكة كانت عنيفة إذ أُبيدت أوغاريت ومملكتها حوالي عام 1180 قبل الميلاد. فهناك عدة فرضيات عن نهاية أوغاريت: حيث تقول الفرضية الأولى: إن أوغاريت قد دمرت بزلزال عنيف ضربها إلى غير عودة أما الفرضية الثانية: فترى أن أوغاريت تعرضت لاكتساح مدمر من قبل غزاة عرفوا بشعوب البحر وهذا أدى إلى الحاق الخراب و الحريق والدمار في المدينة.[4]

المصادر:

Britannica.com _1
UNESCO _2
Academia.edu _3
4_ Archaeology.com

مملكة إيبلا المنسية، كيف اكتشفت وبم اشتهرت؟

لم يكن اكتشاف أطلال مملكة “إيبلا” حدثاً عادياً في تاريخ سوريا الحديث، فمعرفة مملكة “إيبلا” نقلت سوريا إلى مكانة رفيعة وجعلتها تحتل مركزاً حضارياً متقدماً في الشرق الأدنى جنباً إلى جنب مع بلاد الرافدين وحضارته السومرية ووادي النيل وأهراماته وعصر ملوك

والحقيقة أن الوثائق التي كتبت قبل 4500 سنة غيّرت مفاهيمنا عن أقدم مراحل التاريخ. فقد ظلت “إيبلا” قابعة في أذهان علماء الآثار عشرات السنوات قبل أن يُعرف موقعها، فهي لم تكن قبل عام 1968 سوى اسم موثق في الشواهد الكتابية.

يوجد الكثير منا لا يعلم أين هي مملكة إيبلا فلا بد من التعرف عليها في المقال التالي

موقع مملكة إيبلا

تم اكتشاف مملكة إيبلا على يد بعثة إيطالية برئاسة العالم الآثاري الشاب باولو ماتييه عام 1968 م والحقائق تتضح شيئاً فشيئاً عن التاريخ السوري القديم.
تقع مملكة إيبلا في سورية في المنطقة الواقعة إلى الجنوب الغربي من مدينة حلب، في قمة تل مرديخ. وتبعد عنها حوالي 50 كم. وقد ذكرت في العديد من الأماكن التاريخية القديمة مثل الوثائق المسمارية ونصوص سلالة أور الثالثة. كما ذكرت في نصوص تعود للعصر الآشوري القديم. ومع ذلك ظلت مدينة «إيبلا» مجهولة ومنسية بالنسبة لموقعها الجغرافي على الرغم من أهميتها، ودورها الحضاري في المنطقة.

الديانة في إيبلا

كانت ديانة إيبلا متعددة الآلهة، وفي المقام الأول كنعانية. كان دابير هو الإله الراعي للمدينة، ولكن تم أيضًا عبادة دجن وسيبيش وحدد وبالاتو وعشتروت. كانت لغة إيبلا لهجة كنعانية غير معروفة حتى الآن ، وهي أقرب إلى اللغات السامية الشمالية الغربية. ومع ذلك، فإن كتابة الألواح هي بالكتابة المسمارية السومرية، مع أقرب تشابه للألواح من أبي صلابيخ (الآن في العراق). تكشف النصوص أن المعلمين السومريين جاءوا إلى مملكة إيبلا.

ووجود “ إيبلا” بالقرب من أداب يشهد على أن الإبليين ذهبوا إلى سومر أيضًا. تظهر المفردات والمقاطع والمعاجم الجغرافية وتمارين الطلاب التي تم استردادها أن إيبلا كانت مركزًا تعليميًا رئيسيًا. إن اكتمال نصوص إيبلا، والتي في بعض الأحيان تكرر نصوصًا مجزأة من سومر، يعزز بشكل كبير الدراسة الحديثة للغة السومرية[1].

اكتشافات مملكة إيبلا

إن من أهم الاكتشافات التي أوضحت طبيعة حياة الإنسان السوري القديم من حيث الجوانب المختلفة بما فيها السياسية والدينية والثقافية وغيرها، هو اكتشاف مكتبة القصر الملكي في مملكة «إيبلا». فقد قام الملكُ الأكادي «نارام سين» بإضرام النار في المملكة. ولكن المفارقة كانت مدهشة، فتلك النار التي أشعلها شوت الرقم المصنوعة من الطين، هذا مما جعلها تعيش عمراً أطول, والأجمل من هذا أن تلك الرقم كانت بلغة خاصة بمملكة «إيبلا». ومع ذلك لم يتم التأكد من أنّ الموقعَ هو نفسُه موقع «إيبلا» القديمة.

بقيت هذه المملكةُ مجهولةً إلى عام 1968 عندما عُثِر على جذع تمثال من الحجر البازلتي يحمل نقشاً أكّادياً مؤلفاً من سطور عدة. وتذكر الكتابة أن التمثال هو ملك (إيبلا)، وقد ورد اسمها مرتين في النقش. مما أثبت للباحثين أنهم أمام مملكة «إيبلا» التي تسمى المملكة المنسية المنخفضة.

مكتبة إيبلا

المكتبة الملكية لمملكة إيبلا القديمة يُعتقد أنها أقدم مكتبة في العالم. تم اكتشاف المكتبة في الأعوام 1974 – 1976 على يد علماء آثار إيطاليين من جامعة روما لا سابينزا. وقد عثروا على حوالي 2000 قرص كامل يتراوح حجمها من 1 بوصة إلى أكثر من قدم، و4000 جزء من القرص، وأكثر من 10000 شريحة وأجزاء صغيرة. تعد هذه المجموعة من النصوص هي الأكبر التي تم العثور عليها على الإطلاق من الألفية الثالثة قبل الميلاد والتي كان لها الاثر الكبير في تقدم تاريخ الكتابة.

هناك أيضًا أدلة تشير إلى أن الألواح من مكتبة إيبلا قد تم ترتيبها عمدًا وحتى تصنيفها. تم تخزين الألواح الأكبر حجمًا في الأصل على الرفوف، لكنها سقطت عندما تم تدمير القصر. بالإضافة إلى ذلك، تظهر الألواح دليلاً على النسخ المبكر للنصوص إلى اللغات والنصوص الأجنبية، وتصنيفها وفهرستها لتسهيل استرجاعها، وترتيبها حسب الحجم والشكل والمحتوى.

المجتمع والسكان

 كان يسكن المملكة أكثر من 250 ألف شخص في مئات البلدات والقرى. مدينة إيبلا، التي تبلغ مساحتها 140 فدانًا، كان يسكنها ما يزيد عن 40 ألف نسمة، 10% منهم من الموظفين الحكوميين. حيث كان عمل مملكة إيبلا تجاريًا، وكانت الإمبراطورية الإيبالية في المقام الأول إمبراطورية اقتصادية ثقافية وليست عسكرية[2].

مملكة إيبلا وعلاقاتها مع الدول الأخرى

لقد تركزت تجارة مملكة إيبلا مع الجهات الشرقية والشمالية الشرقية أكثر من الغربية والجنوبية، فقد كان أهم طريق تجاري لها هو الذي يتجه إلى الفرات وبخاصة إلى ماري ثم تذهب إلى كيش وسط بلاد الرافدين. وكانت هناك طرق أخرى تذهب إلى إيمار  على الفرات وإلى كركميش، حيث تصدر المنسوجات والمفروشات الصوفية والكتانية، كذلك المنتجات الزراعية ومنها الزيوت والعنب والحبوب. أما أهم وارداتها فكانت المعادن وخاصة معدني الذهب الفضة والقصدير والاحجار الكريمة.

إيبلا في شأنها شأن بلاد الرافدين في افتقارها إلى الثروات الطبيعية التي كانت بحاجة إلى استيرادها. ويمكن القول أن العدد الكبير من النصوص الاقتصادية المتعلقة بالاستيراد والتصدير لمملكة إيبلا مهمة كمثيلتها التي جاءتنا من بلاد آشور في العهد الاشوري القديم (2004-1521 ق.م)[3].

نهاية مملكة ايبلا

هناك رأيان حول نهاية مملكة إيبلا، الرأي الأول يقول إن مملكة أكاد هي التي قضت على مملكة إيبلا على حين يذهب الثاني إلى أن مملكة ماري هي المسؤولة أيضاً عن تدمير وإنهاء مملكة إيبلا.

يعتقد الباحثين ايضًا أنه من ضمن الأسباب الرئيسية التي أدت لنهاية مملكة إيبلا أنها غدت قوة اقتصادية كبيرة بسطت نفوذها على مساحات واسعة وصلت حتى بلاد الرافدين إلى جبال الأمانوس التي  توصف بجبال الفضة لكثرة وجود مناجم الفضة فيها  والتي تتوافر فيها أشجار الأرز والسرو والصنوبر  بكثافة[4].

المصادر:

1_ britannica
2-Royal achives of ebla

4_ worldhistory

المصدر من: elakademiapost.com

الاستشراق: الشرق من وجهة نظر غربية

إن الاهتمام بدراسة الشعوب والأمم المجاورة، موجود في كل زمن. ولو عدنا لكتابات المسلمين حول الشعوب المجاورة لهم، سنجد الكثير وتحديدا في أدب الرحلات. وقد ترك الرحالة المسلمون كتابات وصفوا فيها الأمم المجاورة، وحضارتها وآدابها وعلومها. ونقلوا من خلال هذه الكتابات تصوراتهم عنها. ويمكن القول أن هذا الوصف كان تقييما وحكما على الأخر من خلال الذات، فكانت قراءة للأخر المختلف في مرآة الأنا. وإذا كان الاستشراق يمثل محاولة للبحث والتعرف إلى الآخر، والانفتاح على فكره وثقافته، ونقل صورته كونه مختلفا. وكون هذا الاختلاف ينبع من خلال مقارنة الأنا بالآخر، فالاستشراق يمثل قراءة المعطيات المتصلة بالشرق، من حضارة وثقافة وما يتصل به. من خلال ما تعكسه مرآة الغرب عنه، بصفته مغايرا ومختلفا. خاصة أن الشرق بتعبير إدوارد سعيد، يمثل “أعمق صور الأخر وأكثرها تواترا لدى الأوروبيين”[1 ]. وبالتالي الاستشراق هو صورة الشرق من وجهة نظر غربية. وسنتحدث في هذا المقال عن مفهوم الاستشراق بصورة أعمق.

مفهوم الاستشراق

لفظة الاستشراق هي تعريب للمصطلح الإنجليزي 《ORIENTALISM》، وهي بهذه الصياغة الصرفية غير موجودة في معاجم اللغة العربية القديمة. ومع ذلك لم تخل معاجم اللغة العربية الحديثة من هذه اللفظة، كمرادف للمصطلح الغربي. فهي مصدر للفعل استشرق، ومدرجة في معاجم اللغة الحديثة تحت مادة شَرَقَ.

واستشرق في معجم “متن اللغة”: “طلب علوم أهل الشرق ولغاتهم”[2]. وخصصت اللفظة بعلماء الغرب، “ويقال لمن يعنى بذلك من علماء الفرنجة”[3 ]. وهو أيضا “عناية واهتمام بشؤون الشرق وثقافاته ولغاته، وأسلوب غربيّ للسيطرة على الشرق وإعادة بنائه وبسط النفوذ عليه”[4]. ويشير صاحب المعجم الأول أن هذه اللفظة “مولدة عصرية”[5]. وبالتالي وجودها في معاجم اللغة الحديثة يعني أن كلمة استشراق بمعناها المرادف لكلمة 《ORIENTALISM》ذات المفهوم الغربي كلمة مستحدثة.

والاستشراق كفعل كان أسبق تاريخيا من ظهور المصطلح. حتى أن لفظة “الاستشراق” و”المستشرق” عام [1095هـ/1683م] كان يُعنى بها” أحد أعضاء الكنيسة الشرقية”[6]. وبالتالي هي كلمة حديثة، حتى في اللغتين الانجليزية والفرنسية. وظهرت كلمة مستشرق في الانجليزية لأول مرة في إنجلترا، عام [1193هـ/1779م]. ثم ظهرت في فرنسا عام [1214هـ/1799م] [7]. أما في العربية، فقد ظهرت وانتشرت في النصف الثاني من القرن العشرين [8].

الاستشراق اصطلاحا

يعبر مصطلح الاستشراق عن الاهتمام العلمي بالشرق، مهما كانت الغاية من هذا الاهتمام. ومع تعدد الدراسات التي أرّخت لموضوع الاستشراق، تعددت تعريفاته. لدرجة أن خبراء الاستشراق اعتبروا أن تدوين تعريف دقيق جامع مانع للاستشراق، أمر مستحيل! [9]

الشرق جغرافيا

ومهما تعددت التعريفات، يبقى الاستشراق متصلا بالشرق. وبالتالي وجب تحديد مفهوم الشرق الجغرافي، الذي يقوم عليه الاستشراق، كمصطلح وكفعل أولًا. فـ “الشرق جغرافيا لا يدل على شيء ثابت، أنما هو حد نسبي، يمكن أن ينطبق على كل صقع من أصقاع المعمورة”[10].

وقد تنبه المستشرق رودي بارت[11] إلى أهمية تحديد الشرق جغرافيا. حيث يشير إلى أن المصطلح مشتق من “شرق” أي مشرق الشمس. وبذلك الاستشراق هو علم الشرق [12]. ويضيف “أن الشرق الذي يختص به الاستشراق، مكانه جغرافيا في الناحية الجنوبية الشرقية بالقياس إلينا” [13].

والمصطلح يرجع إلى عصور قديمة كان فيها البحر المتوسط وسط العالم، وكانت الجهات تتحدد بالنسبة إليه. وحتى مع تغير ثقل الأحداث السياسية، بقي المفهوم على حاله، فالشرق هو شرق البحر المتوسط. إلى أن اتّسع مدلولها مع الفتوحات الإسلامية لتشمل مصر وشمال إفريقيا أيضا [14].

تعريف إدوارد سعيد للاستشراق

تعددت تعريفات الاستشراق بتعدد الدراسات التي تناولته. وبعض هذه التعريفات عام واسع شمل دراسة الشرق، وما يتصل به من لغة وتاريخ وحضارة وغيرها. والبعض الآخر خصّ به دراسة الحضارة العربية الإسلامية. ومن أشهر تعريفات الاستشراق تعريف إدوارد سعيد، فهو تعبير أطلقه في كتابه “الاستشراق: المفاهيم الغربية للشرق”. وعنى به “التفاهم مع الشرق بأسلوب قائم على المكانة الخاصة، التي يشغلها الشرق في الخبرة الأوروبية الغربية” [15]. أي إدراك واستيعاب الشرق استنادًا على الصورة التي بناها الغرب عن الشرق. كونه مجاورا لأوروبا، ومصدرا لحضارتها ولغاتها، ومنافسها الثقافي. وهو الصورة والفكرة والشخصية والخبرة المضادة للغرب منذ القدم [16].

كما اعتبره “أسلوبا للخطاب [التفكير والكلام] تدعمه مؤسسات ومفردات وبحوث علمية، وصور ومذاهب فكرية، بل وبيروقراطيات استعمارية، وأساليب استعمارية” [ 17]. وسعيد هنا يعرّف المفهوم موظفا أو مستندا على فكرة الخطاب، التي طرحها ميشيل فوكو. حيث توصل إلى حجة مفادها، أن الاستشراق نظام خطابي. تمكنت من خلاله الثقافة الأوروبية من إنتاج الشرق بل وابتداعه [18].

ويقصد سعيد بالاستشراق عدة أمور يعتمد بعضها على بعض، أولها وأوسعها هو أنه مبحث أكاديمي. “فالمستشرق كل من يعمل بالتدريس أو الكتابة أو إجراء البحوث، في موضوعات خاصة بالشرق. سواء كان ذلك في مجال الأنثروبولوجيا أي علم الإنسان، أو علم الاجتماع، أو التاريخ، أو فقه اللغة. وسواء كان ذلك يتصل بجوانب الشرق العامة أو الخاصة، والاستشراق وصف لهذا العمل” [19]. أما في معناه الأعم والأشمل قصد به: (أسلوب تفكير، يقوم على التمييز الوجوديّ والمعرفيّ. بين ما يسمّى “الشرق”، وبين ما يسمّى “الغرب”)[20].

