رحلة طارق بن زياد: بين الحقائق والخرافات

هذه المقالة هي الجزء 3 من 14 في سلسلة تاريخ مغامرة العرب في بلاد الأندلس

تخيل أن يتم الاستيلاء على مساحة تزيد عن ال 87 ألف كيلومتر، بواسطة 7 آلاف رجل، أيعقل؟ هذا ما حدث في دخول العرب شبه الجزيرة الأيبيرية على يد طارق بن زياد، القائد الأمازيغي المحنك، بتوجيهٍ من موسى بن النصير. ولكن كيف كيف استطاع طارق مواجه القوط في الأندلس؟ وكيف مهد للمسلمين العيش فيها، بل ويحكمها المسلمون ثمانية قرون؟ وقبل كل شيء من هو طارق بن زياد؟

من هو طارق بن زياد؟

رغم بساطة السؤال فإن نشأة طارق بن زياد وشخصيته قبل دخوله الأندلس يملأها الغموض. فقد قدم المؤرخون العرب معلومات متناقضة عن نشأته وأصله، بين أصله العربي إلى الأمازيغي البربري. ولكن ما رجحته المصادر التاريخية أن أصله أمازيغي، عاش في أحضان طبيعة المغرب. حتى أتى موسى بن النصير وولاه على طنجة، نظرًا لما رآه في طارق من حكمة وبسالة ومعرفة بطباع أهلها. قيل كذلك في علاقة طارق بن زياد وموسى بن النصير العديد من الأقاويل، فبين صلح وحقد كُتبت الروايات. وكتب المؤرخ البلاذيري في علاقة طارق بموسى، أن موسى كتب لطارق رسائل شديدة اللهجة، وحدث بينهما خلافات عدة. ولكن فيما بعد تم تسوية تلك الخلافات. ويعتقد أنها كانت بسبب الغيرة من نجاح طارق في ضم الأندلس. [1]

كيف واجه طارق بن زياد القوط في الأندلس؟

كانت الأندلس تحت حكم القوط المسيحيين في بداية القرن الثامن الميلادي. حيث كانت تعاني في ذلك الوقت من التفكك والحروب الأهلية. عانت الأقلية اليهودية في تلك الفترة من الاضطهاد، كما جعل القوط منهم عبيدًا لهم، بعد أن سلبوا ممتلكاتهم. كان هذا نتيجة لمرسوم صدر في عام 694 م، وصف اليهود بالخونة ويجب معاقبتهم من قبل القوط الكاثوليكيين.

وبسبب النزاعات التي حدثت في الأندلس على الحكم، شجع جوليان، أحد نبلاء الأندلس، طارق بن زياد للتقدم نحو البلاد. وقرر نبلاء الأندلس الانتقام من لذريق “رودريك” وطلب الدعم من طارق في إحدى رحلاته التجارية في أفريقيا لرد اعتبارهم. وقد ذكر أن لذريق ملك هسبانيا في ذلك الوقت، قد اغتصب ابنة جوليان الشابة. واستولى كذلك على ممتلكات بعض نبلاء الأندلس. لذلك دعوا طارق لدخول الأندلس، حيث أخبروه بضعف حال قادتها، ووعدوا بأن تكون الأندلس مدخلًا لأوروبا. فبعث طارق لقائده موسى بن النصير يبحث معه في ذلك الأمر.

في عام 711 م نزل طارق في منطقة على سواحل جنوب إسبانيا، والتي سميت بعد ذلك باسمه. فكان ذهاب طارق إلى الأندلس بتوجيهٍ من قائده موسى بن النصير. وكانت تلك الحادثة مختلفة من نوعها، فلم يعتد المسلمين على التوسعات التي تضطرهم إلى السفر بحرًا. لذلك اختار موسى بن النصير طارق بن زياد لما امتاز به من حكمة ودهاء، وقدرة على قيادة جيشٍ في مهمة كتلك. وكان الأمر في البداية يسير، عبارة عن استكشاف، قبل أن يقوم طارق بأي حركة تشي بنواياه في ضم الأندلس لبلاد المسلمين. [1،2]

معركة وادي لكة

قبل المعركة نزل طارق بن زياد في منطقة الجزيرة الخضراء، حيث اتخذ منها معسكرًا له ولجنوده. وقام في البداية بالاستكشاف، ومن ثم نشر الشائعات في صفوف أعدائه عن بسالة جيشه. وكانت لديه استراتيجية قوية في إرهاب العدو وزعزعة صفوفه، ليربح جولة قبل بداية المعركة.

بداية المعركة

اختلفت المصادر عن عدد الجنود الذين كانوا مع طارق بن زياد، فمنهم من قال بأن عددهم كان 7 آلاف جندي فقط، والبعض الآخر رجح كونهم 12 ألف جندي. ولكن قيل كذلك بأن طارق سافر ومعه 7 آلاف جندي بالفعل، وبعد أن درس ساحة المعركة طلب الدعم من موسى بن نصير، فأرسل له 5 آلاف جندي بعد ذلك. كان جيش القوط مكون من 100 ألف جندي، بقيادة الملك لذريق. ورغم أن عدد جنود جيش القوط يفوق عدد جيش طارق، إلا أن جيش القوطيين كان معظمهم يدينون بالولاء لأبناء الحاكم غيطشة القوطي. وقد عزل لذريق أبناء غيطشة بوحشية، مما أدى إلى حنق الجنود على لذريق، والتخاذل بعض الشيء عن حمايته.

استهان لذريق بأعداد جنود خصمه، مما أدى إلى موته في النهر هربًا، وقتل العديد من القيادات والجنود إثر تلك المعركة. أدى ذلك إلى زيادة زعزعة الاستقرار في الأندلس، ليزداد الاضطراب الحادث نتيجة النزاع على الحكم، والضغط على الأقليات. فساعد ذلك طارق بن زياد على أن يُخضع قرطبة للاستسلام بدون حرب، بعد أن دخلها ومعه 700 فارس يبدوا عليهم القوة والشجاعة. وبعد أن قتل لذريق، تزوجت أرملته إيجيلونا من ابن موسى بن النصير عبدالعزيز، والذي قيل أن زوجته فرقته عن قومه وأثارت في عقله المؤامرات. فتم قتل عبد العزيز بن النصير نتيجة لانشقاقه عن الخليفة الأموي.

ما بعد المعركة

ولم تنتهي المعارك بمقتل لذريق، بل واجه طارق بن زياد معركة شرسة في طريقه لضم طليطلة وانتصر فيها كذلك. وبذلك استسلمت طليطلة دون قتال لطارق والذي توالت انتصاراته دون حربٍ، بعد دهائه في نشر الخوف من جيشه، خاصة بعد مقتل لذريق. وذكر المؤرخ الكردي الأثير الجزري بأن طليطلة كانت خالية من الناس عندما وصلها طارق بن زياد. وقيل كذلك أن اليهود هم من فتحوا أبوابها، وفي رواية أخرى أن طارق حاصرها. ولكن ما لا شك فيه هو أنه ضمها تحت رايته دون أن يحارب جيشها. لا ينكر التاريخ الإسلامي ولا الغربي بسالة ودهاء طارق بن زياد، ولكن مع الأسف فإن حكايته يسردها المتطرفين بمغالطات لتتماشى مع أغراضهم. كتجاهل المتطرفين كون طارق تحالف مع اليهود مثلًا لمواجهة جيوش لذريق. [3]

كيف انتهت حياة طارق بن زياد؟

وكما كانت نشأته مليئة بالغموض، فإن على وفاته العديد من علامات الاستفهام. وكان لكل مؤرخ رواية لنهاية طارق بن زياد. فقيل أن الخليفة استدعى كلٌّ من موسى وطارق، واتهموا بالاختلاس والجور في الأندلس، وعاشا حياتهما المتبقية فقراء في صمت. وقيل أنهما بعد أن عادا من الأندلس قررا أن يحيوا في زهد ما تبقى لهم من عمر. وفي رواية أخرى، أن موسى وطارق في طريق عودتهم للخليفة الوليد بن عبدالملك سمعوا بمرضه، فحاولوا التعجيل بالعودة حتى يتسنى للوليد بأن يرى ثمار انتصاره في الأندلس. ولكن سليمان بن عبد الملك كان حانقًا من ذلك، فطلب منهما أن يتأخرا في العودة حتى يلفظ الوليد أنفاسه الأخيرة. وقيل أنه طلب منهما أن يؤديا قسم الولاء له. وليحظى هو بغنائم ذلك الانتصار العظيم، ولكن رفض موسى وطارق تنفيذ طلبه ولاءً للوليد. فجردهما من مسؤولياتهما وتركهم يحيوا ما بقى من حياتهما في فقر. [2][3]

المصادر
1- Tariq ibn Ziyad – English Wiki Viewer
2- Ṭāriq ibn Ziyād | Muslim general | Britannica
3- 126.pdf (asu.edu)

كيف وصل العرب إسبانيا؟

هذه المقالة هي الجزء 2 من 14 في سلسلة تاريخ مغامرة العرب في بلاد الأندلس

عُرفت الجيوش الإسلامية بحبها للتوسع، على خلاف القوط الذين لم يهتموا إلا بالحفاظ على حدودهم دون أن تمسها دولة أخرى. إلا أن القوط لم يحاولوا قط أن تمتد حدود دولتهم، وكان ذلك لتذبذب دولتهم بين قتل حاكم إلى عزل الآخر. إضافة إلى الثورات الدموية التي زادت من توتر وضع المملكة القوطيّة في إسبانيا.[1] فكيف وصل العرب إسبانيا ؟

وصول المسلمين والعرب إسبانيا

انشغل القوط بالحروب الداخلية فيما بينهم، بدلًا من الدفاع عن حدودهم ضد التوسع الإسلامي. ولم يكن الشعب التابع لحكم القوط راضٍ عن حكمهم، لما تعرضوا له من عنصرية واضطهاد. مما أدى إلى استعانتهم بالمسلمين لمعاونتهم على إسقاط حاكمهم الظالم رودريك. وقد استجاب موسى بن النصير لطلبهم، وأرسل القائد الشاب طارق بن زياد إلى إسبانيا. وسميت المنطقة التي نزل فيها باسمه «جبل طارق- Gibraltar». [1]،[2]

التقى طارق بن زياد ومعه 7000 مقاتل، بالجيش القوطي المكون من 80,0000 مقاتل بالقرب من مدينة «شيرش – Jerez de la Frontera»، في واحدة من إحدى أعظم ملاحم التاريخ عام 711م. شهدت صفوف القوطيين العديد من الانقسامات والانشقاق عن الجيش للانضمام بصفوف جيش المسلمين. كان رودريك متكبرًا لدرجة أنه ذهب إلى المعركة برداءٍ من الحرير، حتى رأى تفكك جيوشه فانضم إلى المعركة. وسرعان ما هرب من الساحة ليواجه الموت غرقًا في النهر. وبذلك حسمت النتيجة لصالح المسلمين وأصبح للخلافة الإسلامية قدمًا في أوروبا تلتها بعد ذلك القسطنطينية. [1]،[3]

نزل موسى بن النصير بإسبانيا مع قوات جيشٍ من البربر لمحاصرة باقي المدن. وكان التقدم حليفًا لجيوش المسلمين، لما امتازوا به من تفوق تقني وهندسي. استعمل المسلمون في حصارهم على إشبيلية المنجنيق، وهو أحد أكثر الأسلحة تطورًا في تلك الفترة الزمنية. لذلك سقطت المدن الإسبانية واحدة تلو الأخرى، فسقطت سرقسطة، وبرشلونة، والبرتغال، وأخيرًا ليون الفرنسية عام 712م. [1]،[3]

في ذلك الوقت مرض الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك. مما أدى إلى استدعاء موسى بن النصير لتأدية القسم أمام الخليفة الجديد سليمان بن عبدالملك. حاول سليمان أن تكون الغنائم القادمة من إسبانيا له هو وليس أخيه، ولكن أبى موسى ذلك وقدمها للوليد قبل مماته. أدى ذلك إلى غضب سليمان من موسى بن النصير وتجريده من ولايته. [3]

كيف عاش المسلمون مع السكان الأصليين؟

تميز الحكم العربي والإسلامي في إسبانيا عن غيره، فقد كان العرب المسلمين محبين للعلم والفن في ذلك الوقت. فأحضروا معهم الفنون والعلوم والحضارة من الشرق إلى الأراضي الأوروبية. كانت الأراضي الأوروبية منهكة، عانت من استنزاف لثقافتها وفنونها من القوط وغيرهم. فازدهرت المدن الأسبانية بمزج الفنون والثقافات المختلفة. [1]

سيطر المسلمين على العديد من الأراضي داخل إسبانيا، وتقلص دور المسيحين وقد كانوا أغلبية في ذلك الوقت. كان للمسلمين وقتها معرفة كبيرة بالزراعة، فاستقدموا مزروعات جديدة على أراضي إيبيرية، إضافة إلى تقنيات حديثة في الرّي. أصبحت الأندلس صومعةً للمغرب، وازدهرت كذلك صناعة الحرير والديباج. [2]، [3]

بما أنّ شبه الجزيرة الإيبيرية أصبحت تحت راية الخلافة الإسلامية، فهناك العديد من المتغيرات حدثت هنالك. سنّ المسلمون قوانينهم وأبطلوا ما سبق، وأصبح غير المسلمين من السكان الأصليين يلقبون بالذميّين، وتمتعوا كذلك بالحماية الكاملة لهم ولممتلكاتهم. [2]

تقلصت الضرائب إلى الخمس، وألغيت العبودية عمّن أسلم، فأدى ذلك إلى إسلام الكثير هربًا من اضطهاد أسيادهم. وسمح بتواجد غير المسلمين داخل الحكومة المشكلة في ذلك الوقت. ازدهرت التجارة، وازدهر الاقتصاد تبعًا لذلك، وتبدّل حال المدن المهمشة فأصبحت مراكزًا ثقافية يأتي إليها العالم. [2]،[4]

ولكن أعطت القوانين الأفضلية للمسلمين على غيرهم. وكان من تلك القوانين أن يدفع الذمييون الجزية للحكومة الإسلامية، كما فرض الزّي الإسلامي. ولم يسمح لغير المسلمين بحمل الأسلحة، كما لا يحق لهم بناء الكنائس ولا المعابد إلا بعد موافقة الحكومة على ذلك. كانت تلك المعايير وقتها مقبولة على خلاف زماننا المعاصر. [2]،[4]

أصبحت اللغة الرسمية هي العربية واندثرت اللغة اللاتينية، سمح لليهود والمسيحيين بأن يعيشوا مع المسلمين وليس في أحياءٍ منفصلة. كما شاركوا في الحضارة الإسلامية، وشغلوا وظائف مرموقة كذلك، والأهم من ذلك أنهم لم يجبروا على ترك ديانتهم. [2]،[4]

فترات الحكم العربي والإسلامي

بعد سقوط الخلافة الأموية تحولت إسبانيا إلى إماراتٍ منفصلة. ثم دولة مستقلة عن الخلافة الإسلامية في عهد عبدالرحمن الداخل. ومنها إلى حكم الموحدين والمرابطين، حتى انتهاء حكمهم إلى الأبد في عام 1492م. عانت خلالها من فترات نزاعاتٍ وحروب داخلية، كما كانت مطمعًا للغزو الخارجي. ولكن ما لا ينكره أحد أن العرب المسلمين أثروا وتأثروا بالثقافة الأوروبية وخاصة الإسبانية. [3]،[4]

المصادر

1-DailyHistory
Heritage History2
3-History of Islam
4-BBC

Exit mobile version