لماذا لا يثق الجمهور في وسائل الإعلام؟

هذه المقالة هي الجزء 5 من 7 في سلسلة 7 قضايا إعلامية لا يسعك جهلها

في العقود الأخيرة تراجعت درجات الثقة في وسائل الإعلام والاخبار المنشورة  في كثير من دول العالم، حيث لا يزال الكثير من المستهلكين ينظرون إلى الأخبار بقدر كبير من الشك، وعلى الرغم من الادعاءات الكثيرة والمتلاحقة حول أزمة الثقة في وسائل الإعلام فقد شدد علماء الإجتماع على أنه لا يوجد دليل واضح على ثبوت درجات الثقة في كل بلد أو مؤسسة إخبارية.[1]

وسائل الإعلام والأخبار الزائفة

أظهرت البيانات أن القصص الإخبارية المزيفة تحظي باهتمام واسع النطاق ويتم تصديقهابشكل كبير من قبل الجمهور. ففي كل من الولايات المتحدة الامريكية وأوروبا، وجدت العديد من الدراسات التى أجريت أن الغالبية العظمى من السكان يتعرضون وبشكل مباشر للأخبار المضللة والكاذبة، بينما يتعرض حوالى 10% فقط من السكان للأخبار الصحيحة. وتشير الأدلة إلى أن وسائل الإعلام الرئيسة هي المسؤولة عن الاهتمام الكبير الذي تتلقاه القصص الإخبارية المزيفة من قبل الجمهور.

أحد الأسباب الرئيسة التى تدفع وسائل الإعلام لتغطية الأخبار الزائفة هو أن بعض هذه القصص تحمل قيمًا إخبارية. وبالتالى تكون تأثيرات تلك التغطية هى تضليل الجمهور، مما يجعلهم أقل يقينًا فيما يتعلق بالحقيقة.[2]

ومع ذلك فقد وجدت الدراسات العديد من الأسباب المختلفة المتعلقة بمقدار الثقة في وسائل الإعلام، فوجد البعض منها أن التعليم هو مؤشر إيجابي لثقة الجمهور في وسائل الإعلام، بينما وجد البعض الأخر أن النساء يثقن في وسائل الإعلام أكثر من الرجال، ووجد البعض ارتباط درجات الثقة بالتحيز السياسي، حيث أصبح المزيد من الجمهور يتوقعون أن تكون الأخبار متحيزة سياسيًا.[3]

ما الذي يجعل الناس أكثر ثقة في المواد المنشورة بوسائل الإعلام؟

حاولت العديد من الأبحاث فهم طبيعة المواد المنشورة بوسائل الإعلام والتى تدفع الناس إلى الثقة بها. وتوصلت النتائج إلى أن الناس يريدون وبشكل عام أن تكون الصحافة أكثر توازنًا ودقة وموضوعية.

وخلال العقدين الماضيين أظهرت الأبحاث تزايد شكوك الجمهور تجاه صناعة الأخبار. فوفقًا للدراسة التى أجراها مشروع ميديا انسايت بالتعاون مع المعهد الأمريكي للصحافة، ووكالة أسوشيتدبرس، أظهرت الدراسة أن 85% من الأشخاص عينة الدراسة يرون أن الدقة هى السبب الرئيس الذي يدفعهم للثقة بالمصدر الإخباري، كما أظهر 67% أن التغطية المتعمقة البعيدة عن السطحية مهمة لثقتهم بالوسيلة الإعلامية.[4]

وخلال السنوات الأخيرة تراجعت الثقة في وسائل الإعلام التقليدية إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق. وكشف مقياس ثقة ايدلمان السنوي لأول مرة، الذي شاركه مع شركة أكسيوس أن أقل من نصف  الأمريكيين لا يثقون بوسائل الإعلام التقليدية، وأن 56 % منهم يرون أن الصحفيين والمراسلين يحاولون تضليل الجمهور عن عمد بتناول الأخبار الكاذبة والمعلومات الزائفة.[5]

كما أظهرت النتائج أن 59% منهم يتفقون على أن المؤسسات الإخبارية معنية بدعم أيديولوجية معينة أو موقف سياسي أكثر من إعلام الجمهور، كما أن 61٪ منهم يرون أن وسائل الإعلام منحازة وغير موضوعية.[6]

هل ملكية وسائل الإعلام مرتبط بعدم الثقة بها؟

تعتبروسائل الإعلام السلطة الرابعة التى تقوم بدورها بمساءلة الجهات الثلاثة التشريعية والتنفيذية والقضائية. ولكن ماذا يحدث عندما لاتهتم وسائل الإعلام بمحاسبة الحكومة بقدر اهتمامها بالدفع بأجندة تخدم مصالحها الذاتية؟

