متلازمة ستوكهولم: تعاطف الضحية مع جلادها

رغم كثرة الحديث عن متلازمة ستوكهولم في العقود الأخيرة، إلا أننا ما زلنا لا نعرف الكثير عنها. وهي تعرف بأنها تدفع الضحية إلى التعاطف مع مضطهدها، وقد تصل إلى رفض الهروب من الاضطهاد الذي تتعرض له. فما هي أسباب هذه المتلازمة ؟ وما هي أعراضها تحديدًا؟

ما هي متلازمة ستوكهولم؟

هي ظاهرة نفسية يُصاب بها الشخص المخطوف، أو المُعرّض لحالة عنف خطيرة، فيشعر الشخص المخطوف بالتعاطف أو التعلق أو الحب باتجاه خاطفه أو مُعنفه. وبالرغم أن المتلازمة غير مُصنفة كتشخيص في أي من المراجع الطبية النفسية، إلا أنها قد وُصفت في حالات فردية عديدة، كما أنها،ومنذ القرن الواحد والعشرين، تعدّت تعريفها الأصلي الذي يربطها بالخطف، ووُصفت أيضًا عند بعض الأشخاص المُعنفين منزليًا وسجناء الحرب والأطفال المستغلين جنسيًا والنساء المستغلات جنسيًا في مجال الدعارة. وفي بعض الأحيان، يتم وصف متلازمة ستوكهولم في إطار جماعي، أي تصيب أبناء جماعة أو طائفة معينة باتجاه جماعة أخرى تستغلها أو تعنّفها.

ما أصل تسمية متلازمة ستوكهولم؟

سُميت متلازمة ستوكهولم باسمها تبعًا لحادثة حصلت في عاصمة السويد. ففي عام 1973، قام شخصان بعملية سرقة لمصرف في مدينة ستوكهولم، احتجزا فيها أربعة من موظفي المصرف لمدة ستة أيام متتالية. وقد أظهر الموظفون المخطوفون مشاعر تماهي وتعاطف مع خاطفيهم، بحيث أجري اتصال خلال فترة الخطف بين رئيس مجلس الوزراء السويدي وإحدى المخطوفات، أكدت خلاله أنه يتم معاملتهم بطريقة جيدة من قِبل الخاطفين، وأنها تثق بهما كثيرًا. وعبرت عن خوفها من أن يتم إيذائها من قبل شرطة بلدها في حال اعتدت على خاطفيها. وبعد تحرر المخطوفين، رفضوا جميعًا الشهود ضد خاطفيهم.

ما هي أعراض متلازمة ستوكهولم؟

كون متلازمة ستوكهولم غير مُصنفة كتشخيص طبي واضح، يصعب تحديد أعراض واضحة ودقيقة لها، لكنها تتّسم بثلاثة صفات أساسية:
-شعور الضحية بأحاسيس إيجابية تجاه الشخص المسيئ لها (كالتعاطف والتعلق).
-شعور الضحية بأحاسيس سلبية تجاه السلطة أو الشرطة أو أي جهة منقذة (تنقذ الضحية من جلادها)، ورفض التعاون معها.
-تماهي الضحية مع مبادئ وأهداف الجهة المسيئة لها.

كيف يفسر العلماء متلازمة ستوكهولم؟

ظهرت متلازمة ستوكهولم في العديد من أعمال العنف والخطف على مر السنين، إلا أن الدراسات التي تناولت مدى انتشارها وعلاقتها بأمراض نفسية أخرى مازالت غير كافية لفهم هذه الظاهرة النفسية من كافة جوانبها. كذلك تُعتبر أسباب المتلازمة غير واضحة، وهي تختلط بين أسباب فردية متعلقة بالتركيبة النفسية للفرد، وأسباب خارجية تتعلق بحالة العنف وشخصية المُعنف وحتى التركيبة الاجتماعية التي تحيط بعملية استغلال الضحية.

حاليًا، يتفق علماء النفس أن أعراض متلازمة ستوكهولم هي عبارة عن أسلوب نفسي دفاعي (Defense Mechanism)، يدافع من خلالها الجهاز النفسي للضحية عن نفسه من خلال نكران الأذى (الجسدي أو/و النفسي) الذي يتعرض له، أو تبريره. وتشكل غريزة البقاء لب متلازمة ستوكهولم إذ تكون عادة ملازمة لحوادث خطيرة وقد تكون مميتة، ويُصوَّر في هذه الحالة الجلاد كمنقذ من الموت بالنسبة للضحية.

في العام 1994، كتبت الباحثة «دي غراهام-Dee Graham» في كتابها «حب البقاء-Loving to survive» أن متلازمة ستوكهولم تنتج عن أربعة عوامل مجتمعة. العامل الأول هو تلقي الضحية لحادث يشعره بتهديد حقيقي لحياته ثم شعوره بزوال هذا التهديد (مثلًا: كان بإمكان الخاطف أن يقتلني لكنه لم يفعل). العامل الثاني هو تصور أفعال الشخص المسيئ له كأفعال حسنة (سمح لي بالطعام أو بالاتصال بعائلتي…) وسط كل الحالة السيئة التي تعيشها الضحية. العامل الثالث هو انعزال الضحية عن أي تواصل مع جهات أخرى (غير الجهة المسيئة لها)، وبالتالي الايمان بمبادئ هذه الجهة وإنسانيتها. وأخيرًا، العامل الرابع هو عدم تصور أي طريقة للهروب من الإساءة. وهنا، أمام العجز التام في الهروب الفعلي، يكون الهروب النفسي من خلال التماهي مع الشخص المسيئ والتعاطف معه هو الحل.

تأخذ متلازمة ستوكهولم أشكالًا عديدة، فهي لا تنحصر بالعلاقات بين الضحية والمضطهد، بل تتعدّاها أيضًا إلى العلاقات العاطفية “السامة”، التي يكون أحد الأطراف غالبًا ضحية عاطفية ونفسية للطرف الآخر. ويعتبر البعض أن هذه الظاهرة النفسية قد تصيب شعوبًا كاملة، تخلق عندها نوعًا من التبعية والولاء لقادة مستغلين لهم ومضطهدين لحقوقهم.

