الفن القديم والفن الفرعوني

هذه المقالة هي الجزء 3 من 9 في سلسلة مقدمة في تاريخ الفن القديم

سلسلة الفن القديم والفن الفرعوني

بعد أن استقر الإنسان في الأرض، وقام بتعميرها زراعيًا واقتصاديًا وفنيًا، وابتعد عن الحياة البدائية،، بدأ يحول اهتمامه نحو الحياة الأخرى بشكل كبير، وهذا ما فعله بالضبط الفن الفرعوني.

أثناء ازدهار حضارة بلاد الرافدين، برزت حضارة أخرى بلغت إسهاماتها للحياة الأخرى ما يميزها عن غيرها، وتوثقه توثيقًا متقنًا بوسائل فن فاقت جميع ما سبقها من حضارات وفنون، فنشأت تلك الحضارة هي الفرعونية متميزة تميزًا ضخمًا.

التسلسل الزمني للفن الفرعوني

أصبح تاريخ الحضارة الفرعونية معروفًا من خلال فنه إلى حد كبير، فقد تطور الفن في مصر القديمة بشكلٍ ملحوظ خلال فترة ما قبل الأسرات (6000 ق.م – 3150 ق.م) من خلال الرسوم الصخرية والأعمال الخزفية.

لكن تم إدراكه بالكامل في فترة الأسرات المبكرة (حوالي 3150 – 2613 ق.م.) في لوح نارمر الشهير.

وكان ذلك أول أبواب الفن في الحضارة الفرعونية، فلوح نارمر من أشهر القطع الفنية في ذلك العصر، وهو طبق حجري تم عمله احتفالًا بالنصر لتوحيد مصر وهو الأمر المدوّن على وجهيه، والمنحوت فيهما مشاهد توحيد الملك نارمر لمصر العليا والسفلى بشكلٍ معقد.

وتتجلى أهميته في التركيبة الغريبة التي تتميز برؤوس أربعة ثيران –والتي ترمز للقوة- في أعلى كل جانب، وبتمثيل غاية في التوازن لشخصيات القصة.

ويعتبر هذا العمل تحفة فنية من عصر الأسرات المبكرة؛ مظهرًا بشكلٍ كبير مدى تقدم الفنانين المصريين في ذلك الوقت.

لوحة نارمر ، مصر ، ج. 3100 قبل الميلاد. يصوّر اللوح الملك نارمر وهو يغزو أعدائه ويُخضع الأرض. المتحف المصري، القاهرة.

وقد استمرت إسهاماتهم الفنية بعد هذا اللوح بهرم زوسر (هرم سقارة)، والذي عكس بطبيعة الحال المهارة المصرية في العمل في الحجر على الأعمال الفنية الضخمة.

وقد ازدهر الفن بشكل ملحوظ خلال عصر الدولة الوسطى (2040-1782 قبل الميلاد) والذي يعتبر عمومًا أهم مكان في الثقافة المصرية.

فقد بدأت صناعة التمثال الهائل الحجم، وهي نفس الفترة التي بني فيها معبد الكرنك العظيم في طيبة، مرورًا باستبدال مثالية تصورات المملكة القديمة للتماثيل واللوحات بأشكال واقعية، حتى ظهور فن الطبقات الدنيا أكثر من السابق، والذي كانت تحتكره نخبة المجتمع والطبقات العالية.

معبد الكرنك، أكبر معبد في العالم، مدينة الأقصر، مصر.

لكن حينما ظهرت المملكة الحديثة (1570 – 1069 ق.م) تم اعتبارها فورًا الفترة الأكثر شهرة من تاريخ مصر، وقد أنتجت بعض أروع وأشهر الأعمال الفنية: كتمثال نفرتيتي والقناع الذهبي لتوت عنخ آمون.

ويتميز فن المملكة الحديثة بجودة عالية في رؤيتهم الفنية وتقنياتها؛ وذلك لتفاعل الدولة المصرية مع الثقافات المجاورة، بما أن ذلك العصر هو عصر دخول الإمبراطورية إلى مصر.

سمات الفن الفرعوني

يحتاج أي عمل ببساطة إلى أن يكون جميلًا، ويحظى الفن المصري بإعجاب دائم بجماله بسبب القيمة التي قدمها المصريون القدماء في التماثل – Symmetry.

يعكس التوازن المثالي في الفن المصري القيمة الثقافية للإلهة (ماعت) -إلهة الحق والنظام والعدل- والذي كان نظامها أساسًا قويًا للحضارة المصرية.

فقد جعلت الكون مرتبًا من فوضى متماثلة، وكانت تلك الفوضى هي مفهوم الوحدة، لكنها جعلت الازدواجية -الليل والنهار، الإناث والذكور، الظلام والضوء- منظمة بدقة.

ويجب النظر إلى الفن المصري القديم من وجهة نظر المصريين القدماء لفهمه، فقد كانت التماثيل والصور دائمًا ما تتميز بأوضاع ثابتة إلى حد ما، تحيطها هالة العادات الرسمية، بالإضافة إلى ظهورها بشكل تجريدي.

وغالبًا ما أدت الطبيعة الغامضة للعديد من الفن المصري القديم إلى مقارنات غير عادلة  مع بقية الفنون اللاحقة ، كالفن اليوناني أو فن عصر النهضة.

لكن هذا لا يعني أن المصريين لم يكن لديهم شعور بالجمال. فقد كُتبت الهيروغليفية المصرية مثلًا مع أخذ علم الجمال في الاعتبار بشكل كبير وواضح.

وظيفة الفن الفرعوني

خدم  فن المصريين غرضًا مختلفًا تمامًا عن غرض هذه الثقافات، فقد تم إنشاؤه لغرض عملي، بينما كان الفن اللاحق مخصصًا للمتعة الجمالية.

فبينما نتعجب من الكنوز المتلألئة من قبر توت عنخ آمون، والنقوش البارزة في مقابر المملكة الحديثة ، والجمال الهادئ للتماثيل في الدولة القديمة، من الضروري أن نتذكر أن غالبية هذه الأعمال لم يُقصد منها أن يستمتع بها؛ بل صُممت لتفيد الآلهة أو المتوفيين.

فقد كان غرض التماثيل هو تجسيد المتلقي (الآلهة أو المتوفي) للظهور أمام الشعب وبالتالي استفادتهم من الطقوس المقدمة لهم.

تُظهر معظم
التماثيل بشكل أمامي ورسمي متجهة للأمام؛ لمواجهة الطقوس التي تُجرى أمامها. فالتماثيل -سواء كانت إلهية أو ملكية أو لأفراد من نخبة المجتمع- وفرت نوعًا من القنوات للروح للتفاعل مع العالم الأرضي.

معبد أبو سمبل، 230 كم جنوب غرب أسوان، مصر.

وقد أظهرت لوحات القبور مشاهد من حياة المرء على الأرض حتى تتذكرها الروح، أو مشاهد من الجنة يأمل المرء في بلوغها حتى يعرف كيفية الوصول إليها.

وعلى سبيل المثال، فقد صُممت حديقة تعود للأسرة الحادية عشرة لتحكي قصة رحلته صاحبها في الحياة وصولًا إلى الجنة.

فقد بنيت أعمدة الرواق على شكل أزهار اللوتس والتي ترمز إلى منزله في صعيد مصر، ويمثل حوض السباحة في الوسط  بحيرة (ليلي)، التي يتعين على الروح عبورها للوصول إلى الجنة.

وقد تم تزيين سور الحديقة البعيدة بمشاهد من الحياة الآخرة، لذا في كل مرة يجلس فيها في حديقته؛ستذكره كل تلك المشاهد بطبيعة الحياة باعتبارها رحلة قصيرة، والذي من المرجح أن يضفي عليه نظرة زاهدة للحياة عند مروره بأي ظروف قد تكون مزعجة!

السجلات

تم تسجيل مشاهد تروي قصصًا في مختلف مجالات الحياة بشكلٍ متوازٍ على الحائط يعرف باسم السجلات، وهذه السجلات تفصل المشاهد عن بعضها بخطوط أرضية.

ويوجد نوع آخر من المشاهد المدونة لا تحتوي على سجلات، وعادة ما تسجل مشاهد للقتال والصيد، وفي كثير من الأحيان تظهر الجيوش دون خطوط أرضية.

الخامات المستخدمة في الفن الفرعوني

كان من طبيعة حال الفن في تلك العصور أنه استخدم بواسطة مواد طبيعية ولكن معدة بطرق متقنة، وبالنسبة للحضارة الفرعونية، فقد مزج الفنانون الألوان المصنوعة من معادن طبيعية.

فقد صنعوا الأسود من الكربون، والأحمر والأصفر من أكاسيد الحديد، أما بالنسبة  للأزرق والأخضر فكانوا من من الأزوريت والملكيت، أما  الأبيض كان من الجبس.

يتم خلط المعادن مع المواد العضوية بنسب مختلفة، ثم يتم خلطها مع بياض البيض لجعلها لزجة بحيث تلتصق بالسطح، بالإضافة لمواد غير معروفة حتى يومنا الحالي.

تفاصيل من عرش( توت عنخ آمون) الذي يظهر مع زوجته (عنخ إست آمون) على اليمين. المتحف القومي للحضارة المصرية، القاهرة، مصر.

وكان الطلاء المصري متينًا لدرجة أن العديد من الأعمال ظلت حية بعد أكثر من 4000 عام، حتى الغير المحمية منها في المقابر!

أما بالنسبة للنحت بنوعيه البارز والغائر، فيتم تنعيم سطح الجدار وهو ممزوج بالجص، ثم يغطى بالرمل.

وفي البداية، يقوم أحد الفنانين بإنشاء نموذج مصغر للعمل الكبير بطريقة دقيقة، ثم يرسم الخطوط الأساسية عليه بتقنية الشبكة ويقوم بنقلها على الحائط بالنسب الجديدة.

ولن تواجه الفنان أية مشاكل مع النسب عند النقل؛ لأنه سيتمكن من نسخ الصورة بالنسب الصحيحة باستخدام العمل الأصغر كنموذج ومرجع.

وحينما ينتهي الفنان من نقل النسب الصحيحة، يُرسم المشهد على الحائط ثم يتم تحديده بالطلاء الأحمر.

وقبل أن يباشر العمل النهائي، يجب المرور على مرحلة الملاحظة والتصحيح، فسيتم إجراء تصحيحات على العمل بواسطة فنان أو مشرفٍ آخر، ثم عند التأكد من كل شيء فيها يتم طلاؤها باللون الأسود، وبمجرد انتهاء تلك المرحلة يبدأ الفنان في النحت والتلوين.

هل ما نراه في المتاحف هو كل شيء؟

إن معظم الأعمال التي نراها في المتاحف هي في الحقيقة نتاج ورش ملكية أو تعود ملكيتها لصفوة المجتمع؛ فتلك القطع تتناسب بشكل أفضل مع أفكارنا الحديثة عن الجمال!

ومع ذلك، فإن معظم أقبية المتاحف يوجد بها الآلاف من القطع الأخرى والمصممة للأشخاص ذوي المكانة المنخفضة – كالتماثيل الصغيرة والتمائم والتوابيت والأحجار- والتي يمكن التعرف عليها بشكلٍ كامل، ولكن نادرًا ما يتم عرضها.

تُظهر هذه القطع بشكل عام جودة أقل في المصنعية؛ بمشاكلٍ في النسب أو لسوء تنفيذها، والتي قليلًا ما يتم اعتبارها (فنًا) بالمعنى الحديث.

لكنها تخدم رغم ذلك نفس الوظيفة بالضبط المتمثلة في توفير المنفعة لأصحابها وبنفس درجة الفعالية، كتلك التي صُنعت للنخبة.

اقرأ أيضًا: الفن في مصر القديمة

المصادر:
Ancient History
Khan Academy

عن الفن القديم وفن بلاد الرافدين

هذه المقالة هي الجزء 2 من 9 في سلسلة مقدمة في تاريخ الفن القديم

فن بلاد الرافدين

بداية المدن والحضارة

حوالي 10000 قبل الميلاد، أرست بلاد الرافدين أعمدتها من قبل قبائل مجهولة من صيادي العصر الحجري القديم.

وبعد فترة قصيرة من العصر الحجري، سنة 7000 قبل الميلاد تقريبًا، تغيرت الثقافة من النمط البدائي شبه البدوي -والذي عُرف بالصيد وجمع المواد الغذائية- إلى نمط حياة أكثر استقرارًا، يعتمد على الزراعة وتربية الحيوانات المستأنسة.

فقد أودى تشكيل القرى والمدن إلى سلسلة من الأنشطة الجديدة، كالتجارة وبناء القوارب لنقل البضائع، بالإضافة إلى نمو المعتقدات الدينية والاحتفالات والطقوس الخاصة بها.

وهي الأمور التي أدت مباشرة إلى تحسينات بالإمداد الغذائي، وبالتالي ارتفاع عدد السكان، لتنشأ بذلك أول مدن حضارية في العالم مثل أور وأوروك وإيردو، تليهم فيما بعد نينوى ونيبور وآشور وبابل.

السومريين

عاش السومريون القدماء في الجزء الجنوبي من العراق الآن، ويقع معقل سومر بين نهري دجلة والفرات، فيما أطلق عليه اليونانيون فيما بعد بلاد ما بين النهرين.

امتهن السومريون العديد من المهن، فقد عملوا كمزارعين وتجار وبحارة، وتعترف ديانتهم بالعديد من الآلهة الذين تم وصف مآثرهم ومعاركهم في الأساطير العديدة، والتي من الواضح أنها كتبت للأجيال القادمة.

أوروك

تنتهي فترة ما قبل التاريخ ببداية مدينة أوروك مباشرةً. ولقد سيطرت على جنوب بلاد الرافدين، وعرفت بإتقان نظام الري والإدارة فيها.

بداية الكتابة

لقد كانوا مبدعين بشكل مميز بشكل يجعلهم مسؤولون عن تطوير الكتابة الأولى، ويكاد يكون من المستحيل تخيل فترة ما قبل الكتابة، ومع ذلك، قد تشعر بخيبة أمل عندما تعلم أن الكتابة لم يتم اختراعها لتسجيل القصص أو الشعر أو الصلوات؛ بل لحساب السلع الفائضة، كفائض الشعير والماشية، وجرار الزيت!

فقد نشأ أصل اللغة المكتوبة بدافع الضرورة الاقتصادية، وكان أداة للنخبة الحاكمة (الكهنوتية) التي كانت تتتبع الثروة الزراعية للمدن بشكل أساسي.

الأحرف المسمارية

يمكن كتابة تلك الأحرف إما أفقيًا أو رأسيًا، على الرغم من أن النظام الأفقي كان الأشمل. ويوجد عدد قليل جدًا من تلك الحروف التي ليس لها سوى معنًا واحدًا، فمن الممكن أن تمثل العلامات المسمارية كلمة كاملة أو فكرة أو رقمًا أو مقطعٍ لفظي.

ونتيجة لذلك، كتبت الكثير من اللغات بالأحرف المسمارية عبر تاريخ الشرق القديم بسبب هذه المرونة.