استشراق للهيمنة

ومن ناحية أخرى يرى سعيد أن الاستشراق هو “المؤسسة الجماعية للتعامل مع الشرق. والتعامل معه يعني التحدث عنه، واعتماد آراء معينة عنه، ووصفه، وتدريسه للطلاب، وتسوية الأوضاع فيه، والسيطرة عليه. باختصار بصفة الاستشراق أسلوبا غربيا للهيمنة على الشرق، وإعادة بنائه، والتسلّط عليه” [21]. وقد حدد سعيد نقطة انطلاق زمنية للاستشراق بهذا المعنى، وهي القرن الثامن عشر الميلاديّ.

وبالنظر إلى ما أورده سعيد من تعريفات للاستشراق، نلاحظ أنه يصف الاستشراق ويحدّد وظيفته. وهو يوظف في تعريفه غاية يريد إيصالها للمتلقي، وهي أن الاستشراق هو دليل السيطرة والهيمنة الغربية على الشرق. وذلك من خلال ربطه لأفكار فوكو عن السلطة والمعرفة، وتحديدا السلطة التي تنتج المعرفة.

تعريفات أخرى للاستشراق

يشير بيرنارد لويس أن كلمة الاستشراق في الماضي كانت تعبر عن مدرسة في الفن. وهم مجموعة من الفنانين الأوروبيين، كانوا يرتحلون إلى الشرق ويرسمون ما يرونه ويتخيلونه بطريقة رومانطيقية وغرائبية مدهشة. أما المعنى الثاني وهو الذي يهمنا هنا وهو اختصاص علمي، وهذه الكلمة مع العلم الذي تدل عليه تعود إلى عصر التوسع للعلم في أوروبا في عصر النهضة [22].

ويرى أحد الباحثين أن الاستشراق هو ظاهرة علمية، فبالرغم من أنه علم من العلوم الإنسانية. إلا أنه لا يتمتع كبقية العلوم بالديمومة والثبات والاستقرار، فأطلق عليه تسمية “الظاهرة العلمية” [23]. فالاستشراق -حسب رأيه- مر بمراحل متعددة، من دينية إلى سياسية إلى علمية. وكل مرحلة تتميز بخصائص مختلفة عن سابقتها، تبعا للأغراض والموضوعات التي يتناولها. وهو لا يتصف بالاستمرار والثبات، فهو على وشك الزوال. فقد تناقصت موضوعاته وانتهت أغراضه، ولم يعد هناك جديد يقدمه [24].

ويمكن النظر إلى تلك الحركة على أنها ظاهرة معقدة ومتنامية، مستمدة من الاتجاه التاريخي العام للتوسع الأوروبي الحديث. وتنطوي على مجموعة كاملة من المؤسسات الآخذة في التوسع تدريجيا، وهي مجموعة مبدئية تراكمية من النظرية والممارسة. وهي بنية فكرية أيديولوجية متناسبة مع جهاز من الافتراضات، والمعتقدات، والصور، والمنتجات الأدبية، والعقلنة. وهو ما أطلق عليه صادق جلال العظم “الاستشراق المؤسسي” [25] [26]. ومع ذلك يبقى تعريف بعض الباحثين للاستشراق في المعنى العام والواسع حاضرا. على سبيل المثال يعرف بمعناه الواسع على أنه علم يدرس لغات وشعوب الشرق، وتراثهم، وحضارتهم، ومجتمعاتهم، وماضيهم، وحاضرهم، وبالتحديد الدراسات المتعلقة بالشرق الأوسط [27].

بداية الاستشراق

اختلفت آراء الباحثين حول بداية الاستشراق، فليس هناك اتفاق على تاريخ محدد لبدايته. فمنهم من ربطه بحدث وتاريخ محدد أو بقرن معين. وبالعودة إلى سعيد، يعتبر عام [712هـ/1312م] تاريخا رسميا لبداية الاستشراق. وفيه اتخذ مجمع الكنائس في فيينا قرارا بإنشاء كراس للدراسات العربية والعبرية واليونانية والسريانية في الجامعات [28]. إلا أن الاختلاف لا يزال موجودا، فيرى باحث آخر أن الاستشراق بدأ رسميا في القرن الثامن عشر. لأن كلمة [Orientalism] قد دخلت معاجم اللغة في منتصف هذا القرن [29].

ويعتقد رودي بارت أن البداية للدراسات العربية والإسلامية ترجع إلى القرن الثاني عشر، وتحديدا إلى عام [538هـ/1143م]. حيث ترجم روبرت كتون القرآن لأول مرة إلى اللاتينية. وشكلت هذه الترجمة المعلم البارز والأساسي، في مجال الدراسات الإسلامية بأوروبا الوسيطة. وفي نفس القرن أيضا نشأ أول قاموس لاتيني عربي [30].

ترجمة القرآن وبداية الاستشراق

وعارض ذلك رضوان السيد، ويرى أن ترجمة القرآن من العربية لأول مرة في القرن الثاني عشر الميلادي، وقرار مجمع فينا في القرن الذي يليه، وما يشابهها من جهود حتى مطلع القرن السادس عشر، ليست استشراقا؛ لأن مقاصدها تبشيرية وليست معرفية. كما أنها جزء من الحروب الدائرة بين المسيحية والإسلام منذ ظهوره في القرن السابع الميلادي [31].

وقد أخذت تلك الحركة بالتبلور حسب رأي طيب تيزيني [32]، مع نشأة الاستعمار الرأسمالي والامبريالية. ويرى أن الاستشراق بأشكاله البسيطة، بدأ مع الملامسات الأولى بين أوروبا الصاعدة باتجاه الثورة البرجوازية. والشرق الذي كان قد ودع مراحل الازدهار الحضاري، في العصور الوسيطة العربية. وذلك مع بداية الحروب الصليبية وما تلاها من تطورات اقتصادية وسياسية وثقافية [33].

ويمكن القول هنا أن الاستشراق بدأت إرهاصاته في القرون الوسطى، وتحديدا حين شكل الإسلام تحديا عقديا وعسكريا للمسيحية. في زمن كانت الكنيسة تجمع فيه بين السلطتين الدينية والدنيوية، وتسيطر فيه على العلم والمعرفة. فأصبح من الضرورة معرفة هذا الدين الجديد ومعرفة ماهيته، فكانت هذه المعرفة مدفوعة بالضرورة. إذ كان صعود الإسلام كقوة عالمية، سياسية عسكرية ثقافية والأهم دينية، يشكل تهديدا على الغرب المسيحي. “فلقد كان الإسلام الوسيط يفيض ازدهارا وثراء في المجالات كلّها، بينما كان الغرب في الحقب نفسها لا يملك غير ثقافة آباء الكنيسة، والشعراء الكلاسيكيين ومن بعدهم، وثقافة مدرسي اللاتين” [34].

دوافع الاستشراق

أما عن دوافع الاستشراق، فقد تعددت وتباينت آراء الباحثين حولها. ومنها الدافع الديني أو التبشيري، والدافع الاستعماري، والدافع العلمي، وغيرها من الدوافع، ويمكن ربط الدوافع والأهداف بسهولة بالغة. ومحاولة إعادتها جملة وتفصيلا، لا يشكل إلا إعادة سرد لما جاء في الدراسات السابقة عن الاستشراق. ولكن بحكم أن الاستشراق هو معرفة، تنبع من الاختلاف وتتمحور حول الأخر المجهول. فمحاولة التعرف إلى هذا الأخر، والانفتاح على فكره وثقافته، هو دافع للبحث عنه واستكشافه. وهذه الفكرة بحد ذاتها، تنبع من رغبة الإنسان في البحث والكشف عما هو جديد ومختلف.

كما أن الاختلاف هو أساس وسنة في الخلق. ويبرز هذا في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا…﴾[35]، فالتعارف والتواصل بين الأمم والشعوب ضرورة تنبع من هذا الاختلاف.
ويمكن القول أيضا أن الاستشراق هو نتاج لفعل معرفي يخضع لمحددات وأطر خارجية تؤثر بالذات العارفة وتساهم في تشكيلها، فهذه المعرفة لم تكن بمعزل عن ما هو سائد من أفكار وميول ونزعات، تأثر فيها الباحثون أفرادا أو حتى من خلال المؤسسات التي تقوم على إنتاج هذه المعرفة. فالمستشرق ينتمي إلى التراث الأدبي والفكري والثقافي العام السائد باعتباره إطارا لا يستطيع الخروج عنه، وهو ما يسمى بالبنوة [36]، فيبقى ما ينتجه المستشرق وليدا داخل هذا الإطار بشكل حتميّ.

وأخيرًا لا يمكن أن نتناسى أن الاستشراق وليد للحضارة الأوروبية. فالمستشرق دوّن وجهة نظره للشرق من خلال رؤيته الخاصة للحضارة والتاريخ، والسياسة والدين والمجتمع. وهذه الرؤية مرتبطة كليا بتطور الفكر التاريخي والفلسفي والديني للغرب، وتطور مفاهيم البحث العلمي ومناهجه. فلا يمكن دراسة منتجات الدراسات الاستشراقية بمعزل عن هذه التطورات.

الاستشراق وخدمة التراث

لقد عمد المستشرقون إلى خدمة التراث الإسلامي بكل ما يحتويه، وتناولوه جمعا وتحقيقا ودراسة، وقاموا بتصنيفه وترجمته ونشره. و أفاد التراث من المستشرقين، من خلال تطبيق مناهجهم المختلفة عليه. وبذلك خدم الاستشراق التراث العربي، بشكل لا يمكن الاستغناء عنه، فكان هذا من أهم النتائج الإيجابية لحركة الاستشراق. فقد أنقذوا كنوزا من الضياع، فبقيت بفضلهم ومجهودهم محفوظة وإن كانت في غير أرضها [37].

ويضاف إلى ذلك تحقيقهم لمئات المخطوطات بمختلف اللغات العربية، والسريانية، والفارسية، والتركية، وغيرها. ما كانت لتكون متوافرة بين يدي الباحثين، لولا عناية المستشرقين بها. أما في مجال الدراسات الاستشراقية فعلى الرغم من أهميتها لأي دارس للتراث العربي الإسلامي في شتى مجالاته. وحجم المجهود الذي بذل في إنجازها، ومدى تأثيرها على الباحث العربي خاصة في ما يتعلق بالجانب المنهجي. إلا أنها ليست إيجابية بشكل كامل، فهي تحوي سلبيات أيضا.

ولا يمكن إنكار أن هذه الدراسات كانت تستثمر في بثّ إيديولوجيات معينة، كانت تفيد الحركة الاستعمارية على سبيل المثال. وتؤدي إلى التحكم والتوجيه ثقافيا، فليس غريبا بروز مسألة القومية في الأواسط العربية من خلال تفسير التاريخ قوميًا مثلًا. والاستناد عليه في توجيه الحركة الفكرية، بشكل عام في المنطقة. فكان الغرض الأول من التوجه الإمبريالي، عن طريق تلك الحركة نحو السيطرة على الثقافة العربية. بمعنى التحكم باتجاهاتها الحديثة، لتكون دراسة تراثها الفكري أحد وسائل هذا التحكم، وأحد أشكاله [38].

ومع أن الأفكار التي جاء بها المستشرقون كانت خاضعة للنقاش وللجدل، وللقبول والرفض. إلا أن الباحثين [39] العرب لم ينكروا فضل المستشرقين، خاصة في مجال تحقيق المخطوطات وطباعتها ونشرها وحتى بحثها. فقد شهد القرن التاسع عشر تكريسا للبحث عن الوثائق، والمواد العربية على نحو تدريجي. حتى أصبح طلب المراجع والمخطوطات أشبه ما يكون بـ “الحمى أو الجنون بين المستشرقين” [40].

الاستشراق والتاريخ العربي

ويعد التاريخ من أهم المجالات التي احتلت حيزا في الدراسات الاستشراقية، وذلك لاحتوائه على مظاهر الوحدة والتنوع. ويؤكد على ترابط واستمرار الأمة عبر العصور [41]، بقيمها وانجازاتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والحضارية والفكرية. أما الانكباب على دراسة الإسلام كتاريخ ودين وحضارة، ذلك لكونه واحدا من أعظم أحداث التاريخ العربي تحديدا والشرقي بالعموم.

ويرى أحد الباحثين المسلمين أن المستشرقين هبة من الله للإسلام وتاريخه فيقول: “يشاء الله أن يهب الإسلام من الأوروبيين من يؤرخون له كسياسة فيجيدون التأريخ، ومن يبحثون فيه كدين وحياة روحية فيتعمقون بهذا البحث ويبلغون الذروة أو يكادون، ومنهم من يقبلون على الجانب الفيلولوجي منه فيظفرون بنتائج على جانب من الخطر كبير، فكان على رأس هؤلاء الأخيرين ثيودور نولدكه، وعلى رأس أولئك الأولين فلهاوزن، وكان سيد الباحثين فيه من الناحية الدينية خاصة والروحية عامة أغناتس جولدتسيهر” [42].

وبذلك أتاح المستشرقون المجال لرؤية تاريخية من زوايا مختلفة فرضت على المتلقي العربي تحديات استفزازية أغنت نظرته نحو التاريخ والثقافة. فكانت الدراسات التاريخية حول الشرق العربي الإسلامي، استجابة لدافع معرفة وإدراك الذات من خلال المقارنات والمقاربات مع الأخر [43]. والكتابات التاريخية الاستشراقية بأشكالها وكثافتها المختلفة كانت تعكس شيئا من أجواء وقتها الأصلي. فلا يمكن النظر إليها بتجرد وبمعزل عن بدايتها التاريخية، ولا يمكن عزلها عن الإمبريالية والمطامع الاستعمارية، والتوجهات الفكرية المرتبطة بها. ويمكن القول أن اتجاهات التأريخ ودراساته كانت تسهم إسهاما هاما في المجال الفكري والثقافي والسياسي والاجتماعي.

ويشير محمد أركون بأن الاستشراق ملأ فراغا كبيرا فيما يخص دراسة الإسلام. فقد طبق المنهجية الفيلولوجية [أي اللغوية] والتاريخية على موضوعات كانت محرمةعلى البحث من قبل أرثوذوكسية صارمة وجامدة. فالمستشرق الألماني نولدكه هو الذي طبق المنهجية التاريخية لأول مرة على المصحف. وأما غولدزيهر فقد طبق نفس المنهجية على كتب الحديث النبوي. وقل الأمر نفسه عن المستشرق جوزيف شاخت الذي درس الشروط [أو الظروف] الاجتماعية والسياسية التي أحاطت ببلورة الشريعة أو الفقه [44].

المصادر

[1] سعيد، إدوارد، الاستشراق: المفاهيم الغربية للشرق، ترجمة محمد عناني، ط1، رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة، 2006م، ص43 سيشار إليه فيما بعد سعيد، الاستشراق.
[2] رضا، أحمد، معجم متن اللغة، المجلد الثالث، [د.ط]، دار مكتبة الحياة، بيروت، 1959م، ص310، وسيشار إليه فيما بعد: رضا، متن اللغة.
[3] المرجع السابق.
[4] عمر، أحمد مختار، معجم اللغة العربية المعاصرة، ط1، 4ج، عالم الكتب، [د.م]، 2008م، ج2، ص1192، وسيشار إليه فيما بعد: عمر، معجم اللغة.
[5] رضا، متن اللغة، ص310.
[6] سمايلوفتش، أحمد، فلسفة الاستشراق وأثرها في الأدب العربي المعاصر، ط1، دار الفكر العربي، القاهرة، 1418هـ/1998م، ص25، وسيشار إليه فيما بعد: سمايلوفتش، فلسفة الاستشراق، زماني، محمد حسن، الاستشراق والدراسات الإسلامية لدى الغربيين، ترجمة محمد نور الدين عبد المنعم، ط1، المركز القومي للترجمة، 2010م، وسيشار إليه فيما بعد: زماني، الاستشراق ، ص41.
[7] حميّش، بنسالم، العرب والإسلام في مرايا الاستشراق، ط1، دار الشروق، القاهرة، 2011م، ص17، وسيشار إليه فيما بعد، حميش، العرب والإسلام.
[8] الدعمي، محمد، الاستشراق: الاستجابة الثقافية الغربية للتاريخ العربي الإسلامي، ط2، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2008م، ص23، وسيشار إليه فيما بعد، ادعمي، الاستشراق.
[9] زماني، الاستشراق، ص41.
[10] شيدر، هانز هينوش، روح الحضارة، ترجمة عبد الرحمن بدوي، [د.ط]، دار العلم للملايين، بيروت، 1991م، ص7.
[11] مستشرق ألماني، من أشهر أعماله ترجمة القرآن إلى اللغة الألمانية مع شرح فيلولوجي، راجع: بدوي، عبد الرحمن، موسوعة المستشرقين، ط3، دار العلم للملايين، بيروت، 1993م، ص62، وسيشار إليه فيما بعد: بدوي، الموسوعة.
[12] بارت، رودي، الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية، ترجمة مصطفى ماهر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2011م، ص17، وسيشار إليه فيما بعد: بارت، الدراسات العربية.
[13] يقصد بـ “إلينا” الغرب والحضارة الغربية، بارت، الدراسات العربية، ص17.
[14] بارت، الدراسات العربية، ص18.
[15] سعيد، الاستشراق ، ص43.
[16] المرجع السابق، ص43.
[17]المرجع السابق، ص43/44.
[18] المرجع السابق، ص46.
[19] المرجع السابق ، ص44.
[20] المرجع السابق، ص45.
[21] المرجع السابق، ص45.
[22] لويس، بيرنارد، مسألة الاستشراق، ضمن كتاب الاستشراق بين دعاته ومعارضيه، ترجمة: هاشم صالح، ط2، دار الساقي بيروت، 2000، ص161.
[23] سالم، ساسي الحاج، نقد الخطاب الاستشراقي [الظاهرة الاستشراقية وأثرها في الدراسات الإسلامية]، 2ج، ط1، دار المدار الإسلامي، بيروت، 2002، ج1، ص22، وسيشار إليه فيما بعد: سالم، نقد الخطاب.
[24] المرجع السابق، ص22.

تكملة المراجع

[25] هو مفكر سوري، ولد عام 1934م، درس في الولايات المتحدة الامريكية ومارس التدربس فيها، وفي بلاده وفي الجامعة الأمريكية في لبنان، أهم كتبه: نقد الفكر الديني، وذهنية التحريم، راجع: ولد أباه، أعلام الفكر العربي، ص62.
[26] Al-azm, sadiq jalal, orientalism and orientalism in reverse, [1981] Khamsin No.8: 5-26. Reprinted in Alexander Lyon Macfie, Ed. Orientalism: A Reader New York: New York University Press, 2000. 217-238،p 1.
[27] فوزي، فاروق عمر، الاستشراق والتاريخ الإسلامي [القرون الإسلامية الأولى ]، ط1، الأهلية للنشر والتوزيع، عمان، 1998م، ص30، وسيشار إليه فيما بعد: فوزي، الاستشراق والتاريخ.
[28] سعيد، الاستشراق، ص110.
[29] زماني، الاستشراق، ص79.
[30] بارت، الدراسات العربية، ص14، سوذرن، ريتشارد، صورة الإسلام في أوروبا في القرون الوسطى، ترجمة رضوان السيد، ط2، دار المدار الإسلامي، بيروت، 2006م، ص80، وسيشار إليه فيما بعد: سوذرن، صورة الإسلام.
[31] السيد، رضوان، المستشرقون الألمان النشوء والتأثير والمصائر، ط2، دار المدار الإسلامي، بيروت، 2016م، ص15.
[32] مفكر سوري، ولد عام 1934م، درس الفلسفة في ألمانيا، أستاذ في جامعة دمشق، وكاتب غزير الإنتاج، من كتبه: من التراث إالى الثورة، من يهوه إلى الله، راجع: ولد أباه، أعلام الفكر، ص80.
[33] تيزيني، طيب، على طريق الوضوح المنهجي كتابات في الفلسفة والفكر العربي، ط1، دار الفارابي، بيروت، 1989م، ص160.
[34] سوذرن، صورة الإسلام، ص٤٤.
[35] القرآن الكريم، سورة الحجرات، آية 13.
[36] البُنُوَّة [filiation] تعني الانتماء في خصائص معينة للتراث الأدبي والفكري بداية، وهو انتماء حتمي كانتماء الأبناء للآباء، راجع سعيد، الاستشراق، ص24.
[37] مروة، النزعات المادية، ج1، ص118.
[38] المرجع السابق، ج1، ص111-112.
[39] راجع مثلا: الدعمي، الاستشراق، ابن نبي، انتاج المستشرقين، ص42، مروة، النزعات المادية، ص108.
[40] الدعمي، الاستشراق، ص54.
[41] فوزي، الاستشراق والتاريخ ، ص9.
[42] بدوي، موسوعة المستشرقين، ص199.
[43] الدعمي، الاستشراق، ص56.
[44] New tab (elaph.com)
[*] هذه المقالة جزء من بحث أوسع للباحثة تحت عنوان “مدخل في الاستشراق”، راجع: مجلة المنارة، م1، ع1، 20022م.

قراءة في آراء فلهاوزن الاقتصادية في العصر الأموي

يعد فلهاوزن من أقدم الباحثين الذين اهتموا بموضوع الضرائب في الدولة العربية الإسلامية. وقد عرض آراءه في الضرائب في صدر الإسلام في كتابه “الدولة العربية وسقوطها”، في الفصل المتعلق بعمر بن عبد العزيز والموالي، والتي استند عليها العديد من المستشرقين[1] الباحثين في موضوع تاريخ الاقتصاد الإسلامي فيما بعد، لتصبح بمثابة “نظرية” اقتصادية تنسب إليه.
تناول فلهاوزن الأوضاع الاقتصادية للمسلمين من غير العرب، أي الموالي والإجراءات الاقتصادية التي كانت لصالحهم، والتي جاءت كمحاولة تصحيح للنظام القديم (نظام عمر بن الخطاب)، وذلك ليؤكد فكرة سيادة العرب كأرستقراطية حاكمة تمتعت بامتيازات خاصة، مقابل الموالي أو غير العرب، مبرزا من خلاله فكرة صراع القوميات. القومية العربية التي استندت على العروبة والقبيلة الممثل الأعلى لها، فحاول إبراز أهمية الرابطة القبلية بالنسبة للمجتمع والسياسة. تقابلها القومية الفارسية، التي استندت بشكل أساسي على الدين لتحقيق مطالبها.
ويعتقد فلهاوزن أن ابن الخطاب نظم الدولة الإسلامية تبعا لقانون الفتح، بحيث جعلها دولة للعرب على المغلوبين، ودولة للأرستقراطية الحربية العربية، مقابل طبقة دافعي الجزية والخراج، فكانت الدولة قائمة على أساس التمييز بين السادة العرب والخدام من غير العرب[3] ، وبالتالي أقام الدولة على أساس التمييز القومي، وهو هنا يستعمل ثنائية (عرب وغير العرب)، لذلك لا نجده يستعمل مصطلح “أهل الذمة” ، مع أنهم كانوا يمثلون طبقة دافعي الجزية والخراج، وهذا المصطلح أيضا يتضمن الذمي المسيحي، اليهودي، المجوسي والصابئ، ويتضمن أيضا ثنائية عرب وغير عرب، لكنه لا يخدم الطرح، وهنا يتضح ذكاء فلهاوزن وبراعته في اختيار المصطلحات التي تخدم ما يريد تقديمه، وقد ظهر هذا في استعماله مصطلح “الخرسانيين” كدلالة على الموالي الفرس.

نظرية فلهاوزن الاقتصادية

ويقدم فلهاوزن “نظريته” الاقتصادية كنقد للآراء التي جاء بها كل من المستشرقين أوغست موللر[4] وفون كريمر.ويضيف بعض آراء فان فلوتن ودوزي، عن عمر بن عبد العزيز، والإصلاحات التي قام بها، لسد النقص الحاصل في خزينة الدولة.

وقد خص بالذكر ما قدمه الخليفة في ميدان الجزية والخراج، والتي رأى أنها “مشوبة بأخطاء حقيقية”[5]، ومع أنه نجح في تفنيد هذه المزاعم والاتهامات، إلا أن هذا لا يعني التسليم بصحة الآراء التي قدمها ككل، والأخذ بها كمسلمات دون تمحيص ومراجعة.كما أن اعتماد الباحثين عليها جعلها بمثابة نظرية اقتصادية قائمة بذاتها، دون الإخذ بعين الاعتبار المثالب التي وقع فيها فلهاوزن في بعض التفسيرات.

أهم المثالب في النظرية ونقدها

أهم تلك المثالب كان اعتقاده أن المصادر العربية حاولت إيجاد مرجعية قديمة لنظم ذات عهد أحدث تاريخيا[6]، وتحديدًا ما يتعلق بابتكار نصر بن سيار نظاما ضريبيا جديدا، ساهم في حل مشكلة الموالي [المسلمين الجدد] في خرسان، وأن العرب فرضوا فعليا إتاوات إجمالية، لا جزية وخراج. وبذلك ينفي فلهاوزن معرفة العرب بالضرائب بشكلها الوارد في المصادر العربية، حتى مطلع القرن الثاني الهجري.
ويستند كارل بيكر[7] على سبيل المثال على ما يقدمه فلهاوزن من آراء. إذ طبّقه على مصر بنفس الطريقة التي طبقها فلهاوزن على خرسان[8]، واعتبره دينت من أشد المتحمسين لنظرية فلهاوزن[9]، بالرغم من أنه يظهر ثقته بالمؤرخين المصريين، كالمقريزي [ت845هـ/441م]، وابن تغري بردي [ت874هـ/1470م]، لأن تاريخ مصر هو الموضوع الرئيس الذي تناولوه، ولكنه اعتمد بشكل أساس على أوراق البردي كوثائق.
ولم يراع فلهاوزن اختلاف التنظيمات بين الشام، مصر ،العراق وخرسان وبين نظم بيزنطية ونظم ساسانية. وبذلك يعمم ما استنتجه من وضع الضرائب في خرسان على سائر الأماكن. ويضاف إلى ذلك، عدم مراعاته اختلاف الاتفاقات عند الفتح، وما يتوجب عليها وخاصة من ناحية الصلح والعنوة. فنستطيع القول أنهه قدّم نظرية متكاملة الجوانب حول سقوط الدولة العربية (الأموية) ككل، وهو من السباقين إلى ذلك.وهذا لا يمكن إنكاره، إلا أنه لم يقدم نظرية اقتصادية شاملة للنظام المالي في صدر الإسلام، وبالتحديد العصر الأموي.
وعلى أهمية ما قدمه دانيل دينيت من نقد لآراء فلهاوزن الاقتصادية، إلا أنه لم يخل من مثالب واضحة أيضا[10]، وقد أشار عبد العزيز الدوري إلى ذلك، خاصة تلك المتعلقة بنظام الضرائب في خرسان[11]، من خلال إعادة قراءة بعض النصوص، محاولا تحديد مصطلحي جزية وخراج كما وقعت في النصوص المحفوظة. وخاصة النص الذي يستند عليه فلهاوزن في استنتاجاته، والتي عممها على جميع الأماكن التي كانت خاضعة للدولة.

إصلاحات عمر بن عبد العزيز الاقتصادية

طرح فلهاوزن تساؤلا كفاتحة لنقده، عن طبيعة المثال الذي أراد عمر بن عبد العزيز الاحتذاء به، وذلك مع مراعاة الإجراءين اللذين ينسبان لعمر بن الخطاب، وهما: منع العرب من أن يقتنوا أرضا في البلاد التي فتحوها، وأمره برفع الجزية على المغلوبين بعد إسلامهم، أما الخراج فيبقى عليهم، والحقيقة في رأيه أنه لم يفعل هذا ولا ذاك[12].

ويرى كل من موللر وكريمر بأن عمر بن عبد العزيز حاول تلافي النقص الحاصل في واردات بيت المال. فاتخذ مجموعة من الإجراءات، والتي بدورها ساهمت في تفاقم الوضع القائم لا إصلاحه[13].

وكذلك يعتقدان أن ما وضعه أدى إلى تقوية روح الإسلام في ذاته تقوية كبيرة. فكل ما فعله قد ساعد في الجملة على إفساد نظام الدولة من أساسه، “فلا دولة تعيش إلا بالوسائل التي أدت إلى قيامها”. وبهذا حاد عن الأصول المتماشية مع الواقع، والتي وضعها الخلفاء الامويون من قبله. واستبدلها بمبادئ مثالية استمدها من القرآن والسنة[14].
ويقول كريمر: أن عمر بن عبد العزيز “أفسد المالية إفسادا تامًا بإجراءاته الإدارية العنيفة، وبذلك يحتمل أن يكون قد عجل سقط الدولة الأموية”[15]، ويتفق فلوتن مع هذا مشيرًا إلى “أن محاولة عمر بن عبد العزيز لم تزد الأمور إلا حرجًا لما كانت تتأثر به من تحفظ ورجعية لا تتفق مع حالة الدولة الاقتصادية[16].

سياسات عمر بن عبد العزيز

قام عمر بن عبد العزيز بثلاثة إجراءات أراد من خلالها إصلاح الوضع المالي، اعتبرت مآخذ عليه، وكانت تمثل -حسب رأي مولر وكريمر- عودة إلى تطبيق صورة حرفية للنظام الذي وضعه عمر بن الخطاب سابقًا، كونه كان مثلا أعلى يحتذي به[17].

ويحذو فان فلوتن حذوهما، مشيرًا إلى أن غلطة عمر بن عبد العزيز الوحيدة كانت “رجعيته ومحافظته الدينية، وتمسكه الشديد بالنظام الذي سنه عمر بن الخطاب، الذي كان يقتفي أثره لما كان يكنه له في أعماق نفسه من الاحترام والإكبار، والذي لم يكن إلا صورة منه، رغم ما كانت تتطلبه الحالة من العدول عن ذلك النظام عدولا تاما”[18].

قرارات بن عبد العزيز

  • أولا، قام بإلغاء النظام الذي وضعه الحجاج فيما يتعلق بأهل الذمة، وكان يقضي بأن يدفعوا الجزية المترتبة عليهم قبل إسلامهم، وذلك تلافيا للنقص في واردات بيت المال، مما جعل هذا الإجراء مفيدا لغير المسلمين، وأدى إلى دخول أعداد كبيرة من أهل الذمة في الإسلام تهربا من دفع الجزية[19]، وبالتالي خسر بيت المال أحد مصادر الدخل المهمة.
  • ثانيا: العودة إلى القانون القديم الذي يحرّم امتلاك الأراضي على المسلمين، والذي حدده بعد عام مئة للهجرة، لاستحالة استراد الأراضي التي تم استملاكها قبل هذا التاريخ[20]، وأراد أيضا أن يفرق بين المسلمين وأهل الذمة تمسكا منه بأصول الدين، فألغى الخراج من أرض المسلمين التي كانوا قد تملكوها مخالفين النهي عن ذلك. وجعلها أرض عشر، فكان هذا أقل من الخراج بكثير.
  • ثالثا: قرر رد جميع الأموال التي أخذت ظلما إلى أصحابها[21] فزاد النقص زيادة أخلت بالتوازن في مال الدولة إخلالا كبيرا.

ويطرح فون كريمر استنادًا على مولر مسألة العبء الضريبي والتي سار فلهاوزن على حذوهما بها. بحيث أن المبلغ المفروض كضريبة، ثابت لا يمكن إنقاصه بأي حال.

وبالتالي أي نقص حاصل على أعداد الرعايا، معناه ضعف القدرة على دفع الضرائب على المجموعة، كما أن الجزية بقيت مفروضة على أهل الذمة رغم إسلامهم، بالإضافة إلى منعهم من الخروج والهجرة من القرى[22].
وضمن الآراء التي يناقشها فلهاوزن، مسائل تتعلق بالجزية والخراج، كضرائب مترتبة على غير العرب. ووضع الموالي كمسلمين جدد وما ترتب عليهم من ضرائب. وأخيرا ينفي التهمة التي ألصقها المستشرقون بعمر بن عبد العزيز بأنه كان سببا في زعزعة أركان الدولة الأموية.

نقد فلهاوزن لآراء بعض المستشرقين لإصلاحات عمر بن الخطاب

يطرح كل من بيكر وفلوتن وكريمر، أن عمر بن الخطاب لم يبتدع نظاما ثابتا وواضحا للضرائب[23]. ويؤكد ذلك فلهاوزن، فالتنظيم الإداري في البلاد المغلوبة لم يغير من الوضع المالي السابق شيئا. فتغير السيادة لا يعني تغير موقف المغلوبين من عبء دفع المال، كما أن العرب احتفظوا بالكتاب اليونان والفرس، والذين احتفظوا بدورهم بالضرائب القديمة وأنواعها، ولم يغيروا كثيرا في نظام جبايتها[24]، وهذا أمر لا تنكره حتى المصادر العربية فنجد عند الطبري ما يشير إلى ذلك مباشرة[25].
وبهذا يتفق فلهاوزن وفون كريمر، الذي رأى أن عمر وافق على نظم فارسية بيزنطية عديدة، وأدخلها في كل إدارات الدولة. كنظام العملة ونظام الضرائب -الخراج والجزية- وحتى ضريبة الفقراء -الصدقة والزكاة والعشر- التي كانت موجودة فعليا عند الكنعانيين والفينيقيين وغيرهم. وبالتالي سمح عمر بالاستفادة من النظم السابقة في البلاد المفتوحة دون تغيير[26].
ويضيف المستشرق بتلر في حديثه عن فتح مصر بالتحديد، أن العرب وإن حافظوا على النظم الرومانية في تدوين دواوينهم وجمع ضرائبهم، إلا أنهم كانوا أخف وطأة في جباية الأموال[27].

يضيف بيكر أن العرب أبقوا كل شيء كما كان حتى منتصف القرن الثاني إذ تم تطبيق الضرائب الإسلامية، لأنه لم يكن من الممكن تطبيق الضرائب الإسلامية منذ البداية حيث لم تكن موجودة حتى ذلك الوقت[28].

هل ابتدع عمر بن الخطاب نظامًا ضريبيًا جديدًا؟

يختلف كريمر مع فلهاوزن في أن عمر بن الخطاب ابتدع نظاما جديدا. حيث يرى في نظام عمر “السياسي الاشتراكي الديمقراطي القائم على السلطة الدينية” –على حد تعبيره- ابتكارا للعقل العربي، الذي لم يعجز عن إثبات استقلاليته[29]، فالمساواة التامة حق من حقوق المسلمين، وبالتالي دخل الدولة والأراضي المفتوحة يعتبر ملكًا عامًا للمجتمع الإسلامي، مقابل أن يتسلم الفرد عطاء من خزينة الدولة[30].
ويطرح فلهاوزن هذا التطور الذي حدث في عهد عمر بن الخطاب بدقة أكبر، فالأراضي المفتوحة بحسب قانون الغنائم، أصبحت ملكا للفاتحين، لكن لأسباب عملية بقيت دون تقسيم وبقيت إما أراضي بيت مال، وإما أراضي عامة للمسلمين، وأما ما أخذته جيوش العرب عنوة فكان يعتبر ملكا لعامة المسلمين، وقد ترك في يد المغلوبين ووضع عليه الخراج[31].
وكان الواجب أن يقسم الخراج في كل عام على الملاك الشرعيين للأرض باعتبار أنه غلة لهم، ولكن الدولة وضعت يدها عليه وصارت تدفع للمقاتلة من المسلمين أعطيات محددة[32]، والسبب في ذلك أن “هذا لو لم يكن موقوفا على الناس في الأعطيات والأرزاق لم تشحن الثغور، ولم تقو الجيوش على السير في الجهاد، ولما أمن رجوع أهل الكفر إلى مدنهم إذا خلت من المقاتلة والمرتزقة”[33].

المصادر:

[١] من أمثال كايتاني، بيكر، جروهمان، وبل.
[٢] فلهاوزن، الدولة العربية، ترجمة محمد عبد الهادي أبو ريدة،ط2، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة،1968م ، ص269.
Wellhausen، Das arabische reich und sein sturz, Georg reimer, Berlin, 1902,
p164.

[٣] فلهاوزن، الدولة العربية، ص298.
Wellhausen, Das arabische reich, p192-193.

[٤] أوجست مولر [1847-1892]، مستشرق ألماني، من أبرز أعماله نشر كتاب “عيون الأنباء في طبقات الأطباء”، لابن ابي أصيبعة، راجع: بدوي، عبد الرحمن, موسوعة المستشرقين, ط3, دار العلم للملايين, بيروت, 1993م، ص565.
[٥] فلهاوزن، الدولة العربية، ص263-264.
Wellhausen, Das arabische reich, p169- 170.
[٦] يتفق بيكر مع فلهاوزن في هذا، ويؤكد أن النظرية اللاحقة حاولت إعادة تنظيمات حديثة إلى زمن أسبق، راجع:
Becker, Beiträge, p82.
[٧] للمزيد حول آراء بيكر فيما يتعلق بموضوع الضرائب في مصر، راجع:
Becker, carl henrich، Beiträge zur geschichte Ägyptens unter dem Islam, [KARL J. TRüBNER], strassburg, 1903,p81- 112.
[٨] Becker, Beiträge, p81.
[٩] دينيت، دانيل، الجزية والإسلام، ترجمة: فوزي جاد الله، منشورات مكتبة الحياة، بيروت، 1959م، ص31.
[١٠] راجع كتاب دينيت سابق الذكر.
[١١] راجع بحثه المتعلق بالضرائب في خرسان تحت عنوتن: ” نظام الضرائب في خرسان في صدر الإسلام”، المنشور في مجلة المجتمع العلمي العراقي، م11، 1964م، البحث منشور ضمن الجزء الثاني من “أوراق في التاريخ والحضارة” ، راجع: الدوي، عبد العزيز، أوراق في التاريخ والحضارة [أوراق في التاريخ الاقتصادي]، 3ج، ط1، دار الغرب الإسلامي، 142هـ/2007م، ج2، ص41-51.
[١٢] فلهاوزن، الدولة العربية، ص264.
Wellhausen, Das arabische reich, p 171.
[١٣] فلهاوزن، الدولة العربية، ص263-264.
Wellhausen, Das arabische reich, p169- 170.
[١٤] فلهاوزن، الدولة العربية، ص263-264.
Wellhausen, Das arabische reich, p169- 170.

تكملة المصادر

[١٥] كريمر، الحضارة الإسلامية، ص78.
[١٦] فلوتن، السيادة، ص72.
[١٧] فلهاوزن، الدولة العربية، ص263- 264.
Wellhausen, Das arabische reich, p169- 170.
[١٨] فلوتن، السيادة، ص59.
[١٩] فلهاوزن، الدولة العربية، ص263- 264.
Wellhausen, Das arabische reich, p169- 170.
[٢٠] فلهاوزن، الدولة العربية، ص263- 264.
Wellhausen, Das arabische reich, p169- 170.
[٢١] فلهاوزن، الدولة العربية، ص263-264.
Wellhausen, Das arabische reich, p169- 170.
[٢٢] كريمر، الحضارة الإسلامية، ص84، فلهاوزن، الدولة العربية، ص270.
Wellhausen, Das arabische reich, p175.
[٢٣] فلوتن، السيادة، ص27.
Becker, Beiträge, p 83/ 88.
[٢٤] فلهاوزن، الدولة العربية، ص31، الدوري، أوراق، ص146- 147.
Wellhausen, Das arabische reich, p20-21.
[٢٥] الطبري، تاريخ الطبري، ج2، ص152.
[٢٦] كريمر الحضارة الإسلامية، ص60، دينيت، الجزية والإسلام، ص45، الدوي، أوراق، ص73.
[٢٧] بتلر، ألفرد، فتح العرب لمصر، ترجمة: محمد حديد، ط2، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1416هـ/1996م، ص466.
[٢٨] Becker, Beiträge, p 83.
[٢٩] كريمر، الحضارة الإسلامية، ص59.
[٣٠] كريمر، الحضارة الإسلامية، ص60.
[٣١] فلهاوزن، الدولة العربية، ص268، كريمر، الحضارة الإسلامية، ص81، الدوري، أوراق،
Wellhausen, Das arabische reich, p173.
[٣٢] فلهاوزن، الدولة العربية، ص266، كريمر الحضارة الإسلامية، ص81.
Wellhausen, Das arabische reich, p171.
[٣٣] أبو يوسف، يعقوب بن إبراهيم [ت182هـ/798م]، الخراج، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، سعد حسن محمد، ط1، المكتبة الأزهرية للتراث، القاهرة، [د.ت]، ص38، الدوري، أوراق، ص56، دينيت، الجزية، ص51-52.


المراجع:

  • أبو يوسف، يعقوب بن إبراهيم [ت182هـ/798م]، الخراج، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، سعد حسن محمد، ط1، المكتبة الأزهرية للتراث، القاهرة، [د.ت].
  • بتلر، ألفرد، فتح العرب لمصر، ترجمة: محمد حديد، ط2، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1416هـ/1996م.
  • بدوي، عبد الرحمن، موسوعة المستشرقين, ط3، دار العلم للملايين, بيروت, 1993م.
  • الدوري، عبد العزيز، أوراق في التاريخ والحضارة (أوراق في التاريخ الاقتصادي)، 3ج، ط1، دار الغرب الإسلامي, 142هـ/2007م.
  • دينيت، دانيل، الجزية والإسلام، ترجمة: فوزي جاد الله، منشورات مكتبة الحياة، بيروت، 1959م.
  • فلهاوزن، يوليوس، الدولة العربية من ظهور الإسلام إلى نهاية الدولة الأموية، ترجمة محمد أبو ريدة، ط2, لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1968م.
  • كريمر، فون، الحضارة الإسلامية ومدى تأثرها بالمؤثرات الأجنبية، ترجمة مصطفى بدر، ط1، دار الفكر العربي، مصر، (د.ت).
  • Becker, carl henrich, Beiträge zur geschichte Ägyptens unter dem Islam, KARL J. TRüBNER), strassburg, 1903
  • Wellhausen, Julius, Das arabische reich und sein sturz, Georg reimer, Berlin, 1902.

نبذة عن الجذور التاريخية للمخدرات وعلاقتها بالإنسان؟

الجذور التاريخية للمخدرات تعود إلى آلاف السنين، حيث استخدمت لأغراض عديدة. ولكن قبل الحديث عنها لا بد من تعريفها أولاً، فالمخدرات هي مجموعة من المواد التي تسبب الإدمان وتؤثر على الدماغ والجهاز العصبي. ويطلق لفظ (مخدر) على ما يُذهب العقل ويغيبه، لاحتوائه على مواد كيميائية تؤدي إلى النعاس والنوم أو غياب الوعي. في هذه المقالة سنتعرف على تاريخ علاقة الإنسان بالمخدرات، من حيث استخدامها التاريخي عبر العصور والجذور التاريخية لطب الإدمان.

الاستخدام التاريخي للمخدرات

الجذور التاريخية للمخدرات وعلاقة الإنسان بها طويلة. حيث استخدمت  لأغراض عديدة، بما في ذلك الطبية والترفيهية والدينية. وقد لعبت دورًا مهمًا في العديد من الثقافات حول العالم. ويوجد أدلة تشير إلى أن البشر استخدموا المخدرات منذ آلاف السنين. حيث يعود أقدم دليل على استخدام المخدرات إلى بقايا نبات القنب، الذي تم العثور عليه في الصين ويعود تاريخه إلى 8000 عام ق.م. وقد استخدم في العديد من الثقافات القديمة، مثل الإغريق والرومان والمصريين.

الاستخدام الديني

استخدم الكهنة نباتات مهلوسة لآلاف السنين لتحقيق حالات نشوة فصامية، وتسمى هذه المواد أحيانًا “entheogenic”. واستخدم فطر”Amanita muscaria” في مراكز الطقوس الدينية في آسيا الوسطى منذ 4000 عام، وكان جزءًا من مشروبات مقدسة مثل سوما في الهند القديمة. واعتُقد  في ذلك الوقت أن المادة المهلوسة في الفطر هي المسكارين، ولكن تبين أن الحمضين الإيبوتينيك والموسيمول هما المسببان للهلوسة في هذا الفطر. كما استخدم سكان أمريكا الوسطى فطر psilocybe لنفس الأغراض الدينية، ويحتوي على المركبات ذات التأثير النفساني وهما السيلوسين والسيلوسيبين. كما استخدم السكان الأصليون في المكسيك والنافاجو في جنوب غرب الولايات المتحدة صبار البيوت”Peyote”هو صبار يحتوي على مادة الميسكالين وذلك لإثارة حالات الاستبطان الروحي ((Lophophora williamsi وهي حالات شخصية يشعر فيها الفرد بالتواصل مع الروحانيات أو العوالم الخارقة للطبيعة.

الاستخدام الطبي

يعود استخدام الأفيون (المسمى على اسم الإله اليوناني) كدواء إلى العصور القديمة. وتم ذكر استخدام نبات الخشخاش وعزل الأفيون منه في الألفية الثالثة قبل الميلاد لعلاج البكاء المفرط للأطفال.

فيما يلي بعض الأمثلة على استخدام المخدرات في الطب على مر التاريخ:

  • استخدم المصريون القدماء نبات القنب لعلاج مجموعة متنوعة من الأمراض، بما في ذلك الألم والالتهابات والقيء.
  • استخدم الإغريق القدماء نبات الخشخاش لعلاج الألم والنوم.
  • استخدم الصينيون القدماء نبات الشاي لعلاج مجموعة متنوعة من الأمراض، بما في ذلك الصداع والتهاب الحلق.
  • استخدم الأمريكيون الأصليون نباتات الكوكا والكنابيش لعلاج مجموعة متنوعة من الأمراض، بما في ذلك الألم والالتهابات واضطرابات المعدة.

في القرن التاسع عشر، بدأ العلماء في دراسة المخدرات من منظور علمي. وقد أدى هذا إلى تطوير العديد من الأدوية التي تستخدم في الطب الحديث، مثل المورفين والكودايين والأسبرين

الاستخدام الترفيهي

الاستخدام الترفيهي للمخدرات هو استخدامها لأغراض غير طبية، مثل المتعة أو الاسترخاء أو التنشيط. يختلف تاريخ استخدام المخدرات الترفيهية عبر العصور، حيث كانت بعض المخدرات أكثر قبولًا من غيرها في أوقات مختلفة.

يعود تاريخ استخدام المخدرات للأغراض الترفيهية إلى عصور ما قبل التاريخ، حيث تم استخدام العديد من النباتات والحيوانات لأغراض مخدرة. على سبيل المثال، تم استخدام نبات القنب في الصين منذ حوالي 8000 عام، وتم استخدام نبات الكوكا في أمريكا الجنوبية منذ حوالي 5000 عام.

في العصور القديمة، كان استخدام المخدرات للأغراض الترفيهية أكثر قبولًا من العصور الحديثة. على سبيل المثال، كان استخدام النبيذ منتشرًا في اليونان القديمة وروما القديمة، وكان يُنظر إليه على أنه وسيلة للتواصل مع الآلهة. في العصور الوسطى، كان استخدامها للأغراض الترفيهية أقل قبولًا، حيث كان يُنظر إليها على أنها خطيئة. ومع ذلك، كان استخدام بعض المخدرات، مثل الخمر، لا يزال مقبولاً في بعض المجتمعات.

في القرن التاسع عشر، بدأ استخدامها للأغراض الترفيهية يتناقص، حيث زادت المخاوف بشأن الآثار الضارة للمخدرات، مثل الإدمان والجريمة. في القرن العشرين، تم حظر العديد من المخدرات للأغراض الترفيهية في العديد من البلدان.

