Ad
هذه المقالة هي الجزء 11 من 18 في سلسلة كيف ستغير المدن الذكية من شكل عالمنا؟

يتطور تعريف المدينة الذكية باستمرار مع الأيام إلا أن بعض النقاط أصبحت واضحةً وثابتةً. فتسخِّر المدن الذكية التقنيات الحديثة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات ICT لتحقيق الاستدامة، والتنمية، وتحسين نوعية حياة الأفراد. وتمثّل إدارة المرور والتنقل إحدى أهم الجوانب التي تركّز المدن عليها، إذ تقدّم خدمات أفضل للسكان بمساعدة الحسّاسات وانترنت الأشياء IoT. على سبيل المثال؛ تخفّف إشارات المرور الذكية الازدحام في ساعات الذروة، ويساعد كذلك الوقوف الذكي على إيجاد مواقف خالية للسيارات. ويستطيع الأفراد تتبّع مواقع الحافلات ومواعيد وصولها من خلال تطبيقات الهاتف المحمول.[1] تهتم اليوم الصناعات الذكية بتطوير المركبات ذاتية القيادة، ويعتقد الخبراء أنها ستصبح مستقبل التنقل الذكي، وركيزةً أساسيةً فيه. لأنها ستغيّر أسلوب حياتنا، ومفهومنا عن التنقل بشكل ثوريّ.

ما هي المركبات ذاتية القيادة؟

يقصد «بالمركبات ذاتية القيادة- an Autonomous vehicles» أي سيارة أو حافلة أو شاحنة أو مركبة أخرى، تستطيع القيادة من النقطة أ إلى النقطة ب دون تدخّل بشري، إضافةً إلى قدرتها على أداء جميع وظائف القيادة الضرورية. تُجهَّز هذه المركبات بأجهزة استشعار مختلفة لإدراك البيئة المحيطة. فتجمع البيانات، ومن ثم يعالجها حاسوب مُدمج في المركبة، لكي تستطيع التحرّك بشكل مستقل. [2]

تعتبر القيادة الذاتية واحدةً من أهم الابتكارات في العقود الأولى من القرن ال21، بسبب قدرتها على إحداث نقلة نوعية في نظام التنقل ضمن المناطق الحضرية وخارجها. وقد تسارع تطوير التقنيات المتعلّقة بالقيادة الذاتية خلال العقد الماضي بفضل إدخال الذكاء الاصطناعي AI في أنظمة القيادة. نتيجةً لذلك أصبحت المركبات أكثر “ذكاءً”، وقادرةً على الركن بنفسها -التموضع بجانب الطريق-، وتغيير سرعتها أو اتّجاه سفرها، والاستجابة للعقبات والتنبّؤ بها أثناء القيادة. [3]

مستويات المركبات ذاتية القيادة

تصنِّف SAE international -المعروفة سابقًا بجمعية مهندسي السيارات- المركبات ذاتية القيادة إلى 6 مستويات من الأتمتة المحدّدة والمتّفق عليها دوليًا. وتزداد استقلالية المركبة مع ازدياد المستوى.

  1. المستوى 0: يؤدي السائق جميع مهام القيادة، ولا تسيطر السيارة على عملية القيادة.
  2. المستوى 1: تُجهّز المركبة بنظام مساعد للسائق DAS. والذي يساعد السائق جزئيًا في ضبط السرعة، أو كبح الانحراف، أو الإيقاف الطارئ.
  3. المستوى 2: تجهّز المركبة بمزايا أكثر تقدّمًا بحيث يشرف DAS على التوجيه والتسارع والكبح في الظروف السهلة ضمن ظروف الرؤية الجيدة في النهار. لكن يجب على السائق الإشراف الكامل على القيادة، وأداء جميع مهام القيادة المعقّدة تقريبًا.
  4. المستوى 3: يستطيع النظام أداء جميع أجزاء مهام القيادة في بعض الظروف المثالية. لكن يجب على السائق أن يكون مستعدًا لاستعادة السيطرة عندما يطلب النظام منه ذلك. بعبارة أخرى، يجب على السائق أن يكون جاهزًا للانتقال الآمن بين القيادة الذاتية والقيادة البشرية في غضون ثوان قليلة. بسبب ذلك لا يسمح للسائق بالنوم أو إمالة مقعد القيادة بالكامل.
  5. المستوى 4: يمكن للمركبة أداء جميع عمليات القيادة بشكل مستقل في ظروف معينة. لا يلزم في هذا المستوى الجهوزية (اليقظة) من السائق في الشروط المعيّنة في المستوى السابق.
  6. المستوى 5: تتعاون في هذا المستوى التقنيات الحديثة مع المركبة. نتيجةً لذلك تستطيع القيادة في كل أحوال الطقس والإضاءة، وفي أي نوع من أنواع الطرق سواء داخل المدينة أو على الطرق السريعة، دون أي حاجة للتدخل البشري أو المراقبة. وستتمكن المركبات من الاتصال مع المركبات الأخرى والبنى التحتية من أجل الحصول على أحدث المعلومات عن حالة الطريق مقدّمًا (من ثوان إلى دقائق قليلة).[4][5][6]
مستويات المركبات ذاتية القيادة.

كيف تعمل القيادة الذاتية؟

تعد القيادة الذاتية مهمةً معقدةً تتطلّب دمج مجموعة متنوعة من التقنيات الذكية، لخلق رؤية بزاوية 360 درجة من محيط السيارة. من ثم تستخدم المركبة هذه المعلومات لاتّخاذ قرارات حول كيفية السير بأمان. وتحتاج المركبة إلى توافر:

  • أجهزة الاستشعار: تضمّ المركبة مجموعةً من الكاميرات وأجهزة استشعار المدى مثل radar وlidar، إذ توفر معلومات حول البيئة المحيطة بالمركبة مثل مواقع المركبات الأخرى والمشاة وحالة الطريق وغيرها من المعلومات.[7] يكشف الرادار عن سرعة ومسافة الأجسام. بينما ينشئ الليدار نموذجًا ثلاثي الأبعاد من محيط السيارة، ويستعمل للكشف عن الأجسام التي يصعب رؤيتها بالكاميرات أو الرادار مثل الأجسام الصغيرة أو المحجوبة جزئيًا.
  • اندماج المستشعر: يقصد بذلك عملية دمج البيانات من مجموعة المستشعرات. يساعد ذلك باكتشاف الأجسام والتنبؤ بالحركة للحصول على صورة شاملة عن محيط المركبة.[8]
  • التنبؤ بالحركة: وهو ضروري لمعرفة الحركة المستقبلية للأجسام المتواجدة في محيط المركبة.
  • تعلم الآلة: تستخدم المركبات خوارزميات تعلم الآلة لتحليل البيانات، واتّخاذ القرارات الحاسمة.
  • أنظمة التحكم: ترسل أنظمة التحكّم إشارات للمشغلات مثل عجلة القيادة، والمكابح، ومسرع السرعة لكي تخبرهم كيف يحرّكون المركبة وفقًا لقرار الخوارزمية.

تعتمد المركبات عمومًا على نظام تحديد المواقع الجغرافية GPS لتحديد موقعها، وتوجّهها. كما تستعمل خرائط عالية الدقة للتنقل في الطرق.[7]

صور الكاميرا الأمامية المجمعة في يوم صافي، وفي وقت الليل، وفي يوم ماطر، وفي موقع بناء.

هل بدأت المركبات ذاتية القيادة في الانتشار؟

يجري حاليًا تطوير المركبات ذاتية القيادة وستمر بعدّة خطوات حتى تصبح موثوقةً ومتاحةً تجاريًا في معظم الأسواق. ويتوقع الخبراء أنها ستتبع منحنى S وفقًا «لقانون روجر-Roger’s law» كما في الصورة.[9]

نمط التوزيع المتوقع للمركبات ذاتية القيادة وفقًا ل Roger’s law.

من الضروري أن ندرك مدى تعقيد إدارة مركبة ما على الطرق العامّة، بسبب كثرة التفاعلات مع أشياء غير متوقعة في أغلب الأحيان، مثل المشاة، وراكبي الدراجات، والحيوانات. وقد تفرض هذه المركبات تكاليفًا إضافيةً مرتفعةً بسبب الحوادث، أو حالات التأخير الممكنة لمستخدمي الطريق الآخرين. نتيجةً لذلك ستتمتع المركبات ذات المستوى 5 بمعايير اختبار أعلى من الابتكارات التقنية الأخرى. مما يؤدي إلى تأخير طرحها في السوق للحصول الموافقات اللازمة. في حال أثبتت هذه التقنية أنها غير موثوقة أو خطيرة، ستطلب الولايات القضائية اختبارات إضافية، وأذونات، ولوائح. مما سيؤدي إلى تفاوت في معدّلات التنفيذ والطرح في السوق وهو أمر متوقع أيضًا.[10]

وتشير التقديرات إلى أن طرح مركبات المستوى 5 سيبدأ عام 2030. ومن المرجّح أن يستغرق تشبّع السوق عدّة عقود، وقد يستمر بعض سائقي السيارات في اختيار المركبات التقليدية، بسبب تفضيلهم الشخصي، وانخفاض تكلفة الشراء.

