Ad
هذه المقالة هي الجزء 14 من 18 في سلسلة كيف ستغير المدن الذكية من شكل عالمنا؟

تجلب الكوارث الطبيعية عواقب مدمرة على المدن وسكانها، وازداد في السنوات الأخيرة تواتر الكوارث الطبيعية وشدّتها. بالتالي تحتاج المدن إلى أن تكون أكثر استعدادًا للتصدّي لهذه المخاطر. وبرزت «المدن الذكية-Smart cities» كحل محتمل لتعزيز قدرة البنى التحتية على الصمود أمام الكوارث الطبيعية. إذ تستطيع المدن الذكية توقّع الكوارث عن طريق التقنيات الحديثة مثل أجهزة الاستشعار، وتحليل البيانات، والذكاء الاصطناعي. وتساعد هذه التقنيات المدن على التكيُّف مع آثار التغيّر المناخي، وإدارة الموارد المائية.

كيف تتنبأ المدن الذكية بوقوع الكوارث الطبيعية؟

تعمل تقنيات المدن الذكية مع بعضها لتوقّع حدوث الكوارث الطبيعية، وتعتمد غالبًا على إنترنت الأشياء IoT، و«البيانات الضخمة-Big data». ويمكن استخدام هذه التقنيات بعدّة طرق ومنها:

  • حصاد البيانات: ينشر إنترنت الأشياء أجهزة استشعار في جميع أرجاء المدينة، لجمع البيانات. ويمكن الاستفادة منها لرصد العوامل البيئية المختلفة مثل درجة الحرارة، والرطوبة، وجودة الهواء. على سبيل المثال؛ نفّذت لوس أنجلوس نظامًا للإنذار المبكِّر بالزلازل، يعتمد على المستشعرات للكشف عن النشاط الزلزالي، وتنبيه وحدات الطوارئ والمواطنين.
  • تجميع البيانات ومعالجتها الأولية: تجمع مجموعة البيانات القادمة من مصادر مختلفة، بهدف تكوين صورة شاملة عن الوضع الحالي. من ثم تُنقّى وتُصفّى لإزالة أي معلومة غير ذات صلة، أو مكرّرة.
  • تقنيات الشبكة الدلالية Semantic web: وهي امتداد للشبكة العالمية WWW، وتهدف إلى إعطاء معنىً للبيانات الخام المحيطة بنا من خلال إظهار العلاقات بين المفاهيم. تستعمل عادةً لتوضيح البيانات المجمّعة، وتحسِّن من قدرتنا على فهمها.
  • تحليل البيانات الضخمة BDA: يساعد ذلك في تحليل الأنماط والشذوذ التي قد تشير إلى بداية كارثة ما.[1][2] يوجد نوعان من التحليل: التحليل غير المباشر، والتحليل الآني. يستخدم التحليل الآني عند الحاجة إلى اتّخاذ إجراء فوري على أساس البيانات المجمّعة، وغالبًا ما يستعمل في تطبيقات التحكّم المصرفية وأنظمة الحجز. ويستخدم التحليل غير المباشر عندما لا تحتاج البيانات أن تحلل آنيًا، أو عندما تكون مجموعة البيانات كبيرةً جدًا لتحلل بسرعة. يساعد التحليل الآني في الكشف عن الكوارث المحتملة أثناء حدوثها، بينما يحدّد التحليل غير المباشر الأنماط والاتّجاهات التي قد تشير إلى احتمال وقوع كوارث في المستقبل.[3]

على سبيل المثال؛ توضع مستشعرات في غابة ما لمراقبة وجمع البيانات، وعند تحليل البيانات قد تشير التغيُّرات في درجات الحرارة أو مستويات الرطوبة إلى احتمالية نشوب حريق هائل. من ثم ترسل الأجهزة الذكية إنذارًا فوريًا إلى السلطات المسؤولة لأخذ الاحتياطات اللازمة.

تعامل المدن الذكية مع الكوارث الطبيعية.

استجابة المدن الذكية للكوارث الطبيعية

تساعد تقنيات المدن الذكية في إدارة آثار الكوارث الطبيعية من خلال توفير المعلومات اللازمة بسرعات فائقة، وتمكين الاتّصال الفعّال بين مختلف الجهات، وتقليص الزمن اللازم للاستجابة. ترصد شبكات الاستشعار اللاسلكية WSNs وتراقب عن بعد المناطق الحرجة، وساحات المعارك، أو المناطق المعرضة للبراكين، والفيضانات. نتيجةً لذلك تتوفّر لدى الجهات المسؤولة المعلومات اللازمة لتقييم الأضرار واتّخاذ القرارات المناسبة. وتوفر “البيئة الافتراضية التعاونية” منصّةً للتواصل والتعاون الآني بين أوائل المستجيبين للكوارث، وأصحاب القرارات. وتجمّع “نظم محاكاة موزعة لإدارة الكوارث والاستجابة لها” بين شبكات الاستشعار اللاسلكية وتقنيات البيئة الافتراضية التعاونية. من أجل ضمان السلامة والأمن العامَّين، فتدرب أوائل المستجيبين على استخدام أحدث تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ICT. نتيجةً لذلك يتحسَّن أداء بعثات الكشف والبحث والإنقاذ.[4] أدَّت كذلك وسائل التواصل الاجتماعي في زلزال نيبال عام 2015 دورًا فعّالًا في نشر المعلومات، وتنسيق جهود فرق التطوّع والإنقاذ.

ترافق الكوارث الطبيعية في أغلب الأحيان انقطاعات في التيّار الكهربائي. وهنا يأتي دور «الشبكات الذكية-Smart Grid» لتأمين الطاقة، وضمان بقاء عمل البنية التحتية الحيوية كالمستشفيات وخدمات الطوارئ.

تلعب كذلك تطبيقات الذكاء الاصطناعي AI دورًا مهمًا في الاستجابة للكوارث، فتساعد على تَتبُّع المواقع، ورسم الخرائط، والتحليل الجغرافي المكاني. وتستفاد الجهات المعنية من الروبوتات، والمركبات ذاتية القيادة، وتعلم الآلة لتعزيز إدارة الأضرار. على سبيل المثال؛ يحلِّل الذكاء الاصطناعي صور الأقمار الصناعية لمساعدة الحكومات على اتّخاذ إجراءات سريعة وفعّالة.[5]

تعتبر الاتصالات اللاسلكية العمود الفقري لأنظمة الرعاية الصحية الذكية في الاستجابة للكوارث. فيزوِّد الأطباء المرضى بالتشخيص، والعلاج، والعديد من الخدمات الصحية سواءً كانوا داخل المستشفيات أو خارجها. بشرط أن تجهز وحدات الرعاية الصحية بتقنيات متقدّمة. يلزم أيضًا وجود وحدة للاستجابة السريعة من أجل التعامل مع المرضى والاستفسارات التي تنشأ عادةً أثناء الكوارث.[6]

الرعاية الصحية الذكية في الكوارث.

طائرات بدون طيار

يوفّر نظام «الإنقاذ الذكي-Auto-FRD» استجابةً سريعةً للحالات الحرجة في المدن. ويتألّف النظام من 3 أقسام رئيسية: شبكة الاستشعار، وطائرات بدون طيار، ومركز القيادة. فتنتشر الطائرات تلقائيًا إلى موقع معيّن عند تلقّي إشارة تنبيه من المستشعرات، من ثم تزوّد مركز القيادة بالنتائج.[7] يمكن للطائرات بدون طيار المساعدة في مهامّ البحث والإنقاذ بطرق عديدة ومنها:

  • المراقبة الجوية المستمرّة، تستطيع هذه الطائرات توفير مراقبة جوية مستمرة حتى 100 متر فوق سطح الأرض.مما يساعد على تحديد موقع الضحايا وتقييم الوضع الراهن.
  • التزويد بفيديو عالي الدقة وصور، تلتقط الطائرات صورًا جويةً وحراريةً، وفيديو عالي الدقة لمنطقة الكارثة.
  • معلومات رادارية، تستخدم الطائرات رادار استكشاف باطن الأرض للكشف عن الناجين المحتملين المدفونين تحت الأنقاض. بالتالي تحديد أماكن الضحايا، ومحاولة إنقاذهم.
  • نموذج ثلاثي الأبعاد للمنطقة المرغوبة، تنشئ هذه الطائرات نموذج ثلاثي الأبعاد لمنطقة الكارثة بدقة عالية أو منخفضة حسب الرغبة.[8]
  • الكشف التلقائي عن البشر الذين تقطّعت بهم السبل. يمكن تزويد الطائرات بتقنيات معالجة الصور وتتبّع خوارزميات الشبكات العصبية المعقّدة، للكشف التلقائي عن البشر المفقودين إثر الفيضانات وغيرها من المخاطر.[9]
  • الهبوط الذاتي على أهداف متحرّكة، يمكن أن يساعد ذلك على تقديم أدوات الطوارئ للضحايا المحتاجين.[10]

على سبيل المثال؛ استخدمت الكاريبي طائرات بدون طيار لتقييم الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية بعد حصول كارثة، وحدّدت الأماكن المحتاجة إلى مساعدات.

تقدم الطائرات بدون طيار مساعدات أثناء الكوارث الطبيعية.

على الرغم من فوائد الطائرات بدون طيار إلا أنها تمتلك آثارًا سلبيةً أيضًا. فقد تشكّل خطرًا على سلامة فرق الإنقاذ والمدنيين إذا تعطّلت أو تحطّمت. يمكن استخدامها من قبل جهات معادية لأغراض خبيثة كالتجسّس أو إيصال حمولات ضارّة. يتطّلب إجمالًا استخدام الطائرات ذاتية القيادة النظر بعناية في المخاطر والفوائد المحتملة. ويساعد التدريب والصيانة والتنظيم على تخفيف المخاطر، وضمان الاستخدام الآمن والفعّال في أوقات الطوارئ.[4]

تحديات تعيق المدن الذكية

على الرغم من جميع التطوّرات لا يمكن للتقنيات الذكية توقّع الأخطار والتهديدات بشكل كامل في الكوارث الطبيعية. ويطرح إدخال تقنيات المدن الذكية في الكوارث عدّة تحدّيات، وفيما يلي بعض هذه التحدّيات:

  • تحديات الحفاظ على الاتصالات الشبكية. تعتمد المدن الذكية على شبكات الاستشعار اللاسلكية WSN المنتشرة في كل مكان، لكنها قد تتلف في بعض الكوارث أو يضعف اتصالها. يمكن كذلك أن تتعطل الاتصالات والإنترنت، وقد ينعدم الاتصال بأجهزة إنترنت الأشياء. مما يجعل من الصعب نقل المعلومات اللحظية.[11]
  • تحديات اقتصادية، يتطلّب تطوير البنية التحتية للمدينة الذكية استثمارات كبيرة، والتي تعيق المدن ذات الموارد المحدودة.
  • تحديات إدارية، تتطلب إدارة هياكل المدن الذكية مهارات ومعارف متخصّصة وأشخاص ذوي خبرة، والتي لا تكون متاحةً بسهولة في جميع المدن. زيادةً على ذلك، تحتاج هذه الهياكل دمج مختلف التخصّصات والتقنيات العلمية، مما يشكّل عائقًا إضافيًا.
  • مصيدة التكنولوجيا، قد تصبح تقنيات المدن الذكية قديمةً بسرعة، بسبب التطورات السريعة. ولكي تواكب المدن أحدث التطورات تحتاج أن تستمرّ في الاستثمار في التقنيات الجديدة.
  • تحديات ثقافية، قد لا يتقبّل جميع المواطنين تقنيات المدن الذكية بسهولة، ولا سيما أولئك الذين يقاومون التغيّر، أو لا يلمّون بالتقنيات الحديثة.[12]

مخاطر الفيضانات

أصبحت الفيضانات إحدى الكوارث الطبيعية الكبرى المؤثرة على سلامة الحياة البشرية، والبناء الاقتصادي، والتنمية المستدامة. لذلك أجريت العديد من الدراسات التي حلّلت أنماط التوزيع المكاني والزماني لمخاطر الفيضانات العالمية، والعوامل المؤثّرة عليها. وكشفت النتائج ازدياد خطر الفيضانات على الصعيد العالمي خلال الفترة الممتدّة بين 2005-2020. وحدّد الخبراء أماكن تركّز الخطر بشكل رئيسي، وهي شرق وجنوب آسيا، وأوروبا الوسطى والغربية. واعتبروا سنغافورة من أكثر الدول تعرّضًا للتهديد.[13]

دايجون، كوريا الجنوبية

استحدثت دراسة تدعى “نظام الإنذار الذكي للتصدي للفيضانات” تقنية محاكاة للتنبؤ بالفيضانات في مدينة دايجون في كوريا الجنوبية. إضافةً إلى ذلك، صنع الخبراء نظامًا مساعدًا يوفّر المعلومات اللازمة لتحديد طريقة وزمن الإجلاء. وربطوا النظام مع خدمة التنقل الذكي لمعرفة حالة الطرق وتنظيم النقل. كما طوّروا نظامًا سريعًا من أجل نقل الحالات المستعجلة لتقليل الأضرار التي تلحق بالمواطنين.[14]

بوغوتا، كولومبيا

اقترحت ورقة علمية بعنوان “بنية الاتصال لنموذج التنبؤ بالفيضانات” تطوير وتنفيذ بنية ذكية لصنع القرار عند مواجهة الأمطار الغزيرة والتهديدات المحتملة للفيضان. يعمل النظام على أساس جمع وتحليل بيانات عن مستوى المياه، والتدفّق، والضغط، ودرجة الحموضة، والرطوبة، ودرجة الحرارة في الأمطار التي تهطل على حي مينو تودي ديوس في مدينة بوغوتا في كولومبيا. ويهدف النظام إلى توليد إنذارات مبكّرة واتخاذ قرارات حاسمة في حالات الخطر.[15]

منشأة متكاملة في أورلاندو، فلوريدا، أمريكا

تحوي مدينة أورلاندو منشأةً متكاملةً تسمّى «مركز عمليات أورلاندو- OOC»، أنشأها العمدة عام 2001 بعد إعصار عام 1997. وتربط المنشأة عمل كل من شبكات الألياف الضوئية، وكاميرات المراقبة، وخدمات النقل، والشرطة، والمطافئ، وذلك في حوادث الطرق، والجرائم، والكوارث. ويدير المركز أزمات الطوارئ الخاصّة، إضافةً إلى حالات الكوارث الطبيعية واسعة النطاق.[16]

ضرورة التعاون لمستقبل أفضل

لا تحترم الكوارث الطبيعية الحدود الوطنية، ويمكن أن يكون لتأثيراتها تداعيات عالمية. لذلك تظهر ضرورة التعاون العالمي، كما تساعد المبادرات الدولية على تبادل المعارف والموارد بين الدول. وقد نفّذت بعض الدول بالفعل خططًا جديدةً للتعامل مع الكوارث الطبيعية. وتعتبر اليابان، وسنغافورة، وهولندا من بين الدول الرائدة في هذا المجال. وفي نهاية المطاف، يرتبط نجاح هذه التقنيات بمدى التعاون الحاصل بين الحكومات، والقطاع الخاص، والمواطنين، وبدون ثقة المواطنين لا يمكن لهذه الأنظمة النجاح.

المصادر

  1. Semanticsholar
  2. wiley online library
  3. back4app
  4. ResearchGate
  5. MDPI
  6. Readcube
  7. semanticsholar
  8. IEEE
  9. ResearchGate
  10. ResearchGate
  11. ResearchGate
  12. semanticsholar
  13. MDPI
  14. semanticsholar
  15. IEEE
  16. Semanticsholar

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


بيئة تقنية عمارة

User Avatar

Julie Youssef

مهندسة معمارية، أحب الرسم والقراءة


عدد مقالات الكاتب : 54
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق