ملخص رواية زوربا اليوناني للكاتب نيكوس كازانتزاكي

ملخص رواية زوربا اليوناني

زوربا اليوناني هي رواية عالمية للكاتب اليوناني نيكوس كازانتزاكي. نُشرت بداية في عام 1946، وتُرجمت إلى العديد من اللغات ولاقت نجاحاً كبيراً.

لقاء زوربا في المقهى

تبدأ أحداث الرواية مع بداية نهار جديد في أحد المقاهي في ميناء “بيريه”. لكن هذه البداية لا توحي بإشراقة أمل أو مستقبل واعد. بل يعطي الطقس العاصف شعوراً بالضيق، ينعكس في حالة رواد المقهى من بحارين وغيرهم. فهم سئمون ومثقلون بهموم الحياة.

وسط هذه الصورة الرمادية، يطلّ الراوي الذي نسمع تفاصيل حكايته بصوته، ولكننا نجهل اسمه. يبدأ الحكاية وهو جالس في إحدى زوايا المقهى، مستعرضاً ذكريات لا تقلّ سوداوية عن اللحظة الحالية. فيحكي قصة وداعه لصديقه في هذا المقهى بالذات، حين كان هذا الصديق مسافراً إلى القوقاز. مع أننا لا نرى هذا الصديق ولا نسمع صوته مباشرة، إلا أنه يبقى حاضراً في ذهن الراوي.

في هذه الأثناء، يجلس الراوي في المقهى بانتظار مركب ليأخذه هو الآخر في مغامرة إلى جزيرة كريت. حيث قرر هذا الرجل، وهو رجل مثقف مفكر كاتب، أن يترك أوراقه وكراساته، وينطلق في مغامرة حقيقية أسوة بصديقه الذي كان دائماً يشجعه على هذه الخطوة. وها هو الآن، حزم أمتعته، وترك كتبه، واستأجر منجماً للينيت (أحد أنواع الفحم) كي يستثمره. لكنه يدسّ معه خلسة – ربما خلسة عن نفسه أو عن صديقه الحاضر في ذهنه – مخطوطاً كان قد بدأ بكاتبته ولم ينته منه، علّه يكمله على الجزيرة. ويبقى هذا المخطوط، الذي أسماه مخطوط “بوذا”، مرافقاً له لوقت ليس بقليل.

قبل أن يأتي القارب، يدخل على الراوي رجلٌ غريب يقارب الستين من العمر، وهو بطلنا ألكسيس زوربا الذي نتعرف عليه مع الراوي بلحظة شرود وصمت. يأتي زوربا طالباً أن يسافر معه، ويثير بأحاديثه العفوية فضوله، مما يدفعه إلى القبول بأخذه كمساعد.

ولكن زوربا لم يكن قد حزم الكثير من الأمتعة، بل اكتفى بأخذ السانتوري الذي يعشق موسيقاه، والذي عاش معه تجارب غيرت حياته. وفي خضم أحاديثه المتشعبة، يدرك الراوي، أو الرئيس كما يدعوه زوربا، أن هذا الرجل ذو القلب الحي والروح الخام هو الرجل الذي يبحث عنه ليساعده، ليس فقط في مغامرته، بل أيضاً في سعيه الفكري والروحي.

ثم على القارب

في القارب، يكتشف الرئيس جوانب أكثر لشخصية زوربا. فهو رجل صريح لا يخاف أن ينتقد ما لا يعجبه أو أن يعبر عن رأيه واستيائه للأحداث المعاصرة في بلاده. أما الرئيس فيغرق في تأملاته وأفكاره التي تطال كل الغيوم والجزر التي تمر في طريقهم، بل وحتى الركاب.

على القارب، يكشف زوربا للرئيس عن العذاب التي تسببه له فكرة الحرية، هذه الفكرة التي يقتل البشر بعضهم من أجلها، كما فعل هو في أيام شبابه عندما قامت الثورة في كريت. ويبقى موضوع الحرية أحد المحاور الأساسية التي تناقشها الرواية على لسان زوربا وفي أفكار الرئيس.

الوصول إلى القرية

مع الحديث عن الحرية، يترجل الرئيس وزوربا وينطلقان إلى وجهتهما، وهي إحدى القرى على جزيرة كريت. فالخطة أنهما سيمكثان هناك ويعملان في منجم اللينيت. يقصدان بداية الأمر مقهى القرية ويتعرفان على بعضٍ من رجالها. ثم يذهبان إلى نُزُلٍ تملكه سيدة غريبة عن القرية، سيدة فرنسية تدعى السيدة هورتانس، وهي امرأة ذات سمعة غير طيبة بين السكان.

في اليوم التالي بعد أن يستكشف الرئيس القرية، يمضي يومه مع زوربا والسيدة هورتانس التي تكرمهما بوليمة غداء تحكي لهما أثناءها عن مغامراتها السابقة عندما كانت مغنّية شابة. فقد عاشت أيام مجدها في زمن الثورة الكريتية حين كانت بصحبة جنرالات من إنكلترا وفرنسا وروسيا وإيطاليا.

لم يُكتب لهذه الأمجاد أن تدوم، فبعد انتهاء الثورة، رست مراكب السيدة هورتانس في كريت. ومع أنها لا تحظى باحترام كبيرٍ من الأهالي، إلا أنها تعيش بينهم وتدير فندقها في القرية. ويقضي زوربا والرئيس وقتاً ممتعاً عندها وتنشأ علاقة بينها وبين زوربا الذي دائماً ما يبحث عن سيدة أو أرملة يقضي معها بعض الوقت في كل مغامرة يخوضها.

الكوخ والصديقان

تمضي الأيام ويبني الرئيس وزوربا كوخاً على الشاطئ ويستقران فيه. ويبدأ العمل بمنجم اللينيت حيث يشرف زوربا على العمال. كما تتطور الصداقة بين الرجلين الذين لا تنتهي أحاديثهما. فالرئيس لا يملّ من حكايات زوربا، هذا السندباد البحري الذي دار بلاداً ومدناً كثيرة، وعاش تجارب لا تحصى. وكان الرئيس ينهل من هذه الأحاديث ما استطاع إليه سبيلاً من حكمٍ ومعانٍ لم يجدها في الكتب.

يكمن جمال العلاقة بين زوربا والرئيس بأن أحدهما يكمّل الآخر. فزوربا رجلٌ مدفوعٌ بغرائزه ورغباته، ويفخر بالتعبير عن مدى حبه للنساء والطعام والخمر وكافة الملذات الجسدية. كما أنه يقدّس الجمال في كل ما يرى، وهو “يرى يومياً كل الأشياء للمرة الأولى” كما يصفه الرئيس. أما هذا الآخر فهو رجل يحتقر ملذات الجسد، على حد اعترافه، ويُكثر التفكير والتحليل في كافة الأمور، حتى تستحيل إلى أفكارٍ مجردة يقبلها عقله. تتناقض سعة معرفة الرئيس وحكمته التي استقاها من الكتب مع اندفاع زوربا وطيش الشباب الذي لا يفارقه حتى بعمر الستين.

لا يقطع زوربا والرئيس علاقتهما مع أهل القرية ومع السيدة هورتانس التي يزورانها أيام الأحد. وهذا الاختلاط بالناس هو أحد المحفزات التي تخلق حوارات عميقة بين الصديقين. ويتمخض عن هذه الحوارات في أحد المرات اعتراف من الرئيس برغبته في إنارة العالم وإخراج هؤلاء الناس من غياهب الظلمات التي يغرقون فيها. وكالعادة، يختلف زوربا عنه في هذا المسعى، إذ يرى أن لا فائدة من إنارة الظلام، فقد اعتاد الناس عليه، وهم سعيدون فيه. لكن العالم الذي يرسمه الرئيس لهم هو ليس إلا ظلاماً آخرَ مجهول الماهية، ولن يحقق لهم أية سعادة إضافية لأنه غير معروف. “إنهم مرتاحون في بؤسهم. إذن دعهم والزم الصمت” ينصح زوربا الرئيس.

المخطوط والرئيس، زوربا والمنجم والرقص

لا تكف أفكار الرئيس عن مطاردته في هذه الجزيرة، فسكون البحر وصمت الليل يحركان “بوذا” المختبئ داخله، ويشعلان في قلبه وعقله الرغبة بالتحرر من الأعباء التي تثقله. فهو دائماً يتغنى بالحرية التي تحدث عنها بوذا، والآن على هذه الجزيرة، قطع على نفسه وعداً بأن يحرر روحه من القلق. عندما تنتابه هذه التأملات، ينكب على مخطوطه ويكتب فيه حتى يغيب في عالم النوم ويستيقظ مجدداً في دوامة تعب تعود به إلى الواقع.

أما زوربا، فكان همه هو العمل والمنجم. وكان في كل ليلة تقريباً، بعد أن يتعشى مع الرئيس، يحدثه عن سير الأعمال. في إحدى المرات، وبعد الحديث عن أفكار جديدة للمنجم، تغمر روح زوربا سعادة جمة لا يتحملها جسده المحدود. فينطلق إلى شاطئ البحر ويبدأ بالرقص تعبيراً عن كل المشاعر في داخله. ويعترف للرئيس عندها أن الرقص هو سلاحه في التعبير عندما تخونه الكلمات.

يمضي الرئيس أياماً لطيفة مع صديقه الجديد، لكنه لا ينسى صديقه القديم الموجود في القوقاز والذي يزور أفكاره بين الحين والآخر. ويمثل هذا الصديق الغائب الحاضر جزءاً عميقاً من نفس الرئيس، لا ينفصل عن كيانه، ويلجأ إليه في لحظات الضعف والاعتراف والبوح .وفي إحدى المرات يكتب له رسالة يحدثه فيها عن مغامرته، وعن هذا السندباد البحري الذي يعيش معه ويتعلم منه.

ظهور الأرملة

ذات نهار ماطر، وفي مقهى القرية، تظهر شخصية جديدة مثيرة للاهتمام، وهي الأرملة سورمولينا التي سلبت بجمالها قلب أحد الشباب في القرية، وهو بافلي، ابن السيد مافراندوني. كانت للأرملة أثر كبير على كل الموجودين، بجسمها القوي الممتلئ ونظرتها الثاقبة. وكما هو متوقع من زوربا، أضرمت الأرملة ناراً في قلبه، ولكنه في هذه المرّة آثر أن يشجع صديقه ليجري خلفها. فبدأ يحث الرئيس على السعي لطلب ودّها.

كان الرئيس قد أحس برغبة كبيرة تجاه هذه المرأة الشابة التي تشبه الفرس، فهو رجل بطبيعة الحال، لكنه كان أضعف من أن يعترف بذلك لعدم قدرته على احتضان الحب بكل قوته. إلا أن صورة الأرملة سورمولينا تعود لتقضّ مضجعه في مواقف متكررة، مذكّرة إياه بعدم ديمومة الحياة، وبضرورة تحصيل السعادة في كل مرة يستطيع الإنسان إليها سبيلاً.

أفكار الرئيس ومشاريع زوربا

تمر الأيام وتأتي السنة الجديدة، ويمضي زوربا والرئيس أيام الأعياد عند السيدة هورتانس، أو بوبولينا كما يفضل زوربا أن يناديها تيمناً ببطلة حرب الاستقلال اليونانية. وكانت هذه السيدة العجوز لا تبخل عليهما لا بالطعام ولا بالحفاوة، وبالمقابل، كان زوربا يكرمها بالحب.

أما الرئيس، فكانت حبيبته مخطوط “بوذا” الذي كان يخرجه من عزلته عندما تعطيه التجارب كمّاً من الأفكار ليضيفها إليه، خاصة تلك التي يتعلمها من مدرسة زوربا في الحياة. وقد أصبحت كتابة مخطوط “بوذا” تمثل صراع الرئيس مع ذاته تجاه السلام الروحي.

ومع الأيام، وعندما يلاحظ الرئيس عدم جدوى العمل في المنجم، يشجع زوربا على المضي قدماً في خطة جديدة. إذ كان الرئيس قد استأجر غابة صنوبر من دير الرهبان الواقع على الجبل، وكانا يريدان بناء مصعد لنقل الخشب من الأعلى. وكانت مهمة زوربا إيجاد الميل الملائم للمصعد. وعندما ينجح بذلك نظرياً، يقرر الذهاب إلى مدينة مجاورة لجلب الأغراض التي يحتاجها المصعد، على أن تستمر رحلته تلك ثلاثة أيام.

رحلة زوربا

يبقى زوربا في المدينة فترة أطول بكثير من المتفق عليها. ويبعث برسالة للرئيس يحكي له فيها عن سبب هذا التأخير. فقد كان يقضي أيامه مع صبية بعمر الورود تدعى لولا، كان قد تعرف عليها وقرر قضاء تجربة جديدة في الحب معها. ومع أنه كان يبدد مال الرئيس في المدينة، إلا أن الرسالة وما تحمله في سطورها من تأملات “زورباوية” عن الحب والحياة تبهج قلب الرئيس ولا تفتح مجالاً للغضب أو الانزعاج من هذا التصرف الطائش.

وأما السيدة العجوز هورتانس، فتصيبها حالة من القلق على محبوبها الذي تأخر في المدنية، وتأتي لتسأل صديقه عنه. ما الذي سيقوله الرئيس هنا؟ فهو لا يستطيع أن يكسر قلبها ويخبرها الحقيقة، لذلك ألّف لها قصصاً كثيرة عن زوربا، لا تخلو من أشواق ووعود وكلمات معسولة زعم أنه أرسلها لها في إحدى رسائله. ولكن مع كل هذا تبقى سعادتها ناقصة. عندها، يدرك  الرئيس بحكمته الواسعة أن هذه المرأة التي أمضت حياتها وشبابها كمغنية جميلة تنتقل من مدينة لأخرى ومن عشيق لآخر، كان لا بدّ لها في نهاية الأمر من أن تستقر مع زوج شرعي يعيد لها كرامتها بين الناس. فلم يكن منه إلا أن أكمل نسج كذبة على مقاس أحلامها وتمنياتها، وأخبرها أن زوربا ينوي الزواج منها عندما يعود.

أثر الأرملة الأول

تعود الأرملة سورمولينا إلى صورة الأحداث، مصحوبة بمأساة كانت قد حلت بالقرية. فقد قام العاشق الولهان بافلي بإغراق نفسه، إذ لم يعد يطيق رفض الأرملة له ووصل إلى قاع اليأس الذي قاده إلى انتحاره. يثير هذا سخط أهل القرية على الأرملة ويتهمونها بأنها سبب ما حدث، أما الرئيس فهو الشخص الوحيد الذي يدافع عنها. ولهذا ترسل له سلة من البرتقال امتناناً لموقفه معها. لكنه يبقى صامداً بمقاومة مشاعره ورغبته تجاهها.

زيارة الدير

عند عودة زوربا من المدينة، يتبادل الأخبار والقصص مع صديقه، ويخبره هذا الأخير بمشروع زواجه من هورتانس. لكن زوربا لا يسرّ من الفكرة ولا يعيرها الكثير من الاهتمام. ثم يذهب الرجلان إلى دير الرهبان الذي استأجرا منه غابة الصنوبر لإكمال الصفقة. ويقضيان يومين وليلة هناك، تدور فيها أحداث مريبة بين بعض الرهبان والآباء. يستغل زوربا هذا الموقف ليحصّل صفقة موفقة مع رئيس الدير، يوفر من خلالها على الرئيس الكثير من المال تعويضاً لما بدده في مغامرته مع لولا.

عند عودتهما إلى كوخهما على الشاطئ، يجدان عروس المستقبل بانتظارهما، طلباً لعريسها الذي سيخرجها من حياة العار. إن لزوربا قلباً رقيقاً لا يتحمّل رؤية أنثى، أياً كانت، حزينة أو كئيبة. ولهذا، يحنّ قلبه على السيدة هورتانس ويقوم بخطبتها فوراً تحت ضوء القمر وبوجود شاهدهما، الرئيس. ويعدها أنه سيتزوجها يوم عيد الفصح، أي بعد عدة أيام. في هذا الموقف، يتجلى زوربا رجلاً رؤوفاً وحنوناً وصادقاً حتى عندما لم يَقطع الوعد بنفسه.

أثر الأرملة الثاني

في اليوم التالي، يجتمع أهل القرية والكاهن عند الرئيس وزوربا لمباركة الخطوة الأولى في بناء المصعد. وبعد أيام قليلة، يأتي عيد الفصح وينتظر الرئيس وزوربا العروس العجوز، لكن يأتي صبي يخبرهما أنها مريضة. فيهرع زوربا للاطمئنان عليها، ثم ينضم لأهل القرية للاحتفال بالعيد.

أما الرئيس، فيبقى وحده في الكوخ، إلى أن يشعر بقوة داخلية تسري في جسده وتقوده إلى وجهةٍ لم يتوقف عقله الباطن عن التفكير بها مدة طويلة.

ها هو يصل إلى بيت الأرملة، يراها واقفة بين أشجار البرتقال المزهرة، يدق الباب ، ويقول لها أنه هو، فتفح له، ويدخل.

يعود الرئيس إلى كوخه في صباح اليوم التالي، ويجد صديقه منتظراً إياه بفارغ الصبر. فهذا العجوز المفعم بالحياة كان قد خمّن ما حصل، وملأت قلبه سعادة غامرة عند رؤية الرئيس قادماً من بيت الأرملة.

بعد تلك الليلة، يعيش الرئيس خليطاً من المشاعر التي تملأ قلبه بالسرور وتعمل على مصالحة كل التناقضات والصراعات في داخله. فيشعر في تلك اللحظات بغبطة واستقرار في نفسه، ويصبح أقرب إلى فهم روحه وجسده والعلاقة بينهما. ويحمله هذا الإدراك إلى مخطوطه العزيز، فقد آن لهذا المشروع أن ينتهي، وآن لبوذا أن يجد حريته مرة أخرى، لكن هذه المرة في عقل الرئيس.

أثر الأرملة الثالث

بعد أن ينتهي من مخطوطه، يأتي خبر للرئيس عن السيدة هورتانس ويذهب مسرعاً إليها. في طريق عودته يجد أهل القرية مجتمعين ومستمرين باحتفالات العيد، فيبقى بعض الوقت معهم. ولكن، يرى أحد الموجودين أن الأرملة قد خرجت من بيتها، وهي لحظة كان الجميع ينتظرها كي يأخذوا بثأر الشاب بافلي. وفعلاً، يذهب الجميع، نساءً ورجالاً، إلى حيث ذهبت الأرملة، وينقض ابن عم الشاب كي يقتلها. لكن زوربا يأتي في الوقت الحاسم ويحتد القتال بينه وبين الشاب المندفع، وعندما ينجح بإفلات سكينه ويهرع إلى أخذ الأرملة لمنزلها، يأتي والد الشاب الضحية ويقطع عنقها بضربة واحدة، ويرمي رأسها على الأرض.

كان هذا الحادث صدمة شديدة تحل على زوربا الذي يدخل في حالة من اليأس والحزن والذهول، وتتجلى هذه الحالة بكل تفاصيل حياته وعقله، بل حتى جسده الذي أضناه التعب. أما الرئيس، فكعادته، يبدأ بتحويل الواقع إلى أفكار مجرّدة كي يستوعبها عقله، ثم يقتنع به ويتصالح معه.

وداعٌ آخر

لا تنتهي المآسي هنا، فبعد أيام قليلة، تلفظ السيدة هورتانس أنفاسها الأخيرة، وتودّع الحياة الصاخبة التي عاشتها. تودع عشاقها ومحبيها الموجودين في ذاكرتها. كما تودع خطيبها زوربا الذي لم يفارقها في مرضها. ويودعها أهل القرية الذين كانوا ينتظرون موتها كي يقتسموا أغراض بيتها، فلا أولاد لها ولا أقارب. بل إنها غريبة عن البلاد كلها، ويرى أهل القرية أنهم أحق بهذا الإرث الذي خلفته المغنية حتى وإن لم يكنّوا لها أي احترام في أيام حياتها.

مع هاتين السيدتين، تنتهي سلسلة أحداث كانت تزين حياة زوربا والرئيس بتفاصيل عذبة وجلسات مرحة، وبأفكار وتأملات تبعث على الطمأنينة والهدوء.

المصعد، الأمل

تمضي الأيام وتتوالى المغامرات وجلسات التأمل والتفكير. أما عن العمل، فيشارف بناء المصعد على الانتهاء، ويقترب موعد تجريبه. وفي هذا اليوم المنشود، يجتمع أهل القرية ورهبان الدير والكهنة لتجربة المصعد والاحتفال بعد ذلك بهذا الإنجاز. لكن الفرحة لا تتم، وينهار المصعد أثناء التجربة، فيصاب جميع الموجودين بالذعر ويفرون هاربين. ويبقى زوربا والرئيس، يتأملون الفشل الذريع لهذا المشروع الذي كلف كثيراً من المال والوقت والجهد. ولكن الطريف بالأمر أنهما يكملان نهارهما بسعادة. يتناولان وليمة الغداء على شاطئ البحر، ويرقصان سوياً بعد ذلك، مدركين في قرارة نفسيهما أن وقت الفراق أصبح قريباً.

الحرية المنشودة ووداع زوربا

في اليوم التالي، يركض الرئيس في القرية بلا هدف ويصعد الجبل ويدرك مدى الحرية التي اكتسبها حقاً. فمع انهيار المصعد، تخلّص من كل همومه الدنيوية، وباتت الحرية تملأ عقله وقلبه. يتلقى في ذاك الصباح رسالة من صديقه في القوقاز ويسمع بعضاً من أخباره. لكن عندما يغفو وهو في حالة الغبطة تلك، ينتابه شعور غريب في الحلم ويحس بأن مكروهاً سيحصل لصديقه. فقد اتفقا عندما افترقا أن يرسل أحدهما للآخر إشارة عبر الأثير عندما يشعر بدنوّ أجله، ويبدو أن صديق القوقاز قد وفى بوعده. فبات الرئيس على يقين أن شيئاً ما سيحدث، وقد كان لهذا الإحساس أثر أكبر من الرسالة التي استلمها فعلاً وقرأ محتواها.

في آخر ليلة لهما، يتحدث الرئيس وزوربا حديث الوداع، لكنه ليس بذاك الحديث العاطفي المنمق المليء بالمشاعر المضطربة. فزوربا، بقوته وصدق كلماته، لا يختبئ خلف كلمات العزاء الفارغة. بل يبوح بمكنونات قلبه، ويخبر صديقه أنه يعلم بأنهما لن يلتقيا في المستقبل، ثم يذهب ويتركه وحيداً. ولا يلتق الصديقان بعد ذلك أبداً.

في صباح اليوم التالي، يودع الرئيس القرية ويذهب إلى المدينة ليكمل مشوار حياته وأسفاره، ويتلقى هناك برقية كان يعرف محتواها مسبقاً. كان صديقه في القوقاز قد مات فعلاً، بعد أن أرسل له تلك الإشارة الأثيرية المتفق عليها.

النهاية وزوربا والسانتوري

مرت سنوات خمس، ومازال الرئيس هائماً على وجهه. صحيح أنه لم يلتق زوربا، لكن وصلته منه عدة رسائل من أماكن مختلفة، مرة من جبل أثوس ومرة من رومانيا ومرة من الصرب، حيث يلتقي بأرملة جميلة ويتزوجها.

يتابع الرئيس خلال رحلاته التفكير والتأمل والكتابة، ويقرر أن يكتب عن زوربا حتى يخلّده ولا ينساه. فيكتب عنه أسطورة ذهبية يحكي فيها كيف كان هذا الرجل صديقاً ومعلماً، بل مدرسة كاملة. وعندما ينتهي من الكتابة، تأتي إليه رسالة من الصرب، مفادها أن زوربا العزيز قد مات، وقد أوصى بإعطاء السانتوري للرئيس.

تنتهي هنا حياة زوربا، لكنه في الواقع لم يمت. فقد بقي خالداً ليس فقط في كتابة الرئيس، بل في ذهن كل إنسان مر في حياته وكل امرأة لمسها وكل صديق خاطب روحه. كما أنه سيبقى حياً بفلسفته وحكمته وحريته في أذهان كل من يقرأ عنه.

للاستماع لموسيقى ميكيس ثيودوراكيس. من فيلم زوربا: هنا.

اقرأ أيضاً: ملخصات كتب.

المصادر

نيكوس كازانتزاكي، زوربا اليوناني. ترجمة جورج طرابيشي. دار الآداب، بيروت. الطبعة الحادية عشرة، 2013.

ملخص رواية “العمى” للكاتب جوزيه ساراماغو

ملخص رواية “العمى” للكاتب جوزيه ساراماغو

“المعجزة الوحيدة التي نستطيع تحقيقها هي أن نستمر في العيش ، نحافظ على هشاشة الحياة من يوم إلى آخر” جوزيه ساراماغو، رواية العمى

تبدأ الحكاية عند إحدى إشارات المرور في أحد شوارع المدينة عندما أضاءت الشارة منبهة السيارات للعبور حدثت جلبة شديدة بسبب عدم تحرك سيارة واحدة في الأمام، ظن الناس في البداية أن هناك عطل ما في السيارة ولكن كان السبب أغرب من ذلك بكثير فقد عمى صاحب السيارة بدون أي مقدمات ولكن كان هذا العمى مختلفًا فقد كان عمى لونه أبيض وكأنه سقط في بحر حليبي لا يرى شيئًا سوى البياض، عرض أحد المارة مساعدته وأوصله لبيته ثم سرق سيارته وهرب.

ذهب الرجل مع زوجته لطبيب العيون ليرى أين المشكلة، دخلوا العيادة فوجدوا فيها مرضى آخرين في انتظار مقابلة الطبيب، كهل ذو عين معصوبة وفتاة ترتدي نظارة سوداء وطفل صغير مع أمه، دخل الأعمى مع زوجته إلى الطبيب وبعد الفحص لم يجد أي مشكلة في عينيه فقد بدتا سليمتين تمامًا فأمره الطبيب بإجراء بعض التحاليل لمعرفة ما سبب هذه الحالة الغريبة.

رجع الطبيب إلى بيته في حيرة تامة فلم يمر عليه حالة كهذه من قبل ويكاد يجزم أنها لم تمر على أحد من زملائه أيضًا، حكى لزوجته ما حدث وذهب ليراجع بعض المراجع عله يجد ما يفيد ولكن وبدون مقدمات وجد نفسه يسبح في بحر حليبي، قد أصابه العمى هو الآخر.

أحس الطبيب بخطورة الأمر وفكر أن يكون عمى هذا الرجل معديًا، حاول أن يكلم الجهات المسؤولة لينبههم بقدوم جائحة في الطريق ولكن لم يستمع إليه أحد، حتى وجدوا المزيد من الحالات فأخبروه أن يحضر نفسه سوف تنقله سيارة إسعاف مع الآخرين، وعند حضور السيارة ادعت زوجته بأن العمى أصابها هي الأخرى حتى تكون مع زوجها.

تم نقلهم إلى مبنى قديم ومتهالك كان يستخدم كمستشفى للأمراض العقلية سابقًا وأرشدهم إلى الغرف الجنود عبر مكبرات الصوت ووعدوهم بتقديم الطعام بانتظام كل يوم وأمروهم بالالتزام التام وعدم محاولة الخروج والاهتمام بنظافة المكان لأنها مسؤوليتهم الخاصة.

تم وضع العميان في جناح والمخالطين لهم في الجناح المقابل، كانت الغرفة الأولى من جناح العميان تضم الطبيب والأعمى الأول وسارق السيارة الذي عمى هو الآخر بعد سرقته تلك والفتاة ذات النظارة السوداء والطفل الصغير وموظف استقبال عيادة الطبيب.

حاولت زوجة الطبيب المساعدة في تنظيم الأمور قليلًا في الغرفة مع إخفاء أمر قدرتها على الإبصار عن الجميع إلا زوجها، ولم يمر يومان حتى وصل المزيد من المصابين وبعد أيام أصبح كل المخالطين عميان والتقى الأعمى الأول بزوجته وجمع شملهم من جديد.

مع مرور الوقت ازداد عدد العميان واكتظ المكان بالبشر وأصبحت حصص الطعام لا تكفي الجميع، كما أصبحت دورات المياه أقذر مكان على وجه الأرض وملأت الرائحة أرجاء المبني، وكانت زوجة الطبيب دائمًا ما تخبرهم بضرورة الحفاظ على ما تبقى لهم من إنسانيتهم في هذا المكان البائس، مع كثرة الأعداد كان صعب على الجنرال وجنوده السيطرة على الوضع وأصدر أوامر واضحة أن من يقترب من البوابات فسوف يقتل وبالفعل قتلوا مجموعة من العميان وأمروا الباقيين بدفنهم في حديقة المبنى، ومن ضمن الوافدين الجديدين على الغرفة الأولى كان الكهل الذي كان في عيادة الطبيب وصل ومعه راديو صغير يعمل بالحجارة سمعوا منه أخبار العالم الخارجي والتي كانت سيئة جدًا، كما حكى لهم الكهل كيف كانت الكارثة عندما عمى أول سائق نقل عام وأول طيار وكيف تحطمت الطائرة ومات كل من فيها، وزيادة الأعداد وكيف لم تستطع الحكومة احتواء الموقف وانتشرت الفوضى.

وفي يوم خرج مجموعة من الغرفة الأولى لإحضار الطعام ولكنهم لم يستطيعوا الوصول إليه فقد وجدوا عائق في طريقهم، مجموعة من العميان تسد عليهم الطريق مسلحين بهراوات ومع أحدهم مسدس يهدد به كل من يحتج، استولوا على حصص الطعام وغرفة كاملة لهم.

رجع مندوبو الغرفة الأولى وفي يأس أخبروا الجميع بما حدث، ثم وصلتهم الأوامر لو أنهم يريدون الطعام فإن عليهم الدفع وجمع كل ما معهم من أوراق نقدية ونفائس وتقديمها لهم مقابل الطعام، امتثل الجميع للأوامر وذهب الطبيب والأعمى الأول لاستلام حصص الطعام، فسلموهم ثلاثة صناديق فقط من الطعام حاول الطبيب الاعتراض ولكنهم هددوه بالمسدس فأخذ الصناديق ورجع في حزن.

لم يكتف هؤلاء من الأموال والمقتنيات فأصدروا الأوامر في غير احتشام أنهم يريدون النساء وعلى كل غرفة أن تمتثل للأوامر وإلا فلا طعام، أو يكون مصيرهم كمصير تلك المجموعة من العميان التي أعلنت العصيان فكان جزاؤها الموت، في خزي وأسى امتثلت جميع الغرف للأوامر واستلموا الطعام، وقامت زوجة الطبيب بعدها بقتل قائدهم باستخدام مقص كان معها قصاصًا لما حدث لهن، وظل هؤلاء المجرمين مختبئين في غرفتهم خوفًا من أن ينال أحدهم ما ناله القائد.

بعد أيام لم يصل فيها الطعام ولا سمع فيها صوت الجنزال عبر المكبر، نشب حريق هائل في غرفة المجرمين أشعلته إحدى الفتيات اللاتي تعرضن للاغتصاب، لم يقدروا على السيطرة على الحريق فنشب في أرجاء المكان وهرب من هرب من العميان والآخرين لاقوا حتفهم في النيران، قادت زوجة الطبيب زوجها والطفل الصغير والفتاة ذات النظارة السوداء والكهل والأعمى الأول وزوجته للخارج بعد أن علموا بأمر قدرة زوجة الطبيب على الرؤية، استطاعوا الخروج من البوابة ولم يجدوا أحدًا من الجنود في الخارج، فقرروا الذهاب لبيت كل واحد منهم بالترتيب الأقرب فالأبعد ولكن كان عليهم أن يستريحوا ويأكلوا أولًا.

هبت زوجة الطبيب للاستطلاع فوجدت كل الحوانيت فارغة ويقطنها البشر فسألت أحدهم وأخبرها أن المدينة كلها أصابها العمى ولم يعرف أي أحد بيته أو مكانة فقرروا السكن في أول مكان يقابلهم حتى لو كان حانوت.

رجعت زوجة الطبيب لمجموعاتها وأخبرتهم بما عرفت وبدأوا في التحرك بعد أن وجدت لهم بعض الطعام وناموا قليلا في أحد الحوانيت، مروا على بيوتهم جميعًا ولكنها كانت فارغة أو مسكونة فقرروا البقاء معًا والذهاب لبيت الطبيب الذي صمد أمام محاولات اقتحامه وظل على حالته الأولى، وفي أثناء طريقهم لبيت الطبيب رأت زوجته مدى الحال السيئة التي وصلت لها المدينة فالقاذورات تملأ المكان والجثث من البشر والحيوانات ملقاه على الطريق ولا طعام يكفي أحد وحال الناس يرثى لها وقد تخلوا عن معظم صفات الحياء والإنسانية في سبيل مواكبة الأزمة.

مكثوا في بيت الطبيب فترة كانت خلالها زوجته تعتني بهم وتنظم شؤونهم حتى تكل وتخور قواها، وكانوا يتدبرون الطعام بشق الأنفس ولا ماء للشرب أو النظافة فاعتمدوا على ماء المطر وتأقلموا على الروائح المنبعثة من الشارع بفعل القاذورات.

وفي يوم من تلك الأيام صرخ الأعمى الأول “أنا أرى، أنا أرى”، عاد له بصره بدون مقدمات كما ذهب منه بدون مقدمات، قرر الأعمى الأول بعد أن صار بصيرا أن يرجع هو وزوجته إلى بيتهم ووافقته الفتاة ذات النظارة السوداء بعد أن عاد لها بصرها هي الأخرى ورجعت إلى بيتها ورافقها الكهل، أما الطبيب وزوجته فظلوا في بيتهم مع الطفل الصغير الذي لا يعرف عنوانه ولا يعرف أين أمه، استعاد الطبيب هو الآخر بصره وتعالت صيحات الفرح في الشارع بسبب استعادتهم لبصرهم جميعًا وذهب وباء العمى فجأة كما اجتاح المدينة فجأة.

للمزيد من ملخصات الكتب

ملخص رواية “شجرة البؤس” للأديب طه حسين

ملخص رواية “شجرة البؤس” للأديب طه حسين

“لكأن للبؤس شجرة تضرب بجذورها في أرواحنا تتغذى على أيامنا وتمتص حيويتنا وآمالنا ثم تطرح ثمارها من حسك وشوك نلوكها مرغمين فلا مفر من قدرنا المرسوم”
طه حسين، رواية شجرة البؤس

تدور أحداث الرواية في أحد الأقاليم المصرية وتروي حكاية الصديقين التاجرين على وعبد الرحمن، فالأول كان تاجرًا من سكان الأقاليم أما الثاني فهو تاجر يعيش في القاهرة جمعتهما ظروف العمل وأصبحا صديقين حميمين وتربط بينهما علاقة مصاهرة فقد تزوج خالد ابن علي من نفيسة بنت عبد الرحمن تلك الفتاة البائسة صاحبة الوجه الدميم الذي كان سببًا في أن تكون حياتها مأساة برغم من رغد العيش في بيت والدها إلا أنها لم تسلم من مضايقات من قريب وبعيد حتى أصبحت ترى نفسها وكأنها الشيطان.

تم الزواج بأمر من شيخ الإقليم الذي يبجله ويعظمه كُلًا من عبد الرحمن وعلي وابنه خالد فبمجرد أن أمر بالزواج وباركه وافق جميع الأطراف دون نقاش ومجادلة، حتى خالد لم يعترض على الزواج ولم يعترض على زوجته في البداية، وبالرغم من عدم موافقة أم خالد ورفضها لتلك العروس بشعة المنظر لابنها إلا أنها خضعت إلى أمر زوجها ولكنها هددته بأنه بهذا الزواج يزرع بذرة شجرة البؤس في عقر داره، ولم تتحمل هي تلك الزيجة ورقدت في الفراش مريضة ثم وافتها المنية بعد الزواج بأيام قليلة.

عاش خالد سعيدًا مع زوجته في البداية لا يعبأ بشكلها وكانت هي نعم الزوجة والصاحبة والسكن ورزق منها بفتاة صغيرة كانت معجزة الخالق في جمالها ووجهها المشرق مثل الصباح وأسماها سميحة، ولكن منذ ولدت هذه الطفلة ورأى جمالها أدرك مدى قبح زوجته فأصبح لا يكف عن مضايقتها ومقارنتها بابنتها فقد غلبته نفسه الأمارة بالسوء ولم يستطع منع نفسه من إيذاءها، وكانت نفيسة في ذلك الوقت تحمل في جوفها طفلة ثانية وعندما ولدت كان للطفلة نصيب من حظ أمها البائس ودمامة شكلها، وزادت مضايقات خالد لزوجته ومقارنة بناته ببعضهن وبأمهم مما كسر قلب نفيسة وآلمها كثيرًا حتى ألم بها المرض ورقدت في الفراش لا تدري بأي أرض هي ولا تعي ما يحدث حولها، فطلب عبد الرحمن من خالد أن يردها إليه هي وبناتها حتى يعتني بهن وحتى ترتاح نفيسة قليلًا.

ظلت نفيسة مقيمة عند والدها فترة طويلة حتى نسيها أبو خالد أو كاد ينساها لولا رؤيته لولده يعيش عيشة الأعزب ويرثى لحاله، أما هو فقد اتخذ لنفسه الكثير من الزوجات ورزق بالكثير من الأبناء وكبرت عائلته وأصبح ماله بالكاد يكفي تلك البطون الجائعة، بل أصبح ماله لا يكفي لسداد ديونه واستنكر عليه الشيخ فعلته وأصبح حديث أهل المدينة جميعًا، أما خالد فقد انشغل بعمله الجديد ككاتب في المحكمة الشرعية.

كان معظم راتب خالد يذهب لوالده ليساعده على إعالة أسرته الكبيرة، أما عبد الرحمن فقد كانت تجارته تعرضت للكساد وصعبت عليه الحال وما زاد الأمر سوءًا زيارة الشيخ وأصحابه التي كلفته معظم ثروته لإرضاء الشيخ فكل ليله كانت تقام حلقات الذكر وتذبح الذبائح حتى كانت آخر ليلة للشيخ عند عبد الرحمن انقضت وذهب معها آخر جزء من ثروته ولم يبق له إلا الدار التي يسكنها.

بعد ذهاب الشيخ بأيام قليلة مات عبد الرحمن تاركًا زوجته وابنته في رعاية خالد وأبيه، انتقلتا من القاهرة للمدينة للعيش في بيت أبو خالد حتى لحقت أم نفيسة بزوجها وتركت نفيسة وحيدة يشتد عليها مرضها حتى أصبحت لا تعي شيئا ولا تعرف حتى بناتها.

بعد أيام من موت عبد الرحمن مات الشيخ وهو يصلي بأصفيائه بعد أن أوصى خالد أن يتزوج من ابنة مسعود ذلك التاجر الثري الذي يعيش في المدينة ولأن مسعود يثق في الشيخ ثقة عمياء فقد وهب ابنته إلى خالد دون تردد، وتولى ابراهيم ابن الشيخ مكانه من بعده ولقب هو الآخر بالشيخ وأصبح الآمر الناهي صاحب الكلمة والمشورة المباركة كما كان والده، وأول عمل له أنه هم بتنفيذ وصايا والده ومنها أمر زواج خالد من منى بنت مسعود، وكان أبو خالد مغتاظًا من هذا الزواج وفي قرارة نفسه كان لا يريده أن يتم ولكن أمر الشيخ نافذ فأما العروس فقد كان يريدها لنفسه وأما ثروة مسعود فستذهب كلها لخالد دون أن يستفيد هو منها، وكانت نفسه غالبة عليه وامتلأ قلبه بالشر والحقد على ولده حتى اتخذ خالد دارًا منفصله وبعيده عن دار والده وعاش فيها هانئ البال مع زوجته التي رزقته الكثير من الصبية الصغار.

استمرت حياة خالد مستقرة وهادئة حتى أمره الشيخ بالعمل في الدائرة السنية والانتقال من مدينة إلى مدينة أخرى لغرض في نفس الشيخ وذلك لأن تلك المدينة استعصت علىه فلم يكن له مريدين فيها ولا أتباع فأراد أن يكون هناك دار تابعه له في البلدة حتى يستطيع الذهاب إليها في أي وقت.

انتقل خالد إلى عمله الجديد وسكن في دار رحبة مع منى وأولاده في استقرار حتى علم بأن مرض نفيسة قد اشتد عليها فاقترحت منى أن تنتقل نفيسة وبناتها إلى بيتهم حتى تستطيع رعايتها، عاملت منى البنات ونفيسة على أحسن ما يرام حتى تزوجت سميحة تلك الفتاة ذات الوجه الجميل من رجل ثري له أولاد من زوجة أخرى وعاشت معه حياة شقية تعيسة لا تخلو من الصعاب وظلت جلنار في بيت أبيها تكابد عناء العمل في المنزل ورعاية الصغار ولكن كانت تشغل به نفسها عما تراه من أخواتها من نفور وبغض لوجهها.

بعد أن رزقت منى بطفلتها الأولى تغيرت نظرتها إلى جلنار وتغيرت معاملتها لها وتركت عليها أعمال المنزل كلها فأصبحت كالخادمة في بيت أبيها وتحطمت أحلامها بالزواج بعد أن خطب سالم ابن عمها والذي كانت تكن له مشاعر طيبة أختها من أبيها ولم يخطبها هي، كانت الصدمة قوية عليها حطمت قلبها ولم تنته نوائبها عند هذا الحد ولكن ساء الوضع بوفاة والدتها، فقد أصبحت وحيدة كليًا تعمل خادمة في بيت أبيها بوجه بشع وروح ضائعة وقلب مكسور.

وكان خالد حريصًا على أن يعلم أولاده ويلحقهم بالمدارس التي حرم هو منها ويلبسهم أزياء على الموضة ولكن بسبب كثرة عدد أبناؤه ضاقت عليه الحال وأصبح يجاهد ليحافظ على ما تبقى من منزله حتى كبر الأولاد وسافر منهم من سافر وتزوج من تزوج، وبقيت جلنار المسكينة وحيدة تعاني في بيت أبيها وكأنها ثمرة من شجرة البؤس التي زرعها أباه عندما زوجه من نفيسة.

مرت الأيام ثقيلة على روح جلنار تتحمل فيها مضايقات منى وبناتها ولا تعترض على قدرها المحتوم حتى مات خالد وامتلأ البيت بالحزن ولم تتحمل جلنار وفاة والدها فدخلت غرفتها ولزمتها أيامًا لم تخرج منها إلا إلى جوار والدها في تلك الدار التي لا يعرف أهلها تحاسدًا ولا تباغضًا والتي لا لغو فيها ولا تأثيم.

ملخص رواية “بداية ونهاية” لنجيب محفوظ

للمزيد من ملخصات الكتب

Exit mobile version