من هو يوسف بن تاشفين وكيف استعاد الأندلس في الوقت المناسب؟

هذه المقالة هي الجزء 8 من 14 في سلسلة تاريخ مغامرة العرب في بلاد الأندلس

مر على التاريخ الإسلامي العديد من الشخصيات البارزة والهامة، والتي أثرت في مستقبل العالم الحاضر. كان من أبرز الشخصيات الإسلامية التي لمعت في زمن الحكم العباسي لمعظم الأراض الإسلامية هي شخصية القائد العسكري، والحاكم لجماعة المرابطين يوسف بن تاشفين. كان ليوسف تأثيرًا ملحوظًا على المرابطين، حيث ساهم في توسع رقعة الحكم التابعة لهم. كما أنه وطد العلاقات مع الدولة العباسية. فقد كانت دولة المرابطين دولة إسلامية مستقلة بذاتها، بعيدًا عن الخليفة العباسي، إلا أن يوسف قدّم الولاء للدولة العباسية حتى يأمن جيشها. وضمن بذلك احتفاظه باستقلالية دولته، وتوسيعها إلى أكبر حدٍ، بعدما كانت منطقة صغيرة في المغرب. [1]

جوانب من شخصية يوسف بن تاشفين

كان يوسف بن تاشفين شخصية ورعة متدينة، وحاكم مؤثر في رعيته بالتقوى، وكما عرفت عنه التقوى عرفت عنه القوة. يُنظر إلى يوسف بن تاشفين على أنه شديد البأس في المعارك. وحصل ابن تاشفين على الحكم بعد أن أثبت جدارته في تولي أعباءه، بدلًا عن ابن عمه أبو بكر بن عمر. فقد ذهب أبو بكر في رحلة لإخماد تعصبٍ قبلي حدث في جنوب البلاد، وعند عودته وجد المرابطين قد اجتمعوا تحت راية يوسف. حتى أنه يذكر أن زوجة أبو بكر تركته وذهبت لتتزوج من يوسف بن تاشفين، والذي كان ذو نفوذٍ وشعبية لا تقدّر. [1]

وكان من أشهر ما كتب عنه، هي حكايته مع ملوك الطوائف، الذين تفككوا وتشتتوا. حتى أن الأندلس التي كانت تحت حكمهم، كادت تسقط في أيدي الجيوش المسيحية. فبعد أن تشاوروا فيما بينهم وجدوا أن يوسف هو الشخص القادر على صد العدوان المسيحي، وتوحيد صفوفهم من جديد. حيث نجح بن تاشفين في الأولى، إلا أنه فشل في الثانية، لذلك ذهب ليستشير رجال الدين في ضمّه الأندلس تحت حكمه، ومحاربته لملوك الطوائف. وعاد ليعزل ملوك الطوائف المتخاذلين، وضم الأندلس تحت حكمه، كما استعاد بعض الأراضي التي سلبت من المسلمين. فهزم جيش ألفونسو السادس، والذي كان جيشًا لا يقهر في تللك الفترة في الأندلس. [2]

قيل عن يوسف بن تاشفين أنه عدَل بين رعاياه، وخفض الضرائب التي كان ملوك الطوائف يطلبونها منهم لدفع المال للجيوش المسيحية جزية وليدافعوا عنهم ضد بعضهم البعض. حتى أنه لقب بأمير المسلمين، وكان هذا اللقب مميزًا وحصريًا ليوسف. وكان محافظًا على وعوده، حتى جاء أحفاده من بعده ورفعوا الضرائب مرة لأخرى لأسباب شبيهة بأسباب ملوك الطوائف. وفي قوته وشجاعته، فاقت إنجازاته إنجازات أي مثيلٍ له في زمانه، إلا أن ورثته كذلك لم يحصلوا على ذلك القدر من الشجاعة ليواصلوا أمجاد جدهم. [2]

كيف حكم يوسف بن تاشفين المغرب؟

بعد أن ترك أبو بكر حاكم المرابطين السابق ليوسف الحكم، توسع يوسف في المغرب حتى قيل أنه وصل إلى حدود غانا. أصبحت الصحراء الغربية تحت بسطة حكمه في عام 1062م، وفي ذات العام ضم موريتانيا إلى حكم المرابطين. وبعد ذلك اتخذ من مراكش عاصمة لدولته، وعزز حكمه في المغرب. ثم دخل الجزائر عام 1080م، وامتد فيها حتى شرق وهران. اعترف بحكم الدولة العباسية حتى يأمن الحرب مع دولتهم، واستقل بحكمه للمغرب حتى أنه أصبح كخليفةٍ هناك. [1,2]

وفي عام 1090م دخل يوسف بن تاشفين الأندلس، ولكن أبقى على مراكش عاصمة لدولته. وواصل حكم الأندلس من مراكش. ونقل الكتبة من الأندلس إلى المغرب، حتى يقوي من مقر حكمه في مراكش. وظلت المغرب تحت حكم المرابطين طيلة حياة يوسف بن تاشفين، حتى توفي عن عمر يناهز 100 عام. وبعد ذلك بدأت دولة المرابطين في السقوط، بعد أن رحل عنها يوسف الحكيم، وحلت محلها دولة الموحدين. [1]

دور يوسف بن تاشفين في الأندلس

دخول يوسف بن تاشفين الأندلس للمرة الأولى

عندما دخل يوسف الأندلس في البداية، كان بدعوة من بعض ملوك الطوائف، الذين عجزوا عن توحيد صفوفهم والتصدي للدولة المسيحية. أرسلوا إلى يوسف دعوة لمساندتهم، ولبى يوسف نداءهم في عام 1086م. ودخل ابن تاشفين الأندلس ومعه 15000 رجل، كان منهم 6000 فارسٍ من السنغال لمواجهة جيش ألفونسو السادس الحاكم القشتالي. ارتاد الفرسان خيول عربية أصيلة، واستعان يوسف كذلك بالإبل في معركته تلك. ورغم أن عدد الجيوش المسيحية مجمعة يفوق عدد جيوش المرابطين، إلا أن الفوز كان من نصيب يوسف وجيشه. وعاد يوسف بعد ذلك إلى المغرب، ولكن بعد أن فشل ملوك الطوائف في لم شملهم تحت رايته، فعزم يوسف على العودة ولكن ليس لمحاولة إصلاحهم كأول مرة. [2]

دخول يوسف بن تاشفين الأندلس لضمّها

في عام 1090م عاد يوسف بن تاشفين إلى الأندلس عازمًا على ضمها تحت حكمه ورعايته، مما رآه من إهمالٍ عانت منه الأندلس بسبب ملوك الطوائف. بدأ يوسف بضم ولايات الأندلس واحدة تلو الأخرى، واستطاع كذلك في عام 1100م أن يضم فالينسيا، والتي قد كانت الدولة المسيحية قد استعادتها من ملوك الطوائف، ولكنه لم يستطع استعادة سرقسطة. وأنشأ يوسف أسطولًا بحريًّا، وقام بتوزيع الجنود والفرسان في أرجاء الأندلس ليتمكن من الحفاظ عليها. كما أنه اعتاد على استخدام الطبول في معاركه كنوعٍ من الألاعيب النفسية التي يمارسها ضد أعداءه. وظل يوسف بن تاشفين صامدًا صادقًا في ما وعد به أهل الأندلس، من تخفيض الضرائب وحفظ كرامتهم، وعدم دفعه المال للملوك المسيحين ليدافعوا عن المسلمين. ولكنه لم يستطع أن يجعل ورثته وأحفاده أن يسيروا على خطاه، فانغمسوا كسابقيهم في الترف، ونسوا ما وعد به جدهم في بادئ الأمر. وهذا هو الحال في التاريخ، ودائمًا ما تتبدل الأدوار. [1,2]

المصادر:

1-Yūsuf ibn Tāshufīn | Almoravid ruler | Britannica
2-Yusuf ibn Tashfin – New World Encyclopedia

ما هي محاكم التفتيش الإسبانية وكيف حكمت؟

هذه المقالة هي الجزء 12 من 14 في سلسلة تاريخ مغامرة العرب في بلاد الأندلس

محاكم التفتيش الإسبانية، الاسم الأكثر رعبًا في أذهان المورسكيون والمارانوس. تاريخ مليء بالسادية غير المبررة إلا بعنصريةٍ لا مثيل لها. لم تكن محاكم التفتيش الإسبانية هي الأولى، بل سبقتها محاكم التفتيش في القرون الوسطى وعقبتها محاكم التفتيش الرومانية. ولكن كانت محاكم التفتيش الإسبانية هي الأقسى والأكثر عنفًا. نشأت محاكم التفتيش في الأساس لتردع البدع والسحر والشعوذة، وتحافظ على الديانة المسيحية من المساس بأي بدعةٍ أو هرطقة.

ما هي محاكم التفتيش الإسبانية؟

هي مؤسسة تابعة للكنيسة الكاثوليكية، تأسست في عام 1478م للمحافظة على الدين المسيحي من التشوه بالبدع والسحر. كانت في البداية تعمل بشكلٍ سلمي، ولكن سرعان ما تحولت إلى أقسى الطرق وحشية. كان أحد أهم الأهداف محاكم التفتيش هي الوحدة الدينية، لذلك انتشرت في شبه الجزيرة الأيبيرية لنشر المسيحية بين اليهود والمسلمين. فبعد أن كان مبدأ الكنيسة هو الحرية الدينية، وجدت أن في انتشار اليهود والمسلمين في شبه الجزيرة الأيبيرية خطرًا على الكنيسة. [1]

انتشرت محاكم التفتيش في شبه الجزيرة الأيبيرية في القرن السادس عشر. كان عددهم 14 محكمة في إسبانيا فقط. هذا بخلاف محاكم التفتيش في البرتغال التي وجهت خصيصًا لليهود البرتغاليين. استمرت محاكم التفتيش عدة قرون في إسبانيا والبرتغال حتى القرن التاسع عشر مليئة بالتجاوزات. وبعد أن كانت محاكم التفتيش تسعى لخدمة الكنيسة، باتت تُستغل لخدمة الحكومة والمحافظة على النظام السياسي. [1]

من الذين استهدفتهم محاكم التفتيش الإسبانية؟

في عام 1391م تعرض اليهود إلى عنف ومذابح شديدة أدت إلى تحول العديد منهم إلى المسيحية خوفًا من القتل. وأصبح يطلق على اليهود المتحولين للمسيحية المارانوس. تمامًا كما أُطلق على المسلمين المتحولين لقب المورسكيون كنوعٍ من التحقير، ولتسهيل عملية التقصي عنهم. تخيل المتحولون أنهم قد هربوا من محاكم التفتيش، ولكن مع كل أسفٍ اعتبرتهم محاكم التفتيش أكثر خطرًا على الكنيسة. فقد كانوا يمارسون ديانتهم سرًا، لذلك أصبحوا بعد تحولهم تحت عدسة محاكم التفتيش. [1]

كان المورسكيون مثلًا يستعملون الكتب التي لقبت بالجاميادوس لنقل تعاليمهم الإسلامية سرًّا. وكذلك استطاعوا إدخال عددًا من المسيحيين في دينهم. كان كلٌ من الموررسكيون والمارانوس يعيشون بشخصيةٍ مزدوجة. فكان لكل منهم اسمًا مسيحيًّا إلى جانب اسمه الحقيقي، يحضرون الصلاة في الكنيسة، ليعودوا إلى مخابئهم ويمارسون دياناتهم. وكما أثر اتحاد مملكتي قشتالة وأراغون على المورسكيين، أثر كذلك على اليهود. وقد استغلت إسبانيا قرارات البابا سيكستوس الرابع بإعطائهم صلاحية اختيار المحققين في تلك القضية لمصالحهم الشخصية، وليحافظوا على ملكهم. حتى أن البابا سيكستوس حاول التدخل بعد أن وصله أخبار عن وحشية محاكم التفتيش الإسبانية ولكن دون جدوى. [1]

