Ad
هذه المقالة هي الجزء 17 من 18 في سلسلة كيف ستغير المدن الذكية من شكل عالمنا؟

يعد النمو السريع للمدن المصدر الأساسي للقضايا الحضرية، بسبب الضغط الإضافي على البنية التحتية، والموارد الطبيعية. نتيجةً لذلك تشكّل التنمية المستدامة للمدن، وتوفير الموارد الكافية للمواطنين تحدّيًا حقيقيًا للحكومات. بالتالي تسعى المدن اليوم لإدخال نهج جديدة وإنشاء مدن خضراء، ومدن مستدامة، ومدن خالية من الكربون، ومدن ذكية من أجل إحداث ثورة في استخدام الموارد الطبيعية ومعالجة مشاكل التحضر. وتدمج المدينة الذكية أحدث التقنيات للتغلّب على التحديات الحضرية، وتحقيق التنمية، وتحسين نوعية حياة المواطنين. ورغم الفوائد الكثيرة التي تقدّمها إلّا أنها لا تخلو من مخاطر يجب إدارتها لتحقيق الفائدة القصوى. لنتعرف سويًا على فوائد ومخاطر المدن الذكية.

مفهوم المدينة الذكية

أدخل مفهوم المدينة الذكية لأوّل مرّة في تسعينيات القرن ال20 ويتغير تعريفها باستمرار منذ ذلك الحين. وبالرغم من عدم وجود تعريف شامل وواضح لها، إلّا أنها تشترك في خصائص محددة. وتعد العوامل التقنية، والبشرية، والمؤسّساتية من مكوّناتها الأساسية.[1] ويقصد بالعامل المؤسّساتي أنظمة الحكم والسياسات والتنظيمات.

العوامل الأساسية للمدن الذكية

حدد باحثون وجود نوعين من المدن الذكية، أحدهما يعتمد على كثافة البنية التحتية الموجهة نحو التقنيات الذكية مثل سول في كوريا الجنوبية، وسانتا ندير (شنت أندر) في إسبانيا. والنوع الآخر هو مدينة موجهة للمواطن مثل مونتريال في كندا، وأمستردام في هولندا.[2]

وتشترك المدن الذكية عمومًا في سمات رئيسية مثل إدماج التقنية الرقمية في المناطق الحضرية، وإشراك السكان في صنع السياسات. إضافةً إلى التركيز على الاستدامة البيئية، والاعتماد على تنظيم المشاريع ورأس المال البشري لتحقيق التنمية الحضرية.[3]

نهج تطوير المدن الذكية

يجري حاليًا تنفيذ 250 مشورعًا لتنمية المدن الذكية في 178 مدينة في جميع أنحاء العالم.[4] ويوجد نهجان رئيسيان لتطوير المدن الذكية، وهما إما تطوير مدن ذكية جديدة، أو تحويل مدن تقليدية. يتلخص النهج الأول في إنشاء مدينة ذكية جديدة من الصفر على أرض خالية، ومن أشهر الأمثلة على ذلك سونغدو في كوريا الجنوبية، ومصدر في الإمارات العربية المتحدة. على سبيل المثال؛ لا يوجد في سونغدو صناديق قمامة لمخلفات الطعام، أو شاحنات لنقلها على الطرق، إذ تنقل جميع نفايات الطعام من المطابخ مباشرةً إلى مركز معالجة نفايات الطعام دون ترك أي آثار غير صديقة للبيئة. أما مدينة مصدر فتعتمد على موارد طبيعية كالشمس، والرياح لتوليد الطاقة. [5][6][7]

بينما يُعتمد النهج الثاني بشكل أكثر، ويتمثّل بترقية مدينة تقليدية قائمة وتحويلها إلى مدينة ذكية، مثل سنغافورة، وبرشلونة. على سبيل المثال؛ وضعت برشلونة أجهزة استشعار تحت سطح الطرق لإظهار أماكن وقوف السيارات الفارغة للسائقين عبر تطبيق على الهاتف. وطوّرت سنغافورة منصّةً تضمّ جميع الخدمات الحكومية المقدّمة من إدارات مختلفة في تطبيق واحد على الهاتف.[5][6][7]

فوائد وإيجابيات كثيرة

تقدّم المدن الذكية فوائد ومزايا متنوعةً ومنها:

  • تتيح البيانات الآنية المجموعة عن طريق شبكات الاستشعار اتّخاذ قرارات مستنيرة وأكثر فعاليةً.
  • تساعد أدوات التعاون مثل تطبيقات الهاتف المحمول، وبوابات الإنترنت المواطنين على تقديم آرائهم مباشرةً إلى الحكومة، مما يحسن مشاركتهم في اتّخاذ القرارات.
  • تعزّز تقنيات أخرى الأمن، مثل كاميرات المراقبة، والتعرُّف على لوحات أرقام السيارات، وأجهزة الكشف عن الطلقات، فتوفر مكانًا أكثر أمانًا للمجتمعات المحلّية.
  • ترصد أجهزة الاستشعار نوعية الهواء والماء، وتجمع الأجهزة الذكية النفايات مما يقلّل من الآثار الضارّة على البيئة.[5][6][7]
  • تساعد الطائرات بدون طيار في الاستجابة للكوارث الطبيعية.
  • يدخل كل من تعلم الآلة والخوارزميات في تطوير التنقل الذكي وصناعة المركبات ذاتية القيادة.
  • يطوّر الذكاء الاصطناعي AI والروبوتات الرعاية الصحية الذكية في المدن.

أضرار التقنيات الذكية

تتيح التقنيات المتقدّمة فرصًا رائعةً، لكن قد يطرح إدماجها في النظام الحضري مخاطر وقضايا جديدةً، مثل عدم المساواة في الوصول إلى البيانات. ويشكّل ارتفاع تكاليف التقنيات، وتنفيذها، وصيانتها مشكلةً، فضلًا عن لزوم وجود أشخاص ذوي خبرة ومؤهلين للتعامل معها. كذلك قد تشكّل الهجمات السيبرانية المحتملة، وانتهاك خصوصية الأفراد أخطارًا أمنيةً شديدةً.[8]

نتيجةً لكل ذلك، قد يشكّل تحويل نظام حضري راسخ إلى مدينة ذكية تغييرًا معقّدًا وجوهريًا. بالتالي تتطلّب معالجة هذه المسألة وضع خطط قوية تتضمّن إطارًا صارمًا لإدارة المخاطر. بالطبع ستكفل دراسة المخاطر وإدارتها في مرحلة التخطيط مرونة المدن الذكية للأجل الطويل.[8][9]

تصنيف مخاطر المدن الذكية

كتب الخبراء أوراقًا بحثيةً هائلةً حول فوائد المدن الذكية، بالرغم من ذلك لم يقدّموا دراسات شاملةً وفعليةً بشأن المخاطر التي تواجهها. لذلك لم يحدّد الباحثون هذه المخاطر لفهمها ودراستها على نحو تفصيلي.[10] وقام باحثون بمراجعة العديد من الدراسات لتحديد نشوء وتصنيفات المخاطر الناشئة على مدى العقدين الماضيين، وجمعوا 85 دراسةً متعلقةً بمخاطر المدن الذكية لتحليلهم. من ثم حددوا وجود 3 أنواع للمخاطر، وهي مخاطر تقنية، وتنظيمية، واجتماعية.

بيّنت الدراسة أن المخاطر التقنية هي الموضوع الأكثر بحثًا. على سبيل المثال؛ فشل النظام، أو اختراق البيانات، أو الهجمات السيبرانية.[11] في حين كانت المخاطر الاجتماعية المجال الأقلّ دراسةً، مثل فقدان الخصوصية نتيجة المراقبة المستمرة، أو عدم المساواة في حال لم تتاح التقنيات لجميع المواطنين. علاوةً على ذلك، وجدت بعض المخاطر التي تنتمي إلى أكثر من مجال واحد، لذلك صُنّفت في أقسام متداخلة. مثل مخاطر المسؤولية الاجتماعية للشركات، ومخاطر التحوّل الرقمي، والمخاطر الاجتماعية-التقنية. من بين هذه الفئات كانت المخاطر الاجتماعية-التقنية هي الموضوع الأكثر تكرارًا، ومن الأمثلة عليها طرد العمال وفقدانهم لوظائفهم بسبب الأتمتة.

يمكن اكتشاف التحدّيات الفنية والتقنية أثناء التنفيذ، لكن تستغرق التأثيرات الاجتماعية وقتًا أطول لكي تظهر في المجتمعات. بسبب ذلك لم تبرز المخاطر الاجتماعية بعد كمسألة حرجة على مدى فترات طويلة. بالتالي لم تدرس بنفس التواتر الذي درست به المخاطر التقنية، لكن هذا لا يعني أن لها أهميةً تقلُّ عن غيرها من المخاطر.[12]

الدراسات المتعلقة بالمخاطر

نشر أول مقال عن مخاطر المدن الذكية عام 2000، من ثم لم تنشر أي ورقة بحثية حول هذا الموضوع بين عامي 2000-2010. ولم يهتم سوى عدد قليل من العلماء بالمخاطر المرتبطة بالمدن الذكية حتى عام 2010. ويرجح سبب ذلك إلى أن ظهور آثار أي تغيُّر في النظام الحضري يستغرق وقتًا طويلًا.[13] إضافةً إلى ذلك، فإن تاريخ إنشاء مجال المدن الذكية كمجال علمي جديد يعود إلى عام 2009، لذلك تأجّلت دراسة المجالات التابعة له مثل إدارة المخاطر.[14]

تمتلك المملكة المتحدة UK أكبر عدد من الدراسات المتعلّقة بالمخاطر. وهي نتيجة متوقعة لأنها تمتلك أيضًا أكبر عدد من المدن الذكية بين البلدان الأوروبية.[15]

تمتلك إيطاليا أكبر عدد من الأبحاث حول المخاطر الاجتماعية إضافةً إلى المملكة المتحدة UK. لأن المواطنين الإيطاليين يشاركون بنشاط في إدارة المدن، وعمليات صنع القرار. أيضًا لأنهم يستعملون تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ICT لتحسين نوعية حياة السكان، وحل المشاكل الاجتماعية. كما نفّذت الحكومة برامج مختلفةً للحد من الأضرار الاجتماعية في مدنهم.[15]

سيف ذو حدين

رأينا في مقالات سابقة كيف تُحدث المدن الذكية ثورةً في أسلوب حياتنا، بما تجلبه معها من مزايا وفوائد لا تعد ولا تحصى. من ناحية أخرى ترتبط بها مخاطر، وتحديات، ومشكلات أخلاقية تنغص مستقبل تطبيقاتها. فيظهر لدينا تساؤل؛ هل ينبغي علينا أن نحتضن المدن الذكية، أو نرفضها؟

الجواب ليس بسيطًا، فبين الفوائد والمخاطر التي يجب النظر فيها هناك نقطة واضحة وهي أننا لا نملك ترف تجاهل إمكانات تطبيقات المدن الذكية. بالتالي يتعيّن علينا أن نجد سبلًا للتخفيف من للأضرار وتعظيم الإيجابيات.

في نهاية المطاف، يعد الفرد منطلق المدن الذكية، وغايتها. فلا تستطيع أي مدينة النجاح دون وجود أفراد واعيين، ومسؤولين يدركون أهمية النقاش، والتفاعل، والثقة، والشفافية لضمان استخدام بياناتنا بشكل مسؤول، وحماية خصوصيتنا. بذلك نستطيع أن نجعل مدينتنا مستدامةً، وصالحةً للعيش. ويمكنها أن تساعدنا بدورها في بناء مستقبل أفضل لنا ولأولادنا من بعدنا.

المصادر

  1. Research Gate
  2. IEEE
  3. Science direct
  4. Science direct
  5. Research Gate
  6. Research Gate
  7. Science direct
  8. George Mason university
  9. Science direct
  10. Science direct
  11. Semantic scholar
  12. Research Gate
  13. Semantic scholar
  14. Research Gate
  15. Science direct

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


عمارة

User Avatar

Julie Youssef

مهندسة معمارية، أحب الرسم والقراءة


عدد مقالات الكاتب : 54
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق