تقنية الملح الذائب في محطات الطاقة الشمسية

هذه المقالة هي الجزء 9 من 22 في سلسلة موضوعات تأسيسية في الطاقة المتجددة

مع الدعوات والالتزامات للحكومات في العالم لاسيما داخل الاتحاد الأوروبي لتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة القائمة على الوقود الأحفوري، بل ذهب الحديث إلى الإنتهاء منها بحلول عام 2030 لبعض الدول. دعت الحاجة المتنامية لمصادر طاقة بديلة مُتجددة أقل تلوثًا تحمي البيئة، وتتسم بالتوفير الاقتصادي لتزود العالم بمخزون كافي من الطاقة. إلا أنَّ الإشكالية لا تكمن بعملية إنتاج الطاقة وحسب، وإنما بتخزينها أيضًا، وذلك يرجع لواحدة من أهم مشكلات بدائل الوقود الأحفوري التي يواجهها العالم اليوم متمثلة بالكفاءة، والاستدامة الموسمية، إلى جانب عدم القدرة على توقع كمية الطاقة الممكن إنتاجها منها في مختلف المواسم، وبالتالي ضمان وفرتها وتخزينها بشكل دوري موسمي.

فكما نعلم الطاقة بشكلٍ عام، والكهربائية بشكلٍ خاص، العِماد الأساسي لضمان التقدم والرخاء الاقتصادي والحضاري للعالم. وذلك يتم عبر الإدارة والتحكم بتوزيع الطاقة على نطاق صناعي من جهة، وتلبية الحاجة للطاقة التي تعتبر متغيرة باختلاف المنشآت؛ والمراكز من جهة أخرى. مما يُعرف حاليًا أن طرق تخزين الطاقة الكهربائية محدودة للغاية ولا تلبي الحد المطلوب؛ لذا إتجهت الأبحاث المختصة لدراسة كيفية تخزين كميات عالية من الطاقة بصورتها البكر.
يكون بالإمكان حفظ الطاقة قرب مراكز توليدها أو نقاط الاستهلاك الأقرب لها؛ مثال لذلك تخزين الطاقة الحرارية باستخدام الملح الذائب.[١]

موجز تاريخي لتقنية الملح الذائب:

يعود أول استخدام لتقنية الملح الذائب إلى عام ١٩٥٠، عندما بدأ مختبر أوك ريدج الوطني في الولايات المتحدة (ORNL) بتطوير واختبار لمركبة مزودة بمحرك يعمل بالوقود النووي باستخدام تقنية الملح الذائب.
وبحلول عام ١٩٥٤، نقلت أورنل تركيز أبحاثها من محركات الوقود النووي إلى المفاعلات النووية، وذلك حصيلة تجارب أظهرت ثبات الأملاح الذائبة وعدم تحللها حين تعرضها للحرارة العالية الناتجة من المفاعلات النووية.
في ذلك الوقت، كانت هيئة الطاقة الذرية الأميركية (AEC) مهتمة أكثر بدراسة مفاعلات توليد الذرات القابلة للانشطار، ولهذا قامت أورنل بتطوير مفاعل توليد ذرات باستخدام الملح ذائب في الستينات. لسوء حظ أورنل المشروع كان ينافس مشروع آخر كانت هيئة الطاقة مهتمة أكثر بتطويره، مما أدى إلى تضارب بأحقية الدعم لمشروع الملح الذائب، مقررة بذلك هيئة الطاقة بدعم المشروع الآخر، موقفة العمل بمشروع مفاعل الملح الذائب. وبهذا أقفل ملف أبحاث مفاعلات الملح الذائب برفع آخر تقرير بالمشروع عام ١٩٧٦.

غير أن جهود باحثي أورنل لم يذهب سدى، فقد تم افتتاح أول محطة توليد طاقة شمسية استخدمت تقنية الملح الذائب لحفظ الطاقة عام ١٩٩٣ في كاليفورنيا. المحطة مصممة لتخزين ١٠ ميجا واط من الكهرباء خلال ساعة واحدة، استخدمت فيها مرايا عديدة لتوجيه أشعة الشمس نحو البرج المركزي. هذه الأبراج تعمل على امتصاص الأشعة الموجهة إليها لترفع من درجة حرارة الملح وتحفظ الطاقة في الملح بصورة حرارة.
بحلول عام ١٩٩٩، أُغلقت المحطة نتيجة لحاجتها لصيانة ذات تقنية عالية ومتتالية لم تكن متوفرة آنذاك.
نشرت أورنل بعدها مباشرة تقرير مختصر في عام ٢٠٠٠، وألحقته بتقرير مفصل في عام ٢٠٠٢ يوثق البحث كامل في هذا المشروع مما فتح الباب لإعطاء التقنية فرصة أكبر في السوق، لتنتشر على نطاق تجاري أوسع عالميًا. [2]


مبادئ تخزين الطاقة حراريًا في تقنية الملح الذائب:

هنالك صورتان لتخزين الطاقة حراريًا: حرارة محسوسة، أو حرارة كامنة.

الطاقة الحرارية المحسوسة تعتمد تخزين الطاقة الحرارية بطور واحد، بحيث تكون درجة حرارة المادة تتفاوت مع كمية الطاقة المخزونة. معادلة تدفق الحرارة من الحار الى البارد تحقق هذا بالصورة التالية:
Q = m C ΔT
بحيث m تعبر عن الكتلة، و C الحرارة النوعية، و ΔT الفرق في درجات الحرارة.
ينبغي الإشارة إلى أنه يشترط في هذه العملية عزل النظام لإبقاء تدرج درجات الحرارة لأجل خزن الطاقة.

إن أخذنا الماء كمثال، نستطيع القول بأنه يعتبر وسيط مثالي في درجات الحرارة المنخفضة التي تتراوح بين (°90 – 25)، وذلك بسبب الحرارة النوعية لجزيئاته المرتفعة نسبيًا(kJ/kg°C)4.2، بالإضافة لسهولة الحصول عليه.
من جهة أخرى، الحرارة الكامنة تُحفظ باستخدام مواد متغيرة الطور، والتي تستفيد من الحرارة الكامنة النوعية (L) الناتجة من تغير الحالة للمادة:
Q = m C ΔT + m L
المواد متغيرة الطور ممتازة بسبب كثافة تخزينها العالي للطاقة، الماء مثلًا لديه حرارة انصهار أكبر ب ٨٠ مرة من الحرارة المتطلبة لرفع درجة حرارة ١ كجم من الماء درجة مئوية واحدة.[3-4-5]

الأملاح الذائبة:

لدى الأملاح الذائبة خواص تجعلها مؤهلة لتكون وسيط ممتاز لحفظ الطاقة على نطاق واسع في المحطات الكبيرة، مثلًا:
درجة غليانها عالية، ومنخفضة اللزوجة، وضغط تبخرها منخفض، وسعة حرارتها الحجمية عالية؛ فكلما كانت سعة الحرارة الحجمية عالية، كانت مناسبة أكثر لتُحفظ في خزانات بأحجام أقل.

الأملاح المستخدمة في تقنية تخزين الطاقة حراريًا، مثل: نترات الصوديوم والبوتاسيوم،  لديها درجات ذوبان تتراوح بين 300-500°C، وسعة حرارية حجمية تترواح بين 1670 – 3770 kJ/m3°C، ولهذا خليط الملح المستخدم في محطات توليد الطاقة الشمسية المسمى تجاريًا ب “HITEC” يتكون من نترات البوتاسيوم 53%؛ ونترات الصوديوم 40%؛ ونتريت الصوديوم 7%، بدرجة حرارة بالحالة السائلة تتراوح بين 149 – 538°C.
يتم تسخين هذه الأملاح وحفظها في خزانات معزولة خارج أوقات الذروة، وعند الاحتياج يضخ الملح الذائب إلى مولد البخار لاستخدام الحرارة بتوليد الكهرباء.[3-5-6]

تخزين الطاقة في محطات الخلايا الشمسية:

محطات توليد الطاقة باستخدام الخلايا الشمسية ( CSP) تستخدم تقنية التخزين الحرارية و التي تتكون من عاكسات ذات قطوع مخروطية، أو مرايا تتبع للشمس، والتي بدورها تعمل على توجيه أشعة الشمس إلى البرج المستقبل المزود بأنابيب ذات نقاط بؤرية بحيث تنتقل الحرارة عبر مائع وسيط (الملح الذائب)، ومنها المائع ينتقل إلى المبادل الحراري ناقلًا الطاقة إلى الماء المستخدم لإدارة المولد الحراري ليولد الكهرباء.

إن تمعنا في البنى المستخدمة للتخزين، سنجد أن هنالك بنيتان أساسيتان مستخدمتان في منظومة تخزين الطاقة بالأملاح الذائبة، وهما:
بنية الخزانين المزدوجين: يستخدم الملح الذائب كمائع ناقل للحرارة عبر امتصاص الحرارة من المفاعل او المبادل الحراري، وكوسيط تخزين الطاقة الأساسي مستخدم الخزانين معًا الحار والبارد.
خزان آحادي: يُستخدم خزان واحد بحيث يبقي الملح الحار والبارد منفصلين باستخدام فاصل حراري. بحيث يتدفق الملح من الجانب البارد للخزان، ليتم تسخينه، ومن ثم يتدفق إلى الجانب الساخن من الخزان، ليُضخ خارجًا مخلفًا حرارة تستخدم لتوليد الكهرباء، ليعود بعدها إلى الجانب البارد من الخزان.[3-6-7-8]

[1] A. Bielecki, S. Ernst, W. Skrodzka, and I. Wojnicki, 2019. Concentrated Solar Power Plants with Molten Salt Storage:
Economic Aspects and Perspectives in the European Union., International Journal of Photoenergy.

[2] S. Ladkany, W. Culbreth, and N. Loyd, 2018. Molten Salts and Applications I: Molten Salt History, Types, Thermodynamic and Physical Properties, and
Cost., Journal of Energy and Power Engineering.

[3] M. Green, et al. “Nuclear Hybrid Energy Systems: Molten Salt Energy Storage,” INL/EXT-13-31768, November 2013.

[4] B. Reinhardt, ” Thermal Energy Storage,” Physics 240, Stanford University, Fall 2010.

[5] S. M. Hasnain, “Review on Sustainable Thermal Energy Storage Technologies, Part I: Heat Storage Materials and Techniques,” Energy Convers. Manage. 39, 1127 (1998)

[6] Z. Yang, and S. V. Garimella, “Cyclic Operation of Molten-Salt Thermal Energy storage in Thermoclines for Solar Power Plants,” Appl. Energy 103, 256 (2013).

[7] J.E. Pacheco, et al. “Development of a Molten-Salt Thermocline Thermal Storage System for Parabolic Trough Plants,” J. Solar Energy Eng. 124, 153 (2002).

[8] Y. Rajavi, “Concentrating Solar Power,” Physics 240, Stanford University, Fall 2013.

تعرف على العواقب المستقبلية الوخيمة لظاهرة التغير المناخي

تعرف على العواقب المستقبلية الوخيمة لظاهرة التغير المناخي

تعرف على العواقب المستقبلية الوخيمة لظاهرة التغير المناخي: أحيانا يتم تعريف المناخ بالطقس، لكن في الحقيقة المناخ يختلف كليا عن الطقس لأنه يقاس على مدى فترة زمنية طويلة، في حين قد يتغير الطقس من يوم إلى يوم، أو من سنة إلى أخرى. ويشمل مناخ منطقة ما: درجات الحرارة الموسمية، متوسط هطول الأمطار وأنماط الرياح.

المناطق المختلفة تستدعي بالضرورة وجود مناخات مختلفة أيضا. على سبيل المثال، يُشار إلى الصحراء بمناخ قاحل بسبب قلة التساقطات خلال السنة. وتوجد أنواع أخرى من المناخ كالمناخات المدارية التي تتميز بالحر والرطوبة، والمناخ المعتدل الذي يتسم بصيف دافئ وشتاء بارد.

ما مفهوم التغير المناخي؟

نأتي إلى الموضوع الرئيسي للمقال، إن تغير المناخ هو تغير طويل الأمد في درجات الحرارة وأنماط الطقس النموذجية في مكان ما. ويمكن أن يشير تغير المناخ إلى موقع معين أو إلى كوكب بأكمله. وقد يتسبب تغير المناخ في جعل أنماط الطقس أقل قابلية للتنبؤ بها. وهذه الأنماط المناخية غير المتوقعة يمكن أن تجعل من الصعب الحفاظ على الزراعة والمحاصيل في المناطق التي تعتمد على الزراعة لأنه لم يعد من الممكن الإعتماد على درجات الحرارة المتوقعة ومستويات هطول الأمطار. ويرتبط تغير المناخ أيضا بظواهر جوية مدمرة مثل زيادة وتيرة وشدة الأعاصير والفيضانات وهطول الأمطار والعواصف الشتوية.

ما هي أسباب التغير المناخي؟

إن السبب في تغير المناخ يتلخص إلى حد كبير في الأنشطة البشرية، كحرق الوقود الأحفوري، الغاز الطبيعي، النفط والفحم. ويطلق حرق هذه المواد الغازات الدفيئة إلى الغلاف الجوي للأرض. تحبس هذه الغازات الحرارة الآتية من أشعة الشمس داخل الغلاف الجوي، مما يؤدي الى ارتفاع متوسط درجة حرارة الأرض. ويسمى ارتفاع درجة حرارة الكوكب بالاحتباس الحراري-Gloabl Warming. ويؤثر الإحتباس الحراري للكوكب على المناخين المحلي والجهوي.

يذكر أن المناخ يتغيَّر باستمرار طوال تاريخ الأرض كجزء من عملية طبيعية بطيئة تتم على مدى مئات وآلاف السنين. أما التغير الذي نشهده اليوم والذي يحدث بسبب الأنشطة البشرية فإنه يتطور بوتيرة أسرع بكثير.

آثار التغير المناخي على الأنظمة الطبيعية:

من المتوقع أن تحدث عدة تأثيرات في النظم الطبيعية على مدى القرن الحادي والعشرين. فعلى سبيل المثال، قد تؤدي التغيرات في هطول الأمطار وذوبان الجليد والثلوج إلى زيادة مخاطر الفيضانات في بعض المناطق بينما ستسبب الجفاف في مناطق أخرى. وإذا لم تستطع النظم الإيكولوجية على التكيف، فستحدث عواقب سلبية أخرى تتجلى في زيادة خطر انقراض أنواع من الكائنات الحية.

آثار التغير المناخي على البشر:

سيتضرر في المقام الأول أشد الناس ضعفا وهم غالبا فقراء. ستكون قدرة هؤلاء على التكيف أقل، ولأن سبل عيشهم غالبا ما تعتمد على الموارد المرتبطة بالمناخ.

الآثار على مناطق محددة:

ستتأثر إفريقيا بتغير المناخ بوجه الخصوص، وذلك بسبب الضغوط القائمة على أنظمتها الإيكولوجية وضعف قدرتها على التكيف. سيكون إمداد المياه والمناطق الساحلية المهددة مشكلا ستعاني منه جميع القارات. ومن المتوقع أن تكون الآثار المستقبلية إجمالا سلبية، وإن كان من المنتظر مبدئيا حدوث بعض الآثار الإيجابية، مثل زيادة الإنتاجية الزراعية في خطوط العرض المرتفعة التي تصاحب ارتفاعا معتدلا في درجات الحرارة.

التغيرات المتوقعة في القرن الحادي والعشرين:

من المتوقع أن يزداد المتوسط العالمي لدرجة الحرارة بنحو 0.2 درجة (C) في كل عقد خلال العقدين المقبلين. وسيؤدي استمرار انبعاث الغازات الدفيئة بالمعدلات الحالية (أو أعلى منها) إلى زيادة أخرى في درجات الحرارة العالمية وتغيرات مناخية أخرى كثيرة خلال القرن الحادي والعشرين.

ومن المنتظر أيضا أن يرتفع المتوسط العالمي لمستوى سطح البحر بما يتراوح 18 و 59 سنتيمترا بنهاية القرن الحادي والعشرين. ويبلغ الإحتباس الحراري أقصى درجاته على اليابسة وعلى خطوط العرض الشمالية المرتفعة وأن يكون على أصغر درجاته على المحيط الجنوبي وأجزاء من شمال المحيط الأطلسي. وتشمل التغيرات المتوقعة الأخرى زيادة حموضة المحيطات، تقلص الغطاء الثلجي والجليد البحري، زيادة وتيرة الموجات الحرارية والأمطار الغزيرة، زيادة شدة الأعاصير المدارية، وتباطؤ التيارات المحيطية.

التغيرات المتوقعة على المدى البعيد:

سيستمر ارتفاع درجات الحرارة وارتفاع مستوى سطح البحر نتيجة للأنشطة البشرية لقرون من الزمن، حتى لو تم تثبيت تركيزات الغازات المسببة لظاهرة الإحتباس الحراري. وإذا استمرت هذه الظاهرة على مدى قرون عديدة، فقد ينتهي الأمر بالذوبان الكامل لصفيحة جليد غرينلاند Greenland، مما سيزيد من مستويات سطح البحر في العالم بنحو 7 أمتار.

المصادر: 1.هنا 2.هنا 3.هنا

نتمنى أن تقيم المقال في الأسفل!

Exit mobile version