Ad
هذه المقالة هي الجزء 13 من 18 في سلسلة مقدمة في التدريس للبالغين

في عام 1997، أجرى سوجاتا ميتري، بروفيسور هندي في تقنية التعليم في كلية التربية والاتصال وعلوم اللغة في جامعة نيوكاسل بإنجلترا، تجربة فريدة من نوعها أطلق عليها اسم «الفتحة التي في الجدار» (بالإنجليزية: The Hole In the Wall).

وجرت التجربة كالتالي: إذ وضع جهاز كمبيوتر بداخل جدار، وكان على ارتفاع منخفض، فقط بما يناسب طول الأطفال. ولم يلبث حتى زحف الأطفال لهذا الشيء المثبت بالجدار ليلعبوا به، مع أنه لم يكن باللغة الهندية أصلًا، بل ولم يكونوا أطفال أغنياء، فقد كانوا أطفال حي فقير في نيودلهي. [2][1] ومن المفاجئ أنه لم يمر الكثير من الوقت حتى كانت مجموعات الأطفال قادرة على التحكم بشكل كامل في هذه الأجهزة، بل وثبتوا عليه برامج حماية من الفيروسات! ولم يحتاجوا حتى إلى معلم ليملي عليهم التعليمات قائلًا: “أولًا، اضغط على الزر الأحمر.” لقد فعلوا ذلك من جراء أنفسهم، دون تدخل أو إملاء.

وخلصت هذه التجربة إلى حقيقة أن معظم نتائج التعلم ليست نتيجة للتدريس قدر ما أنها نتيجة المشاركة الفعالة في بيئة ذات هدف ومعنى. وهو ما بالضبط ما تهدف إليه استراتيجية التعلم القائم على المشكلات. [3][2][1]

تعريف

التعلم القائم على المشكلات (بالإنجليزية: Probelm-based Learning، ويختصر: PBL)هو نهج تعليمي يركز على الطالب، ويؤكد على أهمية مهارات حل المشكلات والتفكير النقدي والتعاون. في هذا النهج، يعمل الطلاب في مجموعات صغيرة لحل مشاكل واقعية، كثيرًا ما تكون مستمدة من تجاربهم أو اهتماماتهم. تدعو هذه الاستراتيجية المعلمين لإثارة فضول الطلاب عبر بعض الأسئلة المفتوحة وباستخدام بعض الأدوات ليصلوا إلى الإجابات بأنفسهم بالتفسيرات التي يرونها مناسبة. وتسمى الأسلوب العلمي في التفكير، وتتم عبر إثارة تفكير الطلاب إزاء مشكلة ما (تكون مناسبة لمستواهم، وذات صلة بموضوع الدرس، وبمعيشهم) لا يستطيعون حلها بسهولة، بل بالبحث واستكشاف الحقائق المؤدية إلى الحل. يسير هذا النهج في سبع خطوات:

  • الخطوة الأولى: استكشاف الموضوع

يجمع الطلاب المعلومات اللازمة حيث يتعلمون المفاهيم والمبادئ والمهارات الجديدة حول الموضوع المقترح.

  • الخطوة الثانية: مشاركة خبراتهم

يقوم الطلاب فرديًا وفي مجموعات بمشاركة ما يعرفونه بالفعل عن العناصر المتاحة ويقومون باستطلاع المجالات التي يفتقرون فيها للمعلومات.

  • الخطوة الثالثة: تعريف المشكلة

يضع الطلاب المشكلة في سياق يشمل المعطيات والمعلومات التي يتوقع الطلاب تعلمها.

  • الخطوة الرابعة: البحث

يبحث الطلاب عن الموارد والمعلومات التي ستساعد على بناء حجة مقنعة.

  • الخطوة الخامسة: استكشاف الحلول

يأتي الطلاب بعدة إجراءات وحلول ممكنة للمشكلة، ثم تبدأ المجموعات صياغة واختبار الفرضيات المحتملة.

  • الخطوة السادسة: تقديم ودعم الحل المختار

يعرض الطلاب الحل النهائي بوضوح بما يدعم استنتاجهم بالمعلومات والأدلة ذات الصلة.

  • الخطوة السابعة: مراجعة الأداء

غالبًا ما يتم نسيان هذه الخطوة، ولكنها خطوة شديدة الأهمية في تحسين مهارات حل المشكلات. يجب على الطلاب تقييم أدائهم وتخطيط التحسينات للمشكلة التالية.

 ولهذه الاستراتيجية العديد من الفوائد، نسرد منها التالي. [5][3]

فوائد استراتيجية التعلم القائم على المشكلات

تؤكد هذه الاستراتيجية على أهمية مهارات حل المشكلات والتفكير النقدي. فبدلاً من مجرد حفظ الحقائق أو الصيغ، يتم تقديم مشكلات حقيقية أو سيناريوهات للطلاب ويتم تحديهم لتحديد الحلول الممكنة من خلال البحث والتعاون مع زملائهم. [5][4][3]

تطوير المهارات النقدية وحل المشكلات

يتعلم الطلاب من خلال العمل على حل المشكلات الحقيقية والمعقدة كيفية تحليل البيانات وتقييم وجهات النظر المختلفة وتحديد الحلول الممكنة. هذه المهارات التي تحظى باهتمام كبير في سوق العمل الحالي، ويمكن أن تساعد الطلاب على النجاح في مجموعة واسعة من المهن. من خلال العمل على حل المشكلات الحقيقية، يتعلم الطلاب كيفية تحليل المشكلات وتقييم الحلول الممكنة واتخاذ القرارات بناءً على الأدلة. وقد أثبت هذا النهج تحسين قدرات الطلاب على التفكير النقدي والإبداعي. [3]

التعلم العميق

يساعد هذا النهج الطلاب لتطوير فهم أعمق للموضوع، بالإضافة لفهم العلاقات بين عناصر المشكلة، ويعدّهم لمواجهة التحديات التي سوف يواجهونها في حياتهم المهنية. وبالتالي، فإن الفصل دراسي يعكس ما يحتاجه المجتمع. [7]

تطوير المهارات الاجتماعية

خلال هذه العملية وبينما يبحث الجميع عن حل المشكلة، يتواصل الطلاب مع زملائهم ويشاركون خبراتهم ومعلوماتهم عن المشكلة [7]، ويتعلمون مهارات العمل في فريق، والاستماع إلى الرأي الآخر وتقبله، والدفاع عن وجهة نظر معينة وإقناع الآخرين بها، بالإضافة إلى مهارات الحوار والنقاش. [5] [4] [3]

يعزز التعلم النشط

يشارك الطلاب بنشاط في عملية التعلم من خلال العمل على حل مشكلة أو إكمال مشروع، بدلاً من مجرد الاستماع إلى محاضرة المعلم حول موضوع معين، يساعد هذا النهج على الحفاظ على تشجيع الطلاب وتحفيزهم، مما يؤدي بدوره إلى تحقيق نتائج أفضل في التعلم. [7]

تطوير شخصية ذاتية مستقلة

يعزز التعلم القائم على المشكلات التعلم الذاتي؛ وما هو ما يبنى بدوره طالبًا مستقلًا لا يحتاج للمعلم في كل خطوة، بل يجعله قادرًا على تحديد الأفضل من ضمن الخيارات المطروحة. من خلال العمل على حل المشكلات الحقيقية، يتعلم الطلاب كيفية تحديد احتياجاتهم التعليمية الخاصة وتحمل مسؤولية تعلمهم. وقد أثبت هذا النهج تحسين قدرات الطلاب على التعلم بشكل مستقل والتكيف مع المواقف الجديدة. [7]

ومع كل هذه المميزات لاستراتيجية التعلم القائم على المشكلات، فإنها بالطبع ليست بالاستراتيجية المثلى، وتواجه الكثير من التحديات.

تحديات استراتيجية التعلم القائم على المشكلات

  1. تغير هذه الاستراتيجية من دور المعلم التقليدي وتحصر مسؤولياته فقط في التيسير والإرشاد؛ مما قد يجعل من الصعب على المتعلم السلطوي تصديق زملائه أو الوثوق فيما يصل إليه الفريق.
  2. قد يمثل التعلم القائم على المشكلات تحديًا للمعلمين كذلك. إذ يتطلب ذلك كمًا كبيرًا من التحضير التخطيط والإعداد، وكذلك استعداد لتنازل عن بعض الإدارة عملية التعلم وإعطاء الكثير من الصلاحيات للطلاب. كما يتطلب مستوى معينًا من الراحة مع عدم اليقين، حيث يمكن للطلاب أن يأتوا بحلول غير متوقعة أو خارج خطة المعلم الأولية.
  3. صعوبة تدريب الميسرين وندرة هيئة التدريس ذات المهارات في التيسير بدلاً من مهارات التدريس التقليدي[6].
  4. طول الوقت الذي يلزم للمتدربين للمشاركة الكاملة في حل المشكلات. وقد شكل هذا مشكلة خاصة بالنسبة لأعضاء هيئة التدريس والمتدربين الذين يتم طلبهم لتعلم وتدريس ضمن مناهج مكدسة. [6]
  5. المعرفة المكتسبة من هذه الاستراتيجية أقل تنظيمًا من المعرفة المكتسبة من نظيرتها في التعلم التقليدي [6].
  6. قد يطلب هذا النهج الكثير من التعديلات للمناهج المقدمة. [7]
  7. قد يكون تطبيق هذه الاستراتيجية صعبًا في ثقافات تعتمد على النهج التقليدي المركز على المعلم. في هذه الثقافات، قد يشعر الطلاب بعدم الارتياح لفكرة تحمل المسؤولية عن تعلمهم الخاص أو العمل بشكل مشترك مع زملائهم. [10]

وأخيرًا، وعلى الرغم من تحدياته، يعد التعلم القائم على المشكلات نهجًا قويًا للتعلم يعزز التعلم النشط والتفكير النقدي والتعلم بشكل عميق ومستقل. وبالعمل على حل المشكلات الحقيقية، يتعلم الطلاب كيفية تحليل المشكلات وتقييم الحلول الممكنة واتخاذ القرارات بناءً على الأدلة. ومع ذلك، يتطلب تطبيق التعلم القائم على المشكلات كمًا كبيرًا من الوقت والموارد، ويمكن أن يكون صعبًا في ثقافات تعتمد على النهج التقليدي المركز على المعلم. ومع ذلك، بالتخطيط والتنفيذ الدقيقين، يمكن أن يحول التعلم القائم على المشكلات التعليم ويعد الطلاب لمواجهة تحديات العالم الحديث ويجعل منه تجربة ممتعة وشيقة يكون مركزها الطالب.

المراجع

  1. Sugata Mitra – The Hole in the Wall and Beyond
  2. Sugata Mitra & The Hole In the Wall – 2013 TED Prize winner
  3. The Power of Problem-Based Learning
  4. The power of problem-based learning in developing critical thinking skills: Preparing students for tomorrow’s digital futures in today’s classrooms
  5. Solving problems with group work in problem-based learning: hold on to the philosophy
  6. Problem-based Learning: Description, Advantages, Disadvantages, Scenarios and Facilitation
  7. Advantages and disadvantages of problem-based learning from the professional perspective of medical and dental faculty
  8. The Pros and Cons of Problem-Based Learning from the Teacher’s Standpoint
  9. The Pros and Cons of Problem-Based Learning from the Teacherâ•Žs Standpoint
  10. The Effectiveness of Problem based Learning Strategy in Developing Scientific Curiosity for Primary School Pupils in Science

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


تعليم

User Avatar

إيمان البحيري

مدرس ومحاضر لغة إنجليزية بمدينة زويل، شغوفة بالتدريس، واللغات، والتصوير الفوتوغرافي.


عدد مقالات الكاتب : 20
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق