Ad
هذه المقالة هي الجزء 16 من 18 في سلسلة كيف ستغير المدن الذكية من شكل عالمنا؟

تبذل الجهات الفاعلة في المدن الذكية جهودًا لتحسين جودة حياة السكان، وتقدّم نماذج وحلول مبتكرة باستمرار. لكن لا ترتبط أعداد هذه الحلول ارتباطًا قويًا بالمسائل الأخلاقية المتعلقة بتطبيقات المدن الذكية. فمن أين نشأت المشكلات الأخلاقية في المدن الذكية؟

نشأة المشكلات الأخلاقية في تطبيقات المدن الذكية

تتطوّر «المدن الذكية-smart cities» سريعًا وتتضمّن اليوم أجهزة استشعار وبرمجيات وروبوتات وشبكات وغيرها الكثير. وتعتمد على الذكاء الاصطناعي AI وتطبيق انترنت الأشياء IoT في مختلف مجالاتها. وأدى الاستخدام الواسع لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات ICT إلى توليد البيانات وجمعها بسرعة، فأصبح جمع البيانات جزءًا لا يتجزأ من حياتنا. وتأتي هذه البيانات من مصادر مختلفة، وقد تحمل أحيانًا معلومات حساسةً وسريةً حول المواطنين. [1]

وإذا افترضنا وجود عالم مثالي يعمل كل شيء فيه على النحو الصحيح، فإن جمع واستخدام هذه البيانات لا يشكل تهديدًا لأي شخص. وبالطبع تفوق الفوائد المخاطر إلى حد كبير في هذا السيناريو المثالي. لكن مع الأسف يوجد دائمًا في العالم الواقعي قضايا ومشاكل يتعيّن التصدي لها أثناء التعامل مع هذه البيانات.

توجهات مختلفة

يهتم الباحثون والمطورون بالتقنيات التي يقدمونها وبتقييم مدى صحتها وفائدتها لمستخدميها. بينما يهتم رجال الأعمال بشكل أكبر بما يحقق لهم المزيد من الأرباح. على الطرف الثالث، يرغب السياسيون في جعل حياتهم أسهل باستخدام التقنيات المختلفة لدعم عمليات صنع القرار بشكل أدق. كل ذلك يقودنا بشكل عام إلى هدف موحد يجتمع عليه الكل وهو تحسين خدمة السكان، والذين يهتمون بدورهم بجودة حياتهم واستقرارها. في نهاية المطاف، يظل الطرف الفاعل الرئيسي المعني بالأخلاقيات والمعضلات الأخلاقية في المدن الذكية والمتضرر منها هو “السكان”. ومع ذلك، يتمتع السكان في الحالة الحالية بأقل قدر من السيطرة على من يقوم بجمع البيانات وكيفية استخدامها.

يستطيع الباحثون تقديم وجهة نظر عامة عن المسائل الأخلاقية في المدن الذكية من خلال دراسة المشاريع المطورة أو المشاريع قيد التصميم والبحث. وذلك من أجل تحديد أين وكيف قد تنشأ المشكلات الأخلاقية في المدن الذكية. ولكن كل ذلك لم يعبر إلا عن مشكلة خصوصية البيانات، فهل من نماذج على تلك المشكلات الأخلاقية المزعومة؟

الهند ومعضلتها الأخلاقية في المدن الذكية

بدأ التحالف الوطني الديمقراطي منذ وصوله إلى السلطة في الهند عام 2014 بمبادرة لإنشاء 100مدينة ذكية في جميع أنحاء الهند. وتهدف المبادرة إلى تحسين جودة الحياة والبنية التحتية وتطوير النقل الجماعي والصناعات الذكية في البلاد. وأعيد توجيه الموارد لتحقيق هذه المبادرة، وهو ما أدى إلى نقص في الموارد في مجالات أخرى. ويبدو أن إدخال المدن الذكية في البلد يعمل على النهوض بمدن الطبقة العليا ويتجاهل المدن الفقيرة مثّل معضلة أخلاقية حقيقية. إذ يجري الآن التخلي عن تطوير المدن التي لا تستوفي المعايير المطلوبة. نتيجةً لذلك، يواجه المجتمع الهندي فصلًا أكثر وضوحًا بين الطبقات الاجتماعية مقارنةً بما كان عليه الوضع سابقًا. ويمثّل هذا التقدّم غير المتوازن بين الطبقات في الهند مشكلة أخلاقية في المدن الذكية تنتظر المناقشة الجادة والحلول.[2]

نظام قياس الأداء في أوروبا

ازدادت مبادرات المدن الذكية في أوروبا مع مرور الوقت، وقد ظهرت بشكل مستقل في كل مدينة. بسبب ذلك، احتاجت المدن إلى شكل من أشكال معايير القياس لمعرفة تطبيقات المدن الذكية الناجحة. ويهدف مشروع CITYKeys البحثي إلى إنشاء نظام لقياس أداء للمدن الذكية في أوروبا. ويحتاج النظام إلى قاعدة واسعة من البيانات لإجراء الحسابات، ويتطلّب كذلك وجود ممارسات موحّدة وقياسية لتبادل البيانات ونشرها.

