أبرز أفكار القرن العشرين:حركة التنوير

تم إعادة توجيه السياسة الأوروبية والفلسفة والعلوم والاتصالات بشكل جذري خلال “القرن الثامن عشر” (1685-1815) كجزء من حركة أشار إليها المشاركون باسم عصر العقل، أو ببساطة التنوير. فكانت من أبرز أفكار القرن العشرين:حركة التنوير، إذ شكك مفكرو التنوير في بريطانيا وفرنسا وفي جميع أنحاء أوروبا في السلطة التقليدية واعتنقوا فكرة أنه يمكن تحسين الإنسانية من خلال التغيير العقلاني.

حركة التنوير هي حركة فلسفية هيمنت في أوروبا خلال القرن الثامن عشر، تتمحور حول فكرة أن العقل هو المصدر الرئيسي للسلطة والشرعية، ودافعت عن مُثل مثل الحرية  والتقدم والتسامح  والأخوة  والحكومة الدستورية، كما دعت إلى الفصل بين الكنيسة والدولة. فقد تميزت بالتركيز على الطريقة العلمية  والاختزال، إلى جانب زيادة التشكيك في الأرثوذكسية الدينية. قوضت أفكار التنوير سلطة الملكية  والكنيسة، ومهدت الطريق للثورات السياسية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. يضع المؤرخون الفرنسيون تقليديا التنوير بين 1715، وهو العام الذي توفي فيه لويس الرابع عشر، و 1789، بداية الثورة الفرنسية. بعض المؤرخين الحديثين أرجعوا عصر التنوير إلى الفترة 1620، مع بداية الثورة العلمية. ومع ذلك، ازدهرت أصناف وطنية مختلفة من الحركة بين العقود الأولى من القرن الثامن عشر والعقود الأولى من القرن التاسع عشر.

العقلانية، لب حركة التنوير

تعرف العقلانية بأنها الاعتقاد بأننا نأتي إلى المعرفة من خلال استخدام المنطق،  وبالتالي بشكل مستقل عن التجربة الحسية، كانت حاسمة لمناقشات فترة التنوير، عندما أشاد معظم الفلاسفة بقوة العقل لكنهم أصروا على أن المعرفة تأتي من التجربة.

فلسفة الحركة التنويرية

دعت فلسفة الحركة التنويرية إلى مجتمع قائم على العقل بدلا من الإيمان والعقيدة الكاثوليكية، من أجل نظام مدني جديد قائم على القانون الطبيعي، وللعلم القائم على التجارب والمراقبة.

في منتصف القرن الثامن عش، شهدت أوروبا انفجارًا في النشاط الفلسفي والعلمي الذي تحدى المذاهب والعقائد التقليدية. قاد الحركة الفلسفية فولتير وجان جاك روسو، أولئك الذين جادلوا من أجل مجتمع قائم على العقل بدلاً من الإيمان والعقيدة الكاثوليكية، لنظام مدني جديد قائم على القانون الطبيعي، وللعلم القائم على التجارب والمراقبة.

وقدم الفيلسوف السياسي مونتيسكيو- Montesquieu فكرة فصل السلطات في الحكومة، وهو مفهوم اعتمده بحماس مؤلفو دستور الولايات المتحدة. في حين أن فلاسفة التنوير الفرنسي لم يكونوا ثوريين، وكان العديد منهم أعضاء في طبقة النبلاء، لعبت أفكارهم دورًا مهمًا في تقويض شرعية النظام القديم وتشكيل الثورة الفرنسية.

كان هناك خطان متميزان لفكر التنوير: التنوير الراديكالي ، المستوحى من فلسفة سبينوزا- Spinoza، والدعوة إلى الديمقراطية، والحرية الفردية، وحرية التعبير، والقضاء على السلطة الدينية. سعى تنوع ثان أكثر اعتدالاً، بدعم من رينيه ديكارت وجون لوك وكريستيان وولف وإسحاق نيوتن وغيرهم، إلى التوفيق بين الإصلاح والأنظمة التقليدية للسلطة والإيمان.

