أدلة التطور: الأعضاء الضامرة

هذه المقالة هي الجزء 6 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

بعد أن تعرفنا في الجزء السابق من هذه السلسلة على بعض من أدلة التطور التشريحية، سنستعرض اليوم نوعًا آخر من أدلة التطور التي يمكننا أن نراها بأعيننا في أنفسنا، وهي الأعضاء الضامرة.

تعريف الأعضاء الضامرة

وفقًا لموقع (biologyonline)، فإن «الأعضاء الضامرة-Vestigial organs» هي أعضاء موجودة في جسم الكائن الحي فاقدة لوظيفتها أو تقوم بوظيفة أخرى غير وظيفتها الرئيسية [1]، ولكن من أين لنا أن نعرف الوظيفة الأصلية لهذه الأعضاء لكي نحدد أن وظيفتها قد تغيرت؟

نستطيع معرفة الوظيفة الأصلية للأعضاء الضامرة عن طريق مقارنتها تشريحيًا ووظيفيًا بالأعضاء المشابهة في الكائنات الأخرى، وبناء عليه يمكننا تحديد ما إذا كان العضو ضامرًا أم لا، لنستعرض أمثلة للتوضيح.

طيور لا تطير

جميعنا نعلم أن وظيفة الأجنحة عند الطيور هي الطيران، ولكن ماذا إن كان الطائر لا يطير؟ فما فائدة الأجنحة في هذه الحالة؟

ولكي نطبق ما ذكرناه سابقًا، سنقوم بالمقارنة بين وظائف هذه التراكيب والأعضاء وبين الأعضاء المشابهة لها في الكائنات الأخرى لنرى ما إذا كانت ضامرة أم لا، وما دلالة هذا الضمور؟

النعام

قد تنمو النعامة ليصل طولها إلى 2.5 متر، ويزيد وزنها عن 135 كيلوجرام، وتستطيع الجري بسرعة 72 كم/ساعة، إلا أنها لا تستطيع الطيران. فأجنحة النعامة صغيرة نسبيًا مقارنة بحجم جسدها [2]، كما أن تلك الأجنحة أضعف من أن ترفع النعامة ذات الوزن الثقيل عن الأرض. إلا أن النعامة قامت بتوظيف أجنحتها في أشياء أخرى، كاستخدامها للتظليل على بيضها الكبير نسبيًا. تبقى وظيفة الأجنحة في الطيور الأخرى الطيران، وليست التظليل على البيض أو الحفاظ على التوازن أثناء الجري.

البطريق

تُعد البطاريق من الطيور التي لا تطير، حيث تمتلك ريشًا ومناقيرًا وأجنحة كذلك. لكن لا تستخدم البطاريق أجنحتها في الطيران، وإنما تستخدمها في السباحة أثناء الصيد.

ونلاحظ من الصورة السابقة أنه على الرغم من التشابه الوظيفي بين أجنحة الطيور وزعانف الأسماك (كلاهما يُستخدم في السباحة) إلا أنها لا تتشارك نفس التشريح الداخلي مع الزعانف. ولكن تتبع النمط الذي ناقشناه في الجزء السابق المكون من عظمة، ثم عظمتين، ثم عدد من العظام، ثم الأصابع. يدل هذا على أن الأطراف الأمامية للبطاريق هي أجنحة ضامرة. [2] , [3]

«الإيمو-Emu»

قد تبلغ طيور الإيمو ارتفاع 1.8 متر، ووزنًا يقارب ال 50 كيلوجرام، إلا أنه أجنحتها صغيرة جدًا لتمكينها من الطيران. فأجنحة طائر الإيمو تبلغ من الطول 20 سم فقط، أي أن أجنحتها تكاد لا تكون ظاهرة من الأساس.