ابتكار مركبات مخدرة أكثر فاعلية على مدار التاريخ

على مدار التاريخ، تم تطوير العديد من الطرق الجديدة لتخمير النباتات التي تؤثر على العقل، مما يسمح لها بالوصول إلى الدماغ بتركيزات أعلى بشكل أسرع. وتتضمن هذه الطرق تخمير الحبوب المحتوية على النشا لإنتاج البيرة التي تحتوي على نسبة كحول تبلغ حوالي 5٪، بالإضافة إلى تخمير سكر العنب لإنتاج النبيذ الذي يحتوي على ما يصل إلى 14٪ من الكحول. كما يمكن الحصول على مشروبات تحتوي على نسبة كحول أعلى بكثير من خلال تقنية تقطير الكحول وهى تقنية تستخدم لفصل الكحول عن الماء وغيرها من المركبات الأخرى الموجودة في المزيج مثل الشوائب. وتم استخدام التكنولوجيا الحديثة لتحسين صناعة المشروبات الروحية وهى المشروبات التي تحتوي على الكحول، حيث تم ابتكار تقنية AWOL وهي تقنية لتبخير الكحول وتحويله إلى بخار قابل للتنفس بدون الحاجة لتناول السوائل، مما يجعل الكحول أكثر فعالية. وبالرغم من أن تقنية التقطير تمكن من إنتاج مشروبات روحية تحتوي على نسبة كحول أعلى، فإن استخدامها بشكل مفرط يمكن أن يسبب مشاكل صحية ويزيد من خطر التسمم بالكحول.

الجذور التاريخية لطب الادمان

تعود الجذور التاريخية لطب الإدمان إلى القرن التاسع عشر، عندما بدأ الأطباء في دراسة تأثيرات تعاطي المخدرات على الجسم البشري. كان أحد أوائل الرواد في هذا المجال هو «بنيامين راوش-Benjamin Rauch». اعتقد راوش أن الإدمان هو مرض، وطور خطة علاج تضمنت الانسحاب والتمارين الرياضية والدعم الأخلاقي.

في أواخر القرن التاسع عشر، بدأ مجال طب الإدمان في النمو مع إجراء المزيد من الأبحاث حول هذا الموضوع. في عام 1889، تم إنشاء الجمعية الأمريكية لدراسة إدمان الكحول، وأصبحت أول منظمة مهنية مكرسة لدراسة وعلاج الإدمان. وفي أوائل القرن العشرين، تم تطوير أدوية جديدة لتساعد في علاج أعراض الإنسحاب والرغبة الشديدة وهذا أدى إلى تحول تركيز علاج الإدمان من العلاج الأخلاقي إلى العلاج الطبي. وفي عام 1935، اعترفت الجمعية الطبية الأمريكية رسميًا بالإدمان كمرض، وساعد هذا على زيادة الأبحاث والدراسات في علاج الإدمان.

منذ ذلك الحين، استمر مجال طب الإدمان في النمو والتطور. واليوم، هناك مجموعة متنوعة من خيارات العلاج المتاحة للأشخاص الذين يعانون من الإدمان، بما في ذلك العلاج بمساعدة الأدوية والعلاج السلوكي المعرفي.

لا يزال هناك العديد من التحديات التي تواجه مجال طب الإدمان، ولكن كان هناك تقدم كبير في السنوات الأخيرة. مع إجراء المزيد من الأبحاث وتطوير علاجات أكثر فعالية، فإن الأمل هو أن يصبح الإدمان يومًا ما مرضًا يمكن إدارته.

شخصيات رئيسية في تاريخ طب الإدمان

  • بنيامين راوش (1746-1813): كان راوش أحد أوائل الرواد في مجال طب الإدمان. كان يعتقد أن الإدمان هو مرض، وطور خطة علاج تضمنت الانسحاب والتمارين الرياضية والدعم الأخلاقي.
  • كليفورد بيرز (1876-1943): كان بيرز مريضًا في مصحة هارتفوردت، وهي مستشفى للأمراض العقلية، وكتب كتابًا عن تجاربه بعنوان “عقل وجد نفسه”. ساعد هذا الكتاب في زيادة الوعي بالأمراض العقلية والإدمان، وأدى إلى إنشاء اللجنة الوطنية لصحة العقل، والتي أصبحت فيما بعد المعهد الوطني للصحة العقلية.
  • هاري تيوبوت (1897-1977): كان تيوبوت طبيبًا نفسيًا طور مفهوم “مرض إدمان الكحول”. كان يعتقد أن إدمان الكحول هو مرض تدريجي، وجادل بأنه من المهم علاج إدمان الكحول كحالة طبية بدلاً من فشل أخلاقي.
  • فيرنون جونسون (1912-1994): كان جونسون عالمًا نفسيًا طور نموذج مينيسوتا، وهو برنامج علاج من 12 خطوة لإدمان الكحول. لا يزال نموذج مينيسوتا مستخدمًا على نطاق واسع اليوم، وتم استخدامه مع أنواع أخرى من الإدمان.

هذه مجرد بعض الشخصيات الرئيسية في تاريخ طب الإدمان. لقد قطع المجال شوطًا طويلاً منذ بداياته، ولا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به. ومع ذلك، هناك سبب للأمل، ومستقبل طب الإدمان مشرق.

المصادر

  1. Historical and cultural aspects of man’s relationship with addictive drugs – PMC (nih.gov)
  2. History of Drug Abuse and Addiction Rehabilitation Programs

المسجد الأقصى والحرم الشّريف؛ تاريخه، وعناصره المعمارية

يعتبر المسجد الأقصى ، الواقع في القدس القديمة، ثالث أقدس مسجد في الإسلام بعد المسجد الحرام في مكة المكرمة والمسجد النبوي في المدينة المنورة [1][2]، وتعدّ عمارة المسجد مزيجاً من الطرز المعمارية البيزنطية والأموية والعباسية والفاطمية، مما يعكس الفترات المختلفة لبنائه وتجديده [3][4]، وفي هذا المقال، سنتعرف على تاريخ بناء المسجد الأقصى وعناصره المعمارية.

تاريخ المسجد الأقصى

عهد الخلفاء الراشدين

كان أول مسجد تم بناؤه في الموقع في عهد عمر بن الخطّاب عبارة عن هيكل بدائي مبني من دعامات خشبية. تم تشييده عام 636/637 م بعد دخول القوات الإسلامية لمدينة القدس.

الفترة الأموية

خلال العصر الأموي، تم تشييد مبنى جديد موقع مسجد عمر. بادر عبد الملك بن مروان بمشروع المسجد الذي كان قد شُيّد قبل حوالي سبعين عامًا. تم الانتهاء من بناء أول مسجد أموي في الموقع في عهد الوليد ابن عبد الملك بن مروان.

الفترة العباسية

تم تجديد المسجد الأقصى بشكل كبير في عهد الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور لأول مرة. وبعد ذلك، تم تجديد المدخل الرئيسي على نطاق واسع من قبل الخليفة المأمون ثم المهدي من بعده.

الفترة الفاطميّة

تم تنفيذ إعادة بناء أخرى خلال الفترة الفاطمية في القرن الحادي عشر.

بالإضافة للعديد من المباني والإضافات التي تمّ بناؤها خلال الفترتين الأيوبية والمملوكية.

الفترة العثمانية

اهتم العثمانيون كثيرًا بالمسجد القبلي، وخاصة السلطان سليمان القانوني الذي أجرى تجديدًا شاملاً للمبنى، وكذلك السلطان محمود الثاني، والسلطان عبد العزيز، والسلطان عبد الحميد الثاني الذي قام بتأثيث المسجد بالسجاد وزوده بفوانيس جديدة.

العصر الحديث

خلال فترة الانتداب البريطاني، قام المجلس الإسلامي الأعلى ببعض أعمال الترميم في عامي 1922 و 1924 م. تم إجراء أعمال الترميم الأولى في القرن العشرين في عام 1922م، عندما كلف المجلس الإسلامي الأعلى بقيادة أمين الحسيني (مفتي القدس) المهندس التركي أحمد كمال الدين بك بترميم المسجد الأقصى والآثار في محيطه. كما كلف المجلس مهندسين معماريين بريطانيين وخبراء هندسة المصريين ومسؤولين محليين للمساهمة والإشراف على الإصلاحات والإضافات التي تم تنفيذها في 1924-1925 بواسطة كمال الدين.

وقد قامت السلطات الأردنية ببعض أعمال الترميم في أعوام 1952 و 1959 و 1964 م.

وفي عام 1969، كان لا بد من القيام بأعمال ترميم واسعة النطاق، بسبب الأضرار الناجمة عن هجوم حرقٍ متعمَّد. بدأ برنامج الترميم الشامل للقبة المتضررة ولوحاتها، وتم استبدال الغطاء الخارجي المصنوع من الألمنيوم المضلع بالرصاص ليطابق الغطاء الأصلي. تم إبراز الزخارف المرسومة للجزء الداخلي للقبة التي تعود إلى القرن الرابع عشر، والتي كان يُعتقد أنها فُقِدت بشكل لا يمكن إصلاحه، وأعيد بناؤها بالكامل باستخدام تقنية trateggio، وهي طريقة تستخدم الخطوط العمودية الدقيقة للتمييز بين المناطق التي أعيد بناؤها عن تلك الأصلية [5].

بنية المسجد الأقصى

الشكل 1: رسم منظوري يُظهِر الحرم الشريف، ويظهر المسجد الأقصى يمين الصورة، وقبة الصخرة مقابله.

يتألف حرم المسجد الأقصى من العديد من المباني والمكوّنات من مساجد وقباب ومآذن ومدارس وبوّابات وسُبُل ماء وغيرها، ومنها:

المساجد

المسجد القِبليّ

المسجد القبلي المعروف بالمسجد الأقصى، هو أول مبنى شيده المسلمون على الإطلاق في مجمع المسجد الأقصى. عندما دخل المسلمون القدس لأول مرة في عام 638م، كان الموقع مقفرًا حتى قام الخليفة عمر بن الخطاب ومرافقوه بإخراج التراب منه وبنوا عليه مسجداً بسيطًا في الجزء الجنوبي منه بعد مناقشة أفضل موقع لذلك.

لكن المسجد القبلي، كما نعرفه اليوم، بُني لأول مرة من قبل الخليفة الأموي الوليد الذي تابع بناءه بعد وفاة والده عبد الملك بن مروان. ثمّ خضع لأعمال الترميم في الفترتين العباسية والفاطمية.

في العصر الأموي، كان الجامع القبلي يتألف من 15 مجازاً، أوسعها هو الموجود في المنتصف وكان المبنى مغطى بسقف من القرميد وتعلوه قبة في نهاية المجاز الأوسط.
تمّ استخدام المسجد القِبلي كمقرٍّ للصليبيين أثناء احتلالهم للقدس، وبعد تحرير الخليفة الأيوبي صلاح الدين للقدس والمسجد الأقصى عام 1187م . أمر بتجديد المبنى وإعادته إلى حالته السابقة. كما قام بتركيب المنبر الخشبي الذي أمر نور الدين محمود زنكي -ملك مملوكي من السلالة الزنكية- بصنعه في حلب في سورية وأن يوضع بجوار المحراب الرئيسي في المسجد القبلي. [6]

الشكل 2: حرم الصلاة في المسجد القِبليّ -والذي يعرف أيضاً بالمسجد الأقصى
الشكل 3: مسقط المسجد القِبلي وتظهر فيه: A- المدخل، B- درج للأجزاء الواقعة تحت الأرض، C- الدرج المؤدي إلى “مهد المسيح”، 1- قاعة الصّلاة (الحرم)، 2- نافورة، 3- البوابة الشرقية، 4- محراب زكريّا، 5- مسجد الأربعين شهيد، 6- مسجد عمر، 7- المحراب، 8- المنبر، 9- جامع النساء، 10- المتحف الإسلامي، 11- قبة يوسف [6]

مسجد عمر

يقع مسجد عمر في الركن الجنوبي الشرقي من المسجد الأقصى ويعتبر جزءًا منه، وهو مبنى مستطيل الشكل له مدخلان أحدهما في المسجد القبلي والآخر يطل على باحات الأقصى. ويستخدَم جزءٌ من المسجد اليوم كعيادة طوارئ. [6]

مسجد الأربعين شهيد

غرفة فسيحة تقع في الجزء الشمالي من مسجد عمر، حيث يوجد أحد مدخليه. [6]

الشكل 4: إحدى جلسات الذّكر داخل مسجد الأربعين شهيد

المسجد الأقصى القديم

يقع المسجد الأقصى القديم تحت المجاز المركزي للمسجد القبلي؛ وهو مبنى خطي يمتد من الشمال إلى الجنوب. يمكن الوصول إليه باستخدام درج قديم يقع أمام الممر الخارجي للمسجد القبلي المكون من 18 درجة. ينتهي مبنى الأقصى القديم بباب آخر يسمى «باب النبي» أو «الباب المزدوج». المسجد عبارة عن قبو مسقوف بقبوة اسطوانية يتكون من ثلاثة أقواس أسطوانية تميل نحو الجنوب بسبب الطبيعة الجغرافية لموقع المسجد الأقصى؛ كان في الأصل بمثابة ممر للخلفاء الأمويين الذين يربطون قصورهم بالأقصى، حيث تم بناء القصور بجوار جداره الجنوبي. ومع ذلك، فإن مبنى المسجد القديم الذي تم ترميمه وإعادة افتتاحه من قبل لجنة الأقصى لإعادة إعمار الأماكن المقدسة في عام 1998م هو مبنى أموي. يستضيف المبنى اليوم مكتبة المسجد الأقصى المسماة «المكتبة الختنية» [6].

الشكل 5: مصلى الأقصى القديم

المسجد المرواني

المسجد المرواني أو القبو الشرقي هي قاعة ضخمة تحت الأرض في الركن الجنوبي الشرقي من المسجد الأقصى. في الأصل كانت تلة شديدة الانحدار، وتم رفع هذه المنطقة من خلال هياكل مختلفة لتكون على نفس مستوى الفناء الشمالي للمسجد الأقصى، حيث أراد المسلمون بناء المسجد القبلي على أسس صلبة. ورغم أن عام البناء المحدد لا يزال غير معروف، فقد تم التأكد من أن المسجد المرواني قد شيد قبل المسجد القبلي [6].

يتكون المسجد من 16 مجازاً تمتدّ على مساحة واسعة، مما يجعله أكبر هيكل منشأ داخل حرم الأقصى مع القدرة على استيعاب أكثر من 6000 مصلي في وقت واحد. يمكن الوصول إليه باستخدام درج حجري متصل ببوابتين ضخمتين إلى الشمال الشرقي من المسجد القبلي. واللتان قد بنيتا بعد تجديد المسجد للسماح لأعداد كبيرة من المصلين والزوار بالدخول والخروج دون أي عوائق، ولتحسين نظام التهوية لأن المبنى يفتقر إلى عدد كاف من النوافذ. [6]

الشكل 6: بوابتا المسجد المرواني من الخارج
الشكل 7: حرم الصلاة في المسجد المرواني

جامع النساء

يعود للفترة الأيوبية ويمتد من الجدار الغربي للأقصى إلى ركنه الجنوبي الغربي.

خلال العقود الثلاثة الماضية تم تقسيم المبنى إلى ثلاثة أقسام:
(1) القسم الجنوبي الغربي، الذي يستخدم كقاعة جنوبية للمتحف الإسلامي.
(2) القسم المركزي، الذي كان بمثابة المكتبة الرئيسية للأقصى قبل نقله إلى المسجد الأقصى القديم.
(3) القسم الشرقي المجاور للمسجد القبلي ويستخدم كمستودع للوقف الإسلامي. [6]

الشكل 8: جامع النساء

جامع المغاربة

يقع هذا المسجد القديم في الجزء الجنوبي الغربي من المسجد الأقصى بجوار باب المغاربة (الجدار الغربي).
تم بناؤه خلال القرن الثالث عشر الميلادي ويعود لالعصر الأيوبي؛ ومع ذلك، فإن عام البناء المحدد واسم مؤسسه لا يزالان غير معروفين.
كان المسجد في الماضي مخصصًا لأتباع مدرسة المالكي للفقه. وهو يستخدم الآن كقاعة غربية للمتحف الإسلامي حيث يتم عرض عدد من القطع التاريخية الإسلامية والآثار. [6]

مسجد البُراق

تم بناء مسجد البراق بجوار حائط البراق. يطلق عليه هذا الاسم بسبب خاتم مسمَّر على جداره يعتقد المسلمون أن النبي محمد (ص) استخدمه لربط البراق الذي نقله من مكة إلى القدس في رحلة ليلة «الإسراء والمعراج» . تقع البوابة الرئيسية لمسجد البراق في الحائط الغربي للأقصى، ولكنها مغلقة بشكل دائم.
ومع ذلك، لا يزال المسجد مفتوحًا للصلاة حيث يمكن للمصلين استخدام مدخل آخر يقع في الممر الغربي للأقصى. [6]

الشكل 9: مسجد البراق الشريف

مهد عيسى

مسجد مهد عيسى (يشار إليه أيضًا باسم «مسجد المسيح») هو قبة صغيرة بنيت في عهد السلطان العثماني عبد الحميد الثاني في عام 1898 م، وتقع بجوار منتصف درج في الزاوية الجنوبية الشرقية من المصلى المرواني. تتكون من قبة مبنية على أربعة أعمدة حجرية تم بناؤها فوق حوض حجري يسمى «مهد عيسى»، ربما تم بناؤه خلال العصر العباسي أو الفاطمي. على الرغم من اسم المسجد، لا يوجد دليل في التقاليد الإسلامية يضع المسيح في هذا الموقع. وعلاوة على ذلك، فقد أصدر رجال الدين المسيحيون في القدس بيانا أعلنوا فيه أن المسيحيين ليس لديهم أي آثار أو أماكن مقدسة في أي مكان داخل المسجد الأقصى. [6]

الشكل 10: مهد عيسى

القباب

قبة الصخرة

الشكل 11: قبة الصخرة وقبة السلسلة

بنيت قبة الصخرة بأمر من الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بين عامي 688 – 691 م [7]. وتعدّ من أولى المباني الإسلامية على الإطلاق. بنيت لتكون نقطة محورية دينية لحلفاء الخليفة الأموي. إذ إن منطقة الحجاز (مكة المكرمة والكعبة المشرفة) آنذاك لم تكن تحت سيطرة الدولة الأموية. [8]

إن بنية المنشأة وقبتها التي نراها اليوم لا تزال محافظةً على شكلها الأصلي. حيث تتميز بمسقط مثمن الشكل. يسقف مركزه بقبة ذات قطر 20 م تقريبًا، مرفوعة على رقبة محمولة على 4 دعامات و12 عمود[9]. تحتوي هذه الدائرة في مركزها على الصخرة المشرفة [8]. ويحيط بالدائرة رواق مثمن الشكل مؤلف من 8 دعامات و16 عمود. وتشكل الجدران الخارجية شكلًا مثمنًا بطول 18م وبارتفاع 11م لكلّ جدار. بينما تشكّل الجدران الخارجية مع الرواق الداخلي ومع أعمدة القبة ممرين يدوران حول الصخرة المشرفة. [9] تحتوي كل من الرقبة التي تحمل القبة والجدران الخارجية على نوافذ عدّة.

تحتوي كل من الجدران الخارجية الأربعة المواجهة للجهات الرئيسية الأربع (شمال، جنوب، شرق، غرب) على باب. وتغطى الواجهات الخارجية بألواح من الرخام في الأسفل وبلاطات خزفية من الأعلى. تعود هذه البلاطات لعهد السلطان العثماني سليمان القانوني، الذي أمر باستبدال الفسيفساء الزجاجية الأصلية في الفترة الواقعة بين عامي 1545و 1552م. كما جددت الألواح الرخامية عدة مرات. [10]

قبة السلسلة

تعتبر قبة السلسلة منشأة مشابهة لقبة الصخرة، غير أنها أصغر حجمًا. تقع شرق قبة الصخرة مباشرةً، وتتميز بمسقط مشابه مثمن الشكل، مسقوف بقبة، ومفتوح الجوانب. [11] بنيت من قبل الأمويين، وحولت إلى كنيسة صغيرة أثناء الحملات الصليبية. ثم أعاد الأيوبيون تحويلها إلى مصلى. ورممت من قبل الممالي العثمانيين. ورممت حديثًا من قبل المملكة الأردنية الهاشمية. ويذكر أنّ قطر قبة السلسلة 14م. [12]

بالإضافة إلى العديد من القباب الموجودة داخل الحرم الشريف مثل قبّة المعراج وقبة سليمان وقبة موسى وقبة يوسف آغا والكثير غيرها.

المآذن

مئذنة باب الغوانمة

قام القاضي الأيوبي شرف الدين بن عبد الرحمن بن الصاحب ببناء مئذنة بوابة بني غانم في 1297 ميلادية في عهد السلطان حسام الدين لجين. وهي مئذنة مربعة المسقط تقع بالقرب من بوابة بني غانم وتعتبر الأكثر تزيينًا من بين مآذن الأقصى. وهي أعلى مئذنة داخل الأقصى بارتفاعٍ يساوي 38.5 مترًا، ويوجد بداخلها درجٌ مكوّنٌ من 120 درجة.

أدى النفق الغربي الذي حفرته قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى إضعاف أساسات المئذنة، مما تطلب تجديدها في عام 2001م. [6]

الشكل 12: مئذنة باب الغوانمة

مئذنة باب المغاربة

قام القاضي المملوكي شرف الدين بن فخر الدين الخليلي ببناء مئذنة باب المغاربة في عام 1278 م بجوار باب المغاربة. المئذنة التي يبلغ ارتفاعها 23 مترًا هي أقصر مئذنة داخل المسجد الأقصى وتنتصب بدون أي تكون لها أيّ أساسات. تضرر الجزء العلوي من المئذنة في الزلزال الذي ضرب القدس عام 1922 ميلادية وتم إصلاحه من قبل المجلس الأعلى الإسلامي الذي أكمله بقبة، تمّت تغطتيها لاحقًا بصفائح من الرصاص من قبل الصندوق الهاشمي لترميم المسجد الأقصى وقبة الصخرة. [6]

الشكل 12: مئذنة باب المغاربة بواسطة المصور معتز توفيق اغبارية – عمل شخصي

مئذنة باب الأسباط/ مئذنة الصلاحية

تم بناء مئذنة باب الأسباط لأول مرة من قبل محافظ القدس سيف الدين قطلو باشا خلال عهد السلطان المملوكي الأشرف شعبان بجوار باب الأسباط، كما تسمّى المئذنة الصلاحية لوقوعها في جهة المدرسة الصلاحية الواقعة خارج الحرم الشريف [13]. كانت مئذنة مربعة الشكل حتى أمر العثمانيون بإعادة بنائها في عام 1599م في عهد السلطان محمد الثالث، مما يجعلها المئذنة الوحيدة ذات الشكل الأسطواني داخل الحرم الشريف. تم تجديد مئذنة االأسباط مرتين، الأولى في عام 1927م بعد تعرضها لأضرار بسبب زلزال، ثم في عام 1967م بعد تعرضها لأضرار بسبب الغارات الإسرائيلية.
أعادت لجنة المسجد الأقصى بناء المئذنة وغطت قبتها بألواح من الرصاص. [6]

الشكل 13: مئذنة باب الأسباط بواسطة المصور معتز توفيق اغبارية – عمل شخصي

مئذنة باب السلسلة

قام الأميرسيف الدين تنكز الناصري الحاكم المملوكي على الشام ببناء هذه المئذنة فوق الممر الشمالي للأقصى عام 1329 م بجوار باب السلسلة.
يمكن الوصول إلى المئذنة ذات المسقط المربع من خلال مدرسة الأشرفية باستخدام درج 80 درجة. وهي مبنية على قاعدة مربعة وتعلوها شرفة مغطاة على مجموعة من الأعمدة الحجرية. تم ترميم المئذنة من قبل المجلس الإسلامي الأعلى في عام 1922م بعد أن تضررت بسبب زلزال.

منعت القوات الإسرائيلية المسلمين من دخول واستخدام هذه المئذنة “لحماية المصلين اليهود” عند حائط البراق («الحائط الغربي»)، الذي تطل عليه المئذنة. [6]

الشكل 14: مئذنة باب السلسلة بواسطة المصور معتز توفيق اغبارية – عمل شخصي

حائط البراق

يمثل حائط البراق الجزء الجنوبي الغربي من جدار المسجد الأقصى، ويبلغ طوله حوالي 50 مترًا وارتفاعه حوالي 20 مترًا. وهو جزء من المسجد الأقصى ويعتبر من الممتلكات الإسلامية حيث أنه وفقًا لما ذُكر في التقاليد الإسلامية، فهو الجدار الذي ربط فيه النبي محمد (ص) البراقَ قبل أن يصعد إلى الجنة في رحلته من مكة إلى القدس (الإسراء والمعراج).
يطلق عليه الإسرائيليون اسم «حائط المبكى» أو «الحائط الغربي» أو «الكوتل»، ويدعون أنه الجزء المتبقي من هيكل سليمان.
في عام 1930، أكدت لجنة التحقيق البريطانية لتحديد الحقوق والمطالبات للمسلمين واليهود فيما يتعلق بحائط البراق أن الجدار ومعظم المنطقة المحيطة به تشكل ممتلكات للوقف الإسلامي.

تم إنشاء الساحة الواقعة اليوم أمام الجدار بعد الغزو الإسرائيلي للمدينة عام 1967م وشمل ذلك هدم حيي المغاربة بأكمله، مما جعل المئات من أبناء الحيّ بدون مأوى. [6]

الشكل 14: حائط البراق

لقراءة المزيد عن الحرم القدسي الشريف، تابع المقال: سلسلة العمارة الإسلامية: قباب الحرم القدسي الشريف

المصادر

  1. zamzam.com – history of al Aqsa
  2. middleeasteye.net – palestine al-Aqsa
  3. usnews.com – where is al aqsa mosque and why is it so important in Islam
  4. britannica.com – Al Aqsa Mosque
  5. madainproject.com – al aqsa mosque
  6. haramalaqsa.com
  7. Dome of the Rock (BiblePlaces.com)
  8. The Dome of the Rock (Qubbat al-Sakhra) – Smarthistory
  9. Dome of the Rock – Madain Project (en)
  10. Dome of the Rock – Discover Islamic Art – Virtual Museum
  11. Dictionary of Islamic Architecture (pdf)
  12. Dome of the Chain – Madain Project (en)
  13. alqudsgateway.ps

من هو المينوتور في الأساطير اليونانية؟

من هو المينوتور في الأساطير اليونانية؟ «المينوتور-Minotaur » هو وحش خرافي من جزيرة كريت كان له جسد رجل ورأس ثور. كان ابن «باسيفاي-Pasiphae»، زوجة «مينوس-Minos »، وثور أبيض اللون أرسله الإله بوسيدون إلى مينوس للتضحية به. ولكن مينوس أبقى الثور حيًا وضحى بثور آخر. وكعقاب على هذا التصرف، جعل بوسيدون باسيفاي تقع في حب الثور. تم حبس المينوتور الذي أنجبته من الثور في المتاهة التي أنشأها «دايدالوس-Daedalus» لمينوس. وتم تقديم تضحيات منتظمة من الشباب والعذارى لإشباع جوعه للحوم البشر. قام البطل «ثيسيوس-Theseus» بقتل الوحش في النهاية [3] [1].

أصل التسمية:

كلمة «Minotaur» هي كلمة مركبة تتكون من الاسم اليوناني القديم « Μίνως» الذي يعني مينوس والاسم «ταύρος» الذي يعني الثور. وبالتالي، فإن كلمة مينوتور تعني ثور مينوس. إن اسم ولادة مينوتور، «أستيريون- Asterion» (وهو نفس اسم والد مينوس بالتبني)، تعني النجمي أو المرصع بالنجوم مما يشير إلى ارتباطه مع كوكبة الثور [1].

ولادة المينوتور:

زيوس وأوروبا

في الأسطورة اليونانية، كان مينوس أحد الأبناء الثلاثة من اتحاد «أوروبا- Europa» وزيوس. ذات يوم، بينما كانت أوروبا تسترخي مع الأصدقاء على شاطئ البحر، تجسس عليها الإله زيوس وسرعان ما وقع في حبها. في استراتيجية مغازلة غريبة إلى حد ما، قام زيوس إما بتغيير نفسه إلى ثور أبيض أو أرسل ثورًا وسيمًا لجذب الأميرة. كان أوروبا مفتونة بالفعل بالحيوان الطيع وزينته بالورود. بعد ذلك، اعتقادًا منها أنها تستطيع ركوب هذا الوحش اللطيف، صعدت على ظهره وكان ذلك عندما سبح الثور معها في البحر، وحلّق في الهواء وحمل أوروبا بعيدًا عن فينيقيا. ربما لا تكون الثيران الطائرة هي الأفضل في النقل الجوي، فليس من الغريب أن يسقط الثور بسرعة في البحر ومن هناك سبح إلى جزيرة كريت. بمجرد وصول زيوس إلى الجزيرة، فرض نفسه على الأميرة، وأنجب الزوجان ثلاثة أطفال: مينوس، ملك «كنوسوس-Knossos» المستقبلي، «رادامانثيس-Rhadamanthys » الحكيم الذي سيصبح أحد قضاة العالم السفلي، وفي بعض القصص اللاحقة، المحارب العظيم وحليف طروادة، «ساربيدون-Sarpedon». تنتهي القصة عندما وجدت أوروبا لاحقًا العزاء في « أستيريون-Asterion»، ملك كريت الذي تزوجته وتبنى أبنائها. أخيرًا، أصبح الثور الذي أنشأه زيوس كوكبة الثور [4].

وصول مينوس للحكم

عندما توفي أستيريون، لم يكن من الواضح أي من الأبناء الثلاثة يجب أن يتولى الحكم. الأبناء الثلاثة هم مينوس وساربيدون ورادامانثيس. كان مينوس، الذي يعني اسمه في كريت الملك، هو الذي قُدر له أن يكون ملكًا على جزيرة كريت على الرغم من أن صعود مينوس إلى السلطة كان رحلة صعبة لأنه كان عليه في البداية أن يتفوق في منافسة أخويه. ومع ذلك، كان لدى مينوس ميزة واحدة لم يكن يتمتع بها إخوته حيث ادعى أنه حصل على دعم ونفوذ الآلهة للحكم، وتفاخر بأنه يستطيع إثبات ذلك من خلال الصلاة من أجل ما يريده وأن الآلهة ستحقق مراده. وهكذا، في أحد الأيام أثناء التضحية لبوسيدون، صلى أن يظهر ثور من أعماق البحر. أقسم مينوس بالجنة أنه سيضحي بالثور لبوسيدون بمجرد ظهوره. بعد ذلك، أظهر بوسيدون ثورًا رائعًا من البحر. وهكذا، تم التحقق من صحة ادعاء مينوس بالسلطة لأنه لم يجرؤ أحد على تحدي تأييد الآلهة له، ناهيك أن مؤيده هو بوسيدون العظيم الذي حكم كل البحار. نتيجة لفوزه بالعرش، طرد مينوس إخوته من جزيرة كريت. سيتم توحيد الإخوة الثلاثة في الحياة الآخرة، لأنهم بعد موتهم أصبحوا قضاة في العالم السفلي. كانت مهمتهم هي الحكم على الموتى من أجل تحديد مكانتهم في العالم السفلي بناءً على أسلوب حياتهم [1].

غضب بوسيدون

ولكن، لم يف الملك مينوس بقسمه لبوسيدون. حيث احتفظ بالثور الكريتي المهيب لنفسه وضحى بثور آخر مختلف للإله. غاضبًا من عدم احترام الملك مينوس له، تآمر بوسيدون لمعاقبته على غطرسته. وفقًا لبعض نسخ الأسطورة، فإن بوسيدون هو الذي يعاقب مينوس من خلال غرس الحب والشغف داخل زوجة الملك، باسيفاي، للثور الذي جاء من البحر. ومع ذلك، وفقًا للمؤلف الروماني «هايججينوس- Hyginus»، فإن أفروديت هي التي لعنت باسيفاي، لأن الملكة لم تظهر التقوى المناسبة للإلهة لبعض الوقت. عاقبتها الإلهة بإرسال شغف شديد للثور المهيب من البحر. تروي نسخة أخرى كيف ذهب بوسيدون، الذي أغضبه مينوس، إلى أفروديت لمساعدته في هذا الأمر ولعنت باسيفاي لصالح بوسيدون [1].