تطور بشكل كبير مضمون المنهج العلمي (طبيعة المعرفة  والأدلة  والخبرة والسببية)، وبعض المواقف الحديثة تجاه العلاقة بين العلم والدين، من قبل ديفيد هيوم-David Hume وآدم سميث. أصبح هيوم شخصية رئيسية في التقاليد الفلسفية والتجريبية المتشككة للفلسفة. كما حاول إيمانويل كانط – Immanuel Kant التوفيق بين العقلانية والمعتقد الديني والحرية الفردية والسلطة السياسية، وكذلك رسم وجهة نظر للمجال العام من خلال العقل الخاص والعام. استمر عمل كانط في تشكيل الفكر الألماني -في الواقع كل الفلسفة الأوروبية- في القرن العشرين. أيضًا كانت ماري وولستونكرافت واحدة من أوائل الفلاسفة النسويين في إنجلترا. وجادلت من أجل مجتمع قائم على العقل، وأن النساء وكذلك الرجال ، يجب أن يعاملوا ككائنات عقلانية.

كما لعبت أفكار التنوير دورًا رئيسيا في إلهام الثورة الفرنسية، التي بدأت في عام 1789 وأكدت على حقوق الناس العاديين، على عكس الحقوق الحصرية للنخب والنبلاء. ومع ذلك، يلاحظ مؤرخو العرق والجنس والطبقة أن المُثل العليا للتنوير لم يتم تصورها في الأصل على أنها عالمية بالمعنى الحالي للكلمة. على الرغم من أنها ألهمت في نهاية المطاف النضال من أجل حقوق الأشخاص الملونين أو النساء أو الجماهير العاملة، إلا أن معظم مفكري التنوير لم يدعوا إلى المساواة للجميع، بغض النظر عن العرق أو الجنس أو الطبقة، بل أصروا على أن الحقوق والحريات ليست وراثية. هاجم هذا المنظور مباشرة الموقف الحصري التقليدي للأرستقراطية الأوروبية، لكنه كان لا يزال يقتصر إلى حد كبير على توسيع الحقوق السياسية والفردية للذكور البيض ذوي المكانة الاجتماعية الخاصة.

العلوم وحركة التنوير

سيطر العلم خلال عصر التنوير من قبل الجمعيات العلمية والأكاديميات, التي حلت إلى حد كبير محل الجامعات كمراكز للبحث العلمي والتنمية. كانت المجتمعات والأكاديميات أيضا العمود الفقري لنضج التطور العلمي. ومن التطورات الهامة الأخرى تعميم العلم بين السكان الذين يعرفون القراءة والكتابة بشكل متزايد. وصلت العديد من النظريات العلمية إلى جمهور واسع ، لا سيما من خلال الموسوعة (موسوعة عامة نشرت في فرنسا بين عامي 1751 و 1772) وتعميم النيوتونية.

وقد شهد القرن الثامن عشر تقدما كبيرًا في ممارسة الطب, الرياضيات, والفيزياء; تطوير التصنيف البيولوجي; فهم جديد للمغناطيسية والكهرباء; ونضوج الكيمياء كنظام, الذي أسس أسس الكيمياء الحديثة.

الدين وخُطى الحركة التنويرية

أتت ىالحركة التنويرية بمثابة الرد على الصراع الديني في أوروبا خلال القرن السابق. سعى مفكرو التنوير إلى الحد من القوة السياسية للدين المنظم، وبالتالي منع عصر آخر من الحرب الدينية غير المتسامحة. تطور عدد من الأفكار الجديدة، بما في ذلك الإلحاد (الإيمان بالله الخالق، دون الإشارة إلى الكتاب المقدس أو أي مصدر آخر). وقد نوقش هذا الأخير كثيرًا ولكن كان هناك عدد قليل من المؤيدين. مثل فولتير، رأوا أنه بدون الإيمان بإله يعاقب الشر، قُوض النظام الأخلاقي للمجتمع.

أما عن ةدور الكنيسة فقد روج التنوير الراديكالي لمفهوم فصل الكنيسة والدولة، وهي فكرة غالبًا ما تنسب إلى لوك. فوفقا لمبدأ لوك للعقد الاجتماعي، تفتقر الحكومة إلى السلطة في مجال الضمير الفردي، إذ لم يستطيع الناس العقلانيون التنازل للحكومة من أجل السيطرة عليها أو غيرها. بالنسبة إلى لوك، خلق هذا حقًا طبيعيًا في حرية الضمير، والذي قال إنه يجب أن يظل محميًا من أي سلطة حكومية. تلك الآراء حول التسامح الديني وأهمية الضمير الفردي, جنبًا إلى جنب مع العقد الاجتماعي، أصبحت مؤثرة بشكل خاص في المستعمرات الأمريكية وصياغة دستور الولايات المتحدة. في حين سيطر الرجال على فلسفة وقضايا و أفكار حركة التنوير، انبثقت مشكلة  دور المرأة . فقد ظهرت مسألة حقوق المرأة كواحدة من أكثر الأفكار إثارة للجدل. ماري وولستونكرافت- Mary Wollstonecraft، واحدة من المفكرين الإناث القلائل في ذلك الوقت، كانت كاتبة وفيلسوفة وداعية لحقوق المرأة. وهي معروفة بدعمها لحقوق المرأة، والتي تجادل فيها بأن المرأة ليست أقل شأنا من الرجل بشكل طبيعي ، ولكنها تبدو فقط لأنها تفتقر إلى التعليم. وتقترح أن يعامل كل من الرجال والنساء ككائنات عقلانية ويتخيل نظاما اجتماعيا قائما على العقل.

أهم ما أنتجه عصر التنوير

كان عصر التنوير عصر غزير الإنتاج، فلعل أبرز ما أنتجه التنوير هو الثورة العلمية، والتي أنتجت العديد من الكتب والمقالات والاختراعات والاكتشافات العلمية كذلك القوانين والحروب والثورات. كانت الثورات الأمريكية والفرنسية مستوحاة بشكل مباشر من المُثل العليا للتنوير وكانت على التوالي ذروة نفوذها وبداية تراجعها. أعطى التنوير في نهاية المطاف الطريق إلى الرومانسية في القرن ال19. كما آلت إلى تطوير نظام لقوانين الطبيعة العالمية، فسرعان ما أصبع العلم نموذجًا لكل المعرفة البشرية.

  • منهج التشكيك، إذ شكك فولتيير في أي شيء خارج نطاق العلم، ودعا إلى التسامح بالنسبة إلى المعتقدات التي تقع خارج حدود العلم، فهي لا تنشأ ولا يمكن دحضها من قبل الألية العلمية، مُصورا مفهوم العقلانية.
  • حرر Denis Diderot-دينيس ديديروت، 28 مجلد موسوعي، العالم الذي اعتقد بأن العلم يبرر المادية، فكانت نظرته للعالم تصفه بأنه يتكون من المادة فقط. فقد كتب أن العالم ماهو إلا كتلة من الجزيئات.
  • جادل بارون بول دي هولباخ- بأن العالم والعلم مبنيان على أسس مادية، كما رسم ملامح الإلحاد ووصفه بعدم وجود الله.
  • إيمانويل كانط، الفيلسوف الألماني في القرن الثامن عشر، كتب مقالا بعنوان ما هو التنوير؟

مشيرًا إلى أن التنوير هو انسلاخ الإنسان من القصور الذي تكبده بنفسه. القصور ذلك هو عدم القدرة على الاستفادة من فهم المرء دون توجيه من آخر. يتم تكبد هذا القصور ذاتيًا لسببين أساسيين هما، التكاسل : تكاسل المرء عن الاعتماد على نفسه في التفكير مما أدى إلى تخلفهم، والجبن: الذي هيأ الفرصة للإخرين كي تقوم باستغلالهم. اختلف العلماء عند هذا المبحث، فبعضهم تجريبي، اعتقد أن كل المعرفة تأتي من التجربة، والبعض الآخر عقلاني، اعتقد أن بعض المعرفة في العالم “بداهة”أو فطري، أي شيء مستقل عن الخبرة

الثورة العلمية: لمحة سريحة

تُفهم الثورة العلمية على أنها فترة تاريخية والتي تضع حتما حدود “المكان والزمان والموضوع” – أي أن فترات زمنية محددة بعناصر جغرافية وزمنية وموضوعية، تشير إلى التطورات أو الحركات الأوروبية التي تمتد على فترات لا تقل عن 75 إلى 185 سنة. وتشمل هذه التطورات تغيير العلاقات المفاهيمية والثقافية والاجتماعية والمؤسسية التي تنطوي على الطبيعة والمعرفة والمعتقد. نمت الثورة العلمية معقدة على نحو متزايد. كما حاولت أن تأخذ في الاعتبار البحوث الجديدة ووجهات النظر البديلة ، تم إجراء إضافات وتعديلات جديدة. من بين الإضافات الأكثر وضوحًا.

يعتبر التنوير أهم جذور المشاكل الفكرية التى ظهرت في القرن العشرين، فظهرت فكرتان واضحتان من التنوير هما:

  • أن العلم يعطينا وصفا كاملا للواقع، تحديدا العلوم الطبيعية، كأساسًا للعلوم التي تستجيب لتساؤلات الإنسان، فما يمكن أن يدرس، يُدرس بالعلم، وما يمكن أن يعرف، يُعرف بالعلم.
  • يمكننا صياغة نظرية شاملة للأخلاقيات و السياسات، لما يجب عليك كفرد فعله، وما يجب علينا كجماعة. يمكننا القيام بذلك، وتطبيقه على النماذج العامة للعلوم.

على ما يبدوا أن ظهرهناك توترًا واضحًا بين الفكرتين!

فالعلم يخبرنا ما الفكرة ولماذا هي، وليس كيف يجب أن تكون. هنا تقبع الفجوة، بين ماهية الفكرة وما يجب، هناك فجوة بين الواقع والقيمة المشكلة هنا مشكلة معيارية، فالعلم لا يصف بل يقيم.

بدأت الثورة العلمية في القرن الخامس عشر، تشير”الثورة العلمية” إلى التغيرات التاريخية في الفكر والمعتقد، كما تشيرإلى التغيرات في التنظيم الاجتماعي والمؤسسي، التي تكشفت في أوروبا بين 1550-1700 تقريبا.

بدءاً من Nicolaus Copernicus-نيكولاس كوبرنيكوس (1473-1543)، الذي أكد على كون مركزية الشمس، وانتهت مع إسحاق نيوتن (1642-1727)، الذي اقترح قوانين عالمية والكون الميكانيكي. في التاريخ الأوروبي يشير مصطلح “الثورة العلمية” إلى الفترة بين كوبرنيكوس ونيوتن. لكن الفترة الزمنية اختلفت بشكل كبير على مدى السنوات ال 50 الماضية. فبعد وفاة نيوتن (1727)، قد اقترحت مقترحات أكثر تطرفا أن الثورة العلمية قد تنطبق على ما يسمى التنوير “النيوتونيين”

يميل مفكرو التنوير إلى افتراض أنه يمكننا معرفة الطبيعة  والقوانين من الطبيعة والبشر والمجتمع والأخلاق والسياسة،

إذا كان العالم ليس سوى كتلة من الجزيئات المتحركة –وفقًا لقوانين الطبيعة الموضوعة- فكيف وبأي أداة يمكننا أن نضع المعايير والقيم؟

ما معنى أن هناك حديثًا يمكن أن يصاغ حول الصواب والخطأ، الخير والشر، العدالة والظلم؟ كيف يمكننا القيام بذلك من خلال النظر في حركات الكواكب والنجوم؟ كيف وقد دعا عصر التنوير إلى فرض العقل والمادية البحتة في قياس وتحديد ماهية أي شيء حولنا؟

المصادر

history

stanford

historyhit

فلسفة التنوير وتفكيك المقدس

فلسفة التنوير وتفكيك المقدس

يجب ألا ننظر إلى كل فلسفة باعتبارها حالة تراكمية أو مجموعة من التأملات المجردة التي لا أثر لها في الواقع. كل فلسفة تتأثر بعصرها وتؤثر فيه، إذ يمكن أن نقول بأن الفلسفة لا تفسر العالم وحسب بل تشارك في تغييره أيضًا. ففلسفة التنوير من الفلسفات التي غيرت وجه العالم على نحو جذري وقادت محاولات تفكيك الخطاب المقدس. في القرن الثامن عشر برزت حركة التنوير بشكل مدهش في أوربا وقضت على معظم السرديات التأسيسية في السياسة والفلسفة والاخلاق. في هذا المقال سنسلط الضوء على أهم جوانب وافكار فلسفة التنوير وتداعياتها.

مفهوم التنوير:

في النصف الأول من القرن الثامن عشر، جاء جان جاك روسو بسردية فلسفية سرعان ما تحولت إلى شبح يهدد أوربا. لم تكن سردية التنوير وليدة الصدفة أو حادث عرضي من تاريخ التخبط الفلسفي، إنما كانت مدفوعة بروح الثورة العلمية آنذاك. فكانت للاكتشافات العلمية والتقدم الصناعي دور بارز في حث العالم نحو إيجاد منهجية جديدة لتفسير العالم، إذ أن الحجة الدينية التقليدية كانت تسقط أمام الدليل العلمي. لهذا، نجد في أولى كتابات التنوير الشغف الكبير بالعلم، ففي كتابه (رسائل فلسفية) يتحدث فولتير عن نيوتن بإجلال. حيث اثبتت قوانين نيوتن بإن العالم قابل للتفسير والوصول إلى الحقائق القطعية ممكن.  شعر الإنسان بأن مفاتيح الأسرار الكونية لم تعد بيد السلطة الدينية؛ وهذا ما دفعه للتمرد ضد كافة اشكال التبعية ولإعادة النظر في مكانته.

يحمل التنوير دلالتين ثوريتين: كينونة الإنسان عابرة للهويات الوطنية والدينية والقومية، وبالتالي له وجود كوني. قدرة العقل الإنساني على بناء عالم مضيء ومتنور، بالتالي الإنسان مشروع التنوير. ففي الدلالة الأولى اطاح التنوير بالقوالب الدينية والطبقية التي وضع فيها الإنسان واعلن القطيعة مع التراث القديم. وفي الدلالة الثانية ايقظ القدرة الفكرية للفرد لمعارضة الدور الدين الإرشادي في الفكر والعمل(1).

التنوير الفرنسي:

حمل الفلاسفة الفرنسيون قضية التنوير نحو الأمام مثل مونتسكيو وفولتير وروسو وديدرو وكويسناي وألمبيرت، ولعبوا دورًا بارزًا في زرع روح التفكير المستقل وعرض العقلانية. كما هاجموا عدم المساواة والقسوة والاستغلال في المجتمع الفرنسي وبشروا بمستقبل ليبرالي وتقدمي حر(2). والثورة الفرنسية كانت ثمرة هذه الجهود الفلسفية.

مونتسكيو:

ردًا على الطروح القومية التي تنظر إلى الآخر نظرة دونية وعدائية يقول مونتسكيو بأنني إنسان بالضرورة وفرنسي بالصدفة (3). وسخر من المجتمع الفرنسي وهاجم نظام الحكم المطلق الذي انشأه لويس الرابع عشر والكنيسة الكاثوليكية وجميع طبقات المجتمع(4). في كتابه (روح القوانبين) دعا مونستكيو إلى نظام دستوري من شأنه أن يخدم مصالح الشعب الفرنسي، كما أكد على أن حرية الافراد لا يمكن أبدًا أن تكون آمنة بدون فصل سلطات الحكومة إلى ثلاثة أجهزة مستقلة – تشريعية وقضائية وتنفيذية(2).

فولتير:

يعد فولتير من الفلاسفة الأكثر ارتباطًا بالتنوير ليس فقط لما له من أطروحات تنويرية، فدخوله السجن كان بمثابة توقيع فلسفي على الثورة الفرنسية. هاجم نظام الحكم رغم الاستبداد والعادات والمفاهيم السائدة في المجتمع واعتبر الكنيسة الكاثوليكية كوكر للخرافات ومركزًا للتعصب وترسيخ العبودية(2).

روسو:

فتح جبهته أولًا ضد العقلانية المتمثلة بديكارت، وأسس لعقلانية خصبة قادرة على مواجهة المشاكل الاجتماعية والسياسية. ودافع عن الحريات والحقوق المدنية وحق التمرد ضد النظام حين يفشل في خدمة الناس(2).

التنوير الإنكليزي:

يمثل التنوير الإنكليزي الحجر الأساس لفلسفة التنوير، فاكتشافات نيوتن العلمية هي التي الهمت فلاسفة التنوير الفرنسي. كان لتوماس هوبز وديفيد هيوم وآدم سميث حضورًا مميزًا في بلورة فكرة التنوير على جميع الاصعدة. شارك هوبز في إرساء العقد الاجتماعي والنظام السياسي. أما هيوم فكان رائد التجريبية ونقد الدين، ففسر هيوم الحالة الإنسانية في ضوء العلم التجريبي. وانطلاقًا من دراساته التجريبية انتقد هيوم اللاهوت والمعجزات والتفسيرات الأسطورية. بينما آدم سميث فهو مهندس النظام الاقتصاد السياسي(5).

التنوير الألماني:

وصل التنوير ألمانيا متأخرًا مقارنة مع فرنسا وبريطانيا، كمان أن التنوير الألماني كان يختلف كثيرًا عن باقي الحركات التنويرية لقربه الشديد من الميتافيزيقيا. كان كانط من أبرز فلاسفة التنوير في ألمانيا. حول مفهوم التنوير يقول كانط “التنوير هو انعتاق المرء من حالة العجز الذاتي. العجز هو عدم قدرة المرء على استخدام فهمه الخاص دون توجيه الآخر. اذا لم يكن سبب هذه الحالة، من عدم النضج الذاتي، هو نقص في ملكة الفهم، فهو بالأحرى، نقص في الشجاعة والاقدام لإستخدامها دون إرشاد الاخر. لذلك، يكون شعار التنوير إذن: تحلّ بالشجاعة لاستخدام عقلك بنفسك”(6). فكانط كان من انصار الحرية الفردية، بوصفها الأفق المناسب لفهم العالم.

موقف التنوير الديني:

لم يكن لفلسفة التنوير طرح موحد حول مسألة الإيمان، لكن كان هناك تأويل موحد للأساطير والخرافات الدينية. رفض التنوير العقل الأسطوري والخرافات وسلطة الكنيسة المطلقة.  كانت هناك أربعة اشكال للدين في عصر التنوير: الربوبية، دين القلب، الإيمانية والإلحاد.

الربوبية:

تمثل الربوبية الشكل الديني الأكثر ارتباطًا بعصر التنوير، ووفقًا لها، فأنه بإمكاننا أن نستدل إلى الخالق من خلال العقل وهذا الخالق هو الذي يدير الكون وله خطة، ولا يتدخل الخالق في شؤون الخلق. كما رفضت الربوبية الإيمان الأعمى بالمعجزات وكذلك رفضت ألوهية المسيح بل اعتبرته معلمًا صالحًا(2).

دين القلب:

رفض هذا الاتجاه الطرح الربوبي بحجة أنه يخلق هوة بين الخالق والمخلوق، ويصور الخالق على أنه مجرد مهندس للكون. كان روسو من مؤمني دين القب، فوفقًا لروسو الدين قائم على المشاعر الإنسانية(2).

الإيمانية:

كان كانط من الفلاسفة المؤمنين، وهو أكثر فيلسوف ساهم في نقد الدين التقليدي. يؤمن هذا الإتجاه بإلوهية المسيح وقيامته، فضلًا عن الإيمان بالكتاب المقدس. بالنسبة لوجود الله فهو يقع في حدود المعرفة القبيلة، بحيث يصعب على الإنسان الوصول إلى الكينونة الإلهية السامية على العالم سواء عن طريق التجربة أو العقل. لكن نجد لدى كانط بأنه كان يستدل إلى وجود الله من خلال تصميم الكون والضمير.

الإلحاد:

يعلن الإلحاد حضوره في التنوير الفرنسي بشكل أكبر، فطبقًا لدينيس ديدرو يجب أن نبحث في مبادئ النظام الطبيعي داخل العمليات الطبيعية وليس في كائن خارق متعال على العالم(2).

موقف التنوير الاخلاقي:

قبل عصر التنوير، في الغرب كان التفكير الاخلاقي يتمحور حول العقيدة الدينية المتعلقة بالله والحياة الآخرة. لكن مع بزوغ نجم التنوير، تم قطع اوصال الاخلاق مع تلك الحياة الافتراضية وربطوها بالحياة الدنيا نفسها، داخل الإطار الفلسفي بشكل عام وداخل المجتمع إلى حد ما. فالسعادة بعدما كانت تتحقق برضى السماء والزهد صارت خاصية لعلاقات الإنسان في سياق العالم الحسي.

كانت للحروب المذهبية والقومية في فترة ما قبل التنوير دلالات اخلاقية خطيرة، إذ أن الاخلاق الدينية فشلت في وقف سفك دماء ملايين البشر بل كانت تبرر لتلك الجرائم أحيانًا، ومن هنا برزت الحاجة لإرساء أسس اخلاقية علمانية قادرة على احتواء الإشكالات الاخلاقية.

واجه فلاسفة التنوير تحديات كبيرة في تحديد النظام الاخلاقي، لهذا كان هناك تباين بين الآراء التي ناقشت المسألة الاخلاقية. توماس هوبز كان يميل إلى الاخلاقية الذاتية، ربط بين القيمة الاخلاقية والموضوع الاخلاقي من خلال الانطباع الفردي. فما هو خير هو  موضوع الرغبة أو الشهية، وما هو شر هو موضوع الكراهية والنفور، ورفض هوبز وجود ما هو خير بذاته أو العكس(2). هذه الفكرة فيها نوع من التناقض مع روح التنوير الداعية للعقلانية والموضوعية.

في الطرف المقابل كان كل من صامويل كلارك وإيريل شافتسيري يرفضان نظرة هوبز ويؤكدان على أن ذاتية هوبز تتناقض مع حرية الآخر. وأكدا على اخلاقية موضوعية، بحيث ما هو خير هو ما يحقق مصلحة الجميع(2).

في ألمانيا كان الطرح الاخلاقي مختلفًا، كانت الاخلاق ما زالت تتألق في سماء الميتافيزيقيا. كان يعتبر كانط الحكم الاخلاقي من الاحكام القبلية. رفض كانط النسبية الاخلاقية، فالكذب مثلًا، غير اخلاقي مهما كانت الظروف والاسباب.

اقرأ ايضًا: فلسفة الجنس والجنسانية

موقف التنوير السياسي:

كانت الثورات الإنكليزية (1688) والأمريكية (1877-1783) والفرنسية (1789-1799) قد تأثرت وأثرت في الحركة الفلسفية آنذاك. ففلاسفة التنوير كانوا ينظرون إلى الانظمة السياسية والاجتماعية عصرئد على أنها هشة بما يكفي لتسقط أمام النقد العقلاني؛ لكونها محاطة بالأساطير الدينية والتقاليد الغامضة(2). كان يصعب في عصر تكتشف فيه القوانين التي تحكم الكون أن يؤمن الإنسان بسلطة تفرض عليه العبودية بحجج واهية. كانت تطلعات التنوير تتجه نحو بناء مجتمع يحترم حرية الفرد والمساواة والتنوع الديني والعقائدي. وكان كتاب توماس هوبز اللفياثان يعد كتابًا تأسيسيًا لنظرية التنوير السياسية، ومع أن هوبز كان مناصرًا للسلطة المطلقة إلا أنه كان يؤمن بسلطة يشارك فيها الجميع وتحقق مصلحة الافراد.

 لكن آراء روسو كانت الأكثر إثارة لكونها كانت تمس علاقة الفرد مع السلطة على أساس أن الإنسان غاية والسلطة وسيلة. رأى روسو بأن الديمقراطية الخالصة هي الشكل الوحيد للحكومة التي يمكن من خلالها أن يحقق فيها الفرد حريته. وحرية الفرد تكون ممكنة من خلال الإرادة العامة التي هي إرادة الجهاز السياسي العام، وهذا الجهاز يختاره ويحدده الأفراد بكامل إرادتهم(2).   

موقف التنوير الجمالي:

حسب ما يلاحظه كاسيير فأن القرن الثامن عشر لم يكن عصر الفلسفة وحسب بل هو عصر النقد ايضًا، إذ كان النقد مركزيًا في عصر التنوير. كان لازدهار الجماليات علاقة طردية مع ميول العصر، ألكسندر بومغارتن يعد مؤسس منهجية الجماليات للتنوير، وبالنسبة لومغارتن علم الجماليات هو علم الحواس أو الإداراك الحسي. لم يعول التنوير على الجماليات النومينية والمثالية، إنما بحث في العلاقة الجمالية بين الموضوع الجميل والذات المدركة والمتعة الناتجة منها(2).

وفي ألمانيا أسس كريستان وولف لعقلانية ميتافيزيقية للتفكير الجمالي، ويؤكد على أن الجمال حقيقة مدركة من خلال الشعور بالمتعة. يرى وولف بأن الجمال هو الكمال الموجود في الموضوع، فالموضوع فيه نسق وترتيب وانسجام، وبالتالي فأننا نقول عن شيء ما جميل لما له من الانسجام والكمال. لذا، طبقًا لوولف الجمال هو الإداراك الحسي للكمال(2).  

الخلاصة:

منذ أن سادت الفلسفة الأرسطية العالم -المسيحي خاصة- لم تحدث ثورة فلسفية تضاهي ثورة التنوير. فعصر النهضة لم يحقق الكثير إلا على المستوى الفني والجمالي، والعقلانية ابت أن تتحرر من المنطق القديم. ما حققه التنوير أثر في كل العالم، سواء من خلال إعادة تأويل وتفكيك النص المقدس أو نقد الخطاب السياسي والإجتماعي أو تبنيه المنهجية العلمية. كما يقدم التنوير تحديات قاسية لكل مجتمع يدعو إلى التغيير، فكل محاولة إصلاحية تلازمها ضرورة إعادة هيكلة الخطاب الديني والسياسي، لا يمكن لأي تقدم أن يحصل فعليًا دون أن تكون العقلانية والمنهجية العلمية أداةً لها. إذ أن التنوير هو دعوة إلى تفكيك كل خطاب ديني ودنيوبي.

المصادر:

  1. https://plato.stanford.edu/entries/enlightenment/#RatEnl
  2. https://www.historytuitions.com/world-history/french-revolution/#Role_of_Philosophers_in_French_Revolution
  3. https://plato.stanford.edu/entries/montesquieu/
  4. https://www.encyclopedia.com/humanities/culture-magazines/french-literature-during-enlightenment
  5. https://www.encyclopedia.com/religion/encyclopedias-almanacs-transcripts-and-maps/enlightenment-philosophy
  6. http://www.columbia.edu/acis/ets/CCREAD/etscc/kant.html
Exit mobile version