ملخص كتاب قصة الفلسفة اليونانية لزكي نجيب محمود وأحمد أمين

ملخص كتاب قصة الفلسفة اليونانية لزكي نجيب محمود وأحمد أمين

في صفحات هذا الكتاب استطاع الكاتب الكبير زكي نجيب محمود، فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة، والكاتب أحمد أمين أن يأخذوا عقولنا في آلة الزمن؛ ليعودوا بنا آلاف السنين فنقابل أبرز العقول المنتجة للفكر، والحضارة، والتي تجلى فيها إعمال العقل لأول مرة في التاريخ تقريباً.

رصد الكاتبان ما أنتجته أدمغة هؤلاء، وكيف نظروا للوجود وما وراء الوجود والسعادة والشقاء وغيرها، كل ذلك وأكثر في ملخص كتاب قصة الفلسفة اليونانية.

فلاسفة يونيا:

في يونيا أو أيونيا الواقعة في الجانب الغربي في آسيا الصغرى كانت بداية كل شئ، فلو دخلنا آلة الزمن لنصل لأول نقطة بدأ عندها التفكير حتماً سنسافر ليونيا؛ حيث التفكير في علل الكون.

من أين جاء الكون؟ وما السر وراء تصرفه على ذلك النحو؟ فهناك ولأول مرة لم تكن إجابات تلك الأسئلة مرتبطة بالأساطير، بل بالتفكير الباحث عن الحقيقة لا الأوهام.

1. طاليس

كانت السؤال الأول الذي دار في أذهان المفكرين الأوائل هو: ما هو أصل الكون؟ هل هناك مادة معينة تشكل منها الكون بأكمله؟ هذا ما حاول طاليس الإجابة عنه ووقع اختياره على الماء؛ فالماء تارة يصبح غازاً، وتارة صلب، وتارة أخرى سائل. لم لا يكون أساس كل المواد هو الماء باعتبار حالات المادة الثلاث؟ فباختلاف كمية الماء وحالته يختلف العنصر المتكون.

افترض طاليس أيضًا أن الأرض ما هي إلا قرص يطفو فوق سطح من الماء غير متناهي الأبعاد. وقد كان طاليس عالماً بالرياضيات؛ فقيل أنه علّم المصريين كيفية قياس ارتفاع الهرم عن طريق ظله. وكان مولعاً بالفلك فاستطاع أن يتنبأ بكسوف الشمس عام 585 قبل الميلاد.

قد ترى أن نظرياته تلك محض خرافة يزدريها العقل ولكن تذكّر أنه أول من حاول أن يفسّر الكون دون الاعتماد على أساطير الشعراء، ويصعب عليه بمقتضيات عصره أن يصل للحقيقة لكن على الأقل بدأ تشييد مفهوم “التفكير لتفسير الطبيعة”.

2.أنكسمندر

نفى تماماً اقتناعه بأن الماء هي الأساس، ولم يضع مادة بديلة واضحة. بالطبع لم يكن عمله الفلسفي مقتصر على نفي رؤية طاليس؛ حيث افترض أنكسمندر أن الأرض في الأساس كانت سائل أخذ يتغير في أحواله بين التجمد والتبخر حتى تكونت طبقات الهواء فالتقى البخار الساخن مع الثلج البارد فكوّنا الكائنات الحية.

اقتصرت الكائنات الحية في بدايتها على الكائنات البحرية فقط ثم أخدت المياه في الانحسار فطورت الأسماك أرجل بدل من الزعانف لاستيطان الأرض، وظلت ترتقى حتى وصلت لأرقى الكائنات وهو الإنسان. يظهر بوضوح التشابه بين نظرية أنكسمندر ونظرية التطور لداروين.

3. أنكسمينس

الجوهر من وجهة نظر أنكسمينس في الهواء؛ فهو يتكاثف ويكوّن السحاب وينزل كقطرات، ويتبخر، ومن الممكن أن يتجمد ويكون مواد الصلبة مثل التربة والصخور وغيرهم. وكذلك الهواء منتشر في كل أجزاء الأرض فهل يوجد على الأرض ما هو فارغ من الهواء؟! إذا -من وجهة نظر أنكسمينمس- الهواء هو الأصل وليس الماء كما رأى طاليس، ولا مادة غامضة كما رأى أنكسمندر.

الفيثاغوريون:

فيثاغورس

كثرت الحكايات والأساطير حول فيثاغورث الذي نُسبَ إليه العديد من المعجزات صعبة التصديق حتى صعب تتبع حياته، ولكن ظلت بعض الحقائق لا شك فيها حيث كان فيثاغورس رجل ينشد للزهد والورع وحياة التقشف هو وجماعته.

كانوا يدعون للإصلاح الديني ولا صلة بينهم وبين أمور السياسة، لكن تعاليمهم المتصوفة الغريبة جعلتهم محط لأنظار حكومة كروتونا -مكان إقامة الجماعة- فاضطهدتهم الحكومة وأحرقت مقرهم، وقتلت بعضهم وشردت البعض، لكن بعد فترة استطاعوا أن يعودوا من جديد.

تُنسب لتلك الجماعة اهتمامهم بالتفكير بشكل ضخم، فمن وجهة نظرهم فالتفكير هو سبيل لتطهير الإنسان. وقد اهتموا بالموسيقى والعلوم الطبيعية من الطب وغيره، وطبعاً معروف اهتمامهم بالعلوم الرياضية أشد اهتمام.

بحث الفيثاغوريون عن علة الأشياء، أو المشترك بينها فوجدوا أنه العدد؛ فجميع الصفات من لون ورائحة وطعم وشكل وغيرهم صفات تتغير ويختلف إدراكها من شخص لآخر، وهذا لا ينطبق على الأعداد؛ فيستطيع الشخص تصور برتقالة ملونة باللون الأحمر أو الأرزق أو حتى شفافة، لكن مستحيل أن يتخيلها بلا عدد.

كان الفيثاغوريون محقين في ذلك، ولكن يُعتقد أنهم غالوا في قيمة الأعداد حتى أنهم لم يميزوا بين عد الأمور الملموسة وبين الأعداد الهندسية؛ فسقط من حساباتهم أن الخط المستقيم يتكون من عدة نقاط وهمية، بل افتراضوا أن تلك النقط الوهمية حقيقية، فاعتبروا أن العدد هو أساس الكون مثله مثل الماء عند طاليس والهواء عند أنكسمينس.

افترض الفيثاغوريون أيضاً أن كل عدد يعبّر عن شئ مثل ستة فهو حياة ونشاط، أما سبعة عقل وصحة، إلا أن ذلك ممكن أن يكون من قبيل الرمز، فقد اشتهرت تلك الجماعة باستخدامهم رموز بلغت من الغموض ما بلغت في صياغة أقوالهم الحكيمة. استطاعت تلك الجماعة أن تجعل الفكر أكثر تجريدا ناظراً للأمور الأساسية للتعرف على ميزات وهوية المادة.

الإيليون:

يُنسب اسمها لإيلية وهي مستعمرة يونانية في جنوب إيطاليا.

إكزنوفنس

كان جوالاً يطوف البلاد ناشداً الأشعار تلك الأشعار التي شكلت أساس لأفكار تلك المدرسة. فاقتبسها بارميندس وجعلها عمود الخيمة لمدرسته الفكرية. وكان من أهم ما ورد في إشعاره دعوته للإصلاح الديني حيث ازدرائه لآلهة اليونانيين حيث يُنكر على الشعب تشكيل آلهته في صورة البشر؛ قائلاً أنه لو كان الثور أو القرود حيوانات عاقلة لحسبت آلهتها في شكل ثور وقرد. معناه أن تشكيل اليونانيين لآلهتهم في شكل بشر نابع من قصور في خيالهم ليس إلا. وأنكر على شعرائهم كيف أنهم صوروا الآلهة تمكر وتخدع وتخطأ كما يفعل البشر، فمن وجهة نظره لا يصح أن يشبه الإله البشر بأي شكل من الأشكال لا في الصورة ولا في الفكر. وافترض إكزنوفنس أن الإله والعالم شيئ واحد لا شيئين. ورأى أن الأرض ستغرق في الماء ويفنى كل من عليها ثم تعود من جديد ثم تغرق مرةً أخرى. ورأى أن الشمس لا تدور حول الأرض أو العكس، بل أنها تتحرك في خط مستقيم حتى تفنى في الفراغ ثم تُخلق واحدة جديدة في اليوم التالي وقال هذا الكلام ليثبت فناء الشمس فإذا لا تصح أن تكون إله.

بارمنيدس

لا شيئ ثابت إذا لا شيئ حقيقي عدا الوجود. هذه الجملة تختصر فلسفة بارمنيدس حيث أنه تأمل من حوله فوجد أن كل شيئ نهايته الزوال أو التغير. فكل ما نشاهد متغير إذا لابد من وجود حقيقة مطلقة ثابته لا تتجزأ موجودة منذ الأزل لا تتغير مع الزمن تلك الحقيقة ما هي إلا الوجود. أنكر ما نشاهده من أشياء حولنا فكلها متغيره فانكر إدركنا لها، ولكن اعترف بما سماه الوجود الذي لا يدركه حس ولا حتى عقل. وقد رأي أن حقيقة الكون الوجود هذا فيه تجريد للمادية، لكنه ناقض نفسه حين صور الكون كرويا فكيف يكون الوجود غير مادة ويُصف بأنه كروي ويشغل حيز من المكان؟! أن في هذا لتناقض واضح.

زينو

لم يكن له آرائه المطلقة بل كل ما فعله هو إضافة البراهين على صحة وجهة نظر معلمه بارميندس. فأنكر كلاً من الحركة والكثرة. فمن وجهة نظرهه حقيقة الكون مطلقة مفردة لاحركة فيها جامدة، بمعنى أن كل ما نشاهد من تعدد وكثرة للأنواع في الأشياء في الكون ما هو إلا ظلال تخدعنا بها حواسنا فنحسبها حقيقةً لكنها ليست كذلك. والأمر ذاته ينطبق على الحركة.

الدليل على بطلان الكثرة:

لو افترضنا أن الكون مكون من أجزاء أصغر حجماً فذلك حتماً سيقودنا لتناقض صعب. حيث أن تلك الأجزاء بطبيعة الحال لابد لها من أن تتجزأ إلى ما هو أصغر منها فأصغر منها حتى تصل لأجزاء بالغة الصغر لا حجم لها إذا سيكون الكون كذلك بالغ الصغر لا حجم له؛ لأنه مجموع الأجزاء الصغيرة تلك. وكذلك سيكون الكون كبير جدا غير متناهي في الحجم حيث ستظل تلك الأجزاء الصغيرة تتجمع مع بعضها البعض إلى ما لا نهاية. هذا هو التناقض إذا فالكون لا يتجزأ، مثلما قال بارميندس أن الكون هو الوجود المطلق الغير قابل للتجزئة.

الدليل على بطلان الحركة:

إذا انطلق سهم من الرمح صوب هدف معين لابد له ان يكون ثابت في كل لحظة زمنية في مكان محدد حيث لا يمكن أن يكون في مكانين في الوقت ذاته؟! إذا مجموع اللحظات الزمنية ستكون السكون وليست الحركة. وهذا يعني ان الحركة وهم تختلقه حواسنا.

الغريب في الأمر ان تلك الحجج قد تظهر غريبة أو تافهة إلا أنها خلفت وراءها جدل لايزال قائم، وشارك فيه هيجل وكانت وغيرهم حول حقيقة الزمان والمكان. إذا تتبعنا ما نتج عن تلك المدرسة سنجد انها تؤمن بالوجود المطلق غير المتغيرفي الحركة ولا قابل للتجزئة وأن كل ما هو متغير ومتعدد هو بالضرورة وهم ليس إلا. وبذلك تكون شيدت تلك المدرسة عالمين متخلفين منفصلين أحدهما الوجود الحقيقي والآخر الوهم اللذي نراه فزادت من المشكلة تعقيداً.

هرقليطس

كان هرقليطس شخص أرستقراطي معتز بنفسه بشدة يرى العامة مجرد أنعام تؤثر الكلأ على الذهب، محتقراً قادة الفكر في عصره أمثال فيثاغورس، وإكزنوفنس. أنكر مبدأ الوجود المطلق الذي آمنت به مدرسة الإيليون؛ فهو مؤمن بأن لا شيئ ثابت لحظتين متتابعتين، حتى ذلك الجبل فهو يطرأ عليه التغيرات مع ما يحيطه من بيئة فيظهر أمامنا ثابت لكنه دائم التغيير لا فرق بينه وبين الحشرة الواقفة عليه دائمة الحركة. فهرقليطس اختلف مع تلك المدرسة التي قسمت الدنيا إلى الوجود المطلق الحقيقي والوهم الباطل المتشكل لحواسنا، أما هرقليطس فآمن بأن كل شيئ موجود دائم التغير فهو موجود وغير موجود في آنٍ واحد مثلا الهاتف الذي تقرأ به المقال بين يديك موجود لكنه دائم التغير. هذا ما أسماه بالصيرورة: هي التحول بين الموجود ولا موجود فلا يبقى هاتفك على حاله لحظة واحدة. كما أن هرقليطس بحث هو الآخر عن مادة أصل الكون كما فعل سابقيه وافترض أنها النار فالنار دائمة التغير تحول المواد من حالة لحالة، وما أصل الإنسان سوى النارالتي تتغذى على الهواء والمدركات الحسية ولذلك عقل الإنسان دائم النشاط حتى يتوقف تماماً عندما تنطفأ جذوة تلك النار، وهنا يموت الإنسان. لعلك لاحظت أن اختياره للنار نابع من إيمانه بالتغير الدائم للأشياء (الصيرورة) وهذا يظهر بشدة في النار.

إمبذقليس

لم يكن مبدعاً خالصاً فكان دوره أشبه بالمصلح ليس إلا؛ فقد أراد أن يوفق بين فلسفة هرقليطس والمدرسة الإيليون. فأمامه الأول مؤمن بالصيرورة والتغير الدائم للأشياء، والثاني مؤمن بالوجود المطلق الثابت غير المتجزأ. ليوفق بينهم افترض أن الأشياء جميعاً تتكون من ذرات ثابته تنطبق عليها مواصفات الوجود المطلق التي افترضتها مدرسة الإيليون، ولكن صورتها قد تتغير فتتحول لمادة أخرى ولكن بنفس الذرات فما يتغير هو الصورة والهيئة أما الجوهر من الذرات فهو ثابت. وافترض أمبذقليس أن أصل الكون يتكون من أربع مواد أساسية لا يتحول أحدهم للآخر، وعند اختلاطهم ببعض بنسب مختلفة تتكون مختلف المواد وهم: التراب، والماء، والنار، والهواء. لكن اختلاط تلك المواد يتطلب حركة وأمبذقليس قال أن تلك الذرات ثابته لا تتحرك مطلقاً فكيف يكون ذلك؟! لابد أن تكون طاقة الحركة خارجية في الحقيقة هما طاقتان تعملان ضد بعضهم البعض وهما الحب والبغض. ففي البداية كانت تلك المواد الأربعة مختلطة مع بعض ثم أخذت قوة البغض أو الكراهية تبعدهم عن بعض وأخذت العناصر المتشباهة تتجذاب فتكونت الماء والتراب والهواء والنار مستقلين ثم سيطر الحب مرة أخرى ليحاول أن يجمع بينهم ثم البغض وهكذا دواليك سيطرة تلك القوتين المتضادتين على الكون بين الجمع والانحلال.

المذهب الذري أو مذهب الجوهر الفرد

ديموقراطيس

كان الغريب من أمبذقليس أنه لم يعط أي اهتمام لمبدأ الذرة الذي ذكره على الرغم من كونه أساس كلامه. كما أن فرض أن الحب والكره هما أساس الحركة الدائمة بين العناصر كان مبدأ شعري أكثر من كونه مبدأ منطقي فلسفي. فجائت المدرسة الفلسفية الجديدة لمؤسيسيها ديموقراطيس وليوسبس تقول أن المواد جميعاً تتكون من ذرات أولية وليست العناصر الأربعة التي ذكرها أمبذقليس تلك الذرات صغيرة جدا بحيث لا تدركها الحواس مطلقاً وباختلاف طريقة تراكب تلك الذرات تختلف خواص الأشياء وهيئتها. وقالوا أن الذرات تتصف بالصلابة بحيث لا تقبل التقسيم لأجزاء أصغر، ولها وزن وحجم ولها غلاف. وبين تلك الذرات في المادة يوجد الفراغ بمعنى أن المادة تتكون من ذرات وهي الممثلة للوجود وبينها فراغات وهي الممثلة للعدم. فبذلك ضمت المادة عنصري الوجود والعدم في آنٍ واحد. وكان تفسيرهم لمبدأ الحركة معتمد بشكلٍ أساسي على صفة الثقل التي امتازت بها الذرات حيث نتيجة لاكتسباها تلك الصفة فهي إذاً تسقط بشكل لا نهائي في الفراغ، وكلما زاد الثقل زادت سرعة السقوط -هذا ما ظنه الذريين- وعند تصادم تلك الذرات تتكون العوالم وليس عالمنا هو الوحيد الموجود فبناءاً على ذلك هناك عدة عوالم مختلفة. وكان فكر ديموقراطيس ملحد حيث من وجهة نظره الآلهة تولدت من خوف الإنسان من الظواهر الطبيعية المختلفة مثل الزلازل والبراكين وغيرها، وكنتيحة لذلك ظل الإنسان يلوم نفسه أنه هو من أغضب الآلهة أو أن تلك الآلهة يوجد بينها خصومة تضر بعالم البشر المهم أنه يوجد كائنات ضخمة جبارة هي السبب في تلك الظواهر.

أناكسجوراس

تأثر أناكسجوراس بآراء سابقيه أيما تؤثر فرفض بعض مبادئهم وطور من آخرين. فهو ينكر قول الذريين بأن المواد جميعاً على مختلف أشكالها تتكون من ذرات واحدة وأنكر مبدأ العناصر الأربعة مظهراً تعجبه في إعادة أصول المواد المختلفة لمواد أخرى فلماذا لا يكون الذهب ذهباً منذ الأزل؟ لماذا يرجعون تكوينه لعناصر أربعة أو لذرات؟! فوجد أن كل المواد هي نفسها منذ الأزل، وكانت خليطاً ثم أخذت في الانحلال والاتصال مراراً وتكراراَ، فلن تصل لحالة النقاء الخالص حيث لن يكون الذهب ذهباً دون شوائب من مواد أخرى وفي نفس الوقت سيظل ذهباً. والحركة ما هي إلا بحث المادة عن شبيهها، وهي لن تصل أبداً للنقاء الكامل. ولكن ما أصل تلك الحر كة من الأساس ما هي القوة المؤسسة لها؟ هنا يجيب أناكسجوراس أنه عقل رشيد منظم للكون يسيره في نظام، وأنه هو أصل ذلك الجمال الذي يملأ الكون فقد أنكر ظاهرة الحب والبغض التي قصها أمبذقليس وكذلك أنكر السقوط الحر على غير هدى الذي تبناه الذريين.

السوفسطائيون

كانت الأحوال الاجتماعية والسياسية في اليونان مناسبة لظهور تلك المدرسة؛ حيث بلغت الديموقراطية حد قبيح حتى أن بعض المدن التي تتكون من عدد محدود من الأفراد أصبحت تُحكم من قبل الأفراد جميعاً كلٌ يبحث عن مصلحته، ويبحث عن التفرد حتى كان الحكم للغوغاء ليس لإولي العلم. وهذا ما سمح بخروج تلك المدرسة التي تنكر المعرفة وتهتم بالخطابة. فتلك المدرسة ترى أنه يمكن أن تجهل مبادئ ما تتحدث فيه، ويكفيك الاستعانة بمحسنات اللغة من الاستعارة والكناية ومهارات الخطابة حتى تكون محنكاً فيما أنت بصدده رغم جهلك. وقد اتخذوا مبدأ الفترة الزمنية وقتها وهو أن الإنسان هو مقياس كل شئ فلا صح ولا خطأ مطلقين هناك فقط الإنسان. وقد رأوا أنه لا سبيل لمعرفة الحقيقة؛ نتيجة للاختلافات بين الناس في تأويل الأشياء. فمثلا منهم من يرى الجسم مكعب والآخر يراه كورة إذا لا سبيل لمعرفة حقيقة الجسم. بل لا وجود للحقيقة أصلا ذلك الجسم موجود في أذهاننا لا وجود له في الواقع. بمعنى أن إنكار تلك المدرسة لوجود الأشياء نابع من الاختلاف في التأويل بين الناس فهم يرون أنه لا وجود للخطأ بحكم أن كل أنسان هو المقياس إذا فلا خطأ، ولا حقيقة مستقلة، وبالأحرى المعرفة ما هي إلا وهم من وجهة نظرهم؛ فهم نحوا الحكم العقلي جانباً وتركوا الحكم للحواس التي تختلف في إدراكها للأشياء ونتجية لذلك الاختلاف أنكروا وجود الأشياء من الأساس.

سقراط

كان رجل الحوار؛ حيث كان يطوف الأسواق والتجمعات يحاور الناس ويتحدث معهم كاشفاً نقاط قوة وضعف أفكارهم. كان رجلاً محب للحكمة غير معترف بتميزه فدائماَ ما كان يقول: (أنا أعرف شيئاً واحداً هو أني لا أعرف شيئ) كانت نهايته مأساوية فاتهم بالإلحاد والسفسطة وإفساد الشباب فحُكم عليه بالإعدام بالسُم ومات. لكنه خلف ورائه إرث أعاد إحياء الفلسفة، والتفكير بعدما قتلوا على يد السوفساطئيين. حيث ذهب السوفساطئيين كما عرفنا أن الإدراك الحسي هو أساس كل شيئ وهذا ما نفاه سقراط حيث أن ذلك الإدراك ما هو إلا إدراك جزئي للأشياء لكن إدراك الصفات المميزة للمواد والأشياء، وحصرها تلك الصفات التي تشيع بين أفراد نفس النوع هو بحد ذاته المعرفة. فمثلا تختلف الأحصنة في عدة صفات مثل اللون والحجم وغيرهم وهم يعدون من المدخلات الحسية دورالعقل هنا البحث عن أمور مشتركة مثل الصهيل حتى يحدد تعريف الحصان ويحصل على المعرفة. فبذلك كان طريق سقراط للمعرفة هو التجريد من المتغيرات أو الصفات الجزئية للوصول لوصف كلي يضمن المعرفة القويمة بالشيئ. فبذلك كان الإدراك العقلي للأشياء القائم على التجريد فهو أساس المعرفة. كانت تلك المفاهيم من أهم ما أنتجه سقراط للعقل البشري ليمثل النور بعد غياهب جهل السوفساطئيين، لكنه لم يقتصر على ذلك فأخذ يتسائل ما هي الفضيلة؟ كان عمل سقراط في تعريف المعرفة هادف لمعرفة الفضيلة فبالنسبة له الفضيلة والمعرفة ملتصقين ببعض؛ بحيث أنه عندما يدرك الشخص الخير، ويفهمه ويدرك الشر والفساد ويفهم عواقبهما مؤكد أنه سيسلك طريق الخير ويترك طريق الشر. إذا فالفضيلة قائمة على المعرفة أو الإدراك العقلي. بذلك يكون سقراط وقع في الزلل حيث أنه لم يفهم أن الإنسان أيضاً يحمل العاطفة والشهوة ليس العقل وحده؛ فلا تكفي المعرفة العقلية لأداء الفضيلة بل لابد من وجود إرادة للتغلب على الشهوات. وبذلك كان إرث سقراط متمثل في نظريته المعرفية وفلسفتة في الفضيلة.

أفلاطون

نشأ في ظروف تسودها الفوضى في المجتمع الأثيني حيث الحرب الشديدة مع الفرس وفساد كلاً من الديموقراطية والأرستقراطية. وكان كثير الترحال يتعلم عن مختلف المدارس الفسلفية المختلفة من خلال تلك الرحلات فقد عرف فلسفة هرقليطس، وسقراط فقد كان أفلاطون تلميذاً مخلصاً له، والفيثاغوريين، والمدرسة الإيلية. واستقر في أثينا في المرحلة الأخيرة من حياته وهناك أسس أكاديمية أفلاطون. فقد كان أفلاطون أول فيلسوف تأمل في جميع مناحي الحياة مثل أساسها ومن أين جاء الكون، الأخلاق، السياسة، الفن….إلخ فخلف وراءه منظومة فلسفية متكاملة لها ما لها وعليها ما عليها. وقد امتازت كتبه بأسلوبها الحواري المميز واعتماده في بعض الأحيان على الشعر والأساطير والقصص التي غلفت بعض النقاط في فلسفته بالغموض. وقد كان أفلاطون مكملاً لكلام أستاذه في نظرية المعرفة، وله فلسفته الخاصة المعتمدة على المُثل، كما أنه له طريقته في النظر للإنسان والدولة.

نظرية المعرفة

بدأ أفلاطون يهدم كلام السوفساطئيين من أساسه عن طريق الحجج المناسبة فمثلاً:

1.إذا كان لا وجود للخطأ لأن كل شيئ مقياسه الإنسان فماذا لو قال أحدهم أنه سيصبح وزيراً بعد عام وانتهى العام ولم يصبح شيئاً هل سيكون توقعه بهذا الشكل صحيح؟ّ!

2. ما الفرق إذا بين الإنسان والحيوان إذا كانت المعرفة يتم الحصول عليها من قبل الحواس فقط دون تدخل عقلي؟! وكيف يكون الإدراك لو كان عن طريق الحواس فقط ونحن نعطي الأشياء مسمياتها ونتعرف عليها من خلال الإدراك العقلي؛ فالعين وحدها غير كافية للإدراك؟!

وغيرهم العديد من الحجج التي ساقها أفلاطون ليثبت خطأ نظرة السوفساطئيين ويثبت كلام معلمه حول نظرية المعرفة.

نظرية المُثل

كما اتضح في السطور السابقة أن أفلاطون سار على خطى أستاذه سقراط بأن الحقيقة في المدركات العقلية المجردة. لكن أفلاطون ذهب لأبعد من ذلك حيث رأى أن تلك المدركات المعرفية، أو الحقائق لابد أن يكون لها وجود حقيقي. من وجهة نظره كيف نسمي الحقيقة حقيقةً إن لم يكن لها وجود حقيقي؟! بمعنى أن إدراك العقل للحصان يعتمد على صفات مشتركة مجردة من التغيير، وهي ما تُسمى معرفة إذا فلابد لوجود مثال لتلك المعرفة وفي تلك الحالة سنقول عنه (مثال الحصان). وعندما يصف الإنسان بعض الأشياء بصفة الجمال مثل وصف الوردة أو القمر أو مشهد الغروب… إلخ لابد من وجود مثال للجمال، كذلك مثال للخير والشر والقبح والزريلة وهكذا دواليك. تلك الأمثلة متواجدة في عالمها المستقل متصفة بعدة صفات مثل الأزلية وأنها غير محدودة بزمان ولا مكان وأنها عناصر مستقلة لم يتسبب في وجودها شيئ وغيرها من الصفات التي تدل على التجريد والعموم. وشرح العلاقة بين تلك الأمثلة وأنها ممكن أن يكون بعضها منبثق من الآخر فهناك أمثلة دُنيا منبثقة من أمثلة أخرى أعلى منها وهكذا حتى نصل لقمة البناء الهرمي وهو (مثال الخير) فمنه كل شيئ وإليه كل شيئ.

رأيه في العالم المحسوس

العالم المحسوس ما هو إلا صورة لعالم المُثل، وقد وقع أفلاطون في مأزق حينما وصف المُثل بصفات تجريدية؛ فلا يمكن للمثل أن تخلق عالماً من تلقاء نفسها لأنها بذلك ستتخذ صفات التغيير التي يتصف بها العالم المحسوس. فرأى أفلاطون أن العالم قد انبثق من ثلاثة شركاء الأول هي المُثل والثاني هو المادة -قد استخدام لفظ المادة للتعبير عن العدم فالمادة عنده هي ما ليس لها صفات أو أشكال وقد فسرها البعض أنها الخلاء- أما الثالث فهو الإله الذي طبع المادة على صورة المُثل فالناتج لم يكن عدم مطلق، ولا وجود مطلق إنما خليط بين الإثنين وهنا كان العالم المحسوس. بالطبع رأى الكثيرين أن أفلاطون لم يحل مشكلة تكون الكون، إنما يضيف عالم جديد وهو المُثل الذي يحتاج لتفسيرات هو الآخر وبذلك زاد من المشكلة تعقيداً.

النفس البشرية

اشتهر أفلاطون بنظرته للنفس الإنسانية؛ فقد قسم النفس لثلاثة أقسام أرقاها العقل، والنبيل في اللاعقلاني أو العاطفة الصادرة من القلب مثل الحب والشجاعة وغيرهم، والجزء الوضيع وهو الشهوات البهيمية. وينبغي على الإنسان أن يحتكم لعقله ويضيق الخناق على شهواته البهيمية. وقد أعتقد أيضا بالتناسخ وهي أن النفس بعد الموت لا تفنى بل تسكن كيان آخر محدد بتصرفاتها فلو كان الشخص شهوانيا فستتناسخ النفس بعد ذلك لتسكن حيوناً وهكذا.

رأيه في الأخلاق

لا داعي للذكر أن افلاطون اختلف مع السوفساطئيين في وجهة نظرهم حول الخير والشر والأخلاق؛ فلم يرى أن تلك الأمور محكومة بأحكام شخصية فقط لا مقياس لها. وقد رأى أن اكبر هدف من معرفة الخير وتأديته هو السعادة. والسعادة بالنسبة له متمثلة في أربع نقاط أولها العلم بعالم المُثُل الذي أرسى قواعده ثانيها التأمل في الصلة بين العالم المحسوس والمُثُل عن طريق التأمل في جمال وتناسق العالم من حولنا، ثالثاً التثقف بمختلف العلوم، رابعاً التمتع باللذائذ النقية الطاهرة والترفع عن ما انحط منها. وقد اختلف عن معلمه سقراط حول تعريف الفضيلة فلم يحسب أن الفضيلة هي المعرفة إنما لخصها في أربع نقاط: الأولى هي فضيلة العقل وهي الحكمة، الثانية فضيلة الجزء الشريف من الجزء اللاعقلاني هي الشجاعة، الثالثة هي العفة وضبط الشهوات، رابعاً هي اجتماع تلك الصفات لإنتاج العدل.

رأيه في الدولة

كان له في السياسة وتشييد دولة سعيدة ذاع طويل عبر عنه في “كتاب جمهورية أفلاطون” الذي تضمن معانى العدل والرزيلة ووجهة نظره في الحقيقة والنفس وغيرها. وفي هذا الكتاب أرسى دعائم تنظيم الدول المعتمدة على تقسيم الدول لثلاثة أقسام مشابه لتقسيمه للنفس فقد رأى أن من تميزت عقولهم كانوا الفلاسفة ولهم أمور الحكم، ومن تميز الجزء النبيل اللاعقلي لديهم متمثلاً في الشجاعه وحب الدولة كان الجيش، أما ما عدا ذلك فهم العامة من صناع وتجار وغيرهم. وقد وضع أفلاطون أسس قوية لتربية الأطفال بدنيا، وذهنياً. وكان يرى أنه لابد من حصر المؤلفات والأشعار وتدقيقها لنتخلص من الرزائل فيها، ونتخلص من المؤلفات التي تحط من قدر الآلهة وتصفهم بالغدر والطمع وغيرها من قبيح الأوصاف. فقد يرى أن أحد دعائم الدولة أن يكون أصحابها مؤمنين بالإله وأن يقتنعوا أن غضبه واقع على من يخالف مبادئ الدولة. وقد رفع أفلاطون من قدر الدولة على حساب الفرد؛ فالأفراد بالنسبة له جزء من نسيج المجتمع يعملون لصالحه، وليس لصالح أحلامهم وطموحاتهم. وقد بالغ في تلك النظرة حتى أنه أنهى وجود الأسرة المستقلة في بعض الطبقات فلا زوجة خاصة، ولا حتى أولاد يعرفون من أمهاتهم أو أبائهم؛ لأن الدولة هي من ستتولى تربيتهم منذ الولادة. كل هذا وأكثر شرحه افلاطون في كتاب جمهورية افلاطون الذي لم يسلم من التحليل والنقض من وقتها حتى الآن.

أرسطو

كثيراً ما ينصب الناس أرسطو منصب الخصم لأفلاطون وفي الحقيقة أرسطو كان أحد تلامذة أفلاطون، لكنه كان ذي شخصية مستقلة يزن ما يسمع بعقله ويميز صحيحه من خطأه وهذا ما فعله مع فلسفة أفلاطون؛ فلم يشربها شربا بغير تعليق أو مراجعة، بل على العكس تماماً. نتيجة لذلك استطاع أرسطو بناء منهج خاص به مختلف عن سابقيه.

المنطق

تشهد الفلسفة أنه لا منطق قبل منطق أرسطو؛ فهو من أول من عُني بصحة القول والعبارة ووضع لها المقاييس. والمنطق نوعان إما منطق الصورة وإما منطق المادة وقد اهتم أرسطو بمنطق الصورة مشيداً إياه بأكمله، وكل ما بين أيدينا في منطق الصورة هو من إنتاج أرسطو لم يضاف إليه إلا القليل، أما منطق المادة فلم يُفتح بابه إلا حديثاً.

ما بعد الطبيعة

لم يقتنع أرسطو بفسلفة أفلاطون حول وجود كيان يُسمى المُثل وأن كل حقيقة معرفية لابد لها من تجسيد. فقد رأى أن ألفاظ مثل العدل والظلم والجمال والقبح…إلخ لا حرج في أن تكون مجرد معانٍ عقلية ليس لها كيان مستقل كما إدعى أفلاطون. ورأى أرسطو أن خلق أفلاطون لعالم المُثل لم يحل لغز الوجود بل أضاف ألغاز جديدة غير قابلة للتمحيص والدراسة. وشيد أرسطو وجهة نظره المستقلة فرأى أن كل ما في الوجود هو عبارة عن المادة أو الهيولي والصورة. أما الهيولي فهو العنصر منعدم الصفات فلا لون ولا رائحة ولا شكل ولا أي شيئ فجاءت الصورة فاسبغت عليه تلك الصفات. وعلى عكس ما فعل أفلاطون حيث فصل بين المادة والمُثل أرسطو افترض أن لا هيولي بلا صورة ولا صورة بلا هيولي. والهيولي يُمكن أن يكون أي شيئ بمعنى أن الهيولي قد يكتسب صورة معينة فيكون ذهب ولا يمنع أن يكتسب صورة أخرى فيكون فضة المهم أن كل ما في الوجود ما هو إلا اتحاد بين الصورة والهيولي. وقد رأى أن كل ما في الوجود يتحرك لغاية وقد عرف تلك الغاية على أنها الإله فهو غاية الغايات وإليه يسعى كل موجود. وأمعن أرسطو في الحديث عن الإله ونسب له العديد من الصفات؛ فالإله -كما قولنا- بالنسبة لأرسطو هو غاية الغايات فهو من يجذب العالم في اتجاهه، وهو منتهى الرُقي والرُقي ما هو إلا إمعان في الصورة وتقليل من الهيولي، إذا فالله صورة خالصه مفكرة فهو فكرة الأفكار وأكملها يعيش في سعادة أبدية وفي فكر لا ينتهي.

الطبيعة

على عكس أفلاطون لم يهمل أرسطو الكون المحسوس إنما اهتم به جداً وعُني بتفسيره وتقسيمه؛ فقسم الموجودات في تسلسل هرمي طبقا للنشوء والارتقاء. لكنه لم يرى أن الأرقى تطور للأدنى بمعنى أنه لم يرى أن الإنسان تطور لسابقيه، فمن وجهة نظره الإنسان موجود وجود أزلى مثله مثل الباقي لم يتطور نوع من آخر إنما يتقدم نوع على الآخر حتى نصل لأعلى مراحل التقدم وهو الإنسان. وذلك التسلسل تتحرك فيه الموجودات بين طرفين الأدنى هو الهولي، والأعلى هو الصورة وبينهما يتم التقسيم. ولا يمكن أن نفهم من ذلك التسلسل أن ما هو أدنى من الإنسان يكون الإنسان غايته، ومسخر له. فالإنسان قادر على التحكم فيما هو أدنى منه باستخدام عقله، ويسخره لخدمته ولكن لا يعني ذلك أن ما أدنى له منعدم الغاية، لا بل كلٌ له غايته إليها يسعى في حركة دائمة حتى إن لم يكن سعياً مبنياً على العقل بل الغريزة لكنه في النهاية سعيٌ لغاية. وقد وضح أرسطو أسباب الانحطاط وأسباب الرقي، حيث أن كل الكائنات العضوية أول ما تسعى إليه هو النجاة والحياة عن طرق الغذاء، ثم استمرار نوعها عن طريق التناسل. وما اقتصر من الكائنات على أداء تلك الوظيفتين فقط كان الأدنى مثل النبات، وكان الحيوان أرقى من النبات لقدرته على الحس والاستمتاع باللذة والهروب من الألم، أما الإنسان فقد حقق كل ما سبق وأضاف استمتاعه بالفكر لذلك كان أقرب المخلوقات للإله.

الأخلاق

رأى أرسطو أن أفلاطون بالغ في عداوته لشهوة وغريزة الإنسان، حيث أن تلك الشهوة أوالاحتياجيات الغريزية هي من مكونات الإنسان، واسئصالها بمثابة هدم للإنسان إذا لابد من وجود عقل يتحكم بها لا عقل يقتلها. وقد اختلف أيضاً مع سقراط حين رأى أن الفضيلة هي المعرفة أن بمجرد معرفة الإنسان للفضيلة سيفعلها لا محالة فرأى أرسطو أن هذا الكلام غير دقيق فقد تتغلب الشهوة على العقل وتبتعد عن الفضيلة التي تم إدراكها فلابد من معرفة الفضيلة وتوافر إرادة تحقيقها.

الدولة

اختلف أرسطو هنا أيضا مع أفلاطون؛ فأفلاطون قتل مصلحة الفرد لصالح الجماعه فها هو يجعل طبقة الحكام يعيشون عالة على أموال الناس وفي بيوتٍ بدائية، حتى أنه قتل الأسرة فلا زوجة مستقلى ولا أولاد. رأى أرسطو أن في ذلك خطأ فلابد من وجود أسرة ولابد من أن يحقق الفرد ذاته مع تحقيقه لمجتعمه.

ما بعد أرسطو

لاجديد…انحدرت الفلسفة بشدة بعد أرسطو نتيجة لما تعرض له المجتمع من غزو وتشتت في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية؛ فليست الحياة الفكرية بمعزل عن الحياة المادية. وعليه كان اهتمام العقول في الهروب من شرور الحياة بالبحث عن السعادة والأخلاق. مات البحث في الطبيعة، وعلة الوجود، وأصبحت النظرة للإنسان مركزية سطحية وظلت هكذا لفترة طويلة من الزمن كل ما تم فيها هو إعادة إحياء بعض القديم ليس إلا. ومن أشهر تلك المدارس التي جائت بعد أرسطو: الرواقيون والأبيقوريون.

إقرأ المزيد:

ملخص كتاب مغامرة العقل الأولى للكاتب فراس السواح

لوحة مدرسة أثينا

ملخص كتاب دروس من التاريخ للمؤرخ ويل ديورانت

ملخص كتاب دروس من التاريخ للمؤرخ ويل ديورانت

بعد الانتهاء من موسوعتهما الضخمة (قصة الحضارة) التي تعد من أهم المراجع في التاريخ على الإطلاق، سجل المؤرخ ويل ديورانت وزوجته أريل ملاحظاتهما عن الأحداث التاريخية، والتعليقات التي يمكنها أن توضح الأوضاع الحالية والاحتمالات المستقبلية وطبيعة الإنسان وسلوك الدول، وحصراها في هذا الكتاب الذي نضع بين يديكم ملخص ما جاء فيه في هذا المقال.

التاريخ والأرض

يبدأ ديورانت الدرس الأول من دروس التاريخ بالتأمل في الأرض والجيولوجيا، وبالإشارة إلى التواضع الذي يجب أن يمنحه تفكر البشر في تاريخ الجنس البشري على هذا الكوكب؛ فرغم أن الإنسان استطاع السيطرة على الكثير من الظواهر الطبيعية واتقاء شرها بل وتطويعها لخدمته أحيانًا، فإن مُذنّبًا يصدم الأرض بإمكانه إنهاء حضارة كاملة. كما أن الجيولوجيا لها الفضل في قيام الحضارات وليس إنهاؤها فحسب؛ فإن حضارات عظيمة لم تكن لتقوم لولا وجود نهر في بقعة ما في الأرض. ومع هذا فإن تطورالتكنولوجيا بمرور الوقت يقلل من أثر البيئة وسطوتها على الحضارات. فالإنسان في النهاية، لا البيئة.. هو من يصنع الحضارة.

التاريخ والبيولوجيا

التاريخ البيولوجي للإنسان، هو الآخر، يحثه على الشعور بالتواضع؛ ويذكره بدوافعه الأساسية في التكاثر والصراع على البقاء. فقد يحاول فردٌ معاندة قانون البقاء، لكن الجماعة والنوع سيخضعون له في النهاية. فالحياة إنما هي منافسة، والتعاون ما هو إلا حالة استثناء.
ويعلمنا تاريخ الكائنات أن البيولوجيا لم تقرأ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ فالبشر لا يولدون أحرارًا ولا متساوين. بل إنهم محكومون بتنوعهم حسب الجينات والعوامل النفسية والجسدية. فالطبيعة تحب الاختلاف لأنه يمكّنها من اختيار من الذي سيبقى. أضف إلى هذا الانتقاء، الطبيعي، الانتقاء الصناعي الذي تفرضه تصورات المجتمع وثقافته.

درسٌ آخر من البيولوجيا والتاريخ هو أن الطبيعة لا تهتم بالنوع والحضارة بقدر ما تهتم بالكم والتكاثر؛ فالمزية الأهم طبيعيًا هي القدرة على التكاثر وتمرير الجينات، لا تمرير الثقافة.

التاريخ والأعراق

يبدأ الكاتب هذا الفصل بعرض بعض الادعاءات بتفوق أعراق معينة كالعرق النازي أو الأبيض، ثم يعارض هذه الادعاءات بذكر حضارات عظيمة نشأت من أعراق أخرى غير هذه، كالحضارة الصينية وحضارة الآزتك أو الحضارة الإسلامية. ويتطرق إلى مسألة داكني البشرة، مشيرًا إلى أن هذا العرق لم تساعده الجغرافيا والمناخ لبناء الحضارات لكنه نبغ في أماكن اخرى عاش بها.

وينوه الكاتب بنقطة أخرى هي أن العرق إنما هو تمهيدي لا خلاّق. فالحضارات الجديدة تنتج عن اختلاط أعراق مختلفة، بدورها تولد عرقًا جديدًا ذا ثقافة جديدة ينتج عنها حضارة. فالثقافة بناء علی ذلك، هي من ينتج الحضارة وليس العكس.

التاريخ والشخصيات

تبنى المجتمعات على طباع البشر. فالدستور قبل أن يُكتب على الورق، إنما يكتبه دستور الإنسان نفسه.

الطبيعة البشرية لها مشاعر وغرائز منها ما هو إيجابي وآخر سلبي.. العمل يقابله الراحة، والإبداع يقابله التقليد. لم يتغير الإنسان في التاريخ المسجل بشكل يذكر على مستوى الغرائز والدوافع، وما تزال أهدافه بالمجمل هي نفسها التي وجدت قبل ألفي عام مثلًا. من رغبة في التزاوج والسلطة وما إلى ذلك.. التغيرات التي تطرأ إنما هي تغيرات اجتماعية حسب الظروف والتحديات التي تتطلب الحلول. وهنا يأتي دور الشخصيات العظيمة، شخصيات الذين يسبقون أزمنتهم وأمكنتهم لتغيير مجرى الأمور، مستغلين في ذلك بعد النظر أو العلم أو الذكاء.

ولا يعمل الإبداع والتقليد كل ضد الآخر كما يبدو للوهلة الأولی، بل إنهما متكاملان تمامًا، فوجود الفئة التابعة المذعنة وجود مهم، والصراع بينها وبين فئة المبدعين صراع مهم كذلك. فهم يساعدوهم على تحقيق أهدافهم الثورية تارة، ويمنعوهم ويثبطوهم تارة أخرى، وهذا ضروري لأن الأفكار الثورية ليست بالضرورة أفكارًا مناسبة، وقد يكون اعتراض العامة في بعض الأوقات مفيدًا ومنقذًا.

التاريخ والأخلاق

الأخلاق هي القواعد التي يحث عن طريقها المجتمع أفراده على ممارسة سلوكيات ما. ويشير الكاتب في بداية الفصل إلى أن الأخلاق تتغير بالزمان والمكان، لكنها تتفق بجوهرها.

فما كان محمودًا في مرحلة الصيد من تاريخ الإنسان، من القدرة على القتل والتحلي بالشراسة والطمع، بهدف توفير الأمان، لم يعد مرغوبًا به في مرحلة الزراعة.. وتعدد الزوجات الذي كان أمرًا جيدًا في مرحلة الصيد؛ بسبب معدل موت الذكور المرتفع..أصبح غير محبذٍ في المرحلة الزراعية. كما أن أسلوب المرحلة الزراعية التي تقدس الأسرة والأطفال وتحبذ الزواج المبكر، لم يعد مناسبًا في المجتمعات الصناعية التي تتسم بالنزعة الفردية، وعدم الرغبة في تكوين الأسرة أو الزواج.
كذلك الأمر بالنسبة إلى النصوص الدينية، التي تتضاءل سلطتها في المجتمعات الصناعية، حيث تهيمن سلطة العلم.

نقطة أخرى ينوه بها الكتاب هي أن الحروب قد تؤدي إلى تراخٍ في الأخلاق، ذلك أن القوي يبدأ في تحديد الصواب، وفرض أخلاقياته. ويختم الكاتب هذا الفصل بالتأكيد على فكرة أن الانحلال الأخلاقي والفساد له نصيب في كل الحضارات والأزمنة، ويضرب له أمثلة في الملكية الإنجليزية وعصر النهضة وغيرها. فلا يتفق مع من يدعون باستمرار أننا نعيش أشد فترات الانحلال.

كما أن كتب التاريخ تركز على الأحداث المثيرة، وهذا قد يبتعد بنظرنا عن أوقات عاشت فيها أفراد وجماعات وأسرٌ بسعادة وإخلاص بعيداً عن كل الشرور والخيانة والفساد الذي تحشده كتب التاريخ.

التاريخ والدين

يبدأ الكاتب هذا الفصل بالتنويه بأهمية الدين في توفير العزاء والراحة النفسية، وإضفاء القدسية للعلاقات والسمو بها. لكنه رغم ذلك يعتبر أن الأخلاق لم تكن أساس الدين، إنما هو الخوف من الطبيعة وظواهرها..وأن الكهنة استغلوا هذا الخوف لفرض قوانينهم وأخلاقياتهم. وقد ظلت الكنيسة تشكل السلطة الأعلى حتى بدأت لاحقًا عصور التشكيك، بالإضافة بزوغ الحركات القومية، الأمران اللذان بدءا يفقدانها مكانتها.

وذكر ديورانت مواضع كانت السلطة الدينية فيها مصدرًا مهمًا للأخلاق الحميدة وأخرى شكلت فيها أدواتٌ للفساد، واعتبر أن حل الإشكال بين الدين والفلسفة لا يكمن إلا في أن تعترف الفلسفة أنها لا تستطيع أن تجد مصدرًا ثابتًا بديلًا للأخلاق مكان الدين، بينما يتوجب علی السلطة الدينية أن تفسح المجال للعقل أن يعتقد أو يفكر كما يشاء.

أما عن سؤال “هل يدعم التاريخ وجود الله” -وهنا يوضح ديورانت أنه يقصد الإله الرحيم المتسامي، وليس مجرد القدرة الخلاقة للطبيعة-..فالجواب عند ديورانت يميل إلى أن يكون بالنفي.. لأن التاريخ بالنهاية يعمل بقانون البقاء والانتقاء الطبيعي، ولا تعنيه الفضيلة. كما أن الكوارث والظواهر الطبيعية المدمرة حسب ديورانت لا تدعم وجود أي قوة رحيمة.

نقطة أخرى يشير إليها ديورانت هي أن أهمية الدين تضاءلت بتضاؤل الإنسان عبر التاريخ، ذلك أن اكتشافات مثل اكتشاف كوبرنيكوس عن عدم مركزية الأرض، تفقد الإنسان شعوره بأهميته في الكون. وهذا طبعا ليس سببًا وحيدًا لتراجع السلطة الدينية، إنما أحد العوامل. إلی جانب عوامل أخرى كحركات الإصلاح البروستانتي والحركات الربوبية في إنجلترا. واستبدال الزراعة (التي تعزز الإيمان بالبعث) بالصناعة التي تعتمد على الماكينات، وخروج المؤسسات التعليمية من التبعية للكنيسة إلى سيطرة رجال الأعمال والعلماء.

في نهاية هذا الفصل يكمل ديورانت بالتأكيد على أن الدين يموت ويبعث من جديد..فعندما يتم التمرد على دين ما، سرعان ما يظهر شكل آخر من أنواع التدين ليأخذ مكانه، ويختم بأن الاستمتاع بالحرية مهم، ومع ذلك فإن الحذر من إهمال الاحتياجات الروحية تمامًا أمر ضروري للأمم.

التاريخ والاقتصاد

يرى كارل ماركس أن التاريخ ما هو إلا استعراض للصراعات الاقتصادية، ويتفق ديورانت جزئيًا مع هذا الرأي، ويعرض بعض الأمثلة عليه، من دور الثورة الصناعية في ظهور الديمقراطية والحركات النسوية، ودور الرغبة في السيطرة على الطرق التجارية في شن الحملات الصليبية، أو دور عائلة ميديتشي ومهاراتها المصرفية في حركة التنوير في فلورنسا.

لكنه يلفت إلى أن دوافع الأحداث التي تغير التاريخ ليست دائمًا دوافعَ اقتصادية، إنما تكون في بعض الأحيان دوافع دينية أو وطنية.
ويصنف ديورانت الناس بالنسبة للاقتصاد إلى ثلاث فئات، أولهم فئة تدير الأشياء، وهذه الفئة تديرها فئة ثانية تستطيع إدارة الناس.. أما الفئة الثالثة ومن يتحكم بكليهما، هي الفئة التي بإمكانها إدارة الأموال ومراقبة السوق.

ويختم ديورانت الفصل بالإشارة إلى أن اختلاف الناس في القدرات يحتم تراكم الثورة في نهاية المطاف في إحدى الطبقات، وأن ازدياد عمق الفجوة بين الطبقات سيزعزع الاستقرار ويؤدي في نهاية الأمر إلى إعادة توزيع الثروات، إما عن طريق الإصلاحات أو الثورات العنيفة.

التاريخ والاشتراكية

الصراع بين الاشتراكية والرأسمالية قديم ومستمر، فالرأسمالية لن ترضى إلا بحرية التنافس وما يتبعها من حث على الإبداع دون تدخل الدولة، والاشتراكية ستثور دائمًا ضد الفروق الطبقية والتلاعب والاحتكار، ويضرب ديورانت أمثلة كثيرة من التاريخ على دول ذات مظاهر اشتراكية وتدخل للدولة في أدوات الإنتاج قامت قديمًا في حضارات منها سومر وبابل وروما والصين.

يُفشل هذه التجارب عادة حسب رأي ديورانت، الضرائب الباهظة والتجنيد الإجباري والفساد، فالمؤسسات العامة معرضة هي الأخرى إلی ظهور الفساد كحال نظيرتها الخاصة. وينهي الفصل بالحديث عن كارل ماركس وفريدريك إنجلز وبيانهما الشيوعي، ويعتبر أن ماركس قد خان الفيلسوف “هيجل” الذي كان له الأثر الكبير على فلسفته؛ إذ أن الجدل الهيجلي ينص على أن وجود أطروحتين متناقضتين يجب أن يتمخض عنه أطروحة ثالثة تتفوق على كلتيهما، وهذا ما يراه الكاتب ويل ديورانت الصواب، وهو أن تخشى الرأسمالية بطش الاشتراكية فتنظم نفسها، وأن تخشى الاشتراكية بدورها تفوق الرأسمالية، فتسمح بحد ما من الحرية الاقتصادية.. فينتج مزيجًا معقولًا يحقق نوعًا من العدالة بين البشر.

التاريخ ونظام الحكم

عدّ ديورانت في بداية هذا الفصل نظام الحكم الملكي أكثر طبيعية من باقي الأنظمة، وأكثرهم ديمومة عبر التاريخ، وذكر عدة أمثلة ناجحة عليه، كفترات حكم ماركوس أوريلوس وهدريان وغيرهم من ملوك الرومان، لكنه عاد ونوه بأضراره من جانب أن وراثة الحكم عادة ما تولد انعدام مسؤولية وتبذير وشرور كثيرة.

وبالنسبة للحكم الأرستقراطي، أي الذي يفضل النسب على المال أو المكانة الدينية.. فإن من مزاياه أنه يشكل مستودعًا للثقافة، ويحول دون انتشار الخبل الفني، والتغيرات المفاجئة للكود الأخلاقي، ولكنه مع ذلك لا ينتج الفنون، إنما يلهمها؛ ذلك أن العبقرية تتطلب الكد، الشيء الذي لا يضع الأرستقراطي نفسه تحت وطأته. ومن سلبيات هذا النوع من الحكم، الانشغال في إنفاق مصادر الدولة على المظاهر والحروب غير الضرورية، وقهر الناس في سبيل المحافظة على أسلوب حياة السلف.
يطرح ديورانت بعد ذلك تساؤلًا عما إذا كان التاريخ يبرر الثورة. ويجيب عليه بأنه على الرغم من ضرورة التخلص من الأنظمة القديمة والفاشلة، إلا أن ذلك في كثير من الأحيان لا يتطلب العنف. ويضرب بعض الأمثلة منها تغيرات حققتها أمريكا، أو تحقيق إنجلترا في القرن التاسع عشر تغييرًا مسالمًا كان بإمكان الثورة الفرنسية تحقيقه دون اللجوء إلی العنف.

ثم يختم ديورانت هذا الفصل بالحديث عن الديموقراطية، ويستهل ذلك بطرح رأي أفلاطون بشأن الديمقراطية، بوصفها فوضى وعنف وانحلال، وطريق يؤدي إلى الديكتاتورية في نهاية المطاف، ويطرح ديورانت بعض الأمثلة التي تؤيد هذا التصور، وبعض صور الفساد التي من الممكن أن تسود في حكم ديمقراطي. ثم يعود في النهاية ليعتبر الديمقراطية أقل أنظمة الحكم ضررًا وأكثرها فائدة، بوصفها شكلت صداقة حميمة بين الجنس البشري، وأعطت الفكر المزيد من الحرية، وأزالت الامتيازات التي فرقت بين البشر، وأنها مبررة ومستساغة إذا وفرت فرص تعليم متساوية، معتبرًا هذا ليس حق طبيعي بقدر ما هو امتياز يعود بالنفع الكثير على المجتمع.

التاريخ والحرب

عد ديورانت الحرب من ثوابت التاريخ، وأنها من أشكال التنافس والانتقاء الطبيعي. ويذكر أن كل ما لدينا من تاريخ مسجل لا يخلو من الحروب إلا في فترات قليلة.

وأضاف أن النزعة القومية تغذي نار الحروب وتؤججها، فإن دولة ما عندما تبدأ في معاداة دولة أخرى، سرعان ما تحفز مواطنيها على محاربتها عبر إشاعة الكراهية القومية.

يبدأ ديورانت بعد ذلك حوارًا افتراضيًا بين فيلسوف يعارض الحرب وقائد عسكري يرى أنها أمر لا بد منه. فيحاجج ديورانت على لسان القائد العسكري بأن الناس تموت بكل الأحوال، فما الذي يمنع أن يكون موتهم تجاه أوطانهم وقضاياهم؟ ثم إن الأخطار التي تحدق بالبلدان -كما كانت ترى الولايات المتحدة وإنجلترا تقدُّم الشيوعية في ذلك الوقت- لا بد من وجود من يقف لها بالمرصاد، وأن هذه ضرورة تاريخية لا بد من حدوثها. فيرد الفيلسوف بأن الحرب ربما تكون بالفعل ضرورة تاريخية لتسيير الأمور وتحقيق المنافع، لكنه يظن أن ثمة ما يدفعنا للوقوف بوجه هذه الصيرورة التاريخية، والتخلي حتى عن المنافع والمصالح، ألا وهو الإنسانية، التي توجب مراعاتها حتى لو أدت بالدول إلى الخسارة والتراجع.

التاريخ والنمو

يقول ديورانت أن التاريخ يعيد نفسه في المجمل لا في الجزئيات، فإننا نجد الأمم تنهض وتنهار في كل زمن، والعقلانية ترجع دائمًا لتستبدل الأساطير والمعتقدات القديمة. والدوافع الأساسية للحصول على الجنس والسلطة والغذاء تستمر عبر الأزمنة، مع ملاحظة أن سطوة العقل عبر الزمن تجعل الأفراد يمليون إلى التفرد لا إلا تصرفات القطيع.

ثم ينتقل بعد ذلك إلى تصورات بعض المفكرين بشأن تقسيم التاريخ، من حيث أنه يحتوي فترات “أساسية” تبنى فيها قيم معينة، وتتسم بالتنظيم والاتفاق. وأخرى “نقدية” هدامة تقوض ما بنيت عليه الفترات الأساسية، وتتسم بالنزاعات. وقد تتجلی الفترة الأولى في الحقبة المسيحية، أما النوع الثاني فأقرب إلى الفلسفة اليونانية في هدمها للأساطير في ذلك الوقت.

وتنشأ الحضارات من وجهة نظر ديورانت لا من العقود الاجتماعية، إنما عبر الاحتلال وهيمنة منتصر ما وفرض ثقافته على الطرف الأضعف. كما أن التحديات بمختلف أشكالها سواء أكانت طبيعية أم اقتصادية أو سياسية أو تغيرات على مستوى الكود الأخلاقي، كل ذلك يحدد ما إذا كانت حضارة ما ستقوى وتستمر، وذلك عبر العقول اللامعة القادرة على إيجاد الحلول لهذه التحديات، وتغيير مجريات الأحداث. أما عن سبب ظهور مثل هذه العقول اللامعة هو ببساطة وجود الأسس البيولوجية والنفسية الكافية.

اضمحلال الأمم كذلك لا يملك سببًا واحدًا محددًا، فإن أي تحدٍ سبق ذكره دون وجود مقومات للتغلب عليه قد يقوض حضارة ما وينهيها.
يختم ديورانت الفصل بفكرة أن الحضارات لا تموت، إنما يندثر إطارها ويتغير مكانها، ويبقى ما أنتجته من أفكار وعلوم وتراث مقروء، ليكمل في أماكن أخرى حيث تستفيد منه حضارات لاحقة وتضفي إليه.

هل التقدم حقيقي؟

يذكرنا الفصل الأخير من هذا الكتاب في البداية بضرورة تعريف التقدم.. فإذا اعتبرنا أن التقدم الحقيقي يكمن في التطور العلمي، فإن ذلك يجعلنا نصطدم بحقيقة أن التقدم العلمي في بعض الأحيان يجلب الكثير من الخراب ويزيد من براعة الشر وتطور الأسلحة وأجهزة الدمار، وإذا نظرنا إلى الجانب الفكري، فبإمكاننا أن نشكك كذلك في أن التغيرات التي طرأت على الفكر والفلسفة استطاعت تقديم كود أخلاقي يتفوق على نظائره في العصور القديمة؛ ذلك أن التغلب على التعصب الديني استبدل في كثير من الأوقات بالتعصب العرقي أو الوطني.

نقطة أخرى يشير إليها ديورانت هي أن حضارة معينة قد تحدد معيار التقدم الخاص بها. فتجد بلاد ما تصب تركيزها على الماديات والإنتاج العلمي، وأخرى على الفنون.. وهكذا دواليك.

وفي نهاية الفصل يعتقد ديورانت أنه في حال اعتبرنا أن التقدم يساوي تحقيق السعادة، فإننا على هذا النحو يمكننا تقريبًا أن ننفي تحقيق أي تقدم، أما إذا كان التقدم يعني المزيد من السيطرة على الطبيعة، فهذا يبدو معقولًا، ورغم المساوئ الجمّة إلا أنه قد ساعدنا في القضاء على كثير من الأمراض والمجاعات والمصاعب.

المصدر: دروس من التاريخ لويل وأريل ديورانت، عصير الكتب للطباعة والنشر-الطبعة الأولى – 2019

يمكنك قراءة ملخص كتاب قصة الفلسفة اليونانية لزكي نجيب محمود وأحمد أمين

.

ملخص رواية “بطل من هذا الزمان” لميخائيل ليرمنتوف

ملخص رواية “بطل من هذا الزمان” لميخائيل ليرمنتوف

“رب قصة نفس من النفوس مهما تكن صغيرة تكون أشيق وأنفع من قصة شعب بأسره” ميخائيل ليرمنتوف، رواية بطل من هذا الزمان.

اختلف بطل الرواية عن أبطال الروايات الذين نعرفهم فلم يكن شخصًا مثاليًا ولا حالم بل لم يصل لدرجة الإنسان السوي، فقد كان بتشورين صورة تضم رذائل جيل بأكمله يعيش حياة بلا هدف ولا أمنيات، لم يذق يوما طعم السعادة ولا الحب ولا الصداقة، أفنى سنوات حياته في الجمود والكسل.

تدور أحداث الرواية على لسان مسافر مجهول لم يذكر اسمه التقى في طريق سفرة بضابط مسافر يناهز عمره الخمسين يدعى مكسيم مكسميتش، عمل سابقًا كضابط حراسة في إحدى قلاع بلدته، وفي طريقهم حكى له عن مغامرات وقعت أثناء فترة خدمته، ومنها حكاية تبدأ بوصول بتشورين إلى القلعة ليقضي فترة خدمته فيها، كان بتشورين بالنسبة له رجل غامض وغريب يحب الوحدة ولا يتحدث إلا بكلمات مقتضبة تفي بالغرض مغرم بالصيد، قوي البنية يستطيع أن يصيد خنزير بري بمفرده، ومع ذلك توطدت علاقة جيدة بين مكسيم وبتشورين.

كان يقطن بالقرب من القلعة أمير يعرفه مكسيم جيدًا وعلى صلة وثيقة به، كان لديه صبي يدعى عزمت يعشق المال عشقًا كان يتردد على القلعة بين الحين والآخر، وفي يوم أتى الأمير إلى القلعة ليدعوهم إلى حفل زفاف ابنته الكبرى فقبلوا الدعوة مسرورين، وفي الحفل رأي بتشورين بيلا ابنة الأمير الصغرى وفتن بها وبملامحها البريئة وقدها الممشوق وبادلته الإعجاب هي الأخرى وأثنت عليه علنا.

لم يكن بتشورين وحده من أعجب بالأميرة الصغيرة فكان كازبتش قاطع الطريق يتابع الأميرة بعين متلهفة وقلب متقد، كان أهم ما يميز كازبتش حصانه القوي الذي يحسده عليه كل فرسان المنطقة، وأثناء الاحتفال دار حديث بين كازبتش وعزمت سمعه بالصدفة مكسيم مكسميتش، كان عزمت يساوم كازبتش على حصانه ولكن الأخير رفض رفضًا قاطعًا فاكفهر وجه عزمت وشعر بالمرارة تسير في حلقه هو الذي تعود أن ينال كل ما يريد الآن محروم من أكثر شيء أراده يومًا.

بعد انتهاء الحفل قص مكسيم على بتشورين ما سمعه من حديث بين كازبتش وعزمت، وجدها بتشورين فرصة ليظفر بما يريد وبدأ بتنفيذ خطته فكلما تردد عزمت على القلعة حدثه عن جمال حصان كازبتش وعراقته وقوته وأطال الحديث حتى يحمر وجه عزمت وتضرب الدماء في رأسه ويغضب لعدم امتلاكه الحصان.

وفي يوم وعد بتشورين عزمت أن يعطيه حصان كازبتش ولكن على شرط أن يخطف عزمت أخته بيلا ويحضرها إلى القلعة، وافق عزمت على الاتفاق وفي اليوم التالي استغل عزمت سفر والده وأحضر أخته مقيده إلى القلعة وسلمها لبتشورين الذي كان قد جهز كل شيء ودعى كازبتش إلى القلعة وشغله بالحديث حتى استطاع عزمت الفرار بالحصان، وعندما علم كازبتش أخذ يبكي كطفل رضيع وصمم على الانتقام.

ظفر بتشورين ببيلا ومكثت معه في القلعة، بذل جهدًا كبيرًا حتى ترضى عنه فأغدقها بأرق الهدايا وأجمل العبارات حتى تُيمت به، ولكن بعد مرور بعض الوقت سأم بتشورين من وجود بيلا وأصبح كثير الخروج للصيد مهمل لها جاف في معاملتها حتى ذبلت واصغر لونها وأكل قلبها الحزن.

خرج بتشورين للصيد كعادته ولكنه صمم على أخذ مكسيم معه وعند رجوعهما وجدا جلبة عند القلعة وحصان يعدو يحمل رجلًا ومعه إمرأة جريحة كانت هي نفسها بيلا، كان كازبتش استغل غيابهما عن القلعة واختطف بيلا ولكنهم أدركوه فأخذوها أما هو فاستطاع الهرب ولكن بعدما طعنها في ظهرها طعنة أودت بحياتها بعد عدة أيام من المعاناة والألم، وبعد دفن بيلا ذُعر مكسيم عندما رأى بتشورين يجلس على الأرض وينفجر ضاحكًا ثم دخل في مرض شديد ألم به وعندما شفي انتقل من القلعة ولم يراه مكسيم من حينها.

الكاتب ميخائيل ليرمنتوف

بعدما أنهى مكسيم سرد القصة كانا قد وصلا إلى قرية صغيرة ليمكثوا بها بضعة أيام منتظرين ما يسمى بالفرصة وهي مجموعة من البشر مؤمنة تعرف صعوبات الطريق للمدينة القادمة فتذللها، علم مكسيم فور وصولهم بأن بتشورين في نفس المدينة، عانى كثيرًا حتى استطاع الالتقاء به منتظرًا لقاء حار يحمل معاني الشوق والمحبة، ولكن خاب أمله عندما عامله بتشورين ببرود وجفاء حتى لم يلبي طلبه بالمكوث قليلًا ليتسامرا وأسرع في الرحيل، حزن مكسيم كثيرًا وتملكه الغضب فكاد أن يرمي بالمجلدات الخاصة ببتشورين التي تركها في القلعة وحملها هو معه طوال الوقت ليسلمها له فور اللقاء ولكن طلب منه المسافر أن يحتفظ هو بها فقبل بلا اهتمام.

كانت المجلدات هي نفسها يوميات بتشورين التي تضم الكثير من حكاياته المثيرة أثناء سفره من مدينة إلى أخرى، وكان ما لفت انتباهه وقتما سافر بتشورين إلى مدينة تقع بالقرب من سفح جبل ماشوك، كان سكان المدينة والسياح يصعدون إلى الجبل ليصلوا إلى عيون المياه للاستشفاء وكذلك فعل بتشورين فور وصوله وفي أثناء سيره التقى بصديق له يدعى جروشنيتسكي فتعانقا بحرارة، وأثناء حديثهما مرت إمرأة لها نصيب كبير من الوقار ومعها ابنتها الجميلة، أخبره جروشنيتسكي أنها الأميرة ليجوفيسكايا وابنتها ماري وكان يظهر الإعجاب الشديد على وجه جروشنيتسكي عند حديثه عن ماري.

رأى بتشورين صديقه يحاول التودد للأميرة ماري وهي كذلك تسعد بحديثه ومرافقته لها ومزحه الدائم، فتحركت الغيرة في قلب بتشورين وقرر أن يخطف الأميرة ماري من صديقه فهو أقل من أن تعجب به أميرة، حاول بتشورين جذب انتباه الأميرة بخطف الأنظار منها وتجمع الناس حوله لحكاياته الطريفة والمثيرة، كما أظهر عدم الاهتمام الواضح بالأميرة مما أثار غيرة الأميرة كثيرًا وزاد حنقها على بيتشورين وهكذا كانت خطته تسير على أكمل وجه.

وبعد مدة ليست بقصيرة بدأ بالحديث مع الأميرة وإظهار كل الاحترام والتقدير لها وجذبها بالحديث الممتع والشخصية الغامضة والمغامرات المختلقة حتى أعجبت به الأميرة وبدأت تنجذب إليه وتسأم من جروشنيتسكي وحديثه مما مزق قلبه وغضب من بيتشورين كثيرًا وأصبح يتجنبه في كل لحظة بل انضم إليه الكثير من الشباب وجمعهم كره بتشورين المخادع لفوزه بقلب الأميرة، وبعدما تمكن حبه من قلبها شعر بيتشورين بفوزه وتفوقه على كل هؤلاء برغم حزنه الشديد من كرههم له إلا أنه شعر بالنصر، وبعدها صارح الأميرة أنه لم يحبها يومًا، صارحها بمنتهى القسوة أنه لا يريدها في حياته بعد الآن، مرضت الأميرة من صدمتها ولازمت الفراش فترة طويلة جدًا.

في أثناء لعب بتشورين بقلب الأميرة الصغيرة، علم بأن فيرا تلك الفتاة التي عرفها منذ زمن موجودة في المدينة ومتزوجة من قريب الأميرة ماري فأعاد الوصل معها وكان يمضي معها معظم وقته، وفي يوم كان بتشورين يهبط من نافذة فيرا رآه جروشنيسكي ورئيس الضباط ولكنه استطاع الهرب، ولم يسكت جروشنيتسكي بل فضحه أمام الجميع ولكن لا إثبات على ذلك فأنكر بتشورين كل شيء وطالبه بالاعتذار له فرفض جروشنيتسكي رفضًا قاطعًا ودعاه إلى المبارزة وقبل بتشورين بحماس.

عندما حان وقت المبارزة علم بتشورين بالخدعة التي دبرها جروشنيتسكي ورئيس الضباط، فقد اتفقوا على أن يملأوا سلاح جروشنيتسكي فقط بالبارود ويتركوا سلاح بتشورين فارغًا، ولكن بتشورين كان دائمًا له خطة وعندما وصلوا مكان المبارزة أخذ جروشنيتسكي دوره أولًا، شرع بتشورين في الحديث مع جروشنيتسكي يحثه على التراجع والاعتذار وانهاء كل شيء مع ذكر عبارات أنهم كانوا يومًا ما أصدقاء لعلمه أن هذا النوع من الحديث سوف يؤثر في قلب جروشنيتسكي ويهزه ويصعب عليه الحالة، ولكن جروشنيتسكي قرر إطلاق النار فلا مجال للتراجع الآن وبسبب اهتزازه وتوتره لم تصب الطلقة بتشورين إلا بجرح في ركبته.

والآن حان دور بتشورين فنادى مساعده بصوت مسموع وأخبره أنهم نسوا أن يملأوا سلاحه بالبارود وأمره أن يملأه وهنا اصفر وجه جروشنيتسكي وعلم أنها نهايته ولكن لم يستطع الاعتراض، وأطلق بتشورين على جروشنيتسكي طلقة أودت بحياته، وبعدها سافر بتشورين من المدينة ليكمل رحلاته الغريبة.

لم يكن بتشورين سعيدًا بأفعاله وما وصلت إليه نفسه ولكن فات الآن أوان التغيير، كان بتشورين ضحية لسوء المجتمع الذي نشأ فيه وقال عن نفسه:

“إن لي نفسًا أفسدتها حياة المجتمع الراقي، وخيالًا قلقًا، وقلبًا لا يشبع من جوع، لا شيء يرويني، فسرعان ما آلف الألم واللذة كليهما، وإن وجودي ليزداد فراغًا يومًا بعد يوم”

يصف ما وصلت إليه نفسه من نعومة أظافر حتى سن الشباب الحالية التي وصل إليها، فمنذ صغره كان جميع الناس يقرأون في وجهه علامات الشر وهو بريء منها ولكنهم أصروا على افتراضها فنبتت بداخله وتأصلت، ووصفوا خجله بالمكر فأصبح كتومًا لا يفرغ ما في قرة نفسه إلى أحد، ولم يشعر بعطف أحد فأصبح حقودًا يميل إلى الانتقام، ذبلت روحه وحزنت نفسه وتملكت منه مشاعر الحسد والسوء، ولم يفهمه أحد فتعلم أن يكره الجميع.

ملخص “حلم رجل مضحك” للكاتب فيودور دوستويفسكي

للمزيد من ملخصات الكتب

رحلة ابن فطومة ، ملخص رواية للكاتب نجيب محفوظ

رحلة ابن فطومة ، ملخص رواية للكاتب نجيب محفوظ

“عم تبحث أيها الرحالة؟ أي العواطف يجيش بها صدرك؟ كيف تسوس غرائزك وشطحاتك؟ لم تقهقه ضاحكًا كالفرسان؟ ولم تذرف الدمع كالأطفال؟” نجيب محفوظ، رواية رحلة ابن فطومة

يُحكى أن التاجر محمد العنابي الفاحش الثراء أنجب سبعة من التجار وقد جاوز الثمانين بصحة وعافية، وعندها رأى الجميلة فطومة الأزهري فتزوجها وأنجب منها فتى يدعى قنديل ولكن أخوته أطلقوا عليه ” ابن فطومة ” ثم مات أباه وهو لم يكد يحفظ شكله، ربته أمه واعتنت به على أكمل وجه فقد ترك لهم أباه ثروة تضمن له ولأمه رغد العيش حتى الممات، كانت حياته تدور حول أمه وشيخه الذي كان يعلمه، كان الشيخ قدوته وناصحه الأمين وكان دائمًا ما يحدثه عن رحلاته المتعددة والتي كان هدفها الوصول إلى دار الجبل تلك الدار التي يطلق عليها دار الكمال ولم يصل إليها أحد من الرحالة من قبل ومن وصل لم يرجع منها أبدًا، وقد اضطر الشيخ لإلغاء رحلته بسبب حدوث حرب أهلية منعته.

كان حلم قنديل أن يقوم برحلة مثل شيخه ولكن لن يستسلم حتى يصل إلى دار الجبل، وعندما شب قنديل فتنته فتاة تدعى حليمة في قريته وعزم على الزواج منها وذهب لخطبتها مع والدته وقبل أن يتم الزواج طلبها حاجب الوالي من أبيها فلم يستطع أبوها الرفض بسبب ضعف قوته وقلة حيلته أمام الوالي وحاجبه، فذاق قنديل مرارة الخسارة وانفطر قلبه على محبوبته.

بعدما خاب أمل قنديل في الحب قرر أن يلحق بحلمه ويقوم برحلة مثل شيخه، فجهز حاله وانطلق مع قافلة من التجار إلى أول بلد في خريطته وهي دار المشرق عازما على أن يدون كل ما يراه في كتاب ينشره بعد إنهاء رحلته.

الكاتب نجيب محفوظ

دار المشرق:

سار قنديل مع القافلة عقب صلاة الفجر حتى بلغ حدود دار المشرق، قابلهم مدير الجمرك وتبعهم الحرس فمضى التجار إلى السوق أما قنديل فذهب إلى فندق الغرباء ودخل غرفته والتي كانت بدائية جدًا تنم عن فقر شديد وأوى إلى فراشه مرهقًا لما لاقاه من مشقة في سفره.

عندما استيقظ في الصباح توالت عليه الصدمات بداية من أنه منع من الصلاة وممارسة شعائره الدينية في البلدة، وعند خروجه من الفندق رأى أهل البلاد جميعهم عرايا تكسوهم الأوساخ ويعلوا وجوههم الفقر والمعاناة، أما العري فقد كان العادة المألوفة لأهل البلاد ولا تلتفت أنظارهم إلا لمن يرتدي الثياب.

كانت البلدة شبه فارغة وكأنها امتداد للصحراء لا بيوت ولا حواري ولا شوارع يوجد فقط أرض على جوانبها أعشاب ترعى فيها الماشية، ويعيش أهل البلدة في خيام متناثرة يتجمع أمامها النساء يقمن بأعمالهن المعتادة من غزل وحلب للأبقار والماعز

وفي أثناء تفقده للبلدة وجد قصرًا كبيرًا في مكان معزول عن القرية تحيطه أشجار عالية ومحروس بعدد كبير من الفرسان المدججين بالسلاح، فكان جمال القصر شاذًا عن قباحة المكان فتصور أن يكون قصر الحاكم، ولكن عندما رجع للفندق سأل صاحبه عن القصر فأجابه بأن دار المشرق عبارة عن عاصمة وأربع مدن لكل مدينة سيد وهو مالك القصر ويعتبر مالك المدينة وكل الناس عبيد عنده وينفرد وحده بالخدمات الطبية والعلمية هو وأولاده، أما من يمرض من السكان فينعزل في خيمته حتى يبرأ أو يموت.

أما عيد الإله عندهم كان دربًا من الجنون، كان أهل البلاد يعبدون القمر وكان العيد يوم أن يكون القمر بدرًا يلمع في كبد السماء، كانوا يتجمعون في ساحة واسعة يملأونها بالهتافات وصيحات الفرح والتحفظ وعند ظهور القمر يصل الكاهن ويصفق بيده فتنطلق الحناجر بنشيد زلزل الأرض وعندما انتهوا خطب فيهم الكاهن بوصايا الإله  أن يبتعدوا عن الخصام ويحترسوا الشر والحقد الذي يفري الكبد وكيف أن الطمع خصلة مقيتة وأن يتمتعوا ويمرحوا ويقضوا على الوساوس بالرضى وعندما انتهى بدأ الرقص واندمج الجميع في غرام شامل تحت ضوء القمر.

وبعد أن قرر قنديل الرحيل مع القافلة رجع عن قراره عندما رأى تلك الفتاة التي تسمى عروسة والتي كانت تشبه حليمه محبوبته، فقرر الزواج منها ولكن تم الزواج على عادات البلدة فينسب الأبناء لأمهم وتستطيع  زوجته أن تتركه في أي وقت متى سأمت منه، عاش قنديل مع زوجته في سعادة وكاد أن ينسى هدف رحلته وأنجب منها أربعة أولاد حاول تنشأتهم على تعاليم بلده ودينه  ولكن رفضت زوجته ذلك وثار عليه أهل البلدة وأجبروه على الخروج من دار المشرق وترك زوجته وأولادها.

دار الحيرة:

بعد خروج قنديل من دار المشرق قرر إكمال رحلته فذهب مع القافلة إلى دار الحيرة وعند وصولهم أمرهم مدير الجمرك أن يتبعوا التعليمات وإلا لاقوا المتاعب، ذهب قنديل إلى الفندق فوجد غرفته على قدر من الرفاهية على عكس دار المشرق، وفي نفس الليلة التي وصل فيها شاهد تجهيزات جيش الحيرة يستعد للحرب على دار المشرق ورحب أهل الحيرة بالحرب ظنًا منهم أنها لتحرير شعب من طغاته الخمسة، ولكن الهدف الحقيقي وراء تلك الحرب كان الطمع في المراعي وكنوز السادة والحكام، شعر قنديل بالقلق على عروسة والأبناء فقرر البقاء في الحيرة حتى يكون قريبًا منهم أملًا في أن يجدهم يوما ما.

في أثناء تجول قنديل في البلدة وجد قصر الملك والذي هو نفسه الإله الذي يعبده أهل البلاد، وفي يده السلطة الكاملة فتذكر قنديل الوالي في بلاده وسلطته الكبيرة وهيمنته على كل موارد البلاد واحترام الناس الزائد له وخوفهم منه، وفي أثناء فحصه للقصر وجد حقل من الأعمدة مسور بسياج وعلى تلك الأعمدة رؤوس بشرية منفصلة عن أجسادها فارتعد قلبه وسأل الحراس فعرف منهم أن تهمة أصحاب الرؤوس هي الخيانة والتمرد على الإله.

وكانت البلاد تنتهج فلسفة معينة فقد كان الحاكم وأصفياؤه قادة المصانع والأرض لهم القداسة والاحترام والكثير من المزايا أما بقية الناس فلا قداسة ولا مواهب ولا أمل في حياة أفضل فهم يعملون بالأشغال اليدوية ويوفر لهم الحاكم اللقمة فلا امتيازات لهم بعد ذلك، فقد كان التعليم والعناية الطبية من حق الصفوة أما الآخرين فيجيب عليهم تقوية مواهب الطاعة والقناعة والانقياد.

وعندما عاد الجيش من بلاد المشرق منتصرًا انتظر قنديل أن يجد عروسة في سوق العبيد حتى يشتريها وبالفعل وجدها وحصل عليها وذهبت معه إلى الفندق منهارة وأخبرته كيف قتلوا أبيها ولم تجد أبناءها أبدا وأخذوها أسيرة، ولكنها وجدت السعادة من جديد عندما وجدها قنديل ولكن تلك السعادة لم تدم لأن حكيم البلدة أرادها لنفسه فوجد قنديل نفسه متهمًا بالسخرية من دين البلاد وحاكمها وحكم عليه بالسجن مدى الحياة.

وبعد عشرين عامًا خرج قنديل من السجن بعد ثورة أطاحت بالملك وصفوته وأمر الملك الجديد بتحرير كل ضحايا الملك الظالم من السجن، فخرج قنديل وعمره يناهز الخمسين ضعيف يرثى لحاله وقرر البقاء في الحيرة حتى يسترد قواه ثم يكمل رحلته إلى البلدة القادمة وهي دار الحلبة.

دار الحلبة:

عندما وصل قنديل إلى دار الحلبة دهش أن مدير الجمرك لم يحذرهم ولم يلقي عليه أي تعليمات فأخبره قائد القافلة أن هذه بلد الحرية الشاملة وأن كل إنسان فيها حر ومسؤول عن تصرفاته، وفي أثناء سيره في شوارع البلدة أعجب بجمالها وجمال عمرانها، ولكنه شهد لتجمع من رجال الشرطة يحققون في جريمة قتل وعلم أن مثل هذه الجرائم شائعة في هذه البلدة، كما شاهد مظاهرات من رجال ونساء تسير بحرية ويتبعهم رجال الشرطة دون المساس بهم.

فاق قنديل من دهشته على صوت الآذان ينطلق من أحد المساجد الصغيرة فاتجه للجامع مستطار القلب وسرعان ما ذهب للمسجد وتوضأ ووقف في الصف يصلي وعند انتهاء الصلاة ذهب إلى الإمام وقبله وكأنه وجد أحدًا من أهله، وعلم منه أنه هذه البلدة متعددة الديانات وكل شخص يدين بالدين الذي يريده.

أما نظام الحكم في البلاد فكان الرئيس ينتخب تبعًا لمواصفات أخلاقية وعلمية وسياسية ومدة حكمه عشر سنوات وبعدها تجرى انتخابات جديدة، وكما تضم البلاد أغنياء وفقراء فهي تضم أيضا لصوص وعاطلين وقتله.

دعاه الشيخ إلى بيته وهناك تعرف على زوجته وابنته ودهش من جرأتهما في الحديث على عكس نساء بلدته الأولى ومشاركتهم الطعام على طاولة واحدة وذلك لم يعهده أيضا حتى مع أمه وأعجب كثيرًا بابنته سامية وذكائها اللامع وملاحة وجهها.

بعد أيام علم أن الحرب ستدور بين دار الحلبة والحيرة وغاض قبله لسماع تلك الأخبار وراع لفكرة ملاحقة الحرب له أينما ذهب، وقرر البقاء حتى تستتب الأمور وتزوج من سامية ابنه الشيخ والتي غيرت فكرته عن النساء تمامًا فقد كان يرى قبلها أن المرأة ما هي إلى متعة للرجل أما سامية فكانت مختلفة تحب النقاش والمجادلة وذكاؤها لامع يثيره ويدهشه.

كانت حياته مستقرة لكنه لم ينس حلمه في السفر والترحال والوصول إلى دار الجبل فسمحت له سامية بالذهاب على شرط أن يرجع لها بعد الوصول إلى هدفه.

دار الأمان:

وصل قنديل لدار الأمان دار العدالة الشاملة وقبل ذهابه إلى الفندق نقلوه إلى مركز السياحة وهناك تم تعين مرافق خاص يلازمه طول الرحلة لا يتركه أبدًا حتى أنه يقيم معه في نفس الغرفة.

في اليوم التالي خرج قنديل ومرافقه لتفقد المدينة وهاله الخلاء، الميدان خالي تمامًا ولا يوجد بشر في الشوارع وكأنها مدينة خالية مهجورة وعندما سأل قنديل المرافق أخبره أن جميعهم في أعمالهم نساء ورجال، وأخذ يحدثه باعتزاز عن النظام المتبع في البلاد والذي يهدف لتحقيق عدالة حقيقية حتى في العمل، وكلهم في مستوى واحد للمعيشة تقريبا وكل البيوت على نفس المستوى فلا سرايا ولا قصور وحتى أقل أجر يكفي لإشباع  ما يحتاجه الإنسان المحترم.

وعلم قنديل أن لهم نظامًا غذائيًا يحتوي على كل العناصر المطلوبة لذلك فإن معظم كبار السن يتمتعون بصحة ممتازة، وفي نهاية اليوم رأى قنديل الشوارع تمتلأ بالبشر وكأنهم موج هادر ولكن في نظام وترتيب تعلو وجوههم قسمات جادة مرهقة، ثم خف الزحام وذهب كل واحد منهم إلى بيته يستعد ليوم عمل جديد.

وكان نظامهم السياسي رئيس منتخب تنتخبه صفوة منهم وتمثل رجال الصناعة والزراعة والحرب والأمان والرئيس هو المهيمن على الجيش وكل مجالات الحياة، أما الرعايا فهم مجرد موظفين  يعملون كل واحد منهم في مجاله ولا يجوز أن يتدخل أحد منهم في مجال غير مجاله.

أما في يوم العيد رأى قنديل رئيسهم وصفوته مجموعة من الرجال السمان مقارنة بأجسام الشعب الهزيلة، وصعد الرئيس يخطب فيهم وبعد انتهاء الخطبة اخترقت الميدان ثلة من الفرسان شاهرة رماحها وقد غرست فيها رؤوس بشرية كانت للمتمردين والخونة، ثم غادر قنديل البلاد وهو في حيرة من أمر هذه البلاد العجيبة.

دار الغروب ومنها إلى دار الجبل:

اتجه قنديل مع القافلة إلى دار الغروب تلك الدار التي تسبق دار الجبل مباشرة، وقد كانت الأغرب بين كل ما زاره قنديل أهلها صامتون لا يفعلون شيئا سوى الالتفاف حول شيخهم في الغابة والشروع في الغناء المتناغم بهدف الوصول إلى روح نقية تناسب الرحيل إلى دار الجبل، اشترك معهم قنديل في هذه الطقوس أملًا أن ينال مراده وينتقل إلى دار الجبل، ولكن قبل أن يتم ذلك اقتحم جنود دار الأمان دار الغروب وهجروا أهلها إلى دار الجبل واعتبروا كل من تخلف عن القافلة من أسرى الحرب.

غادرت القافلة ووصلت إلى جبل عال تقع فوقه المدينة المرادة، وقبل أن يدخل قنديل إلى المدينة أعطى كل ما كتبه إلى صاحب القافلة وطلب منه أن يعطيه إلى ما تبقى له من أهله في داره الأولى وفرد دفترا جديدًا خاصًا لدار الجبل ولكن لم يرد في أي من كتب التاريخ ذكر لصاحب هذه الرحلة بعد ذلك ولا أحد يعلم ماذا حدث، فهل وصل أم هلك؟ وهل أقام بها لآخر عمره أم استماع الرجوع إلى وطنه؟ وهل يعثر ذات يوم على مخطوط جديد لرحلته الأخيرة؟ لا أحد يعلم.

ملخص رواية بداية ونهاية لنجيب محفوظ

للمزيد من ملخصات الكتب

ملخص كتاب مغامرة العقل الأولى للكاتب فراس السواح

ملخص كتاب مغامرة العقل الأولى للكاتب فراس السواح

اعتبر الكاتب الأساطير أنها نتاج محاولات الإنسان المتتابعة في كشف حقيقة العالم والحياة وإدراك البدايات وسعيه الدائم لفهم كل ما يدور حوله، فالفكر الإنساني لا يقف عند إطار معين ولا تعيقه حدود الزمان والمكان.

في القرن الثامن عشر كانت الأساطير تتهاوى أمام الفلسفة والدين وتبلور المناهج العلمية، فدنت مكانة الأسطورة إلى مرتبة الحكاية الشعبية أو الخرافة لأن ما تحتويه يتنافى تمامًا مع التفكير العلمي الحديث، ولكن مع بداية القرن التاسع عشر والذي جلب معه ثورة فنية وجمالية أعادت للأسطورة مكانتها كشكل فني من أشكال الفلكلور الشعبي، واعتبرت الأسطورة في ذلك الوقت أصلًا للفن والدين والتاريخ ولم تقف عند ذلك فقط بل إنها أثرت في العلوم الإنسانية كذلك بسبب احتوائها على رموز كامنة ومعان عميقة، كما ظهر في هذا القرن فرع جديد من العلوم وسمي بالميثولوجيا والذي يعني بدراسة علم الأساطير.

أما مع نهاية القرن التاسع عشر ظهرت مدارس عدة تهدف إلى تقديم نظريات شاملة متكاملة في تفسير الأساطير وبيان بواعثها، فاعتبروا الأسطورة أيضًا فنًا أدبيًا وحكمة وتراكم لنتاج الفكر الإنساني في مجال الأدب فهي تأخذ شكل حكاية لتعبر عن الطابع الفني والفكري والأدبي لشعب من الشعوب، كما أن الأساطير ارتبطت بالظواهر الطبيعية والكثير منها يرتبط بالقمر والشمس والماء وغيرها، فجاءت مفسرة للأسباب الكامنة وراء الكثير من هذه الظواهر.

حاول الكثير من العلماء دراسة الأساطير من اتجاهات مختلفة فرأى عالم الأنثروبولوجيا مالينوفيسكي أن الأسطورة تنتمي للعالم الواقعي وتهدف إلى تحقيق غاية علمية ولا علاقة لها بالبواعث النفسية، أما عالم النفس الشهير سيجموند فرويد فرأى تشابهًا في آلية عمل الحلم والأسطورة فهما نتاج للعمليات النفسية اللاشعورية، ففي الأسطورة كما في الحلم تقع الأحداث حرة خارج قيود الزمان والمكان وتعبر عن الرغبات المكبوتة، وهذا ما اتفق معه فيه تلميذه يونغ أن الأسطورة نتاج اللاشعور ولكن اختلف معه أن الأسطورة كالحلم.

ثم جاء فراس السواح ليضع الفروق الجوهرية بين الحكايات الشعبية والأساطير، فاعتبر الأسطورة نظام فكري متكامل يستوعب قلق الإنسان وتوقه الأبدي لكشف الغوامض، والأسطورة حكاية مقدسة يلعب دورها الآلهة وأنصاف الآلهة تنتقل من جيل إلى جيل بالرواية الشفهية بجانب حفظها مكتوبة على ألواح فخارية حفظت في المعابد ومكتبات الملوك، أما الحكايات الشعبية هي كالخرافة لا تحمل طابع القداسة ويلعب دورها بشر عاديين ولا تتطرق إلى موضوعات الحياة والقضايا المصيرية ولكنها تقف عند حدود الأمور الدنيوية العادية.

ثم ينتقل فراس السواح إلى أساطير الشرق القديم والتعريف بالأسطورة في سوريا وبلاد الرافدين، مع عرض لنص تلك الأساطير الحقيقي معتمدًا على أكثر من ترجمة لضمان الوصول إلى فهم متكامل للأسطورة.

سفر البداية

يقول الكاتب أن مسألة بدء العالم والحياة وخلق الإنسان هي أولى المسائل التي ألحت على العقل البشري لذلك لا نجد شعبًا من الشعوب إلا ولديه أساطيره الخاصة التي تفسر نشأة الكون والحياة.

تبدأ كل أساطير التكوين في منطقة سوريا وبلاد الرافدين بحالة من السكون والعماء المائي فلا تمايز ولا تشكل فيه فقط حالة هدوء شاملة وكأنه العدم، وفي لحظة معينة يذوب كل هذا السكون وسط صخب ناتج عن ولادة آلهة جديدة وينبثق الكون من لجة العماء فتبدأ الآلهة في خلق العالم ووضع أسس للكون والحياة ويبدأ الزمن الذي نعرفه الآن.

وكان لابد من تكرار دوري لفعل الخلق الأول في كل عام، ففي كل سنة يُخلق العالم من جديد وذلك يحدث بمساعدة البشر عن طريق قيامهم ببعض الطقوس التي تشد أزر الآلهة ضد القوى التي تتصدى لحركة الكون، ويمكن اعتبار هذا تفسيرًا للاحتفالات الدينية في رأس السنة والتي بدأت في بابل وما زالت موجودة حتى يومنا هذا.

وقد ذكر الكاتب النصوص التي تذكر بداية الخلق عند السومريين، وذكر كذلك الملحمة البابلية الشهيرة التي تمثل خلق الكون والتي تسمى ” الإينوما إيليش” مع ذكر نصوص أخرى في التكوين، كما ذكر التكوين الكنعاني الذي وجدت الألواح الخاصة به في مدينة أوغاريت على الساحل السوري، وأخيرا التكوين التوراتي معتمدًا على ما كتبه العبرانيون عن أنفسهم في التوراة باعتباره تاريخًا.

سفر الطوفان

بعد خلق البشر على الأرض بمدة قصيرة أدرك الآلهة أن البشر لم يحققوا الغاية الأساسية من خلقهم وعاثوا في الأرض مفسدين وخالفوا أمر الآلهة، فتقرر بعض الآلهة إفناء حياة البشر مع الحفاظ على ما أنجزه الإنسان على الأرض عن طريق إنقاذ مجموعة صالحة من البشر لتبني مدن ومجتمعات جديدة بعد انتهاء الدمار.

تختار الآلهة واحدا من البشر ويكون أصلحهم وتوكل إليه مهمة إعمار الأرض بعد الدمار ويكون هو المنقذ لمجموعة من البشر الصالحين والحيوانات وكل ما يلزم لتعود الحياة مرة أخرى، وتعتبر هذه الخطوط العريضة التي تتشابه فيها أساطير الطوفان السومرية والبابلية والعبرانية.

أساطير الدمار

تروي أساطير الدمار أحداث لا تقل رهبة عن أحداث الطوفان ولكن هذه الأحداث لم تكن دمارًا شاملًا وإنما كانت دمار جزئي يتوقف عند نقطة معينة قبل أن يقضي على الحياة، واعتبر الكاتب هذه الأساطير نوع من أنواع التعبير عن طاقات البشر التدميرية الكامنة، أو أنها كانت تبريرًا وتعليلًا لكوارث حقيقية حدثت بالفعل وجاءت الأسطورة تروي تساؤلات البشر.

ذكر الكاتب الكثير من الأساطير ومنها الأسطورة البابلية التي تحكي انتشار الطاعون في البلاد والذي كان سببًا فيه الإله (إيرا) إله الطاعون والأوبئة الفتاكة، كما جاءت الأسطورة التوراتية معبرة عن محاولات موسى في إقناع فرعون أن يسمح له ولشعبه بالخروج من أرض مصر ولكن تذهب محاولاته هباءًا، فيشكيه موسى إلى ربه يهوه فيلقي يهوه بالأهوال على رأس فرعون وشعبة فتمتلأ الآبار بالدماء وتنتشر الأمراض والأوبئة وتموت الحيوانات وتخرب الأرض والمزروعات.

سفر التنين

كما علمنا من الأجزاء السابقة أن قبل الخلق كان هناك حالة من العماء المائي والسكون وبعد الخلق أصبح الكون في حالة من الفوضى والصخب، فظلت الآلهة القديمة في حالة حرب لتعيد للكون سكونه البدئي، وتفعل ذلك بمساعدة بعض الكائنات الخارقة ورأى الكاتب أن اتباع المنطق الفرويدي يوصلنا إلى أن تلك الكائنات تمثل قوى اللاشعور الفردي التي تناقض دائمًا الوضع الحضاري للإنسان وتقتحم عالم الشعور.

نقش سومري يظهر فيه شكل التنين

سفر الفردوس المفقود

طالما كانت الفردوس هي الأمل البعيد للبشر النور الذي يشع في نهاية نفق الحياة الشاقة وتعبير سلبي لدى كل الشعوب عن رغبة في التعبير لم تخرج إلى حيز الفعل.

فمثلًا الجنة السومرية قد مثلت بأرض نقية خضراء خاصة في أسطورة “دلمون” التي تحدثنا عن أرض دلمون المكان الطاهر النظيف حيث لا تنعق الغربان، المكان الذي يعيش فيه إله الماء العظيم عند السومريين الإله ” إنكي” وزوجته ” ننخرساج” التي تمثل الأرض الأم، وهنا تتشابه الأسطورة السومرية مع الفردوس التوراتي حيث عاش آدم وحواء وجاءت الأسطورة البابلية مشابهه لهم وبالأخص مع الجنة السومرية ففي الأساطير البابلية اعتبرت دلمون مكانًا للخالدين، لذلك فإن دلمون تعتبر الجنة السومرية البابلية.

سفر قابيل و هابيل

بما إن المجتمع السوري القديم كان يقدس الزراعة بشكل كبير فنرى في النصوص السومرية الثلاثة التي ذكرها الكاتب والتي تحكي التنازع بين المزارع والراعي تكون دائمًا الغلبة للمزارع على الراعي.

وكذلك يسير النص التوراتي على خطى النصوص السومرية فيذكر حكاية ابني آدم وحواء قايين والذي اشتغل بالزراعة وهابيل الذي اشتغل بالرعي، فقاما بتقديم قربانًا للرب فقدم هابيل ذبائح وقدم قايين ثمار الأرض التي يزرعها فتقبل الرب هابيل ولم يتقبل قايين، فدفعت به الغيرة إلى قتل أخيه.

في النص التوراتي تظن في البداية أن الغلبة للراعي على المزارع ولكن بعد ذلك ترى مصير المزارع المفجع، وقد فسرها الكاتب أن اليهود كانوا قوم رعاة قبل استقرارهم وانشغالهم بالزراعة وبناء المدن لذلك فهم يكنون احترامًا لتاريخهم الرعوي.

سفر العالم الأسفل

إن دورة الحياة والموت والبعث كانت الفكرة المركزية في الدين والأسطورة ويتمركز حولها لاشعور الإنسان في الماضي والحاضر، فنجد من خلال الرموز في الأساطير القديمة أن الموت لم يكن أبدًا مرحلة نهائية ولكنه اعتبر دومًا بمثابة عبور الإنسان من حالة إلى حالة أخرى تختلف كثيرًا عن الحالة التي ألفاها على الأرض، وبالتالي فلم يكن خوف الإنسان الكامن من الموت خوفًا من الفناء ولكنه كان خوفًا من المجهول.

كان العالم السفلي في سوريا وبلاد الرافدين عبارة عن عالم يقع تحت عالمنا وأطلق السومريون عليه اسم “كور”، حيث تمضي إلى هذا العالم أرواح جميع الموتى دون تمييز بين الصالح والفاسد والغني والفقر ويحتفظ الكل بمكانته التي كانت على الأرض فالأمير يظل أميرًا والعبد يظل عبدًا.

وهذا العالم يقع خلف سبعة جدران وله سبعة بوابات حصينة عليها حراس غلاظ شداد ويُقاد القادم عبر البوابات السبعة بعد أن يُنادى باسمه حتى تسمعه أرشكيجال (إلهة العالم السفلي) وعند كل بوابة يتخلى عن شيء من متاعه وملبسة إلى أن يصل أمام أرشكيجال عاريًا.

نزول الإله أوتو (إله الشمس) للعالم السفلي

سفر الإله الميت

بعد خلق العالم تتخذ الآلهة الكبيرة من السماء مسكنًا لها وتبتعد عن البشر وصخبهم مفسحة المكان للآلهة الأصغر التي تلقى الاحترام والتبجيل من البشر مثل آلهة الخصوبة والظواهر الكونية ولا يلجأ البشر إلى الآلهة الكبيرة إلا في حالة الأخطار العظيمة مثل الأوبئة أو العواصف والأعاصير.

كانت من أكثر الظواهر الطبيعية المحيرة بالنسبة للبشر هي فكرة اخضرار الطبيعة وازدهارها في وقت من السنة ويبوسها في الوقت الآخر، وقد غلبت على أساطير الشرق القديم فكرة موت الطبيعة وانبعاثها من جديد وكأن الموت هو الوجه الآخر للحياة، وتتجدد الطبيعة بموت إله وتضحيته بنفسه من أجل استمرار الحياة، وتعتبر حياة الإنسان على الأرض نوع من الخلاص يحمله الإله الميت لبني البشر.

هجرة الإله الميت

كثيرا ما تتشابه الأساطير في جوهرها من مكان إلى مكان فكلها في الأصل تعبير عن دوافع دفينة واحدة، فنجد أن أسطورة الأم الكبرى أو الروح الإخصابية الكونية وحبيبها المفقود الذي تبحث عنه في كل مكان انتقلت من سوريا وبلاد الرافدين إلى بقية أنحاء العالم، فمثلًا تتشابه الأسطورة المصرية ” إيزيس وأوزوريس” مع أساطير أخرى في سوريا وبابل، ونجد أن بلاد الإغريق عندهم نفس الأسطورة ممثلة في أسطورة ” أفروديت وأدونيس” وغيرها من الأساطير التي تسير على نفس المنوال.

إيزيس وأوزوريس

السيد المسيح ( آخر المخلصين)

كان قلة من اليهود يتوقعون ظهور المهدي المنتظر أو المسيح لينقذ الشعب من اضطهاد الرومان ويبني ملكوت الرب على الأرض، وعندما صلب المسيح رأوا أنه غادرهم لأن البشر ليسوا مؤهلين للدخول في ملكوت الرب بعد.

وقد واجهت المسيحية الكثير من الصعاب قبل انتشارها ولكنها انتشرت بصورة واسعة في البداية لدى أفراد الجاليات اليهودية في الإمبراطورية الرومانية ثم بعد ذلك انتشرت بين أفراد من غير اليهود، وكان المسيح بمثابة الإله الميت الذي ذكر في الأساطير، فقد ولد من أم عذراء وجاء مبشرًا لرسالة جديدة ثم عانى وتألم ومات في سبيل خلاص البشرية.

للمزيد من ملخصات الكتب

ملخص رواية “العمى” للكاتب جوزيه ساراماغو

ملخص رواية “العمى” للكاتب جوزيه ساراماغو

“المعجزة الوحيدة التي نستطيع تحقيقها هي أن نستمر في العيش ، نحافظ على هشاشة الحياة من يوم إلى آخر” جوزيه ساراماغو، رواية العمى

تبدأ الحكاية عند إحدى إشارات المرور في أحد شوارع المدينة عندما أضاءت الشارة منبهة السيارات للعبور حدثت جلبة شديدة بسبب عدم تحرك سيارة واحدة في الأمام، ظن الناس في البداية أن هناك عطل ما في السيارة ولكن كان السبب أغرب من ذلك بكثير فقد عمى صاحب السيارة بدون أي مقدمات ولكن كان هذا العمى مختلفًا فقد كان عمى لونه أبيض وكأنه سقط في بحر حليبي لا يرى شيئًا سوى البياض، عرض أحد المارة مساعدته وأوصله لبيته ثم سرق سيارته وهرب.

ذهب الرجل مع زوجته لطبيب العيون ليرى أين المشكلة، دخلوا العيادة فوجدوا فيها مرضى آخرين في انتظار مقابلة الطبيب، كهل ذو عين معصوبة وفتاة ترتدي نظارة سوداء وطفل صغير مع أمه، دخل الأعمى مع زوجته إلى الطبيب وبعد الفحص لم يجد أي مشكلة في عينيه فقد بدتا سليمتين تمامًا فأمره الطبيب بإجراء بعض التحاليل لمعرفة ما سبب هذه الحالة الغريبة.

رجع الطبيب إلى بيته في حيرة تامة فلم يمر عليه حالة كهذه من قبل ويكاد يجزم أنها لم تمر على أحد من زملائه أيضًا، حكى لزوجته ما حدث وذهب ليراجع بعض المراجع عله يجد ما يفيد ولكن وبدون مقدمات وجد نفسه يسبح في بحر حليبي، قد أصابه العمى هو الآخر.

أحس الطبيب بخطورة الأمر وفكر أن يكون عمى هذا الرجل معديًا، حاول أن يكلم الجهات المسؤولة لينبههم بقدوم جائحة في الطريق ولكن لم يستمع إليه أحد، حتى وجدوا المزيد من الحالات فأخبروه أن يحضر نفسه سوف تنقله سيارة إسعاف مع الآخرين، وعند حضور السيارة ادعت زوجته بأن العمى أصابها هي الأخرى حتى تكون مع زوجها.

تم نقلهم إلى مبنى قديم ومتهالك كان يستخدم كمستشفى للأمراض العقلية سابقًا وأرشدهم إلى الغرف الجنود عبر مكبرات الصوت ووعدوهم بتقديم الطعام بانتظام كل يوم وأمروهم بالالتزام التام وعدم محاولة الخروج والاهتمام بنظافة المكان لأنها مسؤوليتهم الخاصة.

تم وضع العميان في جناح والمخالطين لهم في الجناح المقابل، كانت الغرفة الأولى من جناح العميان تضم الطبيب والأعمى الأول وسارق السيارة الذي عمى هو الآخر بعد سرقته تلك والفتاة ذات النظارة السوداء والطفل الصغير وموظف استقبال عيادة الطبيب.

حاولت زوجة الطبيب المساعدة في تنظيم الأمور قليلًا في الغرفة مع إخفاء أمر قدرتها على الإبصار عن الجميع إلا زوجها، ولم يمر يومان حتى وصل المزيد من المصابين وبعد أيام أصبح كل المخالطين عميان والتقى الأعمى الأول بزوجته وجمع شملهم من جديد.

مع مرور الوقت ازداد عدد العميان واكتظ المكان بالبشر وأصبحت حصص الطعام لا تكفي الجميع، كما أصبحت دورات المياه أقذر مكان على وجه الأرض وملأت الرائحة أرجاء المبني، وكانت زوجة الطبيب دائمًا ما تخبرهم بضرورة الحفاظ على ما تبقى لهم من إنسانيتهم في هذا المكان البائس، مع كثرة الأعداد كان صعب على الجنرال وجنوده السيطرة على الوضع وأصدر أوامر واضحة أن من يقترب من البوابات فسوف يقتل وبالفعل قتلوا مجموعة من العميان وأمروا الباقيين بدفنهم في حديقة المبنى، ومن ضمن الوافدين الجديدين على الغرفة الأولى كان الكهل الذي كان في عيادة الطبيب وصل ومعه راديو صغير يعمل بالحجارة سمعوا منه أخبار العالم الخارجي والتي كانت سيئة جدًا، كما حكى لهم الكهل كيف كانت الكارثة عندما عمى أول سائق نقل عام وأول طيار وكيف تحطمت الطائرة ومات كل من فيها، وزيادة الأعداد وكيف لم تستطع الحكومة احتواء الموقف وانتشرت الفوضى.

وفي يوم خرج مجموعة من الغرفة الأولى لإحضار الطعام ولكنهم لم يستطيعوا الوصول إليه فقد وجدوا عائق في طريقهم، مجموعة من العميان تسد عليهم الطريق مسلحين بهراوات ومع أحدهم مسدس يهدد به كل من يحتج، استولوا على حصص الطعام وغرفة كاملة لهم.

رجع مندوبو الغرفة الأولى وفي يأس أخبروا الجميع بما حدث، ثم وصلتهم الأوامر لو أنهم يريدون الطعام فإن عليهم الدفع وجمع كل ما معهم من أوراق نقدية ونفائس وتقديمها لهم مقابل الطعام، امتثل الجميع للأوامر وذهب الطبيب والأعمى الأول لاستلام حصص الطعام، فسلموهم ثلاثة صناديق فقط من الطعام حاول الطبيب الاعتراض ولكنهم هددوه بالمسدس فأخذ الصناديق ورجع في حزن.

لم يكتف هؤلاء من الأموال والمقتنيات فأصدروا الأوامر في غير احتشام أنهم يريدون النساء وعلى كل غرفة أن تمتثل للأوامر وإلا فلا طعام، أو يكون مصيرهم كمصير تلك المجموعة من العميان التي أعلنت العصيان فكان جزاؤها الموت، في خزي وأسى امتثلت جميع الغرف للأوامر واستلموا الطعام، وقامت زوجة الطبيب بعدها بقتل قائدهم باستخدام مقص كان معها قصاصًا لما حدث لهن، وظل هؤلاء المجرمين مختبئين في غرفتهم خوفًا من أن ينال أحدهم ما ناله القائد.

بعد أيام لم يصل فيها الطعام ولا سمع فيها صوت الجنزال عبر المكبر، نشب حريق هائل في غرفة المجرمين أشعلته إحدى الفتيات اللاتي تعرضن للاغتصاب، لم يقدروا على السيطرة على الحريق فنشب في أرجاء المكان وهرب من هرب من العميان والآخرين لاقوا حتفهم في النيران، قادت زوجة الطبيب زوجها والطفل الصغير والفتاة ذات النظارة السوداء والكهل والأعمى الأول وزوجته للخارج بعد أن علموا بأمر قدرة زوجة الطبيب على الرؤية، استطاعوا الخروج من البوابة ولم يجدوا أحدًا من الجنود في الخارج، فقرروا الذهاب لبيت كل واحد منهم بالترتيب الأقرب فالأبعد ولكن كان عليهم أن يستريحوا ويأكلوا أولًا.

هبت زوجة الطبيب للاستطلاع فوجدت كل الحوانيت فارغة ويقطنها البشر فسألت أحدهم وأخبرها أن المدينة كلها أصابها العمى ولم يعرف أي أحد بيته أو مكانة فقرروا السكن في أول مكان يقابلهم حتى لو كان حانوت.

رجعت زوجة الطبيب لمجموعاتها وأخبرتهم بما عرفت وبدأوا في التحرك بعد أن وجدت لهم بعض الطعام وناموا قليلا في أحد الحوانيت، مروا على بيوتهم جميعًا ولكنها كانت فارغة أو مسكونة فقرروا البقاء معًا والذهاب لبيت الطبيب الذي صمد أمام محاولات اقتحامه وظل على حالته الأولى، وفي أثناء طريقهم لبيت الطبيب رأت زوجته مدى الحال السيئة التي وصلت لها المدينة فالقاذورات تملأ المكان والجثث من البشر والحيوانات ملقاه على الطريق ولا طعام يكفي أحد وحال الناس يرثى لها وقد تخلوا عن معظم صفات الحياء والإنسانية في سبيل مواكبة الأزمة.

مكثوا في بيت الطبيب فترة كانت خلالها زوجته تعتني بهم وتنظم شؤونهم حتى تكل وتخور قواها، وكانوا يتدبرون الطعام بشق الأنفس ولا ماء للشرب أو النظافة فاعتمدوا على ماء المطر وتأقلموا على الروائح المنبعثة من الشارع بفعل القاذورات.

وفي يوم من تلك الأيام صرخ الأعمى الأول “أنا أرى، أنا أرى”، عاد له بصره بدون مقدمات كما ذهب منه بدون مقدمات، قرر الأعمى الأول بعد أن صار بصيرا أن يرجع هو وزوجته إلى بيتهم ووافقته الفتاة ذات النظارة السوداء بعد أن عاد لها بصرها هي الأخرى ورجعت إلى بيتها ورافقها الكهل، أما الطبيب وزوجته فظلوا في بيتهم مع الطفل الصغير الذي لا يعرف عنوانه ولا يعرف أين أمه، استعاد الطبيب هو الآخر بصره وتعالت صيحات الفرح في الشارع بسبب استعادتهم لبصرهم جميعًا وذهب وباء العمى فجأة كما اجتاح المدينة فجأة.

للمزيد من ملخصات الكتب

ملخص رواية “شجرة البؤس” للأديب طه حسين

ملخص رواية “شجرة البؤس” للأديب طه حسين

“لكأن للبؤس شجرة تضرب بجذورها في أرواحنا تتغذى على أيامنا وتمتص حيويتنا وآمالنا ثم تطرح ثمارها من حسك وشوك نلوكها مرغمين فلا مفر من قدرنا المرسوم”
طه حسين، رواية شجرة البؤس

تدور أحداث الرواية في أحد الأقاليم المصرية وتروي حكاية الصديقين التاجرين على وعبد الرحمن، فالأول كان تاجرًا من سكان الأقاليم أما الثاني فهو تاجر يعيش في القاهرة جمعتهما ظروف العمل وأصبحا صديقين حميمين وتربط بينهما علاقة مصاهرة فقد تزوج خالد ابن علي من نفيسة بنت عبد الرحمن تلك الفتاة البائسة صاحبة الوجه الدميم الذي كان سببًا في أن تكون حياتها مأساة برغم من رغد العيش في بيت والدها إلا أنها لم تسلم من مضايقات من قريب وبعيد حتى أصبحت ترى نفسها وكأنها الشيطان.

تم الزواج بأمر من شيخ الإقليم الذي يبجله ويعظمه كُلًا من عبد الرحمن وعلي وابنه خالد فبمجرد أن أمر بالزواج وباركه وافق جميع الأطراف دون نقاش ومجادلة، حتى خالد لم يعترض على الزواج ولم يعترض على زوجته في البداية، وبالرغم من عدم موافقة أم خالد ورفضها لتلك العروس بشعة المنظر لابنها إلا أنها خضعت إلى أمر زوجها ولكنها هددته بأنه بهذا الزواج يزرع بذرة شجرة البؤس في عقر داره، ولم تتحمل هي تلك الزيجة ورقدت في الفراش مريضة ثم وافتها المنية بعد الزواج بأيام قليلة.

عاش خالد سعيدًا مع زوجته في البداية لا يعبأ بشكلها وكانت هي نعم الزوجة والصاحبة والسكن ورزق منها بفتاة صغيرة كانت معجزة الخالق في جمالها ووجهها المشرق مثل الصباح وأسماها سميحة، ولكن منذ ولدت هذه الطفلة ورأى جمالها أدرك مدى قبح زوجته فأصبح لا يكف عن مضايقتها ومقارنتها بابنتها فقد غلبته نفسه الأمارة بالسوء ولم يستطع منع نفسه من إيذاءها، وكانت نفيسة في ذلك الوقت تحمل في جوفها طفلة ثانية وعندما ولدت كان للطفلة نصيب من حظ أمها البائس ودمامة شكلها، وزادت مضايقات خالد لزوجته ومقارنة بناته ببعضهن وبأمهم مما كسر قلب نفيسة وآلمها كثيرًا حتى ألم بها المرض ورقدت في الفراش لا تدري بأي أرض هي ولا تعي ما يحدث حولها، فطلب عبد الرحمن من خالد أن يردها إليه هي وبناتها حتى يعتني بهن وحتى ترتاح نفيسة قليلًا.

ظلت نفيسة مقيمة عند والدها فترة طويلة حتى نسيها أبو خالد أو كاد ينساها لولا رؤيته لولده يعيش عيشة الأعزب ويرثى لحاله، أما هو فقد اتخذ لنفسه الكثير من الزوجات ورزق بالكثير من الأبناء وكبرت عائلته وأصبح ماله بالكاد يكفي تلك البطون الجائعة، بل أصبح ماله لا يكفي لسداد ديونه واستنكر عليه الشيخ فعلته وأصبح حديث أهل المدينة جميعًا، أما خالد فقد انشغل بعمله الجديد ككاتب في المحكمة الشرعية.

كان معظم راتب خالد يذهب لوالده ليساعده على إعالة أسرته الكبيرة، أما عبد الرحمن فقد كانت تجارته تعرضت للكساد وصعبت عليه الحال وما زاد الأمر سوءًا زيارة الشيخ وأصحابه التي كلفته معظم ثروته لإرضاء الشيخ فكل ليله كانت تقام حلقات الذكر وتذبح الذبائح حتى كانت آخر ليلة للشيخ عند عبد الرحمن انقضت وذهب معها آخر جزء من ثروته ولم يبق له إلا الدار التي يسكنها.

بعد ذهاب الشيخ بأيام قليلة مات عبد الرحمن تاركًا زوجته وابنته في رعاية خالد وأبيه، انتقلتا من القاهرة للمدينة للعيش في بيت أبو خالد حتى لحقت أم نفيسة بزوجها وتركت نفيسة وحيدة يشتد عليها مرضها حتى أصبحت لا تعي شيئا ولا تعرف حتى بناتها.

بعد أيام من موت عبد الرحمن مات الشيخ وهو يصلي بأصفيائه بعد أن أوصى خالد أن يتزوج من ابنة مسعود ذلك التاجر الثري الذي يعيش في المدينة ولأن مسعود يثق في الشيخ ثقة عمياء فقد وهب ابنته إلى خالد دون تردد، وتولى ابراهيم ابن الشيخ مكانه من بعده ولقب هو الآخر بالشيخ وأصبح الآمر الناهي صاحب الكلمة والمشورة المباركة كما كان والده، وأول عمل له أنه هم بتنفيذ وصايا والده ومنها أمر زواج خالد من منى بنت مسعود، وكان أبو خالد مغتاظًا من هذا الزواج وفي قرارة نفسه كان لا يريده أن يتم ولكن أمر الشيخ نافذ فأما العروس فقد كان يريدها لنفسه وأما ثروة مسعود فستذهب كلها لخالد دون أن يستفيد هو منها، وكانت نفسه غالبة عليه وامتلأ قلبه بالشر والحقد على ولده حتى اتخذ خالد دارًا منفصله وبعيده عن دار والده وعاش فيها هانئ البال مع زوجته التي رزقته الكثير من الصبية الصغار.

استمرت حياة خالد مستقرة وهادئة حتى أمره الشيخ بالعمل في الدائرة السنية والانتقال من مدينة إلى مدينة أخرى لغرض في نفس الشيخ وذلك لأن تلك المدينة استعصت علىه فلم يكن له مريدين فيها ولا أتباع فأراد أن يكون هناك دار تابعه له في البلدة حتى يستطيع الذهاب إليها في أي وقت.

انتقل خالد إلى عمله الجديد وسكن في دار رحبة مع منى وأولاده في استقرار حتى علم بأن مرض نفيسة قد اشتد عليها فاقترحت منى أن تنتقل نفيسة وبناتها إلى بيتهم حتى تستطيع رعايتها، عاملت منى البنات ونفيسة على أحسن ما يرام حتى تزوجت سميحة تلك الفتاة ذات الوجه الجميل من رجل ثري له أولاد من زوجة أخرى وعاشت معه حياة شقية تعيسة لا تخلو من الصعاب وظلت جلنار في بيت أبيها تكابد عناء العمل في المنزل ورعاية الصغار ولكن كانت تشغل به نفسها عما تراه من أخواتها من نفور وبغض لوجهها.

بعد أن رزقت منى بطفلتها الأولى تغيرت نظرتها إلى جلنار وتغيرت معاملتها لها وتركت عليها أعمال المنزل كلها فأصبحت كالخادمة في بيت أبيها وتحطمت أحلامها بالزواج بعد أن خطب سالم ابن عمها والذي كانت تكن له مشاعر طيبة أختها من أبيها ولم يخطبها هي، كانت الصدمة قوية عليها حطمت قلبها ولم تنته نوائبها عند هذا الحد ولكن ساء الوضع بوفاة والدتها، فقد أصبحت وحيدة كليًا تعمل خادمة في بيت أبيها بوجه بشع وروح ضائعة وقلب مكسور.

وكان خالد حريصًا على أن يعلم أولاده ويلحقهم بالمدارس التي حرم هو منها ويلبسهم أزياء على الموضة ولكن بسبب كثرة عدد أبناؤه ضاقت عليه الحال وأصبح يجاهد ليحافظ على ما تبقى من منزله حتى كبر الأولاد وسافر منهم من سافر وتزوج من تزوج، وبقيت جلنار المسكينة وحيدة تعاني في بيت أبيها وكأنها ثمرة من شجرة البؤس التي زرعها أباه عندما زوجه من نفيسة.

مرت الأيام ثقيلة على روح جلنار تتحمل فيها مضايقات منى وبناتها ولا تعترض على قدرها المحتوم حتى مات خالد وامتلأ البيت بالحزن ولم تتحمل جلنار وفاة والدها فدخلت غرفتها ولزمتها أيامًا لم تخرج منها إلا إلى جوار والدها في تلك الدار التي لا يعرف أهلها تحاسدًا ولا تباغضًا والتي لا لغو فيها ولا تأثيم.

ملخص رواية “بداية ونهاية” لنجيب محفوظ

للمزيد من ملخصات الكتب

ملخص مسرحية “هاملت”

ملخص مسرحية “هاملت”

أطول مسرحية كتبها شكسبير وكانت بين عام 1599 و 1601. تدور أحداثها في مملكة الدنمارك حول الأمير هاملت وحيرته ورغبته في الانتقام من قاتل والده وهو عمه كلاوديوس الشرير1 صور فيها شكسبير العديد من المعاني الإنسانية من الحيرة والانتقام والطمع والغضب وحتى الحب وموقف الإنسان من الحياة والموت.

القصة:

تبدأ مسرحية شكسبير بمشهد لحراس القصر الملكي، وهم يتبادلون نوبات الحراسة حتى يستلمها كلاً من هوراشيو ومرسيلوس وبرناردو. في خلال نوبات حراسة هؤلاء الثلاثة ظهر شبح للملك هاملت الأكبر -الذي تُوفي من فترة بسيطة- يمشي أمامهم مرتدياً كامل زيه العسكري.

ظهر مرتين في تلك النوبة دون أن ينطق بكلمة للحراس رغم صراخهم عليه وحتى تهديدهم له. فتعاهد ثلاثتهم على الإفضاء بما شاهدوه لصديقهم هاملت ابن الملك الراحل.

كان هامت ابن الملك في حالٍ يرثى لها ليس فقط لوفاة والده الذي يحبه كل الحب، بل السبب الأكبر أنه لم يأخذ وقته الكافي لبث الحزن على وفاة أبيه الحبيب الذي كان رمزاً للشجاعة والإقدام في مملكة الدنمارك كلها.

لم يستطع هاملت أن يأخذ وقته لرثاء أبيه نتيجة لزواج أمه من عمه بعد الوفاة بشهرٍ فقط!! الأمر الذي آثر في نفس هاملت وجرحها لمعرفته بمدى قوة أواصر الحب، والعشق بين أبيه وأمه فكيف تسلاه بتلك السرعة الغريبة! بل يقيمون الاحتفالات والمراسيم بتلك السرعة كأن اللحم الذي تم تقديمه في العزاء ساخناً تم تقديمه هو نفسه في مراسيم الزواج بارداً.

وفي أثناء تعجب هاملت من هذا الأمر، وزيادة لهيب الشكوك اتقاداً تجاه عمه، إذ بهوراشيو ومن معه من الحراس يدخلون عليه يقصون ما حدث ورؤيتهم لشبح أبيه الملك بكامل زيه العسكري، فيخرج معهم هاملت للمشاركة في الحراسة مساءاً حتى رأي بنفسه شبح أبيه يطل عليهم بعد منتصف الليل،

يجري خلفه مسرعاً للحديث معه رغماً من رفض هوراشيو ومن معه. وعندما التقي هاملت بشبح أبيه إذ بذلك الشبح يفضي إليه بخبر يقلب كيانه رأساً على عقب: أن والده لم يمت نتيجة عضة ثعبان كما قيل، لكنه مات مسموماً على يد أخيه ليفوز ليس فقط بالحكم بل وبالزوجة أيضاً. فأراد الشبح من هاملت أن ينتقم له، ويسترد حقه المسلوب دون المساس بأمه قيد أنملة.

هاملت يرى شبح والده

من تلك اللحظة تغير حال هاملت وتعاهد أن يوقع بعمه، وقرر أن يمثل الجنون والاضطراب على كل الناس، ولم يدرك أحد في القصر ما السبب وراء اضطراب هاملت الغريبة وتغير أحواله.

كان مستشار الملك بولونيوس له بنت بارعة الجمال تُسمى أوفيليا أحبها هاملت بشدة، فأعطاها الهدايا القيمة المصحوبة بالأشعار المعبرة عما شغل قلبه من عشقٍ تجاه تلك الحسناء. وكان قد أمرها بولونيوس أن تعرض عنه حتى لا يصيبها مكروه، فهو في النهاية أمير قد يكون لا يكن إليها الحب كما يزعم وإنما الهوى العابر ليس إلا.

بعدها، بدأ الاضطراب يظهر على هاملت ففكر بولونيوس ودبر في سبب ذلك الجنون إذا هو الحب ولوعة الاشتياق لابنته الجميلة هما السبب الكامن وراء ما يقبع هاملت فيه من اضطراب، وإذا به يفضي للملك -عم هاملت- والملكة بما استنتج، وقد اقتنعوا بالفعل بعد ظهور البراهين، لكن بالطبع لم يكن للحب علاقة فالأمر كله من صنيع هاملت ليداري على ما أصابه من حيرة بعد لقائه بالشبح.

في أثناء تلك الحيرة المصحوبة بالجنون المزعوم الذي أصاب صديقنا هاملت، إذ بمجموعة من الممثلين ينزلون بالقصر. فكر هاملت أن يستخدمهم ليتأكد من كلام الشبح خوفاً أن يكون ما هو إلا شيطان تنكر في صورة أبيه لخداعه ليس إلا.

نتيجة لذلك أعدد لهؤلاء الممثلين مسرحية مبنية على ما عرفه من الشبح فإذا ظهر الاضطراب على عمه كان الشبح ينطق بلسان الصدق، ولم يكن شيطاناً. وبالفعل تم تنفيذ المسرحية التي تعكس مشهد مقتل أبيه بالسم كما قص الشبح بالضبط فإذا بعمه يغضب، ويفارق مجلسهم منزعجاً مضطرباً، وهنا تحديداً أزيحت الغشاوة من على وجه هاملت ليرى حقيقة الجريمة النكراء.

استدعت الملكة ابنها لتعاتبه عما بدر منه في الفترة السابقة، فتوجه هاملت إليها يلومها على ما ارتكبت من معاصي، وذنوب. كيف أنها تزوجت من قاتل زوجها، وزاد سخطه في الجدال حتى صرخت الأم طلباً للنجدة، وكان المستشار بولونيوس مختبأً وراء الستارة على علمٍ من الملكة؛ لتحري جنون هاملت. فإذا به يسمع ألفاظ النجدة تلك حتى أصدر هو الآخر أصواتاً فأسرع هاملت بغير علمٍ منه بمن وراء الستارة يضربها بسيفه بقوة، فإذا بالمستشار يسقط صريعاً بعد ضربةٍ واحدةٍ لا غير.

في أثناء رجاء هاملت من أمه أن تبتعد عن عمه المجرم، وألا تظهر له الود والمحبة ظهر الشبح ولم تراه الأم فظنت أن ابنها مجنون لا محال عندما تحدث لشخصٍ غير موجود. فتوجهت الملكة للملك بسرعة تقص عليه ما حدث من قتل، وجنون فارتعدت فرائس العم الشرير من هاملت، وأمر بأن يتم إرساله لأنجلترا زاعماً لزوجته أن هذا لمصلحة هاملت كما هو لمصلحة الجميع.

لكن في قرارة نفسه كان يريد الخلاص منه كما خلص من أبيه فأعد رسالة لملك إنجلترا يطلب منه أنه فور قراءة الرسالة عليه أن يقتل هاملت. وبالفعل تم إرسال هاملت مع رسولين -كانا من أصحابه في السابق لكن الآن يعملان في خدمة الملك ضد هاملت- في رحلة بحرية لإنجلترا.

إلا أن شكوك هاملت التي لا تنام جعلته يفتش غرفه وحقائب من معه من الرسل في أثناء نومهم فوجد الرسالة، وعرف ما يضمره عمه من خيانة، فقام بكتابة رسالة جديدة تطلب من ملك إنجلترا أن يقتل الرُسل فور قراءته لها، وختمها هاملت بالختم الملكي الذي هو ملكٌ لأبيه. هرب صديقنا هاملت على ظهر سفينة للقراصنة عائداَ لوطنه.

في تلك الأثناء كان لايرتس ابن بولنيوس قد عاد من فرنسا للدنمارك على إثر خبر وفاة أبيه الذي شابته الشوائب؛ فلا سرادق للعزاء، ولا غيره. فعلم أن في الأمر سرٌ خطير جعل عقله يغلي من الغضب، وتوجه للملك في جمعٍ غفير غاضب من الناس يريد تفسيراً لموت أبيه. فاجتمع به الملك وهدأ من روعه وأخبره بحقيقة ما فعله هاملت واتفق معه على تدبير خطير للتخلص منه.

في أثناء حوارهما وصل خبر غرق أوفيليا في الماء تلك الحسناء المسكينة التي فقدت عقلها عقب وفاة أبيها الذي تحب وتهوى، وأصبحت تطوف بين الناس تتحدث، وتغني بكلامٍ غير مفهوم، وتوزع عليهم أكاليل الورود حتى ذهبت لتُعلق إكليل من الزهود على غصن شجرة قد تدلى فوق النهر فإذا بها تهوي في الماء، وترسل أنفاسها الأخيرة وهي تغرق وفارقت الحياة في حزن وشجنٍ اختلط بالجنون ليزيد من كآبة الوضع، والمنظر ويزيد من غضب أخيها وعزمه على الانتقام الذي أعمى بصره.

وبعد أن دُفنت أوفيليا في غير زحام ولا جموع غفيرة ولا مراسيم دينية كاملة لأن موتها كان مشكوكاً فيه أنه عن عمد وهذا ما تبغضه الكنيسة لكنها دفنت في الأراضي الطاهرة بأمرٍ من الملك. عزم الملك ولايرتس على إعداد خطة تودي بحياة هاملت.

دبر الملك أن يدعو هاملت لمبارزة مع لايرتس، وكان قد نُزع غلاف الأمان من سيف لايرتس وسُمم آخره فإذا خدش هاملت سينتشر السم في جسمه، ويموت. فيظهر الأمر أمام الجميع أنه حادثة لا أكثر، ولن تثور أمه ولا الناس الذين يحبونه أشد الحب. وقام الملك أيضاً حرصاً منه على التخلص من هاملت بوضع السم في كأس هاملت فإذا لم يستطع لايريتس التخلص منه كان الخلاص على يد كأس الشراب المسمومة.

وجاءت ساعة المبارزة، فتغلب هاملت على غريمه جولتين حتى استطاع لايرتس أن يصيب هاملت بجرح في الجولة الثالثه، فغضب هاملت بشدة؛ لاكتشافه أن سيف الخصم منزوع الأمان. فاشتد القتال بينهم حتى سقطت السيوف وتبدلت فإذا بهاملت يجرح لايرتس، فيعترف لايرتس أن السيف مسمومة ولا دواء لداء ذلك السم، وأن كلاهما سيموت لا محالة، وأن هذا كله كان من تدبير عمه.

نظر هاملت لأمه فوجدها تسقط على الأرض فقد شربت من كأس هاملت المسمومة فسقطت صريعة وهي تقول: لقد سمموا الكأس يا هاملت. فإذا بهاملت وفي يده السيف المسممومة يطعن الملك جزاءاً على ما فعل فيموت الملك الشرير، وتموت زوجته الجميلة غير المخلصة، ويلفظ لايرتس آخر أنفاسه، ويسقط هاملت عاجزاً ليلقى مصير الموت وقد عهد إليه هوراشيو أنه سيصحح للناس صورته ويخبرهم الحقيقة.

كان المنظر كأنه مشهد من حربٍ دموية بلا أجانب ولا جنود بل كانت أدواتها الطمع الذي أصاب العم والحيرة التي أخرت ابن أخيه عن اتخاذ قراره، والانتقام لأبيه. فكان كلاً من الطمع والحيرة سلاحين فتكوا بأصحابهم ومن حولهم.

كي لا نظلم المسرحية

لم تكن مسرحية هاملت للمبدع شكسبير مجرد قصة جميلة فقط؛ حيث كان الحوار بين أصحابها مرآة تعكس أسئلة وجودية وفلسفية حول العديد من القضايا مثل: ما هو الموت؟ هل هو رقاد وصمت كما كان يتمنى هاملت، أم هو رقاد امتلأ بالأحلام المزعجة والمشاعر الصعبة؟

هل يمكن أن يكون خوف الناس من المجهول بعد الموت أو من احتمالية وجود تلك الأحلام هو الدافع وراء تمسكهم بالحياة بما يشاهدونه فيها من هوان وألم ؟ كذلك عكس شكسبير ألم الحيرة على أكمل وجه في شخصية هاملت شخصية أكون أو لا أكون؛ فهو أراد الانتقام لأبيه يدفعه لذلك الغضب والحب، وفي نفس الوقت تردد مراراً وتكراراً بسبب طبيعته الطيبة البيضاء.

لكن تلك الحيرة كانت سبب في فقد من أحب بعدها وحتى في فقد نفسه. واستطاع صديقنا شكسبير أن يعكس الأوضاع في الحضارة الأروبية آن ذاك في مجالات المسرح، والتمثيل والصراع بين القائمين على تلك الأعمال، وكيف أن الجودة الخلاقة للعمل الفني وبخاصة المسرحي قد تعود عليه بالضرر إذا كانت أعلى من مستوى تفكير العامة، فيعجزوا عن حب العمل فيقصر عمره بين الأنام.

لم تخلو المسرحية كذلك من الحديث عن عيوب المجتمع الأروبي وقتها مثل الإسراف في شرب الخمر التي تعود على صاحبها بعلة العقل والجسد، وتعود على شعوبها بالهوان. وكذلك حديثه عن الطبقية التي تُحلل دفن المنتحر في الأراضي المطهرة إذا كان من أولاد الأعيان، وأولي السلطة وإن لم يكن كان مصيره خارج تلك الأراضي. كل هذا وأكثر استطاع شكسبير أن يعكسه فيما بين أيدينا من قطعة أدبية رفيعة المستوى.

ويليام شكسبير

المزيد: ملخص رواية “يوتوبيا” للكاتب أحمد خالد توفيق

مصادر (ملخص مسرحية “هاملت”): 1.Brittannica

ملخص كتاب “خرافة التقدم والتخلف” للكاتب جلال أمين

ملخص كتاب “خرافة التقدم والتخلف” للكاتب جلال أمين

خرافة التقدم والتخلف:

يسلط الكاتب الضوء على وجود الكثير من الخرافات، التي يعتبرها الكثيرون مسلمات ولا خطأ، فيها كخرافة أن مستقبل أي أمة حتمًا يجب أن يكون أفضل من ماضيها، على اعتبار أن التقدم يسير كخط صاعد دائمًا، أو كسلم كل درجة فيه أعلى من سابقتها، لكن قياسًا على الواقع هذا لا يحدث مطلقًا، فكل أمة تمر بمراحل تبادلية بين التقدم والتأخر، فكانت نظرة اليونانيين إلى التاريخ عمومًا، على أنه دورات من التقدم والتأخر، وكذلك رأى ابن خلدون، أن تطور التاريخ يمثل بشكل دائري، نقطة البداية هي نفسها نقطة النهاية.

ومقصد الكاتب من فكرة التقدم ليس التقدم الجزئي في أشياء بعينها، ولكن التقدم الشامل الذي يضم جميع الجوانب، بمعنى لو أن أمة معينة متقدمة عسكريًا واقتصاديًا مثلًا، فعند النظر للوهلة الأولى تحسبها متقدمة في جميع المجالات، ولكن عند النظر بشكل مفصل أكثر، قد تجد أن التقدم العسكري والاقتصادي لهذه الأمة كان على حساب الحياة الاجتماعية مثلًا، أو العلاقات السياسية أو حتى على المستوى الأخلاقي.

ومن ضمن النتائج السلبية للمفهوم الخاطئ للتقدم، خلق بعض الظواهر والمسميات مثل ظاهرة عقدة الخواجة التي تجتاح المجتمع المصري مثلًا، وهي الشعور بالدونية مقارنة بأي شيء أوروبي أو أمريكي، ولا تعتبر عقدة الخواجة مفهوم عريق، فلا يزيد عمر هذه الظاهرة عن مائة عام تقريبًا، أي منذ أن بدأ العالم يصبح قرية صغيرة، وأصبح الناس على علم بما يحدث في كل مكان، جعلت هذه الظاهرة فئة كبيرة من المجتمع المصري على اقتناع تام، بأن أي شيء أوروبي أو أمريكي هو أفضل من نظيرة المصري، حتى ولو لم يكن كذلك، وجعلت لديهم ميل شديد إلى تشبيه كل شيء جميل في حياتهم أنه أجنبي، على اعتبار أن هذا التشبيه يرفع مكانة الشيء، ويتشابه هذا التصرف مع قول ابن خلدون أن المغلوب دائمًا مولع بتقليد الغالب.

كما أثار الكاتب الشك حول الكثير من المفاهيم وأعاد النظر إليها بشكل مختلف مثل:

التنمية الاقتصادية:

رفض الكاتب تقسيم الرفاهية الإنسانية إلى أجزاء مثل رفاهية اقتصادية ورفاهية ثقافية ورفاهية سياسية وهكذا، فيعتبر هذا التقسيم تقسيم خاطئ فالإنسان كائن لا يمكن تجزئته حتى على مستوى التحليل النفسي بغرض فهمه مثلًا، ووضح كيف تتعارض أهداف الاستعمار مع التنمة الاقتصادية للبلاد المستعمَرة، كما أنه ذكر مراحل تطور شعارات التنمية الاقتصادية من بداية الخمسينات وحتى فترة التسعينات.

التنمية الإنسانية:

أظهر الكاتب اعتراضه على قرارات ومفاهيم ابتدعها الأمم المتحدة في مجال التنمية الإنسانية، مثل برنامج هيئة الأمم المتحدة للإنماء، الذي رتب الدول من حيث تقدمها أو تأخرها في مضمار التنمية الإنسانية، بناء على ثلاثة مؤشرات وهم متوسط دخل الفرد والعمر المتوقع لدى الوفاة، وحالة التعليم دون النظر للكثير من العوامل الأخرى التي قد تغير الترتيب بصورة واضحة، كما أنها قارنت بين الدول الأوروبية والعربية مقارنة باهتة سطحية، فمثلًا ربطت بين نسبةإنتاج واستهلاك الصحف في الدول الأوروبية والعربية، والوضع النسبي للمعرفة، فتدني نسبة استهلاك وإنتاج الصحف في الدول النامية، يدل على تدهور حالة الثقافة والمعرفية فيها، دون النظر إلى جوانب أخرى.

كما أثار مصطلح تمكين المرأة الكثير من الجلبة، فيعبر المصطلح عن إزالة القهر والصعوبات التي تتعرض لها المرأة في حياتها، وإعطاءها فرص العمل في جميع المجالات، ولكن هل من الصحيح أن تتساوى المرأة بالرجل مساواة مطلقة، دون مراعاة الفروق الجسدية والصحية للجنسين، كما أن فكرة تمكين المرأة لم تحررها من كل قيودها كما هو متوقع، ولكن كما حررتها من بعض القيود فقد قيدتها بأخرى، فمثلًا قد سبب تمكين المرأة ارتفاع نسب الانفصال، وفي معظم الأحيان تصبح المرأة هي المسؤولة عن مراعاة الأطفال، وتكون مضطرة للعمل حتى تستطيع مراعاتهم، كما أن هذا المصطلح يختلف تنفيذه في الدول الأوروبية عن العربية، فلا شك أن المرأة العربية تتعرض لبعض صور القهر، ومن حقها المطالبة بحريتها، ولكن هذا لا يعني تحررها غير اللائق والمعارض مع عادات وتقاليد المجتمع الذي تعيش فيه.

الحرية:

كذلك ألقى الكاتب الضوء على إعادة صياغة مفهوم الحرية، في كتاب (التنمية حرية) للكاتب (أماريتا سن)، حيث عبر فيه أن الاحتياجات والرغبات الإنسانية كلها تقع تحت وطأة مفهوم الحرية، ولكن كان للكاتب رأي آخر، فقد رأى أنه من غير الصحيح إنساب احتياجات ورغبات الإنسان إلى مفهوم الحرية، فهناك احتياجات ضرورية لا يستطيع الإنسان الاستغناء عنها، مثل المأكل والملبس والمأوى وغيرها، أما الرغبات فهي شعور الإنسان باحتياجه لامتلاك شيء معين، دون أن يكون ضروريًا جدًا فلديه الحرية في الحصول عليه أو تركه.

الديموقراطية:

يقول الكاتب، أن تدهور الديموقراطية يصاحبه الترويج المستمر لازدهارها، فنحن لا نعيش في أبهى عصور الديموقراطية كما تزعم الكثير من الجهات، ولكنها شعارات ظاهرية لا أكثر، ويمكن أن نرى هذا بعد العولمة فأصبح العالم مرتبط ببعضه ارتباطًا وثيقًا، فما يحدث في أقصى نقطة في الشرق يمكن أن يؤثر على أقصى نقطة في الغرب، وبناءًا على ذلك سيطر أصحاب النفوذ والشركات المرموقة، على قرارات دول العالم الثالث ليحققوا أقصى درجات الاستفادة والأمان لأنفسهم.

حقوق الإنسان:

يوضح الكاتب الفارق الجوهري بين حقوق الإنسان وحاجات الانسان، فكما أشرنا مسبقًا أن الحاجات واضحة، مثل المأكل والملبس والمأوى وكل ضروريات الحياة، أما الحقوق عبارة عن اعتراف جماعة معينة من الناس، سواء كانت أمة أو قبيلة أو حتى أسرة بوجوب تلبية رغبة أو حاجة معينة، فنستطيع الجزم بأن الحقوق يمكن أن تكون على مدى أوسع أو أضيق من الحاجات، فقد تكون لديك حاجة ماسة لفعل شيء معين، لكنه ليس من ضمن الحقوق التي تتمتع بها، أو أن يكون لك حقوق في شيء معين وأنت لا تحتاجه.

الإرهاب:

يعد مصطلح مثل الإرهاب من أكثر المصطلحات الغامضة، التي تسبب التوجس والخيفة في النفوس دون الإشارة إلى سبب بعينه، ولكن يظن الكاتب أنه لا يمكن تبين فوائد الإرهاب من الوهلة الأولى، ولكن عند التمعن في النظر فقد ترى الكثير من الفوائد لهذا المصطلح، فالخوف الذي يسببه للناس يلهيهم عن المعارضة، ويجعلهم أكثر سهولة للانقياد، ويضعف قدرتهم على التفكير أو حتى استيعاب البديهيات، ويجعل لديهم قبولًا أكثر للأوامر، والتنازل عن الكثير من حقوقهم وحريتهم في سبيل الحصول على الأمان، حتى أن فكرة الإرهاب تعتبر حجة مقنعة، لاستيلاء دولة على أخرى مثلًا بما أنها تسبب لها تهديدًا.

إصلاح أم تحديث؟

وفي النهاية وضح الكاتب الفرق بين مفهومي الإصلاح والتحديث، ورفض فكرة أنهما مصطلحين مترادفين، ونسب هذه الفكرة إلى الاعتقاد الراسخ، أن التاريخ الإنساني في تقدم مستمر، وأن الأحداث دائمًا ما تسير نحو الأفضل، فمصطلح الحداثة مثلًا كأن تفرض أمه على غيرها، أن تغير عاداتها وتقاليدها ودينها ولغتها الأم بحجة السير نحو الحداثة والتطور، أما الإصلاح فيشمل تغيير المعوقات أمام تقدم تلك الدول، ولحاقها بالدول المتقدمة.

للمزيد من ملخصات الكتب

ملخص رواية “مزرعة الحيوان” للكاتب جورج أورويل

ملخص رواية “مزرعة الحيوان” للكاتب جورج أورويل

“إن الثورة هي رسالتي لكم أيها الرفاق، وإن كنت لا أستطيع أن أتنبأ لكم بموعدها، فقد تتحقق بعد إسبوع أو بعد مائة عام، لكنني واثق تمامًا من حتمية مسيرتها ثقتي في وجود القش الذي أدوسه بأقدامي، فإن العدل لابد أن يسود.” جورج أورويل، رواية مزرعة الحيوان

مزرعة السيد جونز

تدور الأحداث في مزرعة القصر، التي يمتلكها السيد جونز ذلك المزارع قاسي الطباع، في ليلة من الليالي الغير معتادة في المزرعة تجمعت الحيوانات في الحظيرة، لتستمع إلى الخطاب الذي سيلقيه عليهم العجوز ميجر ويحكي فيه الحلم الذي رآه في الليلة الماضية، العجوز ميجر هو أكبر الخنازير سننًا في المزرعة وأكثرهم حكمة، لفت العجوز ميجر نظر الحيوانات إلى حياتهم البائسة في مزرعة السيد جونز، وجهودهم المبذولة لإرضاء السيد أو خوفًا من عقابه، فهتف فيهم بضرورة تغيير الوضع الراهن وضرورة إشعال الثورة وتحقيق المساواة بين الحيوانات، ثم قص عليهم حلمه الذي ظهرت فيه الأرض خالية من الإنسان، والذي ألهمه لتذكر أغنية “حيوانات إنجلترا” وبدأ يغنيها ببراعة أشعلت الحماسة في نفوس الحيوانات.

ثلاث ليال بعد هذه الليلة وتوفي العجوز ميجر، ولكن ظل كلامه يتردد في ذهن الحيوانات، وبما أن الخنازير أذكى الحيوانات في المزرعة فبدأوا بوضع مفاهيم للثورة، وظلوا يعرضونها في اجتماعات سرية تقام كل يوم في الحظيرة، وقد تولى ثلاثة خنازير المهمة وهم نابوليون وسنوبول وسكويلر الذي كان أكثرهم فصاحة والأكثر براعة في إلقاء الخطب الرنانة.

اندلاع الثورة

أعد الثلاثة نظامًا فلسفيًا أطلقوا عليه اسم “الحيوانية” وحاولوا إقناع الحيوانات به في الاجتماعات السرية، واجهوا صعوبة في البداية بسبب لا مبالاة الحيوانات، أو ولاءها للسيد جونز ولكنهم اقتنعوا في النهاية وسلموا مصيرهم للخنازير وكانت الاجتماعات دائمًا تنتهي بأغنية حيوانات إنجلترا.

جاءت الليلة الحاسمة عندما نسي السيد جونز إطعام الحيوانات في المزرعة، وأهملهم العمال أيضًا، لم تستطع الحيوانات الصمود وأحدثت جلبة شديدة في أرجاء المزرعة أفاق معها السيد جونز من ثمالته، ونزل هو وعمال المزرعة وانهالوا بالسياط على الحيوانات، لم تتحمل تلك الحيوانات الجائعة الضربات، وانقضت على الرجال بالركل والنطح حتى فروا جميعًا من المزرعة ومعهم زوجة السيد جونز، وأصبحت المزرعة والبيت ملكًا للحيوانات وبدأت الاحتفالات، دمر الحيوانات كل شيء يذكرهم بالسيد جونز وقرروا أن يظل البيت على حاله.

ما بعد الثورة

في اليوم التالي أعلنت الخنازير أنهم تعلموا القراءة والكتابة من خلال بعض كتب التهجئة التي ألقاها السيد جونز، ثم اتجه سنوبول إلى السور الذي كتب عليه اسم مزرعة القصر وغير الاسم إلى “مزرعة الحيوان” ثم أبلغوا الجمع أنهم اختصروا مبادئ الحيوانية في سبع وصايا كتبها سنوبول أيضًا على الجدار وكانت تنص على:

  • كل من يسير على قدمين هو عدو.
  • كل من يسير على أربعة أقدام وكل طائر هو صديق.
  • يمنع على الحيوانات ارتداء الملابس.
  • يمنع على الحيوانات النوم فوق سرير.
  • يمنع على الحيوانات شرب الخمر.
  • يمنع على الحيوان قتل حيوان آخر.
  • كل الحيوانات متساوية.

بدأت الحيوانات تهتم بالمزرعة وتكد في العمل على الرغم من صعوبته، واستعنالهم للأدوات التي صُنعت من أجل الإنسان وغير مناسبة للحيوانات، ولكن كُوفئت الحيوانات في النهاية بغلة أوفر بكثير مما توقعوا، وكانت مهمة الخنازير هي الإشراف على العمل وإلقاء الأوامر فقط، واتخذوا لأنفسهم مكانًا في المزرعة وجعلوه مقرًا لقيادتهم، ثم بدأت الحيوانات في تعلم القراءة والكتابة ولكنها لم تكمل ما بدأته، ولم يتعلم منها سوى الكلاب ولكنها لم تحفظ إلا الوصايا السبع، كما تعلمت العنزة موريل وكانت أفضلهم والحمار بنيامين كان يقرأ كما يقرأ أي خنزير آخر، ولكنه لم يقرأ إطلاقا بحجة أنه لا يوجد ما يستحق القراءة.

كان نابوليون يرى أن الاهتمام بالجيل الجديد هو الأهم فأخذ الجراء التي وضعتهم الكلبتان بعد فطامها، ووضعها تحت سقيفة لا يمكن لأحد الوصول إليها إلا هو، وأخفاها لدرجة أن الحيوانات نسيت وجودها.

خصص الخنازير لأنفسهم حليب الأبقار ومحصول التفاح بحجة أنهم يحتاجون للغذاء الجيد لإدارة المزرعة، واتخاذ القرارات وأقنعهم بذلك سكويلر بكلامه المنظم المقنع، والذي دائمًا ما ينتهي بتحذيرهم من عودة السيد جونز، كانت الخلافات بين سنوبول ونابوليون تزداد كل فترة، وكان آخرها عندما فكر سنوبول في بناء طاحونة هواء على التلة في المزرعة، وبدأ في رسم تصاميم مشروعه ثم اجتمعت الحيوانات في الحظيرة بعد انتهاء التصاميم، ليشرح لهم سنوبول فوائد المشروع فاكتفى نابوليون بتعليق مقتضب على فشل هذا المشروع، وبعد أن أنهى سنوبول كلامه وبدأت الحيوانات في الاقتناع، صرخ نابوليون فجأة فدخل الحظيرة مجموعة من الكلاب الشرسة طاردت سنوبول حتى خرج من المزرعة، ووقعت الحيوانات في حالة ذهول، علموا بعد ذلك أن تلك هي الكلاب التي أخذها نابوليون من قبل.

النظام الجديد

أعلن نابوليون نفسه ملكًا وأخبرهم أنه سيتم تشكيل لجنة من الخنازير تحت رئاسته، ستتولى رعاية المزرعة وسيتم إعلام الحيوانات بالقرارات المُتخذه في اجتماعاتهم السرية ولا مزيد من النقاشات العمومية، حاول أربعة خنازير الاعتراض ولكن الكلاب أسكتتهم، وبعد مرور ثلاثة أسابيع على طرد سنوبول أعلمهم نابوليون أن بناء الطاحونة سيتم ويجب مضاعفة الجهد المبذول، علت الدهشة وجوه الحيوانات ولكن تولى سكويلر إقناعهم بأن نابليون لم يكن معارضًا لفكرة بناء الطاحونة وأنها كانت فكرته والتصاميم كانت خاصته ولكن سنوبول سرقها منه.

شرعت الحيوانات في العمل كالعبيد ولكنهم كانوا سعداء بالتضحية، وكانوا ينظرون إلى الطاحونة على أنها أمل وغاية يجب تحقيقها، وكان أكثرهم اجتهادًا هو الحصان بوكسر الذي دائما ما يردد “سوف أعمل بجد” و”نابوليون لا يخطئ أبدأ” وعندما خارت قواه أعطاه نابوليون لذابح الحيوانات ليستفيد منه وتولى سكويلر إقناع الحيوانات بأن بوكسر قد أُرسل إلى المستشفى وأنه رأه يحتضر بنفسه وإقتنعت الحيوانات بالرغم من أنها رأت العربة التي أخذت بوسكر وقرأت لهم العنزة موريل ما كتب عليها، وبالرغم من كل المجهود الذي تبذله الحيوانات لبناء الطاحونة قلت حصص الطعام وجاعت الحيوانات قليلًا ولكنها ما زالت راضية.

ثم أعلن نابوليون أن المزرعة ستقيم علاقات تجارية مع البشر للحصول على متطلبات الطاحونة في مقابل جزء من المحصول والبيض، وكذلك أقنعهم سكويلر بأهمية المعاملات التجارية مع البشر وحاول إقناعهم أن هذا ضروري، وليس انتهاكًا لأي وصية من الوصايا السبع، انتقلت الخنازير للعيش في بيت المزرعة والنوم على الأسرة، واستعمال مرافق المنزل مع تغيير نص الوصية التي تمنع ذلك لصالحهم، وكالعادة لم تعترض الحيوانات لأن سكويلر أقنعهم أن الخنازير تحتاج مكان هادئ لإدارة المزرعة.

الرجوع لنقطة البداية

وفي شهر نوفمبر هبت عاصفة قوية، تسببت في تحطيم الطاحونة ولكن نابوليون أعلن أن من حطمها هو سنوبول، وأصبحت كل كارثة تحدث في المزرعة بسبب سنوبول، وأقنعهم نابوليون أنه خطر عليهم بالرغم من أن أحدًا منهم لم يره وأن عليهم الحذر.

أعلن سكويلر أن الدجاجات يجب أن توفر أربعمائة بيضة في الأسبوع، وذلك لمقايضتها ببعض الحبوب والدقيق للمزرعة، لكن الدجاجات اعترضت، على هذه الكمية الكبيرة وأعلنت التمرد فمنع عنها نابوليون حصص الطعام، لم يصمد الدجاج إلا خمسة أيام فقط واستسلم وفي أثناء ذلك نفقت تسع دجاجات، وبعد ذلك خرج نابوليون محاطًا بكلابه التي تزمجر، وقام بإعدام الخنازير التي اعترضت من قبل وبعض الدجاج والحيوانات التي أثارت المشاكل، وتم منع إنشاد أغنية “حيوانات إنجلترا” التي تعبر عن الثورة.

وظلت حالة الحيوانات بائسة والطعام قليل، ولكن كان دائمًا سكويلر يلقي عليهم إحصائيات بأرقام خيالية لما حققوه من إنجازات لا يراها إلا الخنازير، ولم يعد نابوليون يظهر وإذا ظهر يظهر وسط حراسة مشددة ويكرر على مسامعهم اسم سنوبول والخطر الذي يسببه.

استمرت الخنازير في قمع الحيوانات وإقناعهم أن هذا لصالحهم، واستمروا في مخالفة الوصايا السبع فشربوا الخمر ولم يكتفوا بذلك بل بدأوا بتصنيعه، وزرعوا جزءًا من الأرض شعير وخصصوها للخنازير فقط، وتم رفع عدد البيض الذي يجب على الدجاج تسليمه إلى ستمائة بيضة في الإسبوع، ومنعوا إضاءة المصابيح في الإسطبل والمربط، وزادت الخطب والشعارات الرنانة وارتفع صوت الخراف تنشد “الخير في ذوات الأربع، والشر في ذوات الاثنين”.

أعلن نابوليون أن المزرعة ستصبح جمهورية وهو رئيسها، ومرت سنوات عديدة مات فيها معظم من عاصروا الثورة وأصبحت الخنازير أكثر سمنة، وامتلأت المزرعة بأجيال جديدة لا تعرف شيئًا عن العصيان ولا عن الثورة، وأصبحت المزرعة أكثر ازدهارًا وثراء دون أن تصبح الحيوانات نفسها ثرية، فقط الخنازير والكلاب أصبحوا كذلك، معللين أنهم يحتاجون المال والراحة لإدارة المزرعة.

وفجأة شاهدت الحيوانات سكويلر وباقي الخنازير تمشي على قوائمها الخلفية، وكذلك نابوليون ثم بدأت الخراف في الهتاف ” الخير في الأقدام الأربعة، والخير الأكثر في القدمين”، واستبدلت الوصايا السبع بوصيه واحدة وهي ” جميع الحيوانات متساوية لكن بعضها أكثر مساواة من غيرها”.

وبدأت الخنازير تشرف على الأعمال بالسياط وارتدوا الثياب، ثم جاء مجموعة من مندوبي المزارعين المجاورين لإجراء جولات تفتيشية لجميع أرجاء المزرعة، وأقيمت الاحتفالات في منزل المزرعة احتفالًا بالزوار، وبدل نابوليون اسم المزرعة من مزرعة الحيوان إلى مزرعة القصر كما كان من قبل، وحتى مظهر الخنازير تغير وأصبح من المستحيل التمييز بينهم وبين البشر الجالسين معهم.

للمزيد من ملخصات الكتب

ملخص رواية “يوتوبيا” للكاتب المصري أحمد خالد توفيق

ملخص رواية “يوتوبيا” للكاتب أحمد خالد توفيق

تعتبر “يوتوبيا” واحدة من أشهر روايات الدكتور أحمد خالد توفيق صدرت عام 2008 وتُرجمت إلى عدة لغات، تدور أحداث الرواية في المستقبل الذي تخيله الكاتب بعد تحليله للظروف الاقتصادية والسياسية التي تمر بها مصر، فتزداد الأمور سوءًا وتتسع الفروق بين طبقات المجتمع المصري حتى تتلاشى الطبقة الوسطى تمامًا وتختفي الأنظمة الحاكمة، وينقسم المجتمع إلى طبقتين إحداهما تضم الأثرياء وأصحاب النفوذ الذين رأوا أن لا حياة لهم ما لم ينعزلوا في مدينة لها أسوار عالية أسموها “يوتوبيا” ، والأخرى من الفقراء المقهورين المحظور عليهم دخول يوتوبيا الأغنياء.

“في (يوتوبيا) حيث يتوارى الموت خلف الأسلاك الشائكة، فلا يصير إلا لعبة يحلم بها المراهقون.” أحمد خالد توفيق، رواية يوتوبيا

نشأة يوتوبيا

في أوائل القرن الحادي والعشرين أصبح أكثر من 35 مليون مصري تحت خط الفقر وارتفعت نسبة البطالة بصورة مرعبة وزادت معدلات الجريمة والعنف، وزادت الفروق الطبقية حتى تلاشت الطبقة الوسطى تمامًا، وأي مجتمع بلا طبقة وسطى هو مجتمع مؤهل للانفجار فتحول المجتمع المصري إلى قطبين وشعبين، طبقة ثرية أدركت أنه لا حياة لها ما لم تنعزل بالكامل وطبقة فقيرة محظور عليها دخول يوتوبيا الأغنياء.

عزل الأثرياء أنفسهم في مدينة ذات أسوار عالية وأبواب محصنة وحراسة دائمة من جنود المارينز المتقاعدين، تختلف الحياة داخل يوتوبيا كثيرًا عن خارجها، كل جزء فيها مخطط له بدقة وعناية حتى أماكن العبادة المساجد والكنائس والمعابد اليهودية التي لم يعد يستخدمها إلا الكبار أما جيل الشباب فلا يعترف بهذه الأمور، وهناك مناطق القصور التي يمتلكها كبار الشخصيات في يوتوبيا ومن ضمنها قصر مراد بك ملك الدواء، ثم المطار الداخلي الذي يعد فرصتهم الذهبية للهرب إذا حدث هجوم غير متوقع من طبقة الفقراء خارج الأسوار أو كما يسمونهم ” الأغيار”، كانت الحياة مرفهة في يوتوبيا لدرجة تبعث على الملل كل ما تطلبه تجده لا يوجد شيء ناقص ولا شيء ممنوع فلجأ الشباب لتعاطي العقاقير المخدرة طوال الوقت لتبديد هذا الملل وأحيانًا كانوا يتصرفون تصرفات غريبة مثل جلسات تحضير الأرواح أو الذهاب في رحلات الصيد.

رحلات الصيد في يوتوبيا كانت مختلفة، لم يكن هؤلاء الشباب يصطادون السمك مثلًا ولكن كانت فريستهم الأغيار!، فيخرج الواحد منهم من أسوار المدينة قاصدًا مكان معيشتهم ثم يقوم باصطياد واحد منهم ويرجع به إلى يوتوبيا بالطائرة ليسلي وقته ثم يقتله ويأخذ منه تذكارًا والذي يكون عبارة عن جزء منه يده أو قدمه ويقوم بتحنيطها والاحتفاظ بها، فعندما تخترق آخر حدود التعقل يمتدد التعقل ليضم لنفسه حدودًا أخرى يسيطر عليها بالرتابة والمال.

رحلة صيد

وكذلك كانت حياة ابن مراد بك ملك الدواء منتهى الرتابة والملل وسأم الترف، ولكن الفرق بينه وبين أقرانه أنه كان محبًا للقراءة يقرأ كل ما يقع تحت يده لذلك كان هو المثقف بينهم، وبسبب تلك الحياة المضجرة قرر ابن مراد بك الذهاب في رحلة للصيد هو وصديقته جيرمنال، وبدا له صيد البشر ليس غريبًا فقد قرأ عنه من قبل في الكتب، مثل صيد قبائل البوشمن الذي كان يعد نشاطًا رياضيًا مسموحًا به في القرن الماضي، وفي عام 1870 انقرض آخر البوشمن بسبب كثرة الصيد.

عزم على الأمر وقرر الذهاب وفي الحادية عشرة مساءًا كان هو وجيرمنال عند مكان وصول السيارات التي تنقل العمال من الأغيار الذين يعملون في يوتوبيا إلى مناطقهم العشوائية، وكان يحمل شطيرة في يده استدرج بها أحدهم بعيدًا ثم قامت جيرمنال بضربه على رأسه وأخذ هو ثيابه وكذلك فعلت جيرمنال مع إحدى النساء، ركبا في السيارة وانطلقت في طريقها حتى توقفت ونزل منها هو وصديقته.

كان المكان عبارة عن خليط من الروائح العجيبة والأصوات والمشاهد الغير مألوفة بالنسبة له، وعربات تحمل أنواع مختلفة من السلع مأكولات وعطور وفاكهة وكلها كريهة ورخيصة الثمن، وبائعي الأعشاب والوصفات الطبية الغير معروفة فلم يعد لديهم عناية طبية لأن مراد بك يحتكر كل الدواء في السوق ويجعل أسعاره خيالية بالنسبة لهم فأصبح الحصول على الدواء ترف من حق الأغنياء فقط، كما رأى قفص خشبي عليه أكوام من جلود الدجاج والأرجل والرؤوس والأجنحة يشتريها الناس لأنها الطريقة الوحيدة لتناول الدجاج بالنسبة لهم، وعربات أخرى تحمل أكوام من الثياب المتسخة المستعملة ومع ذلك ينكب عليها الشارين، خرج هو وصديقته من منطقة السوق ودخلا منطقة أخرى تعج بالعشش الصفيح أو المصنوعة من أعواد البامبو وتقف على بابها نساء بشعات المنظر متسخات الثياب مهنتهم ممارسة البغاء للحصول على المال.

فخطرت بباله فكرة الحصول على إحداهن كتذكار لأنه أسهل وآمن أكثر من الحصول على رجل، ولكن اختياره كان خاطئًا فقد وقع اختياره على سمية التي كان عمها السرجاني بلطجي المنطقة والذي يراقبها باستمرار، وعندما اختلى بها ابن مراد بك وضربها على عنقها فهوت على الأرض فاقدة الوعي واقتربت جيرمنال لينفذا المهمة فوجدا نفسيهما محاصرين بعشرات الرجال من رجال السرجاني وصاح أحدهم ” إنهما ليسا منا!.. هذان من يوتوبيا”.

كاد رجال السرجاني أن يفتكوا بهما لولا ظهور جابر في الوقت المناسب ذلك الشاب الذي يبلغ من العمر 30 عامًا ويحب القراءة ويكره العنف ويعيش بين الأغيار، فاستطاع احتواء الموقف وإقناع السرجاني ورجاله بأنهما من الأغيار بعد أن أعطاهم الفلوجستين الذي كان يحمله ابن مراد بك والفلوجستين هو العقار المخدر الأقوى في ذلك الوقت وكأي شيء موجود في ذلك الوقت احتكرته يوتوبيا لنفسها، انشغل الرجال بالفلوجستين وأخذهما جابر وانطلق إلى عشته التي يعيش فيها مع أخته الوحيدة صفية، كوخ غريب من قطع الخشب وأجزاء مفككة من هيكل سيارة وصحف وكومة كبيرة من الكتب.

عالم الأغيار

استطاع جابر إيواءهما لعدة أيام، أراهما خلالها تفاصيل المكان الذي يعيش فيه وقبل خروجهم من العشة كان جابر قد لطخ وجوههم بالشحم والبسهم ثياب رثة حتى يكونوا مثلهم، أراهما كم البؤس والقذارة التي تحيط بهم وافتقادهم لأدنى حقوقهم كبشر، فقد وصل بهم الأمر لمطاردة الكلاب والقطط في الشوارع لأكلها وأكل الدجاج النافق من المزارع في يوتوبيا، حتى شبكة الصرف الصحي لم تعد موجودة وأصبح المكان كله عبارة عن دورة مياة عمومية، ولكنه لم يحك لهما عن مترو الأنفاق الذي أغلقته الحكومة منذ زمن ولكنه يستطيع الدخول إليه خلسة هو وأصدقاؤه واعتبره عالمه الخاص، حكى لهما عن صديقه عزوز الذي ظفر به ثلاثة من يوتوبيا وقتلوه عندما لم يقدروا على اختطافه وقطعوا يده ثم أتت طائرات المارينز وحلقت فوق الخرائب وأخذتهم بعد اشتباكات مع الأهالي وإطلاق النار عليهم ورحلت الطائرة مخلفة وراءها الجثث وعاصفة من الحقد الأعمى.

بعد مرور عدة أيام على وجودهم عند جابر شاع خبرهم بين الناس وأصبح وجودهم خطرًا عليهم وعلى جابر أيضًا، فقرر جابر أن عليهما العودة إلى يوتوبيا، أعد جابر كل شيء وأخبرهما أن يستعدا للرحيل وأنه سيغيب ساعتين فقط ثم يعود لأخذهما، وفي أثناء غيابه انقض ابن مراد بك على صفية وقام باغتصابها بالرغم من مقاومتها العنيفة ومعرفته التامة بأنها مصابة بالدرن، ولكنه كان يحمل بداخله مشاعر الاحتقار والازدراء للأغيار لم تتغير حتى بعد مساعدة جابر له هو وصديقته، صعب أن تنتزع مشاعر يوتوبيا من أنفس ساكنيها، ولم يكتف بذلك بل هددها أنها لو تكلمت سوف يقتل أخاها فآثرت هي الصمت.

عاد جابر ليأخذهما وشعر بأن أخته شاحبة وغريبة ولكنها لم تتكلم وهو لم يسأل، وانطلق هو وابن مراد بك وصديقته إلى مكان يوجد به سيارات تحمل العمال إلى يوتوبيا، ولكن ابن مراد بك راودته الكثير من الأسئلة ومشاعر الشك فكيف سيدخلون إلى يوتوبيا بدون تصريحات وهو لا يستطيع الاتصال بوالده ليأخذهما بالطائرة فقد سُرق هاتفه، ولكن جابر أنزلهم في منتصف الطريق وشقوا طريقهم في الصحراء حتى وصلوا إلى تلة وقف خلفها رجلان دفع لهما جابر مبلغ زهيد وأقنعهما أن هذين الإثنين من الأغيار ويريدان أن يجربا حظهما في السرقة داخل المدينة، فقام الرجلان بالحفر حتى ظهر باب من الحديد يقود إلى نفق من الأنفاق التي بناها الأغيار ليستطيعوا الوصول إلى يوتوبيا، نزل ابن مراد بك وصديقته وجابر إلى النفق وأوصلهما جابر إلى الطرف الآخر من النفق وودعهما وقبل صعودهما ورحيله باغته ابن مراد بك بحجر على رأسه فسقط على الأرض وقام بقتله وقطع يده وأخذها كتذكار.

اندلاع الثورة

عاد هو وصديقته إلى البيت ووسط احتفالات من أصدقائهما بعودتهما أظهر التذكار وأخذ يتفاخر به أمامهم، وبعد فترة انتشر خبر تعطل الطائرات والسيارات في المدينة بأكملها، فقد هاجم الأغيار قافلة هائلة تحمل البايرول (مادة كيميائية بديلة للبترول فلم يعد البترول مستخدمًا) ليوتوبيا عبر الصحراء وقاموا بإفراغ الخزانات وملؤها بمياه الصرف الصحي، فأدى ذلك لتعطيل وسائل المواصلات في يوتوبيا وأصبح كل من فيها محاصرين.

ثم وصلت الأخبار أن الأغيار يتقدمون عبر الصحراء في تجمعات منتظمة وفي حالة شديدة من الغضب بسبب ما حدث لجابر واخته واقتربوا من بوابات يوتوبيا، وكان المارينز يحرسون البوابات بأسلحتهم الثقيلة مستعدين لإطلاق النار، فهرع ابن مراد بك إلى السور ورأى الحشد الكبير من الأغيار رأى الجميع السرجاني وسمية وصفية وباقي الأهالي فانتزع البندقية الآلية من يد جندي المارينز بجواره وصوبها نحوهم وبدأ في إطلاق النار.

للمزيد من ملخصات الكتب

ملخص كتاب شربة الحاج داود لأحمد خالد توفيق

ملخص رواية “الطنطورية” للكاتبة رضوى عاشور

ملخص رواية “الطنطورية” للكاتبة رضوى عاشور

“إن الحكاية صعبة. لا تُحكى. متشعبة. ثقيلة. كم من حرب تتحمل حكاية واحدة؟ كم من مجزرة؟ ثم كيف أربط الأشياء الصغيرة على أهميتها بأهوال عشناها جميعًا؟” رضوى عاشور، رواية الطنطورية

كان بحر الطنطورة حاضرًا بقوة في حياة رقية يؤثر فيها بأمواجه وصوته الهادر ورائحته التي تملأ أرجاء الطنطورة، صديق طفولتها تجمع فيه ذكرياتها السعيدة فيحفظها وتبث فيه حزنها فتنساه، كانت الأمور مستقرة في القرية حتى جاء قرار التقسيم فكان خط الساحل من جنوب عكا إلى جنوب يافا والطنطورة يدخلون بعد التقسيم في نطاق دولة اليهود، فاضطرب الأهالي وزادت اجتماعات الرجال لكي يتدبروا أمرهم فيما هو قادم وزادت الأمور سوءًا بعد تلك الاشتباكات التي نشبت بين العمال اليهود والعرب في مصفاة النفط بعد أن ألقى اليهود قنبلة من سيارة مسرعة على أهالي مسالمين فقتلوا وجرحوا كثيرين، ثار العمال الفلسطينيون فانقضوا بالعصي والسكاكين على العمال اليهود، وردًا على ما فعلوا هجم اليهود على بلد الشيخ وعلى حي من مشارفها يسكنه عمال في المصفاة من إجزم وعين غزال وقرى أخرى مع زوجاتهم وأولادهم ودخلوا عليهم بالبلطات والسكاكين والقنابل والبنادق وخلفوا وراءهم الكثير من الجثث والخراب.

بعد أسابيع قليلة من تلك الحادثة وصل القرية لاجئون من قيسارية التي سقطت في أيدي اليهود وأرغم أهاليها على تركها، فاستضاف أهل الطنطورة اللاجئين وكان من نصيب أسرة رقية من الضيوف أرملة لها طفلين صغيرين طفل في الرابعة يسمى عبد الرحمن وصبية في عمر رقية تقريبًا تسمى وصال وأصبحتا صديقتان مقربتان، وتغيرت الأحوال في القرية وبدأ الرجال في تنظيم أنفسهم لمواجهة الخطر وشرعوا في شراء سلاح وشكلوا لجنة لتنظيم حراسة البلد وبدأوا بالتدرب على استخدام السلاح والتصويب فوق الأسطح، حتى أن الكلام تغير في القرية فأصبح ذكر أسماء العصابات الصهيونية وزعمائها أمرًا عاديًا بين نساء القرية فعرفن من هم الهاجاناة ومن شتيرن ومن إتسل ومن هو بن جوريون، وبعد فترة قصيرة وصلهم خبر وقوع محمد الحنيطي قائد حامية حيفا ورفاقه في كمين وهم عائدون من لبنان بشاحنتين من السلاح وبعد إسبوعين من الخبر سقطت حيفا، وساءت الأمور وعاد أخواها من حيفا مكان عملهما مشيًا على الأقدام عبر الأحراش والسكك الجبلية الملتفة، وخرج كل من في حيفا إلى الميناء جماعة لمغادرة البلد، وبعد سقوط حيفا التي كانت عاصمة القضاء استشهد عبد القادر الحسيني أثناء سقوط القسطل وفي اليوم التالي من سقوطها هاجم اليهود دير ياسين وذبحوا من ذبحوا من أهلها ثم سقطت عكا وبعدها صفد.

وفي يوم من أيام الجمعة كان مختلفًا عن بقيتها ساد في البلدة حالة صمت رهيبة غير طبيعية استغربتها رقية كثيرًا وتساءلت عن السبب ولكن لم يجيبها أحد، وفي مساء ذلك اليوم تأكد الخبر وأصبح واقعًا وبيانًا مكتوبًا وقع عليه زعماء اليهود وأعلنه بن جوريون والبيان يكون نافذًا بدءًا من الدقيقة الأولى بعد منتصف الليل فينتهي الحكم البريطاني على فلسطين ويغدو البلد دولة اليهود ويصير اسمها إسرائيل.

ارتبك الأهالي وأصبحت الأخبار كثيرة تأتي من كل حدب وصوب والجميع يتحدثون ويتناقلون الأخبار عما تفعله الجيوش العربية فهذا يقول عبرت مصر رفح والعوجا وذاك يقول دخلت سوريا من جنوب بحيرة طبريا واللبنانيون عند رأس الناقورة وجيش الأردن عبر جسر دامية وغيرها من الأخبار التي احتموا وأخفوا خوفهم خلفها والتي اعتبروها تبشر بالخيرات.

وفي يوم أيقظت أم رقية ابنتها في منتصف الليل وأمرتها أن توقظ وصال وأخيها وأن تستعد للرحيل ووقفوا جميعًا أمام البيت وأغلقت أمها الباب بمفتاح كبير أدارته في القفل سبع مرات ووضعته في صدرها وتحركوا جميعًا إلى بيت جارهم أبي جميل وفور وصولهم أمرتهم أم وصال بأن يأكلوا فلا يعلموا ما سيحدث في اليوم التالي وظلوا جميعًا مستيقظين يفزعهم صوت القصف الذي يصم الآذان وفور طلوع الفجر دخل عليهم المنزل ثلاثة رجال مسلحون وساقوهم إلى الخارج مهددين لهم بأعقاب البنادق وإطلاق الرصاص فوق رؤوسهم، وفي الطريق رأت رقية الكثير من الجثث الملقاة بعضها لجيرانها ومعارفها والبعض الآخر لا تعرفه.

ساقوهم إلى الشاطئ وقسموهم إلى مجموعات الرجال في جهة والنساء والأطفال في جهة أخرى وشرعت المجندات في تفتيش النساء وأخذ كل ما معهن من حلي وأي ممتلكات أخرى ثم أخذوهم باتجاه المقبرة حيث كانت شاحنات في الانتظار لحملهم وطلبوا منهم الصعود تحت تهديد السلاح وقبل صعود رقية للشاحنة صرخت وأمسكت بذراع أمها عندما رأت أبيها وأخويها جثثًاهامدة على بعد أمتار قليلة منها وسط مجموعة من الجثث الأخرى لشباب ورجال البلدة.

أخذتهم الشاحنات إلى الفريديس على بعد أربعة كيلو مترات من الطنطورة وتم تسليمهم بالعدد المكتوب في الأوراق إلى مختار الفريديس وتم توزيعهم على بيوت الأهالي، وبعد أربعة أسابيع استلمهم الصليب الأحمر ونقولهم شرقًا إلى أرض قفر في المثلث واستلمهم ضباط أردنيون وحملتهم الباصات إلى طولكوم وأنزلوهم في مدرسة قرب سكة حديد الحجاز وأثناء إقامتهم هناك قصفهم اليهود مرة أخرى واستشهد منهم الكثير ثم تم نقلهم إلى دير المسكوبية في الخليل وخلال كل هذه الفترة كانت رقية لا تتكلم وكأنها فقدت القدرة على النطق.

وبعد ستة أشهر تفرق الجميع فذهب كل واحد إلى أهل أو معارف له فأعلنت أم رقية أنهم سيذهبون إلى صيدا عند عم رقية الذي كان قد سافر قبل فترة من الطنطورة وافترقت عنهم أم وصال ووصال وأخيها وذهبوا إلى جنين، أما رقية وأمها سلكتا الطريق إلى صيدا وعندما وصلتا إلى بيت عمها نطقت أول كلامها منذ أن تركت الطنطورة وهمست لعمها أن أبيها وأخويها قد قتلوا ورأتهم بأم عينها ولكن أمها ترفض التصديق وتقول إن زوجها في الأسر وابنيها هربا إلى مصر.

طلب عم رقية يدها إلى ابنه أمين وتمت الزيجة، كان أمين طبيبًا يعمل في وكالة الغوث وأنجبت منه رقيه ثلاثة أولاد، ثم انتقلت للعيش مع زوجها في بيروت لأن أمين بدأ العمل مع الهلال الأحمر الفلسطيني، بدأت رقية تزور نساء المخيم الذي يقطنه الفلسطينيون وفي أثناء زيارتها المتكررة علمت أن كل النساء حملن معهن مفتاح دارهن تمامًا كما فعلت أمها دون سابق اتفاق بينهن.

كان عم رقية أبو الأمين يكره الذهاب إلى المخيم ولا يطيق فكرة أنه لاجئ حتى أنه رفض إدراج أسمه وأسماء عائلته في كشوفات وكالة الغوث، ولكن بعد أن أعلن عبد الناصر تنحيه تمامًا ونهائيًا عن منصبه غادر المخيم مكانه بعد أن كان على أطراف المدينة وأصبح في المركز واستتب وكلما حاصره الجيش أو أطلق النار تصدر أكثر وأصبح أكثر تمركزا، حينها كان أبو الأمين كثير التردد على المخيم وأصبح له شهرة وكلمة مسموعة فيه يدرب الشباب ويعطي الأوامر هنا وهناك وأصبح يصطحب صادق حفيده الأكبر وألحقه بفريق الأشبال ويحث حسن حفيده الأوسط على رسم خريطة للبلاد حتى يعرفها أكثر وكان دائمًا ما يحكي لهم عن رسام الكاريكاتير المشهور ناجي العلي وعن معرفته الشخصية به.

عاشت رقية مع زوجها وأولادها في بيروت حتى كبر الأولاد وأصبحوا على دراية أكبر بالقضية ولكنهم تعرضوا للكثير من المضايقات بسبب أصلهم الفلسطيني فكانوا يوصفون بأنهم عصابات قاتلة، وبعد سنوات طويلة فاجأتها زيارة من ذلك الفتى الصغير الذي عاش عندهم هو وأخته وصال والذي لم يعد صغيرًا بالمرة بعد أن أتم دراسته الجامعية وأصبح يعمل في مركز الأبحاث بييروت، فعادت إليها الذكريات مؤلمة توقظ في قلبها نارًا حارقة، وأصبحت أكثر عزلة وانكماش فاقترح عليها زوجها والأولاد أن تكمل دراستها في المنزل وقد فعلت وأول ما قرأته كان قصة قصيرة لغسان كنفاني بعنوان “أرض البرتقال الحزين” وتأثرت بها كثيرًا ولكن ظل سطر واحد منها متعلق في ذهنها يقول ” وعندما وصلنا صيدا في العصر، صرنا لاجئين”.

وفي يوم من أيام شهر تموز كان شديد الحرارة وصلها خبر اغتيال غسان كنفاني الذي غادر البيت وركب سيارته وأدار المفتاح فانفجرت فيه السيارة هو وابنة أخته، وبعد 11 يوم من اغتيال غسان كنفاني جاءها خبر محاولة اغتيال أنيس صايغ في مركز الأبحاث الفلسطيني.

انشغلت رقية بأعمالها في المخيم تعطي دروسًا في محو الأمية للكبار ودروس تقوية للصغار وطباعة البيانات وتعرفت على الجميع وصار لها شعبية بين نساء المخيم وكل واحدة منهن شرعت تحكي لها حكايتها وكيف أخرجوهم من بلادهم قسرًا والرعب والعذاب الذي عشنه، وكيف كان اليهود يمنعونهم من رعاية الأرض أو حصاد المحصول وكيف قاومهم الأهالي وانقضوا عليهم بالأسلحة والعصي والسكاكين ففر اليهود هاربين وتركوا وراءهم أكياس القمح الذي حصدوه من أراضي البلدة وثلاثة مدافع رشاشة وسبع آلات كبيرة لحصد القمح، وعندما ذهب الشباب إلى أماكن تمركز اليهود في القرية وجدوا الكثير من الصناديق التي تحتوي على ممتلكات أهل القرية من ثياب ومفارش حتى الغرابيل لم يتركوها.

قرر الشباب البقاء لتأمين القرية حتى جاء عسكر جيش الإنقاذ وقالوا أنهم سيتكفلون بحماية البلدة وطلبوا منهم الإخلاء، ووقعت معارك بين جيش الإنقاذ واليهود حتى انسحب جيش الإنقاذ وهاجم اليهود القرى المجاورة وشردوا أهلها إلى لبنان واعتقلوا الكثير من الرجال وعندما أفرجوا عنهم ربطوا أعينهم ثم أنزلوهم عند نقطة الحدود مع لبنان وقالوا اركضوا ومن ينظر إلى الوراء يُقتل، ومجرد أن بدأوا بالركض أطلق عليهم اليهود النار ومات معظمهم ومن عاش حكى الحكاية.

مرض أبو الأمين وانقطع عن الذهاب إلى المخيم والمظاهرات ولازم الفراش وانتقلت رقية إلى بيت عمها لترعاه، اشتعلت المظاهرات في صيدا وكان على رأسها معروف سعيد والدكتور نزية البزري نائب صيدا في البرلمان وانتهت تلك المظاهرات برصاصة أصابت معروف سعيد وراح ضحيتها، اشتد الغضب بأهل صيدا وأقاموا جنازة كبيرة لتشييع جثمانه وأقيمت جنازات رمزية في بيروت والبلدان المجاورة، وأخذ أبو الأمين يحكي لهم عن معروف سعيد الذي كان يدرس في مدرسة البرج في حيفا ويشاركهم في المقاومة المسلحة، ويعمل مع الشباب في الجنوب لمنع تصدير الخضراوات والفواكة عبر الحدود الفلسطينية اللبنانية إلى المستوطنين وسلطات الاحتلال البريطاني، يحكي أبو الأمين وهو يبكي وبعدها رحل وكان في رحيله رحمة فلم يكن ليتحمل هول الأيام القادمة فكيف كان سيتحمل حصار تل الزعتر وتحالف سوريا مع الكتائب وأن جماعة عرفات وأمل يقتلون الأهالي في الجنوب وجماعة أمل تحاصر المخيمات.

اندلعت الحرب في لبنان وتمنت رقية لو يسافر أولادها بعيدًا عن الخراب وبالفعل سافر صادق للعمل في الخليج وحسن للدراسة في مصر وظلت هي وزوجها وعبد الرحمن الصغير في بيروت، وفي يوم جاء أمين لها ببنت صغيرة تسمى مريم أنقذوها من تحت الأنقاض بعد أن دُمر بيتها تحت القصف وفقدت كل أهلها وهي الوحيدة التي نجت، فأحبتها رقية كثيرًا.

كانت الحرب تتبعها حرب ثم حرب أخرى وهكذا، وتوالت النكبات فمثلا عام 1975 اختطفت الكتائب 300 مسلم وقتلت سبعين آخرين فردت الحركة الوطنية بالاستيلاء على منطقة الفنادق وبعدها سادت الفوضى وكثرت عمليات النهب والشغب والاعتقالات الجماعية، وقبل ذلك كان قد قُتل 63 من العمال السوريين وأُجبر الآلاف منهم على الرحيل وبعدها حصار تل الزعتر وجسر الباشا وأحياء في الصفيح ثم الاجتياح الإسرائيلي عام 1978.

كانت رقية تحتفظ دائمًا بحقيبة صغيرة يمكن حملها على عجل عند اشتداد القصف فتأخذها مسرعة وتأخذ مريم وأم الأمين وتسرع إلى الملجأ، استمر القصف اليومي طوال شهرين وفي نهاية الشهر الثالث رحلت المقاومة عن بيروت وظنت رقية أن الحرب انتهب بالهزيمة واحتلت لبنان، ولكن لم تطل المدة حتى جاءهم خبر انفجار بيت الكتائب في الأشرفية وموت بشير الجميل وبعدها بيوم واحد استيقظوا على قصف شديد علموا بعده أن القوات الإسرائيلية تتقدم لاحتلال بيروت الغربية وحاصرت مخيمي صبرا وشاتيلا من جديد والأحياء المناهضة لهما، ثم دخلوا المستشفى العام يبحثون عن المخربين ولكنهم لم يجدوا أحد فأكلوا وشربوا من كافتيريا المستشفى دون استئذان ووزعوا الحلوى على الأطفال وسمحوا لهم باللعب قرب حواجز التفتيش فقد احتلوا البلاد وحققوا ما أرادوا ولا حاجة لمزيد من العنف والقتل والآن الوجه الآخر لهم: شوكولاتة وبونبون وابتسامة بالكلوروفيل “وجئنا لنحميكم”.

ولكن جاء العنف من طريق آخر، سمعت رقية صوت القصف فاتجهت إلى الملجأ هي ومريم وأم الأمين ولكن كان القصف مختلف فكانت القذائف تضئ السماء وكأنها الظهيرة ولا أثر لدخان أو غبار وعندما انتهى القصف رجعوا إلى بيوتهم، وفي وقت متأخر من الليل سمعت رقية طرق شديد على الباب ففتحت الباب فزعة فوجدت هنية تلك الممرضة التي أتى بها أمين لترعى أمه ولكنها كانت في حال يرثى لها بثياب ممزقة تحمل صغيرها بين يديها وطفلتها معلقة على ظهرها بأقمطة من القماش، وحكت لرقية عما حدث لهم في ملجأ أبو ياسر حين دخل عليهم مسلحون من الكتائب يتحدثون العربية وأخرجوهم من الملجأ وأوقفوا الرجال في صفوف بمحازاة الحائط والنساء والأطفال في صفوف أخرى وساقوهم بعيدا أثناء ذلك أطلقوا النيران على كل الرجال عند الحائط وهي استطاعت أن تركض مبتعدة ومتحاشية كل الطلقات التي انهمرت عليها حتى وصلت إلى المستشفى فضمدوا جراحها ثم انطلقت إلى بيت رقية.

ثم وصلهم الأخبار أن تلك القنابل الضوئية أطلقتها القوات الإسرائيلية لتسهل على الكتائب اللبنانية الدخول وأن الكتائب ورجال سعد حداد يدخلون البيوت ويقتلون الناس بالبلطات والسكاكين ويغتصبون البنات ويهدمون البيوت على رؤوس أصحابها بالجرافات.

أما ما حدث في مستشفى عكا كان الفاجعة الكبرى، قامت الكتائب بمحاصرة المستشفى وأخرجوا الأطباء والعاملين فيها وأوقفوا الأجانب في صف والعرب في صف آخر وكانت معاملتهم للأجانب لطيفة نسبيا، ثم ساقوا العرب إلى المدينة الرياضية وقتلوا العض والبعض الآخر قد اختفوا ولم يُسمع عنهم أي أخبار وقاموا باختطاف ممرضتين إحداهما فلسطينية والأخرة لبنانية وتناوبوا على اغتصابهما حتى الموت، ثم رحلوا عن المستشفى بعدما أخلوها كاملة حتى قسم الأطفال، وفي اليوم التالي وجدت ممرضة طفلًا مقتولا في حديقة المستشفى وعندما عادت إلى صبرا وجدت أطفالا مقتولين تعرفت عليهم ممن كانوا في المستشفى ومن بينهم طفل مشلول قتل ببلطة، وشهد عدد من الناس أنهم وجدوا في ملجأ مغلق جنوب غرب المخيم في حي عِرسال جثثُا مكومة على بعضها بينها جثث رضع وأطفال غير مكتملة النمو ويعتقد أنهم المواليد الذين كانوا في المستشفى، وكان أمين من ضمن المفقودين في حادث المستشفى.

رغم كل هذا تمسكت رقية بحياتها في لبنان على الرغم من وجود تسريبات في الجرائد عن خطط لتقليص عدد الفلسطينيين في لبنان من نصف مليون إلى خمسين ألف، وكثرت المنشورات التي تلقى على المخيم تتوعد وتهدد والاعتقالات اليومية وعمليات القتل والخطف والجثث المشوهة التي يجدونها بالقرب من عين الحلوة وصيدا، والمنشورات التي تطالب الغرباء الإرهابيين الذين قهروا لبنان وتسببوا في خرابه بالرحيل، ويسمون الفلسطينيين بالقتلة والجراثيم والقمامة ويرددون أن إسرائيل جاءت لتخلصهم منهم وأن لبنان وإسرائيل سيكتسبان قوة بالعمل معًا، ويقولون ستجتمع الحضارتان.

بعد أربع سنوات قررت رقية الانتقال مع مريم لتعيش مع ابنها صادق في أبوظبي ولكن رغم عيشها المنعم هناك كان دائمًا بداخلها حنين لبلدها الطنطورة وأهلها حتى قابلت أبي محمد في أبوظبي شيخ من الطنطورة فتوثقت بينهم علاقة ود وأصبح بينهم زيارات متعددة حكى لها فيها عن المعاناة التي عاشها وما فعله معهم الجنود الإسرائيليين وكيف حشروهم في الشاحنات وحبسوهم كل 30 في غرفة ضيقة لا تتسع لهم إلا وهم واقفين ولا طعام فقط إهانات وضرب، وأجبروهم على العمل بالسخرة في هدم بيوت أهاليهم، وكيف جاءوا بشاحنات تحمل مئات الرجال وكان واضحًا أنهم لم يتناولوا شربة ماء منذ أيام فأنزلوهم على صنبور ماء واحد فتدافعوا عليه وأطلق عليهم اليهود النار فمات منهم من مات وعرفوا بعد ذلك أنهم أسرى من اللد والرملة.

كانت رقية تحب رسومات ناجي العلي وكانت تتابعها كل يوم في جريدة بيروت بل وتقصها وتحتفظ بها، وكانت الرسومات تتضمن شخصية واحدة ثابته لفتى في العاشرة من عمره يسمى حنظلة في ثوبه رقعة وشعره مشعث يقول عنه ناجي العلي أنه كأشواك القنفذ المستنفرة للدفاع عن النفس، توقفت رقية عند رسمة لناجي العلي نُشرت في جريدة السفير بتاريخ 16/9/1982، حنظلة يتطلع إلى مقبرة جماعية عليها صلبان تمتد على مدى النظر حتى خط الأفق حيث تلتقي مع سماء سوداء كل صليب منها كأنه إنسان مصلوب تشير يده للجندي الإسرائيلي في أقصى يسار اللوحة وكأن ناجي توقع المجزرة قبل يوم من وقوعها، وطوال ثلاثة أيام تلت لم تحمل الجريدة رسمة لناجي العلي وكأنه التزم الحداد لثلاثة أيام، وفي يوم 22/9/1982 نشرت الجريدة في المكان المعتاد رسمة له عبارة عن العلم اللبناني يقطعه شريط بالطول كُتب عليه كلمة “النهاية ” وتحت العلم كومة من الجثث الدامية وحنظلة يتطلع، كانت رقية ترى أن رسوماته في غاية الأهمية ما داموا يخشونها إلى حد قتله.

وبعد سنوات كثيرة قضتها رقية في أبوظبي قررت السفر مع مريم إلى الإسكندرية لتدرس مريم الطب وبعد اسبوع من وصولهم شاهدت على التلفاز توقيع اتفاقية أوسلو فسرت المرارة في حلقها وتحطم قلبها من الحزن وفي نفس المكان وعبر نفس التلفاز شاهدت أخبار مجزرة الخليل ثم وقائع اجتياح إسرائيلي جديد لجنوب لبنان ومذبحة قانا وتتابع جنازة الشهداء في صمت.

بعد أن أتمت مريم دراستها وسافرت مع أخيها عبد الرحمن إلى فرنسا قررت رقية الرجوع إلى صيدا مهما كلف الأمر ولو كان بيدها لرجعت للطنطورة، تولى صادق الأمر ودبر لها شقة، بالرغم من سوء الأحوال في المخيم سُمح لهم بالذهاب للحدود الفلسطينية لمقابلة ذويهم وأقربائهم ولكن من خلف الأسلاك الشائكة وذهبت معهم رقية، رأت الناس خلف الأسلاك وتعالت الصيحات والزغاريد وكانت المفاجأة الكبرى عندما وجدت ابنها حسن الذي لم تره من سنين لأنه ممنوع من دخول لبنان خلف الأسلاك هو وزوجته وأولاده ويحمل بنت صغيرة لم تكن قد رأتها حتى هذه اللحظة أسماها رقية وحملها إليها فوق الأسلاك التقطتها رقية ونظرت إليها بحب ثم سحبت مفتاح دارهم الذي علقته في رقبتها كما كانت تفعل أمها ووضعته على الصغيرة وأعادتها إلى أبيها صائحة ” مفتاح دارنا يا حسن، هديتي إلى رقية الصغيرة”.

للمزيد من ملخصات الكتب

ملخص رواية ثلاثية غرناطة

ملخص “المعطف” لنيقولاي غوغول

ملخص “المعطف” لنيقولاي غوغول

يعمل أكاكي أكاكيفيتش في إحدى الدوائر الحكومية القابعة في سان بطرسبرج، كان ينتمي لفئة بسيطة عرفت بالمستشارين الفخريين والتي كانت موضع سخرية وتهكم من قبل الكتاب، كان أكاكي هادئ الطباع صامت معظم الوقت يعمل بجد ويحب عمله في نسخ الوثائق المهمة، كان العمل عزائه الوحيد عن حياته البائسة وبالرغم من عدم اختلاطه بزملائه في العمل فإنهم لا يتركوه وشأنه أبدًا، كانوا يتضاحكون ويرددون النكات حوله وبدون أدنى اهتمام بمشاعره وكان يقابل تلك السخافات بالصمت ولكن أحيانًا تكون تلك المضايقات لا تطاق مصحوبة بهزة في كوعه مثلًا تعيقه عن عمله فيرد عليها بعبارات مقتضبة مثل ” دعني وشأني، لماذا تعذبني؟ “.

لم ينل أكاكي أي اهتمام من أي أحد حتى من البوابين والعمال في المكتب يمر وكأنه شبح لا أحد يراه ولا أحد يهتم به، لم يكن يعير ملابسه أدنى اهتمام فكانت دائمًا غريبة المظهر ولونها غير معروف وفيه ظلال ملطخة بأصباغ حمراء ودائمًا ما يوجد شيء ملتصق بها حفنة من القش مثلًا أو قطعة خيط.

كان الشتاء في بطرسبرج قارصًا لا يحتمل يحتمي منه الناس داخل معاطفهم السميكة المبطنة، وكالعادة كان معطف أكاكي النكتة الدائمة في المكتب فقد حرم من مكانة المعطف وأصبح في مكانة أدنى، وعندما حل الشتاء هذه المرة بدأ أكاكي يشعر بآلام مبرحة في ظهره وكتفيه فقام بفحص المعطف جيدًا ووجد أنه في موضعين أو ثلاثة على الظهر قد اهترأ تمامًا وأصبح رقيقًا وشفافًا وتمزقت بطانته إلى قطع، فأدرك أن من الضروري الذهاب للخياط بتروفيتش ليعيد ترقيع المعطف.

عندما رأى بتروفيتش المعطف أخبره أن لا فائدة من الترقيع لأن المعطف سيتمزق إذا لامسته الإبرة وعرض ضرورة أن يقتني أكاكي معطف جديد، وقع الخبر على أكاكي كالصاعقة لأنه لا يمتلك نقود كافية لخياطة معطف جديد ولا يمكن إصلاح القديم كما لا يمكن قضاء شتاء بطرسبرج بدون معطف سوف يتجمد من البرد.

بعد تفكير طويل وقرر أخيرًا أن يخفض مصروفه اليومي لمدة سنة على الأقل وأن يتوقف عن شرب الشاي ويعيش بدون شمعة ويحاول خفض نفقاته لأكبر قدر ممكن حتى أنه قرر أن يعيش بدون مأكل طوال فترات المساء، وأفرغ كل مدخراته ليجمع المبلغ المطلوب، كان هذا الحرمان ثقيلًا عليه ولكنه سرعان ما تأقلم معه وشغل نفسه وملأ أفكاره بالمعطف الجديد.

بدأ بتروفيتش بخياطة المعطف وكان أكاكي يمر عليه كل شهر ليطمئن إلى أين وصل في خياطته، وذهب مع بتروفيتش وفتشوا كل محلات القماش في بطرسبرج حتى وجدوا قماش جيد جدًا وبسعر مناسب، وسارت الأمور على أحسن ما يرام فقد منحه المدير علاوة قدرها ستين روبلًا كاملة، وبعد ثلاثة أشهر استطاع أكاكي أن يوفر ثمانين روبلًا أخرى فتمكن من أن يبتاع قماش من النوع الخام للبطانة وفراء قطة من أجل الياقة.

وأخيرًا انتهى بتروفيتش من خياطة المعطف وأحضره إلى أكاكي في يوم كان أكثر الأيام ظفرًا في حياته بأكملها، أحضر بتروفيتش المعطف في الصباح الباكر قبل أن يغادر أكاكي إلى عمله فكانت فرصة لارتدائه قبل الذهاب إلى المكتب، وعند وصوله سلمه إلى البواب ليضعه في مكان آمن.

انتشر خبر معطف أكاكي أكاكيفيتش الجديد في المكتب فتدافع الجميع إلى الردهة ليروا المعطف وغمروا أكاكي بالتهاني والمجاملات التي كان يرد عليها بالابتسام، ثم قام أحد الموظفين وكان مساعد لكبير الكتبة بدعوة كل من في المكتب وعلى رأسهم أكاكي إلى منزله في المساء لأنه سيقيم حفلًا صغيرًا، حاول أكاكي التهرب ولكنه لم يفلح كما أنه وجدها فرصة جيدة لارتداء معطفه الجديد في المساء مرة أخرى.

وصل إلى الحفل وخلع معطفه وعلقه بعناية، فور دخوله توالت عليه التحيات والتهاني ثم ذهب كل واحد إلى شأنه، لم يتأقلم أكاكي مع الحفل فظل يراقب الأشخاص من بعيد وحاول الذهاب ولكن صاحب البيت منعه، فظل إلى وقت متأخر في الحفل ثم قرر الذهاب أخيرًا وفي أثناء عبوره أحد شوارع بطرسبرج المقفرة التي يجب أن يعبرها حتى يعود لمنزله وجد أمامه رجلين ضرباه ضربًا مبرحًا وسرقا معطفه الجديد، فقد أكاكي الوعي لبضع دقائق وعندما أفاق ووجد معطفه اختفى ظل يصرخ ويركض في الشارع حتى وصل إلى الشرطي وبدأ يصرخ فيه بأنفاس متقطعة يلومه على إهماله.

ركض أكاكي إلى المنزل وهو في حالة مروعة للغاية وأخذ يطرق على الباب بطريقة هيستيرية أفزعت صاحبة البيت التي هرعت إلى الباب ووجدته في حالة انهيار، أخبرها بما حدث معه فنصحته أن يذهب إلى مفتش الشرطة لأن الظابط لن يستطيع فعل الكثير، فذهب أكاكي لمقابلة مفتش الشرطة واستطاع مقابلته بعد الكثير من المحاولات ولكن لم يظفر بشيء ورجع يجر أذيال الخيبة.

وصل أكاكي في صباح اليوم التالي إلى مكتبه في معطفه القديم يعلو وجهه الشحوب والحزن، مست قصة سرقة المعطف قلوب الكثير من العاملين في المكتب وقرروا جمع التبرعات لمساعدته ولكن لم يجمعوا إلا مبلغ قليل جدًا، ونصحه أحد زملاؤه أن يذهب إلى شخص مهم ليقوم بتحريك الأمور بصورة أسرع، كان هذا الرجل المهم طيبًا في أعماقه ولكن منذ ترقيته إلى رتبه جنرال فقد صوابه تمامًا فأصبح مشوشًا وانحرف عن الطريق السوي.

ذهب أكاكي لمقابلته وبعد عناء وانتظار استطاع أخيرًا أن يراه وما أن بدأ يسرد سبب مجيئه حتى نهره الرجل بشده وأهانه وصرخ فيه لدرجة أفزعته فوقع أرضًا وقام الخدم بإخراجه وقام هو بجرجرة نفسه إلى المنزل فلم يكن قادرًا على الحركة أو النطق بكلمة واحدة، ألقى بنفسه على الفراش وكل أجزاء جسمه متورمة وتؤلمه وفي اليوم التالي أصابته حمى شديدة فأحضرت له صاحبة البيت الطبيب الذي أخبرها أنها النهاية وأنها يجيب أن تبتاع له تابوت من الصنوبر.

لازمت الحمى أكاكي لفترة وانتابته حاله من الهذيان وظهرت أمام عينيه رؤى غريبة فكان يصرخ ويسب ويلعن ودائما كان السباب واللعنات مسبوقًا بعبارة ” يا صاحب السعادة ” حتى فارق أكاكي أكاكيفيتش الحياة وحيدًا لا أحد يحزن عليه ويرثى لموته ومات في هدوء مثلما عاش، بعدما فاز ببعض اللحظات السعيدة مع صديق مر على حياته لفترة وجيزة في صورة معطف.

بعد موت أكاكي بدأت تنتشر شائعات في بطرسبرج عن شبح على هيئة كاتب من كتبة الحكومة ظهر في المدينة يبحث عن معطف مفقود ويقوم بنزع شتى أنواع المعاطف من فوق أكتاف أصحابها.

شعر الرجل المهم بالأسى بعد ما فعله مع اكاكي فأرسل في طلبه ولكن وصله خبر موته، فعاد لرشده وأصبح أكثر رفقًا مع من يعملون لديه ومع العامة ولكن ظلت صورة أكاكي أكاكيفيتش الشاحبة الحزينة تطارده، فقرر أن يذهب لزيارة سيدة من معارفه عله يجد ما يشغله عن التفكير وأن لا يذهب إلى البيت مباشرة وفي الطريق وأثناء استغراقه في التفكير شعر فجأة بأن قوة عنيفة تشده من الخلف وعندما استدار فاق رعبه الحدود عندما تعرف على وجه أكاكي الشاحب كالثلج كوجه رجل ميت، فتح أكاكي فمه الذي كانت تفوح منه رائحة القبور وقال بصوت خافت ” أخيرًا وجدتك، والآن أطبقت عليك من ياقتك! إن ضالتي معطفك “

ولم يستغرق الأمر طويلًا حتى أخذ شبح أكاكي المعطف واختفى تاركًا الرجل بلا معطف في حالة من الفزع، وانتهت قصص سرقة المعاطف من على أكتاف الناس في سان بطرسبرج.

للمزيد من ملخصات الكتب

ملخص كتاب “الإرهاب” للكاتب فرج فودة

ملخص كتاب “الإرهاب” للكاتب فرج فودة

يتحدث الكاتب الدكتور فرج فودة عن الإرهاب بشكل مفصل في فترة الثمانينات فقد شهدت مصر في هذه الفترة الكثير من عمليات العنف تحت اسم الدين، وكيف تتعامل معظم وسائل الإعلام مع قضايا الاغتيال المتعددة التي حدثت في ذلك الوقت على سبيل المثال قضية اغتيال حسن أبو باشا الذي شغل منصب وزير الداخلية في الفترة ( 1982-1984)، بعد الحادث بدأ الإعلام ينفي قيام المنظمات الدينية المتطرفة باغتيال أبو باشا وحولوا أدلة الاتهام إلى أدلة للبراءة فظنوا أن ظهور الجناة باللحية ولبسهم الجلباب دليل نفي لأن عملية اغتيال لوزير الداخلية تحتاج إلى تخطيط جيد ولا يعقل أن ينفذ الجناة هذه العملية بسمات تكشف عن هويتهم.

كما حلل طريقة التنفيذ نفسها ووضح أن معظم العمليات التي تقوم بها تلك الجماعات غير مخطط لها تخطيط دقيق من الأساس وسمى اسلوبهم في التنفيذ بأسلوب قصعة الثريد حيث يتنافس الجميع على الصيد، والدليل على ذلك أنه كان بإمكانهم تنفيذ تلك العملية بعيدًا عن بيت أبو باشا حيث الحراسة الكثيفة، فمثلًا لو كانوا نفذوها في أحد شوارع القاهرة المزدحمة أو بعيدًا عن بيته ببضع مترات لجنبوا أنفسهم عناء الاشتباك مع القوات الأمنية ولكان الأمر أسهل بكثير.

الإرهاب حسب الطلب:

يرى الكاتب أن مصطلح الإرهاب في مصر يصنف إلى إرهاب مشروع وإرهاب غير مشروع أو إرهاب مستحب وإرهاب غير مستحب، فلو كان من تعرض للاغتيال شخص مكروه فيعتبر قاتله شهيد أما إذا كان شخص محبوب فيعتبر قاتله إرهابي.

وعرض الكاتب رأيه في اغتيال الملحق الإداري الإسرائيلي آنذاك وأن تلك الحادثة تعتبر عمل إرهابي لأنها أضرت بأمن وسلطة مصر ولو أن كل فئة قررت أن تصفي حسابها مع الأخرى بنفس الأسلوب لعمت الفوضى، وكذلك ما فعله سليمان خاطر عند قتله لمجموعة من السياح الإسرائيليين وكيف اعتبرت معظم الصحف أنه عمل بطولي ولو أنهم ناقشوا الأمر بهدوء لوجدوا أنه قاتل وليس بطل فما ذنب الأطفال والنساء والشيوخ وكيف يوصف قاتلهم بالبطل!

الشائعات والطلقات:

دائما ما يتعزز الإرهاب بإطلاق الشائعات حتى لو كانت غير منطقية وصعبة التصديق يكفي أن يكون لها صدى كبير يشغل الجميع ويعطيهم مبررات كاذبة يريحوا بها أنفسهم، مثل ما حدث قبل اغتيال أبو باشا فظهرت شائعة أنه رمى بالمصحف على الأرض فصدقها وتأثر بها كل فئات المجتمع من البسطاء حتى أصحاب المستوى العلمي المرتفع.

والشائعات التي أطلقت في حق عميد كلية الطب جامعة القاهرة أنه نزع النقاب عن طالبة من طالبات الكلية وسببت تلك الشائعة الكثير من المشاكل حتى بعد أن نفت الطالبة نفسها هذا الخبر، كما أنهم أشاعوا أن نفس الكلية دعت فرقة موسيقية مصرية تقوم بتمزيق المصحف والرقص فوقه على المسرح أثناء الغناء مما اضطر إدارة الكلية إلى إقامة الحفل تحت حراسة مشددة.

كما حكى الكاتب عن تجربة شخصية حدثت معه أثناء فترة الانتخابات عندما وجد أن عشرات الآلاف من المنشورات يتم توزيعها من جهة غير معلومة تحمل عبارات متناقضة وغير لائقة بجانب اسمه وصورته.

وكان أكثرها إثارة للسخرية شائعة أن الولايات المتحدة أرسلت شحنة من الدجاج المسمم إلى الدول النامية، وأن الدجاج يحتوي على مادة تسمى (بي سي بي) وهي مادة يظهر أثرها بعد عشر سنوات من تناولها، فاعتمدوا على إثارة الفزع واستهداف الفئة البسيطة من المجتمع المصري واختاروا اسم يشغلهم ويضع أمامهم الكثير من الاحتمالات كما أنهم ذكروا فترة زمنية كبيرة لتثبيت تلك الشكوك فمن يتذكر ما أكله من شهر مثلًا، وغيرها الكثير من الأمثلة يسردها الكاتب بالتفصيل.

التعذيب والإرهاب:

غالبا ما يتم ربط ظهور الإرهاب بالتعذيب، وكثيرا ما ذكر أن الإرهاب السياسي كان نتيجة مباشرة للتعذيب في سجون عبد الناصر وأن فكرة تنظيم التكفير والهجرة قد لمعت في ذهن شكري مصطفى بسبب التعذيب وتحت جلدات السياط، وأن سيد قطب كتب معظم كتابه الشهير في هذه السجون.

رأى الكاتب أن الإرهاب السياسي الديني قد بدأ مع نشأة الإخوان المسلمين حين كانت تتم بينهم البيعة على المصحف والمسدس، وأن نشأة الإرهاب مرتبطة بعقيدة التنظيم نفسه وليس بالمناخ السياسي السائد وأن ظاهرة التطرف العنيف الذي يستخدم الشعارات الدينية زورًا وتناميه الملحوظ بسبب تهاون الدولة في مواجهته وتخاذلها في التصدي لمثل هذه العناصر.

الإرهاب والمعادلة الجديدة:

قسم الكاتب اتجاهات الحركة الإسلامية إلى ثلاثة تيارات أولها تيار يتبنى منطق الثورة كطريقة لتغيير نظام الحكم بالقوة وذلك يتمثل في الجهاد، أما التيار الثاني يهتم بتجميع الثروات وهدفه هو السيطرة على الاقتصاد القومي، والثالث تيار سماه بالتيار التقليدي وهو تيار الإخوان المسلمين.

في البداية كان الكاتب يرى أن التيار الأول أكثر خطرًا والثاني أكثر نجاحًا والثالث أكثر تأثيرًا وكل تيار له خصائصه وأساليبه، وكان يظن أن هذه الاختلافات تمثل عائق لوحدة عملهم وتجعل التنسيق بينهم غير ممكن، ولكنه اكتشف خطأ تلك الأفكار وأن تلك التيارات تقوم بالتنسيق فيما بينها بصورة دقيقة وتأجل الاختلافات والتناقضات أو تتجاوز عنها إلى ما بعد وصولهم للهدف المطلوب.

الإرهاب وعجز المنطق:

يطرح الكاتب قضية مناداة تلك الجماعات بالدولة الإسلامية وأنهم يملكون نظرية حكم إسلامية متكاملة يتبعون فيها القرآن والسنة، يرى الكاتب أن الإسلام أعز وأعم وأن الله ترك أمور السياسة والحكم باجتهاد المسلمين لأن العصور تتغير وأن الإسلام لو كان مشتمل على نصوص ثابتة ومحددة بهذا الشأن فإنه يفرض الثبات على شيء متغير من الأساس.

كيف نواجه مشكلة الإرهاب؟

يرى الكاتب أن هناك ثلاث وسائل لمواجهة الإرهاب على المدى القصير وثلاث أخرى على المدى الطويل.

سبل الحل على المدى القصير:

الديموقراطية:
وصف الكاتب الوضع الديموقراطي السائد في مصر بالسماح الديموقراطي حيث تقوم الجهات العليا بتمرير الديموقراطية بما تراه ملائمًا لفئات المجتمع المختلفة، ولكن لا مفر الآن أن تتسع الديموقراطية للجميع دون قيد والانتقال إلى مرحلة المناخ الديموقراطي حيث يتمتع الجميع بحقهم في تكوين أحزاب أو إصدار صحف وغيرها من الحقوق اللازمة للتعبير عن الرأي والاعتراض بصورة حضارية، ولو حدث ذلك لكان أفضل بكثير ويمحي الكثير من الحجج التي يتبعها هؤلاء وفي صالح الدولة على عكس ما تتوقع الحكومة.

سيادة القانون:
يقول الكاتب أن في الدول الديكتاتورية يهاب الناس السلطة أما في الدول الديمقراطية يهاب الناس القانون، أما نحن في مصر فلم نرتق إلى مستوى خوف القانون واحترامه والتمسك به والدفاع عنه، وظاهرة الإرهاب ترجع جذورها وجزء كبير من أسبابها إلى أسلوب تعاملنا مع القانون.

كما وضح أن معظم القوانين التي تصدر في مصر لا يتم تطبيقها هي فقط تصدر من أجل إبراء الذمة ومع ذلك تصدر معها هالة إعلامية ضخمة، وبالتالي لا يجد المواطنون حرج من التحايل على القانون واختراق ثغراته وليس الامتثال لأحكامه.

الإعلام:
يرى الكاتب أن الخط الإعلامي الوحيد والثابت آنذاك أغلبه يستهدف تهيئة الرأي العام لقبول تحويل مصر لدولة دينية ويؤكد على أننا من دفعنا الإرهابيين لتلك الطريق حين لم نستمع لمطالبهم ويخلق لهم الكثير من المبررات، وذكر الكاتب بعض الأمثلة ممثلة في مانشيتات نشرت في بعض الجرائد المصرية في ذلك الوقت وذكر حالات الرشوة لبعض الصحفيين لكتابة فقط ما يدور في رأس هؤلاء لتعزيز أفكارهم وترسيخها عند
المواطنين واستخدام الكثير من الشائعات لدعم أفكارهم تلك.

سبل الحل على المدى الطويل:

تتوازى هذه الحلول مع حلول المدي القصير وتنحصر في ثلاث مجالات: التعليم، المشكلة الاقتصادية، الوحدة الوطنية.

يعتقد الكاتب أن بعض برامج التعليم في ذلك الوقت كانت أحد أسباب ظهور جيل لا يحسن استعمال عقله فتصيبه محدودية التفكير والنظر إلى الحقائق من جانب واحد فقط، أما بالنسبة للمشكلة الاقتصادية فهي سبب أساسي فلن تجد مثلًا ظهور عناصر إرهابية من الأماكن التي تتمتع بمستوى مادي مرتفع وإنما تظهر من أعماق المناطق الفقيرة المطحونة في مصر.
أما الثالث فهو الوحدة الوطنية التي يتخذها الإرهابيون مدخلًا للكثير من عملياتهم الدنيئة، فيجب تعزيز روح الوحدة الوطنية لدى المواطنين وأن نضع حلول للخلل الذي ينتاب سلوكنا الاجتماعي ونظرتنا إلى حرية العقائد.

للمزيد من ملخصات الكتب

ملخص “حلم رجل مضحك” للكاتب فيودور دوستويفسكي

ملخص “حلم رجل مضحك” فيودور دوستويفسكي

“أصبحت فجأة لا أغضب من الناس بل ما عدت ألاحظ وجودهم” فيودور دستوفيسكي، حلم رجل مضحك

تبدأ القصة بشعور طاغي يسيطر على البطل بأن لا شيء مهم في الحياة لا شيء يستدعي الاهتمام أو التفكير لم يعد لديه شغف تجاه أي شيء حتى أنه توقف عن التفكير وأصبح شخص فارغ صامت يثير ضحك كل من حوله، هادئ لدرجة أن الناس لا يلاحظوا وجوده أحيانًا وكان هذا يغضبه في الماضي وتسيطر عليه التعاسة ولكن الآن وصل إلى حالة من عدم الاكتراث ولم يعد يهمه ما يحدث حوله، وصل به الحال لأنه قرر الانتحار وبرغم سوء حالته المادية فقد اشترى مسدس رائع لينفذ قراره ولكنه ظل متردد لفترة طويلة ومع كل يوم جديد يضع المسدس أمامه ولا يقدر على التنفيذ وفي ليلة بعينها قد عزم الأمر على أخذ تلك الخطوة وفي طريق عودته للمنزل أوقفته فتاة صغيرة في ثياب رثة مبللة من المطر وحذاء مثقوب تطلب منه المساعدة لأن والدتها تحتضر ولكنه نهرها بشدة ورفض مساعدتها ومضى في طريقه.

وعندما وصل لشقته الفقيرة جلس إلى الطاولة ووضع أمامه المسدس لينفذ ما عزم عليه، ولكن عصفت في رأسه الكثير من الأفكار حول ما فعله مع تلك الفتاة المسكينة واعتصر قلبه من الحزن عندما تذكر كيف نهرها ولماذا لم يساعدها فبالرغم من فقدانه الرغبة في الحياة فهو ما زال يستطيع الشعور بالحزن ومرة أخرى يفكر أنه لا يهتم بشيء وأنه بعد قليل سيصبح شيء من الماضي سيصبح غير موجود فلماذا كل هذا الحزن واللوم المؤلم.

ظل على هذه الحالة من عذاب النفس والتبرير حتى غلبه النوم واستغرق في حلم غريب غير الكثير من مفاهيمه وعدل بعدها عن فكرة الانتحار بل أنه عزم الأمر على أن يبحث عن تلك الفتاة ويساعدها.

يبدأ الحلم بأنه قام بالانتحار عن طريق تصويب فوهة المسدس إلى قلبه بدلُا من عقله كما كان يريد وتناثرت الدماء في كل مكان، رأى جيرانه يقومون بوضعه في صندوق ودفنه ومر بعض الوقت حتى فتح الصندوق ووجد نفسه في عالم آخر يشبه الأرض ولكنه ليس التي عهدها وشمس تشبه شمسنا ولكنها ليست هي وجد سكان مختلفين وجوههم مشرقة نقية تنم عن الحكمة والهدوء والرزانة وتخيل أنها الأرض قبل أن تلطخها الخطيئة ويعيش عليها بشر لم يعرفوا معنى الخطيئة بعد، أخذوه إلى بيوتهم واعتنوا به وأحاطوه بكل الحب والدفء وأحس هو الآخر بحبه لهم ورأى أن ما يعرفه هؤلاء البشر غير ما نعرفه وتطلعاتهم أيضا مختلفة لا تعذبهم الرغبات ولا يضنيهم الفضول ومحاولات معرفة الحياة هم فقط يعيشون بسلام.

لا يعرفوا معنى كلمتي حسد وخصومات، لم يعرفوا الأمراض كان شيوخهم يموتون بهدوء محاطين بالجميع، أدرك وهو معهم أنه لم يكره الأرض التي كان يعيش عليها مسبقًا كما كان يظن ولم يكره هؤلاء الذين ضحكوا منه أو جعلوا حياته جحيمًا ولكنها كانت نوبات غضب تعتريه من وقت لآخر.

مع كل هذا الوقت الذي قضاه في هذا المكان بدأ يؤثر فيهم هو الآخر فبدأوا بتعلم الكذب على سبيل المزاح والدعابة وسرعان ما أعجبتهم تلك اللذة التي شعروا بها والتي ولدت لديهم الشعور بالغيرة ثم القسوة، وحدث أول حادثة قتل بينهم أصابت داخلهم الذعر فافترقوا عن بعضهم وظهرت التحالفات الواحد ضد الآخر، ثم تطور الأمر إلى أنهم بدأوا يتحدثون بلغات مختلفة وعرفوا معنى الاكتئاب وظهرت لديهم مفاهيم مثل الأخوة والإنسانية والشرف وعندما شاعت بينهم الجرائم اخترعوا العدالة وأقاموا المحاكم وصنعوا المقصلة لتنفيذ الأحكام.

حاول أن يصلح ما أفسده ويقنعهم بأنهم كانوا قبل هذا سعداء أنقياء ولكن لا جدوى، رفضوا تصديقه وسموا ما يتحدث عنه بالخرافة والحلم وابتعدوا عنه وظنوه مجنونا وأخبروه أنهم وجدوا الطريق وأن البحث عن الحقيقة هو الأهم ويضمن لهم الوعي بالحياة والسعادة ويمنحهم الحكمة.

ظهرت مشاعر الأنانية والنرجسية لدى كل منهم وأصبح كل واحد فيهم يسعى لإذلال الآخر والخفض من شأنه ثم ظهرت العبودية فأصبح القوي منهم يستعبد الضعيف قسرا، ثم ظهرت فئة من الصالحين بذلوا كل الجهد لإقناع القوم بأنهم يسيروا نحو الطريق الخاطئة ولكن لم يسمع لهم أحد، اندلعت الحروب وظهرت ديانات غريبة من العدم وحملت وجوههم علامات العذاب والمعاناة.

كان يشعر بالألم والشفقة عليهم فقد أحب العذاب لنفسه ولكن ليس لهم، نفذ الحزن إلى قلبه وتوسل إليهم كي يصلبوه أو يعذبوه جراء فعلته تلك لكنهم اعتبروه خطرا عليهم وأمروا بوضعه في بيت المجانين فأحس بالحسرة والألم وأن قلبه ينقبض بقوة في هذه اللحظة استيقظ من نومه، فوجد نفسه في غرفته على الكرسي كما هو والهدوء يعم المكان.

استيقظ من الحلم وهو شخص آخر تدور في رأسه الكثير من الأسئلة وأدرك الكثير من الحقائق من أهمها أن عليه أن يحب الآخرين كما يحب نفسه ورفض فكرة أن الوعي بالحياة فوق الحياة نفسها وأن معرفة قوانين السعادة أعلى درجات السعادة ورأى وجوب محاربة هذه الأفكار بالتحديد لأن ما يتعلق بالحياة أو السعادة أبسط من تلك الأفكار المعقدة التي لا تجلب سوى التعاسة والاكتئاب.

للمزيد من ملخصات الكتب

Exit mobile version