يوضح الجدول تقدير التوقيت لإدخال السيارات ذاتية القيادة وانتشارها في السوق.

لكن يبقى تداول المركبات مرتبطًا بالأفراد حتى بعد التشبّع بالأسواق. لذلك قد تتسارع أو تتباطأ عملية الانتشار، وربما لن يتماثل انتشارها في كل البلدان أو القارات. ويتوقع بعض الخبراء أن يتأخر الانتشار إلى ما بعد عام 2040 بسبب التحديات التقنية والسياسية والاجتماعية. [11]

فوائد القيادة الذاتية في المدن الذكية

يعد النقل جزءًا أساسيًا من حياة الإنسان، ويؤثر على التعليم والعمل ووقت الفراغ والخدمات. وتجلب المركبات ذاتية القيادة فوائد كثيرة، ومنها:

  • السلامة، يتوقع الباحثون ارتفاع معدلات سلامة السائقين والمشاة، وانخفاض عدد الحوادث.[12]
  • تقليل الازدحام المروري والوقت اللازم للسفر، يعود الفضل بذلك إلى توحيد سرعة السفر لجميع مستخدمي الطرق مع زيادة سرعة عبور التقاطعات. حيث يمكن للمركبات الاتصال مع بعضها البعض، ومع البنية التحتية في الوقت نفسه. علاوةً على ذلك، تختار المركبات أفضل المسارات للرحلة من خلال التقنيات السحابية وإنترنت الأشياء.[13]
  • خفض الانبعاثات، حيث يقل استهلاك الوقود، والانبعاثات السامة في الغلاف الجوي للمدن الذكية، وتتحسن جودة الهواء.[14][15]
  • إمكانية الوصول، تتوفر خيارات تنقل أسهل وأفضل لمن لا يستطيع القيادة كالمسنين، وذوي الاحتياجات الخاصة. وتستطيع السيارات أيضًا الدخول إلى مناطق غير مخدومة، ولا تصلها وسائل النقل العام عادةً.[12][16]

تحديات وعوائق

ستغيّر القيادة الذاتية البيئة الحضرية، وستكون هذه التغييرات لا رجعة فيها. نتيجةً لذلك يجب علينا معرفة عواقب التطبيق لنتجنّبها، فنحصل على أقصى فائدة ونتغلب على التحديات. ونذكر بعض تلك التحديات:

  • تحديات تقنية، يلزم تطوير وربط عمل العديد من التقنيات، فلكي تتمكن السيارات من التعامل مع أي حالة مرورية يلزم الملايين من الكيلومترات التجريبية للقيادة في الحالات الخطرة كتساقط الثلوج أو الأمطار الغزيرة.[17]
  • مخاوف أخلاقية، ترتبط بوجود نقاط ضعف في أمن الفضاء الإلكتروني، مما قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على المستوى الأمني للمدن.[12]
  • آثار سلبية على صحة الإنسان، بسبب نمط الحياة الخامل، فقد يعطي السكان أولويةً للقيادة الذاتية من أجل قضاء رحلاتهم القصيرة عوضًا عن المشي أو ركوب الدراجة.[18]
  • عقبات اقتصادية، بسبب كلفة الشراء المرتفعة، على الأقل في السنوات الأولى من الانتشار. وتدرس المدن الذكية إدخال الحافلات ذاتية القيادة في خدمة النقل العام، بالتالي تحل مشكلة عدم قدرة تحمّل تكلفة امتلاك مركبة خاصة.[19]
  • عدم تقبّل وثقة الناس لفكرة القيادة الذاتية.

تأثير المركبات ذاتية القيادة على التخطيط العمراني

التحضر

يعتقد الخبراء أن إدخال القيادة الذاتية في التنقل الذكي قد يؤدي إلى زيادة أهمية المناطق السكنية في الضواحي. والتي يكون سعرها عادةً أخفض في السوق عن تلك المتواجدة في المركز. حيث تسهّل المركبات ذاتية القيادة إمكانية الوصول للمناطق التي تعذر الوصول إليها سابقًا. مما يؤدي في نهاية المطاف إلى ازدياد الزحف العمراني للمدن، وانخفاض كثافة البناء. إضافةً إلى ذلك، تنعكس الآثار كذلك على المناطق الريفية، بفضل تحسُّن النقل العام والخاص على حدّ سواء.[20][21]

توضح الصورة تأثير المركبات ذاتية القيادة على كثافة البناء، بينما تشير الأسهم الحمراء إلى امكانية الوصول.
توضح الصورة تأثير القيادة الذاتية على نظام النقل الحضري.

البنية التحتية للطرق

تؤثر المركبات ذاتية القيادة على استعمال الحيّز المكاني للطرق، والبنية المادية لها. مثلًا ستقضي القيادة الذاتية على الخلاف الحالي بين سائقي المركبات والمشاة. ويتوقع الخبراء أن يتوسّع الحيّز المخصص للمشاة مع إمكانية إزالة الفصل المادي بين السيارات والمشاة. علاوةً على ذلك سيقل عرض الممرات، وستلتغي أماكن وقوف السيارات على طول الرصيف.[21]

توضح الصورة التحول المفترض لمقطع الطريق بعد انتشار القيادة الذاتية.
صورة لافتراض مسار أكثر كفاءة بفضل تطوير القيادة الذاتية.

المستوى المحلي

تؤثر القيادة الذاتية على التنمية السكنية وسط المدينة والضواحي على حد سواء. إذ مع انتشارها الكامل سيكون من الممكن تحرير العديد من الساحات المستخدمة من قبل السيارات حاليًا. والتي سيعاد تكييفها، وإعادة استخدامها لوظائف أخرى.[21]

على سبيل المثال؛ توجد عادةً مساحات لوقوف السيارات بالقرب من المنازل الخاصة، وستقل الحاجة إليها عند انتشار المركبات ذاتية القيادة. نتيجةً لذلك يمكننا تحويل مواقف السيارات المجاورة للمنازل إلى ممرات للمشاة أو للدراجات. يساعد كذلك إلغاء المرآب الخاص على توسُّع المنزل، فيستطيع المالك استغلال المساحة لوظائف أخرى.[22]

تأثير المركبات ذاتية القيادة على الضواحي ذات الكثافة المنخفضة.

أما بالنسبة للمباني السكنية متعددة الطوابق، فيمكن الاستغناء عن المواقف الموجودة تحت الأرض. ونستطيع بدل ذلك بناء مواقف كبيرة مستقلة تقع في أماكن خارجية يسهل الوصول إليها. إذ سيتمكن مالك السيارة الاتّصال مباشرةً بسيارته عن طريق تطبيق مثبت على هاتفه المحمول لتأتي إليه من موقفها.[22]

تأثير المركبات ذاتية القيادة على المناطق السكنية عالية الكثافة.

نظرة مستقبلية

سيكون إدخال القيادة الذاتية إلى التنقل الذكي بطيئًا وتدريجيًا. ولا شكّ من أنه سيحدث ثورةً جذريةً على طريقة حياتنا، وسيغير أيضًا التخطيط العمراني للمدن. لكن في نهاية المطاف سيتعلق نجاحه بالفرد ومدى تقبله للتقنية. فدعنا نتخيل لبرهة أنك تمتلك سيارةً ذاتية القيادة، فهل ستثق بقراراتها وتدعها تأخذك في رحلاتك، أم أنك تفضل القيادة بنفسك؟

المصادر

  1. MDPI
  2. IEEE
  3. IEEE
  4. Springer
  5. ResearchGate
  6. ResearchGate
  7. arXiv
  8. arXiv
  9. Semanticsholar
  10. ResearchGate
  11. IEEE
  12. arXiv
  13. MDPI
  14. MDPI
  15. Semanticsholar
  16. MDPI
  17. IEEE
  18. Science direct
  19. MDPI
  20. ResearchGate
  21. ResearchGate
  22. Science direct

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


تقنية عمارة

User Avatar

Julie Youssef

مهندسة معمارية، أحب الرسم والقراءة


عدد مقالات الكاتب : 54
الملف الشخصي للكاتب :

شارك في الإعداد :
تدقيق لغوي : abdalla taha

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق