ملخص كتاب “تنانين عدن: تأملات عن تطور ذكاء الإنسان ” لكارل ساغان

ملخص كتاب “تنانين عدن: تأملات عن تطور ذكاء الإنسان” لكارل ساغان

يقدم كارل ساغان في هذا الكتاب دراسة رائعة عن نظرية التطور والدور الهام الذي لعبته في تقدم علوم البيولوجيا، فيقول الكاتب في مقدمة كتابه أن مدة التطور أو التغيير الوراثي كانت طويلة جدًا في الماضي فتحول نوع إلى نوع آخر يستغرق مئات الألوف من السنين ولكن الآن عملية التطور لا تحتاج فترة طويلة فنحن نعيش في عالم يتغير بسرعة بالغة، وأضاف أنه برغم أننا أحيانًا نصنع هذه التغيرات بأنفسنا إلا أننا يجب أن ننتبه لها وإلا اندثرنا.

كما ناقش الكاتب مبدأ التطور بالانتقاء الطبيعي الذي لاحظه وكتب عنه تشارلز داروين وألفرد راسل في منتصف القرن التاسع عشر، فمن خلال الانتقاء الطبيعي ظهرت كائنات أكثر توافقًا مع البيئة عن طريق نمو أعضاء مركبة تخدم تغيير الحياة من حول هذه الكائنات وتقلل من خطر الفناء، وتابع الكاتب في شرح وجهة نظره في أجزاء مختلفة من نظرية التطور مقسمًا إياها في تسعة فصول.

الفصل الأول: التقويم الكوني

يرى الكاتب أنه بالرغم من أن هناك أزمانًا سبقتنا لا نعرف عنها الكثير لعدم وجود سجلات مكتوبة عنها إلا أننا نستطيع التعامل مع الماضي السحيق عن طريق دراسة الطبقات الجيولوجية مثلًا أو عن طريق دراسة الكواكب البعيدة ومجرة درب التبانة ومعرفة الوقت منذ حدوث الانفجار العظيم الذي قد يكون بداية الكون حقًا أو قد يكون انقطاعًا عن الحياة السابقة.

ثم ذكر الكاتب طريقة للتعبير عن التاريخ الكوني عن طريق ضغط 15 بليون سنة التي تعتبر عمر الكون وتمثيلها في سنة واحدة فقط وعرضها كما في الجداول الآتية.

الفصل الثاني: المخ والجينات

وضح كارل ساغان، أن مع التطور البيولوجي للكائنات الحية ازداد التركيب الجيني تعقيدًا، والكائنات الحية اليوم تحتوي على معلومات جينية مخزونة، أكثر بكثير من تلك الكائنات التي كانت تعيش من مائتي مليون سنة مثلًا، كما أن أبسط الكائنات الموجودة اليوم، لها تاريخًا تطوريًا مثل الكائنات الأكثر تعقيدًا، حتى وإن كانت كمية المعلومات الموجودة في أجسادها لا تزيد كثيرًا عن تلك التي كانت موجودة في أجدادها، ولكنها شاهدت تطورًا كبيرًا غير من تلك المعلومات على مدار سنوات طويلة.

ثم أعطى الكاتب لمحة بسيطة عن المادة الوراثية في الكائنات الحية، وتكونها من أحماض نووية تنقسم إلى نوعين (Deoxyribonucleic acid-DNA) و(Ribonucleic acid-RNA)
وذكر الكثير من التفاصيل للوحدات المكونة الأحماض النووية وتركيبها، ثم أضاف أنه من الممكن الحكم على تعقيد كائن حي بمجرد دراسة سلوكياته وكمية المعلومات الوراثية الموجودة في داخله.

وتطور الكائنات الحية على مدار السنوات السابقة كان بسبب حدوث طفرات في مادتها الوراثية وقد تحدث الطفرات بسبب تعرض الكائن الحي الإشعاع مثلًا أو الأشعة الكونية، وعلى الرغم من أن معظم تلك الطفرات يستطيع الجسم إصلاحها عن طريق نظام معين يدعى (Genetic repair mechanism) وهو عبارة عن مجموعة من الجزيئات هدفها الأساسي إصلاح أي خلل في المادة الوراثية، ولكن هناك طفرات مستعصية لا يستطيع النظام إصلاحها فتغير من الكائنات الحية لتستطيع مواكبة التغيرات الدائمة المحيطة بها.

وتحدث طفرة في كل عشرة أمشاج في الكائنات الحية الكبيرة وتحدث عشوائيًا وتكون بأكملها ضارة وتسبب صفات متنحية لا يظهر تأثيرها في الحال ولكن يظهر على المدى الطويل.

ثم طرح الكاتب تساؤلًا عن كمية المعلومات التي توجد في المخ وناقش فرضيتين مختلفتين واحدة تفترض أن أجزاء المخ متماثلة القدرات حيث يمكن لأي جزء من أجزاء المخ أن يحل محل أي جزء آخر ولا يمكن حصر لمكان الوظيفة، أما الثانية تفترض أن أجزاء المخ محددة الوظائف، أما رأي الكاتب أن الحقيقة تقع بين الفرضيتين فيمكن أن تكون هناك روابط عصبية بين وظائف المخ لضمان الجودة والحماية من الحوادث فعند وجود خلل في مكان ما يمكن أن يقوم جزء آخر بأداء وظيفة المكان التالف.

ثم ناقش العلاقة بين نسبة وزن المخ إلى وزن الجسم ونسبة ذكاء الكائنات الحية، فيولد الطفل البشري ونسبة وزن مخه إلى وزن جسمه حوالي 12% وخلال الثلاث سنوات الأولى من عمره يستمر المخ وخاصة جزء القشرة المخية في النمو، أما في سن السادسة فيكون وزن المخ البشري حوالي 90% من وزنه عند الراشدين، كما وضح أن وزن المخ عند الرجال أكبر من النساء ولكن لا اختلاف في نسبة الذكاء بين الجنسين ونسب ذلك إلى أن كتلة أجساد الرجال أكبر من النساء وبالتالي فإن نسبة وزن مخهم إلى جسدهم لا تختلف كثيرا عن النساء وبالتالي لا تختلف نسبة الذكاء.

ولكن تلك الفرضية لا تنطبق على الحيوانات الصغيرة جدًا لأن أداء بعض الوظائف الحيوية يتطلب حد أدنى من وزن المخ.

الفصل الثالث: المخ والمركبة

يطرح الكاتب في هذا الفصل بعض وجهات النظر فيما يتعلق بقضية تطور المخ والتي تشترك جميعها أن بعد كل خطوة تطورية تبقى الأجزاء القديمة كما هي لأنها مهمة لما تؤديه من وظائف لازمة للحياة أما الطبقات الجديدة المضافة تؤدي وظائف مختلفة لازمة لمواكبة تغيرات الكون.

كان بول ماكلين رئيس معمل تطور المخ والسلوك في المؤسسة الوطنية للصحة النفسية يلعب دورا أساسيا في تأكيد تلك النظرية، فقد كان ماكلين يجري تجاربه على العديد من الحيوانات واستطاع استنتاج ووصف نموذج جذاب لتكوين المخ أطلق عليه اسم المخ الثلاثي وشبهه بثلاث آلات حاسبة بيولوجية متصلة ببعضها البعض ولكن لكل منها ذكاء خاص ووظائف خاصه حتى إحساس خاص بالزمان والمكان، وكل واحد من هذه الأجزاء يمثل مرحلة تطورية معينة ويمتلك خريطة تشريحية خاصة.

وقد اعتبر ماكلين أن أقدم أجزاء المخ يتكون من النخاع الشوكي والبصلة (Medulla oblongata) والجسر الذي يتكون من المخ الخلفي والأوسط، والاتحاد بين النخاع الشوكي وهذين الجزئين يكون ما أسماه ماكلين بالشاسية العصبي الذي يحتوي على الآلية الأساسية للتكاثر وحفظ النوع وتنظيم الدورة الدموية والتنفس، ووصل في نهاية أبحاثه إلى أن مخ الأسماك والبرمائيات يتكون من هذه الأجزاء فقط.

وافترض وجود ثلاثة أنواع من الشاسية العصبي يوجد أقدمها حول المخ الأوسط ويتكون من أجزاء معينة تتشارك فيها الثدييات والزواحف وأغلب الظن أنه ظهر منذ مئات السنين وأسماه ماكلين (Reptile complex) أو (R complex) أو مركب “ز”.

وتتشابه فرضيات ماكلين مع نظرية إرنست هيكل عالم التشريح الألماني في القرن التاسع عشر، والتي وضح فيها أن نمو الجنين يصحبه إعادة تكرار للمراحل التطويرية التي مر بها، واستنتج من هذا أن الانتقاء الطبيعي يعمل على الأفراد البالغين وليس على البويضات والأجنة وأن أغلب التغيرات التطويرية تظهر بعد الولادة وأن التطور بالإضافة والاحتفاظ بالقديم يحدث لأن الوظيفة القديمة ما زال الجسم في حاجة إليها أو أنه ليس هناك طريقة للتخلص من الأجزاء القديمة دون أن يتأثر الجسم.

الفصل الرابع: تطور الإنسان

إن وقوع الحشرات والحيوانات ضئيلة الحجم من مكان مرتفع لا يسبب لها أي أذى أما إذا سقط الإنسان من فوق شجرة مثلا فقد يتسبب ذلك في قتله أو إصابته بعاهة لأن وزنة كبير، لذلك فإن الإنسان القديم ساكن الأشجار كان عليه الانتباه فأي خطأ في الانتقال من شجرة إلى أخرى قد يكون قاتلا.

نرى أن أجدادنا ساكني الأشجار كان لديهم عناصر مهمة اكتسبوها بالانتقاء التطوري فاكتسبوا الرشاقة والخفة وقوة الإبصار وتوافق اليد والبصر، وكل هذه الصفات تتطلب نموا كبيرا للمخ وخاصة القشرة المخية وبالتالي فإن ذكاء الإنسان الحالي يعزى إلى ملايين السنين التي عاشها أجدادنا فوق الشجر، لذلك افترض الكاتب أن خوف الأطفال الدائم من السقوط هو بقايا خوف أجدادنا من السقوط من أعالي الأشجار وحلمنا الليلي بالطيران اشتياق لتلك الأيام.

ثم عرض كارل ساغان بعض أنواع الأحياء التي ظهرت منذ ملايين السنين مثل كائنات الهومو هابيليس (أول إنسان حقيقي) وكان هذا النوع يسير على الأقدام ويصنع الأدوات أما الاسترالوبيثكيس اختلف قليلًا عن جنس الهومو هابيليس فلم يكن يعتمد على قدميه بشكل تام في السير وكان هناك نوعين من الاسترالوبيثكيس أحدهما قوي وأكثر طولًا ووزنًا وله أسنان تتناسب لطحن البقول، والثاني أكثر رشاقة ويمتلك أسنان حادة ويأكل اللحوم.

وفي النهاية أضاف الكاتب أن نمو الثقافة البشرية وتطور الخواص الفسيولوجية للإنسان متصاحبان منذ البداية، فكلما زادت قدرتنا على العدو والاتصال والقدرات اليدوية زادت القدرة على صنع الأدوات وتحسنت استراتيجيات الصيد والقدرة على الحياة، وكما قال عالم الأنثروبولوجيا الأمريكي شيروود شبورن ” أن من الأرجح اعتبار أن تكويننا ناتج عن ثقافتنا وليست ثقافتنا ناتجة عن تكويننا”.

الفصل الخامس: التجريد عند الحيوانات

كانت فكرة التجريد عند الحيوانات موضع اختلاف كبير بين العلماء، فقد اقتنع العالم جون لوك أن الحيوانات لا تجرد أما المطران بركلي رأى أنه إذا كانت جملة الحيوانات لا تجرد تستعمل لتمييز الحيوانات فإن العديد من الرجال سيصبحون في عداد الحيوانات.

أما الاعتقاد السائد أن الحيوانات ليست على جانب كبير من الذكاء قد تم نفيه بعد الكثير من الدراسات التي أجريت على الحيوانات لبيان مدى ذكائها واكتشفنا بعد هذه الدراسات أننا نخلط بين غياب القدرة على التعبير عن الذكاء وغياب الذكاء نفسه، فكما قال الفيلسوف مونتاني أن النقص الذي يمنع تواصلنا مع الحيوانات قد يكون عندنا وعندهم على حد سواء.