إذًا لا شك أن دراسة هذه المتلازمة المعقدة ما زالت في بدايتها، وهي لم تطل بعد جوانبها الاجتماعية والثقافية. وهناك الكثير من الأسئلة التي ما زالت بحاجة إلى إجابة: هل تعتبر متلازمة ستوكهولم سلاحًا بيد المستغلين والمضطهدين، أكانوا أفرادًا أم جماعات أم دول، لبرمجة ضحاياهم على الرضوخ؟ أم هي مجرد متلازمة نفسية فردية مرتبطة بشخصية الضحية؟

المصادر:

Britannica
Healthline
researchgate

متلازمة الرأس المنفجر : أصوات تحرمك النوم

يشكّل النوم حوالى ثلث حياتنا البشرية، وهو حاجة جسدية أساسية تكاد تفوق في أهميتها المأكل والمشرب. فالنوم لا يلبّي فقط حاجتنا للاسترخاء والراحة، بل هو يؤمن التوازن في وظائف الدماغ وأعضاء الجسم، وأي خلل يصيبه يؤثر على الصحة الجسدية والنفسية. لذلك أبدت العلوم الطبية اهتمامًا أكبر باضطرابات النوم، وواحدة من هذه الاضطرابات هي متلازمة الرأس المنفجر. وهي متلازمة غريبة تعرقل النوم بهلوسات صوتية مرعبة. فما هي أعراض متلازمة الرأس المنفجر؟ ومن يُصاب بها؟

ما هي متلازمة الرأس المنفجر؟

متلازمة الرأس المنفجر، التي تُعرف بالانكليزية ب«Exploding Head Syndrome» أو EHS، هي اضطراب في النوم نتيجة هلوسات سمعية تحدث عند الانتقال من حالة الصحو إلى حالة الغفو أو العكس، وتكون الأصوات المُهَلوسة غالبًا قوية ومزعجة جدًا، ورغم أنها في العادة تكون غير مؤلمة، غير أنها قد تحمل تأثيرًا كبيرًا على حياة الفرد وتتطلّب في هذه الحالة تدخلًا طبيًا.

وُصفت الحالة الأولى من المتلازمة في عام 1920 من قِبل الطبيب البريطاني روبيرت أرمسترونغ – جونز. وتم استخدام كلمة “الرأس المنفجر” لأول مرة في عام 1989 من قبل بيرس الذي وصف حالة 40 شخص يشعرون بالأعراض نفسها.

ما هي أعراض متلازمة الرأس المنفجر؟

بحسب التصنيف الطبي الدولي لاضطرابات النوم (International Classification of Sleep Disorders- 3rd edition)، يتضمّن تشخيص متلازمة الرأس المنفجر ثلاثة أعراض أساسية:

– سماع صوت مفاجئ أو الاحساس بانفجار مصدره الرأس في أول فترات النوم أو عند فترات الاستيقاظ في الليل.
– الاحساس بقلق وخوف شديدين (يكون مصحوبًا عادةً بسرعة في دقات القلب وفي سرعة وقع التنفس).
– عدم الإحساس بالألم.

تختلف الأصوات المُهَلوسة بين الأشخاص المُصابين بالمتلازمة وقد تم تشبيهها من قِبلهم ب: صوت انفجار قوي، أو صوت إطلاق نار، أو دوي الرعد، أو زئير حيوان مفترس، أو صوت إغلاق باب بعنف، أو صوت صرخات بعيدة، أو أصوات أزيز التيار الكهربائي وغيرها من الأصوات. وهي غالبًا تدوم للحظات قليلة.

تكون هذه الأصوات مصحوبة أحيانًا بهلاوس بصرية (كتوهّم وجود ضوء قوي أو ومضات سريعة من الضوء)، وتشنّج في بعض العضلات خصوصًا في عضلات الأطراف.

ويشعر الفرد بعدها بأعراض تشبه نوبة الهلع ك الاحساس بالخوف الشديد وعدم القدرة على التنفس وتسارع ضربات القلب والتعرق وغيرها. وهي بالتالي تعطل النوم في كثير من الأحيان.

متلازمة نادرة أو شائعة؟

لا يوجد دراسات كافية لتأكيد مدى شيوع متلازمة الرأس المنفجر. ففي حين يعتبر البعض أنها متلازمة نادرة، يرى آخرون أنها في كثير من الأحيان تبقى بلا تشخيص، لذلك قد تكون أكثر شيوعًا ممّا نعتقد. وقد أثارت بعض الدراسات الحديثة الصدمة بعد أن بيّنت انتشار متلازمة الرأس المنفجر عند الطلاب الجامعيين.

 وقد يكون السبب في هذا التباين هو اختلاف عدد نوبات المتلازمة بين الأشخاص، بين نوبة واحدة خلال عدة أشهر (في هذه الحالة تبقى بلا تشخيص ولا تتطلّب العلاج)، وبين عدة نوبات في الليلة الواحدة (حينها تحتاج للعلاج).

تُصيب المتلازمة الأشخاص من كل الأعمار، لكنها أكثر شيوعًا عند الأشخاص الذين بلغوا الخمسين عامًا أو أكثر.

ما هي أسباب المتلازمة؟

لا تزال أسباب المتلازمة المجهولة، لكن تمّ طرح عدة نظريات لتفسيرها. أولها تفترض خلل في عمل التشكل الشبكي في الدماغ، وهو مسؤول عن تنظيم ايقاع النوم. فيؤدي هذا الخلل إلى نشاط دماغي زائد في الفترة الانتقالية بين اليقظة والنوم، فيخلق هذه الهلوسات السمعية. نظرية أخرى تفترض وجود نوبات جزئية في الفص الصدغي. هذه النظريات وغيرها تفترض أن المشكلة تكمن في إحدى وظائف الدماغ.

لكن هناك نظريات أخرى تعتبر أن المتلازمة قد تكون ناتجة عن أمراض في الأُذُن، خصوصًا في الأذن الوسطى والداخلية.

تجدر الإشارة إلى أن المتلازمة قد تكون مرتبطة بالتوتر والقلق. وهي أكثر شيوعًا عند الأشخاص الذين يظهرون مشاكل واضطرابات سابقة في النوم.

ما هو علاج متلازمة الرأس المنفجر؟

تختلف حاجة الأشخاص المُصابين بمتلازمة الرأس المنفجر بحسب عدد النوبات التي يشعرون بها.

فإذا كانت النوبات نادرة (مرة واحدة كل عدة أشهر مثلًا)، يكتفي العلاج بمعرفة الفرد بأن الذي يعاني منه هو متلازمة مشخصة، وتصيب أشخاصًا آخرين وهي لا تشير إلى خلل نفسي أو مرض دماغي خطير. ويُنصح إجمالًا بالتخفيف من حدة التوتر والقلق خصوصًأ قبل النوم، ومحاولة تنظيم أوقات النوم.

أما إذا كانت النوبات كثيرة (أكثر من مرة في أسبوع واحد أو في ليلة واحدة)، فهي في هذه الحالة تؤثر بشكل كبير على كمية ونوعية النوم الذي يحصل عليهما الشخص، وبالتالي على إنتاجيته ووظائفه النفسية والجسدية. من هنا، تظهر أهمية التدخل العلاجي الذي يتضمن في العادة أدوية معينة كمضادات الاكتئاب وأدوية الصرع وغيرها، وتكون فعالة غالبًا إلى حد اختفاء الأعراض نهائيًا.

رغم أن متلازمة الرأس المنفجر غير خطيرة، غير أنها لا شك تجربة تثير الخوف والقلق عند من يُصاب بها. وعلى الرغم من أن التقدم الطبي جعلها سهلة العلاج، لكن تبقى التوعية عنها مهمة لتشجيع الأشخاص المُصابين بها لفهم حالتهم وتلقي المساعدة التي تلزمهم لتخطيها.

المصادر:

NCBI
Journal of Clinical Sleep Medicine
Wiley Online Library
Science Direct

متلازمة سلامة الهوية الجسدية : أريد أن أبتر ساقي

“لا تكتمل سلامة جسدي إلا من خلال نقصها”.

تختصر هذه الجملة متلازمة سلامة الهوية الجسدية. فما هي هذه المتلازمة؟ وما هي أسبابها؟

ما هي متلازمة سلامة الهوية الجسدية؟

هي متلازمة نفسية نادرة ناتجة عن اختلاف بين صورة الجسد العقلية والجسد المادي، تجعل الشخص المُصاب بها يرغب ببتر أو تعطيل أحد أعضائه أو يرغب بالشلل. تصيب عادةً الأشخاص منذ مرحلة الطفولة، وفي كثير من الأحيان تصل حالتهم إلى مرحلة خطرة تتضمن محاولات لإيذاء النفس أو إجراء عملية جراحية للبتر.

تاريخ المتلازمة

وُصف اضطراب سلامة الهوية الجسدية لأول مرة عام 1977، من قِبل الباحث في علم النفس و علم الجنس «جون نوني-John Money». وقد سُميت وقتئذٍ بال«أبوتيمنوفيليا-Apotemnophilia»، وهي تعني بالإغريقي “حب القطع/ البتر”. وبيّن موني في دراسته أن الأشخاص المُصابين بمتلازمة سلامة الهوية الجسدية ينجذبون جنسيًا الى أشخاص مشلولين أو مبتورين أو حتى إلى أغراض معينة مرتبطة بالإعاقة الجسدية كالكرسي المتحرك والعكاز والأطراف الاصطناعية. لذلك اعتُبرت متلازمة الهوية الجسدية نوع من ال«بارافيليا-Paraphilia» التي كانت تُعرف باسم الانحراف الجنسي.

يقترح أيضًا تسميتها بالxenomelia.

عام 1997، قام الطبيب ريتشارد برونو المتخصص في الأمراض الجسدية-النفسية بدراسة متلازمة سلامة الهوية الجسدية، وصنف الأشخاص المُصابين بها إلى ثلاثة أنواع:

1) الأشخاص الذين يرغبون البتر رغبةً بالإعاقة الجسدية نفسها، وتكون رغبتهم غير مرتبطة بهواماتهم الجنسية.
2) الأشخاص الذين يتظاهرون بالإعاقة الجسدية (من خلال استخدام كرسي متحرك مثلاً) ويقصدون الحصول على الانتباه.
3) الأشخاص الذين يُثارون جنسيًا بالجسد المبتور/المشلول، لذلك يرغبون بالظهور بهذا الشكل الجسدي.

حالياً، يُعتقد أن الأبوتيمنوفيليا هي اضطراب في الهوية، لذلك أصبح الاسم الأكثر شيوعًا لها هو متلازمة “سلامة الهوية الجسدية”.

أعراض المتلازمة

تبدأ عادةً الإشكالية الجسدية بالظهور منذ الطفولة. وقد يقوم الطفل بمحاولات لإيذاء الطرف الذي يرغب ببتره.

العارض الوحيد الذي يظهر هو الرغبة الحقيقية ببتر طرف معين، أو الشلل (من خلال قطع الحبل الشوكي) أو تعطيل عضو معين (مثل العيون مثلًا) بهدف خلق إعاقة جسدية. فيشعر الشخص المُصاب بالمتلازمة أن عضو معين بشع، ومن خلال التخلص منه يحصل على جسد أجمل. وأحيانًا يشعر بخط فاصل (بين العضو الذي يرغب ببتره و باقي جسده) يؤلمه.

وقد يحاول بكل الوسائل تحقيق رغبته من خلال إما إقناع الطاقم الطبي بالقيام بعملية بتر أو يقوم بها بنفسه (مثلًا اطلاق النار على قدمه، نشر يده بالمنشار، وضع مواد كيميائية مؤذية في عيونه،…).

أسباب متلازمة سلامة الهوية الجسدية

تصعب دراسة متلازمة سلامة الهوية الجسدية كونها نادرة في العالم، ولصعوبة تشخيصها كونها غير مصنفة في الدلائل التشخيصية العالمية المُعتمدة من قبل الأطباء النفسيين. لذلك لم تُدرس بشكل كبير الأسباب المؤدية لها.

ترتبط المتلازمة عادةً بأمراض نفسية أخرى: اضطرابات المزاج،  واضطراب القلق، واضطرابات الأكل، وتعاطي المخدرات وغيرها. لكن هذه الأمراض لا تُعتبر مسببة للمتلازمة.

تُظهر صور الرنين المغناطيسي أن الأشخاص المصابين بالمتلازمة يظهرون خللًا في الفص الجداري من الدماغ. فيكون الفص الجداري أقل نشاطًا ويحمل كمية أقل من المادة الرمادية الدماغية. من الجدير بالذكر أن الفص الجداري هو المسؤؤل عن تكوين صورة الجسد العقلية، وبالتالي أي خلل في هذه المنطقة الدماغية يؤدي إلى اضطراب في الهوية الجسدية.

علاج المتلازمة

لم ينجح أي علاج دوائي أو نفسي حتى الآن بمعالجة هذه المتلازمة. ولكن العلاج النفسي يساهم في فهم الشخص المصاب لحالته المرضية.

الطريقة الوحيدة لعلاج الرغبة الحقيقية بالبتر هي بتحقيقها! وقد خلقت هذه الطريقة “العلاجية”  جدلًا كبيرًا في المجال الطبي النفسي، بين اعتبار الشخص المصاب مستقل في قراره ومسؤول عن هذا القرار أو اعتباره مريضًا نفسيًا غير قادر على أخذ قرار يؤدي إلى إعاقته.

ولكن تجارب عدة مع أشخاص مصابين بالمتلازمة المذكورة أثبتت أنهم يرضون تمامًا بعد إجراء عملية البتر، ولا يبدون أي ندم حتى مع الصعوبات التي تنتج عن الإعاقة بعد العملية.

متلازمة سلامة الهوية الجسدية واحدة من أكثر المتلازمات غرابةً، ولا شك أنها تستحق تصنيفًا طبيًا واضحًا، تساهم في تعميق الدراسات حولها، وتبيان أسبابها ووسائل علاجها. ولكنها تثبت أن، في بعض الأحيان، الجسد السليم في الدماغ السليم.

المصادر:

Taylor and Francis Online
NCBI
Independant
Research Gate

متلازمة الموهوب ومتلازمة الموهوب المكتسبة: المتلازمة التي تجعلك عبقريًا

لطالما كانت العبقرية ظاهرة محيّرة، تميز عددًا محدودًا من الأشخاص بموهبة خارقة للمعايير البشرية. وتتعدد مجالات العبقرية بين العلوم والحساب والموسيقى والرسم وغيرها. فقد لعب العباقرة حول العالم دورًا هائلًا في تطوير العلوم والفنون عبر التاريخ، وساهموا في شكل العالم الذي نعرفه اليوم. لكن ماذا لو نتجت العبقرية عن مرض عقلي أو إصابة دماغية؟ في هذه الحالة، نتحدث عن متلازمة الموهوب ومتلازمة الموهوب المكتسبة، فما الفرق بينهما؟

ما هي «متلازمة الموهوب-The Savant Syndrome»؟

متلازمة الموهوب هي حالة نادرة تصيب عددًا من الأشخاص ذوي الإعاقة العقلية أو الأمراض العصبية واضطرابات النمو العصبي، تخلق عندهم قدرات عقلية عالية  في مجال أو أكثر. ونقصد بالقدرات العقلية العالية أنها لا تتخطى قدرات الأشخاص المُصابين بالمرض أو الاعاقة العقلية نفسها فقط، بل أيضًا قدرات الأشخاص الأصحاء.

تختلف مجالات العبقرية بين شخص وآخر، لكن الأكثر شيوعًا هي مجالات الذاكرة والموسيقى والفن والحساب.

يكون الأشخاص المصابون بمتلازمة الموهوب غالبًا مُشخصين أساسًا باضطراب طيف التوحد، الذي يعتبر واحدًا من اضطرابات النمو العصبي، وهو يتصف بضعف السلوك الاجتماعي والتواصل والمهارات اللغوية وبعدد من السلوكيات النمطية المتكررة. وتقدر الدراسات بأن حوالى 10 الى 30 بالمئة من الأشخاص المصابين باضطراب طيف التوحد هم مصابون بمتلازمة الموهوب.

أشهر المصابين بالمتلازمة

من أشهر الأشخاص المصابين بهذه المتلازمة رجل أميركي، جُسدت شخصيته في فيلم “Rain man”، وكان يتمتع بذاكرة بصرية خارقة. كان قد حفظ أكثر من 6000 كتاب، وكان لديه معلومات موسعة جدًا عن الجغرافيا والموسيقى والتاريخ والحساب. ذاكرته البصرية مكنته من حفظ جميع شوارع الولايات المتحدة الأميركية، بالإضافة الى قدرته على الحساب التقويمي (أي القدرة على معرفة اليوم المصادف مع تاريخ معين أو العكس). رجل آخر مصاب بالمتلازمة هو ديريك بارافيتشيني، وهو بريطاني كفيف ومصاب باضطراب الطيف التوحدي، يتمتع بقدرات خارقة في حفظ الآلاف من المقطوعات الموسيقية وعزفها ببساطة مطلقة.

https://www.youtube.com/watch?v=36K1HQvUdWg

تُعد أسباب الاصابة بمتلازمة الموهوب غير واضحة، فيعتبر بعض العلماء أنها مرتبطة بأسباب جينية، أما البعض الآخر فيعتقد أنها ناتجة عن كثرة تمرين وظيفة عقلية معينة. على المستوى العصبي، اقترح علماء أن المتلازمة قد تكون ناتجة عن عمليات نمو عصبي في مناطق معينة من الدماغ على حساب مناطق أخرى، وبالتالي تطور وظيفة عقلية مقابل ضعف في وظائف ثانية.

في دراسة أُجريت عام 2018، تم دراسة العلاقة بين أعراض معينة خاصة باضطراب طيف التوحد وبين وجود متلازمة الموهوب. وقد بينت االدراسة أن الأشخاص المصابين باضراب طيف التوحد مع متلازمة الموهوب هم أكثر حساسية على المحفزات الحسية، ولديهم سلوك ذا طابع وسواسي أكثر من الأشخاص المصابين باضراب طيف التوحد دون متلازمة الموهوب. وقد تكون هذه السمات ساهمت في نمو الموهبة (خاصة الطابع الوسواسي بحيث يحفز الشخص على التمرين يشكل مبالغ به على وظيفة معينة).

«متلازمة الموهوب المكتسبة- The Acquired Savant syndrome»:

كما يدل اسمها، هي قدرات عقلية خارقة يكتسبها الشخص بعد اصابة دماغية (سواءً بحادث أو بمرض عقلي).

تُعد هذه الحالة نادرة جدًا حول العالم، وتختلف أسبابها بين ضربة على الرأس مسببة إصابة في الدماغ أو مرض يؤثر على الدماغ ( التهاب السحايا، أمراض الخرف،…).

في معظم حالات المتلازمة، تكون الإصابة في الجزء الأيسر من الدماغ ويقوم الجزء الأيمن منه بالتعويض. وتكون الموهبة عادةً تنتمي الى أحد المجالات التالية: الحساب التقويمي، الرياضيات، الفن، الموسيقى والمهارات المكانية.

من الجدير بالذكر أن معظم حالات المتلازمة هي من الذكور. نذكر هنا قصة شخصين أصيبا بمتلازمة الموهوب المكتسبة:

أورلانرو سيريل تلقى ضربة من طابة البيسبول في العاشرة من عمره، مما سبب له صداعًا قويًا لأكثر من يوم. لكن المفاجأة أن بعد اختفاء الصداع، ظهرت عنده القدرة على الحساب التقويمي وتذكر الأحداث بدقة عالية.

في قصة أخرى، تلقى طبيب يدعى طوني سيكوريا صاعقة أثناء تكلمه عبر الهاتف. نجا سيكوريا من الحادثة وشفي بعد عدة أسابيع، إلا أنه شعر برغبة قوية في السماع لموسيقى كلاسيكية. ولكن رغبته لم تتوقف هنا، بل اشترى آلة بيانو وبدأ بالعزف عليها دون تعلم، وبدل أن يعزف موسيقى مكتوبة شعر برغبة جامحة في عزف موسيقى ألفها بنفسه. عام 2008، أطلق سيكوريا ألبوم موسيقي له بعد تأليفه العشرات من المقطوعات الموسيقية.

لم يُعرف أسباب واضحة لمتلازمة الموهوب المكتسبة، غير أنها تجعلنا نطرح سؤالًا مهمًا: هل الموهبة المكتسبة ناتجة عن الاصابة؟ أم أنها موجودة أصلًا عندنا جميعًا والإصابة كشفتها؟

لا شك أن متلازمتي الموهوب والموهوب المكتسبة هما من أكثر المتلازمات المدهشة، فهما تكشفان عن عبقرية الدماغ البشري. لكنهما أيضًا يبينان أن الدماغ ما زال لغزًا لم نستطع كشف كل جوانبه بعد، ولعل اكتشاف هذه الجوانب سيكون مفتاحًا في المستقبل لإطلاق العنان للإبداع الإنساني.

المصادر:

Molecular autism
NCBI
Brain injury law center
Europe PMC

متلازمة الكوخ والعزلة المرضية

متلازمة الكوخ والعزلة المرضية

أتت جائحة كورونا عام 2020 لتفرض علينا حجرًا منزليًا طويلًا، فصلنا عن الحياة الصاخبة التي اعتدنا عليها. وعلى الرغم من الراحة النفسية التي تعطيها العطلة في العادة، إلا أن هذه العطلة القسرية سببت للكثير من الأشخاص حول العالم عوارضًا نفسية عديدة، وعاد الحديث حول ما يسمَى بمتلازمة الكوخ. فما هي متلازمة الكوخ؟ وما هي أعراضها؟

ما هي متلازمة الكوخ؟

متلازمة الكوخ، أو ما يُسمى باللغة الانكليزية ب«Cabin fever»، هي مجموعة من الأعراض النفسية التي تصيب الشخص بسبب مكوثه لفترات طويلة في المنزل. وعلى الرغم من أنها غير مُصنفة كمرض نفسي حقيقي، إلا أن عدد كبير من الأشخاص يشعرون بأعراضها. وهي تتراوح بين المشاعر السلبية والتوتر الناتجة عن قضاء وقت طويل في المنزل، حتى تصل الى مشاعر حادة من الوحدة والعزلة  أو حتى أذية النفس.

من الأرجح أن أول استخدام لمفهوم هذه المتلازمة يعود الى أوائل القرن العشرين، حيث تكلم عنها سكان المناطق الشمالية من القارة الأميركية، الذين كانوا يضطرون للبقاء في منازلهم لفترات طويلة خصوصًا في أيام الشتاء. وبعض المصادر تعتبر أنه بدأ الحديث عن متلازمة الكوخ في أوائل القرن التاسع عشر مع انتشار حمى التيفوئيد المُعدية التي أجبرت السكان على البقاء في المنازل لأيامٍ عديدة.

يربط العلماء أحيانًا متلازمة الكوخ بالاكتئاب الموسمي، الذي يصيب بعض الأشخاص عند حلول فصل الشتاء.

شكلت متلازمة الكوخ لفترة طويلة معضلة لعلماء النفس، بحيث اعتبر البعض أن عوارضها حقيقية، فيما رأى البعض الآخر أنها مجرد معتقد اجتماعي غير دقيق ولا يرقى للتشخيص الطبي. اليوم يعترف علماء النفس بمتلازمة الكوخ كمجموعة من الأعراض المختلفة الناتجة عن المكوث في البيت، لكنها غير مُصنفة كتشخيص وليس لديها تعريف محدد.

ما هي الأعراض؟

تختلف أعراض متلازمة الكوخ بين شخصٍ وشخص. وهي  تشمل المزاج السيئ والملل والضجر والقلق والتوتر والغضب واليأس وفقدان التحفيز أو الرغبة بالعمل والانزعاج السريع والأرق وصولًا الى الاكتئاب وأحيانًا العنف تجاه الآخرين أو أذية النفس.

وتنعكس هذه الأعراض على الحياة اليومية للأشخاص المُصابين بها  فتؤثر على الانتاجية، وتقلل نسبة التركيز. كما يمكن أن تسبب اضطرابات في النوم بين الأرق وقلة النوم أو النوم لفترات طويلة من اليوم. كذلك تسبب المتلازمة أحيانًا اضطراب في الطعام، وتحفز عند بعض الأشخاص شرب كميات كبيرة من الكحول.

من يُصاب بمتلازمة الكوخ؟

تنتج المتلازمة عن أسباب خارجية (البقاء في المنزل) لكنها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالأسباب الداخلية الفردية. بحيث تُصيب متلازمة الكوخ بشكل أكبر الأشخاص الانبساطيين (Extrovert) أي الأشخاص الذين يميلون الى الخروج من المنزل ولقاء الآخرين بكثرة، فهم ليسوا معتادين على روتين المنزل.

ارتباط متلازمة الكوخ بوباء كورونا

أجبر وباء كوفيد-19 المليارات من البشر على التباعد الجسدي والاجتماعي، وقضاء فترات طويلة في المنزل. لذلك فهو مرتبط بشكل بديهي ومنطقي بمتلازمة الكوخ. فبدأت الصحف حول العالم تتكلم مجددًا عن المتلازمة، وتشدّد على أهمية الانتباه الى الصحة النفسية الى جانب الصحة الجسدية والوقاية من الوباء.

لا شك أن تكنولوجيا الاتصالات لعبت دورًا هائلًا في الحفاظ على التواصل مع العالم الخارجي ممّا خفف من الشعور بالوحدة عند الكثيرين، ولكنها لم تعوض عن الاتصال المباشر والحقيقي عند آخرين ولم تمنع ظهور أعراض المتلازمة بعد فترة طويلة من الحجر.

الوقاية من متلازمة الكوخ والعلاج منها

بما أن متلازمة الكوخ غير مصنفة كمرض نفسي، فلا يوجد إجراء علاجي واضح. إلا أن علماء النفس ينصحون إجمالًا الأشخاص المعرضين للمتلازمة باللجوء الى اعتماد روتين صحي، من خلال تنظيم النوم ووجبات الغذاء. كما ينصحون بشدة بالبقاء على تواصل مع العالم الخارجي والأهل والأصدقاء (حتى لو كان هذا التواصل افتراضيًا)، وبالابقاء على النشاط الذهني من خلال العمل أو الدراسة أو المطالعة أو أي نشاط ذهني آخر، والنشاط الجسدي من خلال الحركة والرياضة.

أما في الحالات الحادة، عندما تصل أعراض المتلازمة الى اليأس الحاد والاكتئاب والقلق والعنف، يحتاج المُصاب بها الى مساعدة من خلال العلاج النفسي وأحيانًا الى علاج طبي دوائي.

العزلة أمر جيد، ولكنك تحتاج شخص ما لتخبره بأن العزلة جيدة.
-هونوري دي بالزاك

 الانسان حيوان اجتماعي، وعقله يتغذى بالتواصل الاجتماعي تمامًا كما يتغذى بالطعام والنوم. وعلى الرغم من اختلاف حاجات البشر بين أشخاص يميلون الى الوحدة وآخرين يفضلون وفرة العلاقات الاجتماعية على أنواعها حولهم، إلا أن التواصل يبقى أوكسيجين العقل البشري.

المصادر:
Medical News Today
CNN
Washington Post

اقرأ أيضًا، متلازمة أليس في بلاد العجائب

متلازمة القدس : بين الايمان والجنون

لطالما ارتبط اسم مدينة القدس، عاصمة فلسطين المُحتلّة، بالتاريخ الحضاري والديني لمنطقة الشرق الأوسط. فهي لم تسمَّ “القدس” (أي البيت المقدس) أو “أورشليم” (أي بيت السلام) من باب الصدفة، بل لأنها تُعتبر القلب النابض للأديان السماوية الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلام.ولكن هل كنت تعلم أن اسم القدس يرتبط أيضًا بمتلازمة نفسية غريبة؟ فما هي هذه المتلازمة؟ وما علاقتها بزيارة القدس؟

تعريف متلازمة القدس

متلازمة القدس هي متلازمة نفسية، وهي مجموعة وساوس أو أوهام ذهانية ذات طابع ديني تطغى على عدد من الأشخاص خلال زيارتهم لمدينة القدس. تصيب المتلازمة حوالى المئة شخص أو أكثر كل عام، ويحتاج حوالى الأربعون شخصًا الدخول الى المستشفى لمعالجة عوارضهم النفسية. ويُعتقد أن عددًا من الحالات يبقى غير مُشخّص. يشكل الزوار المسيحيون واليهود غالبية الحالات، بينما حالات الزوار المسلمين تبقى نادرة.

نبذة عن القدس وعلاقتها بالأديان السماوية

لفهم متلازمة القدس يجب فهم المحيط الثقافي الموجود في هذه المدينة والذي يحفز هذا النوع من الأوهام. تتميز زهرة المدائن بغناها الفريد بالمعالم السياحية الدينية التاريخية، وتحتل القدس مكانة دينية مهمة جدًا ممّا يفسر الصراعات السياسية القائمة حولها.

فبالنسبة للديانة اليهودية، تحتوي القدس على حائط المبكى، الذي يعتقد اليهود أنه ما تبقّى من هيكل النبي سليمان وهو أكثر الأماكن قداسةً عند اليهود.

بالنسبة للمؤمنين المسيحيين، تشكل القدس أهمية قصوى كونها المدينة التي شهدت صلب المسيح وقيامته، وتُعتبر كنيسة القيامة مكانًا للحج يقصده الملايين من المؤمنين سنويًا.

أما بالنسبة للإسلام، فمدينة القدس تحتوي المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وقبة الصخرة التي عرج منها النبي محمد.

إضافةً إلى هذه المعالم، مدينة القدس غنية بعشرات المعالم الدينية والتاريخية والأثرية.

أنواع متلازمة القدس

قُسّمت حالات الإصابة بمتلازمة القدس إلى ثلاثة أنواع بحسب العوارض والسوابق الطبية والخلفية النفسية للأشخاص المُصابين.

النوع الأول: متلازمة القدس الناتجة عن مرض ذهاني سابق

في هذه الحالة، يكون الشخص المُصاب بمتلازمة القدس مُصاب سابقًا بمرض ذهاني قبل زيارته القدس. وغالبًا تكون زيارة القدس ناتجة في الأساس عن المرض النفسي الذهاني (مثلًا يتوهم المريض أنه في مهمة إلهية يجب أن يزور القدس).

«الذهان-Psychosis» هو مرض نفسي يسبب الانفصال عن الواقع، وهو يشمل «الفصام-Schizophrenia» الذي يسبب الهذيان بأفكار وهمية مع هلاوس بصرية أو سمعية، و«الاضطراب الثنائي القطب-Bipolar disorder» الذي يسبب التأرجح بين فترات من الهوس (نشاط مفرط وارتفاع غير طبيعي في المزاج والإثارة) وفترات من الاكتئاب.

يتخيل المريض أنه واحد من الشخصيات الدينية أو أنه في مهمة دينية بأمر إلهي، مثلًا توهم شخص أنه شمشون وهو شخصية دينية يهودية وأنه في مهمة لإزاحة صخرة من حائط المبكى، كما توهم أشخاص آخرون أنهم يتقمصون شخصية السيد المسيح أو القديس يوحنا المعمدان، وبعض النساء تخيلن أنهن السيدة مريم العذراء.

النوع الثاني: متلازمة القدس ناتجة عن مرض نفسي غير ذهاني ومترافق مع عادات غريبة

ينتج هذا النوع إجمالًا عن اضطرابات في الشخصية أو عن أفكار وسواسية، وغالبًا ما يصيب مجموعة من الزوار، فيقومون بتصرفات غريبة.

فقد قامت مجموعات من الزوار المسيحيين بزيارات متتالية لعدم تفويت إعادة ظهور المسيح. وقامت مجموعات من الزوار اليهود بمحاولات لخلق “البقرة الحمراء” كالتي ذُكرت في التوراة.

النوع الثالث: متلازمة القدس غير المسبوقة بأي مرض نفسي

يُصاب بعض الأشخاص بنوبة ذهانية حادة عند زيارتهم القدس، رغم عدم وجود أي سابقة مرضية نفسية.

 ويشترط التشخيص بهذا النوع من المتلازمة بعدم ارتباط الزيارة بأي نوع من الأوهام أو الوساوس الدينية، وبمرورهم بسبعة مراحل مرضية وهي: قلق وتوتر حاد، ثم رغبة في الانفصال عن المجموعة السياحية أو العائلة الذي أتى معها، ثم وساوس قهرية متعلقة بالنظافة والطهارة، ثم تحضير لباس ذي طابع ديني (غالبًا ثوب أبيض)، ثم الحاجة إلى صراخ أو إنشاد أحاديث مقدسة، ثم المسيرة إلى أحد الأماكن المقدسة، وأخيرًا إلقاء خطبة دينية (غاليًا غير منطقية) في مكان مقدس.

إجمالًا، يأتي الأشخاص الذين يصابون بالنوع الثالث من متلازمة القدس من عائلات دينية محافظة. يتم معالجة هذا النوع من المتلازمة سريعًا من خلال الأدوية وتختفي العوارض نهائيًا بعد مغادرة القدس.

توضح متلازمة القدس الغريبة مدى تأثر العقل البشري بالمحيط الثقافي والفكري والديني، يصل أحيانًا إلى الهذيان والهلوسة. ويتحول الايمان الديني إلى جنون.غير أن هذا النوع من المتلازمات لا يقتصر فقط على التأثر بالأفكار الدينية، بل أيضًا بالمحيط الفني والهندسي، تمامًا كما يحصل عند الاصابة بمتلازمة ستندال التي تصيب مهووسي الفن عند زيارتهم فلورينسا الايطالية.

المصادر:

Cambridge University Press
The Guardian
The Telegraph
Livescience

متلازمة كابجراس أو “المُنتحِل”: الوهم الذي يحوّل الأقرباء إلى غرباء

تخيّل أنك تعيش مع أشخاص يبدون تمامًا كأهلك لكنهم في الحقيقة كائنات فضائية أخذوا مكانهم. هي قصة تشبه أفلام الرعب، لكنها قد تتحول إلى حقيقة في حال إصابتك بمتلازمة كابجراس.

تعريف متلازمة كابرجاس

 متلازمة «كابجراس-Capgras» تُسمّى أيضًا ب«متلازمة المُنتحل-Imposter Syndrome». وهي متلازمة نادرة تجعل الشخص المُصاب بها يعتقد أن شخص أو أكثر من المحيطين به قد استُبدلوا بأشخاص مُنتحلين أو كائنات مُنتحلة (كائنات فضائية، وحوش، …). في أغلب الأحيان، يكون هذا الشخص “المُنتحَل” الزوج/الزوجة،أو فرد من العائلة، أو صديق مقرّب، أو فرد من الطاقم الطبي.

تمّ وصف وتشخيص هذا الوهم لأول مرة من قِبل الطبيب النفسي الفرنسي «جوزيف كابجراس-Joseph Capgras» عام 1923. وقد أطلق عليه اسم «L’illusion des sosies» بالفرنسية والتي تعني وهم المتشابهين.

تعتبر متلازمة وهم كابجراس واحدة من «متلازمات سوء التعرف الوهمي –Misidentification delusions». وهي مجموعة من الأوهام  تؤدي إلى خطأ في تعريف هوية الشخص نفسه، أو أشخاص آخرين، أو حيوانات، أو أشياء، أو أماكن.

من يُصاب بالمتلازمة؟

تُعد متلازمة كابجراس نادرة، وهي غالبًا ترتبط بمرض نفسي أو حالات عصبية وعقلية أخرى، سنذكر منها:

– «الفصام البارانويدي-Paranoid schizophrenia»: وهي حالة مرضية نفسية يفقد فيها المريض ارتباطه بالواقع، ويعاني من توهم الاضطهاد تغذيه هلوسات بصرية و/أو سمعية.
– اضطرابات المزاج.
– مرض الألزهايمر.
– «خرف أجسام ليوي-Lewy Body dementia»: هو خرف يؤدي إلى انخفاض في القدرات الذهنية والهلاوس البصرية وغيرها من العوارض.
– إصابات الرأس.
– تعاطي المخدرات.

وتجدر الإشارة إلى أن النساء أكثر عُرضةً للإصابة بالمتلازمة من الرجال.

أعراض متلازمة كابرجاس

تختلف العوارض بين مريض وآخر بحسب المرض الأساسي المُرافق لمتلازمة كابجراس. ولكن تتميّز المتلازمة إجمالًا بالتوهم بأن شخص أو أشخاص معينين تم استبدالهم بمُنتحلين لهم. ويكون عادةً الشخص المنتحَل تربطه علاقة عاطفية قريبة جدًا من المريض. يقتصر الوهم على شخص أو أشخاص معينين ولا يطال الأشخاص الآخرين المحيطين بالمريض. ومن أكثر الاعتقادات شيوعًا هي أن المنتحِل شخص شرير أو كائن فضائي أو رجل آلي.

يكون المريض مقتنعًا اقتناعًا تامًا بالوهم، ولا يمكن لأي أحد إقناعه بالحقيقة رغم تقديم الأدلّة المادية والمنطقية له. وهو يكون غير قادر على التخلّي عن اقتناعه بالوهم رغم اقتناعه أحيانًا بعبثيته.

يتحول أحيانًا المريض، في حال لم يتم علاجه، إلى شخص عنيف. وقد يشكل خطرًا على الشخص الذي يتعلّق به الوهم، إذ إن المريض قد يحاول أذيته أو حتى قتله لاقتناعه بأنه مخلوق شرير.

أسباب الإصابة بالمتلازمة

لم يتمكن العلماء من تحديد أسباب واضحة للإصابة بمتلازمة كابجراس، لكنها تجمع بين أسباب نفسية وأسباب عضوية عقلية.

فقد بينت بعض دراسات الحالات أن الأشخاص الأكثر عرضةً للإصابة هم الأشخاص الذين يملكون قلق الاضطهاد، خصوصًا بعد تعرضهم لصدمة نفسية كبيرة. كما بيّنت دراسات الحالات (خصوصًا إصابات الرأس) وتقنيات التصوير العصبي أن الاصابات في النصف الأيمن من الدماغ قد تكون مسؤولة عن عوارض المتلازمة.

ومن النظريات الأكثر شيوعًا لتفسير المتلازمة هو ضرر في التواصل بين المنطقة الدماغية المسؤولة عن التعرف على الوجوه، والمنطقة المسؤولة عن المشاعر (الصور العقلية)، بحيث يتعرف المريض على وجه الشخص لكنه لا يشعر تجاهه بالعاطفة بطريقة طبيعية ولا يعتبره مألوفًا فيعتبر أن هذا شخص آخر مُنتحل للشخص الأساسي. وقد عززت هذه النظرية بعض الحالات التي يتوهم المريض أن شخصًا ما هو منتحل عندما يراه، لكن يختفي هذا التوهم عندما يسمع صوته فقط (مثلًا عندما يكلّمه عبر الهاتف).

ولكن النظريات المفسرة للأسباب النفسية والعضوية ما زالت غير دقيقة وهي بحاجة لمزيد من الدراسات.

شاب يخبر عن تجربته مع متلازمة كابجراس بعد تعرضه لإصابة في رأسه جراء حادث سير.

علاج المتلازمة

 يختلف العلاج بحسب العوارض والمرض الأساسي الذي يرافق متلازمة كابجراس. لكنه عادةً يتضمن العلاج الدوائي من خلال مضادات الذهان ومضادات الاكتئاب ومضادات الخرف، والعلاج النفسي والسلوكي لتخفيف قلق المريض وخطر العنف الذي قد تسببه المتلازمة. وكون المتلازمة ترتبط بأمراض نفسية وعقلية أخرى، هي غالبًا ما تترافق مع انخفاض في القدرات الذهنية والذاكرة والصعوبة في التركيز، ممّا يتطلب مقاربة علاجية معرفية.

في الختام، يستمر الدماغ البشري في مفاجأتنا، في صحته كما في مرضه، بحيث تخلق إصابة أي جزء منه أكثر المتلازمات غرابةً وعبثية، كفيلة بقلب عالمه رأسًا على عقب. وقد تشكّل دراسة هذه المتلازمات مفتاحًا إضافيًا لفهم كيفية عمل الدماغ.

مصادر
Science direct
WebMD
JAMA network
DUMAS
NCBI

المزيد: متلازمة الاستذئاب السريري: وهم التحول إلى حيوان

Exit mobile version