Ad
هذه المقالة هي الجزء 6 من 18 في سلسلة مقدمة في التدريس للبالغين

يقول أحدهم: “الكتابة! يا إلهي، هذه حتمًا أسوأ المهام. يصعب عليّ حقًا تذكر كل علامات الترقيم هذه، ولا أستطيع تمييز الاختلافات بين الـb والـd، والـ p، والـq في الإنجليزية، والحاء والخاء والجيم في العربية! وبالتأكيد أخطأ تهجئتها. والأشرّ من ذلك أنه يجب أن أفكر في كيفية الكتابة بينما يكون عقلي منشغلا فيما سيكتب. أحيانًا أرجو أن يكتفي المعلم ببضع جمل، فلا تؤلمني يداي. ولكن كالعادة، يصيح بي المعلم غير راضٍ عن جملي البسيطة المتقطعة. لا يفهمني المعلم أبدًا، ولا يفهم كم أعاني لإنتاج هذه الجمل التي لا تعجبه. والحقيقة، أني لا أفهمني كذلك، أحيانًا أريد أن أجعل الكلمة تبدو صحيحة، ولكنها لسبب ما لا تبدو كذلك بعد أن أنهي كتابتي…” [1].

يحدثنا صديقنا بغضب شديد عن «عسر الكتابة». ويسمى عسر الكتابة (بالإنجليزيّة: Dysgraphia). يوصف المصاب بعسر الكتابة دائمًا بالـ «الكسولي» أو بالـ «البطيء» وينتج عن هذا العسر ضعف الكتابة اليدويّة، أو ضعف التهجئة، أو كليهما لدى شخص ذي ذكاء متوسّط أو أعلى من المتوسّط. ولم يرد هذا العسر كاضطراب في الصحة العقلية، ولا يعد اضطرابًا، ولكنه بالأحرى صعوبة تعلم دماغية الأساس، ويظن أنها جينية كذلك. [2] [1]

هناك عدة علامات تنبأ عن وجود عسر الكتابة، وهي تنقسم لثلاثة أقسام [3][2] :

  1. عسر الكتابة اللغوي، ويشمل:
  • تهجئة غير صحيحة للكلمات.
  • صعوبة تخيل الكلمات قبل كتابتها.
  • حذف الحروف والكلمات من الجمل.
  1. عسر الكتابة الحركي:
  • صعوبة في نسخ الكلمات والكتابة بسبب ضعف التنسيق بين الأداء الحركي والأداء البصري.
  • صعوبة الكتابة والتفكير في نفس الوقت، فلا يستطيع المصابون بعسر الكتابة تدوين ملاحظات أثناء سماع المعلم مثلًا.
  • وضع الجسم أو اليد غير عادي عند الكتابة.
  • إمساك القلم بإحكام وهو ما يؤدي إلى تقلصات في اليد؛ مما يترتب عليه الكتابة البطيئة أو الشاقة.
  1. عسر الكتابة المكاني
  • يكون حجم الحروف وتباعدها متباينا في ذاتها، أو في الكلمة الواحدة، أو في السطر الواحد.

أسباب عسر الكتابة

قبل أن نتناول أسباب عسر الكتابة، يجب أن نفهم ماهية الكتابة كعملية ديناميكية. الكتابة اليدوية عملية معقدة يشترك فيها العديد من العوامل في آن واحد. أولها المهارات الحركية المضبوطة بشكل معين في اليد، والذاكرة لتخزين الكلمات وشكلها وطريقة رسمها، بالإضافة إلى مهارة تحليلية لفهم معناها. لذلك فإن أي خلل في إحدى هذه العوامل يؤدي إلى عسر في العملية ككل.

يمكن أن يعاني الأطفال ذوو عسر الكتابة من مشاكل في الترميز الإملائي (بالإنجليزية: Orthographic Coding)، وهو القدرة على تخزين الكلمات المكتوبة بالذاكرة العاملة أو تشكيل ذاكرة دائمة من الكلمات المكتوبة. قد يعانون أيضًا من مشاكل في تنظيم حركات تتابعيّة للأصابع. كما يحتمل أن يتطور لدى البالغين عسر الكتابة المكتسب (بالإنجليزية: Acquired Dysgraphia)، والمُسمّى أيضًا اللاكتابية (بالإنجليزية: Agraphia)؛ إثر إصابة دماغيّة أو جلطة، أي أنه حدث مفاجئ، ولم يتطور منذ الطفولة، على عكس عسر الكتابة الذي نناقشه والذي يُكتشف منذ الطفولة. ويعتقد كذلك أن الأطفال المصابين بعسر الكتابة يصابون به كنتيجة لإصابتهم بقصور الانتباه وفرط الحركة [3] [2].

كيف تكتشف أن الطالب مصاب بعسر الكتابة؟

يُعتقد أن الخط السيئ علامة على عسر الكتابة، لكن ليس ذلك بضروري. فقد يكون خط الطالب منمقًا وهو مصاب بعسر الكتابة. لأن –وكما ذكرنا سابقًا- عسر الكتابة هو خلل في عامل أو أكثر من عوامل عملية الكتابة. ولتشخيص سليم، يتم تشخيص هذا العسر من قبل طبيب نفسي متخصص في صعوبات التعلم، أو بمساعدة المهنيين والمتخصصين التربويين والمعلمين كذلك. إذ يُستدل على عسر الكتابة من التقارير المدرسية، والواجبات الكتابية، بالإضافة إلى تفاصيل نمو الطالب المصاب.

بعد ذلك يجري الطبيب أو المختص اختبارات عسر الكتابة، وتتضمن قسمًا للكتابة مثل نسخ جمل أو الإجابة على أسئلة كتابية موجزة، بالإضافة إلى مكون حركي دقيق يختبر ردود أفعال الفرد وسرعة حركته. وخلال كل ذلك يعمل اختصاصيو التشخيص على فهم كل من جودة الكتابة وإلى أي مدى ينظم المريض الأفكار وينقلها، بالإضافة إلى عملية الكتابة في حد ذاتها وفيما إذا كانت الكتابة مؤلمة أم لا  [4] [3].

علاج عسر الكتابة

ليس هناك علاج دوائي أو نفسي لهذا العسر، ولكن يجد بعض الأشخاص الذين بدأوا رحلة العلاج مبكرًا بعض الطرق التي تمكنهم من التعايش مع هذا العسر. ويتلقى المصابون بعسر الكتابة تدريبًا متخصصًا في كل المهارات التي تساعد في عملية الكتابة. فمثلًا، يتلقى المصابون العلاج المهني (بالإنجليزيّة: Occupational Therapy) ليساعدهم في تعلّم أوضاع للكتابة مناسبة لليد والجسم. بالإضافة إلى تدريب بدني لتحسين قوّة اليد وتقوية عضلاتها، وبناء مهارات حركيّة قد تجعل الكتابة أقلّ إجهادًا أو ألمًا وتخفف تقلصات العضلات [3].

كيف للمعلم أن يتعامل مع عسر الكتابة؟

تقسيم المهام الكبيرة لعدة مهام أصغر

تعد هذه الاستراتيجية فعالة جدًا في عملية الكتابة، إذ يشعر الطالب أنه مُحفّزٌ لإنهاء أول مهمة وللانتقال لأخرى. وتسمى هذه الاستراتيجية بالإنجليزية (POWER) [5]، حيث تمثل أول حرف من اسم كل مرحلة، وهي كالآتي:

P: Prepare

 أي حضّر. يعد العصف الذهني مفيدًا للطلاب، إذ يوجههم حول الهدف. وبالطبع، لا تتطلب هذه المرحلة عملًا كتابيًا شاقًا. فيمكنهم مثلًا رسم أفكارهم في خريطة ذهنية، أو في صورة رموز دودلية. وهذا التنظيم البصري يضاهي التنظيم الكتابي التقليدي. بل وكذلك يساعدهم في تحديد العلاقات بين المفاهيم؛ مما يساعد بدوره في تحسين مهاراتهم في شرح نقاط التواصل والالتقاء بسهولة ومرونة ويسر.

ويمكنكم مساعدتهم بالحصول على هذه الخرائط الذهنية من هذه المواقع:

O: Organize

 أي حدد. يحدد الطالب من بين تلك الأفكار ما يريد العمل عليه؛ فلا يتشتت بين الكتابة والتفكير. فيقرر خطة سير مناقشة هذه الأفكار وترتيبها. وكماذكرنا، يمكن أن تساعدهم الخرائط الذهنية على معرفة بداية الحلقة وآخرها. وباستخدام الصور الرمزية، يمكن أن تساعدهم بصورة لساندوتش هامبورجر مثلًا. فيكون الخبز من أعلى هو مقدمة عن المفهوم، أما عن المحتوى في المنتصف فهو البرجر والخس والجبن وهي شرح المفهوم والأمثلة التي تدعمه، ثم الخبز في آخر الساندوتش هو الخاتمة. ولمساعدة الطالب في تحديد خطة سير عملية الكتابة، دعه يخط أفكاره في صورة هذا الشكل.

W: Write

 أي اكتب. وهنا تأتي مرحلة الكتابة الفعلية. ويمكن للمعلم أن يمنح الطلاب المصابين وقتًا أطول في إنهاء المهمة الكتابية.

E: Edit

 أي عدّل. وهذه مرحلة التعديل وإيجاد الأخطاء. وهنا يركّز الطالب على ما فاته، إذا أضاف أو حذف حرفًا أو كلمة أو جملة، أو إذا ما تهجى كلمة بطريقة خاطئة.

R: Revise

 أي راجع. ينقل ما كتبه وراجعه في نسخته النهائية المعدلة.

  1. على المعلم أن ينوّع من طرق أداء الواجبات المنزلية، فمثلًا يجيب الطالب عن السؤال في فيديو مسجّل، أو شفهيًا. وذلك بتطبيقه لكل استراتيجيات التدرج والتعاقب المنطقي للأفكار بالإضافة إلى شرح الأفكار ودعمها، وهي نفس طريقة الكتابة.
  1. يمكن أن يسمح المعلم للطالب باستخدام تقنيات تحويل الصوت إلى نص، فلا يبقى على الطالب إلا التعديل والمراجعة لتسليم النسخة النهائية.
  2. على المعلم أن يمدح الخطوات الصغيرة التي ينجزها الطالب. فقد عانى الطالب حتى ينجز هذه الخطوة. ويشير ميل لافين لهذه العميلة بما يسميه «نزع الوهم» (بالإنجليزية : Dymestification). إذ يركز المعلم على نقاط القوة في مرحلة الضعف. فمثلًا، في حالة صديقنا بالأعلى، نرى أنه يعلم مشكلته جيدًا، وقد يشير بشكل غير مباشر إلى الحل وأسلوب تعلمه، بالرغم من كل التحديات التي يواجهها [5].
  1. بعد أن تذكر محاسنه ونقاط قوته، يكون الطالب مستعدًا لتلقي النقد، وهنا يأتي دور المعلم التوجيهي. فيستطيع أن يبرز بعض النقاط التي تحتاج لتحسين وبعض من هذه التعليقات تكون على شاكلة:
  • «أعجبني كثيرًا تدرجك الدقيق والمفصل للأفكار. كان ذلك منطقيًا. ولكن ما رأيك بالخاتمة؟ ترى هل ينقصها شيء؟ ما هو؟ أتعتقد أن الخاتمة ينقصها بعض النقاط التي ذكرتها؟»
  • «أحببت وصفك للجو العام على الشاطئ، بدءًا من الرمال، والبحر، وانتهاءًا بأصوات النورس والأمواج. ولكن ماذا عن إحساسك أنت؟ ماذا عما فعلته مع أسرتك في الإجازة؟ أتستطيع أن تخبرني بعض الأنشطة؟»
  1. على المعلم أن يتزن في نقده، فلا يكثر في ذكر كل الأخطاء. فلن يستطيع الطالب إصلاح كل شيء مرة واحدة على أي حال.
  1. على المعلم أن يمنح الطلاب المصابين بعسر الكتابة وقتا إضافيا في المهام الكتابية.

قد يحتاج الطالب المصاب بعسر الكتابة إلى:

  • استخدام أقلام ذات أحجام أكبر لتملأ فراغ أصبعيه، ولتقلل التقلصات في اليد.
  • استخدام أوراق ذات خطوط بارزة للمساعدة في تحديد الهوامش.
  • تدريبات على الخط إذا كان خطه سيئًا أو حروفه متباينة الحجم وغير مقروءة.

خلاصة

ونهاية، وكما قال جوردن شيرمان، الرئيس الأسبق للجمعية العالمية لعسر القراءة، وأستاذ علم الأعصاب بكلية الطب في جامعة هارفرد: «أدمغتنا مختلفة، وكل دماغ يعالج المعلومات بطريقة مختلفة كذلك». وهذا هو سبب الاختلافات في التعلم. قد ينتج عن ذلك أن يواجه بعض الطلاب صعوبات في الصف الدراسي، لأنه ليس هناك ما يُسمى العقل الكامل والمثالي. فالتسليم بأن كل فرد يعالج المعلومات بشكل مختلف هو المفتاح لفهم الاختلافات الأساسية في التعلم. يوؤكد شيرمان أن الاختلافات في التعلم ليست إعاقات، بل إن بيئة التعلم الخاصة بالفرد هي التي تجعل من الاختلافات في التعلم «صعوبات».

ويودعنا صديقنا قائلًا: «أعلم أن تفكيري مختلف عن الآخرين. في كثير من الأحيان، يضعني وجود نمط تفكير مختلف في تحدٍ وهو بالتأكيد ما يضطرني إلى العمل بجدية أكبر. وفي أحيان أخرى، يكون الاختلاف مثل الحصول على هدية. العمل مع الالكترونيات هو واحدة من العديد من الهدايا الرائعة، وهذه هديتي…».

المصادر:

  1. Richards, R. (2008). A Student’s Perspective on Writing.
  2. Dysgraphia
  3. Adi-Japha E, Landau YE, Frenkel L, et al. ADHD and dysgraphia: Underlying Mechanisms. 
  4. International Dyslexia Association
  5. Dysgraphia: A Student’s Perspective on Writing | Reading Rockets

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


علم نفس تعليم

User Avatar

إيمان البحيري

مدرس ومحاضر لغة إنجليزية بمدينة زويل، شغوفة بالتدريس، واللغات، والتصوير الفوتوغرافي.


عدد مقالات الكاتب : 20
الملف الشخصي للكاتب :

شارك في الإعداد :
تدقيق لغوي : Chaimaebellahsaouia

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق