عبد الرحمن الداخل من أميرٍ هارب إلى حاكم الأندلس

هذه المقالة هي الجزء 5 من 14 في سلسلة تاريخ مغامرة العرب في بلاد الأندلس

بعد أن انتصر بنو العباس في حرب الزاب عام 750م على الأمويين، أصبح أن تكون من بني أميّة سبب كافي لقتلك. قُتل من قُتل، وفرّ من فرّ، ولاحقت جيوش الدولة العباسيّة كل رجلٍ منهم لألا يطالب أيٌّ منهم بالحكم في يومٍ من الأيام. ورغم قوة الدولة العباسيّة، إلا أنّ عبد الرحمن بن معاوية الأموي “عبدالرحمن الداخل” كان له نصيب في النجاة من سيوفهم. ولم يكن هروبه ذلك إلا بداية لما هو في انتظاره من مجدٍ سيخلده التاريخ.[1]

نشأة عبد الرحمن الداخل

نشأ عبد الرحمن الأموي في كنف جده الخليفة هشام بن عبدالملك، أحد أقوى وأحكم الخلفاء في تاريخ بني أمية. كانت الدولة التي ولد فيها من أقوى الدول في تلك الفترة. وكان مقّدر لعبدالرحمن أن ينعم بالرخاء والثراء ما تبقى له من عمره. [1]

إلا أن التاريخ كان له كلمة أخرى. فقد تفجرت الثورات على الدولة الأموية، وكثرت النزاعات على الحكم داخل البلاط الأموي. وكان للعباسيين دورٌ في ذلك بالطبع، فزال الملك والمال وتبدل الحال. فرّ عبدالرحمن الأموي ومعه نساء وأطفال بني أمية إلى العراق بحثًا عن مكان آمن، ولكن لحقت بهم جيوش العباسيين.[1]
اضطر حينها عبدالرحمن أن يترك عائلته وصغيره سليمان خلفه عند نهر الفرات، وفر من الجيوش عن طريق نهر الفرات. كان أخو عبدالرحمن الأصغر معه في ذلك الوقت، ولكنّه خشي الغرق في النهر وعاد أدراجه فقتله العباسيون أمام أعينه.[1]

رحلة الأمير الهارب عبد الرحمن الداخل

رحل عبد الرحمن ومعه صديقه ومساعده بدر عن العراق باحثًا عن ملجأ آمن. انتقلا إلى فلسطين ومن ثم شمال أفريقيا. كان حاكم تونس في ذلك الوقت متمرد على الحكم العباسي، فجمع من تبقى من بني أمية ومنهم عبدالرحمن الداخل. ولكن خاف من أن ينقلبوا عليه، فقرر حينها التخلي عنهم.[1]

قرر عبد الرحمن بعد ذلك أن تكون وجهته إلى أهل والدته من البربر في شمال غرب أفريقيا، ليحتمي بهم بعض الوقت. لم تكن تلك هي الحياة التي تمنّاها عبدالرحمن، فبعث ببدر إلى إسبانيا، لينظر إن كانت قد تصلح أن تكون موطنًا.[1]

وصول عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس

بعد أن تحرى عبد الرحمن الوضع السياسي في الأندلس، قرر أن يذهب إلى هناك، وكانت شبه الجزيرة الإيبيرية هي المكان الأمثل. لم تستطع جيوش الدولة العباسية أن تضم الأندلس إليها، وبذلك نزل عبد الرحمن بجبل طارق عام 755م.
خلال ذلك الوقت كان يوسف الفهري يحكم في مدينة ناربون جنوب فرنسا حاليًا، وكان عرب اليمن مؤيدين له. في حين أن عرب الشام كانوا من مؤيدي الصميل حاكم مدينة سرقسطة. ومن هنا نشأت الفرقة والتشتت في الأندلس التي استغلها عبدالرحمن بحكمة.

جمع عبد الرحمن الأموي مؤيديه ممن تبقوا من الدولة الأموية، وحشد جيشًا ليواجه يوسف الفهري. وبعد أن استولى عبدالرحمن على مدينتي ملقة وأشبيلية، زحف لمواجهة الفهري في قرطبة. خلال معركته مع الفهري أشيع بين جنوده أنه يركب جوادًا سريعًا للفرار به عند الخسارة. وكان من حنكته حينها أن قرر ترك ذلك الجواد ليطمئن جنوده.[1]،[2]

بعد أن انتصر جيش عبد الرحمن، استطاع الفهري أن يفر إلى طليلة محاولًا تشكيل جيش آخر، ولكن نفوذ عبد الرحمن في ذلك الوقت جعل أتباعه يضطرون إلى قتل الفهري سعيًا لإرضاء عبدالرحمن. وتم القبض على الصميل، وزج به في سجون قرطبة.[1]،[2]

أعلن عبد الرحمن الذي لقب في ذلك الوقت بعبد الرحمن الداخل مدينة قرطبة عاصمةً لإمارته. بانتشار تلك الأخبار أصبحت الأندلس هي وجهة مؤيدي الحكم الأموي، وكان من بينهم ابنه سليمان، الذي تركه خلفه في نهر الفرات. [1]،[3]

الثورات والنزاعات في عهد الأمير

رغم ابتعاد عبد الرحمن عن الخلافة العباسية، إلا أن الخليفة المنصور لم يستسغ كون الأندلس بعيدة عن سلطته. فأرسل جيشًا بقيادة العلاء لمحاصرة عبدالرحمن وجنوده، إلا أن الداخل كان له رأيًا آخر. توجه عبدالرحمن لمدينة قرمونة لملاقاة جيش العلاء، حيث حوصر لمدة شهرين من قبل العلاء. قرر حينها عبد الرحمن الخروج لمفاجأته، وتمكن رغم قلة عدد جيشه من أن ينتصر على الجيش العباسي. قام عبدالرحمن بقطع رؤوسهم وحفظها في صناديق من الملح، وأرسلها إلى الخليفة المنصور. كان لتلك الفعلة تأثيرها المدوي في قلب الخليفة المنصور، ليشكر الله أن البحر يفصل بينه وبين الأمير عبد الرحمن.[1]

انشغل عبد الرحمن الداخل بإخماد الثورات المتتالية والنزاعات بين المدن الإسلامية في الاندلس، عن الثأر من بنو العباس. وكان من بين تلك النزاعات، ما دار بينه وبين حاكمي سرقسطة وبرشلونة. في عام ٧٧٧م استعان حاكم سرقسطة بالملك شارلمان، ليآزره ضد قوات عبدالرحمن. ولكن عندما أدرك نوايا شارلمان في الاستيلاء على سرقسطة، أوصد أبوابه أمام شارلمان وجيشه. حاصر شارلمان حينها سرقسطة، طالت مدة الحصار حتى ملّ شارلمان وانسحب بجيشه عبر ممر رونسافليس.[1]

حينذاك نصب الباسكيون عام ٧٧٨م كمينًا لجيش شارلمان، وقتلو حارسه في مؤخرة الجيش. كانت رونسافليس الهزيمة الوحيدة في تاريخ شارلمان. استطاع عبدالرحمن أن يسيطر على سرقسطة شكليًا، عن طريق مساومة أحد كبار شخصياتها على قتل حاكمها، في مقابل تعيينه حاكمًا لها. وفي عام ٧٨٣م ضم عبدالرحمن سرقسطة لحكمه فعليًا، بعد أن استجمع قواه، ووحد بذلك الإمارات الإسلامية في إسبانيا تحت يده.[1]

دور عبد الرحمن في حضارة الأندلس

كان لعبد الرحمن دور كبير في تاريخ الأندلس، أقام دولةً بالعمران، دمج بين الفن القبطي والإسلامي فأخرج إبداعًا معماريًا. أنشأ شبكات للصرف الصحي والمياه في أرجاء الأندلس، وأسس جيشًا ليحمي أرضها، وكذلك مجلسًا للدولة، وأعاد تأهيل القضاء.[1]

توفي عبد الرحمن في عام ٧٨٨م، بعد أن أثبت قدرة الإنسان في تغيير مصيره بيده. انتقل الحكم بعد ذلك لابنه هشام، واستمرت الدولة الأموية الجديدة ثلاثة قرونٍ من الزمان. لتحكي للعالم عن قصة أميرٍ لاجئ ترك بصمةً له في صفحات التاريخ.[1]

المصادر

1- World History
2- Britannica
3- Britannica

الأنفاس الأخيرة لبني أمية وسقوط الدولة الأموية

هذه المقالة هي الجزء 1 من 14 في سلسلة تاريخ مغامرة العرب في بلاد الأندلس

تخيل عزيزي القارئ دولة ذات شأن كبير، دولة تمتد من حدود الصين إلى جنوب إسبانيا، تحكم شبه الجزيرة العربية وشبه الجزيرة الإيبيرية. اتخذ حكّامها لقب خليفة الله، وعاش المسلمون فيها أزهى العصور من حيث الرخاء والثراء. ولكن ما طار طيرٌ وارتفع إلا كما طار وقع. فكيف حدث سقوط الدولة الأموية ؟ [1]،[2]

نشأت الدولة الأموية على يد معاوية بن أبي سفيان وجعل من دمشق عاصمةً لها، واستمرت قرابة قرنٍ من الزمان (661-750م). حكمت الدولة الأموية بشكل فعّال بعد وفاة علي بن أبي طالب، واستمرت حتى آخر خلفاءها مروان بن محمد. لم يكن الوضع مستقرًا طوال تلك الفترة، بل عاشت الدولة الأموية اضطرابات سياسية عدة. ما بين الثورات والحروب الأهلية إلى التهديدات الخارجية، ومع الصراعات اللا نهائية على الحكم وبروز العبّاسيين، سقطت الدولة الأموية. [1]،[2]

بداية الاضطرابات في الدولة الأموية

لم يعتد العرب على نظام الحكم القائم على التوريث، لذلك عندما أعلن معاوية ابنه يزيد خلفًا له حدث غضب شديد. كان الحسين بن علي وعبدالله بن الزبير أبرز المعارضين لذلك، فقد بدى اختيار اليزيد مرتكزًا على أساس التوريث لا الخبرة.  كما استندت بعض المصادر التاريخية على أنّ من شروط مبايعة الحسن بن علي لمعاوية هو أن تعود الخلافة للحسن بعد معاوية. لكن ذلك لم يحدث، فكانت فترة حكم اليزيد (680-683م) شديدة الاضطراب منذ بدايتها. [1]،[3]

عانت الدولة الأموية من العديد من الفتن والحروب الأهلية في عهد اليزيد بن معاوية. بداية من حادثة كربلاء عام 680م التي انتهت بمقتل الحسين بن علي. إلى وقعة الحرة عام 683م التي عانت فيها المدينة المنورة من الفوضى وانتهت بنقض عهدهم مع اليزيد. [1]،[4]

 اضطربت الدولة بعد تنازل معاوية الابن الأكبر ليزيد عن الحكم، أدى ذلك إلى انقسامات كادت أن تكلف الأمويين خسارة دولتهم. أنشأ عبدالله بن الزبير خلافة مستقلة عن الأمويين جعل من مكة عاصمة لها، وبايعته على الخلافة العديد من الولايات الإسلامية. كان من المفترض أن يتولى خالد، الابن الأصغر ليزيد بن معاوية، الحكم بعد أخيه. لكن لصغر سنّ خالد، تولى ابن عم أبيه مروان بن الحَكم الخلافة بدلًا عنه لإعادة توحيد الدولة الأموية. كان من المفترض أن يعود الحكم بعد ذلك لخالد بن يزيد بعد وفاة مروان، ولكن ذلك لم يحدث. [1]

تولي بنو مروان الحكم

استطاع مروان بن الحكم أن يستعيد الولايات التي بايعت عبدالله بن الزبير، ولكن وافته المنية قبل أن يأتي بمكة تحت ولايته. لم تخمد نار الفتنة التي تبعت مقتل الحسين، ففي عام 685م ثار المختار الثقفي لقتل قتلة الحسين. بالإضافة إلى الصراعات بين قبيلتي قيس وكلاب التي زادت من توتر الوضع. [1] ،[4]

 استعاد عبدالملك بن مروان المدينة المنورة، ثم مكة المكرمة بمساعدة الحجاج الثقفي. وتابع الوليد بن عبدالملك مسيرة آبائه في التوسعات حتى وصل إلى إسبانيا. حاول الوليد أن يغير من وصية والده ويضع الحكم بعد مماته في يد ابنه، ولكن تصدى له أخوه سليمان وتولى الحكم بعد وفاته. [1]

لم تدم فترة حكم سليمان بن عبدالملك إلا سنتين وثمانية أشهر، قام فيها بإخلاء السجون والتصدي للمتمردين على الدولة الأموية. وبسبب انشغال سليمان بذلك، لم تكد تتوسع الدولة الأموية في عهده مثل ما توسعت في عهد من سبقوه. وصّى سليمان بالخلافة من بعده لابن عمه عمر بن عبدالعزيز. [1]