توماس دي توركيمادا أول المحققين

كان الراهب توماس دي توركيمادا أول محقق عام في محاكم التفتيش الإسبانية. وكانت لتوركيمادا أصول يهودية. ورغم ذلك، كان توجهه الأول هو اليهود المتحولين. في عام 1472م، خيّر توماس اليهود بين التحول أو الطرد. تحول العديد من اليهود خوفًا من العنف والسادية التي اتسمت بها محاكم التفتيش عامةً، وسادية الراهب توماس خاصةً. وطرد إثر ذلك حوالي 160,000 يهودي من أراضي شبه الجزيرة الأيبيرية. كما أمر توركيمادا بحرق 2000 من المخالفين كعقوبة قصوى، نتيجة أسبابٍ مختلفة، كالشذوذ الجنسي، والكفر، أو تعدد الزوجات. [1،2]

في عام 1614م ومع تزايد اضطهاد المسلمين، ونقض معاهدة تسليم غرناطة، طرد 300,000 مسلم من أراضي إسبانيا. كان الأسقف فرانسيسكو خيمينيز الأكثر عداوةً ضد المورو المسلمين، وساعد في تحولهم القسري للمسيحية. لم يستطع المورو المتحولون الاندماج بسهولة مع الديانة الجديدة، ولذلك قاموا بثورات عديدة تصدى لها الأسقف خيمينيز. لم يكن توجه محاكم التفتيش مقتصرًا على اليهود والمسلمين، بل شمل كذلك العلماء والكيميائيين، وبعض الفصائل المسيحية المخالفة للكنيسة كالبروتستانتية. [1،2]

ما نوع الهرطقة التي تعاقب عليها محاكم التفتيش؟

اختلفت الديانة المسيحية عن الديانات الأخرى، فقد جعلت الكنيسة نفسها وسيط بين الإله وبين الشعب حينها. لذلك كانت الكنيسة وحدها من تحدد ماهية الهرطقة، وتحدد كذلك العقوبة اللازمة لها. كانت الهرطقة التي تعاقب عليها الكنيسة، هي أي مذهب مخالف للأرثوذوكسية. وكانت العقوبة في البداية تعتمد على الطرد، ثم تطورت لتصل إلى الإعدام. وفي القرن السادس عشر ظهرت الكنيسة الكاثوليكية التي نددت بأنها هي الأساس، وهي من يجب أن تحدد ماهية الهرطقة وطرق العقاب. [1،2]

اعتبرت الكنيسة آن الكيمياء من السحر، لذلك كان المهرطق إما ساحر أو عالم أو عابد. وليس لك إلا أن تبتعد عن كل ما هو جديد أو غريب قد لا ترضى عنه الكنيسة. وكان عادة ما يجهل المتهم من قبل محاكم التفتيش ماهية هرطقته، فقد تكون تهمة بالكفر لمجرد اغتساله كالمسلمين يوم الجمعة. كذلك كانت تحاول محاكم التفتيش جذب المخطئين عن طريق تقديم العفو أو تقليل العقوبة في حالة الاعتراف، ولكن لم يحدث ذلك. على العكس تمامًا، استغلت محاكم التفتيش تلك الاعترافات في اكتشاف المتآمرين الآخرين. لم تسمح محاكم التفتيش للماثلين أمامها بالدفاع عن أنفسهم. وكانت نتيجة لتلك المحاكمات هي التطهير عن طريق التعذيب في احتفالية كبرى يطلق عليها «أوتو دا في- auto-de-fé». [1،2]