تتمثّل هنا المشكلة الأخلاقية في المدن الذكية في كيفية مشاركة البيانات أو نشرها. ربما تتضمّن هذه البيانات معلومات شخصيةً وخاصةً عن سكان المدينة، بالتالي تتشكل مخاوف مختلفة بشأن ضمان الوصول الأخلاقي للبيانات واستخدامها. علاوةً على ذلك، لابد من بذل جهود تعاونية قوية بين مختلف الجهات، لكي يعمل هذا النظام بنجاح. ويطرح هذا المشروع سؤالًا مهمًا، ألا وهو كيف يمكن لهذه الجهات الوثوق ببعضها البعض؟ [3]

نظام مراقبة المياه في كوريا الجنوبية

صمّمت كوريا الجنوبية نظام إمدادات للمياه في مدينة U-city، ويوفر النظام معلومات آنية عن الخصائص الصحية والتشغيلية للبنية التحتية الرئيسية لإمدادات المياه في المدينة. ويشمل الكثير من أجهزة الاستشعار والبرمجيات المتقدمة والمرتبطة بالعديد من الشركات الخاصة. تجمع الشركات هذه المعلومات وتقدمها إلى موقع مركزي للرصد والتقييم. وعندما يتعطل جهاز استشعار ما يتعيّن على المركز الاتصال بالشركة المالكة ومطالبتهم بإصلاحه. بما يستوجب على الشركة المالكة إغلاق الجهاز أو التفاعل مع أنظمة أخرى قد يقوم بصيانتها موردون آخرون، مما يؤدي إلى تأخير مفرط في الوقت.

لكي ينجح هذا النظام، يتعين على جميع الموردين -سواءً كانوا من القطاع الخاص أو العام- تحديد خطوات قياسية لتشخيص وإصلاح المشاكل التي قد تحدث. وإلا فإنها ستسبّب تأخير في الوقت وهدر الموارد. حتى الآن، لا تحكم هذه الآلية قوانين ولوائح، بل إنها تتعلّق أكثر بالتعاون والاتفاق بين الموردين. وفي حال فرض بعض الموردين قواعدهم الخاصة التي تخدم مصالحهم، فقد تنشأ مشكلات أخلاقية تستعصي على الحل في المدينة الذكية. [4]

التنبؤ بالجرائم

تهدف برمجيات التنبؤ بالجرائم إلى تحديد المخاطر المحتملة للأنشطة الإجرامية أو الأنشطة غير المشروعة داخل المدن. وتعمل عن طريق تجميع البيانات من الهواتف المحمولة والبيانات الجغرافية والديموغرافية. والبيانات الديموغرافية هي البيانات التي تجمع عن السكان وفقًا لسمات معينة، مثل العمر والجنس ومكان الإقامة. وتستخدم هذه البيانات فيما بعد للتنبؤ بمكان النقاط الساخنة، من ثم يمكن للسلطات التوجّه نحوها أو تكثيف مراقبتها.

تصنع هذه البرمجيات العديد من المسائل الأخلاقية في المدن الذكية، مثل التمييز المحتمل بين المناطق، وحماية البيانات وتأمينها. على سبيل المثال؛ ستعمل البرمجيات على نحو أفضل في المناطق التي يتوفّر فيها المزيد من الهواتف المحمولة، والتي عادةً ما تكثر في المناطق الأفضل اقتصاديًا. بالتالي ستؤدي إلى توفير حماية أعلى لهذه المناطق على حساب الأحياء الأفقر التي لا تحتوي على نفس العدد من الهواتف المحمولة. [5] وبذلك، يتفاوت مقدار الأمن المتوفر بين الأغنياء والفقراء، وهو نظام يسهل إلقاء اللوم عليه إذا حدثت أي مشكلة. أليس كذلك؟

الشبكات الذكية في طاقة المدن الذكية

تسمح الشبكات الذكية برصد ومراقبة استخدام الطاقة، وتهدف عمومًا لتحقيق الاستدامة. على الرغم من ذلك، قد يسبب استعمال الشبكات الذكية انتهاكًا لخصوصية المستهلك. خاصةً عندما تكشف المعلومات عن أنواع الأجهزة الكهربائية المستخدمة وعدد مرات الاستخدام. كما قد تكشف كذلك عن الوقت الذي يقضيه المستهلكون خارج المنزل وفترات سفرهم.