قيل عن عمر بن عبدالعزيز أنه من أكثر الخلفاء عدلًا وتقوى، حتى أطلق عليه خامس الخلفاء الراشدين. اختلفت الروايات في سبب موت عمر بن عبدالعزيز، ذكر بعض المؤرخون أنه سُقي السم على أيدي أشراف الأمويين. فقد كان عمر بن عبدالعزيز حسب معتقدهم يضيق عليهم الحال، ويساوي بينهم وبين عامة الناس في الثواب والعقاب. [1] ،[4]

وصّى عمر بن عبدالعزيز قبل وفاته بالخلافة إلى اليزيد بن عبد الملك. لم تكن فترة حكم اليزيد مستقرة، وانتقل الحكم من بعده إلى أخيه هشام. أعاد هشام بن عبدالملك الدولة الأموية إلى سابق عهدها من قوة، بعد أن تسلّمها ممزقة. وذلك لكثرة النزاعات والحروب الأهلية والثورات على الدولة الأموية في عهد أخيه اليزيد بن عبدالملك. [1]

وما بين عامي 724-743م كان لهشام بن عبدالملك نصيبًا في تهدئة جموع المسلمين وإكمال مسيرة الخليفة عمر بن عبدالعزيز. فبعد أن قضى على التمرد الآتي من بلاد السند، اندلعت ثورة أمازيغية ضد الحكم الأموي في شمال أفريقيا. انتهت بخسارة الدولة الأموية للمغرب. [1] ،[4]

تدهور الوضع السياسي لبني أمية

بعد وفاة الخليفة هشام في عام 743م شهدت الدولة الأموية تدهورًا ونزاعات غير مسبوقة على الحكم. اندلعت الحروب الأهلية داخل الدولة الأموية، وقتل الخليفة الوليد بن يزيد على يد ابن عمه يزيد بن الوليد. وكانت تلك الحادثة هي بداية سقوط الدولة الأموية. [1] ،[4]

تلا ذلك اضطرابات في الحكم، حكم يزيد بن الوليد الدولة لستة أشهر فقط ثم تولى أخوه إبراهيم الحكم لمدة شهرين. زادت في تلك الفترة الفوضى والحروب الأهلية والنزاعات القبلية. حتى استلمها آخر خلفاء الدولة الأموية الخليفة مروان بن محمد. [1]

 انتهت تلك الفوضى بالقوة على يد مروان بن محمد في عام 747م. رغم كون مروان بن محمد قائد عسكري ماهر، إلا أنه افتقر إلى المهارات الدبلوماسية. وبسبب تدهور الوضع الاقتصادي وبروز المعارضة ضد الأمويين بقيادة العباسيين، تشتت الدولة بسبب الحروب الأهلية. [1] ،[4]

حرب الزاب وبروز الدولة العباسية

ثار المعارضون في خرسان بقيادة أبو مسلم الخرساني على الدولة الأموية مستنكرين سياستها في الفصل والتفرقة بين الرعيّة. وبرز العباسيون في ذلك الوقت، حيث لقوا تأييدًا واسعًا من معارضي السياسة الأموية، أدى ذلك إلى حرب الزاب. [4] ،[2]

قاد مروان بن محمد جيشه ضد الجيش العبّاسي بقيادة عبدالله بن علي بالقرب من نهر الزاب عام 750م. ولقوة الجيش العباسي ودهاء قادته وسقوط الدولة الأموية ماديًّا ومعنويًّا، استطاعت جيوش العباسيين أن تنجح في الإطاحة بالجيش الأموي. [1]،[4]

اضطر مروان بن محمد إلى الفرار إلى مصر، حيث تم قتله هناك. بعد فوز الجيش العباسيّ في معركة الزاب، وقيام الدولة العباسية، لقى من تبقى من الأسرة الأموية حتفه على أيدي الدولة الصاعدة. [1]

كتب المؤرخون عن النهاية المأساوية للأمويين، فحتى من نجى من الحرب، دُعي إلى فخّ في البلاط العباسي وقتل دون رحمة. قٌتل كلّ من تبقى من رجال الدولة الأموية، إلا عبدالرحمن الداخل الذي لاذ بالفرار، باحثًا عن وطنٍ جديد. [1]،[2]

المصادر:
1-World History
2-World History
3- Britannica
4-Britannica

Exit mobile version