من هو يوسف بن تاشفين وكيف استعاد الأندلس في الوقت المناسب؟

هذه المقالة هي الجزء 8 من 14 في سلسلة تاريخ مغامرة العرب في بلاد الأندلس

مر على التاريخ الإسلامي العديد من الشخصيات البارزة والهامة، والتي أثرت في مستقبل العالم الحاضر. كان من أبرز الشخصيات الإسلامية التي لمعت في زمن الحكم العباسي لمعظم الأراض الإسلامية هي شخصية القائد العسكري، والحاكم لجماعة المرابطين يوسف بن تاشفين. كان ليوسف تأثيرًا ملحوظًا على المرابطين، حيث ساهم في توسع رقعة الحكم التابعة لهم. كما أنه وطد العلاقات مع الدولة العباسية. فقد كانت دولة المرابطين دولة إسلامية مستقلة بذاتها، بعيدًا عن الخليفة العباسي، إلا أن يوسف قدّم الولاء للدولة العباسية حتى يأمن جيشها. وضمن بذلك احتفاظه باستقلالية دولته، وتوسيعها إلى أكبر حدٍ، بعدما كانت منطقة صغيرة في المغرب. [1]

جوانب من شخصية يوسف بن تاشفين

كان يوسف بن تاشفين شخصية ورعة متدينة، وحاكم مؤثر في رعيته بالتقوى، وكما عرفت عنه التقوى عرفت عنه القوة. يُنظر إلى يوسف بن تاشفين على أنه شديد البأس في المعارك. وحصل ابن تاشفين على الحكم بعد أن أثبت جدارته في تولي أعباءه، بدلًا عن ابن عمه أبو بكر بن عمر. فقد ذهب أبو بكر في رحلة لإخماد تعصبٍ قبلي حدث في جنوب البلاد، وعند عودته وجد المرابطين قد اجتمعوا تحت راية يوسف. حتى أنه يذكر أن زوجة أبو بكر تركته وذهبت لتتزوج من يوسف بن تاشفين، والذي كان ذو نفوذٍ وشعبية لا تقدّر. [1]

وكان من أشهر ما كتب عنه، هي حكايته مع ملوك الطوائف، الذين تفككوا وتشتتوا. حتى أن الأندلس التي كانت تحت حكمهم، كادت تسقط في أيدي الجيوش المسيحية. فبعد أن تشاوروا فيما بينهم وجدوا أن يوسف هو الشخص القادر على صد العدوان المسيحي، وتوحيد صفوفهم من جديد. حيث نجح بن تاشفين في الأولى، إلا أنه فشل في الثانية، لذلك ذهب ليستشير رجال الدين في ضمّه الأندلس تحت حكمه، ومحاربته لملوك الطوائف. وعاد ليعزل ملوك الطوائف المتخاذلين، وضم الأندلس تحت حكمه، كما استعاد بعض الأراضي التي سلبت من المسلمين. فهزم جيش ألفونسو السادس، والذي كان جيشًا لا يقهر في تللك الفترة في الأندلس. [2]

قيل عن يوسف بن تاشفين أنه عدَل بين رعاياه، وخفض الضرائب التي كان ملوك الطوائف يطلبونها منهم لدفع المال للجيوش المسيحية جزية وليدافعوا عنهم ضد بعضهم البعض. حتى أنه لقب بأمير المسلمين، وكان هذا اللقب مميزًا وحصريًا ليوسف. وكان محافظًا على وعوده، حتى جاء أحفاده من بعده ورفعوا الضرائب مرة لأخرى لأسباب شبيهة بأسباب ملوك الطوائف. وفي قوته وشجاعته، فاقت إنجازاته إنجازات أي مثيلٍ له في زمانه، إلا أن ورثته كذلك لم يحصلوا على ذلك القدر من الشجاعة ليواصلوا أمجاد جدهم. [2]

كيف حكم يوسف بن تاشفين المغرب؟

بعد أن ترك أبو بكر حاكم المرابطين السابق ليوسف الحكم، توسع يوسف في المغرب حتى قيل أنه وصل إلى حدود غانا. أصبحت الصحراء الغربية تحت بسطة حكمه في عام 1062م، وفي ذات العام ضم موريتانيا إلى حكم المرابطين. وبعد ذلك اتخذ من مراكش عاصمة لدولته، وعزز حكمه في المغرب. ثم دخل الجزائر عام 1080م، وامتد فيها حتى شرق وهران. اعترف بحكم الدولة العباسية حتى يأمن الحرب مع دولتهم، واستقل بحكمه للمغرب حتى أنه أصبح كخليفةٍ هناك. [1,2]

وفي عام 1090م دخل يوسف بن تاشفين الأندلس، ولكن أبقى على مراكش عاصمة لدولته. وواصل حكم الأندلس من مراكش. ونقل الكتبة من الأندلس إلى المغرب، حتى يقوي من مقر حكمه في مراكش. وظلت المغرب تحت حكم المرابطين طيلة حياة يوسف بن تاشفين، حتى توفي عن عمر يناهز 100 عام. وبعد ذلك بدأت دولة المرابطين في السقوط، بعد أن رحل عنها يوسف الحكيم، وحلت محلها دولة الموحدين. [1]

دور يوسف بن تاشفين في الأندلس

دخول يوسف بن تاشفين الأندلس للمرة الأولى

عندما دخل يوسف الأندلس في البداية، كان بدعوة من بعض ملوك الطوائف، الذين عجزوا عن توحيد صفوفهم والتصدي للدولة المسيحية. أرسلوا إلى يوسف دعوة لمساندتهم، ولبى يوسف نداءهم في عام 1086م. ودخل ابن تاشفين الأندلس ومعه 15000 رجل، كان منهم 6000 فارسٍ من السنغال لمواجهة جيش ألفونسو السادس الحاكم القشتالي. ارتاد الفرسان خيول عربية أصيلة، واستعان يوسف كذلك بالإبل في معركته تلك. ورغم أن عدد الجيوش المسيحية مجمعة يفوق عدد جيوش المرابطين، إلا أن الفوز كان من نصيب يوسف وجيشه. وعاد يوسف بعد ذلك إلى المغرب، ولكن بعد أن فشل ملوك الطوائف في لم شملهم تحت رايته، فعزم يوسف على العودة ولكن ليس لمحاولة إصلاحهم كأول مرة. [2]

دخول يوسف بن تاشفين الأندلس لضمّها

في عام 1090م عاد يوسف بن تاشفين إلى الأندلس عازمًا على ضمها تحت حكمه ورعايته، مما رآه من إهمالٍ عانت منه الأندلس بسبب ملوك الطوائف. بدأ يوسف بضم ولايات الأندلس واحدة تلو الأخرى، واستطاع كذلك في عام 1100م أن يضم فالينسيا، والتي قد كانت الدولة المسيحية قد استعادتها من ملوك الطوائف، ولكنه لم يستطع استعادة سرقسطة. وأنشأ يوسف أسطولًا بحريًّا، وقام بتوزيع الجنود والفرسان في أرجاء الأندلس ليتمكن من الحفاظ عليها. كما أنه اعتاد على استخدام الطبول في معاركه كنوعٍ من الألاعيب النفسية التي يمارسها ضد أعداءه. وظل يوسف بن تاشفين صامدًا صادقًا في ما وعد به أهل الأندلس، من تخفيض الضرائب وحفظ كرامتهم، وعدم دفعه المال للملوك المسيحين ليدافعوا عن المسلمين. ولكنه لم يستطع أن يجعل ورثته وأحفاده أن يسيروا على خطاه، فانغمسوا كسابقيهم في الترف، ونسوا ما وعد به جدهم في بادئ الأمر. وهذا هو الحال في التاريخ، ودائمًا ما تتبدل الأدوار. [1,2]

المصادر:

1-Yūsuf ibn Tāshufīn | Almoravid ruler | Britannica
2-Yusuf ibn Tashfin – New World Encyclopedia

المرابطون في الأندلس ما بين توحيد الأندلس وسقوطها

هذه المقالة هي الجزء 7 من 14 في سلسلة تاريخ مغامرة العرب في بلاد الأندلس

عانت الأندلس أشد المعاناة في فترة حكم ملوك الطوائف بسبب الفرقة والتناحر بين حكامها. أدى ذلك إلى زعزعة استقرار الأندلس واحتضارها أمام الدولة المسيحية، مما أدى إلى استنجاد شعبها بيوسف بن تاشفين ليتصدى للجيوش المسيحية. حكمت المرابطون دولتهم في شمال أفريقيا، وامتدت حدودها حتى وصلت الأندلس، وكانت معترفة بالدولة العباسية مستقلة بحكمها.

حاول يوسف بن تاشفين في البداية توحيد ملوك الطوائف. ولكن بعد موقعة الزلاقة لم يتغير شيء من تناحر ونزاع بين ملوك الطوائف. لذا قرر يوسف بن تاشفين أن يضم الأندلس لحكم المرابطين، التابع لقيادته في المغرب.

توحيد المرابطون للأندلس

دخل يوسف بن تاشفين الأندلس أول الأمر بدعوة من ملوك الطوائف، هزم فيها ألفونسو السادس عام 1086م في حقول الزلاقة. لكنه لم يستغل ذلك وعاد إلى المغرب لانشغاله ببعض الأمور فيها. استمر ملوك الطوائف بالتناحر، وإضعاف أنفسهم أمام جيوش قشتالة، كما استمروا في استعانتهم باليهود في الأعمال الإدارية لدويلاتهم.
[1]

وفي عام 1090م، عاد يوسف بن تاشفين إلى الأندلس، عازمًا على ضم دويلاتها واحدة تلو الأخرى. إذ أفتاه كبار رجال الدين الإسلامي في جواز محاربته لملوك الطوائف، وتوحيد الأندلسيين تحت حكم المرابطين الإسلامي. أطاح يوسف بملوك الطوائف واحدًا تلو الآخر، فضم أراضيهم جميعًا تحت رايته، ما عدا سرقسطة.

حاول ملوك الطوائف الاستنجاد بألفونسو السادس، ولكن وضعه لم يسمح له بالوقوف معهم ضد يوسف بن تاشفين. ومن الغريب أن الوضع انتهى بالمعتمد وعبدالله في المنفى في المغرب، وقد كانوا بالأمس هم من دعوا يوسف لمآزرتهم. [1,2]

لم يتمكّن المرابطين من استعادة طليطلة، ولكنهم استعادوا فالينسيا وكان لذلك أثرًا إيجابيًّا بين الأندلسيين والمسلمين. عاد للأندلس استقرارها إلى حدٍّ ما كما كانت في عهد عبدالرحمن الداخل، ولكن مع بعض التغييرات. كان من أبرز التغيرات التي حدثت للأندلس، أنها لم تعد مستقلة كما كانت في عهد الداخل، وأصبحت تابعة لحكم مراكش. كذلك لم يكن لديها القوة والنفوذ للتوسع ومواجهة الجيوش المسيحية حيث شاءت. [2]

وعد المرابطون بتخفيض الضرائب التي كانت على الأندلسيين في سابق عهدها، واستنكروا دفع الجزية للقوة المسيحية. كذلك ضيقوا الحياة على غير المسلمين في أعمالهم المرموقة، أدى ذلك إلى هجرة غير المسلمين إلى شمال الأندلس. كان المرابطون ذوي رأي صارم في تعاليم الدين الإسلامي، التي كانت قد خفتت شيئًا فشيئًا في فترة ملوك الطوائف في الأندلس. [2]

صراعات المرابطين والدولة المسيحية

بدأت الصراعات بين المرابطين والدولة المسيحية في شبه الجزيرة الإيبيرية، قبل أن تنضم الأندلس إلى حكم المرابطين. كان ذلك في عام 1085م عندما استعاد المسيحيون طليطلة، وقد كانت ذات أهمية كبيرة، نظرًا لموقعها الجغرافي وسط الأندلس. شجع ذلك دخول المرابطين، وانتصارهم في موقعة الزلاقة، ومع ذلك لم يستعيدوا طليطلة. وعندما حكم المرابطون الأندلس استنكروا دفع المال إلى الدولة المسيحية، لذلك منعوها، مما أثار الضغينة تجاه دولة المرابطين.

[2]

كانت إحدى المواجهات بين المرابطين والدولة القشتالية المسيحية في مدينة فالينسيا، حيث واجهوا القائد العسكري رودريغو دياث دي بيبار. وقد لقب رودريغو بالسّيد من قبل العرب الذين كانوا يعيشون تحت حكمه. أسفرت مواجهته الأولى عن هزيمة المرابطين، وكانت تلك هي الهزيمة الوحيدة لهم على يد السّيد في عام 1094م. كان رودريغو قائدًا عسكريًّا ماهرًا، وكان ذو معرفة بالمرابطين وخططهم العسكرية، مما مكنه من هزيمتهم رغم قلة عدد جيشه. ظلت فالنسيا بعد وفاة رودريغو تحت حكم قواته، حتى استعادها القائد يوسف بن علي في عام 1110م.

[1,3]

استمرت الهجمات المسيحية على الحدود الإسلامية الإسبانية، ونتج عن ذلك سقوط سرقسطة على يد ألفونسو الأول و ألفونسو السابع. كان سقوط سرقسطة في أيدي الدولة المسيحية القشتالية بمساعدة الفرنسيين في عام 1118م. توالت الخسائر على علي بن يوسف فخسر لشبونه على يد أفونسو الأول ملك البرتغال، نتيجة لخسارته في معركة أوريكي.

[4]

سقوط دولة المرابطين ودور الدولة الموحدة

على الرغم من المحاولات الفرنسية لإثارة روح القتال واستعادة الأراضي المسيحية في الأندلس، إلا أن تلك المحاولات لم تكن كافية. فقد عاش المسلمون المغاربة والمسيحيون جيرانًا لعقودٍ عدة، كانت بين لطفٍ وفضل تارة، وحرب ونزاع تارة أخرى. فلم تكن الاستجابة المسيحية في الأندلس على القدر المتوقع من فرنسا، واستنكرت الدولة الفرنسية ذلك اللطف فيما بينهم.

مع بداية صعود نجم الدولة الموحدة، استنجد المرابطون بالمرتزقة المسيحيين لنجدتهم من زحف الدولة الموحدة على أراضي دولة المرابطين. وكان ذلك من سخرية التاريخ، أن يتكرر ما حدث مع ملوك الطوائف. فبعد أن استنكروا طلب مساعدة المسيحيين بالأمس، غدت أمرًا لابد منه تحت الغطاء السياسي لا الديني. أثار استعانة المرابطين بالجنود المسيحيين، استنكار شعب الأندلس الذي وجد في فعلهم هذا تناقضًا مع مصداقيتهم.

[2]

لم يكن للمرابطين شعبية بين الأندلسيين، فقد حنثوا وعدهم بعدم رفع الضرائب. فقد اضطروا إلى رفع الضرائب نتيجة للضغط العسكري الخارجي وحاجتهم للدعم المسيحي. كذلك لم يكن المسؤولين يعدلون بين الشعب، بل كان هم كل ذي منصب منصبه. كذلك كان لصرامة حكم المرابطين، وتشددهم في بعض التعاليم الدينية تغافلًا عن ثقافة الأندلسيين واعتيادهم على الرفاهية. لم يستسغ الأندلسيين بربر الصحراء الذين استعانت بهم دولة المرابطين لحماية الأراضي في الأندلس، أو نهب خيراتها كما حدث. [1,2]

فقدت الأندلس مدنها واحدة تلو الأخرى بعد وفاة علي بن يوسف، فقد كان الموحدون أكثر قوة وشعبية من ابنه تاشفين. وفي عام 1146م مات تاشفين بن علي أثناء محاولته الفرار بفرسه، بعد هزيمته على يد الموحدين في وهران. وفي عام 1147م استطاع الموحدون دخول مراكش، وسقطت بذلك دولة المرابطين، على الرغم من مقاومة بعض سادتها.

وعلى الجانب الآخر استطاعت الدولة المسيحية استغلال الثغرات في حكم المرابطين، استطاعوا أن يبرحوا المرابطين أرضًا. حتى أنهم استعادوا قرطبة بشكل مؤقت، ثم استعادوا ألمرية، إلى أن وصل الموحدون أراضي الأندلس وبدأوا فيها عهدًا جديدًا. [1,2,3]

المصادر:

New world encyclopedia
Spain then and now
Britannica

ملوك الطوائف مرحلة ما بعد الخلافة الأموية في الأندلس

هذه المقالة هي الجزء 6 من 14 في سلسلة تاريخ مغامرة العرب في بلاد الأندلس

ربما يتراءى إلى ذهنك أن الأندلس ما هي إلا رقعة من الأراضي التي امتدت إليها الخلافة الإسلامية. ولكن الوضع كان مختلفًا، فالأندلس كانت محط أنظار الجميع، مسلمين ومسيحيين، وحتى بين المسلمين كان الجميع يتطلع إلى حكمها. فبعد أن حكمها الأمويون كدولة تابعة إلى الخلافة الإسلامية، ثم دولة إسلامية مستقلة على يد عبدالرحمن الداخل. توالى عليها العديد من الحكام العرب والمسلمين كملوك الطوائف ولكن على صورة دويلات وصل عددها إلى 22 دويلة. [1]

كيف انقسمت إمارة قرطبة إلى دويلات وطوائف مستقلة؟

تولى أبو الحزم بن جهور أحد أهم وزراء إمارة قرطبة قيادة ثورة ضد الدولة، ومعه جموع من الشعب. وكان ذلك لما صارت إليه الأندلس من خرابٍ وحروب داخلية في الخلافة الأموية المستقلة، تزعزع الأمن وأساء حكامها إلى الأرض والشعب. فأعلن أبو الحزم انتهاء الدولة الأموية في الأندلس في أوائل القرن الحادي عشر. اختار فيها القرطبيون أبو الحزم ليحكم قرطبة، وأدى ذلك القرار إلى انقسمات عديدة في الأندلس. [1]،[2]

اختلف المؤرخون في عدد الطوائف التي ظهرت في تلك الفترة، فمنهم من قال أنها 50 طائفة، ومنهم من قال 30 أو أقل. جمع كل ذي منصب جمهورًا له، وبنى لنفسه دويلة من ممتلكاته وممتلكات أتباعه وعين نفسه أميرًا لها. فكان منهم صاحب الشخصية المميزة أو صاحب المال، ومنهم من كان ذي قوة وحتى بعض العبيد والمرتزقة أسسوا لهم طائفة. كان من أشهر تلك الطوائف: بنو عباد في إشبيلية، وبنو جهور في قرطبة، وبنو زيري في غرناطة، وبنو هود في سرقسطة، وبنو ذي النون في طليطلة. [1]،[3]

كانت الأندلس أشبه ما تكون بالقبائل المتناحرة فيما بينها، دويلات صغيرة وطوائف عديدة، ورغم ذلك ظلت الأندلس تنعم بالخيرات. كان لتعدد الدويلات تأثيرًا سلبيًا واضح على وضع الحكم العربي الإسلامي، فلم يستطع أمراؤها أن يحركوا ساكنًا أمام مسيحيي الشمال. ولم تكن تلك الدويلات صغيرة الحجم فقط، بل كذلك قصيرة الأمد، حتى تدخل المرابطون في شمال أفريقيا لإنقاذ ما يمكن انقاذه من الدولة الإسلامية. [3]،[4]

النزاعات بين ملوك الطوائف ودويلاتهم، وتدخل الدولة المسيحية

أصبحت الأندلس ساحةً للنزاعات، وانشغل كلّ ذي دويلة بأن يقاتل جيرانه ليتوسع على حسابهم، فكان الأمر سياسيًّا بحتًا وليس دينيًّا. لذلك وصل بهم الحال بأن يستعينوا بالملك ألفونسو السادس ليعينهم بعضهم على بعض، ودفعوا له الجزيةً جراء ذلك. امتنع المتوكل بن الأفطس أمير مملكة بطليوس عن دفع الجزية للملك ألفونسو، أغضب تصرفه الملك فأرسل له يطالبه بالجزية. فأرسل المتوكل رسالة شديدة اللهجة إلى ألفونسو، وهدده بالسيف إن أعاد طلبه، فقد رأى في طلبه إهانةً للإسلام والمسلمين. حولت تلك الرسالة غضب الملك ألفونسو إلى حيطة وحذر من المتوكل، فلم يرسل له جيشًا ولم يطالبه بالجزية. [1]،[3]

استنكر الشاعر والفيلسوف ابن حزم ما فعله ملوك الطوائف، من تعاون وتهاون عما تفعله الدولة المسيحية في أتباع الدويلات المسلمة. وقال فيهم أنهم قد يبدلون دينهم إن كان في ذلك تيسيرًا لهم على تحقيق أهدافهم. لم يكن ذلك رأي ابن حزمٍ وحده، فقد استنكر العديد من المسلمين دفع الجزية لألفونسو للحصول على الأمان من جيرانهم المسلمين. [3]

ورغم ما اشتهرت به الأندلس في عهدهم من كثرة النزاعات القتالية، إلا أنها اشتهرت كذلك بالفن والشعر، ودراسة الفلسفة، والرياضيات، والعلوم. وكان لازدهار الشعر سببًا خفيًّا، فقد كان سلاحًا لملوك الطوائف، فبه يعظّم الحاكم، وبه تهجوا الآخر. وكانت العمارة في ذلك الوقت منتعشة، فقد تبارى الملوك فيما بينهم بإظهار سلطانهم في جمال قصورهم. وكانت لتلك المنافسات أثرًا إيجابيَا وأنجبت العديد من الفنانين والشعراء، واستقطبت العلماء في مختلف العلوم. [3]،[4]

لم يستفق ملوك الطوائف من غفلتهم تلك، إلا عندما سقطت إمارة طليطلة في أيدي الدولة المسيحية. أدى ذلك إلى اجتماع كافة الأمراء والعلماء لمناقشة خطر الوضع الراهن، اقترحوا آنذاك قتال من كانوا بالأمس يدفعون لهم لحمايتهم. ولكن لضعف تلك الإمارات كان لابد لهم من أن يطلبوا عون مرابطين شمال أفريقيا، وكان ذلك ليس بالقرار السهل. فقد تخوف الأمراء من دخول المرابطين الأندلس وضمّها إلى حكمهم، ولكن خشيتهم من سقوط الأندلس أجبرتهم على ذلك الخيار. [1]،[4]

دور يوسف بن تاشفين في مرحلة ملوك الطوائف

في أواخر القرن الحادي عشر، استنجد ملوك الطوائف بيوسف بن تاشفين ليعينهم على ألفونسو الذي استولى على طليطلة. استجاب يوسف بن تاشفين لندائهم ومعه حوالي سبعة آلاف مقاتل من المرابطين، وسافر بحرًا إلى شبه الجزيرة الإيبيرية. عندما وصل الأندلس استقبله ملوك الطوائف وشعبهم استقبالًا حافلًا، وأمدوه بالرجال والسلاح، ليصل عددهم ما يقارب الثلاثون ألفًا ليواجه ألفونسو. [1]

التقى يوسف بن تاشفين بألفونسو في معركة الزلاقة بالقرب من إمارة بطليوس، ودارت بينهما معركة انتصر فيها يوسف بن تاشفين. ولكن ما أثار استغراب المؤرخين، هو عدم استرداد يوسف لطليطلة رغم انتصاره على ألفونسو، ولكنه اكتفى بتهدئة جموع ملوك الطوائف، وإيقاف امتداد الدولة المسيحية. [1]،[3]

رغم ما قام به يوسف لتوحيد صفوف ملوك الطوائف، إلا أن حالهم لم يتغير، وعادوا لما كانوا عليه من نزاعات. زعزع ذلك استقرار الأندلس مرة أخرى، واستنجد المسلمون بيوسف مرة أخرى ليدخل الأندلس، ولكن تلك المرة ليضمها إلى حكم المرابطين. طلب يوسف المشورة من حكماء المسلمين، فهو أمر جلل بالنسبة إليه أن يدخل بجيشه على المسلمين من ملوك الطوائف. وقد أفتوه بأن يدخل حفاظًا على الأندلس، وحتى لا تقع فريسة في أيدي الدولة المسيحية التي كانت تستغل نزاعاتهم وتشتتهم. وقد كان، دخل يوسف بن تاشفين الأندلس مرة أخرى بعد أربع سنوات من معركة الزلاقة، ووحد صفوف الأندلس تحت راية المرابطين، وبدأ في الأندلس فصلٌ جديد تحت حكمهم. [1]،[4]

المصادر:

1-wikipedeia
wikipedeia2
Spain Then and Now3
Britannica 4

Exit mobile version