قد يسبب أي تسريب أمني لهذه البيانات مخاطر أمنية كبيرة، بالإضافة إلى أنه قد يحقّق مالكو الشبكات الذكية منافع أكبر من الإعلانات المستهدفة أو التسويق المتخصّص. فيمكن بسهولة معرفة أصحاب المنازل ذات استهلاك الطاقة الأعلى بل وتحديد نوع الأجهزة. كما يفتح تكامل الشبكات الذكية مع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ICT إمكانية التعرض لهجمات إلكترونية، والتي يمكن أن تحرم الأفراد أو حتى المدينة بأكملها من الطاقة. [6]

كشف الإشغال

يحدد كشف الإشغال إذا ما كانت المساحة مشغولةً أم خاليةً، ويستهدف عادةً المساحات الخاصة مثل مباني المكاتب. يقدر هذا النوع من رصد الإشغال التحكم في الأنظمة داخل المبنى كأنظمة الإضاءة والتدفئة والتكييف والتهوية. بالتالي يستطيع خفض فواتير الطاقة بشكل كبير، ويقلّل أيضًا من تلوث الهواء الناتج عن عمل الأجهزة المختلفة لساعات أطول. من جهة أخرى، قد يسبب مشكلات متعلقةً بالسلامة في حال استغل لأهداف إجرامية أو هجمات إرهابية، مثل الاستفادة من البرنامج لسرقة مكتب أو مبنىً تجاري. [7]

عد الإشغال

يركز عد الإشغال على العدد الفعلي للأشخاص في المبنى ويعد مفيدًا مثلًا في انتهاكات قوانين السلامة كحرائق المباني. ويتطلب العد استعمال الهواتف المحمولة والكاميرات، لكنه يعتمد أكثر على الكاميرات، إذ لا يمكن ضمان أن يملك الجميع هواتف محمولة. وتُجهّز معظم المباني بأنظمة مراقبة تعمل بأشكال مختلفة. وتتبع بعض النظم عدد الأشخاص عن طريق استخراج السمات التي تصف شكل الجسم. يعني هذا تحديد الأفراد وتصنيفهم وتحديد مواقعهم في أي وقت من الأوقات، وينتهك هذا النوع من المراقبة كل الحقوق المتعلقة بالسرية والكشف عن الهوية، وهو ما يلزم اتخاذ تدابير أمنية دقيقة. فاستغلال تلك الخاصية ضد المدينة قد يحيل حياة أهلها إلى جحيم. [7]

التعرّف على الحدث

يدرس التعرّف على الحدث سلوك وأنشطة الأشخاص المتواجدون داخل الموقع المرصود. ويهدف إلى إنتاج أجهزة تحكّم أكثر ذكاءً وتحديد السلوكيات المرتبطة بالجرائم. يمكن استخدامه في المباني التي تحتوي على حشود كبيرة مثل الساحات الرياضية والمسارح. بغض النظر عن قضايا انتهاك الخصوصية الواضحة الناتجة عن هذا الرصد، قد تكبت هذه التقنية الطبيعة والتفاعلات البشرية بسبب معرفة الشخص بأنه مراقب. فمن المرجح أن يتغيّر سلوكك عندما تكون مراقبًا لتجنب وصمك بالشكوك، كما قد تفعل شيئًا ما عن طريق الخطأ، بما يؤدي إلى إطلاق إنذار داخل النظام. وترتبط هذه القضايا بالمواقف الغريبة الشائعة مثل مغادرة المتجر دون شراء غرض. فعلى الرغم من أنك لم تسرق شيئًا لكنك تشعر بأن الجميع يراقبك أو يشك بك فتضطر للشراء مثلًا.

قد لا تحدّد مثل هذه الأنظمة هوية الأفراد، لكنها تجمع ما يكفي من البيانات التي تستخدم بسهولة للقيام بذلك لاحقًا. يمكن استخدام البيانات لأنشطة غير ضارة مثل الإعلان المستهدف، بينما قد تسبب ضررًا متعمّدًا مثل خلق مواقف خطيرة لبعض الأفراد أو اتهام شخص ما زورًا. [7]

نظام تحديد المواقع GPS

تعتمد العديد من تطبيقات المدن الذكية على قراءة إحداثيات نظام تحديد المواقع GPS. على سبيل المثال؛ تستفيد المدن من الGPS بجمع البيانات من المركبات في مناطق معينة، ثم تتحكّم بالإشارات الضوئية لتجنّب الحوادث والازدحامات المرورية. وفي حالات أخرى تستفيد السلطات منه بتحديد موقع السكان المتضررين من حادث ما لتقديم الدعم اللازم لهم في الطوارئ.

يعد GPS مصدر قلق أخلاقي لأنه يحتاج القليل من الموارد عند مقارنته بتطبيقات أخرى. إضافةً إلى أنه يوفّر بيانات دقيقةً ومخصّصةً للتتبّع. بسبب ذلك، تتّخذ بعض الدول إجراءاتٍ قانونيةً صارمة تجاهه، فتلتزم أمريكا بحجب بيانات الGPS قانونيًا، وأصدرت المحكمة العليا أحكامًا تحظر بها منفذي القانون استخدامه، ما لم يكن لديها سبب جاد للقيام بذلك. ومع ذلك، يشكو العديد من الحقوقيين من أن تعريف “السبب المعقول” يظل غامضًا بما يكفي لتبرير انتهاكات مدنية وحقوقية. [8]

القيادة الذاتية في المدن الذكية

تتقدّم البحوث في مجال القيادة بدون سائق بشكل سريع، وتعمل عليها بعض الشركات مثل Google وUber ومعظم شركات السيارات. وتشير الصحافة ذات الصلة إلى أن حوالي 94% من الحوادث الحالية سببها خطأ بشري. نتيجةً لذلك، قد تصبح السيارات ذاتية القيادة بديلًا مرغوبًا فيه للنقل قريبًا، إلا أنها تثير قلاقل أخلاقية في المدن الذكية. إذ سبق أن صدمت سيارة أوبر ذاتية القيادة امرأة تعبر الشارع في أريزونا. وأشار الرئيس التنفيذي لأوبر في الماضي أن السيارات ذاتية القيادة تتميز بخوارزمية تتعلّم أثناء القيادة. يعني ذلك أن السيارات ذاتية القيادة هي الأكثر خطورةً عند بدء عملها، ولكنها تطور من نفسها حتى تتمكّن الخوارزمية من التعلّم. يطرح الحادث السابق سؤالًا حول ماهية المسؤول عن الحادث، هل هي الشركة المالكة للسيارة أم السائق الاحتياطي في السيارة أم المبرمج الذي صنع برنامج القيادة الذاتية؟ هذا السؤال غير مجاب عليه حاليًا. وفي سيناريو آخر، تتّخذ السيارة ذاتية القيادة قرارًا بالتسبّب في أقل ضرر إذا لم يكن بإمكانها تجنب الأضرار. ولأن الخوارزمية تتعلّم باستمرار فقد تلتقط استجابات متحيّزة تؤثّر سلبًا على قراراتها المستقبلية.[9][10][11]

الطائرات بدون طيار

تستعمل المدن الطائرات بدون طيار للرصد البيئي ومراقبة الأمن المدني ودعم السياحة وخدمات الطوارئ الصحية وإيصال البضائع. إذ تساعد الطائرات بدون طيار في تخفض التكاليف وتدعم السلامة والأمن وتساعد في إدارة الكوارث على نطاق واسع، وبذلك تساهم في خلق مدن ذكية أكثر أمانًا للسكان والزوار.[12][13] على الرغم من ذلك لا يخلو الأمر من الآثار السلبية والمسائل الأخلاقية في المدن الذكية. إذ مثلًا قد تستخدم لأغراض التجسّس على المواطنين والمنظمات.[14]

التركيز على المسائل الأخلاقية في المدن الذكية

تقلب المدن الذكية أسلوب حياتنا رأسًا على عقب، وتجلب معها نتائجَ إيجابيةً وسلبيةً في نفس الوقت، فأضحى التغيير واقعًا لا مفر منه. وباعتبار حياة الفرد منطلق المدن الذكية وغايتها، ينبغي علينا كأفراد مناقشة المسائل الأخلاقية الناتجة عن تطبيقات المدن الذكية. ونسعى لتطبيق سياسات أمنيةً وأحكامًا قانونيةً لكي نقلل من المخاطر قدر الإمكان.

المصادر

  1. ResearchGate
  2. ProQuest
  3. ResearchGate
  4. Semanticsholar
  5. ResearchGate
  6. ACM
  7. ResearchGate
  8. Science direct
  9. USNews
  10. Bloomberg
  11. Bloomberg
  12. IEEE
  13. ResearchGate
  14. Science direct

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


تقنية فلسفة عمارة

User Avatar

Julie Youssef

مهندسة معمارية، أحب الرسم والقراءة


عدد مقالات الكاتب : 54
الملف الشخصي للكاتب :

شارك في الإعداد :
تدقيق لغوي : abdalla taha

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق