Ad
هذه المقالة هي الجزء 10 من 18 في سلسلة كيف ستغير المدن الذكية من شكل عالمنا؟

تغيرت طرق بناء المدن العالمية مع النمو المتفجّر للتقنية، وانعكس ذلك بدوره على السياحة. وبدأت العديد من الدول بالفعل بتطوير وتأسيس مدن سياحية ذكية؛ على سبيل المثال: مدينة أمستردام، وسنغافورة، وبرشلونة، ونيويورك، وسول. فما هي المدينة السياحيّة الذكيّة، وكيف تغيّر شكل السياحة حول العالم؟

ما هي المدينة السياحيّة الذكيّة؟

تستخدم المدن الذكية التقنيات الذكية والإنترنت لتحسين جودة حياة الأفراد، وتحقيق الاستدامة، والتنمية الاقتصادية، وإدارة الموارد بكفاءة. ويختلف تعريف السياحة الذكية اعتمادًا على سياق الدراسات، ووجهات نظر أصحاب المصلحة. لكن عمومًا تعد «المدينة السياحية الذكية- Smart tourism city» جزءًا من المفهوم الأوسع للمدن الذكية، وتجمع بين مبادئ المدن الذكية، والاحتياجات والخصائص المحدّدة للوجهات السياحيّة. وتهدف إلى تعزيز التجربة السياحيّة، وجذب الزوّار، وتحسين نوعيّة الحياة لكل من السيّاح والمواطنين على حد سواء.[1]

تأثير كوفيد-19 على السياحة

تواجه المدن السياحيّة مشكلات وقضايا ناجمةً عن أزمات وأوضاع غير مسبوقة. بسبب ذلك تسعى باستمرار إلى صنع طرائق من أجل التكيُّف والتصدّي للمخاطر المحتملة، مثل الإرهاب، والكوارث الطبيعية، والأمراض المعدية. على الرغم من ذلك أحدث فيروس كورونا (COVID-19) أزمةً غير مسبوقة من قبل.[2] إذ أحدثت السياحة سابقًا آثارًا اقتصاديةً هائلةً، واعتبرت وسيلةً لتخفيف حدّة الفقر في بعض البلدان النامية.

لكنّ حظر السفر بالكامل تقريبًا في أعقاب إعلان الوباء من قبل منظمة الصحة العالمية تسببّ في تلاشي الازدهار الاقتصاديّ الناشئ عن السياحة.[3] نتيجةً لذلك بدأت الجهات المعنية بإيجاد حلول بديلة لمواجهة الواقع الحالي، مثل الجمع بين المدن الذكيّة والسياحة الذكيّة لتشكيل نظام بيئيّ سياحيّ ذكيّ. يسبب الجمع آثارًا اقتصاديةً يمكن أن تنتشر على نطاق واسع إقليميًّا وصناعيًّا. وقد تصنع المدن حلًا لإعادة فتح السياحة والاقتصاد عن طريق تأمين القدرة التنافسيّة كمدينة سياحية ذكية.[4]

على سبيل المثال؛ يمكن استعمال الروبوتات لتقليل الاتصال البشريّ بين الزبائن (السيّاح)، والموظفين (المواطنين)، بالتالي يساهم ذلك في الحد من انتشار الفيروس.[5] كذلك يمكن أن يزيد الواقع الافتراضيّ رغبات وتوقعات المسافرين المحتملين لزيارة الوجهة بالعالم الواقعيّ.[6]

كيف تختلف المدينة السياحية الذكية عن المدينة السياحية التقليدية؟

تختلف المدينة السياحية الذكية عن المدينة السياحية العادية في أنها تستعمل التقنيات الحديثة لتحسين كفاءة وإدارة الأعمال السياحية، وتعزيز تجربة الزوّار. وتستطيع جذب المزيد من السياح، وتعزيز النمو الاقتصادي في نفس الوقت. وفيما يلي بعض الميزات التي تمنحها:

  • التوصيات ذات الطابع الشخصي، إذ تستخدم المدن «البيانات الضخمة- Big data»، وخوارزميات الذكاء الاصطناعي لتقديم اقتراحات متعلقة بخطط السياحة الذاتية للأفراد. وتقدم أيضًا توصيات أكثر فعاليةً وعمليةً، مما يساعد السياح وخاصةً من يخطط رحلته بنفسه على التخطيط بشكل أفضل، والاستفادة من الوقت إلى أقصى حد في المدينة.[7]
  • مراقبة مستمرة، تستعمل المدن تقنيات مثل أجهزة الاستشعار و«إنترنت الأشياء- IoT » لمراقبة التدفّقات السياحية، من ثم يمكن تعديل الخدمات وفقًا لذلك. على سبيل المثال؛ تكشف المستشعرات الاكتظاظ في الأماكن السياحية الرائجة، ويمكن بعدها إعادة توجيه الزوار إلى المناطق الأقل ازدحامًا.[8]
  • «الواقع المعزز– Augmented reality » قد تستفيد المدن من الواقع المعزز لتعزيز تجربة الزوار. على سبيل المثال؛ تستخدم مدينة قرطاجنة في كولومبيا إنترنت الأشياء IoT والواقع المعزز لتزويد السياح بمعلومات حول المتاحف، والمعالم الأثرية، وغيرها من المواقع المثيرة للاهتمام في المدينة.[9]
  • تكامل وسائل التواصل الاجتماعي، تعد وسائل التواصل الاجتماعي عنصرًا مهمًا للسياحة الذكية، حيث توفّر منصّةً لتلبية احتياجات جميع أصحاب المصلحة بما في ذلك السياح، والوجهات السياحية، والزوار المحتملين.[10] على سبيل المثال: اقتارح زيارة مطعم ما بعد رؤية صورة لوجباته عبر تطبيق فيسبوك.
  • الاستدامة، تستطيع المدن السياحيّة الذكيّة استخدام التقنيات لتحسين تنمية الاستدامة. على سبيل المثال؛ يمكن استعمال تقنيات ذكية لتحقيق الاستخدام الأمثل للموارد مثل الطاقة، والمياه، والنقل.[8]

ما هي المؤشرات الأساسية المستخدمة لتقييم القدرة التنافسية للمدينة السياحية الذكية؟

يقيّم الاتّحاد الأوروبي EU سنويًا عواصم السياحة الذكية المتميزة اعتمادًا على 4 فئات، وهي: إمكانية الوصول، والاستدامة، والرقمنة، والتراث الثقافي والإبداع. وتعكس هذه الفئات العناصر الأساسية التي يتطلّب وجودها في المدينة السياحة الذكية.[11] يمكن أن تضع جهات أخرى عناصر مختلفةً لتقييم المدينة السياحية الذكية، فمثلًا؛ أجرت منظمة سول السياحية تقييمًا لـ 12 مدينةً وفقًا لـ5 فئات، وهي: الجذب، وإمكانية الوصول، والاستعداد للرقمنة، والاستدامة، والشراكة التعاونية.[12]

تُعتمد بشكل عام بعض المؤشّرات الأولية لتقييم القدرة التنافسية للمدن السياحية، ومنها:

  • البنية التحتية الحضرية، وتشمل جودة وتوافر النقل، وشبكات الاتّصالات، وغيرها من البنية التحتية المادية الداعمة للأنشطة السياحية. ويجب أن تمتلك المدن عمومًا بنية تحتية كافية لكل الأشخاص بغضّ النظر عن العمر، أو الجنسية، أو القدرة البدنية.
  • التنمية الاقتصادية للسياحة، وتشمل مستوى الاستثمار في الأعمال ذات الصلة بالسياحة، وعدد السياح، والإيرادات، التي تحققها الأنشطة السياحية.
  • الدعم التقني، يتضمّن توافر واعتماد التقنيات الرقمية مثل الأجهزة الذكية، وتحليل البيانات، لتعزيز التجربة السياحية.[13][14]
  • الاستدامة البيئية، تتضمّن النظر في العوامل البيئية مثل نوعية الهواء، وإدارة النفايات، وكفاءة الطاقة من أجل تطوير وإدارة الوجهات السياحية المقصودة.
  • القدرة الإقليمية على الابتكار، وتشمل قدرة الوجهة السياحية على تشجيع الابتكار، واعتماد تقنيات جديدة باستمرار لتعزيز التجربة السياحة وهياكلها الأساسية.[13]

ويمكن تقسيم هذه المؤشّرات الأولية إلى مؤشّرات ثانويّة مثل عدد مستخدمي الهواتف المحمولة، والإنترنت في المناطق الحضرية. والتي بدورها يمكن استخدامها لإجراء تقييم كميّ للقدرة التنافسيّة للمدن السياحية. إضافةً إلى ذلك، قد تختلف المؤشّرات المحددة ونتائجها تبعًا لسياق التقييم وأهدافه.[14]

تحديّات وصعاب تواجه السياحة الذكية

قد يشكل تطبيق السياحة الذكية في المدن تحديات بسبب عوامل مختلفة، ومنها:

  • الخصوصية، يثير جمع، وتحليل البيانات مخاوف تتعلّق بالخصوصية لدى السياح، والسكان المحلّيين على حدّ سواء.
  • جودة البيانات ودقّتها، قد تتأثّر جودة البيانات التي تجمع بسبب عوامل متنوعة مثل الطقس، والاتصالات الشبكية، والكوارث الطبيعية.
  • المورّدون، قد تعتمد المدن على بائع واحد فيما يتعلق بهياكلها الأساسية للسياحة الذكية، الأمر الذي يمكن أن يحد من قدرتها على الابتكار والتكيُّف. [15]
  • نقص البنية التحتية، قد يشكل تنفيذ ممارسات السياحة الذكية في المناطق النائية تحديًا بسبب نقص البنية التحتية، والوعي لدى المواطنين.
  • النجاح والوعي، يعتمد نجاح المدينة السياحية الذكية على تعليم وتوعية السياح والسكان المحليين بالتقنيات المستخدمة.[16]
  • التكلفة، تطبيق التقنيات الذكية يكلّف مبالغ كثيرةً، وقد تكافح المدن لتبرير هذه التكلفة.[17]

دبي كمدينة سياحية ذكية

تعد دبي مدينةً سياحيةً ذكيةً، تدعم التقنيات الحديثة وتمزجها مع العمل، والترفيه، والسفر. وتيسّر طرقًا جديدةً لإدارة التدفّقات السياحية من أجل تقديم خدمات أفضل، ونماذج إعلانية مبتكرة، ومشاريع تعاونية جديدة. فمثلًا طوّرت دبي تطبيقًا يقدّم خدمات متعلقة بالسياحة والخدمات الجغرافية، التي تشجع الزوار على السفر حول المدينة، وتقليل الجهد والوقت اللازم لتنظيم الرحلات. ويوفر التطبيق إمكانية الوصول إلى ميزات مثل دليل السفر التفصيلي، ومسارات السفر، وشعبيّة النقاط الهامة، وساعات فتح وعمل الوجهات وأماكنها. علاوةً على ذلك، يزوّد التطبيق المستخدمين بالخرائط المفصلة، والملاحية، وأيضًا طريقة الوصول إلى الموقع بواسطة النقل العام. نتيجةً لذلك، يوفر التطبيق معلومات غنيةً ومتعمقةً عن الوجهات المقصودة.[18]

المتاحف الذكية

نفذت بعض الدول مثل إسبانيا وبولندا تقنيات المتحف الذكيّ لتحسين تجربة الزوار، وتطوير السياحة. حيث توفر هذه التقنيات طرقًا جديدةً للتفاعل مع الأعمال الفنية المعروضة، وزيادة فهمهم وتقديرهم للمتحف. مثلًا يطرح المتحف تطبيقًا على الهاتف يوفر للقادمين معلومات يوميةً عن المتحف كساعات العمل، والأحداث، والمعارض المقبلة. وقد يطبق المتحف أيضًا الواقع الافتراضي، إذ يمكن إنشاء جولة افتراضية تسمح للقادمين استكشاف المتحف، وتوفر تجربةً فريدةً حيث تعرض الأعمال الفنية في سياقات مختلفة.[19]

تتنافس المدن كل سنة على جذب المزيد من السياح، وتسعى إلى جعل رحلة الأفراد زيارةً مثيرةً، وممتعةً، وغريبةً. فهل تحلم بزيارة مكان ما حول العالم في أحد الأيام؟

المصادر

  1. Semantic scholar
  2. Springer link
  3. ResearchGate
  4. MDPI
  5. Science Direct
  6. Science Direct
  7. Taylor & Francis
  8. Semantic scholar
  9. Semantic Scholar
  10. Longdom
  11. European capital of smart tourism
  12. springer link
  13. ACM
  14. Semantic Scholar
  15. Semantic scholar
  16. IEEE
  17. semantic scholar
  18. ResearchGate
  19. MDPI

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


عمارة

User Avatar

Julie Youssef

مهندسة معمارية، أحب الرسم والقراءة


عدد مقالات الكاتب : 54
الملف الشخصي للكاتب :

شارك في الإعداد :
تدقيق لغوي : صفاء بلحساوية

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق