فيزياء الشرب عند القطط

تتميز القطط بتصرفات أنيقة تعطيها جاذبية خاصة عن غيرها من الحيوانات. وتعد طريقة شرب القطط واحدة من تلك التصرفات المميزة. فكيف تشرب القطط السوائل وتحافظ على مظهرها في نفس الوقت؟

تتحدى القطط الجاذبية في العديد من المواقف، فنرى مثلًا كيف تسقط من أعلى الطوابق المرتفعة وتنجو. ولكن لا يتوقف الأمر هنا، فالقطط تعرف كيف تستخدم الجاذبية بمثالية حتى عندما يتعلق الأمر بطريقة شربها للسوائل.

اختلاف طريقة القطط في الشرب عن باقي الحيوانات

تحرص القطط على الحفاظ على نظافتها ونظافة ما تشربه كالحليب مثلًا. فنرى مثلًا الكلاب تشرب عن طريق وضع لسانها في الإناء ثم لفه للخلف وغرف المشروب بلسانها كالملعقة. أما القطط فعلى عكس معظم الحيوانات تستطيع أن تشرب دون وضع لسانها داخل المشروب. وبطريقة مماثلة تلف أيضًا القطة لسانها للخلف، ولكن لتلمس فقط سطح السائل. وتسحب القطة لسانها بسرعة كبيرة بمجرد ملامسة سطح السائل لسطح لسانها لتُنشأ بذلك عمود لحظي من السائل. وتعتمد القطط في تلك العملية على مهارتها في موازنة عمود السائل. [1]

تعرف القطط اللحظة التي يجب عليها أن تغلق فمها لتشرب السائل، فليس مبكرًا بحيث تحصل على أكبر كم من السائل ولا متأخرًا بحيث لا تسحب الجاذبية العمود ويعود مجددًا للإناء. ولكن سرعة حركة لسان القط بمعدل أكثر من مرة في الثانية صَعب مهمة اكتشاف ذلك الأمر. [2]

الملاحظة والتحليل

ينظر الباحثون للأمور التي تبدو تقليدية للبعض بعين فضول. فنرى مثلا «رومان ستوكر-Roman Strocker» أثناء تناول فطوره ينظر لقطّه بالصدفة وهو يشرب فيتساءل كيف يفعل ذلك. وليبدأ ستوكر في تحليل الموقف استعان بكاميرة تصوير سريع من معمله وذلك لصعوبة ملاحظة الأمر بعيننا لسرعة حركة لسان القط. استعان ستوكر بمجموعة باحثين آخرين وشاهدوا مجموعة من الفيديوهات المصورة لأنواع أخرى من القطط (كالأسود والنمور وغيرهم من نفس الفصيلة). كانت نتيجة تحليل كل تلك المعطيات أن القطط توازن بين قوة رد الفعل والجاذبية لعمود السائل كما وضحنا من قبل. [3]

توقع سرعة حركة لسان القط وعلاقتها بكم السائل الذي يحصل عليه القط في كل لفة كان أمر رياضي من تحليل مجموعة الفيديوهات. ولكن لدراسة أعمق لتلك الظاهرة صنع العلماء روبوت عبارة عن لوح زجاجي يتحرك بسرعات محددة يحاكي لسان القط. وكان اللوح عندما يلمس سطح الماء ويرتفع بسرعة عالية يصنع عمود من السائل تمامًا مثل القط. [1] ولكن لأي مدى يمكن أن نصل بتلك الدراسة؟

الاستفادة المستقبلية من تلك الظاهرة

أوضحت التجربة أهمية موقع القط بالنسبة للإناء، فكلما كان القط بعيدًا عن السائل كان أفضل. تزيد فرصة حصول القط على قدر أكبر من المشروب بالبعد أكثر عن السائل، أما قربه يجعل فمه يتبلل ويحجب رؤيته. [1]

تلك الدراسة أيضًا قد تفيد التكنولوجيا الحديثة لصناعة الروبوتات، خصوصًا تلك التي تتعامل مع السوائل. فأنظر عزيزي القارئ كيف من ملاحظة قد تكون تافهة للبعض لأول وهلة أن تكون مصدر تطوير حقيقي حاليًا. فلا تستخف بما تراه حولك من ظواهر تقليدية، أنظر واسأل فبتلك التفاصيل الصغيرة يتغير العالم.

المصادر

[1] https://www.britannica.com/explore/savingearth/the-physics-of-cat-lapping

[2] https://www.youtube.com/watch?v=vP-ozt0WJvQ

[3] https://news.mit.edu/2010/cat-lapping-1112

كيف تهبط القطط دائمًا على أقدامها؟

تهبط القطط على أقدامها مهما كانت طريقة سقوطها، حتى وإن كانت تسقط ورأسها لأعلى. فكيف تعدِل القطط جسمها أثناء السقوط؟ وهل هي فطرة أم صفة مكتسبة؟

تُعرّف هذه القدرة الاستثنائية عند القطط باسم «مُنعكَس اعتدال القط-Cat Righting Reflex»، وتستخدم القطط طرق فيزيائية بحتة لتفيذ تلك الظاهرة للهبوط على أقدامها، وفهم تلك الظاهرة مرتبط بفهم جوهر ما يسمى بالحركة الدورانية وبعض مفاهيمها.

الحركة الدورانية

تتمثل الحركة في مفهومها التقليدي، وهو حركة الجسم في خط مستقيم، بمفاهيم شائعة كالكتلة والسرعة والمسافة بين نقطتين. فعندما يدور الجسم حول نقطة أو محور معين تسمى حينها الحركة ب”الحركة الدورانية أو الحركة الزاوية”. ولا تختلف مفاهيم الحركة الدورانية عن مفاهيم الحركة التقليدية كثيرًا. فالسرعة في الحركة التقليدية ما هي إلا المسافة التي يقطعها جسم من نقطة الى أخرى خلال زمن معين. أما السرعة الدورانية فهي إلا المسافة التي يقطعها جسم في خلال دورانه دورة كاملة حول نقطة في زمن تلك الدورة. أما الكتلة فمفهومها في ميكانيكا الدوران يكون معروف ب “عزم القصور الذاتي” وتعتمد على توزيع كتلة الجسم و بعده عن مركز الدوران. [1]

وللطبيعة قوانين صارمة لا يمكن مخالفتها، مثل قانون حفظ الطاقة وأن الطاقة لا تُخلق من لا شيء أو تفنى إلى لا شيء ولكنها تتحول من صورة إلى أخرى. وكذلك قانون حفظ كمية الحركة، وهي كمية تعتمد على كتلة وسرعة الجسم وحفظها يعنى أن تبقي مُحصلتها ثابتة ما لم تؤثر عليها قوى خارجية. أما في الحركة الدورانية فتعرف كمية الحركة على أنها كمية الحركة الدورانية وتعتمد هنا على عزم القصور الذاتي للجسم وسرعته الدورانية، فكلما قل عزم القصور الذاتي للجسم زات سرعته الدورانية والعكس صحيح. [1]

استخدام القط لقانون حفظ كمية الحركة الدورانية

يستطيع القط باستخدام قانون حفظ كمية الحركة الدورانية أن يغير وضعية سقوطه ليهبط آمنًا على قدميه دون أن يتكئ شيء. يبدأ السقوط وظهر القط متجه مباشرةً نحو الأرض وتكون محصلة كمية الحركة الدورانية صفر. ولكي يستطيع القط الدوران يبدأ بضم نصفه الأمامي (قدميه الأماميتين و رأسه) ليقلل من عزم القصور الذاتي لذلك النصف، وبالتالي يزيد من سرعته الدورانية نحو الأرض. ولكن في نفس الوقت يفرد القط نصفه الآخر (قدميه الخلفيتين و ذيله)، وبتالي يزيد من عزم القصور الذاتي لذلك النصف ويدور بسرعة قليلة في الاتجاه المعاكس للنصف الأول. وبالتالي تَبقى محصلة كمية الحركة الدورانية بصفر. [2]

يبدأ القط في عكس تلك العملية عندما يوجه نصفه الأمامي تجاه الأرض، ففي تلك اللحظة يفرد القط نصفه الأمامي ليزيد من عزم قصوره الذاتي وبالتالي يقلل من سرعة دورانه، ثم يقوم بضم نصفه الخلفي ليقلل من عزم قصوره الذاتي ويزيد من سرعة دورانه نحو الأرض. ولكن حركة نصفي الجسم في اتجاهات مختلفة ليست بصفة شائعة عند كل الحيوانات، فمرونة العمود الفقرى للقطط وغياب عظمة الترقوة ساعدهم على استخدام مثل هذه الظواهر. [3]

ولكن هل تلك الظاهرة فطرة ترثها بها القطط أم مهارة تكتسبها بمرور الوقت؟

مهارة القطط منذ صغرها

أجرى العلماء دراسة عام 1984م على قطط من مختلف الأعمار ليبحثوا إذا كان يوجد اختلاف بينهم. وأظهرَت الدراسة أن ظاهرة منعكَس تقويم القط تَبدأ في الظهور على القطط من أعمار 3 – 4 أسابيع، وتتقنها القطط تمامًا في أعمار من 6 – 9 أسابيع. [4] وبالتالي فيمكننا استنتاج أن منعكَس اعتدال القط ما هي إلا مهارة تكتسبها القطط. ولكن كيف للقطط أن تدرك وتفكر وتسنتج مثل هذه الاستنتاجات، بل وتتقنها لدرجة أن تكون ردة فعلها سريعة في المخاطر؟ شاركنا عزيزي القارئ برأيك في التعليقات.

المصادر

[1] D. Halliday, R. Resnick and J. Walker, “Force And Motion – II; The Drag Force And Terminal speed,” in Fundamentals of physic, Hoboken, John Wiley & Sons, 2003, pp. 121-124
[2] G. J. Gbur, Falling Felines and Fundamental Physics, Yale University Press, 2019.
[3] D. Nasaw, “Who, What, Why: How do cats survive falls from great heights?,” BBC News, Washington, 2012.
[4] “Cremieux, J; Veraart, C; Wanet, M.C.,” Experimental Brain Research, vol. 54, no. 3, 1984

كيف فسر العلماء وجود مومياء قطة بثلاثة ذيول وخمسة أطراف خلفية؟

 

كيف فسر العلماء وجود مومياء قطة بثلاثة ذيول وخمسة أطراف خلفية؟

لقد ولّت الأيام التي كان لابد فيها من فك لفائف المومياء لاكتشاف مابداخلها. ساعدت التطورات في التكنولوجيا الطبية وتطبيق تلك التكنولوجيا على الأبحاث الأثرية من إحراز تطور كبير في الدراسات الأثرية، وخاصة فيما يخص المومياوات المصرية. ويتم فحص المومياوات الحيوانية بالإضافة إلى البشرية؛ لكن الأمور لاتسير دائماً كما هو مخطط لها، على سبيل المثال قدم “التشريح الرقمي”  لمومياء قطة اكتشافًاً غير متوقع فقد كانت لدى مومياء القطة ثلاثة ذيول وخمسة أطراف خلفية!

 

ماهي قصة الاكتشاف؟ وكيف فسر العلماء وجود مومياء قطة بثلاثة ذيول وخمسة أطراف خلفية؟

صورة توضح محتويات مومياء قطة بثلاثة ذيول وخمسة أطراف

تم تشريح قطة مصرية محنطة عمرها 2500 عام في متحف الفنون الجميلة في  Rennes، تم وضع القطة في جهار التصوير المقطعي لفحص الهيكل الداخلي. أفاد المعهد الوطني الفرنسي للأبحاث الأثرية (INRAP) أنه عندما بدأ علماء الآثار في تحليل إعادة البناء ثلاثية الأبعاد لأطراف المومياء، وكانت المفاجأة بأن اكتشفوا وجود ثلاثة ذيول وخمسة أطراف خلفية، بالإضافة إلى وجود كرة من القماش بدل الرأس. يمكن ألا يكون هذا استثنائياً.  حيث كشفت الفحوصات على المومياوات الحيوانية أن بعضها فارغ من الداخل، والبعض الآخر يحتوي على عظمة واحدة، وفي أحيان أخرى تكون القطة كاملة.

يعتقد الباحثون أننا هنا أمام عملية احتيال قديمة قد نظمها بعض الكهنة عديمي الضمير. حيث كان الطلب على مومياوات الحيوانات في تزايد مستمر، فقد تم الكشف عن ملايين الحيوانات المحنطة في سراديب الموتى، كانت تتضمن القطط والطيور والقوارض وحتى التماسيح. وكان هذا الطلب الضخم على المومياوات لأنها كانت تُقدم كهدايا مقدسة للآلهة التي تحمل نفس شكل الحيوان.

 

هل تعتقد فعلاً أن المشرفين على عملية تحنيط الحيوانات سيكونون دائماً عند حسن ظن عملائهم؟

قامت جامعة مانشستر بإجراء سلسلة من فحوصات الأشعة المقطعية والسينية على 800 مومياء لحيوانات يعود تأريخها مابين 1000عام قبل الميلاد و400 ميلادي، وكانت المفاجأة أن العديد من المومياوات ملفوفة بعناية وإتقان ولكنها إما تضم بعض البقايا من جثث الحيوان، أو أنها لا تضم شيئاً على الإطلاق.

إن تقنية التشريح الرقمي قدمت لنا فرصة رائعة للتعرف أكثر على عمليات تحنيط الحيوانات القديمة مع المحافظة على التراث الأثري أمناً للأجيال القادمة.

 

المصدر: Ancient Origins

مواضيع ذات صلة: الفن الفرعوني

Exit mobile version