ما هي الأمواج الثقالية؟

يتجاوز عنف بعض الأحداث الفلكية حدود المادة والطاقة، ليُحدث اضطرابات في نسيج الكون ذاته. فقد يتموج نسيج المكان-الزمان متأثرًا بحركة بعض الأجسام الثقيلة فيه، وتنتشر تموجاته في كافة الاتجاهات بعيدًا عن مصدرها. يمكن أن تنتقل هذه الاضطرابات الكونية بسرعة الضوء، حاملةً معها إشارات لمصدرها، وأسرار الجاذبية ذاتها. فما هي هذه الأمواج الثقالية؟

بدايةً، ما هو نسيج الكون؟

أقام الفيزيائي الألماني ألبرت أينشتاين نسبيته الخاصة على فرضين أساسيين. أولهما أن قوانين الفيزياء واحدة ثابتة في جميع الجمل المرجعية، وثانيهما أن سرعة الضوء ثابتة في الفراغ مهما تكن سرعة المصدر أو المرصد. وكنتيجة لذلك، وجد أينشتاين أن المكان، بأبعاده الثلاثة، والزمان يتشابكان في الكون. وأطلق على النماذج الرياضية التي تمثل هذا الارتباط اسم «نسيج المكان-الزمان-Space-time»، حيث تمثل الكون بأبعاده المكانية الثلاثة إلى جانب الزمن، البعد الرابع للكون.

ثم في عام 1916م، نشر أينشتاين نظرية النسبية العامة، والتي بين فيها أن الجاذبية خاصة من خواص نسيج الكون. فلنتخيل أنك وضعت كرة بولينغ في وسط ترامبولين، ستلاحظ تغير شكل الترامبولين حول الكرة. والآن لتدحرج كرة صغيرة باتجاه ذاك التقعر، عندها ستدور الكرة الصغيرة حول الكبيرة، لأن مسار الكرة الصغيرة مشوه حول الكبيرة.

وبطريقة مشابهة، تؤثر الكتل في نسيج المكان-الزمان وتغير من شكله في مكان وجودها. كما يمكن للكتل الكبيرة أن تشوهه. فتتغير مسارات الأجسام الأخرى قرب الكتل نتيجة هذا التشوه، ويظهر ما نعرفه بالجاذبية. [1]

تأثير الكتل في نسيج المكان-الزمان
حقوق الصورة LIGO

عندما يضطرب نسيج أينشتاين

وقد أظهرت حسابات أينشتاين أنه إذا ما تحركت الأجسام الثقيلة هذه بسرعة كبيرة، وكنتيجة لتبدل تأثيرها في النسيج بسرعة، ستسبب تموجات في نسيج الكون، مشكلةً «الأمواج الثقالية-Gravtational waves».

صورة توضيحية للامواج الثقالية
حقوق الصورة: LIGO

كما تنتج الأمواج الثقالية القوية عن أحداث فلكية هائلة، كاندماج ثقبين أسودين، أو انفجار مستعر أعظم، أو اندماج نجمين نيوترونيين وما يسبقهما من دوران. أما الأمواج الأخرى فقد تنتج عن دوران نجم نيوتروني ذي شكل غير منتظم، أو من بقايا الانفجار العظيم. [2]

أدلة الأمواج الثقالية

صورة توضيحية للنجمين النابضين
حقوق الصورة: LIGO

رغم توقع أينشتاين وجود الأمواج الثقالية عام 1916م، رُصد أول دليل لها عام 1974م، أي بعد 20 عام على وفاته. حيث اكتشف فلكيان في «مرصد اريسيبو الراديوي-Arecibo Radio Observatory» نجمان نابضان يدوران حول بعضهما في نظام ثنائي. وبعد ثمان سنوات من رصد النجمين ودراسة مداريهما، تبين أنهما يقتربان من بعضهما بنفس المعدل الذي توقعته النسبية في حال إصدارهما أمواجًا ثقاليةً. ومنذ ذلك الوقت، درس الفلكيون عدة نجوم نابضة ووجدوا نتائج مشابهة، مؤكدين وجود الأمواج الثقالية. إلا أن جميع الأدلة السابقة أتت من استنتاجات رياضية بحتة أو بطرق غير مباشرة.[2]

مرصد لايغو للأمواج الثقالية

ثم في 14 أيلول/سبتمبر عام 2015، أي بعد حوالي قرن من توقع وجود الأمواج الثقالية، رصد مرصد «لايغو-LIGO» تموجات في نسيج المكان-الزمان ناتجة عن اندماج ثقبين أسودين. والذي اعتبر أول دليل مادي على وجودها، وأحد أعظم الاكتشافات العلمية حتى الآن.

لا تشكل الأمواج الثقالية أي خطر على الأرض والحياة البشرية. فرغم أن الأحداث الفلكية المسببة لها غايةٌ في العنف، لكنها تصل إلى الأرض أضعف بآلاف مليارات المرات مما هي عليه عند تولدها. فقد سببت موجة عام 2015 تبدلًا في نسيج المكان-الزمان أصغر بألف مرة من قطر نواة الذرة. [2]

وأخيرًا، قد نقول أن الكون، يكشف لنا في أمواجه الجذبوية عن ذاته وخصائصه، وربما أسراره.

المصادر
[1] Space
[2] LIGO observatory

ما هو أفق الحدث؟

هذه المقالة هي الجزء 5 من 10 في سلسلة رحلة إلى أعتم أجسام الكون، "الثقوب السوداء"

تتعرف الثقوب السوداء -أحد أكثر مواضيع الفيزياء الفلكية غموضًا- بمفهومين الأساسيين: «المتفردة-Singularity» و«أفق الحدث-Event horizon». وفي حين تنهار قوانين الفيزياء التي نعرفها عند المتفردة، يجعل الثاني الثقب الأسود أسودًا، ويحمي المتفردة من فضولنا العلمي. فما هو أفق الحدث؟ ماذا يحدث قربه؟ وبما يتعلق حجمه؟

مفهوم أفق الحدث

يرتبط مفهوم أفق الحدث ب«سرعة إفلات-Escape velocity» الأجسام، وهي السرعة اللازمة ليفلت جسم ما من جاذبية جسم آخر. وفي حالة الثقب الأسود، كلما اقترب جسم ما منه، تأثر بجاذبيته أكثر، فاحتاج لقيمة أكبر من السرعة ليهرب منه. ومع اعتبار هذا التزايد التدريجي، يكون أفق الحدث حدًا من الثقب الأسود تبلغ عنده سرعة الإفلات مقدارًا أكبر من سرعة الضوء. وبما أنه يستحيل لأي شيء في الكون -بحسب النسبية الخاصة لأينشتاين- أن يتحرك أسرع من الضوء، نعتبره نقطة اللاعودة من الثقب الأسود. ويشير الاسم هذا بشكل أو بآخر إلى استحالة رؤية أي شيء يحدث خلفه. ذلك لأن الضوء الذي يدخله لا يغادره أبدًا، وكذلك أي شيء آخر. [1]

ماذا يحدث عند الاقتراب منه؟

بسبب «تأثير دوبلر-Doppler effect»، يبدو الجسم المقترب من أفق الحدث مائلًا للأحمر. كما يبدو باهتًا، لأن جاذبية الثقب الأسود تشتت الضوء المنعكس عن الجسم المرصود. أما عندما يبلغ أفق حدثه، فتختفي صورته نهائيًا ويغدو لا مرئيًا لأن الضوء لا يعود قادرًا على الهرب من جاذبية الثقب. [2]

ماذا يوجد خلف أفق الحدث؟

خلفه، وفي مركز الثقب الأسود، تقبع المتفردة. تلك النقطة التي انهار فيها الثقب الأسود، وبلغت كثافتها قيمةً لا منتهية. كما أن نسيج الزمان-المكان ينحني حول المتفردة بزاويةٍ قدرها لا نهاية، متأثرًا بجاذبيتها وجاعلًا قوانين الفيزياء التي نعرفها تنهار. وفي هذه الحالة، يحمي أفق الحدث المتفردة، ويفصلنا -أبدًا- عنها وعن قوانينها الفيزيائية. [3]

حجمه

يعتمد حجم أفق حدث ثقب أسود ما على كتلة هذا الثقب. مثلًا، إذا جُعلت الأرض ثقبًا أسودًا -بطريقةٍ ما- فإن قطر أفق حدثه لن يتجاوز ال 17.4 ميليمترًا. أما إذا حُولت الشمس إلى ثقب أسود، فسيبلغ قطره حوالي الستة كيلومترات، أي ما يعادل مساحة قرية أو بلدة صغيرة. [1]

بينما تكون الثقوب السوداء فائقة الكتلة أكبر بكثير. مثلًا، الثقب الأسود «Sagittarius A» الواقع في مركز مجرة درب التبانة كتلته أكبر من كتلة الشمس ب 4.3 مليون مرة، وقطره يبلغ 12.7 مليون كيلومترًا. [4]

الثقوب السوداء الدوارة

سابقًا، اعتقد العلماء أن جميع الثقوب السوداء لا تدور حول نفسها، واعتبروا متفرداتها نقاطًا منفردة. أما الآن فيميز العلماء نوعين من الثقوب السوداء: دوارة: «ثقوب كير السوداء-Kerr black holes»، وغير دوارة: «ثقوب شوارزشايلد السوداء-Schwarzchild black holes».

تدور ثقوب كير السوداء حول نفسها لأن النجوم التي تشكلت منها كان تدور في الأساس، ولأن المادة التي تبتلعها دارت حولها حلزونيًا قبل أن تسقط فيه. ويقترح بعض الباحثين أن متفردات هكذا ثقوب هي حلقات رفيعة بشكل لانهائي. ويكون أفق حدثها متطاول الشكل كالأرض، أي مضغوط عند الأقطاب، ومنتفخ عند خط الاستواء. [5]

أفق حدث ثقب أسود دوار

على عكس ثقوب شوارزشايلد، يمكن فصل أفق حدث ثقب كير الأسود إلى أفقين خارجي وداخلي. يتصرف الأفق الخارجي كنقطة اللاعودة للثقب الأسود، أي كأفق كلي لثقب أسود غير دوار. أما الأفق الداخلي فيعرف باسم «أفق كوشي-Cauchy horizon». حيث يتصف أفق كوشي بالغرابة الشديدة، فخلفه، لا يسبق السبب نتيجته دائمًا، بل ويمكن ألا يؤثر الماضي في المستقبل، فيكون السفر عبر الزمن ممكنًا. [5]

وفي جميع الأحوال، لا يمكننا أن ننكر -وبأي شكل- أن ما يخفيه هذا الأفق يتجاوز حدود مخيلتنا، وعلومنا أيضًا.

المصادر

[1] Space
[2] Science Alert
[3] NASA
[4] NASA_2
[5] Science Direct

هل من الممكن أن يشيخ الطفل قبل والديه؟

هل من الممكن أن يشيخ الطفل قبل والديه؟ بشكل عام، هل يمر الوقت على الجميع بنفس النسبة؟ ما علاقة هذه الأسئلة بالتمدد الزمني المذكور في نسبية آينشتاين؟

نظرية النسبية العامة:

عندما تتاح لك حرية اختيار مكان سكنك، حاول أن تسكن في مكان منخفض قدر الإمكان لأنك ستشيخ أبطأ بالمقارنة مع إقامتك في مكان مرتفع!

هل من الممكن أن يشيخ الطفل قبل والديه؟

هذا ما تحدث به آينشتاين في ورقته البحثية التي نشرها عام 1907 عن النسبية العامة، والتي تنص على أن الأجسام التي تتعرض لمقادير مختلفة من الجاذبية، يحدث فرق في التوقيت بينها، بمعنى آخر، يمر الوقت بشكل أسرع على السكان في الطوابق المرتفعة عن سطح الأرض مقارنة بجيرانهم في الطوابق الأدنى.

النسبية الخاصة وتجربة التوأم:
ماذا لو حدث الأمر وكنت قاطناً بالفعل في طابق مرتفع، هل فقدت فرصتك في تعديل فرق التوقيت مع جيرانك في الطوابق الأدنى؟ بحسب النسبية الخاصة، لا!

لتوضيح الطريقة سنبدأ بالمثال التقليدي الذي أصبح ملازماً لهذه النظرية والذي يدعى «مفارقة التوأم-twin paradox» حيث يقوم أحد التوائم بالسفر لنجم بسرعة قريبة من سرعة الضوء ليعود ويجد أخاه يكبره بعدة سنوات! ذلك بسبب أن الوقت يمر بشكل أبطأ على الأجسام التي تتحرك بسرعة قريبة من سرعة الضوء مقارنةً بالأجسام الأخرى، وهذا ما حدث في تجربة التوأم.

التمدد الزمني وعلاقته بالنسبيتين:
كلا النسبيتين، العامة والخاصة تتحدث عن مفهوم واحد يدعى «تمدد الزمن-time dialtion» وقد لوحظ تأثيره بشكل عملي في عدة تجارب منها تجربة«هيفلي-كيتنغ Hafele–Keating experiment» والتي قام فيها العالمان «Joseph Hafele and Richard Keating» بتسيير طائرتين تحملان أجهزة قياس توقيت دقيقة «cesium atomic clocks» باتجاهين مختلفين، حيث أتمت الطائرتان دورتان كاملتان حول الكرة الأرضية، وبعد المقارنة مع جهاز توقيت مرجعي موجود على الأرض، وجد فرق في التوقيت بين الأجهزة، الأمر الذي يؤكد مفهوم التمدد الزمني.

إذاً هل أصبح من الممكن السفر عبر الزمن باستخدام طريقة هيفلي-كيتنغ؟
على الرغم من السرعة العالية للطائرات وارتفاعها عن الأرض، فإن فرق التوقيت بين الساعتين يعد متناهياً في الصغر، ذلك أن الأمر يتطلب مرور مئات الملايين من السنين في نفس الظروف للحصول على فرق توقيت بين الساعتين مقداره ثانية واحدة! بالتالي يتطلب الحصول على فرق ملحوظ السفر بسرعة قريبة من الضوء بحسب النسبية الخاصة، أو الجلوس في مكان ذو جاذبية مرتفعة للغاية، حسب النسبية العامة.

ماذا لو أردت ملاحظة أثر النسبية بنفسي، هل سيتطلب الأمر مني الحصول على طائرتين كما في تجربة هيفلي-كيتينغ؟

بفضل العديد من التحسينات على أجهزة التوقيت، يمكن إجراء تجارب مماثلة لتجربة هيفلي-كيتينغ ضمن المختبر، حيث أجرى باحثون من «المعهد الوطني للمعايير والتقنية-National Institute of Standards and Technology» تجربة استطاعوا من خلالها تسجيل فرق في التوقيت بين جسمين يبلغ فرق الإرتفاع بينهما ثلث متر، أو أحدهما يتحرك بسرعة أقل من 10m/s بالنسبة للآخر وذلك بفضل «أجهزة توقيت ذرية-ضوئية عالية الدقة-high-precision optical atomic clocks».

أخيراً يمكن القول أن النظرية النسبية فتحت لنا أبواباً لم نكن لنتخيل وجودها أصلاً، فقد تنبأت بوجود «الثقوب السوداء-black holes» على الرغم من عدم وجود أي دليل مادي عنها في تلك الفترة، كما أنها افترضت وجود «ثقوب دودية-wormholes» التي تسمح بالإنتقال بشكل مختصر في نسيج الزمكان، وعلى وجه الخصوص اقترحت طرق للإنتقال عبر الزمن، فعلى الرغم من الأثر الصغير الذي نلاحظه من تطبيقاتها في وقتنا الحالي، إلا أنها لازالت محور اهتمام الدراسات الحالية والمستقبلية.

المصادر:

The Vintage News
Scientific American 1
Scientific American 2

اقرأ أيضا:
رصد أكبر انفجار في تاريخ الكون منذ الانفجار العظيم!

Exit mobile version