Ad
هذه المقالة هي الجزء 18 من 18 في سلسلة كيف ستغير المدن الذكية من شكل عالمنا؟

تمتلك مدن الخليج العربي مؤشرًا ضعيفًا جدًا لقدرة السكان على المشي. إذ يعد السير مستحيلًا أحيانًا بسبب الأحوال الجوية الحارقة وخاصةً في فصل الصيف، وكذلك بسبب اعتماد السكان المفرط على السيارات الخاصة. نتيجةً لذلك تسعى الدول لإيجاد حلول للتشجيع على التنقّل المستدام، وذلك عن طريق الحلول الحضرية الذكية.[1] فما هي المدن الذكية في الوطن العربي، وكيف تتحوّل إلى واقع ملموس؟

ظهور المدن الذكية في الوطن العربي

تكثر شعبية المدن الذكية في الوطن العربي وخاصةً في دول الخليج العربي مثل الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية. ويمكن أن يعزى ذلك إلى ازدياد الوعي بأزمة البيئة العالمية، والحاجة إلى حلول مبتكرة للاستدامة. فتحلّ المباني الذكية ذات العمارة الخضراء محل الأبراج الشاهقة ذات الواجهات الزجاجية.[2]

تحديات تنفيذ المدن الذكية في الوطن العربي

يواجه الوطن العربي عدّة تحدّيات متعلّقة بتنفيذ المدن الذكية ومنها:

  • النظم التقليدية، لا تستطيع النظم التقليدية الاستجابة لطبيعة مطالب المدينة الذكية، وتقديم الحلول وفقًا للمعايير التي تلبّي طموح التخطيط. حيث تعد الاختيارات التقليدية عقيمةً مع التطور المستمر للتقانة.[3]
  • الكثافة السكانية، تشهد العديد من المدن في البلدان العربية نموًا سكانيًا سريعًا مما يشكّل ضغطًا على البنية التحتية، والخدمات القائمة فيها.[3]
  • البنية التحتية الضعيفة، يواجه صنّاع القرار، والمخططون العرب تحديات عديدةً بسبب ضعف البنية التحتية.[4]
  • التحضر السريع، يؤدي التحضر السريع إلى زيادة معدل الانبعاثات، وهدر الموارد، والنمو السكاني، وضعف البنية التحتية. ويشتد على نحو خاص في الدول النامية مثل مصر، حيث لا يزال تحويل المدن إلى مدن ذكية عند مستوى البداية.[4]
  • نقص التمويل، يتّسم هذا التحدي بالحدّة بوجه خاص في بلدان ما بعد الحرب مثل سوريا. إذ تتمثّل الحاجة الفورية لإعادة الإعمار في توفير بنية تحتية كافية لمواكبة الوتيرة المتزايدة للتحضُّر بعد الحرب. يأتي هنا دور التقنيات الذكية لتحقيق قفزات نوعية بعد الحرب، لكن تواجه هذه الدولة عادةً تحديات نقص التمويل، وقلّة نماذج الأعمال المتطوّرة.[5]
  • جوانب ثقافية واجتماعية، تتطلّب المدن الذكية تغييرات في الجوانب الثقافية، والاجتماعية للمجتمعات العربية، وقد يستغرق هذا الأمر وقتًا لتنفيذه.[6]

مبادرات المدن الذكية في دول مجلس التعاون الخليجي

اتّخذت دول مجلس التعاون الخليجي -والتي تشمل البحرين، والكويت، وعمان، وقطر، والسعودية، والإمارات- مبادرات لإنشاء مدن ذكية. إذ تعتبرها الحكومات وسيلةً لتعزيز التنوّع الاقتصادي للمنطقة، وتحسين نوعية الخدمات العامّة. وقد جعلت أزمة أسعار النفط المستمرّة من المدن الذكية سبيلًا ممكنًا للتنويع الاقتصادي، وزيادة القدرة التنافسية. ويعد عمومًا دور القيادة والثقافة التنظيمية أمرًا بالغ الأهمية لنجاح هذه المبادرات.[7][8]

حالات لمدن ذكية في الوطن العربي

مدينة نيوم في السعودية

يجري بناء مدينة «نيوم -NEOM» في السعودية كجزء من مبادرات البلد لخلق مجتمع متكامل مع ثقافات وأنماط حياة متنوّعة. وهي خطّة من مشروع التحوّل إلى اقتصاد قائم على المعرفة (رؤية 2030). حيث تسعى الحكومة لإنشاء مدينة تعتمد على تقنيات مبتكرة تدمجها في طرق المعيشة والعمل من أجل خلق نموذج حياة جديد مستدام ومزدهر.[9]

تقع نيوم في شمال غرب السعودية على طول ساحل البحر الأحمر، وهي منطقة معرّضة للفيضانات. نتيجةً لذلك درس الخبراء وضع تقنيات الاستشعار عن بعد، ونظم المعلومات الجغرافية GIS. لتقييم مخاطر الفيضانات المفاجئة في المدينة، وتحديد درجات المخاطر في المناطق المختلفة.[10]

خريطة لتصنيف درجات خطر الفيضانات المفاجئة في مدينة NEOM.

يسعى المخططون لجعل نيوم مدينةً مستدامةً، ومركزًا للطاقة المتجدّدة الخالية من الكربون. فسعوا إلى توفير طاقة نظيفة من غير الاعتماد على الوقود الأحفوري، وساعدهم على ذلك موقع المدينة. حيث يعتبر واحدًا من أغنى الموارد الطبيعية في المنطقة من حيث الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح.[11] وصمم الخبراء «نظام الطاقة المتجددة الهجين- HRES» وهو نظام يدمج مختلف مصادر الطاقة المتجددة مثل الخلايا الكهروضوئية PV، وتوربينات الرياح، محوّلات الطاقة، ومولِّدات الديزل، والبطّاريات. بهدف تلبية ذروة الحمولة المطلوبة البالغة 1353 كيلو واط.[12] والخلايا الكهروضوئية هي خلايا تُحوِّل الضوء إلى كهرباء باستخدام موادّ شبه موصلة.

من المقرّر أن تصبح المدينة مركزًا للابتكار وخاصّةً بالنسبة للجهات الناشئة، والأعمال التجارية العالمية. إذ ستوصل جميع المنشآت التجارية، والمجتمعات المحلية فيها من خلال إطار رقمي يشمل الذكاء الاصطناعي، والروبوتات التي تتعلّم وتنمو باستمرار. وستحلّل أكثر من 90% من البيانات من أجل توفير نظام تنبؤي مع خدمات تتحسن باستمرار للسكان والشركات.[13]

مدينة لوسيل في قطر

تقع مدينة لوسيل على بعد حوالي 23 كم شمال الدوحة في قطر. وتسعى لتحسين نوعيّة حياة الأفراد، وتعزيز تنمية الأعمال التجارية مع الأخذ بعين الاعتبار الخصائص الثقافية، والطبيعية لدولة قطر. كما صُمّمت المدينة لتصبح وجهةً للزوّار والشركات، ولاستضافة كأس العالم لكرة القدم عام 2022.[14]

نفّذت لوسيل نظام حوكمة ذكي يتضمّن نظامًا شاملًا للحكومة الإلكترونية، وبنيةً تحتيةً رقميةً بغاية تحسين كفاءة وشفافية الخدمات الحكومية مع خفض هدر الورق. واعتنت كذلك بميزات المعيشة الذكية التي تشمل المنازل الذكية، والخدمات الذكية بهدف خفض استهلاك الطاقة، وانبعاثات الكربون.[15]

تتمتّع لوسيل بنظام تنقل ذكي شامل يتضمّن:

  • إدارة مواقف السيارات والتوجيه، وهو برنامج يساعد السائقين على العثور على مواقف سيارات متاحة بسرعة وسهولة.
  • مراقبة إشارات المرور، وهو نظام يعدّل إشارات المرور باستمرار على أساس ظروف المرور. بهدف الحد من الازدحام، وتحسين تدفّق حركة المرور، وتقليل الحوادث.
  • تشجيع المشي وركوب الدراجات في الطرق الحضرية المزدحمة.
  • نظام معلومات، صنعت المدينة نظامًا يوفّر معلومات آنيةً عن الحافلات، وسيارات الأجرة، ومركبات الأجرة المائية لمساعدة الركاب على تخطيط رحلاتهم.
  • مرافق تخطيط الرحلات، تتيح للمسافرين تخطيط رحلاتهم المختلفة باستخدام وسائل نقل متعدّدة.[14]

ترتكز رؤية مدينة لوسيل على أربع نقاط وهي المستقبل، والناس، والأعمال، والتكامل. والتي تتماشى مع رؤية قطر الوطنية 2030 في سياق التنمية البشرية، والخدمات، والنظم الذكية.

مدينة دبي في الإمارات

تحاول دبي أن تصبح مدينةً ذكيةً ذات اقتصاد بيئي، وتهدف إلى أن تكون المدينة الأكثر استدامةً. لذلك جعلت البيئة جزءًا من خطتها الاستراتيجية الشاملة من أجل تحسين الظروف البيئية للإمارة. على سبيل المثال؛ تشجّع أنظمة ومواصفات البناء الأخضر في دبي جميع المقاولين على بناء مبانٍ مستدامة من أجل غد أكثر صداقةً للبيئة. وتغطّي اللوائح والقوانين مجموعةً واسعةً من المواضيع المتعلّقة بتصميم المباني الخضراء بما في ذلك التخطيط البيئي، والعمارة الحيوية، وكفاءة الموارد.[16]

خطة دبي للطاقة النظيفة لعام 2050.

تعد دبي مقصدًا للسيّاح ويعتبر إكسبو دبي Expo city مثالًا على السياحة الذكية. ويسلِّط الضوء على استخدام التقانة الذكية في كل من المناطق السكنية، والأماكن السياحية. ويعرض التطبيقات الجديدة كالجيل الخامس 5G، والبيانات الكبيرة، وإنترنت الأشياء IoT، والروبوتات.[17]

يزداد عدد المسنين في دبي ومن المتوقع أن تصل نسبة الأشخاص فوق سن ال65 إلى 24.3% بحلول عام 2030. نتيجةً لذلك تصمم دبي المنزل الذكي للمسنين من خلال التركيز على تفضيلاتهم، واحتياجاتهم، فضلًا عن الفوائد المحتملة بالنسبة لصحّتهم، وسلامتهم.[18] وتتواجد في هذه المنازل عدّة ميّزات ومنها:

  • إدارة الصحة، تُستعمل التقنيات الذكية لإدارة الحوادث، والأمراض المزمنة والشائعة بين المسنين. على سبيل المثال؛ تركب أجهزة استشعار للكشف عن السقوط في غرف النوم أو المعيشة، من ثم تنبِّه مقدمي الرعاية أو الطوارئ.[18]
  • الأمن والمراقبة، تستخدم الميزات الأمنية المتقدّمة مثل الرصد عن بعد، وكاميرات الأمن، ومستشعرات الحركة لمنع الحوادث مما يزيد شعور الأمان. كما تستخدم هذه الأجهزة لمراقبة الأنشطة اليومية للمسنين مثل أنماط النوم، والأكل، وجداول الأدوية مما يفيد في الكشف عن أي تغييرات في السلوك والتي قد تشير إلى مشاكل صحية.[18][19]
  • دعم المعيشة المستقلّة، تسمح الأجهزة الذكية للأفراد بالتحكُّم في بيئتهم مثل تشغيل الأضواء، وضبط درجة الحرارة، وفتح الأبواب وذلك عن طريق الأوامر الصوتية، أو الوصول عن بعد. فتحافظ على الحياة المستقلة للمسنين لفترات طويلة من الزمن.[19]

يعتمد عمومًا تطبيق المنزل الذكي على بحوث، وتحليلات لتفضيلات المسنين في دولة الإمارات لضمان نجاح هذه الميزة، وتحسين الخدمات.[18]

مدينة مصدر في الإمارات

تركز مدينة مصدر في الإمارات على الاستدامة، وكفاءة الطاقة، والتصميم المبتكر. فصُمّمت المدينة لتكون غنيةً بمصادر الطاقة المتجددة وخاصةً الطاقة الشمسية. وهي أوّل مدينة خالية من الكربون، والنفايات، وتتزوّد بالطاقة بشكل كامل من الطاقة المتجدّدة. وتتميّز المدينة بمبانٍ مستدامة مثل معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا. علاوةً على ذلك، تهدف إلى جذب الخبرات الدولية الرائدة، والأكاديميين، والتجّار.[20]

معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا.

بُنيت مصدر كمدينة خالية من السيارات الخاصة، مع التركيز على خيارات التنقّل المستدامة والصديقة للبيئة. فتتميّز بنظام «النقل السريع الشخصي- PRT» وهو نظام سيارات كهربائية ذاتية القيادة، أي تعمل بدون سائق على الطرق الإرشادية. ويوفّر نظام PRT النقل للمواطن عند الطلب دون توقّف بين أي نقطتين على شبكة الطرق الإرشادية، وصمم عمومًا ليكون موثوقًا، وآمنًا، ومريحًا للركاب. إضافةً إلى PRT تقدّم المدينة أنواعًا مختلفةً من خيارات النقل المستدام ومن ضمنهم المشي، وركوب الدراجات، والنقل السريع الجماعي، والحافلات. وبسبب تركيز المدينة على الأماكن المخصّصة للمشاة وغياب المركبات المملوكة للقطاع الخاص تقلّ الحاجة إلى الطرق الواسعة، ومواقف السيارات مما ينعكس بدوره على استدامة المدينة ككل.[21][22]

سيارة كهربائية ذاتية القيادة.

المدن الذكية في الوطن العربي، إلى أين؟

يحظى موضوع مستقبل المدن الذكية في الوطن العربي باهتمام وبحوث متزايدة. بينما لا تزال تنمية المدينة الذكية في مرحلة البداية في العديد من البلدان العربية النامية، إلا أنها تنمو وتزدهر في بعض الدول العربية الأخرى. ويمكن للدول العربية التعلم من تجارب الدول الأخرى في تنفيذ مشاريع ومبادرات المدن الذكية مثل سنغافورة، والصين، وكوريا الجنوبية، والإمارات. وبشكل عام يحتاج الوطن العربي وجود قيادة حالمة وقوية تُخطط لتنمية البلاد، وتحسين الواقع العربي.

المصادر

  1. Emerald insight
  2. Iraqi academic scientific journals
  3. IOP science
  4. IOP science
  5. IOP science
  6. Research Gate
  7. Semantic scholar
  8. IGI Global
  9. MDPI
  10. Semantic Scholar
  11. IEEE
  12. Semantic Scholar
  13. Semantic scholar
  14. civil engineering journal
  15. AHFE international
  16. Semantic scholar
  17. IEEE
  18. Research Gate
  19. ICSIS
  20. Research Gate
  21. Wiley online library
  22. Semantic scholar

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


عمارة

User Avatar

Julie Youssef

مهندسة معمارية، أحب الرسم والقراءة


عدد مقالات الكاتب : 54
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق