ملخص كتاب الإنسان يبحث عن المعنى للكاتب فيكتور فرانكل

يعود كتاب الإنسان يبحث عن المعنى للمؤلف وطبيب الأمراض العصبيّة والنفسيّة النمساوي الشهير فيكتور فرانكل. حدّد فرانكل معلماً جديداً من معالم العلاج النفسي، وهو العلاج بالمعنى. أي أنّ الإنسان إذا وجد في حياته معنى أو هدفاً فإنّ هذا يدلّ على أنّ وجوده في الحياة له مغزى وأنّه يستحق أن يعيشها وأن يستمتع بها. ويصور المؤلف في صفحات هذا الكتاب معاناته في معكسر الاعتقال لدى النازيين، ومحاربته من أجل الاستمرار بالحياة رغم كل العذاب.

خبرات في معسكر الاعتقال

يتحدّث الكتاب عن خبرة شخصيّة من الخبرات التي يعاني منها العديد من السجناء. ويجيب عن سؤالٍ مهم للغايّة، وهو كيف انعكست الحياة اليوميّة في معسكر الاعتقال على عقل السجين.

إنّ حالة الإقصاء والتنقل التي كان يعلن عنها رسميّاً لترحيل عدد معين من المسجونين إلى معسكر آخر هي حالة تنطوي على تخمين صادق إلى حد ما بأنّ المصير النهائي لهذا الانتقال هو غرف الإعدام بالغاز وبأفران إحراق جثث الموتى. كان يسيطر على عقل كل سجين فكرة أساسيّة، وهي أن يظل على قيد الحياة من أجل الأسرة التي تنتظره في المنزل ومن أجل أن ينقذ أصدقائه.

لم يتم استخدام فيكتور كطبيبٍ في المعكسر إلّا في الأسابيع الأخيرة من اعتقاله. وكانت كل الأعمال الشاقة التي يقوم بها عبارة عن الحفر لوضع العوارض الخشبيّة اللازمة لمد الخطوط الحديديّة، وحفر الأنفاق المائيّة.

أطوار ردود الأفعال العقلية للسجناء

يقول المؤلف أيضاّ بأنّ هناك ثلاثة أطوار تمرّ بها ردود الأفعال العقليّة لنزلاء السجن. تبدأ بالفترة التي تعقب دخول السجن مباشرةً، ثم الفترة التي يكون فيها النزيل قد اندمج في نظام المعكسر، والفترة الأخيرة وهي الفترة التي تعقب إطلاق سراحه.

يوجد في الطب النفسي حالة من الوهم تُسمى بوهم الإبراء، هذه الحالة التي يشعر بها الشخص المُدان قبل تنفيذ حكم الإعدام فيه. حيث ينتابه شعور غامض يشبه الوهم وهو أنّه سيأتي أحد وينقذه قبل الإعدام في اللحظات الأخيرة. هذه الأوهام التي راودت بعض السجناء، سرعان ما بدأت تتحطّم واحدة تلو الأخرى، ليُحل مكانها إحساس مروّع بالفكاهة والمرح. يعتقد الكاتب أن ذلك الإحسانس نابع عن يقين تام أنّ ليس لديهم ما يفقدونه عدا حياتهم المتعريّة.

لقد أيقن الكاتب خلال تواجده في السجن بأنّ الإنسان يستطيع أن يتأقلم ويتعوّد على أي شيء. وبالرغم من أنّ الطب النفسي لم يستطع تفسير هذه الحالة إلى هذا اليوم، فمثلاً إنّ الإنسان الذي يتمتّع بالنوم الخفيف والذي اعتاد أن يستيقظ حال سماعه أي صوت بسيط، يجد نفسه راقداً في التصاق بزميله في السجن دون أن يتأثر بصوت شخيره أو بأي صوتٍ مزعج آخر.

إنّ فكرة الانتحار هي فكرة تراود كل شخص مسجون تقريباً، وذلك نتيجة الإحساس بالعجز الشديد. كما أن الانتحار هي فكرة تلازم الشعور بخطر الموت الذي يُحيط بالسجين من كل جانب. ويرى كاتب الإنسان يبحث عن معنى أن السجين الوافد حديثًا يعيش ألواناً من الانفعالات المؤلمة نتيجة شوقهِ العارم لأسرته وبيته. كما يغلب عليه شعوره بالاشمئزاز مما يحيط به في السجن.

كان المسجون يجلد بسبب أبسط أشكال الاستفزاز، وفي بعض الأحيان دون أي أسباب على الإطلاق. وعند هذه اللحظة لم يكن الألم الجسدي هو الذي يسبب الأذى للسجين، وإنّما الألم النفسي الناتج عن الشعور بالظلم. كانت كل أحلام السجين تدورُ حول الخبز، والكعك، والسجائر، والحمامات الساخنة. وكان السجين يستيقظ من نومه ليصطدم بواقعهِ المليء بالعذاب، وهذا ما يجعله ضحية التناقض بين حقيقة الواقع ووهم الأحلام.

المبادئ الأساسيّة للعلاج بالمعنى

يقول الكاتب بأنّ العلاج بالمعنى يُركّز على المستقبل، وعلى المعاني التي يجب أن يضطلع بها المريض في مستقبله. إنّ سعي الإنسان إلى البحث عن المعنى، هو قوة أوليّة في حياتهِ، وليس تبريراً ثانويّاً لحوافزه الغريزيّة. فالإنسان قادر على أن يحيى وأن يموت في سبيل قيمه وطموحاتهِ. لايوجد شيء في الدنيا يُمكن أن يُساعد الإنسان بفعاليّة على البقاء حتى في أسوأ الظروف، مثل معرفته بأنّ هناك معنى في حياته.

إنّ اندفاع الطاقة الجنسيّة يُصبح متفشيّاً في حالات الفراغ الوجودي. لكن معنى الحياة يختلف من شخصٍ لآخر، وعند الشخص الواحد من يومٍ ليوم، ومن ساعة إلى أخرى. لذا يعتقد الكاتب أنه يجب ألّا نبحث عن المعنى مجرد للحياة، فلكل فرد رسالته الخاصة في الحياة.

إنّ العلاج بالمعنى يحاول أن يجعل المريض واعيّاً كل الوعي بالتزامهِ بمسؤوليتهِ. ولذا يجب أن نترك للمريض حرية اتخاذ القرار بشأن إدراكهِ لنفسهِ كشخصٍ مسؤول يتحمّل مسؤولية اختياره لأهدافه في الحياة. ويُشير المؤلف أيضاً بأنّ معنى الحياة يتغيّر دائماً، لكنهُ لا يتوقف أبداً عن أن يكون موجوداً.

يرى كاتب الإنسان يبحث عن المعنى أن الحب هو الطريقة الوحيدة التي يدرك بها الإنسان كائناً إنسانيّاً آخر في أعماق أغوار شخصيتهِ. فلا يستطيع الإنسان أن يصبح واعيّاً كل الوعي بالجوهر العميق لشخصٍ آخر إلّا إذا أحبه. إن معنى المعاناة الحقيقيّة هو عندما يجد شخص نفسه في موقف لا مفر منه، وحينما يكون على شخصٍ أن يواجه قدراً لا يُمكن تغييره. تحدث تلك المعاناة عندما نصاب بمرض عضال مثل السرطان، عندئذٍ فقط يكون أمام الشخص فرصةً أخيرة لتحقيق المعنى الأعمق، وهو معنى المعاناة.

هناك بعض المواقف التي قد يُحرم فيها الإنسان من فرصة الاستمتاع بحياتهِ، ولكن الذي لا يمكن استبعاده أبداً هو حتميّة المعاناة. فإذا تقبلنا تحدي المعاناة بشجاعة كان للحياة معنى حتّى اللحظة الأخيرة.

التسامي بالذات

يقول المؤلف في هذا الكتاب بأنّ الوجود الإنساني يتميز بنوعٍ خاص من ظاهرتين إنسانيتين، وهما التحرر الذاتي، والتسامي بالذات. إنّ تحقيق الذات ليس هو الغايّة القصوى عند الإنسان، ولا حتّى مقصده الأول. وذلك لأنّ تحقيق الذات إذا صار غاية في حد ذاتهِا فإنّه يتعارض مع خاصيّة تجاوز الذات أو التسامي بالذات. إنّ التسامي بالذات هو جوهر الوجود، إذ يقول العالم آنشتاين بأنّ الإنسان الذي يعتبر حياتهُ جوفاء من المعنى، فهو ليس غير سعيد فحسب، ولكنه يكون غير صالح لأن يعيش. ومع ذلك فإنّ الملل والتبلد آخذان في الانتشار في العالم الحالي، وينتشرُ معهما كذلك الشعور بالفراغ وباللا معنى.

من خلال قراءة الكتاب “الإنسان يبحث عن المعنى” فهمت بشكل شخصي أن كلٍ منا اهمية تحديد غاياته الشخصية وهدفه في الحياة. إذ يعمق الكتاب دور البحث عن المعنى الكامن وراء تجاربنا. تعلمت أهمية الصمود في وجه الصعوبات وكيف يمكن للتفكير الإيجابي والتفاؤل أن يلعبان دورا كبيرا في بناء حياة ممتلئه بالرضا الداخلي. تعلمت أيضاً أهمية الايمان بالذات والتسامح مع الذات والقدرة على الاستفادة من التجارب السلبية للنمو الشخصي.

ملخّص كتاب اللاهوت العربي وأصول العنف الديني

صدر كتاب اللاهوت العربي وأصول العنف الديني عام 2009 وتصدر قوائم المبيعات لفترة طويلة. الكتاب من تأليف الدكتور والمفكر يوسف زيدان المتخصّص في التراث العربي وتاريخ الطب العربي. حصل يوسف زيدان على جائزة البوكر العربيّة عن رواية عزازيل. يناقش كتاب اللاهوت العربي العلاقة البنيويّة بين الأديان الإبراهيميّة وتأثيرها المتبادل. ويحاول تحديد العلاقة بين السياسة والدين والأسباب المؤدية للعنف الديني. من خلال قراءة جديدةٍ ومتعمقةٍ في التراث واللاهوت العربي عبر مراحل نشأته وتطوره. الأمر الذي أدى لمحاكمة الدكتور يوسف زيدان بتهمة ازدراء الأديان. من الطبيعي أن تُثيرَ هذه الأفكار والقراءات الثوريّة في التراث الدينيّ لمنطقتنا جدلاً كبيراً. خاصةً في ظل الحساسيات الدينيّة والطائفيّة، والهوس في تعظيم الذات وإنكار الآخر. فماذا قال زيدان في اللاهوت العربي وأصول العنف الديني؟

وحدة الأديان الإبراهيميّة

اعتبر الكاتب الأديان الثلاثة الأكثر انتشاراً (اليهودية والمسيحية والإسلام) دينًا واحدً بتجليّاتٍ مختلفة. إذ أدّى اختلاف الزمان والمكان واللغة إلى اختلافات تشريعيةٍ وعقائديةٍ، لكن الجوهر الاعتقادي ظلّ واحداً؛ فهي جميعاً تعبد معبوداً واحداً اختصّ قوماً بخطابٍ عبر رسلٍ اصطفاهم ورفعهم فوق بقيّة الناس. يؤكد الدين اللاحق الدين السابق بينما ينكر السابق اللاحق لأنّ فيه زواله. وبالمثل فكلّ مذهب في الدين الواحد ينكر بقيّة المذاهب.

لا توصف هذه التجليّات بالسماويّة، لأنّ كل الأديان بالضرورة سماويّةٌ، حتّى لو قدّست تلك الديانات الأصنام أو النار أو الكواكب، فهم يتسامون بها إلى مرتبةٍ ألوهيّةٍ متعاليّةٍ على الوجود الفيزيقي. كما لا يمكن وصفها بالتوحيديّة، فصفة التوحيد موجودةٌ في أديان أخرى وهي ليست حكراً على هذه الأديان. إنما يمكن وصفها بأنها دياناتٌ رسوليةٌ أو رسالية، لكونها أتت إلى الناس برسالةٍ من السماء عبر رسلٍ وأنبياءٍ يدعون الناس إلى إلهٍ متعالٍ.

لذلك فإنّ أيّة محاولةٍ لمقارنة الأديان يجب أن تتم مثلاً بين الديانات الإبراهيميّة بصفتها ديناً واحداً ، مع الديانة المصرية القديمة أو إحدى ديانات الهند لأنه في هذه الحالة سيكون الاختلاف في الجوهر الديني قائماً. وهي مهمةٌ صعبةٌ، فالدارس يتّبع عادةً ديناً معيناً، ومن العسير أن يتجرد منه تماماً ويلتزم النظرة الحياديّة الموضوعيّة اللازمة للمعرفة الحقّة.

لا يمكن فهم التراث الإسلاميّ واللاهوت العربي بشكلٍ مجرّد دون التعمّق في الأصول الإنسانيّة لهذا التراث، وما سبقه زمناً وكان بمثابة مقدمات له. ليس ضرورياً أن يكون هذا التأثير تأثيراً للسّابق على اللاحق فقط فأحياناً يحدث العكس، مثل تأثير الأفلوطينيّة المحدثة على اليهوديّة من خلال شرح فيلون السكندري للتّوارة وتأويلاته لنصوص العهد القديم التي صارت مع الزمن تراثاً يهودياً. أو دخول أفكار البعث والقيامة المسيحيّة الإسلاميّة المنشأ في اليهودية التي خلت نصوصها المبكرة من هذه المفاهيم.

جذور الإشكال: الله والأنبياء في التوراة

تظهر في التّوراة -المقبولة مسيحيّاً والتي ينظر إليها الإسلام بإقرارٍ في صحّة الأصل وتحريف في النّص دون رفضها التام- صورةٌ إشكاليةٌ للإله من حيث الطبيعة والصفات. فنرى الإله اليهوديّ تارةً داعياً إلى الخير وفضائل الأعمال، وتارةً أخرى عنيفاً منتقماً. كما ظهر في قصّة العبور(الفصح) غير كلّي القدرة محتاجاً إلى علاماتٍ على بيوت اليهود حتّى يميّزها عن بيوت المصرييّن حين أراد ضرب أرض مصر. وظهر ثائراً على البشر جميعاً في قصّة الطوفان. كما وردت صّفات وأفعال كثيرة لا تليق بإلهٍ متعالٍ قادرٍ.

اجتّهد علماء الشّريعة اليهوديّة ومن بعدهم علماء التّفسير المسيحي في محاولة تأويل وتفسير النّصوص عن طريق علم اللاهوت المستلهم أساساً من الفلسفة اليونانية بين اعتبارها رموزاً تاريخيّةً أو اعتبارها حالاتٍ للذّات الإنسانيّة في تطوّرها. ولكنّ تأخّر ترجمة هذه التفسيرات عن ترجمة التّوراة من العبريّة الأم إلى الآراميّة واليونانيّة ومنها إلى لغاتٍ أخرى، سمح باستشعار خطورة هذه النّصوص وما ترسمه من صفاتٍ لا يُستحب إطلاقها على البشر ناهيك عن الله.

تتعدّى خطورة النصوص التوراتيّة ما تمّ إلصاقه بالذّات الإلهيّة من صفاتٍ إلى إباحة القتل باسم الرّب والاستهانة بالقّيم والحقوق الإنسانيّة لغير اليهود مظهرةً إيّاهم بصورةٍ أقلّ إنسانيّة من أبناء الرّب. وخُصّص الله التّوراتي لبني إسرائيل دوناً عن البشر جميعاً. وبما أنّه لا يمكن لغير من وُلِد من أمّ يهوديّة أن يعتنق اليهوديّة، فقد صار الله مملوكاً لليهود فقط. بالإضافة إلى أن الصورة التوراتيّة للأنبياء مفزعةٌ، فهم لا يتوارون عن القيام بأفعالٍ شنيعةٍ لا تليق بأناسٍ اصطفاهم الله على البشر برسالته، فهم يقتلون ويزنون ويسرقون.

الحلّ المسيحي: من الثيولوجيا إلى الكريستولوجيا

تعتبر المسيحيّة امتداداً لليهوديّة وإصلاحًا لها قبل أن تتطوّر فيما بعد. فمنذ القرن الثاني قبل الميلاد انتظر اليهود قدوم  الماشيح ، والتي تعني حرفيّاً، الممسوح بالزيت المبارك، ليصبح ملك اليهود ويحقق وعد الرّب الذي طال انتظاره ويخلّصهم من الظّلم والاضطهاد. اختبر اليهود صدق كلّ من ادّعى أنّه الماشيح. وقاموا بتسليم المدّعين إلى الرّومان الذين صلبوا المدّعين ليكونوا عبرةً للحالمين بالخلاص. وهو ما فعلوه أيضاً بيسوع المسيح. وازدادت البشارات في الأسفار الأخيرة من العهد القديم بقدوم الماشيح المخلّص لليهود ومدمّر شعوب الأرض جميعاً.

تحوّلت دعوة المسيح الذي بدأ ملتزماً بالديانة اليهوديّة إلى العالميّة بعدما ظهر له أنّ اليهود ليسوا تربةً صالحةَ للبشارة. فأمر تلاميذه أن يبشروا الأمم كلّها بخلاص الإنسان. ولم يُفصَل بين المسيحية وبين اليهوديّة إلّا في القرن الثالث للميلاد. ترافق ذلك مع بدء الخلاف حول طبيعة المسيح هل هو بشرٌ مرسلٌ، أم هو الله ذاته نزل إلى الأرض حيناً. وبعد اعتراف الإمبراطور الروّماني قسطنطين بالمسيحيّة كإحدى الديانات الرسميّة في مرسوم ميلانو سنة 313 ميلاديّة، وبعد مجمع نيقية المسكونيّ سنة 325 ميلادي، تمّ اعتماد الأناجيل الأربعة وأعمال الرسل ورُفِضَ كلّ ما عداها.

أسباب ظهور الهرطقات

أدّت كثرة الأناجيل والتفسيرات والإشارات المختلطة فيها واختلاف اللّغات والثّقافات في الحضارات التي انتشرت فيها المسيحيّة إلى صراعٍ حول طبيعة المسيح. وظهرت الكثير من الهرطقات المدعومة سياسياً وثقافياً. قابلتها الكنيسة بمجامع مسكونيّةٍ حُدِدَ فيها قانون الإيمان الأرثوذكسي لمحاربة تلك الهرطقات. وألغت العمل بالأناجيل غير المتوافقة مع العقيدة السليمة. واعتمدت الأناجيل الأربعة المشهورة: متى، لوقا، مرقس، يوحنّا. وهي مجتمعةً مع الرسائل المُسَماة، أعمال الرسل، شكّلت ما يُعَرف باسم العهد الجديد، وتشكّل مع الأسفار الخمسة للعهد القديم وأسفار أنبياء اليهود ما يعرف باسم الكتاب المقدّس.

يرتكز الإيمان المسيحيّ على المسيح بذاته. ففي الأناجيل الأربعة نرى استعراضاً لحياة المسيح وأعماله دون الإشارة إلى الإلهيّات. وصارت المسألة برمتها هي المسيح لا الله. وصار الإقرار بألوهيّته هو القانون الأول للإيمان. وتحوّل كلّ ما هو ثيولوجي إلى كريستولوجي، أي متعلقاً بالمسيح ذاته، ولم تعد المشكلة اليهوديّة المتعلّقة بصفات الله مطروحةً للنظر. إنّما صار الإيمان الأرثوذكسي هو الإيمان بأنّ المسيح هو الله، وكل ما عداه من أفكارٍ لاهوتيةٍ عربيةٍ هرطقة.

الفارق في مفهوم الإله بين الشرق والغرب

مفهوم الإله في مصر واليونان

كانت الديانات المصريّة واليونانيّة تسمح بالتعدديّة وتجيز أحياناً التمازج بين الإله والإنسان ولا ترى بأساً من تأليه الإنسان وأنسنة الإله. لذلك عندما انتقلت المسيحيّة من فلسطين إلى مصر –والتي كان أساس انتشارها- فهم المصريّون بناءًا على تصوّرهم ذي الأبعاد الثلاثية للألهة (ثالوث: إيزيس، حورس، أوزيريس) وإمكانية تمازج الإنساني بالإلهي، الديانة المسيحيّة. فقد كانت فكرة التجسيد والتّثليث ماثلةً في وعيهم الثقافيّ، ممّا ساهم بسهولة في انتشار الأفكار المسيحيّة وترسيخها في الأرض المصريّة على أساس امتزاج المسيح بالإله كامتزاج حورس مع أوزوريس وعلاقتهما بإيزيس الأم.

وقريبٌ منه ما حدث في اليونان. حيث قصّت الإليّاذة والأوديسة قصص التحام الإلهيّ بالبشري وحكايات غرام آلهة الأوليمب بنساء البشر، وما ينتج عنها من أنصاف آلهةٍ. انتقلت هذه التّصورات إلى العصر الهلينستي، الذي تقبّل الأفكار المسيحية القائلة بالطبيعة الواحدة بسبب طبيعة وعي اليونانيّن. لذلك نجد أنّ الإيمان بأنّ المسيح هو الله أصبح العقيدة الأرثوذكسية في مصر واليونان.

مفهوم الإله في الشام والعراق – اللاهوت العربي


أمّا التّصورات الدينيّة في منطقة الهلال الخصيب (الشام والعراق) ذات التواجد العربي الكثيف، فكانت تقوم على أنّ الألهة مفارقةٌ تماماً لعالم البشر وأنّ الاتصال الوحيد بينهم يتم بواسطة أنبياء ورسل يتمّ تكليفهم بإيصال كلمة الله للبشر. لذلك ميّز العرب بين اللّاهوت والنّاسوت، لأن فكرة النّبوة، عبرانيّة المنشأ، كانت أساس الأفكار الدّينيّة في منطقة الهلال الخصيب التي تأثرت بالحضارة الفارسية وأنبيائها. وتوسّع اليهود في هذا المفهوم حتّى صار مفهوم النبوّة سلسلةً متوارثةً على قاعدة القرابة والدم. ومن الفارسية والعبرانيّة تسلّل مفهوم النبوّة إلى العقليّة العربيّة فكان للعرب أنبياءٌ اعتزوا بهم بعدما أنكر عليهم اليهود فضل النبوّة. فاسّتقبل العرب في الجّزيرة العربيّة والهلال الخصيب الديانة المسيحيّة وقرأوا في أناجيلها الأربعة إشاراتٍ للمسيح تصفه بابن الإنسان وابن الله. لذلك فهموا أنّ المسيح هو النّبي المخلّص.

ومن الطبيعي أن يقوم الخلاف بين هاتين العقليّتين -عقليّة اللاهوت العربي وعقليّة اللاهوت الغربي- وأن تتبادلا الاتهامات واللّعنات والحرمانات الكنسيّة. فسالت أنهار الدم وانتشر العنف الديني بسبب ارتباط هذه العقائد بمصالح سياسيةٍ أجّجت الخلافات العقائديّة. دارت الخلافات جميعها حول المسيح، فاللّاهوت الديني المسيحيّ لا يتعلّق بالله بذاته، بل يتعلق بطبيعة المسيح الذي صار الله عندما صارت الكلمة جسدًا بحسب الفهم الأرثوذكسي. في مقابل لاهوتٍ عربيٍ يرى المسيح ابن الإنسان.  فظهرت هرطقاتٌ كثيرةُ، وقام جدلٌ فلسفيٌ بينهما رسّخ العقيدة الأرثوذكسيّة بحسب المفهوم القبطيّ اليونانيّ قبل حدوث الانشقاق الكبير للكنيسة القبطيّة بعد مجمع خلقيدونيّة المسكونيّ سنة  451 ميلاديّة. ليبدأ بعدها انحدار أثر الكنيسة السكندرانيّة  ليصبح محلياً بعد أن كان لها الأثر الأكبر في كل المجامع المسكونيّة السابقة وفي تحديد مفهوم الايمان القويم. لذا فإنّ معظم الهرطقات الكريستولوجيّة ظهرت في منطقة الهلال الخصيب مثل الإبيونيّة وبولس السميساطي ولوقيانوس والآريوسيّة والنسطوريّة اللّتان كان لهما أثرٌ كبيرٌ في الرؤية الإسلاميّة للجدل الكريستولوجي دون أن نهمل الأثر الواضح للمصالح السياسيّة في تأجيج وانتشار هذه الهرطقات.

الحل القرآني: إعادة بناء التصورات ونشأة علم الكلام

حاول الإسلام إعادة رسم شخصيات وسيَرَ الأنبياء بما يناسب مكانتهم دون تأليههم كما الحال في التوراة. فقدّمهم بلغةٍ راقيةٍ لا يشوشها لفظٌ رديء ولا معنىً غير لائقٍ بالله وأنبيائه. وفصل بوضوحٍ بين اللّاهوت والناسوت، حتى ما كان متعلقاً بنبي الإسلام بالتأكيد على أنّه يتلقى وحيًا منزلاً من السماء. وهكذا تجاوز القرآن أزمتي صورة النّبي وصفات الله. ومن هنا أتى تأكيد القرآن على بشريّة المسيح مبيناً أنّه نبيٌ من الله مطلقاً عليه اسم المسيح ابن مريم دون إنكار معجزاته.

ولأن القرآن نزل بلغةٍ عربيةٍ على عقولٍ عربيّةٍ براغماتيّةٍ، فقد مدّهم بنظامٍ حياتيٍ كاملٍ. ولم يكتف بالإلهيّات. وأمر المسلميّن بقتال المشركين ونشر الدين حتّى تّم فتح الشام ومصر والعراق. واختلط الفكر الإسلاميّ الجديد بالهرطقات المنتشرة هناك. وحصل الاحتكاك الثّقافي. وحدثت تحوّلاتً كبرى أدت إلى حاجة المسلميّن لتطوير علم كلامٍ يبرهنون به صحّة عقائدهم أمام علم اللّاهوت المسيحيّ ويجيبون به على الأسئلة التي طرأت على المجتمع الإسلاميّ.

بدأ ظهور علم اللاهوت العربي والذي سُميَ علم الكلام في النّصف الثاني من القرن الأوّل الهجري بعد انتشار الإسلام في البلاد المحيطة بالجّزيرة العربيّة. وليس من المصادفة أن مؤسسي المذاهب الكلاميّة تتلمذوا على يد رجال لاهوتٍ مسيحيٍين. فاستكملوا طريق أسلافهم. وبهذا لا يكون علم الكلام اختراعاً إسلاميّاً وإنّما هو امتدادٌ لعلم اللّاهوت. وليس غريباً أيضاً أنّ هؤلاء المؤسسين قُتِلوا جميعاً، لأنهم ناقشوا أفكاراً غريبةً عن العقيدة الإسلاميّة التي هي امتداد لعقائد المشركيّن، فاتُهِموا بالزّندقة واعتناق الأفكار الفلسفيّة للشعوب المفتوحة. أمّا اللّاحقون من المتكلّمين فقد فصلوا بين المباحث الكلاميّة والنضال السياسي الذي تبناه المتكلّمون الأوائل. فأزالوا من مناقشاتهم فكرة الخروج على الحاكم الظّالم، فعاشوا بسلامٍ خلال فترة الحكم الأمويّ والعبّاسي. بل إنهم استعانوا بالخلفاء على أعدائهم وخاصةً في زمن المأمون. وتؤكد الصّلة الخفيّة بين إصرار الهراطقة على نفي المماثلة بين الله والكلمة، وإصرار المتكلّمين على نفي صفة الكلام عن الذّات الإلهيّة اتصال علم الكلام باللّاهوت المسيحي.

إشكاليّة العنف الديني في اللاهوت العربي

أطر التّديّن ودوائره

إنّ الإسلام واليهوديّة شديدتا القرب لأنّ اليهوديّة ديانةٌ غير تبشيريّةٍ انتشرت في منطقةٍ ذات أغلبيةٍ عربيةٍ، عكس المسيحيّة التي تطوّرت في مصر واليونان، وبالتّالي تأثّرت بثقافات وديانات هذه المناطق. ولأنّها من حيث الجوهر دينٌ واحدٌ بتجلياتٍ متعددة، يمكن تمييز هذه الديانات الإبراهيميّة بأطرٍ عامةٍ تؤكد وحدتها. مثل فكرة الإنابة: وتعني وجود وسيطٍ بين الله والإنسان. وهذا واضحٌ في التجليات الثلاثة للدين الإبراهيمي من أنبياءٍ ورسلٍ وأئمة، وهي دائماً حكرٌ على الرجال دون النّساء. ومن الأطر، الإبادة: من خلال الوعد الإلهّي لليهود بإسرائيل الكبرى. وهو ما نراه في العهد القديم من إبادة أقوامٍ بأكملهم نُصرَةً لليهود. ونرى مثل هذه الوعود أيضاٌ في القرآن. من هذه الدوائر المشتركة، الخروج: وهو مخالفة اعتقاد المجتمع . تعزل المجموعة التي تعتقد أنّها على حقٍّ نفسها عن بقيّة المجتمع، وتحكم عليهم بالكفر والضلال.

صلة الدين بالسياسة

إنّ الفصل بين الدّين والسياسة وهمٌ تبدده الحقائق التاريخيّة للأديان الإبراهيميّة التي امتزج فيها الدينيّ بالسياسيّ امتزاجاّ شديداّ يصعب معه تمييز ما هو دينيٌ عن ما هو سياسي. يتضح هذا مراراً وتكراراً في تاريخ هذه الأديان، حيث كان الأمراء والملوك ينصرون مذهباً على حساب آخر، بناءًا على مصالحهم السياسية. وكذا رجال الدين الذين دعموا ملوكاً دون غيرهم وفق مصالحهم الخاصّة.

العلاقة بين العنف الديني والسياسة

تدور السياسة حول محور الحاكم بينما يدور الدين على محور الإله. وهما محوران منفصلان نظرياً. ولا تتم السياسة إلّا في جماعةٍ إنسانيّةٍ، بينما يرتبط الدين بالفرد. وهناك تداخل بين هذين المحورين، إذ لا يمكن للسياسة أن تضبط الجماعة إلّا بضبط الفرد. ولا يمكن للدين أن يحقق رؤيته إلّا في مجتمعٍ قائمٍ.

يبدأ الدين في حياة النّبي في جماعة مستقرةٍ سياسياً، ظهر فيها نظامٌ سياسيٌ واستقر قبل ظهور الدين. ونظراً لطبيعة الدين الانبثاقية، فهو يسعى لخلخلة النظام السياسي ليفسح لنفسه مجالاً بين الجماعة. وهنا يبدأ العنف من طرف النظام السياسي للحفاظ على استقراره. ويقابله المؤمنون بالصبر والتّمسك بالمبادئ الدينيّة. حتّى إذا ازاد العنف، حدثت الهجرة، فينتشر هذا الدين بين المهمّشين والمظلومين وأعداء النّظام السياسي. ونتيجة هذا الخروج تقتنع السّلطة بأنّ الدين هرب من المواجهة ولم يعد يشكل تهديداً لها، فيهدأ العنف. بينما يزداد حجم الدين في أرض الخروج ويُنظّم ويصبح قوياً جاهزاً لاقتلاع النظام السياسي. عندها يعود الدين مفاوضاً النظام على اقتسام النفوذ والسّلطة. وتضطر السًلطة إلى التنازل جزئياً، مما يؤدي إلى نتائج وخيمةٍ على صعيد السلم الاجتماعي. ويتجه الدين الجديد نحو مزيدٍ من التّشدّد والتّمحور حول الذات، يتطور عندها الصراع إلى معركة بقاء، ويصير الدين مع الوقت مليكاً مسيطراً.

يحدث أحياناً أن تتوحد السّلطتان في شخصٍ واحدٍ، يصعب عندها الفصل بين السياسي والديني. وبعد استقرار النّظام الجديد تظهر انبثاقات أخرى داخل الدين. وتكرّر دائرة العنف نفسها بشدّةٍ أكبر لأن العقيدة الجديدة تستند إلى قراءاتٍ خاصةً للعقيدة الأصليّة على نحوٍ مخالفٍ للسائد، فيحدث عنف ديني مزدوج ضد الواقع السياسي وضد الاعتقادات السائدة.

يجب لكسر دوائر العنف اللانهائيّة أن يتّم الاعتراف بالمشروعيّة المتبادلة. فلا بدّ للديني أن يعترف للسياسي بمشروعيّة الحركة والحق في التّنظيم الاجتماعي والتعامل مع العالم الخارجي، بالمقابل لا بدّ للسياسي من الاقتناع بأنّ السياسة لن تقوم بذاتها بديلاً عن الدين.

المصادر:

كتاب اللّاهوت العربي وأصول العنف الديني

ملخص رواية “العمى” للكاتب جوزيه ساراماغو

ملخص رواية “العمى” للكاتب جوزيه ساراماغو

“المعجزة الوحيدة التي نستطيع تحقيقها هي أن نستمر في العيش ، نحافظ على هشاشة الحياة من يوم إلى آخر” جوزيه ساراماغو، رواية العمى

تبدأ الحكاية عند إحدى إشارات المرور في أحد شوارع المدينة عندما أضاءت الشارة منبهة السيارات للعبور حدثت جلبة شديدة بسبب عدم تحرك سيارة واحدة في الأمام، ظن الناس في البداية أن هناك عطل ما في السيارة ولكن كان السبب أغرب من ذلك بكثير فقد عمى صاحب السيارة بدون أي مقدمات ولكن كان هذا العمى مختلفًا فقد كان عمى لونه أبيض وكأنه سقط في بحر حليبي لا يرى شيئًا سوى البياض، عرض أحد المارة مساعدته وأوصله لبيته ثم سرق سيارته وهرب.

ذهب الرجل مع زوجته لطبيب العيون ليرى أين المشكلة، دخلوا العيادة فوجدوا فيها مرضى آخرين في انتظار مقابلة الطبيب، كهل ذو عين معصوبة وفتاة ترتدي نظارة سوداء وطفل صغير مع أمه، دخل الأعمى مع زوجته إلى الطبيب وبعد الفحص لم يجد أي مشكلة في عينيه فقد بدتا سليمتين تمامًا فأمره الطبيب بإجراء بعض التحاليل لمعرفة ما سبب هذه الحالة الغريبة.

رجع الطبيب إلى بيته في حيرة تامة فلم يمر عليه حالة كهذه من قبل ويكاد يجزم أنها لم تمر على أحد من زملائه أيضًا، حكى لزوجته ما حدث وذهب ليراجع بعض المراجع عله يجد ما يفيد ولكن وبدون مقدمات وجد نفسه يسبح في بحر حليبي، قد أصابه العمى هو الآخر.

أحس الطبيب بخطورة الأمر وفكر أن يكون عمى هذا الرجل معديًا، حاول أن يكلم الجهات المسؤولة لينبههم بقدوم جائحة في الطريق ولكن لم يستمع إليه أحد، حتى وجدوا المزيد من الحالات فأخبروه أن يحضر نفسه سوف تنقله سيارة إسعاف مع الآخرين، وعند حضور السيارة ادعت زوجته بأن العمى أصابها هي الأخرى حتى تكون مع زوجها.

تم نقلهم إلى مبنى قديم ومتهالك كان يستخدم كمستشفى للأمراض العقلية سابقًا وأرشدهم إلى الغرف الجنود عبر مكبرات الصوت ووعدوهم بتقديم الطعام بانتظام كل يوم وأمروهم بالالتزام التام وعدم محاولة الخروج والاهتمام بنظافة المكان لأنها مسؤوليتهم الخاصة.

تم وضع العميان في جناح والمخالطين لهم في الجناح المقابل، كانت الغرفة الأولى من جناح العميان تضم الطبيب والأعمى الأول وسارق السيارة الذي عمى هو الآخر بعد سرقته تلك والفتاة ذات النظارة السوداء والطفل الصغير وموظف استقبال عيادة الطبيب.

حاولت زوجة الطبيب المساعدة في تنظيم الأمور قليلًا في الغرفة مع إخفاء أمر قدرتها على الإبصار عن الجميع إلا زوجها، ولم يمر يومان حتى وصل المزيد من المصابين وبعد أيام أصبح كل المخالطين عميان والتقى الأعمى الأول بزوجته وجمع شملهم من جديد.

مع مرور الوقت ازداد عدد العميان واكتظ المكان بالبشر وأصبحت حصص الطعام لا تكفي الجميع، كما أصبحت دورات المياه أقذر مكان على وجه الأرض وملأت الرائحة أرجاء المبني، وكانت زوجة الطبيب دائمًا ما تخبرهم بضرورة الحفاظ على ما تبقى لهم من إنسانيتهم في هذا المكان البائس، مع كثرة الأعداد كان صعب على الجنرال وجنوده السيطرة على الوضع وأصدر أوامر واضحة أن من يقترب من البوابات فسوف يقتل وبالفعل قتلوا مجموعة من العميان وأمروا الباقيين بدفنهم في حديقة المبنى، ومن ضمن الوافدين الجديدين على الغرفة الأولى كان الكهل الذي كان في عيادة الطبيب وصل ومعه راديو صغير يعمل بالحجارة سمعوا منه أخبار العالم الخارجي والتي كانت سيئة جدًا، كما حكى لهم الكهل كيف كانت الكارثة عندما عمى أول سائق نقل عام وأول طيار وكيف تحطمت الطائرة ومات كل من فيها، وزيادة الأعداد وكيف لم تستطع الحكومة احتواء الموقف وانتشرت الفوضى.

وفي يوم خرج مجموعة من الغرفة الأولى لإحضار الطعام ولكنهم لم يستطيعوا الوصول إليه فقد وجدوا عائق في طريقهم، مجموعة من العميان تسد عليهم الطريق مسلحين بهراوات ومع أحدهم مسدس يهدد به كل من يحتج، استولوا على حصص الطعام وغرفة كاملة لهم.

رجع مندوبو الغرفة الأولى وفي يأس أخبروا الجميع بما حدث، ثم وصلتهم الأوامر لو أنهم يريدون الطعام فإن عليهم الدفع وجمع كل ما معهم من أوراق نقدية ونفائس وتقديمها لهم مقابل الطعام، امتثل الجميع للأوامر وذهب الطبيب والأعمى الأول لاستلام حصص الطعام، فسلموهم ثلاثة صناديق فقط من الطعام حاول الطبيب الاعتراض ولكنهم هددوه بالمسدس فأخذ الصناديق ورجع في حزن.

لم يكتف هؤلاء من الأموال والمقتنيات فأصدروا الأوامر في غير احتشام أنهم يريدون النساء وعلى كل غرفة أن تمتثل للأوامر وإلا فلا طعام، أو يكون مصيرهم كمصير تلك المجموعة من العميان التي أعلنت العصيان فكان جزاؤها الموت، في خزي وأسى امتثلت جميع الغرف للأوامر واستلموا الطعام، وقامت زوجة الطبيب بعدها بقتل قائدهم باستخدام مقص كان معها قصاصًا لما حدث لهن، وظل هؤلاء المجرمين مختبئين في غرفتهم خوفًا من أن ينال أحدهم ما ناله القائد.

بعد أيام لم يصل فيها الطعام ولا سمع فيها صوت الجنزال عبر المكبر، نشب حريق هائل في غرفة المجرمين أشعلته إحدى الفتيات اللاتي تعرضن للاغتصاب، لم يقدروا على السيطرة على الحريق فنشب في أرجاء المكان وهرب من هرب من العميان والآخرين لاقوا حتفهم في النيران، قادت زوجة الطبيب زوجها والطفل الصغير والفتاة ذات النظارة السوداء والكهل والأعمى الأول وزوجته للخارج بعد أن علموا بأمر قدرة زوجة الطبيب على الرؤية، استطاعوا الخروج من البوابة ولم يجدوا أحدًا من الجنود في الخارج، فقرروا الذهاب لبيت كل واحد منهم بالترتيب الأقرب فالأبعد ولكن كان عليهم أن يستريحوا ويأكلوا أولًا.

هبت زوجة الطبيب للاستطلاع فوجدت كل الحوانيت فارغة ويقطنها البشر فسألت أحدهم وأخبرها أن المدينة كلها أصابها العمى ولم يعرف أي أحد بيته أو مكانة فقرروا السكن في أول مكان يقابلهم حتى لو كان حانوت.

رجعت زوجة الطبيب لمجموعاتها وأخبرتهم بما عرفت وبدأوا في التحرك بعد أن وجدت لهم بعض الطعام وناموا قليلا في أحد الحوانيت، مروا على بيوتهم جميعًا ولكنها كانت فارغة أو مسكونة فقرروا البقاء معًا والذهاب لبيت الطبيب الذي صمد أمام محاولات اقتحامه وظل على حالته الأولى، وفي أثناء طريقهم لبيت الطبيب رأت زوجته مدى الحال السيئة التي وصلت لها المدينة فالقاذورات تملأ المكان والجثث من البشر والحيوانات ملقاه على الطريق ولا طعام يكفي أحد وحال الناس يرثى لها وقد تخلوا عن معظم صفات الحياء والإنسانية في سبيل مواكبة الأزمة.

مكثوا في بيت الطبيب فترة كانت خلالها زوجته تعتني بهم وتنظم شؤونهم حتى تكل وتخور قواها، وكانوا يتدبرون الطعام بشق الأنفس ولا ماء للشرب أو النظافة فاعتمدوا على ماء المطر وتأقلموا على الروائح المنبعثة من الشارع بفعل القاذورات.

وفي يوم من تلك الأيام صرخ الأعمى الأول “أنا أرى، أنا أرى”، عاد له بصره بدون مقدمات كما ذهب منه بدون مقدمات، قرر الأعمى الأول بعد أن صار بصيرا أن يرجع هو وزوجته إلى بيتهم ووافقته الفتاة ذات النظارة السوداء بعد أن عاد لها بصرها هي الأخرى ورجعت إلى بيتها ورافقها الكهل، أما الطبيب وزوجته فظلوا في بيتهم مع الطفل الصغير الذي لا يعرف عنوانه ولا يعرف أين أمه، استعاد الطبيب هو الآخر بصره وتعالت صيحات الفرح في الشارع بسبب استعادتهم لبصرهم جميعًا وذهب وباء العمى فجأة كما اجتاح المدينة فجأة.

للمزيد من ملخصات الكتب

ملخص مسرحية “هاملت”

ملخص مسرحية “هاملت”

أطول مسرحية كتبها شكسبير وكانت بين عام 1599 و 1601. تدور أحداثها في مملكة الدنمارك حول الأمير هاملت وحيرته ورغبته في الانتقام من قاتل والده وهو عمه كلاوديوس الشرير1 صور فيها شكسبير العديد من المعاني الإنسانية من الحيرة والانتقام والطمع والغضب وحتى الحب وموقف الإنسان من الحياة والموت.

القصة:

تبدأ مسرحية شكسبير بمشهد لحراس القصر الملكي، وهم يتبادلون نوبات الحراسة حتى يستلمها كلاً من هوراشيو ومرسيلوس وبرناردو. في خلال نوبات حراسة هؤلاء الثلاثة ظهر شبح للملك هاملت الأكبر -الذي تُوفي من فترة بسيطة- يمشي أمامهم مرتدياً كامل زيه العسكري.

ظهر مرتين في تلك النوبة دون أن ينطق بكلمة للحراس رغم صراخهم عليه وحتى تهديدهم له. فتعاهد ثلاثتهم على الإفضاء بما شاهدوه لصديقهم هاملت ابن الملك الراحل.

كان هامت ابن الملك في حالٍ يرثى لها ليس فقط لوفاة والده الذي يحبه كل الحب، بل السبب الأكبر أنه لم يأخذ وقته الكافي لبث الحزن على وفاة أبيه الحبيب الذي كان رمزاً للشجاعة والإقدام في مملكة الدنمارك كلها.

لم يستطع هاملت أن يأخذ وقته لرثاء أبيه نتيجة لزواج أمه من عمه بعد الوفاة بشهرٍ فقط!! الأمر الذي آثر في نفس هاملت وجرحها لمعرفته بمدى قوة أواصر الحب، والعشق بين أبيه وأمه فكيف تسلاه بتلك السرعة الغريبة! بل يقيمون الاحتفالات والمراسيم بتلك السرعة كأن اللحم الذي تم تقديمه في العزاء ساخناً تم تقديمه هو نفسه في مراسيم الزواج بارداً.

وفي أثناء تعجب هاملت من هذا الأمر، وزيادة لهيب الشكوك اتقاداً تجاه عمه، إذ بهوراشيو ومن معه من الحراس يدخلون عليه يقصون ما حدث ورؤيتهم لشبح أبيه الملك بكامل زيه العسكري، فيخرج معهم هاملت للمشاركة في الحراسة مساءاً حتى رأي بنفسه شبح أبيه يطل عليهم بعد منتصف الليل،

يجري خلفه مسرعاً للحديث معه رغماً من رفض هوراشيو ومن معه. وعندما التقي هاملت بشبح أبيه إذ بذلك الشبح يفضي إليه بخبر يقلب كيانه رأساً على عقب: أن والده لم يمت نتيجة عضة ثعبان كما قيل، لكنه مات مسموماً على يد أخيه ليفوز ليس فقط بالحكم بل وبالزوجة أيضاً. فأراد الشبح من هاملت أن ينتقم له، ويسترد حقه المسلوب دون المساس بأمه قيد أنملة.

هاملت يرى شبح والده

من تلك اللحظة تغير حال هاملت وتعاهد أن يوقع بعمه، وقرر أن يمثل الجنون والاضطراب على كل الناس، ولم يدرك أحد في القصر ما السبب وراء اضطراب هاملت الغريبة وتغير أحواله.

كان مستشار الملك بولونيوس له بنت بارعة الجمال تُسمى أوفيليا أحبها هاملت بشدة، فأعطاها الهدايا القيمة المصحوبة بالأشعار المعبرة عما شغل قلبه من عشقٍ تجاه تلك الحسناء. وكان قد أمرها بولونيوس أن تعرض عنه حتى لا يصيبها مكروه، فهو في النهاية أمير قد يكون لا يكن إليها الحب كما يزعم وإنما الهوى العابر ليس إلا.

بعدها، بدأ الاضطراب يظهر على هاملت ففكر بولونيوس ودبر في سبب ذلك الجنون إذا هو الحب ولوعة الاشتياق لابنته الجميلة هما السبب الكامن وراء ما يقبع هاملت فيه من اضطراب، وإذا به يفضي للملك -عم هاملت- والملكة بما استنتج، وقد اقتنعوا بالفعل بعد ظهور البراهين، لكن بالطبع لم يكن للحب علاقة فالأمر كله من صنيع هاملت ليداري على ما أصابه من حيرة بعد لقائه بالشبح.

في أثناء تلك الحيرة المصحوبة بالجنون المزعوم الذي أصاب صديقنا هاملت، إذ بمجموعة من الممثلين ينزلون بالقصر. فكر هاملت أن يستخدمهم ليتأكد من كلام الشبح خوفاً أن يكون ما هو إلا شيطان تنكر في صورة أبيه لخداعه ليس إلا.

نتيجة لذلك أعدد لهؤلاء الممثلين مسرحية مبنية على ما عرفه من الشبح فإذا ظهر الاضطراب على عمه كان الشبح ينطق بلسان الصدق، ولم يكن شيطاناً. وبالفعل تم تنفيذ المسرحية التي تعكس مشهد مقتل أبيه بالسم كما قص الشبح بالضبط فإذا بعمه يغضب، ويفارق مجلسهم منزعجاً مضطرباً، وهنا تحديداً أزيحت الغشاوة من على وجه هاملت ليرى حقيقة الجريمة النكراء.

استدعت الملكة ابنها لتعاتبه عما بدر منه في الفترة السابقة، فتوجه هاملت إليها يلومها على ما ارتكبت من معاصي، وذنوب. كيف أنها تزوجت من قاتل زوجها، وزاد سخطه في الجدال حتى صرخت الأم طلباً للنجدة، وكان المستشار بولونيوس مختبأً وراء الستارة على علمٍ من الملكة؛ لتحري جنون هاملت. فإذا به يسمع ألفاظ النجدة تلك حتى أصدر هو الآخر أصواتاً فأسرع هاملت بغير علمٍ منه بمن وراء الستارة يضربها بسيفه بقوة، فإذا بالمستشار يسقط صريعاً بعد ضربةٍ واحدةٍ لا غير.

في أثناء رجاء هاملت من أمه أن تبتعد عن عمه المجرم، وألا تظهر له الود والمحبة ظهر الشبح ولم تراه الأم فظنت أن ابنها مجنون لا محال عندما تحدث لشخصٍ غير موجود. فتوجهت الملكة للملك بسرعة تقص عليه ما حدث من قتل، وجنون فارتعدت فرائس العم الشرير من هاملت، وأمر بأن يتم إرساله لأنجلترا زاعماً لزوجته أن هذا لمصلحة هاملت كما هو لمصلحة الجميع.

لكن في قرارة نفسه كان يريد الخلاص منه كما خلص من أبيه فأعد رسالة لملك إنجلترا يطلب منه أنه فور قراءة الرسالة عليه أن يقتل هاملت. وبالفعل تم إرسال هاملت مع رسولين -كانا من أصحابه في السابق لكن الآن يعملان في خدمة الملك ضد هاملت- في رحلة بحرية لإنجلترا.

إلا أن شكوك هاملت التي لا تنام جعلته يفتش غرفه وحقائب من معه من الرسل في أثناء نومهم فوجد الرسالة، وعرف ما يضمره عمه من خيانة، فقام بكتابة رسالة جديدة تطلب من ملك إنجلترا أن يقتل الرُسل فور قراءته لها، وختمها هاملت بالختم الملكي الذي هو ملكٌ لأبيه. هرب صديقنا هاملت على ظهر سفينة للقراصنة عائداَ لوطنه.

في تلك الأثناء كان لايرتس ابن بولنيوس قد عاد من فرنسا للدنمارك على إثر خبر وفاة أبيه الذي شابته الشوائب؛ فلا سرادق للعزاء، ولا غيره. فعلم أن في الأمر سرٌ خطير جعل عقله يغلي من الغضب، وتوجه للملك في جمعٍ غفير غاضب من الناس يريد تفسيراً لموت أبيه. فاجتمع به الملك وهدأ من روعه وأخبره بحقيقة ما فعله هاملت واتفق معه على تدبير خطير للتخلص منه.

في أثناء حوارهما وصل خبر غرق أوفيليا في الماء تلك الحسناء المسكينة التي فقدت عقلها عقب وفاة أبيها الذي تحب وتهوى، وأصبحت تطوف بين الناس تتحدث، وتغني بكلامٍ غير مفهوم، وتوزع عليهم أكاليل الورود حتى ذهبت لتُعلق إكليل من الزهود على غصن شجرة قد تدلى فوق النهر فإذا بها تهوي في الماء، وترسل أنفاسها الأخيرة وهي تغرق وفارقت الحياة في حزن وشجنٍ اختلط بالجنون ليزيد من كآبة الوضع، والمنظر ويزيد من غضب أخيها وعزمه على الانتقام الذي أعمى بصره.

وبعد أن دُفنت أوفيليا في غير زحام ولا جموع غفيرة ولا مراسيم دينية كاملة لأن موتها كان مشكوكاً فيه أنه عن عمد وهذا ما تبغضه الكنيسة لكنها دفنت في الأراضي الطاهرة بأمرٍ من الملك. عزم الملك ولايرتس على إعداد خطة تودي بحياة هاملت.

دبر الملك أن يدعو هاملت لمبارزة مع لايرتس، وكان قد نُزع غلاف الأمان من سيف لايرتس وسُمم آخره فإذا خدش هاملت سينتشر السم في جسمه، ويموت. فيظهر الأمر أمام الجميع أنه حادثة لا أكثر، ولن تثور أمه ولا الناس الذين يحبونه أشد الحب. وقام الملك أيضاً حرصاً منه على التخلص من هاملت بوضع السم في كأس هاملت فإذا لم يستطع لايريتس التخلص منه كان الخلاص على يد كأس الشراب المسمومة.

وجاءت ساعة المبارزة، فتغلب هاملت على غريمه جولتين حتى استطاع لايرتس أن يصيب هاملت بجرح في الجولة الثالثه، فغضب هاملت بشدة؛ لاكتشافه أن سيف الخصم منزوع الأمان. فاشتد القتال بينهم حتى سقطت السيوف وتبدلت فإذا بهاملت يجرح لايرتس، فيعترف لايرتس أن السيف مسمومة ولا دواء لداء ذلك السم، وأن كلاهما سيموت لا محالة، وأن هذا كله كان من تدبير عمه.

نظر هاملت لأمه فوجدها تسقط على الأرض فقد شربت من كأس هاملت المسمومة فسقطت صريعة وهي تقول: لقد سمموا الكأس يا هاملت. فإذا بهاملت وفي يده السيف المسممومة يطعن الملك جزاءاً على ما فعل فيموت الملك الشرير، وتموت زوجته الجميلة غير المخلصة، ويلفظ لايرتس آخر أنفاسه، ويسقط هاملت عاجزاً ليلقى مصير الموت وقد عهد إليه هوراشيو أنه سيصحح للناس صورته ويخبرهم الحقيقة.

كان المنظر كأنه مشهد من حربٍ دموية بلا أجانب ولا جنود بل كانت أدواتها الطمع الذي أصاب العم والحيرة التي أخرت ابن أخيه عن اتخاذ قراره، والانتقام لأبيه. فكان كلاً من الطمع والحيرة سلاحين فتكوا بأصحابهم ومن حولهم.

كي لا نظلم المسرحية

لم تكن مسرحية هاملت للمبدع شكسبير مجرد قصة جميلة فقط؛ حيث كان الحوار بين أصحابها مرآة تعكس أسئلة وجودية وفلسفية حول العديد من القضايا مثل: ما هو الموت؟ هل هو رقاد وصمت كما كان يتمنى هاملت، أم هو رقاد امتلأ بالأحلام المزعجة والمشاعر الصعبة؟

هل يمكن أن يكون خوف الناس من المجهول بعد الموت أو من احتمالية وجود تلك الأحلام هو الدافع وراء تمسكهم بالحياة بما يشاهدونه فيها من هوان وألم ؟ كذلك عكس شكسبير ألم الحيرة على أكمل وجه في شخصية هاملت شخصية أكون أو لا أكون؛ فهو أراد الانتقام لأبيه يدفعه لذلك الغضب والحب، وفي نفس الوقت تردد مراراً وتكراراً بسبب طبيعته الطيبة البيضاء.

لكن تلك الحيرة كانت سبب في فقد من أحب بعدها وحتى في فقد نفسه. واستطاع صديقنا شكسبير أن يعكس الأوضاع في الحضارة الأروبية آن ذاك في مجالات المسرح، والتمثيل والصراع بين القائمين على تلك الأعمال، وكيف أن الجودة الخلاقة للعمل الفني وبخاصة المسرحي قد تعود عليه بالضرر إذا كانت أعلى من مستوى تفكير العامة، فيعجزوا عن حب العمل فيقصر عمره بين الأنام.

لم تخلو المسرحية كذلك من الحديث عن عيوب المجتمع الأروبي وقتها مثل الإسراف في شرب الخمر التي تعود على صاحبها بعلة العقل والجسد، وتعود على شعوبها بالهوان. وكذلك حديثه عن الطبقية التي تُحلل دفن المنتحر في الأراضي المطهرة إذا كان من أولاد الأعيان، وأولي السلطة وإن لم يكن كان مصيره خارج تلك الأراضي. كل هذا وأكثر استطاع شكسبير أن يعكسه فيما بين أيدينا من قطعة أدبية رفيعة المستوى.

ويليام شكسبير

المزيد: ملخص رواية “يوتوبيا” للكاتب أحمد خالد توفيق

مصادر (ملخص مسرحية “هاملت”): 1.Brittannica

ملخص رواية “مئة عام من العزلة” لجابرييل جارسيا ماركيز

ملخص رواية “مئة عام من العزلة”

تعتبر مئة عام من العزلة أشهر مؤلفات الكاتب الحائز على نوبل جابرييل جارسيا ماركيز، مما يضعها في مكانة خاصة لدى القراء لما فيها من رمزية وأحداث وطريقة سرد بديعة وغنية اعتمادا على مدرسة الواقعية السحرية.

  • البداية

تبدأ أحداث الرواية بعائلتي بوينديا وآل إيغواران المختلطان بالتزاوج لينتج عن نسلهما طفل بذيل، مما يجعلها لعنة تخشاها أحد أبطال القصة الرئيسيين “أورسولا”. تزوجت أورسولا ابنة آل إيغواران من السيد خوسية أركاديو بوينديا سليل عائلة بوينديا، ووصل الزوجان إلى قرية “ماكوندو” الصغيرة المنعزلة لينجبا رغم المخاوف 3 أبناء، هم خوسية أركاديو وأورليانو وأمارانتا.

الغجر

يزور القرية من حين إلى آخر مجموعة من الغجر يتزعمهم “ملكياديس”، فيتحمس الأب “خوسية أركاديو بوينديا” لما يحضره معه ملكياديس ويسارع بشرائه أو بمبادلته، حتى أن نزواته المعرفية تلك قد كلفت العائلة الكثير لعدم قدرته على استغلال ما يجلبه ملكياديس معه في شيء مفيد، إذ أثار المغناطيس رهبة أهل القرية جميعا، كما أن قدرات العدسة المُجمعة قد أذهلت بوينديا بشكل خاص حتى سعى إلى أن يستخدمها كسلاح حربي، إلى أن فشل وركّز في غرفة الكيمياء داخل بيته محاولا خلط العناصر وفهم المزيد، ولكن لم تفز عائلته من محاولاته إلا بخسارة أورسولا ذهبها.

الطفلان

انجرف الطفلان مع أبيهما في نزواته المعرفية رغم اختلاف شخصياتهما، وكان أورليانو مميز بقدراته على التنبؤ، فأخبر أمه بقدوم زائر جديد للبيت، وهو ما حدث بالفعل بقدوم الطفلة “ربيكا” ليتبناها الثنائي وتصبح فرد جديد في الأسرة.

رحل خوسية أركاديو الإبن مع الغجر بشكل مفاجئ بعد أن هام بإحداهن، وغاب عن الأسرة لفترة، وعبث غيابه بعقل أورسولا التي قررت أن ترحل للبحث عنها، لتغيب لفترة طويلة أثارت قلق الأب إلى أن تعود أورسولا وفي رفقتها العديد من التجار للقرية بملابس جديدة ودون أن تخبر أحد بما فعلت أو رأت خارج القرية!

يقدم إلى القرية وافد جديد ممثل للحكومة، وهو القاضي ليفرض على بيوت القرية أن تستخدم الدهان الأزرق، مما أثار حنق الأب بوينديا ليتشاجر مع القاضي ويكاد يضربه، ليعود القاضي مرة أخرى بعد طرد بوينديا له محميًا بالجنود، فيسمح له بوينديا على ألا يفرض على أحد لون معين في دهان المنازل، فيتفق الطرفان في النهاية.

أحب أورليانو ابنة القاضي “ريميديوس” الصغيرة، وطلب من أبيه خطبتها، فهاج أبيه ورفض الأمر في البداية إلا أن أقنعته أورسولا، لكن استغل الأب رغبة أورسولا في تزويج ابنه أورليانو بريميديوس في تزويج ربيكا بالشاب الإيطالي الوسيم عازف الموسيقى بيترو كريسبي، فتتوعد أمارانتا ربيكا وتحيك لها الخدع وتصب عليها اللعنات لإيقاف زواجهما (ربيكا وبيترو كريسبي) فيفسد زواجهما بالفعل بعد سنوات من الانتظار.

تموت ريميديوس زوجة أورليانو نزفًا في الليل ويحزن الجميع فينشغل أورليانو بالحرب بين الليبراليين والمحافظين ليصبح قائد لقوات التمرد الليبرالية ويخوض عشرات الحروب ضدها حتى كاد أن يموت أمام فرقة الإعدام والتي تبدأ بها القصة بالأساس في شكل حدث رئيسي يتوقف عنده الزمن ليتذكر فيه أورليانو كل ما فات من أحداث، ليتدخل أخيه خوسيه أركاديو الفحل الذي عاد للقرية وتزوج من ربيكا المسكينة لينقذ الكولونيل أورليانو من الموت.

من البداية لم يحظ زواج ربيكا وأركاديو على موافقة أورسولا خوفًا من عودة لعنة الذيل لطفلهما المحتمل فتطردها أورسولا من بيتها، بينما يهيم بيترو كريسبي بحب أمارانتا التي لم تهتم به، فينتحر الوسيم الإيطالي في النهاية داخل محله.

 

  • لعنة الحب

تظهر شخصية العاهرة بيلار تيرنيرا لينجب منها كل أخ على حدة، فأنجب أورليانو منها ابنه خوسيه أورليانو وأنجب خوسية أركاديو منها أيضا ابنه اللقيط أركاديو الذي يتربى في بيت ربيكا منفيين من بيت أورسولا الجدة. ثم تحرق أمارانتا يدها ببرود في فرن العائلة ليستمر الحرق معها طوال حياتها وحتى مماتها وكأنها تأثرت بانتحار بيترو كريسبي بشكل ما فلم تحتمل الألم النفسي وحاولت استبداله بألم الحرق.

انطلق الكولونيل أورليانو في حروبه، وأنجب 17 ابن وابنه لم نعرف عنهم شيء وخاض 32 حرب خسرها في النهاية ضد المحافظين ليعود إلى القرية ويوقع الهدنة بعد أن فقد الهدف من تلك الحرب ولم يعد يعرف لها سببا، بل وكان يتعجب من رفاقه لوجود أسباب يحاربون من أجلها. إذ تسببت الحرب في فقده لأصدقائه ومخالفته لبعض مبادئه، فقرر التنحي عن الحرب والبقاء مع أورسولا في بيتها.

يموت الجد بوينديا بعد أن قضى آخر أيامه تحت شجرة الكستناء فتمطر السماء زهورا صغيرة في لحظة سحرية مميزة يتألم لها جزء منك أثناء قراءة الرواية وتترك انطباعها داخل القارئ بلا شك.

تتكرر لعنة الحب مع أبناء أركاديو ابن خوسية أركاديو والذي أنجبهم من سانتا صوفيا التي أرسلتها بيلار تيرنيرا عندما لم تطيق محبة أركاديو لها وهو ابنها من خوسية أركاديو، لتنجب سانتا صوفيا من أركاديو ثلاثة أبناء هم: خوسيه أركاديو سيغوندو وأورليانو الثاني وريميديوس الجميلة.

فيحب كل من خوسية أركاديو سيغوندو وأورليانو الثاني عاهرة جديدة اسمها بيترا كوتيس وكأن لعنة بيلار تيرنيرا تتجدد، بينما يثير جمال ونقاء ريميديوس الجميلة كل من يراه حتى انتحر شخصان بسبب جمالها ولا مبالاتها بهما وبحبهما لها لتنتهي نهاية غريبة ممسكة بطرفي ملاءة وطائرة بعيدا عن بيت أورسولا فينسدل عن قصتها الستار فجأة.

  • فساد الأسرة

لم تتوقع أورسولا يوما أن يظلم أبنائها أحدا، إلا أن خوسية أركاديو وأركاديو قد تعاونا على سرقة أراضي سكان ماكوندو وتخويفهم، ودافعت عن أهل القرية ضد ظلم أركاديو، ولكن بعد موت خوسية أركاديو وبعد عودة الكولونيل أورليانو واكتشافه لتلك السرقات يقرر إعادة الحق لأهله بعد حديث قصير مع ربيكا التي لم تمانع على الإطلاق.

انقلاب الأحوال

دخول شركة الموز إلى ماكوندو للاستفادة من ثرواتها الطبيعية، فينضم خوسية أركاديو سيغوندو للشركة، ويعمل كمراقب عمال، ثم يرث صفة تمرد الكولونيل أورليانو، فيثور مع العمال، إلى أن تقرر الشركة فتح النار على عمالها، وينتقل خبر موت 3 آلاف شخص في هذا اليوم عبر خوسيه أركاديو سيغوندو للعائلة بعد هروبه، ليبقى في بيت أورسولا وداخل غرفة الكيمياء دارسًا وقارئا لما فيها.

يحب أورليانو الثاني فيرناندا الأرستقراطية والتي تربت على أن تكون ملكة، رغم علاقته ببيترا كوتيس، فلم يلبث أن عاش مع فيرناندا قليلا ثم رحل عنها ليعيش مع بيترا كوتيس والتي كانت بمثابة تميمة الحظ، فاغتنى بشدة وفحش، حتى أن ذاع صيت غناه وحضر حفلاته القاصي والداني، لتبغض أورسولا غناه الفاحش وغير المستحق من وجهة نظرها وتعتبره بلاء على الأسرة، فكان يسخر منها ويدهن أعمدة المنزل بأوراق البنكنوت.

أنجب أورليانو الثاني من فيرناندا الأرستقراطية 3 أبناء، وهم: ميمي وخوسية أركاديو الثالث وأمارانتا أورسولا، وتسيطر فيرناندا على المنزل بعد كبر سن أورسولا وإصابتها بمشاكل في الإبصار وبعد وفاة أمارانتا وأورسولا، وتستمر العلاقات المتوترة بين فيرناندا وأورليانو الثاني الذي هجرها بسبب التزامها الزائد وأرستقراطيتها المرهقة بالنسبة له، لكنه عاد في النهاية إليها بعد أن وعدها بأن يموت في منزلها.

 

مصير مختلف

تقرر فيرناندا والتي تصبح أورسولا جديدة استئجار حارس لقتل عشيق ابنتها ميمي ذي الفراشات الصفراء بيبليانو الذي يتسلل إليها ليلًا وتنجح خطتها بالفعل ولكن بعد فوات الأوان، فقد أنجبت ميمي ابنها “أورليانو بيبليانو” بالفعل ليعيش مع فيرناندا في نفس البيت مخفيًا في غرفة الكيمياء مع خوسية أركاديو سيغوندو، فتقرر إرسال ابنها خوسية أركاديو الثالث إلى روما ليصبح البابا.

وفجأة تمطر سماء ماكوندو لقرابة الخمس سنوات، فتضيع ثروة أورليانو الثاني ويحاول في نهاية حياته أن يفي بوعده لإبنته أمارانتا أورسولا لتسافر إلى بروكسل لتستكمل دراستها، فيعود للعمل بكل جد واجتهاد في بيع تذاكر اليناصيب لينجح في مسعاه وتسافر أمارانتا لبروكسل بالفعل.

ثم يموت التوأم خوسية أركاديو سيغوندو وأورليانو الثاني في نفس اليوم، ولا يبقى في البيت إلا فيرناندا التي تعاني من مرض عضال مع الابن غير الشرعي لابنتها ميمي أورليانو بيبليانو في غرفة الكيمياء، وبعد غنى زوجها الفاحش لا تجد فيرناندا بعد هذا العمر إلا سلة طعام يومية لا تعلم مرسلها الحقيقي والتي كانت بيترا، وتموت فيرناندا في النهاية بعد توقف المطر ويعود ابنها خوسية أركاديو الثالث في روما ليقرأ رسائل أمه فلا يجب إلا أورليانو بيبليانو فيعرف حقيقته كابن غير شرعي لميمي.

 

كنوز العائلة

تركت العائلة خلفها كنزان، أحدهما عبارة عن لفافات ميلكياديس الغجري والتي لطالما حاول أفراد الأسرة على فك شفرتها لفهم محتواها في غرفة الكيمياء، ليحمل أورليانو بيبليانو عبء فكها وقراءتها بعد أن كوّن من سنوات عزلته في غرفة الكيمياء حصيلة معرفية ضخمة وهائلة.

والكنز الثاني هو من الذهب الذي أصرت أورسولا قبل موتها على عدم الإفصاح به بعدما رأت من غنى أورليانو الثاني الفاحش من بلاء على أسرتها وتكرارهم لنفس الأخطاء، فأخفته داخل بلاط غرفتها، ولم يكتشفه إلا ابن فيرناندا العائد من روما خوسية أركاديو الثالث، والذي لطالما كذب على الأسرة بشأن دراسته في روما، ليعود ويعبث مع رفاقه في منزل الأسرة بكنوزها، وفي يوم قرر طرد رفاقه، فعادوا إليه لينتقموا منه فأغرقوه في حوض الاستحمام وسرقوا الذهب.

 

  • نهاية رواية “مئة عام من العزلة”

تعود أمارانتا أورسولا من بروكسل متزوجة من جاستن، إلا أن علاقتها لم تستمر بسبب رغبة زوجها في العودة إلى بروكسل بعد أن أخطأ في تقدير رغبة زوجته في تحمل ماكوندو، فأحبها أورليانو بيبليانو، ورغم العلاقة غير الشرعية بينهما، أنجبا الطفل الأخير لعائلة بوينديا فأسماه أبيه “أورليانو”، وفي تطور درامي يكتشف الأب أورليانو بيبليانو شفرة أوراق ميكلياديس الغجري السنسكريتية بعد وفاة أمارانتا أورسولا نزفا من ولادتها، ويكتشف أن ابنه أوليانو له الذيل الملعون الذي خافت منه الجدة أورسولا طوال حياتها فيأكل الطفل النمل الذي هاجم القرية ودمرها.

وبينما يقف أورليانو بيبليانو ممسكا بأوراق ميلكياديس ليقرأها متأثرا بما حدث لزوجته وابنه وخواء قرية ماكوندو من السكان تقريبا لكثرة كوارثها، يكتشف أن أوراق ميلكياديس ما هي إلا نبوءة لكل ما حدث للعائلة طوال عقود وعلى مدار 7 أجيال تروي الأحداث بدقة وتتنبأ بها، كما تتنبأ في اللحظات الأخيرة بعاصفة هائلة تمحو القرية وبيت العائلة وكل من فيه، لتفنى عائلة بوينديا وأورسولا عن آخرها بعد “مئة عام من العزلة” !

 

وقد ناقش فريق عمل الأكاديمية بوست في أحد أندية القراءة الرواية.

Exit mobile version