متلازمة ستوكهولم: تعاطف الضحية مع جلادها

رغم كثرة الحديث عن متلازمة ستوكهولم في العقود الأخيرة، إلا أننا ما زلنا لا نعرف الكثير عنها. وهي تعرف بأنها تدفع الضحية إلى التعاطف مع مضطهدها، وقد تصل إلى رفض الهروب من الاضطهاد الذي تتعرض له. فما هي أسباب هذه المتلازمة ؟ وما هي أعراضها تحديدًا؟

ما هي متلازمة ستوكهولم؟

هي ظاهرة نفسية يُصاب بها الشخص المخطوف، أو المُعرّض لحالة عنف خطيرة، فيشعر الشخص المخطوف بالتعاطف أو التعلق أو الحب باتجاه خاطفه أو مُعنفه. وبالرغم أن المتلازمة غير مُصنفة كتشخيص في أي من المراجع الطبية النفسية، إلا أنها قد وُصفت في حالات فردية عديدة، كما أنها،ومنذ القرن الواحد والعشرين، تعدّت تعريفها الأصلي الذي يربطها بالخطف، ووُصفت أيضًا عند بعض الأشخاص المُعنفين منزليًا وسجناء الحرب والأطفال المستغلين جنسيًا والنساء المستغلات جنسيًا في مجال الدعارة. وفي بعض الأحيان، يتم وصف متلازمة ستوكهولم في إطار جماعي، أي تصيب أبناء جماعة أو طائفة معينة باتجاه جماعة أخرى تستغلها أو تعنّفها.

ما أصل تسمية متلازمة ستوكهولم؟

سُميت متلازمة ستوكهولم باسمها تبعًا لحادثة حصلت في عاصمة السويد. ففي عام 1973، قام شخصان بعملية سرقة لمصرف في مدينة ستوكهولم، احتجزا فيها أربعة من موظفي المصرف لمدة ستة أيام متتالية. وقد أظهر الموظفون المخطوفون مشاعر تماهي وتعاطف مع خاطفيهم، بحيث أجري اتصال خلال فترة الخطف بين رئيس مجلس الوزراء السويدي وإحدى المخطوفات، أكدت خلاله أنه يتم معاملتهم بطريقة جيدة من قِبل الخاطفين، وأنها تثق بهما كثيرًا. وعبرت عن خوفها من أن يتم إيذائها من قبل شرطة بلدها في حال اعتدت على خاطفيها. وبعد تحرر المخطوفين، رفضوا جميعًا الشهود ضد خاطفيهم.

ما هي أعراض متلازمة ستوكهولم؟

كون متلازمة ستوكهولم غير مُصنفة كتشخيص طبي واضح، يصعب تحديد أعراض واضحة ودقيقة لها، لكنها تتّسم بثلاثة صفات أساسية:
-شعور الضحية بأحاسيس إيجابية تجاه الشخص المسيئ لها (كالتعاطف والتعلق).
-شعور الضحية بأحاسيس سلبية تجاه السلطة أو الشرطة أو أي جهة منقذة (تنقذ الضحية من جلادها)، ورفض التعاون معها.
-تماهي الضحية مع مبادئ وأهداف الجهة المسيئة لها.

كيف يفسر العلماء متلازمة ستوكهولم؟

ظهرت متلازمة ستوكهولم في العديد من أعمال العنف والخطف على مر السنين، إلا أن الدراسات التي تناولت مدى انتشارها وعلاقتها بأمراض نفسية أخرى مازالت غير كافية لفهم هذه الظاهرة النفسية من كافة جوانبها. كذلك تُعتبر أسباب المتلازمة غير واضحة، وهي تختلط بين أسباب فردية متعلقة بالتركيبة النفسية للفرد، وأسباب خارجية تتعلق بحالة العنف وشخصية المُعنف وحتى التركيبة الاجتماعية التي تحيط بعملية استغلال الضحية.

حاليًا، يتفق علماء النفس أن أعراض متلازمة ستوكهولم هي عبارة عن أسلوب نفسي دفاعي (Defense Mechanism)، يدافع من خلالها الجهاز النفسي للضحية عن نفسه من خلال نكران الأذى (الجسدي أو/و النفسي) الذي يتعرض له، أو تبريره. وتشكل غريزة البقاء لب متلازمة ستوكهولم إذ تكون عادة ملازمة لحوادث خطيرة وقد تكون مميتة، ويُصوَّر في هذه الحالة الجلاد كمنقذ من الموت بالنسبة للضحية.

في العام 1994، كتبت الباحثة «دي غراهام-Dee Graham» في كتابها «حب البقاء-Loving to survive» أن متلازمة ستوكهولم تنتج عن أربعة عوامل مجتمعة. العامل الأول هو تلقي الضحية لحادث يشعره بتهديد حقيقي لحياته ثم شعوره بزوال هذا التهديد (مثلًا: كان بإمكان الخاطف أن يقتلني لكنه لم يفعل). العامل الثاني هو تصور أفعال الشخص المسيئ له كأفعال حسنة (سمح لي بالطعام أو بالاتصال بعائلتي…) وسط كل الحالة السيئة التي تعيشها الضحية. العامل الثالث هو انعزال الضحية عن أي تواصل مع جهات أخرى (غير الجهة المسيئة لها)، وبالتالي الايمان بمبادئ هذه الجهة وإنسانيتها. وأخيرًا، العامل الرابع هو عدم تصور أي طريقة للهروب من الإساءة. وهنا، أمام العجز التام في الهروب الفعلي، يكون الهروب النفسي من خلال التماهي مع الشخص المسيئ والتعاطف معه هو الحل.

تأخذ متلازمة ستوكهولم أشكالًا عديدة، فهي لا تنحصر بالعلاقات بين الضحية والمضطهد، بل تتعدّاها أيضًا إلى العلاقات العاطفية “السامة”، التي يكون أحد الأطراف غالبًا ضحية عاطفية ونفسية للطرف الآخر. ويعتبر البعض أن هذه الظاهرة النفسية قد تصيب شعوبًا كاملة، تخلق عندها نوعًا من التبعية والولاء لقادة مستغلين لهم ومضطهدين لحقوقهم.

إذًا لا شك أن دراسة هذه المتلازمة المعقدة ما زالت في بدايتها، وهي لم تطل بعد جوانبها الاجتماعية والثقافية. وهناك الكثير من الأسئلة التي ما زالت بحاجة إلى إجابة: هل تعتبر متلازمة ستوكهولم سلاحًا بيد المستغلين والمضطهدين، أكانوا أفرادًا أم جماعات أم دول، لبرمجة ضحاياهم على الرضوخ؟ أم هي مجرد متلازمة نفسية فردية مرتبطة بشخصية الضحية؟

المصادر:

Britannica
Healthline
researchgate

Exit mobile version