كيف يتم معاقبة المهرطقين والزنادقة؟

يجتمع المدانين في حدث عام يدعى أوتو دا في، ويتم إلباسهم الخيش فوق رؤوسهم، مع فتحة تكشف لهم عينًا واحدة. تقام لهم محاكمة غير عادلة بالمرة، لا يسمح لهم باستدعاء من يدافع عنهم في تهمة يواجهونها لأول مرة. تتم مطالبتهم بالاعتراف عمًا بدر منهم، ولا يستطيعون الإجابة لجهلهم بماهية ما قد اقترفوه. وعندما ينكرون التهم ويلتزمون الصمت، يعاقبون لإخفائهم الحقيقة وتماديهم بالكذب. ويعترف العديد بأي تهمة موجهة له نتيجة للتهديد، أو العنف المستخدمين في الاستجواب. [1،2]

في نهاية القرن السادس عشر، لم تكتف محاكم التفتيش من معاقبة اليهود والمسلمين داخل حدود شبه الجزيرة الأيبيرية فقط. بل لاحقتهم وقتلت العديد منهم، كذلك جدد فيليب الثاني العداوة ضد المورو المسلمين وباع من نجى من القتل كعبيد. [1،2]

كيف انتهت محاكم التفتيش؟

حاولت الكنيسة ردع المحققين، ومنعهم من استخدام العنف، ولكن فشلت في ذلك فقد استمر العنف وأصبح ممنهجًا. كذلك حاول بعض اليهود تقديم المال لإنهاء تلك المحاكم، وباءت تلك المحاولات أيضًا بالفشل. وكذلك حاول المسلمون أن يتصدوا لتلك المحاكم عن طريق الثورات التي تصدى لها الأسقف خيمينيز، وعاقب كل من سوّلت له نفسه بأن يقف أمام محاكم التفتيش. وفي عام 1485م قام البعض بتسميم المحققين، ونجحوا في ذلك. إلا أن توركيومادا استطاع أن يكتشف هويتهم، وقام بإحراق 42 شخصًا نتيجة لأفعالهم تلك. أجبرت الكنيسة توركيومادا على تقاسم مهمة محاكم التفتيش مع أربعة رجال دين آخرين، للتخفيف من أعمال العنف التي يقوم بها. [1،2]

وفي عام 1808م، بعد ما يقارب الأربع قرون، غزا نابليون إسبانيا، وأصدر قرارًا بإلغاء محاكم التفتيش. وبعد هزيمة نابليون، حاول فرديناند إعادة محاكم التفتيش، ولكن قوبلت محاولاته بالرفض من قبل فرنسا. كان آخر من تم قتله من قبل محاكم التفتيش، المعلم الإسباني كايتانو ريبول، بتهمة تدريسه مبادئ الربوبية. حدث ذلك في عام 1826م رغم عدم وجود محاكم تفتيشٍ رسمية في ذلك الوقت. استمرت محاكم التفتيش، ولكن تغيرت أسماءها عدة مرات حتى يومنا الحالي، وتغيرت كذلك طرقها ومفاهيمها. [2]

المصادر

1- Britannica
2- History.com

ملوك الطوائف مرحلة ما بعد الخلافة الأموية في الأندلس

هذه المقالة هي الجزء 6 من 14 في سلسلة تاريخ مغامرة العرب في بلاد الأندلس

ربما يتراءى إلى ذهنك أن الأندلس ما هي إلا رقعة من الأراضي التي امتدت إليها الخلافة الإسلامية. ولكن الوضع كان مختلفًا، فالأندلس كانت محط أنظار الجميع، مسلمين ومسيحيين، وحتى بين المسلمين كان الجميع يتطلع إلى حكمها. فبعد أن حكمها الأمويون كدولة تابعة إلى الخلافة الإسلامية، ثم دولة إسلامية مستقلة على يد عبدالرحمن الداخل. توالى عليها العديد من الحكام العرب والمسلمين كملوك الطوائف ولكن على صورة دويلات وصل عددها إلى 22 دويلة. [1]

كيف انقسمت إمارة قرطبة إلى دويلات وطوائف مستقلة؟

تولى أبو الحزم بن جهور أحد أهم وزراء إمارة قرطبة قيادة ثورة ضد الدولة، ومعه جموع من الشعب. وكان ذلك لما صارت إليه الأندلس من خرابٍ وحروب داخلية في الخلافة الأموية المستقلة، تزعزع الأمن وأساء حكامها إلى الأرض والشعب. فأعلن أبو الحزم انتهاء الدولة الأموية في الأندلس في أوائل القرن الحادي عشر. اختار فيها القرطبيون أبو الحزم ليحكم قرطبة، وأدى ذلك القرار إلى انقسمات عديدة في الأندلس. [1]،[2]

اختلف المؤرخون في عدد الطوائف التي ظهرت في تلك الفترة، فمنهم من قال أنها 50 طائفة، ومنهم من قال 30 أو أقل. جمع كل ذي منصب جمهورًا له، وبنى لنفسه دويلة من ممتلكاته وممتلكات أتباعه وعين نفسه أميرًا لها. فكان منهم صاحب الشخصية المميزة أو صاحب المال، ومنهم من كان ذي قوة وحتى بعض العبيد والمرتزقة أسسوا لهم طائفة. كان من أشهر تلك الطوائف: بنو عباد في إشبيلية، وبنو جهور في قرطبة، وبنو زيري في غرناطة، وبنو هود في سرقسطة، وبنو ذي النون في طليطلة. [1]،[3]

كانت الأندلس أشبه ما تكون بالقبائل المتناحرة فيما بينها، دويلات صغيرة وطوائف عديدة، ورغم ذلك ظلت الأندلس تنعم بالخيرات. كان لتعدد الدويلات تأثيرًا سلبيًا واضح على وضع الحكم العربي الإسلامي، فلم يستطع أمراؤها أن يحركوا ساكنًا أمام مسيحيي الشمال. ولم تكن تلك الدويلات صغيرة الحجم فقط، بل كذلك قصيرة الأمد، حتى تدخل المرابطون في شمال أفريقيا لإنقاذ ما يمكن انقاذه من الدولة الإسلامية. [3]،[4]

النزاعات بين ملوك الطوائف ودويلاتهم، وتدخل الدولة المسيحية

أصبحت الأندلس ساحةً للنزاعات، وانشغل كلّ ذي دويلة بأن يقاتل جيرانه ليتوسع على حسابهم، فكان الأمر سياسيًّا بحتًا وليس دينيًّا. لذلك وصل بهم الحال بأن يستعينوا بالملك ألفونسو السادس ليعينهم بعضهم على بعض، ودفعوا له الجزيةً جراء ذلك. امتنع المتوكل بن الأفطس أمير مملكة بطليوس عن دفع الجزية للملك ألفونسو، أغضب تصرفه الملك فأرسل له يطالبه بالجزية. فأرسل المتوكل رسالة شديدة اللهجة إلى ألفونسو، وهدده بالسيف إن أعاد طلبه، فقد رأى في طلبه إهانةً للإسلام والمسلمين. حولت تلك الرسالة غضب الملك ألفونسو إلى حيطة وحذر من المتوكل، فلم يرسل له جيشًا ولم يطالبه بالجزية. [1]،[3]

استنكر الشاعر والفيلسوف ابن حزم ما فعله ملوك الطوائف، من تعاون وتهاون عما تفعله الدولة المسيحية في أتباع الدويلات المسلمة. وقال فيهم أنهم قد يبدلون دينهم إن كان في ذلك تيسيرًا لهم على تحقيق أهدافهم. لم يكن ذلك رأي ابن حزمٍ وحده، فقد استنكر العديد من المسلمين دفع الجزية لألفونسو للحصول على الأمان من جيرانهم المسلمين. [3]

ورغم ما اشتهرت به الأندلس في عهدهم من كثرة النزاعات القتالية، إلا أنها اشتهرت كذلك بالفن والشعر، ودراسة الفلسفة، والرياضيات، والعلوم. وكان لازدهار الشعر سببًا خفيًّا، فقد كان سلاحًا لملوك الطوائف، فبه يعظّم الحاكم، وبه تهجوا الآخر. وكانت العمارة في ذلك الوقت منتعشة، فقد تبارى الملوك فيما بينهم بإظهار سلطانهم في جمال قصورهم. وكانت لتلك المنافسات أثرًا إيجابيَا وأنجبت العديد من الفنانين والشعراء، واستقطبت العلماء في مختلف العلوم. [3]،[4]

لم يستفق ملوك الطوائف من غفلتهم تلك، إلا عندما سقطت إمارة طليطلة في أيدي الدولة المسيحية. أدى ذلك إلى اجتماع كافة الأمراء والعلماء لمناقشة خطر الوضع الراهن، اقترحوا آنذاك قتال من كانوا بالأمس يدفعون لهم لحمايتهم. ولكن لضعف تلك الإمارات كان لابد لهم من أن يطلبوا عون مرابطين شمال أفريقيا، وكان ذلك ليس بالقرار السهل. فقد تخوف الأمراء من دخول المرابطين الأندلس وضمّها إلى حكمهم، ولكن خشيتهم من سقوط الأندلس أجبرتهم على ذلك الخيار. [1]،[4]

دور يوسف بن تاشفين في مرحلة ملوك الطوائف

في أواخر القرن الحادي عشر، استنجد ملوك الطوائف بيوسف بن تاشفين ليعينهم على ألفونسو الذي استولى على طليطلة. استجاب يوسف بن تاشفين لندائهم ومعه حوالي سبعة آلاف مقاتل من المرابطين، وسافر بحرًا إلى شبه الجزيرة الإيبيرية. عندما وصل الأندلس استقبله ملوك الطوائف وشعبهم استقبالًا حافلًا، وأمدوه بالرجال والسلاح، ليصل عددهم ما يقارب الثلاثون ألفًا ليواجه ألفونسو. [1]

التقى يوسف بن تاشفين بألفونسو في معركة الزلاقة بالقرب من إمارة بطليوس، ودارت بينهما معركة انتصر فيها يوسف بن تاشفين. ولكن ما أثار استغراب المؤرخين، هو عدم استرداد يوسف لطليطلة رغم انتصاره على ألفونسو، ولكنه اكتفى بتهدئة جموع ملوك الطوائف، وإيقاف امتداد الدولة المسيحية. [1]،[3]

رغم ما قام به يوسف لتوحيد صفوف ملوك الطوائف، إلا أن حالهم لم يتغير، وعادوا لما كانوا عليه من نزاعات. زعزع ذلك استقرار الأندلس مرة أخرى، واستنجد المسلمون بيوسف مرة أخرى ليدخل الأندلس، ولكن تلك المرة ليضمها إلى حكم المرابطين. طلب يوسف المشورة من حكماء المسلمين، فهو أمر جلل بالنسبة إليه أن يدخل بجيشه على المسلمين من ملوك الطوائف. وقد أفتوه بأن يدخل حفاظًا على الأندلس، وحتى لا تقع فريسة في أيدي الدولة المسيحية التي كانت تستغل نزاعاتهم وتشتتهم. وقد كان، دخل يوسف بن تاشفين الأندلس مرة أخرى بعد أربع سنوات من معركة الزلاقة، ووحد صفوف الأندلس تحت راية المرابطين، وبدأ في الأندلس فصلٌ جديد تحت حكمهم. [1]،[4]

المصادر:

1-wikipedeia
wikipedeia2
Spain Then and Now3
Britannica 4

Exit mobile version