ويستخدم طائر الإيمو أجنحته هذه في الرفرفة أثناء الجري ليوازن جسده، ولكن كما ذكرنا مسبقًا أن الوظيفة الأصلية للأجنحة هي الطيران. وبالتالي فأجنحة الإيمو تُعد من الأعضاء الضامرة. [4]

«الكاكابو-Kakapo»

الكاكابو هو النوع الوحيد من الببغاوات غير القادرة على الطيران، فأجنحتها القصيرة لا تقدر على حملها، وإنما تستخدمها للتوازن. كما تمتلك الكاكابو ريشًا ناعمًا مقارنة بالطيور الأخرى، فهي لا تحتاج الريش القوي الذي يمكّن الطيور من الطيران.

وكما لاحظت، فلم نذهب بعيدًا لمقارنة ببغاء الكاكابو بطيور أخرى، وإنما قمنا بمقارنته بأبناء نوعه من الببغاوات. وتبينّا من هذا أن أجنحة الكاكابو من الأعضاء الضامرة. [5]

«غاق الجالاباجوس-Flightless cormorant»

مقارنة بأنواع طيور الغاق الأخرى، يُعد غاق الجالاباجوس أثقلهم وزنًا، وكذلك النوع الوحيد الذي لا يطير من بين 29 نوع. وتمتلك أجنحة ضامرة بثلث حجم الجناح الذي يحتاجه غاق الجالاباجوس ليتمكن من الطيران. أدى الانتخاب الطبيعي لضمور هذه الأجنحة نظرًا لعدم وجود عدد كبير من المفترسات الأرضية في بيئته، فاختار الانتخاب الطبيعي الطيور السبّاحة لتمرير جيناتها. ولكن هل يستخدم غاق الجالاباجوس أجنحته في السباحة؟

لا يستخدم غاق الجالاباجوس أجنحته في السباحة حتى، وإنما يضمهم إلى جانبيه ويستخدم أرجله في الدفع تحت الماء.

في الطيور المائية، تُغطى الأجنحة بطبقة من الزيت لتشكل طبقة عازلة بين الريش وبين الماء. تعمل تلك الطبقة العازلة على الحفاظ على مرونة الريش وعدم انكساره. إلا أن أجنحة غاق الجالاباجوس لا تنتج ما يكفي من الزيت لحماية أجنحته من الماء، ولهذا يقوم بفرد أجنحته بعد السباحة للاعتماد على أشعة الشمس في تجفيف أجنحته. [6]

وكما نرى فأجنحة غاق الجالاباجوس ليس لها أي فائدة تُذكر، بل إنها حتى قد تشكل عائقًا له. مما يجعل من أجنحة غاق الجالاباجوس عضوًا ضامرًا بامتياز.

ذيل الإنسان

تستخدم معظم الثدييات ذيولها من أجل التوزان أثناء الحركة، ولكن بعد أن تعلمنا السير على قدمين فقد الذيل وظيفته، فضمر وأصبح ما يُعرف الآن ب «العصعص-Coccyx». مما يعني أن العصعص عبارة عن ذيل ضامر. [7]


وتتصل بعض «عضلات القاع الحوضي-Pelvic floor muscles» بالعصعص، إلا أن هذه العضلات تمتلك «نقاط اتصال-Attachement points» أقوى من نقطة اتصالها مع العصعص، وعلى أي حال فإن الوظيفة الأساسية للذيل هي التوازن، ولهذا يُعد العصعص من الأعضاء الضامرة.

الجفن الثالث

انظر إلى عينك في المرآة، هل ترى هذه النقطة الحمراء في الزاوية باتجاه أنفك؟

هذه هي بقايا ما يُعرف ب «الغشاء الناري-Nictitating membrane»، وهو شائع لدى الطيور وبعض الثدييات كجفن ثالث. يعمل الجفن الثالث عند الطيور كوسيلة حماية للعين ضد الرياح المحملة بالأتربة، لكنه لا يعمل لدى الإنسان. مما يعني أن الجفن الثالث عضو ضامر، حيث أنه لا يؤدي وظيفته الأصلية.

ولا يمكن تفسير وجود هذا الجزء في جسم الإنسان إلا في ضوء التطور من سلف مشترك بيننا وبين الكائنات التي ما زال الغشاء الناري محتفظًا فيها بوظيفته. [8]

«ضرس العقل-Wisdom tooth»

مع تطور الإنسان ونشوء الحضارة، تغير نظامه الغذائي، فاتجه إلى استهلاك الأطعمة الناعمة الطرية بدلًا من الأطعمة الصلبة والنيئة التي كان يأكلها أسلافنا. وهو ما أدى إلى انعدام الحاجة إلى فك كبير وقوي. فتضاءل حجم فك الإنسان تدريجيًا، مما يجعل من ضرس العقل عضوًا ضامرًا، حيث أننا لم نعد بحاجة إليه. ولهذا يتسبب نمو ضرس العقل بالآلام وكافة أنواع المشاكل لبعض البالغين. كما يعتبر درس العقل دليلًا قويًا على تطور فك الإنسان وتغيره على مر الزمن. [8]

«العضلات الأذنية-Auricular muscles»

العضلات الأذنية هي التي تتضمن «عضلة الأذن الأمامية-Anterior auricular muscle»، و«عضلة الأذن العلوية-Superior auricular muscle»، و«عضلة الأذن الخلفية-Posterior auricular muscle». وتتحكم هذه العضلات الثلاث بحركة «صيوان الأذن-Ear penna» (الجزء الظاهر من الأذن). وتستخدم الثدييات هذه العضلات في تحريك آذانها لتحديد مواقع الأصوات أو للتعبير عن المشاعر، ولكن هذه العضلات بلا وظيفة في جسم الإنسان. حيث يستطيع الإنسان التعرف على مصادر الأصوات عن طريق تحريك رأسه. إلا أن بعض الناس يمكنهم تحريك آذانهم، فإن كنت منهم، فاعلم أن هذه بقايا تطورية من أسلافك القدامى. [8]

المصادر

[1] biologyonline
[2] britannica
[3] allaboutbirds
[4] nationalgeographic
[5] wired
[6] galapagos
[7] livescience
[8] britannica

٤ تطبيقات غير تقليدية لعلم البيانات

هذه المقالة هي الجزء 7 من 17 في سلسلة مقدمة في علم البيانات وتطبيقاته

تنتشر الأبحاث في الصحف والمجلات عن تطبيقات متعددة لعلم البيانات في إدارة أعمال الشركات والحكومات وغيرها. ولكننا نتجاهل في أحيانٍ كثيرة تطبيقات البيانات في مجالات حديثة وغير متوقعة. فمن الممكن استخدام تقنيات علم البيانات في المساعدة فيما هو أكبر من ذلك على سبيل المثال، العمليات الجراحية إلى حتى تقييم أخطار الانتحار ومحاولة تجنبها. ونتابع معًا في هذا المقال ٤ تطبيقات غير تقليدية لعلم البيانات.

١. التنبؤ بالأداء الدراسي

على الرغم من وجود أبحاث كثيرة عن تأثير عوامل متعددة  على  الأداء الدراسي. أُجريت دراسة حديثة في البرازيل عن العوامل المؤثرة في الأداء الدراسي،  حيث هناك حاجة مُلحة في البرازيل لجعل مجال التعليم في مكانة أفضل. قام الباحثون «Jocye Maia and Joao Sato» بتجربة اعتمادً على البيانات المتاحة في وزارة التعليم باستخدام النماذج غير الخطية للإحصاء عن العوامل الاقتصادية والاجتماعية واتصالها بضعف وقوة الأداء الدراسي. وأثبتت الدراسات التأثير القوي لهذه العوامل. أمل الباحثون من صُناع القرار استخدام نتائج البحث لتطوير ضعف الأداء الدراسي. [1]

٢. تتبع ومراقبة أدوات الجراحة في غرف العمليات

استخدم العلماء هذه التقنية اعتمادً على صور سابقة من عمليات جراحية فيما يعرف ب «surgical data science – علم البيانات في الجراحة ». كان هناك صعوبة سابقًا في تواجد الأدوات في المكان الصحيح وتنقل الأدوات من مكان إلى مكان يرهق العاملين في القطاع الصحي. قام الباحثون في قسم الاختراعات الطبية بمساعدة الكمبيوتر في مركز أبحاث السرطان الألماني في هيدلبرج  باستخدام صور جراحية سابقة وأشكال مصممَة باستخدام التحليل التنبؤي لكي يتأكدوا متى نحتاج هذه الأدوات في مكان ما ومتى نحتاج إلى نقلها لمكان آخر. وكان الهدف من استخدام هذه التقنيات تقديم المساعدة للطبيب. نُشرت هذه البيانات لأول مرة وتحتوي على ٣٠ فيديو من ٣ أنواع جراحات مختلفة مع بيانات حساسة من أجهزة خاصة بغرف العمليات. [2]

٣. تقييم الحالات المرضية من خلال تغريدات تويتر

تزداد قدرة وسائل التواصل الاجتماعي على إلقاء الضوء على بعض الحالات المرضية وإحساس المريض بحالته. يتحدث الناس بشكل أفضل وأكثر إثراءً على وسائل التواصل الاجتماعي من عمل مقابلات معهم. حُللت تغريدات عن كيفية التعايش مع مرض« ADHD – اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه» بواسطة الباحث (مايكل ثالويل) وزملائه باستخدام «Word Association Thematic Analysis – تحليل موضوعي الكلمات المترابطة ». لقد قام قام الباحثون بتحليل ٨٥٩٨٣ تغريدة مرتبطة ب«ADHD»  وأيضًا ١٣٥٢٤٤٢ تغريدة مرتبطة بحالات مرضية أخرى لعمل مقارنة وتقييم للحالة. ومن النتائج اتضح أن هذه الطريقة أفضل من المقابلة الشخصية لتقييم الحالة الصحية.  [3]

٤. علاج أمراض نادرة

يحاول العلماء استخدام علم البيانات في دراسة الأمراض النادرة ومشاكل الصحة العامة مثل الانتحار. لم تصل حتى الآن هذه التقنيات إلى المقدمة في علم البيانات. ولكن يفترض الباحثون في معهد نافارا لأبحاث السرطان في أسبانيا أنه من الممكن استخدام تعلم الآلة في اكتشاف وتطوير علاجات جديدة لهذه الأمراض. تؤثر الأمراض النادرة على حياة الملايين في العالم، على سبيل المثال، «hepatocellular carcinoma» الذي يعتبر نوع نادر من سرطانات الكبد ويقتل ٦٢٠٠٠ شخص كل سنة. لكن حتى الآن، العلاجات المُخصصَة لهذا المرض غير مؤثرة بدرجة كافية. 

قارن العلماء ١٢٠٠٠ مركب محتمل وأدوية أخرى جديدة عن طريق تحليل البيانات وسيكون هناك نتائج جيدة في الفترة المقبلة. وفي نفس الموضوع تم عمل دراسة على الانتحار بين عشرات الألاف من الدنماركيين بأخذ النتائج و تحديدها وتقسيمها. أثبتت الدراسات وجود علاقة بين خطر الانتحار ونوع الجنس – ذكر أم أنثى – والصحة العامة والأمراض النفسية الأخرى. [4]

ما زالت المجالات موجودة ومنتشرة وما زال الربط بين المجالات والابتكار والخروج بأفضل نتيجة هو ما سيساعد البشرية في المستقبل.

المصادر:

[1]plos public health
[2]nature
[3]open respiratory
[4]wiley online library

Exit mobile version