Ad

إن معاناة البشر مع الأمراض باختلاف أنواعها وأصنافها قديمة قِدم الإنسان نفسه، أي ارتبطت معه منذ الأزل. وتتعدد أنواع وأسباب هذه الأمراض وفترة علاجها، فمنها ما يتم علاجه في غضون أيام وأشهر فيزول، ومنها ما يدوم لسنوات ريثما تتبدد أعراضه، والقسم المتبقي يشمل تلك الأمراض العِضال التي لا دواء لها ولا علاج مثمر لعلاجها نهائيًا. وهذا الأخير يضم جميع الأمراض الوراثية والتي يكون فيها الخلل على الصعيد الجيني (كمتلازمة داون ومتلازمة كلاينفلتر وغيرهما الكثير)، فالمصاب فيها سيعيش ويتكيّف معها من المهد إلى اللحد.

ومرض التصلب الجانبي الضموري هو أحد تلك الأمراض المستعصية التي عجز فيها العلم والعلماء على إيجاد سبيل نافع في إيقافه لدى المصابين به، فينمو وتتزايد حدته، يومًا بعد يوم، وصولاً إلى الشلل والعجز التام…

فما هو مرض التصلب الجانبي الضموري؟ وكيف يحدث؟ وما هي أعراضه؟ وآلية تشخيصه وعلاجه؟

تعريف:

التصلب الجانبي الضموري (Amyotrophic Lateral Sclerosis – ALS)، المعروف أيضًا باسم مرض شاركوت أو مرض لو غريغ (Lou Gehrig Disease) نسبة للاعب البيسبول المشهور لو غريغ الذي أصيب به، وهو اضطراب عصبي تدريجي يؤثر على الجهاز العصبي الحركي (Motorneuron). يتسبب هذا المرض في تلف الخلايا العصبية التي تحكم حركة العضلات الإرادية في الدماغ والنخاع الشوكي. مع مرور الوقت، يؤدي التصلب الجانبي الضموري إلى تدهور هذه الخلايا العصبية، مما ينتج عنه فقدان التحكم التدريجي في العضلات وضعفها.

يعد التصلب الجانبي الضموري أحد أكثر أنواع أمراض الخلايا العصبية الحركية شيوعًا، وعادة ما يتم اعتباره كمرض واحد، وفي الحقيقة أنه مصطلح يشمل مجموعة من الأمراض. [1][2]

أعراضه:

قد لا تظهر أعراض التصلب الجانبي الضموري بوضوح في مراحله المبكرة، وعادةً ما تتطور وتتصاعد مع مرور الوقت وتقدم المرض.

في المراحل المبكرة، يمكن للمرضى أن يشعروا بتعب غير معتاد في الأطراف، وتشنج وتصلب العضلات، وصعوبة في الحركة، وتلعثم في النطق.

ومع تقدم المرض، قد تتطور الأعراض لتشمل الآتي: صعوبة في أداء الأنشطة اليومية مثل المشي ورفع الأشياء، وضعف في الأطراف العلوية والسفلية، وتشنجات وارتعاش في الذراعين والكتفين واللسان، وعدم القدرة على الوقوف ورفع الرأس، وتجارب نوبات من الضحك أو البكاء، وتغيرات في التفكير والذاكرة، والشعور بالألم والتعب، وصعوبة في البلع والتنفس.

معرفة هذه الأعراض المحتملة يمكن أن تساعد في التعرف على التصلب الجانبي الضموري في وقت مبكر، مما يتيح فرصة للتشخيص المبكر والتدخل العلاجي. [1]

أسباب التصلب الجانبي الضموري:

إلى الآن، لم يتم تحديد سبب محدد لمرض التصلب الجانبي الضموري (ALS)، بل تتداخل عوامل وراثية وبيئية متعددة.

يمكن أن تلعب العوامل الوراثية دورًا في تطور المرض، حيث توجد طفرات جينية متعددة ارتبطت بالتصلب الجانبي الضموري العائلي وأشكاله المتقطعة. تشمل هذه الطفرات جينات مثل C9orf72 و SOD1 و TARDBP و FUS.

وعلى الرغم من توفر المعرفة حول هذه الطفرات الجينية، إلا أن الآلية الدقيقة التي تؤدي إلى موت الخلايا العصبية الحركية لا تزال غير معروفة بشكل كامل. يُشتبه في أن هذه الطفرات الجينية تسبب تراكمًا غير طبيعي للبروتينات داخل الخلايا العصبية وتعطيل تطور المحاور العصبية وتدمير الخلايا العصبية الحركية.

بالإضافة إلى العوامل الوراثية، هناك عوامل بيئية يمكن أن تلعب دورًا في تطور مرض ALS. يشمل ذلك التعرض لصدمات ميكانيكية أو كهربائية، وممارسة تمارين بشدة عالية، والتعرض للمبيدات الزراعية والمعادن الثقيلة، والتدخين.

بالإضافة إلى العوامل الوراثية والبيئية، هناك أيضًا اضطرابات المناعة غير المنظمة وارتفاع مستويات الجلوتامات وزيادة الإجهاد التأكسدي واضطرابات الميتوكوندريا والتهاب الأعصاب والعوامل الأخرى التي يمكن أن تلعب دورًا في تطور المرض.

على الرغم من أن هناك بعض العوامل الخطر التي قد تزيد احتمالية الإصابة بمرض ALS، مثل العمر والجنس والعرق، إلا أنه من المهم أن نفهم أن هذه العوامل ليست بالضرورة عوامل خاصة ومؤكدة. فالمرض يمكن أن يصيب أي شخص بغض النظر عن عمره أو جنسه أو عرقه.

باختصار، لا يزال هناك الكثير لنفهمه حول أسباب التصلب الجانبي الضموري. تعد العوامل الوراثية والبيئية محتملة في تطور المرض، ولكن الآلية الدقيقة للمرض مازالت قيد الدراسة. يعد التحقيق في هذه العوامل وفهمها أمرًا هامًا لتحسين التشخيص والعلاج لمرض ALS في المستقبل. [2]

العضلات في حالة التصلب الجانبي الضموري

أنواع التصلب الجانبي الضموري:


يمكن تقسيم المرض إلى أنواع مختلفة وفقًا للمعايير السريرية والأعراض المتواجدة. وعلى الرغم من أن جميع أنواع ALS تشترك في تأثيرها على الجهاز العصبي الحركي، إلا أن هناك اختلافات في الأعراض والتطور والتوقعات السريرية بين تلك الأنواع. وفيما يلي نستعرض بعض الأنواع الشائعة لمرض ALS:

  1. التصلب الجانبي الضموري الكلاسيكي (Classical ALS): يعتبر النوع الأكثر شيوعًا وشدة في ALS. يتميز بتأثيره على الخلايا العصبية الحركية في الدماغ والنخاع الشوكي، مما يؤدي إلى ضعف التحكم في العضلات وتدهورها.
  2. التصلب الجانبي الضموري العائلي (Familial ALS): يشير إلى حالات ALS التي تظهر في عائلات معينة بشكل وراثي. يمكن أن تكون هذه الحالات ناتجة عن طفرات جينية محددة، مثل طفرات جين C9orf72 أو SOD1.
  3. التصلب الجانبي الضموري المتقطع (Flail Arm ALS): يتسم بضعف وتدهور العضلات في الأذرع والكتفين، دون التأثير على العضلات الأخرى. يعد هذا النوع نادرًا نسبيًا ويمكن أن يكون بطيئًا في التطور.
  4. التصلب الجانبي الضموري المعقد (Primary Lateral Sclerosis, PLS): يتميز بتأثيره على الخلايا العصبية الحركية في الدماغ فقط، دون تأثيره على النخاع الشوكة. يتسبب PLS في ضعف التحكم في الحركة والتنسيق العضلي. 1][2]

التشخيص:

عادة ما يكون تشخيص معظم الحالات على عمر 55 و75 سنة. وفي الولايات المتحدة يوجد ما بين 20 و30 ألف مصاب بالمرض.

تشخيص التصلب الجانبي الضموري عادة ما يتم بواسطة طبيب أخصائي أمراض الأعصاب. ومع ذلك، لا يوجد اختبار محدد يمكن أن يؤكد بالضبط وجود مرض ALS. وبالتالي، قد يستغرق عملية التشخيص وقتًا قد يمتد من أسابيع إلى شهور.

يعتمد تشخيص التصلب الجانبي الضموري على مراقبة الأعراض وتقييم تطورها مع مرور الوقت. يمكن للطبيب أن يطلب بعض الفحوصات والتحاليل لاستبعاد المشاكل الصحية الأخرى التي قد تسبب أعراضًا مماثلة لتلك المرتبطة بـ ALS. ومن بين هذه الحالات الأخرى: التصلب المتعدد، الاعتلال العصبي المحيطي، الاعتلال العضلي، متلازمة ما بعد شلل الأطفال، ضمور العضلات الشوكي، وبعض الأمراض المعدية مثل فيروس نقص المناعة البشرية ومرض لايم وفيروس غرب النيل، وأورام الحبل الشوكي أو ديسك الرقبة.

قد يشمل التشخيص الفحوصات والتحاليل التالية التي يطلبها الطبيب: تخطيط كهربية العضل للكشف عن النشاط الكهربائي في العضلات(EMG – Electromyography)، دراسة التوصيل العصبي لاختبار جودة إرسال الأعصاب للإشارات، الرنين المغناطيسي لتحديد التغيرات في الجهاز العصبي لدى المريض، فحوصات الدم والبول، خزعة العضلات، واختبارات جينية خاصة تُجرى للأفراد الذين لديهم تاريخ عائلي لمرض ALS.

[1][2]

العلاج:

حاليًا، لا يوجد علاج مؤكد للتصلب الجانبي الضموري (ALS). ومع ذلك، هناك استراتيجيات عديدة تُستخدم لإدارة الأعراض وتحسين جودة الحياة لدى المرضى المصابين به. يشمل ذلك:

  1. الرعاية المتعددة التخصصات: يتضمن فريق رعاية متعدد التخصصات أطباء الأعصاب وأخصائيي العلاج الطبيعي وأخصائيي العلاج الوظيفي وأخصائيي التغذية وأخصائيي التنفس والدعم النفسي. يعمل هذا الفريق سويًا لتوفير رعاية شاملة للمرضى ولتعزيز راحتهم وسلامتهم.
  2. العلاج الدوائي: يستخدم الأدوية للتحكم في بعض الأعراض المرتبطة بـ ALS مثل الشلل العضلي والتشنجات والتشوهات اللونية العاطفية. قد يوصف الطبيب العلاجات المضادة للتشنج مثل الباكلوفين أو الديازيبام للتخفيف من التشنجات وتقليل الألم.
  3. العلاج التنفسي: يعاني المرضى المصابون بـ ALS من تدريجياً من ضعف العضلات المسؤولة عن التنفس. لذلك، يمكن أن يتضمن العلاج التنفسي استخدام أجهزة التنفس الميكانيكي المعروفة باسم أجهزة التنفس الاصطناعي أو استخدام أجهزة الدعم التنفسي المحمولة.
  4. العلاج الطبيعي والعلاج الوظيفي: يهدف إلى الحفاظ على القدرة على التحرك والقوة العضلية وتحسين التنسيق والتوازن. قد يتضمن ذلك تمارين الاستطالة وتقوية العضلات وتحسين القدرة على الحركة وتعليم تقنيات المساعدة فيالحركة واستخدام الأدوات المساعدة لتعزيز الاستقلالية.
  5. العلاج النفسي والدعم العاطفي: يواجه مرضى ALS تحديات نفسية وعاطفية كبيرة. يمكن للعلاج النفسي والدعم العاطفي أن يكون مفيدًا في التعامل مع الصعاب النفسية وتقديم الدعم النفسي والمعنوي للمرضى وأفراد أسرهم.
  6. الأبحاث السريرية: تشمل المشاركة في التجارب السريرية والدراسات البحثية الحالية في مجال ALS. يهدف ذلك إلى فهم أفضل للمرض وتطوير علاجات جديدة ومبتكرة لمكافحته.

يجب أن يكون العلاج الفردي لـ ALS مبنيًا على احتياجات المريض وتطور المرض لديه. قد يتطلب ذلك ضبط العلاجات وفقًا للظروف الفردية والتعاون الوثيق بين الفريق الطبي والمريض وأسرته. [1][2]

معاناة ستيفن هوكينغ مع المرض:

ولد ستيفن هوكينج في عام 1942 في أكسفورد، إنجلترا، وكان شابًا طموحًا ومبدعًا في مجال الفيزياء، كان قد بدأ دراسته في جامعة كامبريدج. إلا أنه وفي سن الواحد العشرين، تم تشخيصه بمرض التصلب الجانبي الضموري، وهي حالة نادرة جدا أن يحدث المرض في عمر كهذا. فكانت ردة فعل الأطباء له أنه لن يعيش طويلًا، لكنه فعل!

فعاش هوكينغ مع المرض وصارعه بعد ذلك لمدة تزيد عن 5 عقود…

توفي ستيفن هوكينغ في صباح 14 مارس/آذار 2018 عن عمر يناهز 76 عاما، وقد عُرف بأعماله المهمة في الثقوب السوداء والنسبية العامة والوقت التخيلي (imaginary time).

المصادر والمراجع:

1- Medlineplus

2- WebMD

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


وراثة طب صحة أحياء

User Avatar

Mohammad Shawerdi

طالب علم، مهتم بالمعرفة والثقافة، مع التخصص بالمجال الصحي-الطبي المتعلق بالتحاليل الطبية.


عدد مقالات الكاتب : 15
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق