السيميائيات .. علم يطارد المعنى

تحدث رائد اللسانيات فرديناند دو سوسير في دروسه التي نشرت بعد وفاته، وكان ذلك في بداية القرن العشرين، عن ميلاد علم جديد في المستقبل سيدرس “حياة العلامات داخل الحياة الاجتماعية”، وهو علم السيميائيات. [1] فهل ظهر هذا العلم؟ وماذا يقصد بالعلامات؟

السيميائيات والسيميولوجيا والسيميوطيقا.. هل تعني نفس الشيء؟

يستخدم الباحثون العرب عدة تسميات لهذا العلم، وهي السيميولوجيا  Sémiologie، والسيميائيات Sémiotique، والسيميوطيقا Sémiotique. ويستخدمون هذه المصطلحات الثلاثة للدلالة على معنى واحد، وهو العلم الذي يدرس العلامات.

السيميائيات .. علم يطارد المعنى

السيميائيات هي علم يهتم بدراسة العلامات المتواجدة في الحياة الاجتماعية، ويمكن أن تكون العلامة لغوية منطوقة كالكلام ولغوية مكتوبة، أو أن تكون علامة بصرية كالصور.

وتهدف دراسة هذه العلامات إلى فهم “مظاهر السلوك الإنساني” [1] وتحليلها وتأويلها، ويشمل ذلك الطقوس الاجتماعية والفن والأدب والإشهار وكل ما له علاقة بالإنسان. لذلك نجد أن السيميائيات تتمتع بخلفيات معرفية  متعددة تتضمن اللسانيات (مع دوسوسير) والمنطق (شارل ساندرس بيرس) والتحليل النفسي والأنثروبولوجيا وغير ذلك من المجالات.

لا تعد السيميائيات إذن علما يهتم بمجال واحد كما يمكن أن يهتم علم الاجتماع بالمجتمع، أو طب الجهاز الهضمي بالجهاز الهضمي، بل هي علم يحاول الوصول إلى المعنى، لذلك نجد السيميائيات في كل المجالات والاختصاصات التي تنتج معنى ما.

هكذا يمكننا الحديث عن سيمياء للأدب، وسيمياء للمسرح، وسيمياء للسينما، وسيمياء للإشهار … إلى غير ذلك.

ما هي العلامة؟

يمكن تقسيم العلامة في السيميائيات إلى قسمين: قسم يضم الأيقونة والرمز والإشارة، وقسم يضم العلامة الشمية والعلامة اللمسية والعلامة الذوقية؟

القسم الأول:

الأيقونة:

يعرف شارل ساندرس بيرس ـ من أهم رواد السيميائيات، وهو أمريكي استمد منطلقاته المعرفية من مجموعة مختلفة من العلوم ـ العلامة بأنها “التي تحمل علاقة مشابهة مع الشيء الذي تحيل إليه”. [2] ويعني بذلك أن الأيقون هو شيء يحمل بعض خصائص شيء آخر نسميه الممثل. ويمكن تويع ذلك من خلال صورة فوتوغرافية، فهذه الصورة تحمل بعض صفات الشخص الأصلي لكنها لا تحمل صفاته كلها، فهي ثنائية الأبعاد بخلافه. فالصورة أيقون لشخص الذي تم تصويره وليس أي شخص آخر.

الرمز:

يعتبر الرمز هو “الرابط بين العلامة ودلالتها”. [2] فالرمز يمتلك دلالة منحتها له الثقافة الخاصة بالجماعة، فارتباط الموت باللون الأبيض في المغرب يرجع إلى ثقافة المغاربة التي ترتدي فيها زوجة الميت اللون الأبيض لمدة معينة بعد وفاته. ولكن يمكن للون الأبيض أن يدل على شيء آخر في سياق ثقافي آخر. لذلك يعتر الرمز خاضعا لمبدأ الاعتباطية، إذ لا يوجد رابط منطقي وسببي بين اللون الأبيض والموت.

الإشارة:

تخضع الإشارة شأنها شأن الرمز إلى مبدأ الاعتباطية، لكونها تختلف باختلاف الثقافة. فالإشارة طريقة لتعويض الكلام، كأن تومئ لشخص ما بالقدو بدلا من أن تقول “تعال”. قد تكون هذه الإشارات عفوية وقد تكون مقننة كما هو الحال في النظام العسكري.

القسم الثاني:

العلامة الشمية التي تستعمل غالبا في الوصلات الإشهارية المتعلقة بالعطور، و”العلامة اللمسية التي تتميز بقدرتها التعبيرية” [2] وذلك ككتابة برايل للمكفوفين. والعلامة الذوقية التي تتجلى في انتقال الإنسان من أكل الطعام نيئا إلى طبخه بالنار فاستعمال الكهرباء في الطبخ. وهذا يظهر تطور الإنسان وتكون الثقافة، وبالتالي تكون العلامات وتطورها.

خاتمة

السيميائيات علم يهتم بالمعنى أيا كان مجاله، فهي تتبع المعنى أينما حل. فهي تفتح الأفق أمام الباحثين لفهم العالم وعلاقته بالإنسان، هذا الكائن الذي يعتمد على العلامات والرموز في كل حركة من حركاته.

المصادر

[1] السيميائيات مفاهيمها وتطبيقاتها، سعيد بنغراد.

[2] السيميائيات .. الأصل والمصطلح، ياسين الخلطي.

ما الذي يجعل من السرديات علمًا؟

السرديات أو السردية أو علم السرد، علم يدرس السرد من مختلف جوانبه، فهو يحلل السرد وبنياته وتكويناته وآلياته. ويهدف إلى “استكشاف ووصف وتفسير آليات السرد، والعناصر المتحكمة في شكله واشتغاله”. [1] ويحاول الإجابة عن السؤال التالي: ما الذي يجعل من عمل ما عملا سرديًا؟ على غرار سؤال الأدبية: ما الذي يجعل من الأدب أدبًا؟ لكن، ما الذي يجعل من السرديات علمًا؟ وما هو الفرق بين علم السرد والنقد السردي؟

ما الذي يجعل من السرديات علمًا؟

لابد لأي علم أن يتوفر على عدة مقومات حتى يكون علمًا. وهي: العلم، والموضوع، والخلفية.

العلم

لنصف مجالًا ما بأنه علم أو مجال علمي، لابد من توفر أربعة عناصر فيه. وهي: الاسم والموقع والزمن والوسيط.

الاسم

ويقصد بذلك أن يمتلك اسما مستقلًا عن باقي العلوم الأخرى، يمنع الالتباس أو الخلط بين العلوم. فخلال نشوء علم السرديات، ظهرت مصطلحات عدة تدل على هذا العلم، كالتحليل السردي ونظرية السرد وغير ذلك. لكن اقترح تودوروف مصطلح “السرديات” سنة 1967 م وشاع بعد ذلك بالتدريج.

الموقع

ويقصد بالموقع علاقة العلم بالعلوم الأخرى “سواء كانت هذه العلاقة علاقة نسب أو جوار”. [2] ويقصد بعلاقة النسب انتماء علم معين إلى علم أعم منه، أي أن يكون فرعًا منه. فتعدّ السرديات مثلًا علمًا ينتمي إلى علم آخر أعم منه وهو “البويطيقا” أو “الشعرية”. أما علاقة الجوار فتعني علاقة علم بعلم آخر لا يتفرع أحدهما من الآخر لكنه يلامسه.

الزمن

ويقصد بالزمن تاريخ إعلان ميلاد العلم، ولا يعني هذا أن العلم يولد بين ليلة وضحاها، بل يعني أننا نستطيع في مرحلة معينة الإعلان أخيرًا عن تشكل علم ما بعد جهود مستمرة لفترة معينة من الزمن. وتُعد سنة 1972 م هو تاريخ الإعلان عن ميلاد علم السرديات.

الوسيط

ويقصد بالوسيط الوسيلة التي يعتمد عليها الباحثون لإيصال أفكارهم ونشرها. وغالبا ما تكون مجلات دورية تختص بعلم معين. وتعتبر مجلة “بويطيقا” “poétique” هي الوسيط الذي اعتمده باحثوا السرديات لنشر أفكارهم وجهودهم.

الموضوع

“لابد لكل علم من موضوع يشتغل به”. [2] وهو في حال علم السرديات: ما يجعل من عمل ما عملًا سرديًا.

الخلفية

ويقصد بالخلفية المعارف السابقة المتكونة لدى الباحث، التي ينطلق منها للبحث في مجال محدد، وهو هنا “السرديات”. فقد ينطلق الباحث السردي من البلاغة أو من النقد الأدبي، أو من منطلقات مختلفة أخرى تؤدي في النهاية إلى نتائج متنوعة ومختلفة نظرًا لاختلاف وتنوع الخلفيات المعرفية.

ما الفرق بين السرديات والنقد السردي؟

وبعبارة أخرى: ما الذي يقوم به الباحث السردي؟ وما الذي يقوم به الناقد السردي؟ يقوم الباحث السردي بالاشتغال حسب قيم ومبادئ وأسس البحث العلمي بغية الوصول إلى نتائج معينة تؤدي إلى معرفة علمية، دون السماح للذاتية بأن تتدخل، فالموضوعية شرط أساسي في البحث العلمي. أما الناقد السردي، فهو يهتم بدراسة النصوص التي تعتبرها السرديات سردية، ويدرسها من الناحية الفنية والدلالية معتمدًا على المعرفة العلمية التي توفر عليها الباحث السردي. ويحق للناقد السردي إقحام ذاتيته في نقده بخلاف الباحث السردي، شريطة أن يكون ذلك في خدمة النقد دون أن يتحول النقد إلى إقحام أفكار وإيديولوجيات ما.

خاتمة

كان علم السرديات يهتم بالجانب السردي في النصوص المكتوبة فقط. لكن بمرور السنوات وتعمق البحث والدراسة، صارت السرديات تهتم بالسرد حيثما وجد، فتوسع مجال سيطرة السرديات إلى مجالات أخرى كالمسرح والسينما والفن.

المصادر

[1] محمد بوعزة، السرديات: مسارات وإبدالات.

[2] سعيد يقطين، السرديات والتحليل السردي: الشكل والدلالة.

ما هو علم اللسانيات؟ وما المقصود بكليات الألسن؟

لطالما اعتبرت كلمة “علم” حكرا على العلوم التجريبية فقط، لكنها -في الواقع- تشمل العلوم الإنسانية والأدبية كذلك. فتطور النظريات والمناهج سمح باستقلال علوم كاللسانيات والسيميائيات والسرديات. سنتناول الحديث في هذا المقال عن اللسانيات، فما هو علم اللسانيات؟ وماذا يدرس؟ وما هي فروعه؟

ما اللسانيات؟

اللسانيات، وتسمى أيضا “الألسنية” و”علم اللغة”. ومهما كانت التسمية، فهي علم يدرس اللغة، متفرع إلى فروع عديدة ويهتم كل فرع بجانب محدد من اللغة.

يعتبر بعض المؤرخين أن اللسانيات نشأت مع ويليام جونز خلال القرن الثامن عشر، الذي توصل إلى وجود صلة تاريخية تجمع ما بين اللغة الإنجليزية واللغات الآسيوية والأوروبية. لكن، تعتبر بداية القرن العشرين البداية “العلمية” للسانيات. فقد ساعدت محاضرات أبي اللسانيات الحديثة فرديناند دوسوسير على ذلك، من خلال محاضراته عن اللسانيات العامة التي جمعت بعد وفاته في كتاب “محاضرات في اللسانيات العامة”.

ويعد ليونارد بلومفيلد من ضمن أبرز اللسانيين الذين اهتموا بمنح طابع “العلمية” للدراسات اللغوية، حيث دعا إلى “اتباع منهج موضوعي في دراسة الظواهر اللغوية”.[1]

فروع علم اللسانيات

نظرا للجوانب المتعددة التي تدرس من خلالها اللغة تعددت فروع علم اللسانيات. وهي اللسانيات العامة، اللسانيات الوصفية، اللسانيات التاريخية، اللسانيات النظرية، اللسانيات التطبيقية، اللسانيات المضيقة، اللسانيات الموسعة. فبماذا يهتم كل فرع من هذه الفروع؟

تدرس اللسانيات العامة اللغة عامة من حيث هي ظاهرة بشرية “تميز الإنسان عن الحيوان”.[1] بينما تهتم اللسانيات الوصفية بوصف لغة بعينها، كاللغة العربية أو اللغة الإنجليزية أو أي لغة أخرى. وتتناول اللسانيات التاريخية اللغة من حيث تطورها عبر العصور، سواء اللغة بصفة عامة أو لغة معينة.

تحاول اللسانيات النظرية صياغة نظرية لبنية اللغة ووظائفها. ويتفرع هذا الفرع إلى  فروع مختلفة هي علم الأصوات، وعلم الصواتة، وعلم التصريف، وعلم النحو، وعلم الدلالة، وعلم التخاطب. وتهتم اللسانيات التطبيقية بتطبيق النتائج التي توصلت إليها دراسة اللغة على مهام عملية كتدريس اللغة. كما تهتم بمجالات من قبيل تعلم اللغة بالحاسوب والترجمة الآلية والذكاء الاصطناعي.

أما اللسانيات المضيقة فتدعى بهذا التسمية لاقتصار الباحث على البحث في بنية اللغة، بينما تدعى اللسانيات الموسعة بهذه التسمية لتطرقها “إلى الأبعاد النفسية، أو الاجتماعية، أو العرقية، أو الأدبية”.

خاتمة

اللسانيات علم يدرس اللغة، ويتفرع إلى فروع عديدة تدرس اللغة من جوانب متعددة.

المصادر

[1] اللسانيات النشأة والتطور، أحمد مؤمن.

ما هو النقد الأسلوبي؟

يهتم النقد الأسلوبي بدراسة النص انطلاقا من الأسلوب الخاص بالكاتب. فماذا يقصد الأسلوبيون بالأسلوب؟ وكيف تتم دراسة النصوص أسلوبيا؟

ما مفهوم الأسلوب في النقد الأسلوبي؟

يهتم النقد الأسلوبي، كما هو واضح، بدراسة الأسلوب. ويقصد بالأسلوب كل ما يتعلق بالنص من خصائص فنية وبلاغية وأساليب شكلية. ولا يعنى به ما يميز أسلوب كل كاتب عن كاتب آخر، بل ما يمكن من التمييز بين نص أدبي ونص غير أدبي.

يعرف النقاد الأسلوب بأنه خروج عن الاستعمال العادي أو التقليدي للغة، عن طريق التلاعب بالمادة اللغوية وخرق القوانين المعتادة لاستعمالها لإثارة انتباه واهتمام القارئ، وكذا إظهار “أدبية” النص له.

دور دلالة الكلمات في النقد الأسلوبي

يقسم النقد الأسلوبي البحث في المادة الكلامية المستعملة في النص إلى قسمين:

  • البحث في الدلالة الذاتية للكلمات: ويقصد بذلك معنى الكلمة خارج سياقها النصي، وما تعنيه في المعجم.
  • البحث في الدلالة الإيحائية للكلمات: ويقصد بذلك المعنى الذي يتشكل للكلمة في إطار سياقها داخل النص بالإضافة إلى تأثير ثقافة القارئ. إذ تختلف دلالة الكلمة من قارئ إلى آخر حسب خلفيته المعرفية. ويعتبر الأسلوبيون أن قوة النص الإيحائية هي التي تخرجه من اللاأدبي إلى الأدبي.

دور البلاغة في النقد الأسلوبي

صارت البلاغة جزءا من الدراسات الأسلوبية، إذ يهتم النقد الأسلوبي بكل تقنيات الكتابة كالاستعارة والكناية والتشبيه وغير ذلك. تدرس هذه الأساليب والتقنيات الكتابية لفهم غاية الكاتب من استعمالها، وإن كان يحاول إقناع القارئ أو إزعاجه أو إثارة أي مشاعر أو ردود فعل أخرى.

بماذا يهتم النقد الأسلوبي؟

يهتم النقد الأسلوبي بشكل أساسي بالسمات النصية التي تتكرر داخل النص من كلمات أو تعابير تتردد داخل النص، أو أساليب يعاد صياغتها بطرق مختلفة. إذ يدل التكرار بالنسبة للأسلوبيين على سمة كاتب معين ونظرته للحياة وتصوره للأدب.

حدود النقد الأسلوبي

لا يتقيد الأسلوبي بتيار نقدي محدد، بل يمكنه أن يجمع بين العديد من التيارات النقدية، كل ذلك من أجل أن يفسر المعاني الحاصة بالنصوص دون إقامة أي اعتبار لانسجام هذه التيارات النقدية.

خاتمة

إذن، يهتم النقد الأسلوبي بالأسلوب الخاص بالكاتب والسمات التي تتكرر في النص. هذه السمات التي تساعد على الكشف عن الغايات التي يسعى إليها الكاتب، وبالتالي فهم النص وتفسيره.

المصادر

مناهج النقد المعاصر، صلاح فضل.

مبادئ تحليل النصوص الأدبية، بسام بركة، ماتيو قويدر، هاشم الأيوبي.

النقد التواصلي؛ كيف يكون القارئ جزءا من النص؟

اهتم النقاد النفسيون بدراسة علاقة الكاتب بالنص، واهتم النقاد الاجتماعيون بدراسة علاقة الكاتب بالمجتمع، لكن لم يهتم أحد بدراسة علاقة القارئ بالنص حتى جاء النقد التواصلي. فما هو النقد التواصلي؟ وما علاقة القارئ بهذا المنهج النقدي؟ وماذا يقصد بأفق التوقع؟

ما هو النقد التواصلي؟

يسعى النقد التواصلي إلى دراسة العلاقة بين القارئ والنص الأدبي. فالقارئ هو الذي يمنح الوجود للنص، إذ لا يمكن أن يوجد نص دون قارئ، حتى النص الذي يتلفه كاتبه دون أن يعرضه على أحد يكون هو نفسه قارئا له.

قراء النقد التواصلي

يميز النقد التواصلي بين عدة أنواع من القراء، من أهمها؛ القارئ المتضمن، القارئ المثالي، والقارئ المجهول.

القارئ المتضمن

وهو أي قارئ أشار له الكاتب داخل النص الأدبي، كأن يقول “عزيزي صاحب الظل الطويل” أو “أخي العزيز” أو “أصدقائي الأعزاء”. ولا يعد هذا القارئ هو المستهدف الوحيد من النص، بل كل من يقرأ النص سواء انطبق عليه وصف العبارة أم لا.

القارئ المثالي

يتميز هذا القارئ بثقافة واسعة تمكنه من فهم كل ما يكتبه الكاتب، والوصول إلى المعنى المراد منه، وتوفهم كل الحالات النفسية والأوضاع الاجتماعية التي يصفها الكاتب. وهو، إضافة إلى ذلك، عليم بتقنيات الكتابة وأساليب الفن، بحيث يستطيع الحكم على النص الأدبي من منطلقات منطقية وليس من خلال ذوقه فقط.

القارئ المجهول

“وهو القارئ الحقيقي الموجود في الواقع. [1] لا يعلم الكاتب أي شيء عن هذا القارئ، لأن أي شخص قادر على امتلاك كتابه يستطيع قراءته. ويمز القارئ المجهول لتعدد التأويلات والقراءات التي يمكن أن تفهم من خلال النص. إذ يمكن لنص واحد أن يدل على الرغبة في الحياة والرغبة في الموت بالاعتماد على قراء مختلفين وتأويلات وقراءات مختلفة.

ما الذي يقصده النقد التواصلي بأفق التوقع؟

أفق التوقع أو أفق الانتظار هو ما يتوقعه القارئ حين يقرر قراءة عمل أدبي ما، فإن فتح رواية عنوانها “رسائل بيلي” فسوف يتوقع وجود رسائل بداخلها، أو شيئا متصلا بشخص اسمه بيلي. إن كانت الرواية تتحدث عن شخص اسمه بيلي ورسائل له أو رسائله هو إلى شخص ما فسوف يكون أفق التوقع/الانتظار قد لبي. أما إذا لم تكن الرواية  تتحدث عن أي رسائل ولا تذكر شخصا اسمه بيلي فسوف يكون أفق التوقع/الانتظار قد كسر.

هل أكسره، أم لا أكسره؟ هذا هو السؤال

للكاتب خياران؛ إما أن يلبي أفق التوقع/الانتظار، أو يكسره. وسواء لبى الكاتب أفق التوقع/الانتظار أو كسره وخرج عنه، تظل مهارة الكاتب في بناء عوالمه وقصصه وكذا أسلوبه هي التي تحدد رد فعل القارئ. لكن، عموما يفضل الاعتماد على القواعد المعتادة والإبداع في نطاقها، كأن تكتب رواية غرامية دون أن تكون القصة تقليدية مستهلكة، بل مختلفة تكسر أفق تلقي القارئ دون أن تكسره فعلا.

ما الذي يحدد أفق التوقع/ الانتظار؟

يتغير أفق التوقع/الانتظار حسب الخلفية الثقافية الخاصة بالقارئ. فالقارئ العربي لن يتذوق الأدب الروسي كما يتذوقه قارئ روسي، والقارئ الروسي لن يتذوق الأدب العربي كما يفعل القارئ العربي مهما كانت الترجمة محكمة. فالتشبيهات والمجازات والاستعارات تتغير بتغير الخلفية الثقافية.

خاتمة

ركز، إذا، النقد التواصلي على علاقة القارئ بالنص الأدبي، وأفق توقعه/ انتظاره الذي يتحكم في حكمه على النص. أفق التوقع/الانتظار هذا الذي تتحكم فيه الخلفية الثقافية لكل قارئ، فتتغير التأويلات والقراءات حسب كل قارئ.

المصادر

[1] مبادئ تحليل النصوص الأدبية، بسام بركة، ماتيو قويدر، هاشم الأيوبي.

[2] مناهج النقد المعاصر، صلاح فضل.

ما الذي يجعل الأدب أدبا؟

لا يهتم المنهج البنيوي كالمناهج النسقية – المنهج التاريخي والمنهج الاجتماعي والمنهج النفسي – بالجانب الخارجي للعمل الأدبي، سواء كان حياة المؤلف أو نفسيته أو الظروف التاريخية أو الظروف الاجتماعية المصاحبة للفترة التي أنجز فيها العمل الأدبي. بل يهتم – المنهج البنيوي- بالجانب الداخلي للعمل الأدبي. ماذا تقصد البنيوية إذن حين تتحدث عن الجانب الداخلي للعمل الأدبي؟ وما الذي تبحث عنه البنيوية في العمل الأدبي؟ وما هي أبرز الحركات التي ساهمت في ظهور البنيوية؟

ما الذي يقصده المنهج البنيوي حين يتحدث عن الجانب الداخلي للعمل الأدبي؟

تسببت مقولة “أدبية النص” أو “أدبية الأدب” في نقل القيمة الفنية الخاصة بالأعمال الأدبية من السياق التاريخي والسياق الاجتماعي والسياق النفسي كما شهدناه مع المناهج السياقية، إلى السياق الداخلي للأعمال الأدبية المنبثق من داخلها. ويقصد بالسياق الداخلي “البنية” التي يعرفها النقاد بأنها “النظام الأدبي الذي يقوم على مجموع العلاقات الداخلية الموجودة بين مختلف عناصر النص”.[1]  

فلو حللنا قصة من الأدب الشعبي مثلا سنلاحظ حضور “التحضير للمواجهة” و”المبارزة” و”نتيجة” هذه المواجهة. وتبرز هذه الأخيرة عناصر البنية الداخلية للنص. تتضمن القصة شخصيات تحمل كل واحدة منها دورا معينا وهو ما يمكن أن نسميه بالعوامل. فلو كانت القصة تحكي عن رجل يريد الزواج من حبيبته لكنه يجد صعوبات تعيقه، ستكون حبيبته هي العامل المطلوب وستكون العوائق هي العامل المعارض، وستكون هناك عوامل مساندة تمكنه من بلوغ مراده. ولا تقتصر العوامل على هذه العوامل الثلاثة فقط، بل يمكن الحديث عن أكثر من ذلك، ليسمن المطلوب حضورها كاملة في كل قصة. ومن خلال هذه العوامل نستطيع فهم طبيعة البنية الخاصة بالنص. [2]

ما الذي يبحث عنه المنهج البنيوي في العمل الأدبي؟

تهدف الدراسة البنيوية إلى تحليل الكيفية التي تتفاعل بها هذه العناصر فيما بينها، وكيفية تكون المعنى من خلال الكلمات والجمل. فقد اكتفت البنيوية من التحليل التاريخي للأدب. “فالتاريخ فلسفة في الدرجة الأولى والأدب لا يكون أدبا بما فيه من فلسفة وإنما بشيء آخر”. وهذا الشيء هو هو ما أطلق عليه “أدبية النص” أو “أدبية الأدب”. [1]  إذ أن هم البنيوية كان هو الإجابة عن السؤال “ما الذي يجعل الأدب أدبا؟”.

ما الذي ساهم في ظهور المنهج البنيوي؟

ساهمت العديد من المدارس والاتجاهات وكذلك الأفراد في ظهور وتطور المنهج البنيوي، ولكننا سنقتصر على الحديث عن ثلاثة فقط، دي سوسير، والشكلانيين الروس، وكلود ليفي شتراوس مع إشارة خفيفة لياكبسون.

دي سوسير

قدم دي سوسير في محاضراته الشهيرة “محاضرات في اللسانيات العامة” التي تناولت علم اللسانيات مجموعة من الثنائيات. ولا يهمنا من هذه الثنائيات سوى ثنائية علم اللغة الداخلي وعلم اللغة الخارجي. ويقصد بعلم اللغة الداخلي القوانين المستخلصة من اللغة، فهذه القوانين أو القواعد غير المبتكرة من طرف البشر بل مصدرها هو اللغة نفسها وطبيعة هذه اللغة. بينما يعني علم اللغة الخارجي كل ما ارتبط بالظروف الخارجية للنص من أوضاع وبيئات خارجية تتصل بالحقائق اللغوية.

الشكلانيون الروس

ركزت هذه المدرسة  التي نشأت في روسيا “على دراسة الشكل الأدبي ودلالاته وطانت تحليلاتها لمفهوم الشكل قريبة جدا من مفهوم البنية” خاصة حين يتعلق الأمر بطريقة تحليلهم للنظم الإيقاعية للشعر والنثر ولقضايا أخرى ترتبط بالأدب عموما. [1]

كلود ليفي شتراوس وياكبسون

ومما ساهم بشكل كبير في بروز المنهج البنيوي رؤية كلود ليفي شتراوس الذي أدرك من خلالها أن المنهج اللغوي أكثر فائدة لدراسة البنى الاجتماعية وفهم علاقات المجتمعات الأولية من المنهج التاريخي والتحليلي. لذلك التقت أفكاره مع أفكار ياكبسون فحللا معا “سونيت القطط” لبودلير، وكان ذاك التحليل إعلانا لميلاد المنهج البنيوي.

خاتمة

سئم النقاد إذن من تحليل الأدب انطلاقا من سياقات خارجية قد لا تكون لها علاقة بما يحصل داخل النص، فاعتمدوا على مفهوم البنية ليحللوا النصوص الأدبية منفصلة عن كل السياقات الخارجية، وقد وصل الأمر ببعضهم إلى الحديث عن لاوعي خاص بالنص، ينفصل تماما عن الكاتب ولا وعيه الخاص.

المصادر

[1] مناهج النقد المعاصر، صلاح فضل.

[2] مبادئ تحليل النصوص الأدبية، بسام بركة، ماتيو قويدر، هاشم الأيوبي.

هل أسس سيجموند فرويد المنهج النفسي في النقد الأدبي؟

بدأ المنهج النفسي في النقد مع بداية علم النفس ذاته، نهاية القرن التاسع عشر من خلال مؤلفات سيجموند فرويد في التحليل النفسي. اعتبر فرويد اللاشعور مخزنا خفيا يتضمن عوامل سلوك وإبداع وإنتاج الإنسان. وقد اعتبر الفن والأدب مظهرا آخر تتجلى فيه هذه العوامل التي تمثل الشخصية الإنسانية. فالأدب حسب فرويد هو تعبير عن اللاوعي الفردي، تفضح فيه صراعات الإنسان الداخلية.

ما الذي يربط الأحلام بالأدب؟

ركز فرويد على الأحلام في تحليله النفسي، لكونه يعتبرها نافذة مشرعة تطل على اللاشعور. وقد ميز الأحلام بعدة خصائص أهمها: التكثيف والإزاحة والرمز. وبقليل من التفكير يمكن ملاحظة أن هذه الخصائص متواجدة داخل الأعمال الفنية والأدبية كذلك.

كيف ارتبط الإبداع بالجنون؟

استخدم فرويد الكثير من المصطلحات الأدبية في تحليله النفسي، فصارت كلمات من قبيل “أوديب” و”ألكترا” تدلان على عقد نفسية معينة. كما أنه حلل أعمالا أدبية وفنية ليبرهن على نظرياته في التحليل النفسي. ولارتباط عمله بالأمراض النفسية تم ربط الإبداع الأدبي والفني بالأمراض النفسية مقدمة لاعتبار المبدعين شذوذا مرضيا.

هل يهتم النقد النفسي بالعمل الأدبي أم بكاتبه؟

بالرجوع إلى النقد الأدبي، انصب اهتمام النقاد على سيرة الكاتب الذاتية معتبرين الأعمال الأدبية نتيجة لاوعيه. فالهدف من دراسة النص الأدبي هو فهم شخصية الكاتب، إذ يعبر النص عن كبت يعاني منه الكاتب في حياته، وتمثيل لعقد نفسية تؤرقه، ورمز للرغبات المكبوتة التي يتمناها.

يعتبر النقد النفسي العمل الأدبي قناعا يختبئ خلفه الكاتب، ومرآة تفضحه في الوقت نفسه. فالكاتب يختبئ خلف الرمز والتكثيف والإزاحة، بينما تحليل النص يكشف مخبأ الكاتب. فتحليل العمل الأدبي هو تحليل لشخصية الكاتب بطريقة ما. فإن حللنا رواية محمد شكري “الخبز الحافي” فسنعتبرها تعبر عن الفقر والحرمان اللذان عاشهما في طفولته، وأن تلك الفترة من حياته تركت عقدا نفسية لم يستطع التخلص منها رغم تقدمه في السن وتغير حاله.

ما هي أهم مبادئ النقد النفسي؟

من بين أهم المبادئ التي يركز عليها النقد النفساني:

  • النص الأدبي مزروع بالرموز، يجب الكشف عنها وتحليلها لنفهم الكاتب.
  • لا يهدف النقد النفساني إلى تحليل النص الأدبي، بل يستهدف تحليل شخصية الكاتب بالأساس.
  • لا بد من البحث عن المعاني الخفية التي تختبئ داخل النص الأدبي.

من خلال الرجوع إلى هذه المبادئ لتحليل الكثير من النصوص الأدبية الخاصة بكتاب معينين، تمت ملاحظة وجود شخصية واحدة في جميع أعمالهم الأدبية. بمعنى أن كل كاتب يمتلك شخصية تتكرر في كل رواياته، تمتلك نفس الخاصيات والسمات. هذه السمات نفسها هي يتوفر عليها الكاتب. الشيء الذي يجعل النصوص الأدبية دليلا يتبع للتعرف على الجوانب النفسية الخاصة بشخصية الكاتب.

للنص لاوعيه الخاص به

يعتبر فريق من النقاد أن للنص بحد ذاته لاوعيه الخاص، نظرا لكون اللغة مفتوحة على تأويلات غير منتهية لا يستطيع الكاتب نفسه حصرها. وعلى أي حال، يبحث النقد النفساني، أيا كان اتجاهه عن المعاني الخفية خاف الكلمات والدلالات المنفلتة من إرادة الكاتب التي ظهرت في النص وتظهر بعد كل قراءة جديدة.

خاتمة

على الرغم من أن الحديث الآن منصب على الاهتمام بالمناهج ما بعد السياقية، إلا أنها لا تعتبر متجاوزة، فهي صالحة للاستخدام في البحوث والدراسات حسب الحاجة. كما يمكن الجمع بين عدة مناهج في بحث واحد، وذلك حسب أهداف وغايات الباحث.

المصادر

مناهج النقد المعاصر، صلاح فضل.

مبادئ تحليل النصوص الأدبية، بسام بركة، ماتيو قويدر، هاشم الأيوبي.

مناهج النقد الأدبي السياقية والنسقية، عبد الله خضر حمد.

ما هو المنهج الاجتماعي في النقد الأدبي؟

يدرس النقد الاجتماعي العلاقة القائمة بين الاقتصاد والثقافة. وبتعبير أدق؛ يدرس التفاعل الحاصل بين وضع اقتصادي واجتماعي معين، وبين رؤية ذاك المجتمع للعالم التي تظهر من خلال أدبه. ويقصد برؤية العالم النظرة الخاصة بمجتمع معين نحو العالم، فقد تكون عملية أو منطقية أو بسيطة أو غير ذلك. وتعتبر الروايات التاريخية من أهم المواضيع المدروسة بالنسبة للمنهج الاجتماعي النقدي. لأنها تعبر عن حقائق تاريخية حصلت فعلا وردة فعل المجتمع عليها. فالنقد الاجتماعي يهتم بتعبير الأدب عن الواقع الاجتماعي، ويربط الأدب بالتفاعلات القائمة بين المجتمع وأبنيته ونظمه وتحولاته. إذ يعد المجتمع _ حسب المنهج النقدي الاجتماعي _ هو منتج هذا الأدب. فكيف ظهر المنهج الاجتماعي؟ وما هي أهم مبادئه؟

كيف ظهر المنهج الاجتماعي في النقد الأدبي؟

يمكن اعتبار المنهج الاجتماعي بقايا المنهج التاريخي، فقد ولد من صلب المنهج التاريخي الذي مهد له الطريق من خلال “فكرة تاريخية الأدب وارتباطها بتطور المجتمعات المختلفة، وتحولاتها طبقا لاختلاف البيئات والظروف والعصور”. ونعني بذلك اختلاف الأدب باختلاف الحقب الزمنية والأمكنة، فلكل مكان وزمان ظروفهما الخاصة بهما التي تتغير بتغير الزمان أو المكان أو بتغيرهما معا.

تعود بدايات المنهج النقدي الاجتماعي إلى كتاب «مدام دي ستايل» الصادر سنة 1800 «الأدب من حيث علاقاته الاجتماعية»، الذي حاولت فيه البحث عن الدين والعادات والتقاليد والقوانين في الأدب، إضافة إلى تأثير الأدب في الوقائع الاجتماعية.

أهم مبادئ المنهج الاجتماعي النقدي

يتبع المنهج الاجتماعي في النقد مبادئ أساسية لابد للناقد الاجتماعي من الاعتماد عليها، وهي كالتالي:

  • العقلية المهيمنة داخل عمل أدبي ما لا تخص الكاتب وإنما تخص بيئته ومجتمعه؛ فالكاتب لا يفصح عن نفسه داخل النص الأدبي بل يفصح عن تصورات المجتمع.
  • لا يعتبر الكاتب سوى مرآة تعكس أفكار واهتمامات أهل عصره، بل أحيانا لا تعكس سوى أفكار واهتمامات مجموعة ضيقة وهي المجموعة التي ينتمي إليها، سواء كانت أسرة أم حزبا أم غير ذلك.
  • تعكس بنية النص الأدبي البنية الاجتماعية الخاصة بالمجتمع وتعبر عن صورة عن الهياكل والمؤسسات الثقافية.
  • النصوص التي تتناول الحديث عن عالم مثالي تعبر عن أحلام مجتمعها وطموحاته في فترة زمنية معينة.

من خلال هذه المبادئ التفت بعض النقاد إلى فكرة صراع الطبقات الاجتماعية، وحاولوا إبراز صورة هذا الصراع من خلال الأدب. فتم البحث في خلفية كل كاتب للوصول إلى التطابق ما بين خلفيته الاجتماعية وما ينتصر له في أدبه. فتم التركيز على البرجوازية والاشتراكية بشكل أساسي. كما يحاول النقاد _ بالرجوع إلى فكرة صراع الطبقات الاجتماعية _ اصطياد الإشارات الداخلية في النص التي تفضح انتماء الكاتب الطبقي والعرقي والعقائدي.

بماذا يهتم المنهج الاجتماعي في النقد؟

يفضل المنهج النقدي الاجتماعي الاهتمام بالواقع، إذ نجده يولي اهتماما كبيرا بالشخصيات النموذجية من قبيل الثوري أو البرجوازي أو الرأسمالي نظرا لتمثيلها للواقع، ويبتعد عن الشخصيات البعيدة عن الواقع بعض الشيء كالعباقرة والأبطال والجواسيس، فمثل هذه الشخصيات لا نراها في الواقع كل يوم. فالشخصيات الواقعية تمثل المجتمع وردة فعله عن التحولات التاريخية والاجتماعية والسياسية والثقافية. يعتبر المنهج النقدي الاجتماعي أن على الكتاب البحث عن الواقعية في كتاباتهم لكي يكونوا مفيدين لمجتمعهم.

خاتمة

يعتبر المنهج الاجتماعي في النقد الأدبي الكاتب أداة تصور الواقع والمجتمع وأفكاره وتصوراته وتطلعاته وآماله من خلال النصوص الأدبية التي ينتجها. فما الذي يراه المنهج النفسي في الكاتب؟ هذا ما سنتحدث عنه في المقال القادم.

المصادر

[1] مناهج النقد المعاصر، صلاح فضل.

[2] مبادئ تحليل النصوص الأدبية، بسام بركة، ماتيو قويدر، هاشم الأيوبي.

[3] مدخل إلى مناهج النقد الأدبي، مجموعة من الكتاب، سلسلة عالم المعرفة.

[4] مناهج النقد الأدبي، إنريك أندرسون إمبرت.

[5] النقد الأدبي .. مفهومه ومسارة التاريخي ومناهجه، عبد المجيد زراقط.

ما هو المنهج التاريخي في النقد الأدبي؟

“يعد المنهج التاريخي أول المناهج النقدية في العصر الحديث”.[2] ويدرس الظاهرة الأدبية من ناحية الظروف التاريخية للكتابة. إذ يتبع المعطيات التاريخية والاجتماعية والسياسية والثقافية التي خلقت وكونت الأثر الأدبي.[1] ويركز المنهج التاريخي على علاقة العمل الأدبي بالمجتمع. ولأن المجتمع يتغير بمرور الزمن، يربط هذا المنهج بين النص الأدبي وظروفه الاجتماعية والسياسية والثقافية في زمن معين. مما يساهم في فهم النص أو الأثر الأدبي انطلاقا من سياقاته. فرواية البؤساء لفكتور هيجو كتبت بعد انتهاء الثورة الفرنسية الفاشلة ضد الملك لويس فيليب في 1832. وهذه الأخيرة كانت حاضرة بقوة داخل الرواية. فكيف ظهر المنهج التاريخي؟ وما هي مبادئ هذا المنهج؟ ومن هم رواده؟

كيف ظهر المنهج التاريخي؟

انبثق المنهج التاريخي داخل المدرسة الرومانسية، التي جاءت لتعكس الأفكار التي رأت أن العصور الذهبية هي الماضي وأن الحاضر ما هو إلا اقتباس من الماضي ولن يقدم سوى التدهور والتحلل والدمار والانهيار. فالرومانسية ترى أن الإنسان يسير حسب قانون النشوء والارتقاء، حيث ينتقل من المراحل البدائية إلى المراحل المتقدمة. وهكذا ظهر المنهج التاريخي الذي يصور الأدب باعتباره تعبيرا عن الفرد والمجتمع.

ما هي مبادئ المنهج التاريخي؟

بني المنهج التاريخي على عدة مبادئ أهمها:

  • اعتباره النص الأدبي تعبيرا عن المجتمع ونتاجا له، يعرف من خلاله الدين والثقافة والعادات والأخلاق السائدة في ذلك المجتمع.
  • اعتباره الكاتب حلقة وصل بين المجتمع (الواقع) والأدب (القراء)، ورغم كونه صانع العمل الأدبي لكنه يهمش خلال عملية التحليل.
  • اعتباره العمل الأدبي مجرد قالب يحتوي معلومات خاصة بحقبة زمنية معينة، فهو مرآة تعكس وضع العصر الذي كتب فيه ومشاكل من عاش خلال ذاك العصر، كما أنه يوضح عقليتهم.
  • يقتفي المنهج التاريخي أثر المجتمع داخل العمل الأدبي، فهو يتعامل معه كوثيقة تاريخية تمكننا من فهم من سبقنا.

درس النقاد من خلال الاعتماد على هذه المبادئ العلاقة بين حياة الكاتب والكتاب أو العمل الأدبي، نظرا لاعتقادهم بأن كل ما يكتبه الشخص له علاقة بحياته الشخصية، فتمت دراسة حياة الكتاب والبحث عن تفاصيل حياتهم الشخصية وآرائهم كذلك. فالأدب بالنسبة لنقاد التيار التاريخي لا يفصل بين حياة الكاتب وعمله الأدبي.

منح فريق آخر من نقاد التيار التاريخي الوضع التاريخي والاجتماعي الأولوية معتبرين العمل الأدبي مجرد نتاج اجتماعي يتم البحث فيه عن المؤشرات التي تدل على مختلف الحقبات الزمنية. فيركزون على كيفية نشوء العمل الأدبي من ناحية الكتابةـ ومن ناحية الأفكار والمجتمع. ويهدفون بذلك إلى إبراز المميزات “المشتركة لنصوص مختلفة تنتمي إلى فترة تاريخية واحدة. فالنص الأدبي في نظرهم تعبير عن عقليات مختلفة تنتمي إلى فترة تاريخية واحدة، والنص الأدبي عندهم صورة تعكس عقلية عصر محدد ورؤية معينة للعالم والحياة”.[1]

من هم رواد المنهج التاريخي في النقد الأدبي؟

يمكننا الحديث عن رائدين من رواد التيار التاريخي بالأساس، هما سانت بيف وهيبولت تين.

سانت بيف Sainte-Beuve)) (1804-1869)

دعا سانت بيف إلى الاهتمام بعلاقة الأديب بأمته وعصره وموطنه وأسرته، لهذا نجده يركز في تحليلاته على تربية الأديب وثقافته وتكوينه النفسي والجسمي والعقلي. ويهدف من خلال ذلك إلى الوصول إلى عمق الأديب المدروس من خلال تلك المؤشرات الجسمية والنفسية والوراثية.

يرى سانت بيف أن النقد يحاول فهم كيفية ولادة العمل الأدبي لكونه نتيجة لعبقرية معينة أو شخصية لها ظروفها الخاصة. لذلك فمعرفة التاريخ السياسي والاجتماعي لهذه الشخصية ضرورية لفهم عملها الأدبي وتفسيره.

هيبولت تين (Hippolyte Taine)‏ (1828 – 1893)

بنيت نظرية تين النقدية على مبدأين هما: إن العوامل الطبيعية والعوامل النفسية تتضافر معا من أجل نمر الجنس البشري، وأن البحوث العلمية لابد لها من أن تؤثر في الأدب والفن. وضح تين ملامح نظريته في كتابه “تاريخ الأدب الإنجليزي” الذي يعتبر فيه أن الشخصية الأدبية نتيجة لمؤثرات معينة جعلتها ما هي عليه. وهذه المؤثرات “الاضطرارية” كما سماها هي: العرق، والبيئة أي ما يحيط العرق من عوامل طبيعية ومناخية والعوامل السياسية والاجتماعية التي تؤثر في تفكيره، والزمن وهو لحظة إنتاج العمل الأدبي.

خاتمة

اهتم المنهج التاريخي في النقد الأدبي بالجوانب الاجتماعية والثقافية والسياسية والتاريخية للعمل الأدبي ومنتجه، الشيء الذي أُخذ عليه. فقد اعتبر الأعمال الأدبية مجرد وثائق ومستندات، ولم يهتم إلا بمصادرها من تاريخ وجنس مبدعها وعصرها وبيئتها، دون الاهتمام بالأعمال الأدبية بذاتها.

المصادر

[1] مبادئ تحليل النصوص الأدبية، بسام بركة، ماتيو قويدر، هاشم الأيوبي.

[2] مناهج النقد المعاصر، صلاح فضل.

[3] مناهج النقد الأدبي السياقية والنسقية، عبد الله خضر حمد.

[4] مناهج النقد الأدبي الحديث، ابراهيم السعافين، خليل الشيخ.

كيف حدث انفصال العلوم عن الفلسفة؟

لم ينفصل العلم عن الفلسفة طوال أكثر من 22 قرنا، امتدت ما بين القرن السادس قبل الميلاد وحتى القرن السابع عشر الميلادي. حيث ميز نيوتن بين النتائج العلمية التي تقوم على الملاحظة المباشرة، وبين الافتراضات الميتافيزيقية التي اعتبرها مقحمة في مجال عمله. وكما يقول البعض، على يدي نيوتن، تم الفصل بين الفلسفة والعلم. فكيف تم انفصال العلوم عن الفلسفة؟

انفصال العلوم عن الفلسفة

شهدت الفلسفة انفصالات لأجزاء منها لتصبح فروعًا معرفية مستقلة بذاتها، كونت هذه الانفصالات تاريخ العلم. فقد فصلت أعمال إقليدس الهندسية علم المكان عن الفلسفة في القرن الثالث قبل الميلاد، وقد كان الفلاسفة يدرسونها في أكاديمية أفلاطون. كما أثمرت جهود جاليلو وكبلر ونيوتن عن انفصال الفيزياء في القرن السابع عشر لتصبح علمًا منفصلًا عن الميتافيزيقيا. ثم انفصلت الكيمياء في القرن الثامن عشر، وأعقبتها البيولوجيا في القرن التاسع عشر نتيجة لكتاب “أصل الأنواع” لدارون. بعد ذلك، استقلت العلوم الإنسانية، التي تهتم بدراسة الإنسان على مستوى الفرد والجماعة، بالتدريج. وكان أولها علم النفس الذي انفصل عن الفلسفة بداية القرن العشرين.

ما الذي يجعل المعرفة علما؟

لا يمكن إيجاد تعريف جامع مانع يصدق على كل العلوم، لكن يمكن تحديد بعض الخصائص التي يجب أن تتواجد في كل علم، وهي كالتالي:

يسعى العلم إلى التعميم

يجب على القوانين أو النتائج التي يتم التوصل إليها أن تفسر جميع الحالات المشابهة لها، وألا تقتصر على تفسير حالة جزئية معينة.

يهدف العلم إلى صياغة نتائجه صياغة كمية قدر الإمكان

ويعني ذلك صياغة النتائج بعبارات دقيقة محددة المعنى مثل “درجة الحرارة اليوم هي خمسة مئوية”. وكلما زاد توفر هذه الخاصية في علم ما، كلما تقدم وزادت دقة مفاهيمه ونتائجه.

يتصف العلم بالموضوعية

ويقصد بذلك معالجة الظواهر دون تدخل لذات الباحث في البحث. ويوضح برتراند راسل هذا من خلال مثال المسرح، إذ يفترض أن هناك فرقة تمثل في مسرح تحيط بها آلات التصوير التي تلتقط الكثير من الصور. بالعودة إلى تلك الصور وملاحظتها يمكن اعتبار القواسم المشتركة لكل الصور هي الجانب الموضوعي للبحث، وتعتبر الأشياء الأخرى المختلفة وغير المتشابهة هي الجانب الذاتي.

يمكن وصف العلم بإمكانية اختبار صحة نتائجه وتعميماته

يمكن التحقق من صدق النظرية العلمية من خلال مراجعة طريقة استنباطها في حال كانت مستنبطة، كما يمكن التحقق من صدق تطبيقها على الواقع بتكرارها والتأكد من نتائجها وقدرتها على التنبؤ.

يتصف العلم بثبات قضاياه

يجب أن تكون القضية العلمية صادقة في جميع الظروف والمناسبات المشابهة.

اتصال البحث العلمي

يبدأ العالم عادة من حيث انتهى زميله، فالبحث العلمي درجات، كل درجة تمهد للدرجة التالية.

نسقية العلوم وتكاملها

تتدرج العلوم من الأعم إلى الأخص، فالعلوم التجريبية مثلا تتضمن العلوم الطبيعية وعلم الحياة والعلوم السيكوفيزيائية والعلوم الاجتماعية، وكل واحدة من هذه العلوم تتضمن علومًا أخرى. إذ أن العلوم الطبيعية تتضمن علم الفيزياء وعلم الكيمياء، والعلوم الاجتماعية تتضمن علم الاجتماع والتاريخ وغيرها من العلوم.

يتضمن العلم الإيمان بمبادئ معينة

وهذه المبادئ لا يمكن أن توضع موضع شك، إنما يمكن تعديلها من حين لآخر حتى يستمر تقدم العلم. ومن أهم هذه المبادئ مبدأ الحتمية الذي عرفه كلود برنار بأنه يسلم العالم بديهيًا بأن “شروط كل ظاهرة سواء أكان ذلك في الأجسام الحية أم في الأجسام الجامدة، محددًا تحديدًا مطلقًا”. ويعني ذلك أنه لا بد من حدوث الظاهرة تُعرف شروطها ويتم تهييئ هذه الشروط.

ما هو المنهج العلمي؟

يمكن تعريف المنهج العلمي بأنه الإجراءات العقلية التي تؤدي إلى نتائج معينة. وتعتمد العلوم – أيا كانت طبيعتها – على مناهج تخدمها. وقد انقسمت إلى منهجين:

  • المنهج الصوري الذي يستخدم في علوم المنطق والرياضيات.
  • المنهج التجريبي الذي يستخدم في الفيزياء والكيمياء والعلوم الإنسانية. ونظرًا لكون هذه الأخيرة تدرس الإنسان وما يتعلق به فقد أنتجت مناهج مختلفة خاصة بها تراعي خصوصية الظاهرة الإنسانية وتعقيدها، وتسمى بالمناهج السياقية.

ماذا يقصد بالمناهج السياقية؟

تهتم هذه المناهج بظروف نشأة الظاهرة المدروسة وسياقاتها الخارجية، سواء كانت اجتماعية أو تاريخية أو نفسية بغية فهم موضوع البحث من كل جوانبه. وهذه المناهج هي المنهج التاريخي الذي يصبو إلى الإحاطة بزمن الموضوع والبيئة التي نشأ فيها. والمنهج الاجتماعي الذي يبحث في المحيط الاجتماعي لموضوع الدراسة. والمنهج النفسي الذي يهتم بشخصية موضوع الدراسة وانعكاس أحداث حياته عليه. وتتميز هذه المناهج في سياق النقد الأدبي بالتركيز على أسباب ولادة الإبداع.

تطرقنا في هذا المقال التقديمي إلى انفصال العلوم عن الفلسفة بما فيها العلوم الإنسانية، كما تعرفنا على العلم وشروطه والمنهج العلمي. وأشرنا إلى المناهج السياقية، التي سنتناول الحديث عنها بشكل مفصل في المقالات القادمة.

المصادر

مفهوم المنهج العلمي، يمنى طريف الخولي.
فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول-الحصاد-الآفاق المستقبلية، يمنى طريف الخولي.
مشكلة العلوم الإنسانية: تقنينها وإمكانية حلها، يمنى طريف الخولي.
فلسفة العلم، أليكس روزنبرج.
ما هي الفلسفة؟ حسين علي.
فلسفة العلم في القرن العشرين، دونالد جيليز.
الفلسفة العلمية وإشكالياتها، علي رشيد مشيك، أوراق ثقافية.
مناهج النقد المعاصر، صلاح فضل.

Exit mobile version