باسيفاي والثور

طلبت الملكة باسيفاي، التي ابتُليت بهذا الشغف الذي لا ينتهي، مساعدة ديدالوس وإيكاروس. بالنسبة لباسيفاي، صنع ديدالوس بقرة خشبية مغطاة بجلد بقرة حقيقي ووضعها على عجلات. بعد ذلك، وضع دايدالوس الملكة باسيفاي داخل الهيكل ودفعها إلى المرج الذي كان يرعى فيه ثورها المحبوب. وهناك التقت بالثور ومارست الجنس معه، حيث اعتقد الثور أن البقرة الخشبية حقيقية. ومن هذا الاتحاد ولد المينوتور [1].

خارج السيطرة

أطلقت الملكة على الوحش اسم أستيريون (تيمناً بوالد الملك مينوس بالتبني)، والذي عرفه شعب كريت بأنه الاسم الحقيقي لمينوتور. عند رؤية الرضيع، اكتشف الملك مينوس العلاقة الحميمة لزوجته وكعقاب، استعبد مينوس دايدالوس وإيكاروس لدورهما في هذه العلاقة، لكنه ترك باسيفاي دون أن يمسها. اعتنت باسيفاي بأستيريون وكانت قادرة على تغذيته عندما كان عجلًا صغيرًا. ولكن، مع نموه، أصبح شرسًا ولم تعد قادرة على إطعامه أو رعايته. لم يكن أستيريون قادرًا على إيجاد مصدر مناسب للطعام، لأنه لم يكن إنسانًا ولا وحشًا، لذلك بدأ يأكل الناس. من أجل إخفاء علاقة زوجته المشينة وبناءً على نصيحة من «وسيط الوحي- Oracle»، أمر الملك مينوس ديدالوس وإيكاروس ببناء متاهة كبيرة لإيواء ابن زوجته. كان موقع المتاهة بالقرب من قصر مينوس في كنوسوس. في بعض الروايات، أصبح الثور الأبيض هو الثور الكريتي الذي أسره هرقل كواحد من أعماله [2] [1].

جزية أثينا:

موت أندروجيوس

أثناء بناء المتاهة، اكتشف الملك مينوس أن ابنه البشري الوحيد، «أندروجيوس- Androgeos»، (من باسيفاي) قد قُتل. تقول بعض المصادر أنه قُتل على يد الأثينيين بدافع الغيرة لمهارته في دورة الألعاب الباناثينية. هناك نسخة مختلفة من الأسطورة تدعي أن ملك أثينا، «إيجيوس- Aegeus»، كان غاضبًا من انتصارات أندروجيوس، وأرسله ليقتل الثور الماراثوني الذي لا يقهر. في المقابل، قُتل من قبل الثور وبصورة غير مباشرة من خلال تصرفات الأثينيين. بغض النظر عن الكيفية، قُتل أندروجيوس وألقى الملك مينوس باللوم على الأثينيين في وفاة ابنه البشري الوحيد وتدمير نسل عائلته [1].

دفع الثمن

 أبحر إلى الأثينيين وضايقهم حتى وافقوا على دفع ثمن وفاة ابنه. طالب الملك مينوس أثينا بتكريم جزيرة كريت بسبع عذارى وسبعة شبان كل تسع سنوات. (هناك بعض التناقض في المصادر حول عدد مرات تقديم هذه الجزية، من كل تسع سنوات إلى مرة في السنة). ثم يتم وضع هذه الجزية في المتاهة حتى يلتهمها المينوتور. في نسخ مختلفة، تم اختيار الضحايا بالقرعة فقط من بين أجمل الرجال والفتيات العذارى. استشار الأثينيون وسيط الوحي في دلفي الذي أمر مدينة أثينا بإعطاء مينوس كل ما يطلبه. وفقًا «لكاتولوس- Catullus»، أثار مقتل أندروجيوس سلسلة أحداث قاسية على أثينا. وعندها فقط علم الملك إيجوس أن أثينا يمكن إنقاذها بإرسال جزية إلى جزيرة كريت وطاعة الملك مينوس. على مضض، استسلم الأثينيون لشروط مينوس وعاد الملك مينوس إلى كريت. يعتقد آخرون أن مينوس قد أقنع الأثينيين بأن التضحية كانت ضرورية لإحباط وباء غامض كان يجتاح أثينا. في كلتا الحالتين، من الواضح أن الأثينيين لم يكونوا سعداء بهذا الاتفاق [2] [1].

ثيسيوس والمينوتور:

نهاية المينوتور

عندما حان وقت التضحية الثالثة، تطوع ثيسيوس ليذبح الوحش. لقد وعد والده، «إيجيوس-Aegeus»، أنه أثناء رحلة العودة إلى المنزل سيرفع أشرعته البيضاء إذا انتصر أو سوف يجعل الطاقم يرفع أشرعة سوداء إذا فشل وقتل. وقعت «أريادني-Ariadne»، ابنة مينوس، في حب ثيسيوس وأجبرت دايدالوس على مساعدة ثيسيوس في الهروب من المتاهة. في معظم الروايات، يتم إعطاؤه كرة من الخيط، مما يسمح له بتتبع مساره بعد أن يقتل مينوتور، وهو ما فعله بالتسلل إلى المخلوق أثناء نومه وضربه حتى الموت بقبضته (أو في نسخ أخرى من القصة، يقوم بجلب سيف أيجيوس معه إلى المتاهة ويذبح المينوتور به). على عكس ضحايا المتاهة السابقين، فإن ثيسيوس قادر على إيجاد طريقه للخروج، بسبب هدية أريادني. يتبع ثيسيوس ببساطة الخيط مرة أخرى عبر المتاهة ليجد طريقه إلى بوابة الخروج حيث وجد الأثينيين الآخرين وقادهم للخروج من المتاهة [2].

مصير أردياني وإيجيوس

أخذ ثيسيوس أريادني معه من جزيرة كريت، لكنه تركها في الطريق إلى أثينا. بشكل عام يقال أن هذا حدث في جزيرة «ناكسوس-Naxos». ظهر الإله ديونيسوس لأريادني في ناكسوس، الذي انتهى بها الأمر بالزواج منه. في بعض نسخ هذه الأسطورة، يظهر ديونيسوس لثيسيوس ويأمره بالتخلي عن أريادني، لأنه ينوي أن يتزوجها. في رحلة عودته إلى أثينا، نسي ثيسيوس تغيير أشرعة الحداد السوداء بالأشرعة البيضاء، ورأى والده الملك إيجيوس الأشرعة السوداء من بعيد وغلب عليه الحزن لذلك قتل نفسه بالقفز من الجرف في البحر. هذا هو الفعل الذي يضمن مكان ثيسيوس كملك أثينا الجديد ويشرح أصل اسم بحر إيجه [2] [1].

مصير دايدالوس وإيكاروس

غضب مينوس لأن ثيسيوس تمكن من الفرار، وسجن دايدالوس وابنه إيكاروس في برج طويل. حيث كانوا قادرين على الهروب من خلال بناء أجنحة لأنفسهم من ريش الطيور التي حلقت بالقرب منهم، لكن إيكاروس مات أثناء الهروب حيث طار عالياً (على أمل رؤية أبولو في عربته الشمسية) وذاب الشمع الذي جعل الريش ملتصقًا ببعضه في الأجنحة بسبب حرارة الشمس [2].

المصادر:

  1. world history
  2. new world encyclopedia
  3. britannica
  4. world history

مدينة سامراء العباسية؛ وجوامعها ذات المآذن الملويّة

مدينة سامراء القديمة، الواقعة في العراق حاليًا، هي كنز تاريخي وثقافي يمثل شهادة على براعة وإبداع العالم الإسلامي. تأسست مدينة سامراء خلال الخلافة العباسية في القرن التاسع، وسرعان ما أصبحت مركزًا سياسيًا وثقافيًا مهمًا يشتهر بهندسته المعمارية الفريدة وإنجازاته الفنية. وفي هذا المقال، سوف نتعمق في التاريخ الغني والأهمية الثقافية لمدينة سامراء القديمة، واستكشاف عجائبها المعمارية ودراسة تأثيرها على الثقافة الإسلامية.

الشكل 1: صورة جوية لمدينة سامراء ويظهر في مقدمة الصورة جامع سامراء الكبير

إنشاء مدينة سامراء وتطوّرها

تأسست مدينة سامراء عام 836 م على يد الخليفة العباسي المعتصم بالله كمعسكر لحماية الخلافة من التهديد المتزايد لسلالة الطاهريين في الشرق [1]. ومع ذلك ، سرعان ما تطورت لتصبح مدينة رئيسية ، وقد وصل عدد سكانها إلى 600000 نسمة في ذروة ازدهارها [3]. تميّزت المدينة بمخطط شطرنجي ذي شوارع متعامدة، وبأحياء سكنية منظمة حول الأفنية المركزية والمساجد [4]. وتتميز العمارة في مدينة سامراء باستخدامها القرميد والجص ، والتي كانت تستخدم لإنشاء أنماط هندسية تزيينية معقدة. [1]

الشكل 2: صورة جوية لمدينة سامراء

أساليب الزخرفة والتزيين في مدينة سامراء

تشتهر الهندسة المعمارية لمدينة سامراء بزخارفها الغنية من الجص والبلاط والزجاج. الزخارف الجصّية، والتي تمّ إنجازها بخليطٍ من الجص والرمل والماء، وتم استخدامها بكثرة في زخرفة مباني سامراء، وخاصةً القصور والمباني الحكومية. وغالبًا ما تم تشكيل الجص بأنماط هندسية ونباتية معقدة، ثم تم طلاؤها بعد ذلك بألوان زاهية [1]

الشكل 3: زخارف جصية في أحد منازل مدينة سامراء
الشكل 4: مثال عن زخارف جصية نباتية من مدينة سامراء القديمة

كما تميزت مباني سامراء بالبلاط الملون المصنوع من مجموعة متنوعة من المواد مثل الطين والحجر والزجاج ، والتي تم ترتيبها في تصميمات معقدة داخل المباني وخارجها [1].

الشكل 5: قطع من بلاطات ملوّنة

استخدم الزجاج الملون في سامراء على نطاق واسع، والذي تم استخدامه لإنشاء أنماط معقدة ومتعددة الألوان في نوافذ المساجد والمباني الأخرى [1].

الشكل 6: قطع زجاجية

جامع سامرّاء الكبير

أمر ببنائه الخليفة العباسي المتوكل عند توليه للحكم [6] وبدأ بناءه عام 848 م واكتمل عام 851 م بمساحة 38000 متر مربع تقريباً [5]. بُني المسجد في موقع قصر سابق دُمِّر إبان الحرب الأهلية التي ميزت نهاية عهد الخليفة السابق الواثق [7].

وتقع على المحور الوسطي للجامع وخارج حرمه برج حلزوني يعرف باسم (الملويّة) أو المئذنة الملتوية، بارتفاع 52 متراً، وبقطر 33 متراً عند القاعدة. وتقع على بعد 27 متراً تقريباً من الجدار الشمالي وتتصل بالجامع بواسطة جسر.

تم بناء هذه المئذنة التي تميّز مدينة سامرّاء باستخدام الحجر الرملي، وما يجعلها فريدة من نوعها هو تصميمها الحلزوني المخروطي. ويرتفع البرج الحلزوني على القاعدة المزودة بمنحدر (رامب) يبدأ عند مركز الجهة الجنوبية ويدور حوله بعكس اتجاه عقارب الساعة. وبعد خمس دورات كاملة، يصل المنحدر إلى القمة وينتهي عند الحنية الجنوبية لطابق أسطواني الشكل. ثم يقود درج شديد الانحدار إلى المنصة، بارتفاع 50 متر بالضبط فوق القاعدة. [6]

يمكنكم معرفة المزيد حول جامع سامراء الكبير في المقال التالي: جامع سامرّاء الكبير ومئذنته الملويّة.

الشكل 7: مئذنة جامع سامراء الكبير

جامع أبي دُلَف

يقع جامع أبي دُلف حوالي 15 كيلومتراً شمال مدينة سامراء في قلب الصحراء، ويحمل مئذنة مشابهة لمئذنة سامراء الملتوية بتصميم حلزوني مشابه [6].

تم بناء المسجد في القرن التاسع وسمي على اسم أبي دُلَف؛ المحارب العربي الذي تم دفنه في باحة المسجد [7]. وهو مستطيل الشكل بأبعادٍ تساوي حوالي 30 × 20 مترًا ، ويتميز بقبة مركزية كبيرة محاطة بقباب أصغر وفناء (صحن) مربع. تدعم القبة المركزية أربعة مجازات تقسم المساحة الداخلية إلى ثلاثة أقسام متساوية. جدار القبلة ، الذي يواجه مكة ، مصمت ولا يوجد فيه محراب ، وهي سمة غير شائعة في العمارة الإسلامية. الصحن مربع به رواق من ثلاثة عشر قوسًا مدببًا على كل جانب من الجوانب الأربعة. المسجد مبني من الطوب والحجر ويتميز بزخارف وتصميمات معقدة تزين الجدران والسقوف. [8]

على الرغم من تشابه مئذنة جامع أبي دُلّف مع مئذنة جامع سامراء الكبير بشكلها الحلزوني، إلا أن مئذنة هذا الجامع ليست نسخة مطابقة لمئذنة جامع سامراء. فمئذنة أبي دلف أصغر حجماً بثلاث دورات فقط يدورها المنحدر حتى يصل إلى القمة مقارنةً بالدورات الخمس التي يدورها مثيله في مئذنة جامع سامراء. [6]

الشكل 8: مسقط جامع أبي دُلّف
الشكل 9: مئذنة جامع أبي دُلف

أهمية مدينة سامراء بالنسبة للعالم الإسلامي

تنعكس أهمية مدينة سامراء كمركز ثقافي وفكري في العديد من المكتبات والمدارس ومراكز التعلم التي استقطبت العلماء من جميع أنحاء العالم الإسلامي [4]. كانت المدينة موطنًا لعلماء مشهورين مثل الجاحظ والمتنبي ، ولعبت دورًا رئيسيًا في تطوّر الفلسفة الإسلامية وآدابها وعلومها [3].

نهاية مدينة سامراء القديمة

لم يدم مجد مدينة سامراء طويلاً ، حيث نهب المغول المدينة في القرن الثالث عشر الميلادي وبدأت في الانهيار. تم التخلي عن المدينة في وقت لاحق ونسيانها إلى حد كبير حتى أعاد علماء الآثار اكتشافها في القرن العشرين. اليوم ، سامراء معترف بها كموقع ثقافي وتاريخي مهم وهي أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو. على الرغم من أن نهوض المدينة وسقوطها امتد عبر قرون ، إلا أن إرثها لا يزال قائمًا كدليل على التراث الثقافي الغني للعالم الإسلامي.

اقرأ أيضاً: مقياس النيل وجماليات العمارة الإسلامية: الشكل والوظيفة

المصادر

  1. Samarra – SmartHistory
  2. Samarra Archaeological City-  UNESCO World Heritage Centre
  3. Samarra – Barakat Trust
  4. Samarra – Archnet
  5. Dictionary of Islamic Architecture
  6. The origins and functions of the spiral minaret at the great mosque of Samarra (Academia.edu)
  7. Minaret of the Abu Dulaf Mosque. Samarra Archaeological City (Iraq) – UNESCO
  8. “Abu Dulaf Mosque.” Academia.edu.

من هم الغلادياتر وماعلاقتهم بعبيد الرومان؟

يتضح من خلال ملاحظة العصور القديمة أن العبيد كانوا سمة مميزة. إذ وجدوا في صفحات كل حضارة مع اختلافات طفيفة بين كل حضارة وأخرى. تميزت حضارة الرومان عن الحضارة اليونانية مثلًا بتوثيق حياة العبيد بدقة أكبر، في مخطوطاتها ونقوش جدرانها وما خلفت من آثارٍ بعدها. لذلك نستطيع أن نقول أننا ملمين بجزءٍ كبير من حياة عبيد الرومان.

ألهمت الحضارة الرومانية الكتاب والفنانين في أرجاء المعمورة، ليتفننوا في إبداع الأعمال الفنيّة الّتي تبرز مواطن جمال تلك الحضارة. حيث نجد العديد من الأعمال الأدبية والسينمائية التي تتحد عن الغلادياتر مثلًا، الذين هم جزء من التكوين الروماني العريق. فقد كان أغلب الغلادياتر عبيدا، وهذا ما ميز عبيد الرومان فيصفحات تاريخ العبيد.

نظرة مختصرة حول عبيد الرومان

جاء عبيد الإمبراطورية الرومانية من داخل وخارج حدود الإمبراطورية. وقد كان للرومان أسواق لبيع العبيد في أماكن مختلفة من الإمبراطورية، أشهرها سوق كان يقع قرب معبد كاستور، وسوق آخر كان قريبا من الحرم الجامعي مارتيوس في روما وكان أحد أكثر الأماكن اكتظاظًا بالسكان. كما قدِم العبيد من خارج حدود الدولة عبر موانئها حيث أحضِروا من سوريا، ومن قاطعتي كابادوكيا ومن فرجيا وهي أقاليم على ساحل الأناضول، التابعة للإمبراطورية الرومانية.

انتشر العبيد في الإمبراطورية الرومانية بشكلٍ كبير، تقدر المصادر نسبتهم بحوالي 10 % إلى 20% من إجمالي سكان الإمبراطورية. وفضَّل الرومان العبيد الأقوياء للعمل، أو المتعلمين كي يساعدوهم في تعليم أبنائهم الفنون والأدب وغيرها من العلوم. وفي أثناء غزو الرومان بريطانيا عام 55 قبل الميلاد، كتب الروماني شيشرون مازحًا، بأنه لا يوجد عبيد متعلمون للأدب والموسيقى يمكن الاستفادة منهم بعد هذا الغزو.

تنوعت أعمال العبيد لدى الرومان، وكان العمل في المناجم والمخاجر أسوأها، وقد وصفهم المؤرخ ديودوروس سيليكوس بأن الموت هو ما يراه في أعينهم لا الحياة. وذلك جراء الظروف القاسية التي يجد العبد نفسه مجبرًا على العمل فيها، بدون راحة. حاول الفلاسفة الرومان حث الملاك على معاملة العبيد بشكلٍ لائق وإنساني، فكتب الفيلسوف سينيكا عن ذلك في ما معناه: يجب معاملة العبيد وأسرى الحرب بالعدل والرحمة، كبشر بمرتبة أدنى، لا كممتلكات تتنقل. فبالرغم من دور العبيد في الحضارة الرومانية إلا أنهم لم يسردوا بين الموظفين في السجلات، بل تحت بند الأدوات والمعدات.

كان العبيد يعانون داخل الإمبراطورية الرومانية، فمثلًا في عصر الإمباراطور نيرون قتل عبدٌ سيّده وكان أحد كبار الشخصيات داخل الإمبراطورية. عوقب ذلك العبد بالإعدام، ليس له وحسب بل لجميع العبيد من أسرته والعاملين عند تلك الشخصية المرموقة. كعقابٍ رادع من وجهة نظر القاضي، لكل عبدٍ قد تسول له نفسه فعلة شنيعة كتلك. [1]

ما هي العلاقة بين العبيد والغلادياتر؟

الغلادياتر هم المصارعين في الحلبات المدرجة في روما، وقد تميزت الإمبراطورية الرومانية بالمصارعة. يقاتل المصارع حيوانات مفترسة، أو مصارعًا آخر مصارعةً قد تصل إلى الموت وسط حضورٍ غفير من الشعب والمراهنين وأصحاب النفوذ داخل الإمبراطورية. يعتقد الرومان أن بداية هذا المشهد كان أحد الطقوس الجنائزية التي قامت بها أسرة الأرستقراطي جونيوس بروتوس بيرا، عام 264 قبل الميلاد تكريمًا له.

لم يدم الوضع كذلك كثيرًا، حيث انفصلت المصارعة عن الطقوس الجنائزية وأصبحت حدثًا يتفاخر فيه أصحاب المال والنفوذ بقوتهم. استثمر أصحاب المال والسلطة في الغلادياتر، حيث قاموا بتغذيتهم وتدريبهم ليصبحوا مصارعين أقوياء يمكنهم تحقيق المكاسب لأسيادهم. عاش المصارعون في ثكنات، ولكل ثكنة ساحة تدريب خاصة. يمكن للجمهور متابعة تدريبات المصارعين من خلال أماكن مخصصة لهم في أماكن التدريب. كانت أساليب القتال مختلفة، فمنهم من يمتطي الفرس، ومنهم من يسير على قدمه بخنجرٍ وشبكة ليلقي بها على خصمه.

امتلأت ساحات القتال بالدماء، لتلبية مطالب الجماهير، وقتل العديد بغير رحمة في تلك النزالات. ركز المقاتلون في ضرباتهم على أماكن الشرايين الرئيسة لإراقة أكبر كمية من الدماء، كما حطموا الجماجم والعظام. وفي حالة قتل المصارع يتقاضى مدربه أضعاف سعره تعويضًا لذلك. ولم تنته تلك النزالات رغم وجود معارضينلها ، وذلك لكونها استثمارًا اقتصاديًا كبيرا، ذو شعبية واسعة بين الرومان. [2]

سبارتاكوس

لم يكن تحرر العبيد من عبوديتهم مسألة سهلة، إذ كان السادة يحفرون مواصفات العبد وصاحبه على حجر ويجعلون العبد يرتديه. وفي حالة هروب العبد من سيده، يسهل على من يجده أن يعيده مرة أخرى. وبالتالي لم يكن الهروب حلًّا للتحرر، وكانت نسبة السادة الذين يحررون عبيدهم من تلقاء أنفسهم ضئيلة للغاية. ولذلك ظهرت بعض التمردات من قبل العبيد، محاولة منهم لأخذ حريتهم بالقوة.

سطع نجم أحد الغلاديتر وقد كان عبدًا يسعى لتحرير نفسه ومساعدة العبيد من حوله، فألهم بشجاعته العديد من الفنانين والأدباء، حتى أصبح أيقونة للتمرد على العبودية. اعتقد المؤرخون أن بداية سبارتاكوس في الإمبراطورية الرومانية هي خدمته في الجيش. فقد بيع سبارتاكوس كعبد، ومن ثم انتقل إلى ثكنات الغلادياتر وتدرب في مدارسهم منذ العام السابع والثلاثين قبل الميلاد. حتى أصبح أحد أشهر مصارعي روما، ولم يدم هذا الوضع لفترة طويلة. حيث قام سبارتاكوس بالهرب، وحث سبعين من الغلادياتر على الهرب معه من معتقل تلك الثكنات.

انتقل الغلادياتر سبارتاكوس مع العبيد الفارين من ثكناتهم، وتوجهوا إلى ملجأ لهم بالقرب من جبل فيزوف. وما لبثت تلك المجموعة الصغيرة حتى تحولت إلى آلاف مؤلفة من العبيد الفارين من جميع أنحاء الإمبراطورية. قدرت أعدادهم بمئة ألف عبد متمرد، تدربوا على القتال بأسلوب حرب العصابات.

نجح جيش المتمردين في اجتياح الإمبراطورية الرومانية وخوض نزالات ضارية، كان الفوز فيها حليفًا لسبارتاكوس، حتى دبّ الرعب في قلوب أباطرة روما. واجه جيش سبارتاكوس الجيش الروماني في عدة نزالات، أودت بحياة سبارتاكوس في النهاية على يد القائد ماركوس ليسينيوس. ولم ينج من جيشه سوى 6000 شخص، تم أسرهم وصلبهم ليكونوا عبرة لغيرهم. وانتهت مسيرة العبد الثائر في عام 71 قبل الميلاد، بعد أن ترك بصمة لا تنسى في تاريخ العبيد كافة، لا عبيد الرومان فقط. [3]

المصادر:

1- The British Museum

2- BBC History

3- National Geographic

كيف عاش العبيد في اليونان القديمة وإسبارطة؟

عرفت اليونان بأنها حضارة ذات شأنٍ كبير، تميزت بالثقافة والعمارة والفلسفة وغيرها من العلوم. وعُرفت كذلك بالديموقراطية، ومع ذلك لم تختلف عن باقي الثقافات في إمتلاكهم للعبيد، فقد كان العبيد جزء لا يتجزأ من الأسرة اليونانية. لم يكن هناك حصر لعدد العبيد في اليونان قديمًا، ولكن قدرت نسبتهم بواحدٍ لكل أربعة أحرار.

لا يوجد قدر كاف من الكتابات حول شعور العبيد باعتبارهم عبيدًا في العصر اليوناني، ولكن تناقلت إلينا وجهة نظر الأسياد حول عبيدهم. فالعبيد لدى اليونانيين هم “ممتلكات تستطيع التنفس”، كما وصفهم أرسطو.

أصل العبيد في الثقافة اليونانية

صنف أرسطو العبيد في اليونان إلى قسمين: عبيد بالطبيعة، وعبيد بموجب القانون. وكما أوضح أرسطو فالعبيد في اليونان كانوا إما عبيدًا ورثوا العبودية من أمهاتهم، أو تعسروا في دفع ديونهم مثلًا فأصبحوا عبيدًا لسد ذلك الدين. وكان عبيد الحروب هم الأكثر وفرة، وهم أولئك الذين أسروا في الحرب وذويهم، وقد كانت هنالك حملات عسكرية هدفها الوحيد جلب العبيد إلى اليونان. [1]

قدّر المؤرخ البريطاني بول كاتلدج عدد العبيد في اليونان في القرن الرابع قبل الميلاد بحوالي 100 ألف عبد. في حين كان تعداد السكان 250 ألف نسمة. كان لكل أسرة متوسط ثلاثة عبيدٍ على الأقل، ينشؤون مع الأسرة وينتقلون بين الأبناء. [1،2]

اعتقد أرسطو أن العبيد بالطبيعة ليسوا كباقي البشر، بل هم من جنسٍ بشري أدنى من غيرهم، أي في أسفل الهرم البشري. وكان اعتقاده نابعًا من كون أجساد العبيد مشوهة، على الرغم من كون تشوه أجسادهم نتيجة لكونهم عبيدًا لا سببًا لذلك. توارثت الأجيال اعتقاد أرسطو هذا، حتى العصر الحديث وتجارة العبيد عبر المحيط الأطلسي. [1]

ساد الاعتقاد باستحقاق العبيد لما هم عليه من عبودية في تلك الحقبة من الزمن، ولم تكن الحرية تطرأ على بال أسيادهم. ولو فكّر أحدٌ في تحسين وضع العبيد، كان يذهب لمعاملتهم بشكلٍ ألطف، لا لتحريرهم. فقد كانت نظرة اليونانييون للعبيد نظرة استحقاقٍ لعبوديتهم، ولم يكن هذا وصف أرسطو فقط، بل كانت تلك هي النظرة العامة لدى الإغريق. [1]

أعمال العبيد في اليونان

تعامل الأثينيون مع العبيد باعتبارهم جزءًا لا يتجزأ من بيوتهم، فقد كانوا يستقبلونهم بحفلٍ لائق ويقدمون الطعام ترحيبًا بهم. ولكنهم كأي عبيد عملوا في تلك الأعمال التي كان يكرهها العامة، من أعمال شاقة أو مملة أو خطرة. وكان العمل في المحاجر والمناجم أشبه بالإعدام لأولئك العبيد، فقد حُرموا حتى من الشمس والهواء النقي. [2]

ورغم حرمانهم من جميع حقوقهم المدنية، إلا أن العبيد في اليونان عملوا لدى الدولة ككتبة، ومعبدي طرق، وكانوا هم أعلى صنفٍ من العبيد. وبما أن اليونان تميزت بالزراعة، فقد كانوا بحاجة إلى الأيدي العاملة، وعلى خلاف الحضارة المصرية التي كان المزارعون فيها مصريين لا عبيدا. كان أكثر المزارعين في اليونان عبيدًا لا يونانيين. عوملوا بصورة جيدة لكونهم من ثروات مالكهم، كالثروة الحيوانية تمامًا، فأطعموهم وأعتنوا بصحتهم. [2]

وعلى صعيدٍ آخر تميز بعض عبيد اليونان بأعمالٍ مرموقة، كأصحاب المتاجر، وما يسمى اليوم بالمصرفيين، بل في بعض الأحيان كانوا أغنى من أسيادهم مع افتقارهم للحرية. لم يكن العبيد في اليونان سواسية، بل كان منهم من يتكبد العناء للحصول على لقمة العيش، ومنهم من يحصد المال من أعمال أرقى وأيسر من تلك الشاقة. [2]

صَنع العبيد الأسلحة التي استعملها الإغريق في حروبهم، فقد كانوا ينشؤون مصانع للسيوف والدّروع وحدهم. وقد كان لسيلياس الكاتب الشهير مصنع للدروع، يعمل فيه ما يقارب المئة عبدٍ ويزيد. عملوا في إنتاج الأسلحة المعقدة وليس الدروع فقط. [3]

ولكن إن أخطأ العبد في عمله، أو قام بأي عملٍ غير مشروع، فجسده هو ما يتحمل العقوبة أولًا. لذلك فعلى الرغم من تفاوت العبيد في الأعمال، إلا أنهم في العقاب سواسية. [2]

قال ديموستيني رجل الدولة الإغريقي في ذلك: "جسد العبد مسؤول عن كل أفعاله السيئة، في حين أن العقاب البدني هي آخر عقوبة قد تلحق صاحبها الحر".

الهيلوت عبيد إسبارطا

الهيلوت هم فئة من العبيد، عاشت في أراضي إسبارطا اليونانية واقترنوا بأرضها، عمل العديد منهم في الزراعة، وكانوا مملوكين للدولة. كتب الشاعر والفيلسوف الأثيني كريتياس عن حال الناس في إسبارتا: “كان الأحرار أكثر حرية، وكان العبيد عبيدًا أكثر من أي مكانٍ آخر”. [3]

دفع عبيد إسبارتا جزية كبيرة للغاية إلى الدولة حتى تسمح لهم بادخار المال، ومع ذلك صاروا أصحاب مال وأراض. غير أنهم عوملوا كالحيوانات المجبرين على البقاء داخل الأرض، ولم يسمح لهم بالمغادرة خارج حدود المدينة. [2]

وحتى لا ينسى الهيلوت أصلهم، كان سكان إسبارطا يعاملونهم بوحشية من وقتٍ للآخر. حتى أنهم كانوا يُضربون على فترات متباعدة لتذكيرهم بكونهم عبيدًا. أجبر الهيلوت على ارتداء ملابس مهينة لتمييزهم عن الأحرار. وفي بعض الأحيان إذا خاف الإسبرطيون من الهيلوت، كانوا يقتلونهم بدمٍ بارد ولم يكن هنالك عقوبة لذلك. [3،4]

يعتق الهيلوت ليشاركوا في الحروب مع الجيش اليوناني كخدمٍ أو جنود مشاة، ولكن لم يكن المعتق منهم حرًا بشكل كامل. إنّ العبيد في اليونان ليسوا بيضًا وسودا، بل كان هنالك الرمادي كذلك وهم فئة بين الأسبرطيبن الأحرار وبين عبيد الهيلوت. وكانوا متفاوتين في الحقوق والواجبات، وطرق المعيشة، يندرجون بين أحرار وهيلوت إسبارطا. وذلك لأنهم أحرار من أصل عبيد. [3،4]

المصادر:

  1. wondriumdaily.com
  2. .historyextra.com
  3. greekreporter.com
  4. britannica.com
Exit mobile version