Ad
هذه المقالة هي الجزء 15 من 18 في سلسلة كيف ستغير المدن الذكية من شكل عالمنا؟

تتحول المدن الذكية بسرعة إلى حقيقة واقعة في العديد من أجزاء العالم. وتتبنّى الحكومات والبلديات الفوائد المحتملة المترتّبة على التقنيات المتقدّمة، والبيانات، بهدف تحسين نوعية حياة المواطنين، وتحقيق التنمية الشاملة. بيد أن تطوير وإدارة المدن الذكية ليس بالأمر السهل، ولا يخلو من التحديات. فما هي التحديات التي تواجه الحكومات في إدارة المدن الذكية؟

إدارة المدن الذكية

لا يوجد تعريف محدّد وموحّد حتى الآن للمدينة الذكية، لأنها مفهوم جديد نسبيًا. فتقترح الجهات الفاعلة تعريفاتها الخاصة التي تتناسب مع آلية عملها، بالرغم من ذلك يوجد بعض المبادئ العامة التي تتبعها الحكومات لإدارة المدن الذكية. ومن المهم ملاحظة أن إدارة المدن الذكية هي عملية مستمرّة تتطلّب تكيُّفًا وإبداعًا، وتختلف الاستراتيجيات والنهج المتّبعة من حكومة إلى أخرى. [1]

عمومًا تتبع الحكومات نهجًا لإدارة دورة الحياة الحضرية. يتضمّن تصميم، وصيانة التفاعلات بين الأنظمة الفرعية وذلك لإنشاء نظام بيئي شامل ومستدام داخل المدينة. كما تلعب دورًا حاسمًا كعامل تكامل بين الوظائف المختلفة المكونة للمدينة. فهي تنسّق، وتشرف على تنفيذ مختلف مبادرات المدن الذكية، وتضمن الأداء السلس للأنظمة.[1]

تشارك الحكومات مختلف أصحاب المصلحة في إدارة المدن الذكية بما في ذلك المواطنين، والشركات، والأوساط الأكاديمية. من أجل ضمان مشاركتهم النشطة في تنمية المدينة وقيادتها. وتدخل التقنيات الذكية في أنظمتها مثل الذكاء الاصطناعي AI، وأجهزة الاستشعار، وإنترنت الأشياء IoT. كما تعتمد على تحليل البيانات في صنع القرار، إذ يتمكّن أصحاب القرار بفضل الرؤى المستنيرة للبيانات من تحديد المجالات التي تحتاج إلى تحسين. من ثم تخصيص الموارد على النحو الأمثل، وتقديم الخدمات المطلوبة.[2]

لكن تواجه الحكومات تحديات صعبةً في إدارة المدن الذكية، بسبب العديد من المشكلات التقنية وغير التقنية. نتيجةً لذلك يتعيّن على صنّاع القرار دراسة هذه التحديات من أجل وضع الخطط اللازمة للتغلّب عليها.

تحديات البنية التحتية

يتطلّب التطبيق الفعّال للتقنيات الذكية بنيةً تحتيةً قويةً وموثوقةً، غير أن العديد من المدن تفتقر إلى البنية التحتية المطلوبة. وقد تفتقر إلى الهياكل الأساسية المادية (مثل أجهزة الاستشعار، وشبكات الاتصالات)، أو الهياكل الأساسية المؤسسية (مثل السياسات، واللوائح التنظيمية الداعمة). ويشكّل نقص البنية التحتية تحديًا حقيقيًا للحكومات في إدارة المدن الذكية، إذ تعوق تكامل البيانات الضخمة التي تسهم في تنمية المدينة.[3]

تعتبر المدينة موطنًا لسكان متنوعين ذوي احتياجات وتوقعات مختلفة. مما يجعل من الصعب تصميم وتنفيذ بنية تحتية تلبي احتياجات الجميع، وتوفر فرصًا متكافئةً للحصول على الخدمات الذكية. لذلك تحتاج الحكومات تخطيطًا وتنسيقًا دقيقًا لضمان استفادة الجميع من التقنيات الحديثة بمن فيهم كبار السن، وذوي الاحتياجات الخاصة.[3]

تحديات خصوصية البيانات والأمن

تتعرض إدارة المدن الذكية للعديد من التحديات المتعلّقة بخصوصية البيانات والأمن، لأنها تنطوي على جمع البيانات الحسّاسة، وتخزينها، ومعالجتها. وتولّد المدن الذكية كميةً هائلةً من البيانات من أجهزة مختلفة كالكاميرات، والمستشعرات. وإذا استخدمت هذه البيانات بشكل غير مسؤول، أو مدروس، أو بسوء نيّة فقد تؤدي إلى آثار سلبية مثل انتهاك حقوق الإنسان، والمبادئ الأخلاقية. على سبيل المثال؛ يمكن أن يؤدي خرق البيانات إلى نشر معلومات حساسة كالبيانات الشخصية، والمعلومات المالية، والبيانات التجارية السرية. مما يؤدي إلى سرقة الهوية، أو الاحتيال، وغيرها من الأنشطة الخبيثة. كما يؤدي انتهاك البيانات إلى انتهاك الخصوصية حين تعرض المعلومات الشخصية لأطراف غير مصرح لها. الأمر الذي يسبب فقدان الثقة بنظام المدينة، ويخفض مشاركة المواطنين.[4][5]

يكثر التهديد السيبراني مع زيادة رقمنة المدن مما يخلق مخاوف أمنيةً مختلفةً. حيث يمكن للمخترقين استغلال نقاط الضعف في نظام المدينة لشنّ هجمات إلكترونية على الأجهزة والأنظمة. [4]

تحديات سياسية في إدارة المدن الذكية

تنطوي مشاريع المدن الذكية على نقل الوظائف العامة الحاسمة إلى أنظمة الحاسوب. نتيجةً لذلك من المهم ضمان أن يكون للجمهور رأي في اقتناء البنية التحتية الرقمية، والتحكم بها. بالرغم من ذلك غالبًا ما تُستبعد المنظمات المجتمعية من عمليات اتّخاذ القرار بشأن تنفيذ المدينة الذكية. وقد يؤدي ذلك إلى حدوث توترات سياسية.[6]

إضافةً إلى ذلك، قد تخلق المدينة الذكية تحديًا للأشخاص المستبعدين، بسبب ذلك تتشكّل مشكلة الإدماج الاجتماعي. يعني ذلك أن مشاريع المدن الذكية قد لا تكون متاحةً أو مفيدةً لجميع أفراد المجتمع، ولاسيما أولئك المهمشون، أو المستبعدون. يزيد التوتر بين مختلف الفئات، وتتعقد المشكلات المرتبطة بالإدماج الاجتماعي بسبب الأبعاد الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والثقافية للبلدان. لذلك يحتاج الخبراء إيجاد حلول مصممة خصيصًا لكل نظام ذكي.[7]

تواجه الحكومات كذلك مشكلة الإنصاف الرقمي. ويشير المصطلح إلى أن جميع الأفراد والمجتمعات لديهم إمكانية متساوية للوصول إلى تكنولوجيا المعلومات المطلوبة للمشاركة في الحياة الرقمية. وأبرزت الأبحاث التي أجريت مؤخرًا أن كوفيد-19 يزيد أوجه عدم المساواة القائمة، ويزيد تفاقم الفجوة الاجتماعية ذات الصلّة بالتكنولوجيا. ولا سيما بالنسبة للمجتمعات التي تعاني من العنصرية بما في ذلك المهاجرين الجدد، واللاجئين، والأقليات العرقية. ويعني ذلك أن بعض الناس قد لا يحصلون على التقانة اللازمة للمشاركة في المشاريع الذكية. فيؤدي ذلك إلى حدوث صراع بين أفراد المجتمع. [8]

صعوبة تقبل المواطنين لمبادرات المدن الذكية

تواجه إدارة المدن الذكية عدّة تحديات متعلّقة بتقبل المواطنين، ومشاركتهم بمبادرات المدن الذكية ومنها:

قلّة الفهم

تتمثل إحدى المشكلات في عدم فهم البلديات والقطاعات العامة لمفهوم المدن الذكية بشكل كامل. فينعكس ذلك بدوره على جودة تنفيذ الحلول الذكية. ويرجّح سبب المشكلة لنقص الخبراء القادرين على تقديم حلول شاملة للبلديات. على سبيل المثال؛ وجدت دراسة أجريت في سلوفاكيا، وإيطاليا، ولتوانيا، والدنمارك أن فهم البلديات لفكرة المدينة الذكية كان منخفضًا. ويؤثر ذلك على تقبُّل المواطنين للمدينة الذكية، لأن صانعي القرار لا يفهمون تمامًا آثار تنفيذ الحلول الذكية على بيئتهم. [9]

عدم مشاركة المواطنين

غالبًا ما تحدث مشاركة المواطنين في المدن الذكية من خلال منصات مشاركة مخصصة. حيث يمكن للمواطن عن طريقها التصويت، والمناقشة، وتقديم الأفكار. بالرغم من ذلك ، قد لا تكون المنصات الحالية فعّالةً في إشراك المواطنين إذ قد لا يدركون وجودها، أو قد لا يشعرون بأن مشاركتهم ستحدث فرقًا. وهذا النقص في المشاركة يمكن أن يُصعب على الحكومات إدراك ما يريده المواطن، وقد يؤدي إلى انعدام الثقة بين المواطنين والحكومة. [10]

الإحجام عن خلق القيمة بشكل مشترك

غالبًا ما ينظر المواطنون إلى المراقبة من قبل السلطات على أنها قمعية. بالتالي يظهرون تردّدًا في المشاركة في خلق القيمة من الخدمات الذكية، إذ تحتاج عملية صنع القيمة تعاونًا بين السكان والحكومة معًا. مع ذلك قد لا يكون المواطنون على استعداد للمشاركة في هذه العملية إذا شعروا بأن خصوصياتهم تنتهك. على سبيل المثال؛ إذا استخدمت الحكومة كاميرات لمراقبة الأماكن العامة، ربما يشعر السكان بعدم ارتياح، ولا يكونون على استعداد للمشاركة في المبادرات التي تتطلّب منهم مشاركة معلوماتهم الشخصية.[11]

استياء السكان

يشير ذلك إلى عدم رضى المواطن عن التقنيات الذكية، والعملية الديموقراطية، والتأثير المجتمعي للمدينة الذكية. مثلًا قد يشعر السكان بأن التقانة لا تخدم احتياجاتهم، وأنه لا يجري استشارتهم على النحو الملائم في عملية صنع القرار، وقد يساورهم القلق أيضًا بشأن قضايا الخصوصية. ويمكن أن يؤدي هذا السخط، والاستياء إلى مقاومة تنفيذ مبادرات المدن الذكية.[12] على سبيل المثال؛ خطّطت شركة Sidewalk labs وهي تابعة لشركة Alphabet inc -الشركة الأم لGoogle- مع مؤسسة تنشيط واجهة تورونتو البحرية لإنشاء حي ذكي على الواجهة البحرية للمدينة ويدعى المشروع Sidewalk Toronto. لكن واجه المشروع مشاكل بسبب المخاوف بشأن الخصوصية، وجمع البيانات، والشفافية. وألغي في نهاية المطاف عام 2020. [13]

الاختلافات الثقافية

تؤثر الاختلافات الثقافية على قبول، واعتماد التقانة الذكية في المجتمع ومن المهم النظر في هذه العوامل قبل تنفيذ مبادرات المدن الذكية. على سبيل المثال؛ قد يعزى سبب نجاح الأنظمة الذكية لإدارة النفايات SWMS إلى العديد من العوامل، بما في ذلك الدور الثقافي للمجتمع. حيث ينظر في بعض الثقافات إلى إدارة النفايات على أنها مسؤولية جماعية، ويرجح مشاركة السكان في الأنشطة التي تعزّز النظافة كاليابان. لكن في نفس الوقت، ينظر إلى إدارة النفايات في ثقافة أخرى على أنها مسؤولية فردية، وقد ولا يكون المواطنون على استعداد للمشاركة في الأنشطة التي تتطلّب منهم تغيير سلوكهم. [14]

تحديات التمويل

تعد إدارة المدن الذكية مهمةً مكلفةً للغاية، حيث يلزم تنفيذ بنية تحتية جديدة تعهدًا ماليًا كبيرًا، بالتالي يشكل عقبةً وخصوصًا بالنسبة للبلدان النامية. ويرى الكثيرون أن الاعتماد على الهياكل، والبنى الأساسية القائمة هو المفتاح لمعالجة مشكلة التكلفة، إلا أنها لا تخلو كذلك من صيانة، وتشغيل، ومعالجة مما يجعلها مكلفةً أيضًا.[15]

يعتبر تأمين التمويل مهمةً شاقةً تتطلب حلولًا إبداعيةً لسدّ الفجوة بين رأس المال الأولي الذي تقدّمه الحكومة، والأموال اللازمة لإتمام المشاريع. مثلًا قدّمت بعثة المدن الذكية في الهند تمويلًا لمدن مختلفة على أساس مقترحات مشاريعها. فحصلت كل مدينة على رأس مال أولي من الحكومة لتحويل حوالي 22 مليون يورو إلى المقترحات الواعدة. مع ذلك، تشير التقديرات إلى أن هناك حاجة إلى حوالي 88 مليار يورو على مدى السنوات العشرين المقبلة، أي حوالي 4.5 مليار يورو سنويًا. وبذلك سيشكل تمويل جميع المشاريع تحديًا أمام الحكومة في المقام الأول لأنها تعتمد على الاستثمار الخاص، والشراكات بين القطاعين العام والخاص.[16]

تحديات لا تنتهي

تواجه إدارة المدن الذكية تحديات أخرى كثيرة مثل التنسيق بين القطاع العام والخاص، ونقص القدرة على تنفيذ مبادرات المدن الذكية، وتحديات الخدمات العامة كتقديم خدمات مبتكرة تعالج المشاكل الحضرية الملحّة، وغيرها الكثير أيضًا.

عمومًا لن يتحقّق تعظيم إمكانات المدن الذكية إلا من خلال ثقة المواطنين، جنبًا إلى جنب مع تعاون أصحاب المصلحة الرئيسيين في البلديات والقطاع الخاص. إذ ينبغي على الجهات الفاعلة النظر إلى هذا المشروع باعتباره مشروعًا طويل الأجل بدلًا من التعامل مع الحاجات الملحة، والحلول قصيرة الأمد.

المصادر

  1. SSRN
  2. Semantic scholar
  3. Emerald insight
  4. Semantic scholar
  5. Semantic scholar
  6. ACM digital library
  7. AIS eLibrary
  8. National library of medicine
  9. MDPI
  10. Science direct
  11. Emerald insight
  12. Science direct
  13. Frontiers
  14. international journals of industry & sustainable development
  15. Semantic scholar

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


هندسة عمارة

User Avatar

Julie Youssef

مهندسة معمارية، أحب الرسم والقراءة


عدد مقالات الكاتب : 54
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق