استكشاف مملكة لحيان في العلا

تتميز مملكة لحيان الغامضة، بطبيعتها الجميلة وثقافتها الثرية. إذ  تقع في قلب الشرق الأوسط، وهي تحتوي على مجموعة متنوعة من المزايا التي تجعلها مملكة فريدة من نوعها. ولكن هناك في لحيان أكثر من ما يبدو. في هذا المقال، سنطرح نظرة على أهميتها وميزاتها الجذابة.

موقع مملكة لحيان الحالي

تعتبر مملكة لحيان مملكة حضارية مهيبة تابعة لمملكة معين. وقد أقيمت في مستوطنة دادان وتيماء ومدائن الأسود وجبل عكمة إقليم الحجاز غرب شبه الجزيرة العربية. وتقع في الوقت الحالي في دولة المملكة العربية السعودية. وكانت تسمى في الفترة الأولى دادان ودامت دادان في مرحلتها الأولى في الفترة ( 600 ق.م – 100 ق.م). وثم في مرحلتها الثانية في الفترة الممتدة بين سنة 107م و150م.

أصل وتاريخ المملكة

في عصر ما قبل الميلاد أقامت جالية معينية قادمة من الجوف باليمن. دولة وحضارة في دادان وتيماء شمال الحجاز، كانت تسمى مستوطناتهم دادان. وفي فترة من الفترات أقام المعينون في مدينة دادان لتصبح عاصمة ثانية لهم في الشمال.

وتعد مملكة لحيان من أهم المحطات التجارية على طريق القوافل. مما جعل هذا الموقع يقوم بدور مهم في الحالة الاقتصادية للمجتمع المعيني . وتتميز العلا بقربها من ساحل البحر الأحمر فهي لا تبعد عنه أكثر من مسيرة خمسة أيام. حيث يتوجه التجار إلى الموانئ القريبة لإجراء عمليات البيع والشراء مع التجار الإغريق والمصريين وغيرهم.

نظام الحكم والملوك

تعاقب على حكم مملكة لحيان بعد إعادة بنائها مرة أخرى. واستقلالها عن الأنباط العديد من الملوك، منهم -بجانب تيمي- الملك تامني بن تيمي، والملك تارتلو الملقّب بـ”سكيوبس”، والملك عبدنان، والملك صلحان، والملك فضج، والملك عمدان، والملك شهر بن عاسفان. وغيرهم من الملوك الذين كانت تتميز فترات حكمهم بقصر مدّتها.

تميزت المملكة في عهد الملوك السابقين ب كثرة السرقة والحوادث وانتشر السكر والعربدة في الشوارع، وفَقَدَ المزارعون حماسهم والتجّار رزانتهم. ولم يكن الحكم مستقرًّا في المجمل، بل أن السلطة كانت في يد رئيس مجلس الشعب (هجبل). مما أدّى في النهاية إلى سقوط المملكة عام 150م. وتشتّت شعبها بين العراق وعاد ومكة وقليل منهم من بقيَ في العلا.

ديانة المملكة وأهم الآلهة

كانت ديانة اللحيانيين ديانة وثنية في المقام الأول تعتمد على تعدد الآلهة، ومن أبرز الآلهة التي كانت منتشرة في المملكة الإله ذو غابة. والذي كان يقع مقرّه في وسط العاصمة العلا، وكان هناك فناء كبير به حوض ماء يغتسل منه كل من يريد التعبُّد، وكان شعب مملكة لحيان يتقرّبون لآلهتهم بالدعاء والنذر لتوسيع الرزق وشفاء المرضى.

والدليل على ذلك إنه كان هناك شهر يُشدّ فيه الرحال إلى مقرّ الإله. حيث كانوا يقيمون بالقرب منه وينحرون الذبائح ويقدّمون النذور، ولم يكن ذو غابة هو الإله الوحيد. فهناك آلهة أخرى مثل الإله ود، والإله سلمان، والإله بعل سمن، والإله عجلبون. وكما كانت هناك حرية في التعبُّد دون قيود أو ضغوط أو استهداف من أنصار هذا الإله أو ذاك.

الثقافة واللغة والفنون

وقد تميزت هذه الحضارة العريقة في العديد من المجالات، مثل: الفنون والكتابة والتجارة والبناء، ولا تزال آثارهم باقية هناك حتى يومنا هذا. وكان اللحيانيون يتحدثون لغة عربية شمالية. وكان خطهم الذي يكتبون به هو الخط اللحياني المنبثق عن الخط المسند الجنوبي، وكانت حروف الهجاء عندهم 28 حرفًا كاللغة العربية اليوم. وتشير الوثائق والرسوم التاريخية إلى وجود مدارس لتعليم القراءة والكتابة في العلا، ما يبرهن على اهتمام مملكة لحيان بالتعليم والتعلم.

كما عرف اللحيانيون الموسيقى والفنون ويمارسون العزف على الآلات الوترية كالسمسمية والمزامير، وهو ما توثّقه الرسوم المنقوشة على بعض الواجهات الصخرية لجبل العكة. وبعض الجدران الأخرى في العلا، والتي كشفت عن امتهانهم لبعض المهن الفنية كالنحت والصياغة.

وتتميز منازلهم بالطريقة المعمارية التربيعية، أي بنوا البيوت بشكل مربّع لا تزيد فتحتها عن متر واحد، وعمقها في داخل الصخر حوالي مترَين، ومن أشهر البيوت بيت الأسدين. وكما تميّزوا بنحت الجبال واتخاذها بيوتًا للتباهي ودفن موتاهم بها، ومن أكثر مظاهر التحضر عند اللحيانيين حرية التملك للمرأة وهو ما أثبتتها نقوشهم.

النشاط الاقتصادي

ساعد الموقع الاستراتيجي للحيان في أن تكون قوة اقتصادية كبيرة. إذ كانت واحدة من أهم المحطات التجارية التي تربط بين الشرق والغرب، ما أهّلها لأن تكون قبلة القوافل التجارية، البرّية والبحرية، القادمة من الهند إلى مصر وبلاد الرافدين. وما حوّلها مع مرور الوقت إلى سوق كبير للتجارة الحرة بين الحضارات التي كانت متواجدة في ذلك الوقت. وكما تميّزت مملكة لحيان بتجارة وتصدير البخّور والعطور والبهارات، بجانب المواد الغذائية أبرزها الحبوب والتمور والأعلاف.

كما ازدهرت الزراعة بفضل مصادر المياه المتوفرة، سواء كانت مياه جوفية يتمّ استخراجها عن طريق حفر الآبار، أو مياه الأمطار والسيول وبناء السدود. ومن ثم تميّزت منطقة شمال الجزيرة العربية، بالرخاء الزراعي والحدائق الغنّاءة والمزارع المنتشرة، وقد وثّقت النقوش التي وُجدت في العلا وجود بعض المحاصيل الزراعية كالنخيل.

ومن المؤكد أن الزراعة لا تقوم في مكان ما إلا إذا توفرت به المياه. وسواء كانت هذه المياه جوفية يتم استخراجها عن طريق حفر الآبار. أو بناء السدود التي تحجز خلفها مياه السيول والأمطار. وعلى هذا الأساس قامت الزراعة في مدن شمال الجزيرة العربية كالمملكة وما جاورها.

وتشير النقوش المعينية التي تم العثور عليها بالمنطقة إلى وجود محاصيل زراعية أبرزها ثمار النخيل. ويعتبر التمر مصدر رئيسي في الغذاء للحاضرة والبادية. لاحتوائه على أهم العناصر الغذائية وكذلك لسهولة تخزينه وقابليته للتخزين لمدَّة طويلة. وكذلك لسهولة نقله من مكان إلى آخر. وللنخيل فوائد كثيرة فمن سعفه تصنع البسط ومــن ليفه تصنـع الحبال ومــن جذوعه تسقف المنازل. فقد كان النخيل له فوائد عديدة لذلك نرى المعينيين الشماليون اهتموا بزراعته في ذلك الوقت.

أشهر الآثار المكتشفة في لحيان

يوجد العديد من المكتشفات الأثرية الخاصة بهذ المملكة ومن بينها:

تماثيل لحيانية

تمثال الملك اللحياني هو عمل فني منحوت من الحجر الرملي الأحمر. إذ يُمثل أحد الملوك اللحيانيين، ويعود إلى الفترة ما بين القرن الخامس والقرن الثالث قبل الميلاد. يصل ارتفاع التمثال إلى 2.3 متر، ويزن 800 كليو جرام، كما يظهر النحت عضلات الجذع في البطن والصدر.

  مدائن الأسود (مقابر الأسود)

توجد في مملكة لحيان مئات المقابر وأبرزها المنقوش في الواجهة الصخيرة جنوب الموقع مما يدل على المكانة الاجتماعية لمن دفنوا هناك، وتضم مقبرة الأسود قبوراً منحوتة في الصخر ومزينة بنقوش من الأسود في واحة دادان القديمة، ومن المعتقد أنها كانت خاصة بحكام محليين أو بأشخاص مؤثرين آخرين. وتتألف هذه القبور من فتحات مربعة الشكل على ارتفاعات مختلفة من جانب جبل دادان. إذ يبلغ عمق تجاويفها حوالى مترين، ويعود تاريخها تقريباً إلى القرن الخامس قبل الميلاد؛ فهي الفترة المحتملة لاستيلاء مملكة دادان على المنطقة. ويذكر الباحثون أن اختيار رسم الأسد على واجهات هذه المقابر. هذا كان بسبب ما يمثله الأسد من رمز للقوة والمنعة في ثقافات العالم القديم.

  آثار جبل عكمة

تحول جبل عكمة الأثري شمال العلا إلى وجهة سياحية متفردة يقصده الزوار من مختلف دول العالم. بعدما أعادت الهيئة الملكية لمحافظة العلا، المكان إلى متحف نابض بالحياة ليكون جزءاً من التراث العالمي، فقد يحتوي «عكمة» على كتابات ونقوش الأثرية تعود إلى الحضارة اللحيانية في القرن السادس قبل الميلاد إلى القرن الثاني قبل الميلاد. وهو عبارة عن واد ضيق ينحدر من جبل عكمة وعلى بعد ثلاثة كيلومترات من مدينة العُلا، وهو ذو لون داكن يميل للون الأحمر، وشاهق الارتفاع، وكما توثق هذه النقوش والكتابات تاريخ مملكة لحيان وحضارتها وتفاعلاتها المجتمعية وعلاقاتها الخارجية وتنظيماتها وقوانينها الداخلية.

ويعد الجبل جزءًا من تاريخ وحضارة مملكة لحيان وهو أكبر مصدر معلومات عن الاقتصاد والتجارة والخراج والضرائب. وكان موقعًا مهيبًا على طرق التجارة القديمة، ويضم أكثر من 500 كتابة منحوتة على المنحدرات والواجهات الصخرية التي تعود إلى الفترتين الدادانية واللحيانية، ويعد أكبر مكتبة مفتوحة في الجزيرة العربية.

1. Research
2. Research
3. Jornals
4. Britannica
5. Britannica
6. Britannica

نبذة عن تاريخ مملكة معين القديمة

المعينيون أقدم شعب عربي حمل لواء الحضارة، وقد بلغتنا أخبارهم من الكتابات المدونة بالمسند، والكتب الكلاسيكية اليونانية والرومانية. سكن أهل معين منذ أن ظهروا في التاريخ على المسرح السياسي في الجوف بين نجران وحضرموت في أرض خصبة منبسطة، في مملكة معين وعاصمتها قرناو على ضفة وادي مذاب.

أصل وتاريخ مملكة معين

تعد معين من الممالك العربية القديمة في اليمن وشبة الجزيرة العربية، فقد كان المعينيين أبناء عمومة السبئيون والحضارمة. إلا أن النسابين العرب لم يذكروا هذه الشعب ولا أحد من ملوكهم ولا صلتهم مع سبأ بل طوى كل ذلك النسيان إلى أن كشفت عنها مجموعة من الآثار المكتشفة في القرن العشرين.

المعينيون هم في الاصل فريق من السبئيون. وعندما ضعفت مملكة سبأ، انقسمت القبائل السبئية إلى أربعة أقسام وعرف كل قسم باسم خاص به. فمنهم المعينيون وعاصمتهم (قرناو)، والسبئيون وعاصمتهم (مأرب)، والقتبانيون وعاصمتهم (تمنع)، وكانت أراضيها تشمل عدة قبائل.

حكام مملكة معين

امتلكت مملكة معين حكومة ملكية يرأسها حاكم يلقب بلقب “ملك”. غير أن هذه الحكومة وكذلك الحكومات الملكية الأخرى في جنوب الجزيرة العربية، أجازت أن يشترك شخص أو شخصان أو ثلاثة مع الملك في حمل لقب “ملك”. وإذا كان حامل ذلك اللقب من أقرباء الملك من الدرجة الأولى، كأن يكون ابنه أو شقيقه.

وقد وصلت إلينا جملة كتابات، لقب فيها أبناء الملك أو أشقاؤه بلقب ملك، وذكروا مع الملك في النصوص. ولكننا لم نعثر على كتابات لقب فيها أحد بهذا اللقب، وهو بعيد عن الملك، أي ليس من أقربائه. وربما كانت هذه المشاركة في اللقب، في ظروف خاصة وفي حالات استثنائية. وليس من الواضح في الكتابات العربية الجنوبية أكانت مجرد مجاملة وحمل لقب، والدوافع التي حملت أولئك الملوك على السماح لأولئك الأشخاص بمشاركتهم في حمل اللقب.

ومن الملوك الذين حكموا مملكة معين. كما جاء بما عثروا عليه من أنقاض الجوف وعددهم ٣٦ ملكا يشترك كل بضعة منهم باسم واحد. كما تميز بعضهم عن بعض بالألقاب. وسنوجز بعض من اسماؤهم مرتبة حسب تشابهها:

1. اب يدع
2. اب يدع بتع
3. اب يدع ريام
4. اليفع
5. اليفع ياسر
6. اليفع بتع
7. اليفع ريام
8. وقه إل بتع
9. وقه إل صديق
10. وقه إل ريام

النشاط الاقتصادي في المملكة

مثل المعينيون الصلة الحضارية بين اليمن والعالم الخارجي من خلال عملهم بالتجارة. ويمكن القول أنهم سيطروا على التجارة العالمية في العالم القديم. وقد انعكس نشاطهم التجاري على مناطقهم التي ازدهرت وأصبحت مدن وحواضر تضاهي الحضارات المعاصرة الاخرى في بلاد الرافدين ومصر.

فقد كانت التجارة هي العمود الرئيسي، ثم ما يتحصل عليه من الضرائب على التجارة والزراعة. وكذلك عائدات الاراضي الزراعية التي تستغلها الدولة أو تقوم بتأجيرها. وكان للمعابد عائدات خاصة بها وأراضي يعود ريعها للمعابد، وكذلك النذور التي تقدم للمعابد. أما بالنسبة للتداول، فقد تعاملت مملكة معين بنظام المقايضة، ثم عرفوا النظام النقدي وقاموا بصك عملة خاصة بهم. وقد عثر على قطعة نقدية لملك معيني وهي العملة التي كان يطلق عليها اسم رخمة.

وصل تجار مملكة معين بتجارتهم إلى جزيرة ديلوس في بحر إيجة في النصف الأخير من القرن الثاني ق. م. حيث وجدت فيها آثار صغيرة نقشت بنصوص عربية تدعو لأصحابها آلهة معين (وآلهة سبأ).

الحياة الدينية في مملكة معين

كان في كل مدينة معبد، وأحياناً عدة معابد خصصت لأصنام شعب معين. وقد خصص كل معبد بعبادة صنم واحد، يكرس المعبد له، ويسمى باسمه، وتنذر له النذور، ويشرف على إدارته مجموعة ورجال دين يقومون بالشعائر الدينية ويشرفون على إدارة أوقاف المعبد. ويعرف الكاهن والقيم على أمر الصنم عندهم ب “شوع”، وقد وردت اللفظة في جملة نصوص معينية.

وأما “ود”، فقد ظلت عبادته معروفة في الجاهلية إلى وقت ظهور الإسلام، وقد ورد اسمه في القرآن الكريم. كما تحدث عند ابن الكلبي في كتابه “الأصنام”، وذكر إن قبيلة “كلب” كانت تعبده بدومة الجندل. وكتب اسم “ود” بحروف بارزة على جدار في “القرية” “قرية الفأو”، وذلك يدل على عباده هذه الصنم في هذه البقعة.

أشهر المدن المعينية

كان من مدن مملكة معين، مدينة قرناو (معين)، وهي عاصمة الدولة، وتقع في المنطقة الشرقية في الجوف. كانت قرناو من المدن المشهورة بمعابدها وخاصة معبد الإلهة عشتار والذي وجد خارج أسوار المدينة. ومنها مدينة براقش وقد اكتشفوا فيها حوالي 154 نقشاً.

وقد وردت إشارات لها في نقش النصر الخاص بالملك كرب ال وتر حيث كانت إحدى المدن السبئية ثم أصبحت مدينة معينية. وتأتي هذه المدينة بعد معين من حيث الأهمية، وتمتعت بموقع تجاري مهم على طرق التجارة بين مأرب ونجران. وقد حوت المدينة العديد من المعابد ومنها معبد للإله نكرح الهة الشمس في إحدى ضواحي المدينة. وتعتبر لكثرة معابدها وكأنها العاصمة الدينية لدولة معين.

نهاية المملكة

إذا كان ازدهار مملكة معين عائداً بالدرجة الأولى لنشاطهم التجاري وسيطرتهم على الطرق التجارية منذ القرن الرابع ق.م. فإن نهاية هذه المملكة سياسياً جاء نتيجة لظروف خاصة بالطرق التجارية أيضًا. إذ أدى ازدهار دولة الأنباط وتوسعها وسيطرتها على الطرق التجارية حتى مناطق ديدان، والتي كانت تتبع للمعينيين تجارياً، قد أفقد المعينيين ميزة التحكم في الطريق التجاري الواصل بين اليمن وبلاد الشام. إضافة إلى بروز قوة الدولة الحميرية، وكل ذلك جعل مملكة معين تنتهي سياسياً في حدود القرن الأول ق.م بدليل أنها لم تذكر كدولة حين قدمت الحملة الرومانية.

المراجع:

1. Britannica

2. britannica
3. Research
4. Research

أين تقع مملكة قتبان حالياً؟

تعد مملكة قتبان من الممالك اليمنية القديمة، وكان لها دور كبير في نشوء وتطور الحضارة اليمنية القديمة. حيث اسهمت بشكل فعال في رسم وتكوين ملامح تلك الحضارة العريقة.

الموقع وأصل القتبانيين

تعد مملكة قتبان واحدة من الممالك اليمنية القديمة، وتتخذ من مديتة تمنع عاصمة لها، والتي تقع في وادي بيحان في موضع كحلان حالياً. وقد ثارت تساؤلات كثيرة حول هذه المملكة، وكان أولها حول نسب القتبانيين فهم تارة ينسبون إلى حمير، ونسبهم فريق آخر الى سبأ، واعتبروهم طائفة من الطوائف السبئية.

وإذا كان بالامكان تفسير ارجاع نسبهم إلى حمير أو سبأ على اعتبار أن هاتين القوتين كانتا الأكثر نفوذاً، مما جعل العديد من القبائل ينتسبون إليها. وفي رأي بعض العلماء أن هذه المملكة عاشت فيما بين القرن السادس والتاسع قبل الميلاد بين عامي (540_ 865) قبل الميلاد.

تاريخ مملكة قتبان

يوضح نقش النصر بأنّ المملكة كانت حليفاً لمملكة سبأ في الحرب ضد مملكتي أوسان وعدن وكل المناطق التاريخية التي كانت متقدمة اقتصادياً. وتمكنت حينها مملكة قتبان من فرض سيطرتها على مختلف انحاء منطقة أوسان بعد سقوطها، كما تشير المعلومات إلى أنّ المملكة قد دمرت ما يفوق ال 300 مدينة تابعة لحضرموت خلال إحدى الحروب مع مملكة حضرموت.

كما اختلف المؤرخون في التوصل إلى تاريخٍ معين لظهور دولة قتبان سياسياً، ورجحوا بأن يكون خلال الفترة ما بين منتصف القرن التاسع والقرن السابع قبل الميلاد. إلّا أنّه من المؤكد أن تكون هذه الدولة قد استمر وجودها حتّى حلول منتصف القرن الأول قبل الميلاد.

وعاشت المملكة خلال الفترة ما بين ( 350- 50) قبل الميلاد عصراً ذهبياً، حيث تشير نصوص النقوش إلى أنّ قتبان كانت من أكثر الممالك اليمنية أهمية في تلك الفترة. وظهر ذلك من خلال قدرة المملكة على فرض سيطرتها على معين وسبأ.

ملوك مملكة قتبان

عرفت مملكة قتبان نظام المكاربة والنظام الملكي. فقد بدأ نظام الحكم كبقية الممالك اليمنية القديمة في بداية أمره. حيث تلقب حكامها الأوائل بلقب مكرب. وهو لقب يطلق على رئيس حلف قبلي في الفترات المتقدمة من تاريخ الممالك اليمنية القديمة.

كما تعاقب عدد كبير من الملوك على مملكة قتبان سنوجز بعض أسمائهم كالآتي:

١. سمعهلي ( 865 ق.م)
٢. ابن هوف (845 ق.م)
٣. ابن شهر (825 ق.م)
٤. ابن وروال (800 ق.م)
٥. فرع كرب (785 ق.م)
٦. اب شيم (590 ق.م)
٧. شهر غيلان (540 ق.م)

وكان من مشاهير مملكة قتبان في عاصمتهم تمنع، الملك ( شهر أكرب). إذ وجد له نصاً مرسوماً يطلب فيه إلى كبير العاصمة بتحصيل الضرائب ممن يسكنون ويزرعون الأراضي في (سدو) قرب العاصمة. وأمر المزارعين بأن يلتزموا بمرسومه.

المعتقدات الدينية

كان القتبانيون يتقربون للآلهة بالدعاء والشكر لترعى السلام والأمن للتجارة في أسفارهم ورحلاتهم. كما وجد في هذه المملكة عدداً من المعابد الهامة، منها معبد الإله عشتار. ويعود بناء هذا المعبد إلى عهد المكاربة من حكام قتبان، وجرت عليه تجديدات فيما بعد.

كما أظهرت الكتابات الرومانية أنّ عدد المعابد فيها، بلغ خمسة وستون معبداً. واستدّل من الكتابات القتبانية على أن الإله القومي الرئيسي الذي يعبده القتبانيون من دون بقية الالهة هو الإله عم، وهو كبير آلهة قتبان.

اقتصاد وتجارة مملكة قتبان

لعبت التجارة دوراً كبيراً في الإزدهار الذي حققه القتبانيون، ويعود ذلك لموقع بلادهم التي كانت تتوسط المناطق الأخرى. فقد كانت حضرموت إلى الشرق، وإلى الشمال ثم سيطرتهم على الأجزاء الجنوبية، ومن أجل التجارة شقّ القتبانيين الطرق ووضعوا القوانين. وقد أستفاد القتبانيين من موقع بلادهم الجغرافي بجوار باب المندب، ومن مجاورتهم لحضرموت التي كانت تنتج أفضل أنواع الطيب والبخور. واشتغلوا بالتجارة وجنوا من وراء ذلك أرباحاً ضخمة.

كما تعتبر الزراعة من الموارد الرئيسية التي اعتمد عليها النشاط الاقتصادي للسكان في مملكة قتبان، والتي بدورها اعتمدت على أنظمة ري غاية في الدقة والإتقان. فقد أقيمت تشييدات هامة للري كالسدود والقنوات المائية، مما يدل على اهتمام القتبانيين بالزراعة.

وتعتبر مملكة قتبان مملكة زراعية في المقام الأول منذ قيامها، فقد تميزت بوفرة الأراضي الزراعية الخصبة والملائمة للزراعة. وهناك العديد من الطرق الزراعية التي كانت متبعة في كثير من مناطق اليمن القديم، ومنها مملكة قتبان على النحو التالي طرق زراعية بسيطة تعتمد على مياه الأمطار ومنها ما يسقى، ومنها ما يعتمد على مياه السيول.

كما عُرف المجتمع القتباني زراعة العديد من المحاصيل كالحبوب والنخيل والكروم والخضراوات والبقوليات وغيرها. كانت زراعتها منتشرة في اليمن القديم بشكل كبير باعتبارها الغذاء الرئيسي للانسان.

علاقات مملكة قتبان الخارجية

شهد التاريخ السياسي لمملكة قتبان بمختلف مراحله الكثير من الأحداث والصراعات مع جيرانها. وكان هذا الصراع إما بدافع التخلص من التبعية لبعض منهم، أو بدافع المنافسة والتوسع على حسابهم. ولم يستأثر هذا الصراع على مجمل العلاقات القتبانية مع جيرانها، بل إنها اقامت علاقات تحالف وصداقة في بعض الأحيان.

علاقتها مع سبأ

ترجح بداية العلاقات القتبانية السبئية إلى حوالي القرن السابع قبل الميلاد. فمن خلال نقش النصر السبئي يتضح لنا أنّ قتبان وسبأ في ذلك الوقت كانتا متحالفتين، وأن العلاقة بينهما كانت في أحسن حالاتها.  فقد وقفت قتبان متضامنة مع سبأ في حربها ضد دولة أوسان. كما أنها أعادت لقتبان اراضيها التي كانت مغتصبة من قبل أوسان.

لكننا نجد بعد هذه الفترة أنّ القتبانيون دخلوا في صراع طويل مع السبئيين كانت بدايته تهدف إلى التخلص من التبعية لهم. وبهذه المرحلة انتهت مرحلة التحالف والصداقة بين قتبان وسبأ وبدأت مرحلة التنافس والصراع.

علاقتها مع حضرموت

من خلال النقوش الحضرمية التي يعود تاريخها إلى حوالي نهاية القرن السابع والسادس قبل الميلاد، نقلاً عن حرب قام بها الملك الحضرمي (يدع ال بين) ضد قتبان. ويبدو أنّ حضرموت في هذه الفترة قد استغلت انشغال قتبان في حربها مع سبأ فقامت بحملات توسعية في الأراضي القتبانية. وهو ما يفسر وجود اسم الإله عم إله قتبان الرئيسي في النقوش الحضرمية بعد الإله سين الإله الرئيسي لحضرموت.

وفي نهاية القرن الثاني ق.م قامت بعض القبائل التابعة لقتبان بإعلان استقلالها. وهو ما أدى إلى ضعف وتدهور مملكة قتبان. فاستغلت حضرموت الظروف التي تمر بها قتبان وقامت في منتصف القرن الأول ق.م بغزو قتبان. تم خلال ذلك الغزو تدمير واحراق العاصمة القتبانية تمنع.

النحت وتشكيل المعادن

أبدع اليمنيون القدماء ومنهم القتبانيون في نحت الأحجار وتشكيل المعادن بمختلف أنواعها. سواء على هيئة أشكال آدمية أو حيوانية أو زخارف نباتية. كما تشهد بذلك مختلف القطع الفنية الجميلة التي خلفوها مستفيدين في ذلك من توفر المواد الخام الأولية في بلادهم كالأحجار القابلة للنحت والمعادن كالحديد والذهب.

استخدم القتبانيون أحجار المرمر بشكل كبير بمختلف أنواعه في نحت وتشكيل أعمال فنية رائعة كالتماثيل البشرية والحيوانية. ويأتي في مقدمة التماثيل تمثال أطلق عليه عمال الحفريات الأثرية اسم السيدة مريم، الذي يعتبر من أجمل وأكمل المنحوتات القبورية في اليمن.

وكما برع القتبانيون في حرفتي صناعة الأسلحة والصياغة. إذ صنعوا الحلي وأدوات الزينة كالقلائد والسلاسل والأقراط. ففي مقبرة تمنع، تم العثور على أقراط وحلي نسائية، اعتبرها الآثاريون من أروع وأجمل القطع الفنية المكتشفة في ذلك الوقت.

وتعتبر صناعة الأسلحة من أهم الحرف التي دخلت المعادن فيها، وخاصة الحديد، وتشمل الأسلحة السيوف والخناجر. ومن المحتمل أنّ القتبانيين قد صدّروا ما زاد عن حاجتهم من الأسلحة إلى ساحل أفريقيا الشرقي وغيره من المناطق.

المراجع:

1. Britannica
2. Research
3. Research
4. Research

Exit mobile version