الفصل السادس: قصص من غشاوة عدن

هذا الفصل يطرح تساؤلات حول العلاقة بين الأحلام وتطور الإنسان، فقد رأى الكثير من العلماء والفلاسفة أن القدرة على فهم طبيعة الأحلام وأهميتها واحدة من أهم مميزات تطور الذكاء الإنساني.

ثم ناقش الكاتب فائدة النوم وأهميته للجسم وكيف أن الجسم يبدأ في إفراز كيميائيات عصبية تجبرنا على النوم وذلك في حالة عدم النوم لفترات طويلة، فيعتبر النوم فرصة للجسم لتنظيف وتنظيم المخ بعيدا عن مشاكل الحياة اليومية، واعتبر العلماء النوم خاصية اكتسبت بالتطور.

يتوقع العلماء أنه إذا لم توجد حاجة بيولوجية قوية للنوم فإن الانتقاء الطبيعي سينتج حيوانات لا تنام، فمعظم الحيوانات المعرضة للافتراس تكون في خطر أثناء نومها كمان كان الإنسان القديم في خطر أثناء نومه.

وإن النوم بأحلام أو بدون أحلام يعتمد على أسلوب حياة الحيوان وذلك وفقًا لدراسة أجرتها تروديت أليسون ودومينيك سيشتي في جامعة بيل، وكانت نتائج هذه الدراسة أن الحيوانات المفترسة تحلم أكثر من الفريسة التي عادة ما تنام نوم متقطع بلا أحلام.

الفصل السابع: محبون ومجانين

يقول كارل ساغان أن البشر والحيوانات لديهم قدرات كبيرة على المعرفة تفوق قدراتهم على التحليل، فلا يولد الإنسان وفي مخه أرشيف منظم للوجود وصنف الكاتب نوعين من المعرفة، المعرفة التي لا نعرف مصدرها والتي يطلق عليها باسم معرفة بديهية وهناك النوع الآخر والذي يسمى التفكير العقلاني الذي اكتسبه البشر بالتطور وعمره لا يزيد عن بعض مئات ألوف السنين.

ثم ناقش بعض التجارب التي أجريت عن ذكاء الشمبانزي، وكانت أول تجربه جادة من هذا النوع دراسة قام بها ألفرد راسل والاس في أندونيسيا عندما وضع طفل الأورانجوتان(رجل الغابة) مع طفل إنسان في نفس الظروف ووجده يتصرف مثله تماما.

وكنتيجة للتفكير في تلك التجارب اكتشف عالم النفس بياتريس روبرت جاردنر أن بلعوم الشمبانزي وحنجرتها لا يتناسبان للنطق الإنساني، فيقول جاردنر أن الشمبانزي قد تكون لها قدرات لغوية قادرة على التجريد ولكنها غير قادرة على التعبير عنها بسبب قيود على أدواتها التشريحية.

ثم وضع الكاتب مقارنة شيقة بين شقي المخ والمهام الوظيفية التي يقوم بها كل شق ودعم كلامه ببعض التجارب التي أجريت على أساس تم قطع الجسم الثفني الذي يصل بين شقي المخ، كانت تلك التجارب تجرى على مرضى الصرع لتقليل من النوبات التي يصابون بها، كان قطع الجسم الثفني يقلل عدد النوبات ولكنه يخل بعمل المخ ويكون له آثار جانبية غريبة على المرضى.

الفصل الثامن: تطور المخ في المستقبل

يرى الكاتب أن المجتمعات البشرية غير محبة للإبداع ودائمًا ما تواجه اقتراحات التغيير بالشك، وكانت الثقافات القديمة الحادة رافضة تماما للتغيير، كما أن التغيرات الاجتماعية والتكنولوجية الضخمة في القرون الأخيرة جعلت العالم يرتبك، فنحن لا نعيش في مجتمعات تقليدية ساكنة ولكن حكوماتنا تقاوم تلك التغيرات فنتصرف كأننا نعيش في هذه المجتمعات.

ثم بدأ الكاتب كالعادة يربط تلك الفكرة بالمخ والعقاقير الحالية المؤثرة في السلوك والمعدلة للمزاج والتي تعمل على مناطق معينة من مركب “ز” والجهاز الطرفي والقشرة المخية.

الفصل التاسع: قدرنا هو المعرفة

في هذا الفصل يتفكر الكاتب في البحث عن الذكاء خارج الكوكب، ويرى أن اقتراحات البعض أن وسيلة الحوار مع من هم خارج الكوكب ستكون التخاطر وهمًا ولا يوجد عليها أي دليل.

ويرى الكاتب أنه بمجرد نشأة حياة في بيئة مناسبة تتيح لها البقاء بلايين السنين فإن الكائنات الحية التي تعيش في تلك البيئة سيكون طريقها للتطور مختلف تمامًا عن طريقنا وذلك لاختلاف الظروف التي ستمر بها عن ظروفنا بالتأكيد، وأن أمخاخهم تختلف تشريحيًا وفسيولوجيًا وكيميائيًا وذلك لأن ماضيهم التطوري يختلف عنا وبالتالي سيتكون للمخلوقات خارج الأرض أجزاء مكتسبة بالتطور كما هو الحال مع الكائنات الأرضية.

ثم يوضح أهمية شغف المعرفة والسعي للوصول للحقائق وإطلاق العنان للتفكير ومحاولة كشف أسرار الطبيعة بالرغم من المعوقات التي سيلقاها المفكر في طريقه، وذكر مقوله برونوسكي في كتابه صعود الإنسان “نحن حضارة العلم وهذا يعني أن حضارتنا تلتحم فيها المعرفة والنزاهة وإن كلمة Science تعني المعرفة والمعرفة هي قدرنا”.

للمزيد من ملخصات الكتب

الأدب الرقمي ما هو؟

ما هو الأدب الرقمي؟

يُصنف الأدب الرقمي على أنه الأدب الذي ينشأ في بيئة رقمية ويشمل الأعمال المبنية بشكل حصري من خلال الأجهزة الرقمية ولأجلها، مثل الحواسيب، الهواتف الذكية. يمكن تعريف عمل أدبي رقمي على أنه ” بناء حيث جماله الأدبي ينبع من الحوسبة”، “عمل يكون موجود فقط في الفضاء الرقمي الذي يمكن برمجته وكتابته وتطويره”. فهو الأدب الذي يجمع بين العمل الأدبي والتكنولوجيا، ولا يمكن تلقيه إلا عبر وسيط رقمي. بالتالي يمكن اعتباره فرع من فروع الأدب.

وهذا يعني أن هذه الأعمال لا يمكن طباعتها بسهولة، أو لا يمكن طباعتها إطلاقاً، بسبب وجود عناصر أساسية مرتبطا بالنص لا يمكن تحويلها إلى شكل مطبوع. مثلاً تكون بعض الروايات مخصصة بشكل حصري للهواتف المحمولة، وذلك لأنها تتطلب شاشة تعمل بالمس. حيث يميل الأدب الرقمي للطلب من المستخدم التنقل عبره عن طريق الإعدادات الرقمية، مقدماً تجربة جديدة للمستخدم من خلال الوسط الرقمي.

تناقش «كاثرين هيلز – Katherine Hayles» هذا النوع من الأدب في مقالة على الإنترنت بعنوان، الأدب الرقمي: ما هو؟ وتقول في هذا المقال الذي كُتب عام 2008، بأن الأدب الإلكتروني حول الأدب المطبوع إلى النسخة الرقمية، وهو الأدب الذي يقرأ عادًة على الحاسوب. وقدمت منظمة الأدب الرقمي “ELO” تعريف ينص على أن هذا المجال يشير إلى الأعمال ذات الجانب الأدبي المهم، الذي يستفيد من القدرات والسياقات التي يوفرها الحاسوب المستقل أو المتصل بالشبكة.

مثال عن رواية تفاعلية:

novelling وهي رواية من تأليف «ويل لويرس – Will Luers»، «هازيل سميث – Hazel Smith»، «روجير دين – Roger Dean» تحوي نص وفيديو وصوت، متوفرة للقراءة على الحاسوب. يرتب العمل الوسائط على شكل أجزاء في دورات مدتها 6 دقائق لاقتراح سرد بين أربع شخصيات. تتغير الواجهة كل 30 ثانية، أو عندما ينقر المستخدم على الشاشة، مما يخلق قصة دائمة التطور.

أمثلة عربية:

تعود التجربة الأولى في العالم العربي إلى الكاتب الأردني محمد سناجلة الذي أصدر حتى الآن أربعة أعمال أدبية رقمية، هي رواية ظلال الواحد 2001، ورواية شات 2005، وقصة تفاعلية قصيرة بعنوان صقيع 2007. أما آخر أعماله فكان ظلال العاشق الذي صدر عام 2016 على موقع خاص بالعمل نفسه (الموقع).

نذكر أيضا كاتب الخيال العلمي المصري أحمد خالد توفيق الذي أصدر قصة  قصيرة بعنوان قصة ربع مخيفة 2005، والكاتبين المغربيين محمد أشويكة الذي أصدر  قصة احتمالات 2009، واسماعيل البويحياوي صاحب حفنات جمر وهي عبارة عن مجموعة قصص تفاعلية صدرت عام 2015.

مجالات الأدب الرقمي:

 توفر المنظمة على موقعها الرسمي تعريف إضافي يتمثل في بعض من مجالاته والتي هي:

  • الخيال النثري والشعر والكتب الرقمية، داخل وخارج صفحات الانترنت.
  • الشعر الحركي الذي يعرض على هيئة رسومية.
  • المنتديات الفنية على الانترنت التي يساهم فيها الأعضاء والزوار ويُطلب منهم المشاركة بالأعمال الأدبية.
  • الروايات التي تأخذ شكل رسائل في البريد الالكتروني، أو الرسائل النصية على الهواتف.
  • القصائد والقصص التي تُنشأ من قبل أجهزة الكمبيوتر، إما بشكل تبادلي أو استناداً إلى معايير معينة في بداية.
  • مشاريع الكتابة التعاونية التي تسمح للآخرين بالمساهمة بنص الكتابة.
  • العروض الأدبية على الانترنيت والتي طورت طرق جديدة للكتابة.
  • رواية من خلال الفيديو، والتي تجمع الصوت والصورة والنص.

بينما يتضمن تعريف المنظمة العديد من الجوانب التي طُبقت في هذا النوع من الأدب، ولكنه يفتقر إلى المبادئ التوجيهية ويفشل في تعريف الأدب الذي أُنشئ على وسائل التواصل الاجتماعي.

مصادر:

ELO
wikipedia

مواضيع أخرى: لهندسة الاجتماعية، فن اختراق البشر

مقال يعبر عن رأي روبوت!

كيف يتأثر تفتح الأزهار بأحداث على مدى جيني؟

كيف يتأثر تفتح الأزهار بأحداث على مدى جيني؟

الزهور هي الأعضاء التناسلية للنبات. يعتمد تكوينها على أحداث نووية شديدة الدقة بحيث إذا تم تغييرها بشكل أو بآخر، يمكن أن يترك هذا التغيير النباتَ عقيمًا. أظهرت دراسة جديدة قام بها باحثون في معهد نارا للعلوم والتكنولوجيا (NAIST) كيف أن عاملي النسخ، «AGAMOUS» و«CRABS CLAW»، يرتبطان بالتسلسل مع الجين المسمى «YUC4»، المسؤول عن تصنيع الهرمون النباتي «أوكسين-auxin» الّذي يعد أساسيًا في سلسلة نمو النبات. إن عامل النسخ AGAMOUS هو منظم رئيسي لعملية إنهاء النسيج الإنشائي الزهري. بينما ينظم CRABS CLAW نمو الخلايا الجذعية النباتية وتمايزها. قدمت النتائج في مجلة «Nature Communications» تفسيرًا جينيًا للتكوين السليم للمِدَقَّة (العضو التناسلي الأنثوي للنباتات المزهرة.)

يتم تحديد عدد الأعضاء النباتية للأزهار من خلال عمليتي نمو وإنهاء النسيج الإنشائي الزهري. لدراسة الأحداث الجزيئية داخل النواة التي تحدد عملية الإنهاء، قام البروفيسور توشيرو إيتو وفريقه البحثي بالتحقيق في التنظيم اللاجيني بواسطة «عوامل النسخ-transcription factors».

كل من AGAMOUS و CRABS CLAW معروفان جيدًا لعلماء النبات، لكن كيفية التحكم في الجينات المستهدفة الشائعة ظلت لغزًا. باستخدام نسخ محورة جينيًا من نباتات «رشاد الصخر-Arabidopsis»، وجد الباحثون أن AGAMOUS و CRABS CLAW يرتبطان بـ YUC4، ولكن في مواقع مختلفة وبتسلسل محدد.
يرتبط العامل CRABS CLAW بالمادة الجينية بعد ارتباط العامل AGAMOUS. وحين أن ارتباط العامل AGAMOUS يفتح الكروماتين ويكشف موقع «محفز YUC4-YUC4 promoter»، تسمح هذه الحلقة من الأحداث بإنهاء النسيج الإنشائي الزهري، وبالتالي تكوين المِدَقَّة.

على الرغم من أن مواقع الربط الخاصة بـ AGAMOUS و CRABS CLAW كانت قريبة من بعضها البعض، إلا أن عاملي النسخ لم يتفاعلا مع بعضهما البعض. بدلاً من ذلك، شكل AGAMOUS معقدًا مع بروتينين معروفين (CHR11 و CHR17) لإعادة تشكيل الكروماتين، قبل الارتباط بـ YUC4. وهكذا قام AGAMOUS بتنشيط CRABS CLAW، مما أدى إلى تنشيط تآزري لـ YUC4.

يقول ياماغوتشي إن تنظيم حالة الكروماتين بواسطة العاملين AGAMOUS و CRABS CLAW يوفر رؤى مهمة حول ازدهار النباتات. وهذا يمكن استغلاله في الزراعة. إذ قد تكون حلقة الأحداث المذكورة سابقًا مهمة لتنشيط YUC4 لتسمح لنا بزراعة نباتات تنتج ثمارًا أكثر أو أكبر.

المصادر: Science Daily – PhysOrg

إقرأ أيضًا: للزهور القدرة على التعافي بعد الإصابة

التاريخ الكبير: قصة مجموعتنا الشمسية

وفقاً لما نشاهده في الأنظمة النجمية الخارجية، قد تأخذ عملية تشكل الكواكب بضعة ملايين من السنين، في قصة مجموعتنا الشمسية، قد تكون أخذت هذه العملية ما يقرب من 10 مليون سنة فقط، بينما عمر مجموعتنا هو 4.5 بليون سنة، ومن المرجح للشمس أن تعيش حوالي 5 بلايين أخرى من السنين، إذا فهذا أشبه بفترة حمل مدتها شهر، لامرأة تعيش 80 سنة!

قصة مجموعتنا الشمسية

يمكننا التعرف على تاريخ المجموعة الشمسية عن طريق ملاحظة النجوم الأخرى، التي تحوي أنظمة كوكبية بدائية، في طريقها نحو التشكل، والتكوين بصورة شبيهة بصورة مجموعتنا، تمكن الفلكيون من رصد بعد الأنظمة النجمية الأولية، إذ أنه وكما ناقشنا في جزء سابق من هذه السلسلة، تتكون النجوم بفعل الجاذبية التي تضغط الغازات سويًا حتى تزيد من حرارتها، مساعدة على احداث الاندماج النووي، ومما لا عجب فيه أن الجاذبية لا تضغط كل الغاز الموجود في محيطها، إذ تتبقى بعض الغازات التي تسبح حول النجم على شكل قرص، ومن ثم تهدأ هذه الغازات وتتجمع مع بعضها البعض، وتبرد، لتكون ما يعرف بالكواكب، على ما يبدو أن هذه هي الطريقة التي تكون بها نظامنا الشمسي.

لكن قد يبدو لنا أن هناك بعض الأماكن التي تفتقد الكواكب في مجموعتنا، فهناك «حزام الكويكبات-Asteroid belt»، و «حزام كويبر-Kuiper belt» الذي يحتوي على كوكب بلوتو، والذان يحتويان على مجموعة ضخمة من الصخور والجليد، دون أدنى تكون لأي كوكب، فلماذا إذا؟

حزام الكويكبات

ظهرت بعض الفرضيات لتبرير هذا الشأن، وهي تفترض بأن نظامنا الشمسي في طفولته لم يكن بهذه السكينة، إذ دخلت الكواكب مع بعضها البعض في تصادمات شديدة، هناك فرضية تقول بأن «المشترى-Jupiter» قد سافر في بدايته إلى داخل المجموعة الشمسية، حيث «الكواكب الصخرية-rocky planets»، ولكنه لم يهوى إلى داخل الشمس بفضل سرعته، إذ قذفته الشمس إلى الخارج مرة أخرى، وفي هذه الأثناء فقد بعضًا من كتلته، التي شكلت حزام الكويكبات الذي نراه.

لكن ماذا عن حزام كويبر؟

هناك العديد من الفرضيات بشأن نبتون وأورانوس، حيث أن بعض الفرضيات ترجح حدوث تبادل في الأماكن بين هذين الكوكبين، إذ أدى هذا التبادل وحركة الجذب والتنافر إلى فقدان البعض من كتلتهما، مما كون حزام كويبر.

الخلاصة

في الواقع هناك العديد من الفرضيات التي لا سبيل لنا للتأكد منها بشأن قصة مجموعتنا الشمسية، وفقاً لما نمتلكه من أدوات البحث العلمي الحالية، لكن مما لا ريب فيه أن العلم كل يوم يصير متأكدًا أكثر من بعض الأمور، فلا سبيل لمعرفة الحقيقة أفضل من العلم.

من كورس ل Coursera مقدم من «جامعة أمستردام-Amsterdam

coursera

لقراءة سلسلة التاريخ الكبير ج5 من هنا

“لوحات المومياوات” نموذج ثلاثي الأبعاد يكشف لنا مدى دقتها!

في مطلع الألفية الأولى بعد الميلاد، أصيب طفل كان يعيش في مصر بمرضٍ أدى لوفاته. تم تجهيز جسده الصغير للتحنيط والدفن، و أُزيلت بعض أعضائه، ولُفَّ رفاته بشرائط كتانية متقاطعة، وأُلصقت صورته على مقدمة المومياء.

كانت “لوحات المومياوات” جزءاً من تقليد شائع بين بعض المصريين في الفترة الرومانية، انتشرت من حوالي القرن الأول وحتى القرن الثالث بعد الميلاد. ولكن ما مدى دقة هذه اللوحات؟
لمعرفة ذلك، فحص فريق من العلماء في النمسا وألمانيا جسد الطفل الصغير، لإنشاء نموذج رقميا ثلاثي الأبعاد لوجهه.

المومياء وظروف اكتشافها

لوحات المومياوات

المومياء معروضة في متحف ميونخ، ومسجلة برقم ÄS 1307، وهي موجودة في المتحف منذ عام 1912م عندما تبرع بها عالم المصريات الشهير السير فلندرز بتري للمجموعة الملكية البافارية للآثار. تشير السجلات إلى أن السير قد اكتشفهافي ثمانينات القرن التاسع عشر في مقبرة قريبة من هرم هوارةفي الوجه البحري، بالقرب من منطقة الفيوم التي كانت مكانًا للعديد من المستوطنات في الفترة الرومانية.

يبلغ طول المومياء 78سم، وعرضها 26سم، الجسد مغطى بالكامل بشرائط الكتان المتقاطعة، وتعود إلى الفترة ما بين عام 50-100 قبل الميلاد. وتُظهر اللوحة طفلاً صغيرًا مجعد الشعر ومصفف بجديلتين صغيرتين تمتدان من قمة الرأس إلى الأذنين. عيناه كبيرتان وأنفه دقيق وطويل، فمه صغير وشفاهه ممتلئة، يحيط برقبته عقد بقلادة صغيرة.

الفحوصات والأشعة

عملية التصوير المقطعي للمومياء

درس الفريق صور الأشعة السينية المأخوذة لجسد المومياء بالكامل عام 1984م، بالإضافة لتصويرها مقطعيًا، لفحص الأعضاء الداخلية والأحشاء بدون الحاجة إلى فك شرائط الكتان وتشريح المومياء.

كشف التصوير المقطعي عن استئصال الدماغ، وبعض الأعضاء في البطن، وهي ممارسة شائعة عند المصريين القدماء خلال عملية التحنيط.
كما كشف نمو الأسنان والعظام عن عمر الصبي عند وفاته، ويرجح العلماء سبب الوفاة إلى التهاب رئوي، حيث تمت ملاحظته من خلال بقايا أنسجة الرئة في الأشعة المقطعية.

صورة مقطعية للرأس

إعادة بناء الوجه

أنشأ العلماء نموذجاً ثلاثي الأبعاد للجمجمة اعتماداً على الصور المأخوذة من التصوير المقطعي، اعتمد الباحثون لإعادة بناء الوجه على معايير مأخوذة من الأطفال المعاصرين الذين تتراوح أعمارهم بين 3 و 8 سنوات.
اعتمد تكوين النموذج ثلاثي الأبعاد على شكل الجمجمة والأسنان بشكل أساسي، بينما اعتمد على اللوحة لتحديد لون الشعر وطبيعته.


نتائج الفحوصات

إعادة بناء الوجه

وكانت النتيجة أن نموذج الوجه ثلاثي الأبعاد مشابه إلى حد كبير للوجه في اللوحة. فالبعد ما بين الجبهة وخط العين، والمسافة ما بين الأنف والفم متماثلة تماماً ما بين اللوحة والنموذج. مع ذلك كانت هناك بعض الاختلافات ما بين عرض جسر الأنف وحجم فتحة الفم، فكلاهما أكثر رشاقة وضيقاً في اللوحة عن إعادة البناء الإفتراضية. هناك اختلاف آخر وهو جعل الطفل يبدو أكبر من عمره بثلاث أو أربع سنوات.

النتيجة النهائية لإعادة إنشاء الوجه


ربما كان تصوير الأطفال على أنهم أكبر سناً؛ تقليداً فنياً في تلك الفترة، ومع ذلك فإنه من الصعب معرفة إذا ما كان هذا التقليد شائعاً عند المصريين القدماء من خلال صورة هذا الطفل فقط. لذلك ستكون مومياء هذا الصبي الأولى من ضمن مشروع لمقارنة المومياوات مع لوحاتها.

المصادر:
plos
Live science
Archaeology

ما هي إيجابيات وسلبيات تقنية النانو؟

ما هي إيجابيات وسلبيات تقنية النانو؟ تُعرف تقنية النانو بأنها العلم الذي يهتم بدراسة المادة على المقياس النانوميتري والذي يتراوح من 1 إلى 100 نانومتر. يستغل العلماء تقنية النانو لدراسة وتطبيق أشياء متناهية في الصغر ويمكن استخدامها في جميع مجالات العلوم الأخرى، مثل الكيمياء والبيولوجيا والفيزياء وعلوم المواد والهندسة.  إن فكرة تقنية النانو ليست حديث النشأة إذ يُعتقد أن أول تطبيق لتقنية النانو  يعود للقرن الرابع الميلادي  لكأس الملك الروماني «لايكورجوس-Lycurgus» الموجودة في المتحف البريطاني.  يحتوي هذا الكأس على جسيمات ذهب وفضة نانوية، حيث يتغير لون الكأس من الأخضر إلى الأحمر عندما يوضع فيه مصدر ضوئي. اكتسب الكأس اسمه من حقيقة أنه يحتوي على مشاهد تمثل وفاة الملك ليكورجوس وذلك وفقًا للأسطورة اليونانية والرومانية، حيث حاول الملك ليكورجوس قتل “أمبروسيا” – أحد أتباع الإله ديونيسوس-. وفقًا لهذه النسخة من الأسطورة، حُول أمبروسيا إلى نبيذ من قبل الآلهة التي التفت حول الملك  لايكورجوس وضيقت الخناق عليه حتى الموت ويظهر ديونيسوس أيضًا على فنجان الكأس مع تابِعين  يسخران من الملك الهالك.  ولكن بعيدًا عن الحكايات الأسطورية، متى ظهرت البدايات الفعلية لتقنية النانو؟

  كأس الملك الروماني «لايكورجوس-Lycurgus»

“هنالك مُتسعٌ كبيرٌ في القاع

بدأت الأفكار والمفاهيم الحديثة لتقنية النانو في محاظرة للفيزيائي الشهير ريتشارد فاينمان بعنوان ” هنالك مُتسعٌ كبيرٌ في القاع”” وذلك في  اجتماع الجمعية الفيزيائية الأمريكية في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا «CalTech» في التاسع والعشرين من  ديسمبر عام 1959، وذلك قبل فترة طويلة من ظهور مصطلح تقنية النانو. في محاضرته، وصف فاينمان عملية يمكن للعلماء من خلالها التحكم في الذرات والجزيئات الفردية والتلاعب فيها. بعد أكثر من عقد من الزمان، صاغ البروفيسور “نوريو تانيجوتشي” مصطلح تقنية النانو أثناء استكشافاته للآلات فائقة الدقة . وفي عام  1981، ومع تطوير مجهر المسح النفقي الذي يمكنه “رؤية” الذرات الفردية، بدأت تقنية النانو الحديثة بالظهور.

العالم ريتشارد فاينمان اثناء إحدى محاضراته

المفاهيم الأساسية في علم النانو وتقنية النانو

 من الصعب تخيل مدى صغر حجم تقنية النانو. النانومتر الواحد هو جزء من المليار من المتر ، أو 10^-9 من المتر. فيما يلي بعض الأمثلة التوضيحية: هناك 25400000 نانومتر في البوصة ويبلغ سمك ورقة صحيفة الأخبار حوالي 100000 نانومتر! وعلى سبيل المقارنة، إذا كانت قطعة الرخام  بحجم  واحد نانومتر، عندئذٍ سيكون حجم الكرة الأرضية واجد متر فقط!. يتضمن علم النانو وتكنولوجيا النانو القدرة على رؤية الذرات والجزيئات الفردية والتحكم فيها. يتكون كل شيء على الأرض من الذرات كالطعام الذي نأكله والملابس التي نرتديها والمباني والمنازل التي نعيش فيها وحتى أجسادنا تتكون من ذرات. ولكن شيئًا متناهيًا في الصغر مثل الذرة يستحيل رؤيته بالعين المجردة. في الواقع، من المستحيل رؤيته باستخدام المجاهر المستخدمة عادةً في فصول العلوم بالمدرسة الثانوية.

اُخترعت  المجاهر اللازمة لرؤية الأشياء بالمقياس النانوي مؤخرًا نسبيًا  أي منذ حوالي 30 عامًا وبمجرد حصول العلماء على الأدوات المناسبة، مثل مجهر المسح النفقي (STM) ومجهر القوة الذرية (AFM)، بزغ عصر تقنية النانو الحديثة. على الرغم من أن تقنية النانو الحديثة بدأت  في الآونة الأخيرة، إلا أن المواد النانوية قد استخدمت لعدة قرون، إذ تُكوّن جزيئات الذهب والفضة ذات الحجم البديل ألوانًا في نوافذ الزجاج الملون في كنائس العصور الوسطى منذ مئات السنين. لم يكن الفنانون في ذلك الوقت يعرفون أن العملية التي استخدموها لإنشاء هذه الأعمال الفنية الجميلة أدت بالفعل إلى تغييرات في تكوين المواد التي كانوا يعملون بها. يجد العلماء والمهندسون اليوم مجموعة متنوعة من الطرق لصنع المواد على المقياس النانوي للاستفادة من خصائصها المعززة مثل القوة العالية والوزن الخفيف والتحكم المتزايد في طيف الضوء والتفاعل الكيميائي الأكبر من نظرائهم على نطاق واسع.

ما هي إيجابيات وسلبيات تقنية النانو؟

تظهر تطبيقات تقنيات النانو جليًا في مجالات العلوم الطبيعية والتطبيقية ففي مجال علم المواد توفر الإضافات النانوية أو المعالجات السطحية للأقمشة مقاومة للتجاعيد والتلطيخ ونمو البكتيريا عليها. كما يمكن للأفلام النانوية الشفافة الموجودة على النظارات وشاشات الكمبيوتر والكاميرا والنوافذ والأسطح الأخرى أن تجعلها طاردة للماء والبقايا ومضادة للانعكاس وتنظف ذاتيًا ومقاومة للأشعة فوق البنفسجية أو الأشعة تحت الحمراء وتجعلها مضادة للضربات الميكروبات كما تعززمقاومتها للخدش أو تزيد من توصيل بعض المواد للكهرباء.

أيضًا ساهمت تقنية النانو بشكل كبير في التقدم الكبير في الحوسبة والإلكترونيات مما أدى إلى أنظمة أسرع وأصغر وأكثر قابلية للنقل يمكنها إدارة وتخزين كميات أكبر وأكبر من المعلومات فعلى سبيل المثال، أصبحت الترانزستورات -وهي المفاتيح الأساسية التي تمكن كل الحوسبة الحديثة- أصغر بشكل لا يصدق من خلال تقنية النانو ففي مطلع القرن الحالي، كان حجم الترانزستور النموذجي من 130 إلى 250 نانومتر وفي عام 2014، طورت شركة “Intel” ترانزستورًا بحجم 14 نانومترًا، ثم أنشأت شركة “IBM” أول ترانزستور بحجم سبعة نانومتر في عام 2015، ثم طور مختبر لورانس بيركلي الوطني ترانزستور بحجم واحد نانومتر فقط عام 2016!

أما في المجال الطبي، فتستخدم الجسيمات النانوية في توصيل الأدوية إلى أجزاء معينة داخل جزء الإنسان وتستعمل أيضا في صناعة أجهزة اختبار الحمل وأيضًا تستخدم الجسيمات النانوية في تدمير الخلايا السرطانية وغيرها. في خضم هذه التطبيقات الجمة يطرأ السؤال التالي: هل هناك مخاوف أو تهديدات للسلامة والصحة جراء استخدام تقنيات النانو؟

لوح شمسي خفيف الوزن ومرن مزود بجزيئات نانوية

تقنيات النانو والأطعمة: فوائد ومخاوف

يقول مؤيدو تقنية النانو إنها ستحدث ثورة في الزراعة وأنظمة الغذاء العالمية وذلك مع استكشاف التطبيقات التي يمكن أن تقلل من الهدر وتجعل الطعام أكثر أمانًا وتساعد في إنشاء “محاصيل فائقة الجودة”  في محاولة لتفادى التسمية المثيرة للجدل للأطعمة المعدلة وراثيًا (الأطعمة المعدلة وراثيًا). إذا نجحت، فقد تساعد في التغلب على ضعف المحاصيل وسوء التغذية ولكن لا تزال هناك تحديات كبيرة تحيط بتقنية النانو.

يعتبر علم تكنولوجيا النانو متطورًا، ولكنه بسيط بما يكفي ليكون في متناول الجميع على مستوى العالم لذلك ليس من المستغرب أن العديد من البلدان النامية قد شرعت بالفعل في تسويق التكنولوجيا. لكن ازدهار هذه التكنولوجيا الجديدة نسبيًا يثير أيضًا مخاوف بشأن سلامتها على المدى الطويل لصحة الإنسان والبيئة، حيث يدعو العديد من العلماء إلى تنظيم ورقابة أفضل وأكثر تنسيقًا دوليًا للاستخدامات المتكاثرة للجسيمات النانوية.

الجدير بالذكر أن الدول النامية  قد استيعدت من المحادثات المتعلقة بتنظيم تقنيات النانو ولا تزال هناك حاجة إلى تنظيم أفضل للتقنية على المستويين الوطني والعالمي لضمان تلبية التكنولوجيا لاحتياجات الفقراء بأقل قدر من المخاطر على الناس. إذن، ما هي أحدث الأفكار في استخدام تقنية النانو في الأمن الغذائي ، وماذا يمكن أن تفعل، وما هي مخاوف السلامة المحيطة بها؟ يشير مصطلح تقنية النانو عمومًا إلى أي استخدام للجسيمات النانوية (بين 1 و 100 نانومتر) ويمنحها حجمها الصغير خصائص غير عادية يمكن أن تؤثر على ملمس الأطعمة ومظهرها ونكهتها وهي تُستخدم بالفعل كإضافات غذائية.

كما  يجري العمل على استكشاف منتجات جديدة تحتوي على هذه الجسيمات لصنع عبوات قابلة للتحلل وتحسين مدة الصلاحية ومنع التسمم الغذائي والنفايات. فعلى سبيل المثال، قد تخبرك مستشعرات النانو الموجودة في تغليف المواد الغذائية قريبًا ما إذا كان الطعام قد تعرض لأشعة الشمس وبالتالي تدهورت جودته. يخطط بعض العلماء لاستخدامه لتحسين التغذية حيث  يدرسون استخدام مستحلبات النانو – الزيت في مخاليط الماء ذات القطرات الصغيرة – كسواغات (الأطعمة التي تعمل على تحسين النشاط الحيوي للأطعمة التي يتم تناولها معهم). يمكن أن يزيد ذلك من تناولنا للمغذيات من الفاكهة والخضروات – وهو استخدام واعد بشكل خاص في معالجة سوء التغذية ونقص المغذيات الدقيقة.

يدرس العلماء حاليًا استخدام المواد النانوية لتحسين توصيل الأسمدة ومبيدات الآفات وإنتاج محاصيل لا يمكن اعتبارها معدلة وراثيًا بالمعنى الحرفي ويستكشف فريق Landry استخدام الأنابيب النانوية الكربونية لتغيير جينات النبات دون إدخال الحمض النووي الغريب في جينوم النبات نفسه ، مما قد يؤدي إلى محاصيل معدلة جينيًا لا تعتبر معدلة وراثيًا. بالنظر إلى المعارضة الشعبية الكبيرة والمستمرة للمحاصيل المعدلة وراثيًا في الدول النامية، يمكن أن يكون هذا النهج طريقة أكثر قبولًا لتقديم فوائد مثل مقاومة الجفاف أو الفيضانات. أظهر الفريق مؤخرًا أنه يمكن استخدام الأنابيب النانوية الكربونية لتوصيل آلية تعديل الجينات المعروفة باسم CRISPR / Cas9 داخل خلايا النبات – من خلال جدار الخلية والغشاء – وهو أمر يصعب القيام به. يسمح التعديل الجيني بعد ذلك بالتحسين الجيني الدقيق لإنشاء محاصيل مقاومة لمبيدات الأعشاب والحشرات والأمراض والجفاف ولديها القدرة على إنتاج محاصيل أفضل دون هذا النوع من المخاوف العامة المحيطة بالتعديل الوراثي.

مخاوف الصحة والسلامة

لكن في مواجهة هذه المسيرة التكنولوجية، أظهر البعض مخاوفهم  بشكل متزايد بخصوص الافتقار إلى دراسات طويلة الأمد حول تأثير المواد النانوية على صحة الإنسان والبيئة. تقول “ماتيلد ديتشيفري”، رئيسة قسم المعلومات في Avicenn :

“الشفافية واليقظة تجاه المخاطر محدودة للغاية وما زلنا في الظلام. لا أحد يعرف ما إذا كانت آمنة وكيف تكون آمنة على المدى الطويل نظرًا لأن معظم أبحاث السلامة قد أجريت في المختبر أو على الخلايا أو الفئران وفي أماكن غير واقعية”

وتضيف الباحثة “زهرة راتراي” من جامعة “ستراثكلايد” في اسكتلندا: “لقد عملت في مشاريع كان فيها ضرر واضح ، وقمت أيضًا بمراجعة بعض المنشورات الحديثة التي لم تُنشر بعد وكان هناك دليل واضح من عملهم على وجود كان تأثيرًا سامًا لهذه الجسيمات “. خلصت مراجعة أجريت عام 2017 لسلامة الجسيمات النانوية في الغذاء إلى أن بعضها قد يكون له “تأثير ضار” وأن الاختبارات الأفضل لهذه التأثيرات كانت “مطلوبة بشكل عاجل”. تشمل الآثار الضارة المحتملة ترشيح جزيئات الفضة النانوية المستخدمة في تغليف الأطعمة ، والتي يمكن أن تقتل البكتيريا الغير ضارة في الأمعاء. مثال آخر هو ثاني أكسيد التيتانيوم، “TiO2 “، المعروف أيضًا باسم “E171” ويستخدم كمبيض للطعام ، والذي ثبت أنه يتراكم في أنسجة الفئران وله تأثيرات سامة عند جرعات معينة. ومع ذلك ، فقد وجدت دراسات أخرى أنها ليست سامة وأن الصناعة التي تجعل المواد تزعم أنها آمنة. لا تزال هناك حالة من عدم اليقين ، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن تأثيرات الجسيمات النانوية تعتمد على مجموعة واسعة من العوامل المعقدة والمتشابكة بما في ذلك حجمها وهيكلها وطلائها وجرعاتها، بالإضافة إلى ما تستهلكه.

المصادر

scidev
nano.gov
nano.gov
sciencedirect
interesting engineering

Exit mobile version