لقد أدي الاندماج الهائل لوسائل الإعلام في السنوات الأخيرة إلى ملكية وسائل الإعلام من قبل عدد صغير من الشركات متعددة الجنسيات وشركات الاستثمار الدولية[7]. وبالتالي لا يُنظر إلى الصحفيين على أنهم أصوات مستقلة، ولكن يُنظر إليهم على أن لديهم أجندات خفية يسعون لتحقيقها. ووفقًا لمقياس ثقة ايدلمان لعام 2021، فإن الثقة في وسائل الإعلام الإخبارية التقليدية منخفضة بشكل كبير (على الرغم من أن الثقة في وسائل التواصل الاجتماعي أقل أيضًا)، كما أن ثقة الجمهور في معظم المؤسسات الحكومية وغير الحكومية ليست قوية.[8]

تأثير بيئة الوسائط الرقمية على الثقة

في عالم اليوم الذي تهيمن عليه وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح التحكم في كيفية توزيع المحتوى تحديًا معقدًا تكافح العديد من المؤسسات الإخبارية لمواجهته. تظهر الأبحاث التي أجراها معهد رويترز،  أن الأخبار أقل موثوقية عند رؤيتها على منصات التواصل الاجتماعي المليئة بالمعلومات المضللة.

في السنوات الأخيرة، أصبحت حالات التداول المتعمد للمعلومات المضللة والأخبار المزيفة عبر وسائل الإعلام الموجودة على الإنترنت أمرًا شائعًا. وأظهرت العديد من الدراسات أن المستخدمين نادرًا ما يقومون بأي سلوكيات لتقييم المحتوي المعروض، كالبحث عن مصادر أخرى للتحقق من صحة المعلومات،[9]

ويري البعض أن التحول في البيئات الإعلامية خلال الفترة الأخيرة قد جلب معه الكثير من التحديات الجديدة والمتزايدة لوسائل الإعلام التقليدية التى تواجه المنافسة لجذب انتباه الجهور، كما أن وسائل الإعلام الرقمية والإجتماعية جعلت الجهات الفاعلة أقل اعتمادًا على وسائل الإعلام الإخبارية للوصول إلى الجمهور، مما سمح لهم بتجاوز وسائل الإعلام الإخبارية وكذلك توفير قنوات للهجمات على وسائل الإعلام الإخبارية.[10]

ويعد الوصول غير المقيد إلى المعلومات غير المتحيزة أمرًا بالغ الأهمية لتشكيل الفهم المتوازن والجيد للأحداث الجارية. وبالنسبة للعديد من الأفراد، تعتبر المقالات الإخبارية هي المصدر الأساسي للحصول على المعلومات. وبالتالي تلعب المقالات الإخبارية دورًا مركزيًا في تشكيل الرأي العام. علاوة على ذلك يصنف مستهلكو الأخبار المقالات الإخبارية على أنها تتمتع بأعلى جودة ومصداقية مقارنة بالوسائل الأخري كالراديو والتلفزيون ووسائل التواصل الإجتماعي، ومع ذلك غالبًا ما تظهر التغطية الإعلامية تحيزًا واضحًا، ينعكس في المقالات الإخبارية ويشار إليه عمومًا بالتحيز الإعلامي . يمكن أن تشمل العوامل المؤثرة في هذا التحيز ملكية أو مصدر دخل وسائل الإعلام ، أو موقف سياسي أو أيديولوجي محدد للمنفذ  الإعلامي.[11]

كيف يمكننا إعادة بناء الثقة في وسائل الإعلام؟

1-تطوير معايير الصناعة الصحفية: ويتضمن ذلك تصنيف الأخبار والأراء، والتزام المنافذ الإعلامية بالممارسات المتعلقة بالتحقق من المعلومات وتتبع المعلومات المضللة والمصادر المجهولة.

2- استخدم التكنولوجيا لمكافحة المعلومات المضللة: ويتم ذلك عن طريق استخدام وسائل الإعلام التكنولوجيات المتقدمة في جميع جوانب أعمالها. على وجه الخصوص، يجب أن تكون شركات الإعلام قادرة على تحديد المعلومات المضللة ثم معالجتها قبل نشرها للجمهور.

3- تتبع مصادر المعلومات التي تنشر عبر الإنترنت: والتأكد من مصدر المعلومات التي يتم الاعتماد عليها، وتزويد الجمهور بالمهارات اللازمة للتنقل الأمن عبر الإنترنت.[12]

المراجع

(1)reutersinstitute
(2)tandfonline
(3)tandfonline
(4)americanpressinstitute
(5)axios
(6)forbes
(8)edelman
(9)sagepub
(10)tandfonline
(11)springer
(12)aspeninstitute

كيف تعمل منصات التواصل الاجتماعي على تزييف الحقائق؟

هذه المقالة هي الجزء 3 من 7 في سلسلة 7 قضايا إعلامية لا يسعك جهلها

أدى ظهور وسائل التواصل الاجتماعي إلى تغيير طريقة تعاملنا مع المعلومات وإدراكنا لها، ففي الماضي لم يكن الوصول إلي المعلومات ونشرها أمرًا سهلًا، ولكن مع ظهور الشبكات الاجتماعية شجعت المستخدمين على مشاركة المعلومات دون عناء، وأصبحت المصدر الرئيسي للأخبار، ومع ذلك غالبًا ما يتم تشويه المعلومات،[1] فمع كثرتها أصبح من الصعب تنقيتها، وأصبحت الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة تنتشر بشكل أسرع على وسائل التواصل الاجتماعي مما أدي إلي ظهور ما يسمي  بوباء المعلومات. فكيف يتم تزييف الحقائق على منصات التواصل الاجتماعي؟[2]

الغرض من الوسائط التفاعلية

لم تكن الأشكال التقليدية لوسائل الإعلام كالتلفزيون والراديو تتطلب مشاركة نشطة من قبل الجمهور، كما أنها لم تمنحهم أي طريقة حقيقية للتنقل عبر تجاربهم؛ باستثناء القدرة على تغيير القناة.

لكن مع ظهور الإنترنت في التسعينيات ومع التطور التكنولوجي،  بدأ هذا يتغير، وتم تزويد المستهلكين بأدوات مختلفة، وانتقل الإنترنت من  أداة باهظة الثمن، إلى أداة لاسلكية يمكن الوصول إليها بلمسة إصبع. وأصبح الغرض من الوسائط التفاعلية هو إشراك المستخدم والتفاعل معه بطريقة لا تفعلها الوسائط غير التفاعلية.[3]

كيف برزت وسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة اتصال قوية؟

مع انخفاض استخدام الصحف بشكل كبير، وانخفاض معدلات نشرات الأخبار التلفزيونية، تسارع التأرجح إلى مصادر المعلومات الجديدة بشكل كبير،[4] وأصبحت منصات التواصل الاجتماعي المصدر المهيمن للأخبار، ووفقًا لأخر الإحصائيات فإن 79% من الشباب العربي تلقوا أخبارهم من وسائل التواصل الاجتماعي في عام 2020، وذلك مقارنة ب25% في عام 2015. [5]

و أظهر التقرير الذي صدر مؤخرًا أن المستهلكين اعتمدوا في حصولهم علي الأخبار والمعلومات الخاصة بجائحة كورونا على وسائل التواصل الاجتماعي بدلًا من وسائل الإعلام التقليدية.

ووفقًا للدراسة التي أجريت بمعهد رويترز لدراسة الصحافة بجامعة أكسفورد، والتي طبقت علي عينة من الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 25 عامًا، أظهرت الدراسة أن ثلثا تلك الفئة يستخدمون انستجرام كمصدر للحصول على المعلومات الإخبارية، وأن تلك الفئة كانت أكثر عرضة لمشاهدة الأخبار على تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي.[6]

وفي استطلاع حديث، أكد 50 % من مستخدمي الإنترنت الذين شملهم الاستطلاع أنهم سمعوا عن آخر الأخبار عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن يسمعوا عنها في أي محطة إخبارية. كما وجد الاستطلاع زيادة حركة المرور إلى المواقع الإخبارية المحالة من وسائل التواصل الاجتماعي بنسبة 57%.[7]

وسائل التواصل الاجتماعي والمعلومات المضللة

لسوء الحظ يوجد جانب مظلم لوسائل التواصل الاجتماعي ألا وهو الأخبار الزائفة، والتي من الممكن أن تؤثر على المستخدمين وتتلاعب بهم لأسباب سياسية أو اقتصادية، وغالبًا ما يشار إلي المعلومات الخاطئة بأنها المعلومات التى يتم نشرها وتوزيعها بغرض خداع أولئك الذين يقرأونها ،فعلى سبيل المثال في أوائل عام 2020،  تصدرت العديد من الخرافات المتعلقة بعلاج فيروس كورونا عناوين الصحف، كخرافة تناول زيت جوز الهند الذي يمكن أن يعالج الفيروس.

  من الواضح أن المعلومات المضللة مصممة لأغراض معينة كتشويه سمعة الخصم السياسي، والتي من الممكن أن تضر بالخطاب العام من خلال التأثير على الأفراد لاتخاذ قرارات مضللة.

كيف يساهم مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي في الترويج للمعلومات المضللة

على مدار العقد الماضي، انتشرت المعلومات المضللة بصورة كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي ساهمت في التضليل بطرق مختلفة، مما أثر في النهاية على كيفية تعامل الأشخاص مع القضايا المتعلقة بالسياسة والصحة وغير ذلك.[8]

ووفقًا للدراسة التي نشرت بمجلة  Nature، فإن العديد من الأمريكيين يشاركون الأخبار المغلوطة على وسائل التواصل الاجتماعي، دون أن يتحققوا من مصداقية المحتوي الذي يقومون بمشاركته. وطبقًا للدراسة التي أجريت بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالتعاون مع جامعتي ريجينا بكندا وإكستر في المملكة المتحدة، فإن قلة الانتباه كان العامل الأساسي وراء مشاركة العديد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي المعلومات الخاطئة والذي بلغ عددهم نحو 51,2%.[9]

وعادة ما تبدأ المشاركة في مجموعات صغيرة قبل أن تنتشر على نطاق واسع عبر الإنترنت. وفي بعض الأحيان، تساعد الروبوتات في هذه العملية (وهي حسابات وهمية مبرمجة لنشر قصة لأكبر عدد ممكن من الأشخاص) والمتصيدون الذين يهدفون إلى نشر الأخبار الزائفة من أجل الحصول علي المال أو من أجل المصالح السياسية وغيرها.

وفي بعض الأحيان تكون الحسابات التي لديها عدد كبير من المتابعين مصدرًا خصبًا لنشر المعلومات الخاطئة والمغلوطة، فوفقًا للدراسة التي أجراها معهد رويترز، بجامعة أكسفورد، فإن القصص الإخبارية الكاذبة التي يتم إنتاجها أو مشاركتها من قبل شخصيات عامة أو مشهورة تشكل حوالي 20%، إلا أن هذا المحتوي يتم مشاركته من قبل المستخدمين لمواقع التواصل الاجتماعي بنسبة قد تصل إلي حوالي 70%. [10]

كيف يمكن التعرف على الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة

غالبًا ما  يتم استخدام أسماء كتاب وهمين مع الأخبار الزائفة، كما أن مصادر الحصول علي المعلومات تكون غير دقيقة وغير موثوف فيها، وغالبًا ما تكون المعلومات التي نشرت ذات تحيز واضح، وتحاول إثارة مشاعر الغضب لدي القارئ، كما أن محتواها يكون محتوي غير منطقي. [11]

كيف نتعامل مع الأخبار الكاذبة على مواقع التواصل الاجتماعي؟

 تعمل الصحف التقليدية والرقمية علي الالتزام بالمعايير الصحفية كالموضوعية والتوازن، لكن غالبًا ما يتم تجاهل هذه المعايير على وسائل التواصل الاجتماعي. من المرجح أن يشارك المستخدمون المعلومات دون التحقق منها، خاصةً عندما تحتوي على محتوى مثير للجدل، وفي كثير من الأحيان تساهم ردود الفعل العاطفية للمستخدمين في سرعة انتشار المعلومات، ولكن يوجد العديد من الطرق التي يمكن من خلالها التعامل مع المحتوي الزائف كالآتي:

  1. تحديد الروبوتات الخبيثة وحظرها، ومع ذلك من الصعب بمكان تحديد ما إذا كان الحساب يتم تشغيله بواسطة روبوت أم مستخدم حقيقي. كما أن بعض الروبوتات التي يتم إنشائها بقصد خبيث في بعض الأحيان تعمل على إنشاء محتوي إنساني، وتزعم دراسة حديثة بأن حوالي 9-15٪ من حسابات تويتر، و 60 مليون حساب على فيسبوك، هي عبارة عن روبوتات.
  2. تثقيف مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي  لكي يتمكنوا من معرفة المعلومات الحقيقية من الزائفة. فغالبًا ما يقوم العديد من المستخدمين بمشاركة المعلومات دون تقييم مدي مصداقيتها، ومع ذلك إذا استمر هذا الاتجاه، فمن المحتمل أن يؤدي ذلك إلي تقليل مصداقية المنافذ الإخبارية.[12]

المراجع:

(1),(12)ipur.nus.edu.sg
(2),(5)unesco
(3)investopedia
(4),(6)forbes
(7)forbes
 (8),(11)verizon
(9)nature
(10)bbc
image source: finchannel

Exit mobile version