وقد مر فن بلاد الرافدين بعدة فترات، تغير وتطور بها تطورًا ملحوظًا، ويمكن أن نقسم تلك الفترات إلى:

الفترة المبكرة

كان الفخار الخزفي هو الوسيلة الرئيسية لفن العصر الحجري الحديث، خلال الفترة المبكرة في بلاد الرافدين – والذي امتلك جودة أعلى بكثير من أي نوع من الفخار اليوناني الذي تم إنتاجه-.

وقد ظهرت حينها التصميمات الهندسية و الزخارف النباتية والحيوانية؛ حينما بدأوا بزخرفة العديد من المعادن الثمينة لتنتج لنا أجمل القطع الأثرية والأعمال الفنية.

وحوالي عام 3200 قبل الميلاد في بابل تم اكتشاف أول طلاء أظافر على الإطلاق، عندما قام الرجال بتلوين أظافرهم بالكحل، وهي مستحضرات تجميل قديمة تحتوي على كبريتيد الرصاص.

كان المعبد الأبيض من أعظم الأماكن الأثرية في أوروك تلك الفترة، والذي يعود تاريخه إلى أواخر الألفية الرابعة قبل الميلاد.

منظر عام لموقع المعبد الأبيض الأثري في العراق. اكتشف بواسطة وليام كينيت لوفتوس عام 1849. ويعتقد أن الاسم العربي لبابل، العراق، مشتق من اسم أوروك.

الألفية الثالثة

تمثال من الديوريت بتكليف من جوديا الذي أعاد بناء معابد لاجاش العظيمة وأمر بصنع تماثيل لنفسه فيها.

ظهر التمثال
الميداني القائم بذاته من الحجر والخشب خلال الألفية الثالثة، إلى جانب التماثيل البرونزية والمجوهرات الشخصية البدائية. وكانت النقوش الطينية أو النقوش على الأسقف شكلًا فنيًا مشهورًا، كوسيلة تستخدمها الطبقات المتعلمة لرواية القصص.

وتضمنت سلسلة من الأضرحة بعض التماثيل البرونزية، وخلال هذه الفترة، ظهر فن الأسر الغنية من خلال شخصيات بشرية رائعة مجسمة بالحجم الطبيعي بالحجر والنحاس، و بعض من الأختام الأكثر جمالًا على الإطلاق.

وهو الأمر الذي يشير إلى وجود أفضل نحاتين في المنطقة، ومما يؤكد على ذلك عدد “تماثيل جوديا” الذي لا يحصى، والتي مازالت حتى الآن.

الألفية الثانية

سقطت سلالة أور الثالثة في عام 2003 قبل الميلاد، وكان شمال بلاد ما بين النهرين تحت سيطرة آشور، بينما سيطرت بابل على الجنوب.

كانت هذه هي الفترة التي طور فيها الآشوريين منحوتاتهم الحجرية؛ كما يتضح من التماثيل والنقوش الأثرية التي زينت قصور الملوك.

قوانين حمورابي

كانت قوانين حمورابي واحدة من أقدم وأكمل القوانين المكتوبة، التي أعلنها الملك البابلي حمورابي.

وهي مجموعة من 282 قانون للتعاملات التجارية والغرامات، وعقوبات للوفاء بمتطلبات العدالة. تم نقش تلك القوانين على أسطوانة حجرية سوداء ضخمة، تم نهبها من قبل الغزاة لكن اكتشفت أخيرًا في عام 1901.

الإمبراطورية الآشورية وسقوط بابل (934-539)

ظهر الآشوريون في القرن العاشر قبل الميلاد كقوة مهيمنة في الشرق الأدنى، فقاموا ببناء قصور ضخمة ومعابد في نينوى ونمرود؛ والتي كانت تحرس بواباتها الحجرية الأسود أو الثيران المجنحة.

إمبراطور بابل ومدينته الأسطورية

حدائق بابل المعلقة

شرع الملك البابلي (نبوخذ نصر الثاني) في جعل عاصمته ببلاد الرافدين واحدة من أكثر المدن روعة في العالم. ففي تلك الفترة، خصوصًا في أواخر القرنين السابع والسادس قبل الميلاد، قام بتزيين المدينة بالمعابد والقصور وبنى أهم ما فيها: بوابة عشتار، وحدائق بابل المعلقة.

تمثيل لحدائق بابل المعلقة، الحدائق الأسطورية التي زينت عاصمة الإمبراطورية البابلية. بواسطة فرديناند كناب، ١٨٨٦ م.

حينما أضاف الإمبراطور تلك الحدائق الواسعة إلى مدينته، انتشر صيتها في جميع أنحاء العالم القديم. تعد حدائق بابل واحدة من عجائب الدنيا السبع، وهي المعجزة الوحيدة التي يتنازع وجودها بين المؤرخين.

يزعم بعض العلماء أنها كانت في نينوى، عاصمة الإمبراطورية الآشورية، وبعضهم يتشبث بالكتّاب القدامى وينتظرون علم الآثار لتقديم دليل إيجابي، وما زال آخرون يعتقدون أنها مجرد نسج من الخيال القديم.

يتم وصف تلك المدرجات الحجرية العالية بأنها تشبه الجبال، والتي زرعت مع العديد من أنواع الأشجار الكبيرة والزهور. لكن لم تكن المدرجات قد خلقت فقط تأثيرًا جماليًا لطيفًا للنباتات المعلقة؛ ولكنها جعلت الري أسهل.

ويقال أن سبب إنشاء الحدائق هو لجعل زوجة الملك البابلي تشعر بالحنين إلى وطنها الأخضر المليء بالتلال، لكن للأسف لا توجد إشارة إلى ملكة بهذا الاسم في السجلات البابلية.

بوابة عشتار

بنيت بوابة عشتار 575 قبل الميلاد مع أبراجها الجميلة، وتصويرها في بلاطات من الحيوانات الحقيقية والخيالية. زينت تلك البوابة بالثيران والتنانين والأسود بطريقة غاية في الجمال.

وفي غضون قرن من الزمن ، تم نسيان الفن السومري والأكادي والبابلي والآشوري، حيث بدأ العالم في تجربة النحت اليوناني ، كما يتضح من التماثيل المعمارية في البارثينون، وكذلك التماثيل السامية للنحت اليوناني الكلاسيكي الرفيع.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

Khan Academy
Visual Art Cork
Metmuseum.org
Ancient History
History.com

عن الفن القديم وفن العصر الحجري

هذه المقالة هي الجزء 1 من 9 في سلسلة مقدمة في تاريخ الفن القديم

عن الفن القديم وفن العصر الحجري

منذ بداية الخلق والتاريخ، ومع بداية اختراع الكتابة واكتشاف أول مأوى للإنسان في العصر الحجري القديم، بدأت هناك رحلة الفن. فن أول إنسان وأول حضارات قامت على الأرض.

حين تشعبت البشرية، وجابت بقاع الأرض؛ بدأت الحضارات والشعوب المتفرقة في الازدهار، وقد تحضروا حينما أدركوا أن الجمال يقع في كل شيءٍ حولهم؛ بدءًا من افتراس النمور للماشية، حتى صيد الإنسان لها، وصولًا باختراعهم طرق للحماية من الوحوش، سواء أكانت سلاحًا أم سحرًا!

ومنذ بدء الزراعة واكتشافهم للأشياء، بداية من النار والمعادن وصولًا للحضارة والديمقراطية مرورًا بالقوانين والسلطة وطريقة الحكم، ومع ظهور العلماء والفلاسفة والفلكيين والأطباء، حيث غاص كل شيء في بحاره الجديدة، رأوا الجمال في كل شيء من نوع خاص، وقرر كلٌ بطريقته أن يوثق هذا الجمال.

فبين ما يقرب من 5000 ق.م. و 300 م، ازدهرت الحضارات المتقدمة عمومًا في بلاد ما بين النهرين ومصر واليونان وسومريا وأكاديا والمكسيك وروما واليابان والصين والهند.

وقد لعب الفن دورًا مهمًا في هذه المجتمعات من خلال توفير وسيلة لفرض النظام الديني والسياسي. فعلى سبيل المثال، تعبّر واحدة من أشهر الأعمال الفنية في بلاد ما بين النهرين القديمة عن ذلك، وهي (شريعة حمورابي)، والتي تسمى بمهد الحضارة.

وهي مجموعة من القوانين المنحوتة على الحجر وتزينها صورة الملك حمورابي، وإله بلاد الرافدين.

وعلى الرغم من أن الفن بدأ على يد سكان عصور ما قبل التاريخ، وصنعوه منذ ما يقارب 40000 عام مضت، إلا أنه يعتبر أساسًا لكل تاريخ الفن؛ حيث ساهمت تقنياته وأشكاله وموضوعاته بشكلٍ كبير في تعريف الفن في أيامنا هذه.

ولنعرف ما هي أشكال الفن القديم، يجب علينا البدء بأول أبناءه، والذي ما زال صامدًا حتى الآن بشكل يثير الدهشة، فن العصر الحجري.

العصر الحجري القديم (30000 ق.م. – 2500 ق.م.)

يتميز فن العصر الحجري – والذي يعرف باسم فن ما قبل التاريخ أيضًا- بالرسم في الكهوف ، ولعل أشهر ما يوجد منه حتى الآن، الرسومات الموجودة في كهف لاسكو في فرنسا.

ولا نستطيع أن ننسى تمثال “امرأة ويليندورف” أو المعروف باسم “Venus of wilindurf”. وهي قطعة أثرية يقع تاريخ صناعتها إلى ما بين 24000 و 22000 قبل الميلاد، مما يجعلها واحدة من أقدم وأشهر الأعمال الفنية الباقية.

“Venus of Willendorf – امرأة ويليندورف”. 22,000 – 24,000 ق.م . يبلغ طولها 11,1 سم. متحف الفن الطبيعي – فيينا. حقوق ملكية الصورة: Steven Zucker

لكن أقرب فن لما هو قبل التاريخ هو مختلف عن كل هذا تماما، فلا مكان هنا لتماثيل فينوس الشهيرة أو لوحات الكهوف الجميلة في لاسكو والتاميرا، فهي تشبه فننا الحديث بشكل كافٍ. بل نتحدث هنا عن الأشكال الأولى للتعبير الفني لما قبل التاريخ، وتحديداً ما يعرف بالكبسولات، وهي واحدة من أقدم أشكال الفن ما قبل التاريخ.

لكن الشكل الرئيسي لفن ما قبل التاريخ هو (الفن الصخري) والذي يشمل:

  • نقوش صخرية، وتُعرف باسم المنحوتات الصخرية أيضًا.
  • نقوش تتضمن علامات مرسومة أو مطلية، ورموز هندسية، وبصمات يدوية.

وقد استمر إنتاج الفن الصخري في جميع أنحاء العصر الحجري القديم، ويمكن رؤيته في أوروبا وآسيا وأفريقيا وأستراليا والأمريكيتين.

النحت في العصر الحجري

هناك أربع فئات رئيسية للنحت ما قبل التاريخ:

الأجسام البشرية البدائية:

تعرض هذه العناصر قدرًا ضئيلًا جدًا من الإبداع؛ لدرجة أن بعض الخبراء يشككون في إمكانية اعتبارها فنًا.

النحت البدائي:

ومن الأمثلة على ذلك: سمك السلمون “Abri du Poisson Prehistoric Cave”.والتمثال المعروف باسم “Venus of Laussel”، بالإضافة للتماثيل الطينية. ويشمل أيضًا فنًا مصغرًا مثل نقوش الحيوانات في Gobekli Tepe.

تماثيل فينوس:

تم إنتاج هذه التماثيل الصغيرة بشكل أساسي في هذا العصر (وهي شبيهة بالتمثال السابق للمرأة أعلاه)، ومعظمها يبلغ بضع بوصات فقط في الطول، وتتميز بأشكال إناث مع تكبير واضح للثديين والبطن والوركين والساقين.

ويرى الخبراء أنها أيقونات ذات طبيعة دينية أو أنها خارقة للطبيعة، على الرغم من أن أهميتها الثقافية لا تزال لغزًا حتى الآن.

المنحوتات التصويرية من الشخصيات والحيوانات البشرية:

وظهر هذا النوع لأول مرة في أوائل العصر الحجري القديم. وذلك مثل “Lion Man of Hohlenstein Stadel”.

لوحات كهوف العصر الحجري القديم

مع تقدم هذا المجتمع بما فيه الكفاية لقبول الطقوس والاحتفالات ذات الطبيعة شبه الدينية، تم تخصيص بعض الكهوف لجعلها كمعارض فنية. فقد بدأ الفنانون في إنشاء سلسلة من اللوحات للحيوانات ومشاهد الصيد، وغيرها من الرسوم التوضيحية لحياة ما قبل التاريخ، بالإضافة للصور الرمزية.

ومن بين أعظم الأمثلة على لوحات الكهوف: لوحات “الخيول” المنفذة بالفحم على الحجر الجيري، و “قاعة الثيران” في كهف لاسكو، والذي يحتوي على أكبر صور معروفة للماشية آنذاك.

بالإضافة لرسومات كهف ألتاميرا متعددة الألوان، في كانتابريا بإسبانيا، والتي وصفها علماء الحفريات وغيرها بأنها “كنيسة السيستين لفن ما قبل التاريخ”.

العصر الحجري الحديث

تشتهر هذه الفترة بفنونها وهندستها المعمارية الأثرية والمنحوتات البرونزية، وما يميز لوحات ذلك العصر هي خروجها من الكهوف إلى الهواء الطلق، بينما يظهر بشكل واضح الفن المحمول، كالأواني والحلي.

تتميز فترة العصر الحجري الحديث بتطور الزراعة وتربية الحيوانات، مما أدى إلى أسلوب حياة أكثر استقرارًا؛ مما حفز نمو الفنون والحرف.

ومع وجود مزيد من الاستقرار على شكل القرى والمجتمعات الصغيرة، تتبدل اللوحة الصخرية بفن أكثر قابلية للنقل، والذي يزداد تدريجيًا باستخدام المعادن. وذلك حين استُخدم النحاس لأول مرة في بلاد ما بين النهرين.

كما يبدأ تصميم أدوات جديدة تأخذ مكانها بقوة في الساحة، ونبدأ برؤية التماثيل الكبيرة القائمة بذاتها بالحجر والخشب، بالإضافة لظهور الفخار والمجوهرات البدائية والتصميمات الزخرفية على مجموعة متنوعة من القطع الأثرية.

المواد الفنية المستخدمة في العصر الحجري:

استخدم النحاتون في عصور ما قبل التاريخ كل أنواع المواد التي يمكنهم وضع أيديهم عليها ، بما في ذلك الأحجار مثل الكوارتزيت والإسيتيتيت والحجر الرملي والسربنتين والحجر الجيري ، بالإضافة إلى عاج الماموث وعظام الحيوانات وجرافات الرنة.

وقد استخدم رسامو العصر الحجري مجموعات متعددة من المواد لإنشاء الألوان. بما في ذلك ظلال مختلفة من مغرة الطين وثاني أكسيد المنغنيز والفحم. من الممكن تمامًا معرفتهم بالأصباغ المستمدة من استخدامهم لفن الجسم ، مثل طلاء الجسم والرسم على الوجه.

اقرأ أيضًا عن: فن بلاد الرافدين

المصادر:
Artsy
Art history timeline
Stone Age Art
Khan Academy

Exit mobile version