خرافة أساليب التعلم
تناولنا سابقًا أساليب التعلم المعرفية الحسية، كما تناولنا نموذج نولز لأساليب التعلم الشخصية. ويبقى السؤال، كم نموذج تعرف من نماذج أساليب التعلم؟ اثنين؟ ثلاثة؟ عشرة؟ يفاجئنا تطور نظرية أساليب التعلم بتقديم ما يتعدى أكثر من سبعين نموذجًا يفسر نظريات أساليب التعلم المعرفية منها والشخصية. وكمعلمين، نتساءل دائمًا: إلى أي مدى يشكل هذا فارقًا في الدرس؟ وبالطبع نتطرق إلى أن الموضوع نسبي تمامًا، فالفيزياء والكيمياء تجرّب تطبيقيًا، واللغات تحاضر نظريًا. وهو بالضبط ما يشكل الفارق. ولذلك نسأل، هل أساليب التعلم حقيقة أم خرافة؟ نقدم في هذا المقال 5 أسباب دليلًا على أنها خرافة.
محتويات المقال :
بالرغم من تعدد الأبحاث والدراسات المنشورة في هذا الصدد، إلا أن هناك العديد منها كذلك يدحض هذه النظرية. مثل الدراسة التجريبية التي أجراها لورا ماسا ووريتشارد مايور، أساتذة بقسم علم النفس بجامعة كاليفورنيا. وتكونت التجربة من ثلاث مجموعات، دُرّست مجموعتين بنفس أسلوب التعلم، والثالثة تنوعت في تدريسها أساليب التعلم؛ ووجد أن كلتا المجموعتين ذوات أسلوب التعلم المنفرد حققتا أداءً أفضل من تلك المجموعة التي تنوعت فيها أساليب التعلم [1].
وهذا منطقي تمامًا، لأن كل منا فريد في ذاته؛ ولا تعتمد الطريقة المثلى لتعلمنا على تفضيلاتنا الفردية، بل على طبيعة ما نتعلم. فقط تخيل تعلم النحو بالصور لأنك متعلم بصري! أو الكيمياء بالمحاضرة الكلامية لأنك متعلم سمعي!
في مراجعة لنظريات أساليب التعلم نشرت في مجلة علم النفس التربوي (بالإنجليزية: Educational Psychology) في مقال بعنوان «أساليب التعلم: نظريات، ونماذج، وطرق القياس»، ذكر سيمون كاسيدي، أستاذ بجامعة سالفورد بالمملكة المتحدة، 71 نموذجًا لأساليب التعلم [2]. وقد شرح كل من بول كريشنر وجيروين مرينبوير، أساتذة التعليم والتطوير التربوي بجامعة ماسترخيت بهولندا المشكلة المشتركة بين كل نماذج أساليب التعلم في مقالة بعنوان «هل المتعلم فعلًا أدرى؟ –أساطير الحضر في التعليم»[3]. وقد وضحا قائلين أنه إذا نظرنا إلى كل أسلوب تعلم على أنه ثنائي متناظر (مثل البصري مقابل السمعي، أو الحركي مقابل القرائي والكتابي) فهذا يعني أن هناك 2 أس 71 (271) مجموعة من أساليب التعلم المحددة – وهو ما يساوي 23,6118324143,4822606848، أي أكثر من عدد الناس على وجه الأرض!
وحتى إذا قبلنا مخططًا معينًا لقياس أساليب التعلم مثل الـVARK، فإن الأدلة تظهر أن الأسئلة الموجودة في الاستبيانات المستخدمة غير موثوقة أصلًا، وأن تفضيلات الأشخاص التي صنفوا بها أنفسهم ذاتيًا لا ترتبط بالضرورة ارتباطًا وثيقًا بأدائهم الفعلي. فيعتقد المتعلم أنه متعلم سمعي مثلًا، ويبين أداؤه أنه متعلم بصري!
وحقيقة، طريقة تعلم الشخص الرياضيات مثلًا وأداؤه فيها لا يرتبط بمدى توافق أسلوب تعلمه مع تدريس المعلم، وإنما يرتبط بأدائه في اختبارات الرياضيات السابقة.
بالحديث عن قطبية مجموعات النماذج هذه –في معظم النماذج- وتقابلها، عادةً ما تكون النماذج كيانات ثنائية القطب (تأملية مقابل اندفاعية، أو عشوائية مقابل تسلسلية) كما ذكرنا، وكما هو الحال في نموذج كولب وغيره. فيشرح دورني هذه المعضلة في كتابه «سيكولوجية متعلم اللغة» قائلًا أن هذه الكيانات تمثل طرفي نقيض لسلسلة واسعة. يتأرجح المتعلم في السلسلة المتصلة بين الطرفين؛ لأن لكل طرف مزايا وعيوب محتملة [4]. وبالرغم من أنه قد يكوّن الأشخاص بعض التفضيلات والميول الجلية في أسلوب التعلم، إلا أن أساليب التعلم ليست أنماطًا ثابتة للسلوك. وبناءً على المواقف والمهام المختلفة، يمكن تعديل هذه التفضيلات والأنماط. ومع ذلك، فإن المدى الذي يمكن للأفراد أن يعدلوا أو يغيروا فيه أساليبهم لتلائم وضعًا معينًا يختلف من شخص لآخر. [5]
يعتقد العديد من الخبراء أن هذه النظرية ليس فقط بالمفهوم المغلوط، بل يعتقدون كذلك أن هذا المفهوم يشكل ضررًا أكثر منه نفعًا. يشرح مقال لليلنفيد وزملاؤه بعنوان «50 خرافة في علم النفس الشعبي» أن اتباع هذا النهج يدفع المعلمين لاستخدام نقاط القوة العقلية -حصرًا- في التدريس، عوضًا عن المفروض وهو معالجة نقاط الضعف. ويلقون بجزء من المسؤولية على الطلاب ويقولون إنه «على الطلاب تعويض نواقصهم ونقاط ضعفهم ومعالجتها بدلًا من محاولة تجنبها» [6].
تمثّل العديد من استبيانات أساليب التعلم والبرامج التدريبية تكلفة كبيرة جدًا. فيكتب روهرر وباشلر في مقالهم بعنوان «أساليب التعلم: أين الدليل؟» أنه بالنظر إلى تكاليف قياس أساليب التعلم –المزعومة- للطلاب، وطرق التدريس التي سيتم تصميمها بما يلائم هذه الأساليب، سيتفاجئ معلمو جميع المراحل بعدم كفاية الأدلة المقدمة لدعم نظرية أساليب التعلم [التي يستهلكون فيها وقتًا وجهدًا] [7].
عزيزي المعلم، قد يشكل هذا المقال منطقًا مقنعًا، وإن كان لديك ما تجيب به عن هذه النقاط؛ فستسعدنا المناقشة في التعليقات. ولكن وقبل إنهاء هذا المقال، فعلينا أن نتفق سويًا على ثلاث نقاط:
عمر ياغي ونوبل الكيمياء.. من تحديات شُحّ المياه إلى ثورة الأطر المعدنية العضوية (MOFs) الحلم…
ضوء كمومي مضغوط فائق السرعة: اختراق علمي يفتح آفاقاً جديدة للاتصالات المشفرة بسرعات "البيتاهرتز" على…
مُنحت جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2025 (Nobel Prize in Physics 2025) لثلاثة من أبرز…
تُعد مملكة دلمون واحدة من أقدم الممالك الحضارية في تاريخ الشرق الأدنى القديم، والتي ازدهرت…
الفرامل الخفية لـ "جيش المناعة": اكتشاف الخلايا التائية التنظيمية يفتح آفاق علاج أمراض المناعة الذاتية…
السواقي المنسية: مصر تُحيي تراث الألفي عام لتوليد الكهرباء النظيفة.. طاقة المستقبل بين جنبات الماضي…