مغالطة الرنجة الحمراء Red Herring

مغالطة الرنجة الحمراء

يعود سبب تسمية هذه المغالطة، إلى حيلة كان يستعملها المجرمون الفارون من السجن؛ لتشتيت الكلاب البوليسية، وذلك برمي سمك الرنجة الحمراء المدخنة ذي الرائحة الشديدة في مسار مختلف عن مسارهم، فتتشتت الكلاب وينجون.

ستركز هذه المقالة على شرح مغالطة الرنجة الحمراء وتقديم أمثلة عنها بالإضافة إلى اقتراح كيفية مواجهتها.

الرنجة الحمراء هو مصطلح يشير لكل محاولة لتحويل الانتباه عن المسألة الرئيسية في الجدل، وذلك بإدخال تفصيلات غير هامة، أو بإلقاء موضوع لافت أو مثير للانفعالات، وإن يكن غير ذي صلة بالموضوع المعني ولا يشبهه إلا شبهاً سطحيا، أي إنه إلهاء متعمد لنقل الحجة أو السؤال إلى قضية مختلفة يسهل الرد عليها فيقذف بالخصم خارج مضمار الحديث.

الشكل المنطقي لمغالطة الرنجة الحمراء:

الموضوع أ قيد المناقشة

تم تقديم الموضوع ب، الذي لا علاقة له بالموضوع أ

تم التخلي عن الموضوع أ

دعونا نلقي نظرة على بعض الأمثلة النموذجية للرنجة الحمراء في الأدب والإعلام والحياة الواقعية لفهم هذه المغالطة بشكل أفضل.

أمثلة عن مغالطة الرنجة الحمراء :

1- في الأدب:

تُستخدم الرنجة الحمراء بشكل كبير في الروايات البوليسية وروايات الغموض، وذلك لجعل القصة أكثر إثارة من خلال تضليل القارئ بأدلة كاذبة لتشتيت انتباهه عن تحديد الجاني الحقيقي، ومنعه من الوصول إلى الاستنتاجات الصحيحة. على سبيل المثال، قد يخلق المؤلف شخصية جانبية مثيرة للفضول أو استفزازية تجذب انتباه القارئ وتقوده إلى نتيجة خاطئة. ولكن يتضح أنها بريئة عندما يتم التعرف على القاتل الحقيقي.

تهدف الرنجة الحمراء إلى إبقاء القراء في حالة تخمين حول الاحتمالات حتى النهاية، وبالتالي تبقيهم مهتمين بالقصة. مما لا شك فيه أنه من الصعب الاحتفاظ باهتمام القارئ إذا كشفت قصص الإثارة القاتل من البداية.

  • تقدم أعمال السير آرثر كونان دويل العديد من الأمثلة عن مغالطة الرنجة الحمراء. على سبيل المثال، في رواية كلب آل باسكافريل The Hound of the Baskervilles ، يتم تضليل القراء من خلال شخصية الخادم، وهو المشتبه به الأكثر وضوحًا.

إنه شخصية غامضة ومضللة، ويبدو أن أحد الدلائل الرئيسية يقود إليه. ومع ذلك، تبين أن الخادم بريء تمامًا. هذا مثال كلاسيكي على الرنجة الحمراء المستخدمة كأداة مقصودة في الأدب.

  • تقدم شخصية الأسقف أرينغاروزا aringa rosa في رواية كود دافنشي لدان براون مثالاً على الرنجة الحمراء. حيث تُقدّم الشخصية بطريقة تجعل القراء يشكون في أنه العقل المدبر للمؤامرة بأكملها في الكنيسة.
الأسقف أرينغاروزا من فيلم شيفرة دافنشي

فيما بعد تبين أنه بريء. هذا المثال من الرنجة الحمراء في الرواية يصرف انتباه القراء عن هوية الرجل السيئ الحقيقي، وبالتالي يزيد من غموض القصة. ومن المثير للاهتمام أن اللقب الإيطالي للأسقف “أرينغاروزا” يعني بالإنجليزية “رنجة حمراء”.

2-  وسائل الإعلام:

المراسل: “لقد مر عامان منذ مباشرتك لتنفيذ سياساتك، وحتى الآن فشلت في خفض معدلات البطالة”.

 السياسي: “لقد كنت أعمل بجد منذ أن توليت منصبي، ويسعدني أن أقول أني قابلت العديد من قادة الأعمال في جميع أنحاء البلاد، الذين قالوا جميعًا إنهم سعداء برؤية عملنا الشاق يؤتي ثماره. “

السياسي في المثال يستخدم الرنجة الحمراء لتجنب الإجابة على السؤال الحقيقي.

3- الأعمال التجارية:

  • “من غير الأخلاقي أن تفرض على عملائك فائدة بنسبة 25٪ على قروضهم “.

= “حسنًا، إذا لم أحاسبهم بهذا السعر، فإن شخصًا آخر سيفعل ذلك.”

إن كان شخص آخر سيتقاضى هذا السعر أم لا، فإن هذا الموضوع ليس له علاقة بالمسألة الحقيقية لكونه غير أخلاقي.

4- الحياة اليومية:

“بدلاً من الاعتراض عليّ لأني أخذت رشوة بسيطة نتيجة تعبي، تكلّم عن الوزراء الذين سرقوا البلاد والعباد؛ فأصبحنا نعيش في الفقر والتخلف”.

في هذا المثال رمى القائل رنجة حمراء (فساد الوزراء) أشد رائحة من موضوعه البسيط (رشوة بسيطة) لتغيير الموضوع وتجنب اللوم، إن كل خطأ يبقى خطاً منفصلاً، أي أن قيام شخص آخر بذنب أكبر لا يجعل الذنب الأصغر مشروعاً.

كيفية مواجهة مغالطة الرنجة الحمراء:

من أجل اكتشاف الرنجة الحمراء، عليك أن تتذكر أن الحجة التي تحتوي على رنجة حمراء تستخدم معلومات غير ذات صلة لتغيير موضوع المناقشة.

عندما تتعرف على حجة الرنجة الحمراء أوضح أنها ليست ذات صلة بالموضوع الذي تتم مناقشته، واشرح سبب كونها خاطئة. بعد ذلك قم بتوجيه المناقشة إلى المشكلة الأصلية عن طريق إعادة صياغة حجتك أو سؤالك.

قد تكون هناك عوامل مختلفة تؤثر على سلوك خصمك، وربما سيبقى غير راغب في العودة إلى المشكلة الأصلية. في هذه الحالة لديك خيارين:

الأول: يمكنك قبول موضوع المناقشة الجديد والمتابعة فيه.
الثاني: الإصرار على الاستمرار في الموضوع الأصلي.

من الصعب أحياناً العودة للموضوع الأصلي أو حتى الاستمرار في مناقشة مثمرة. يعتمد الأمر على مهارتك ونوع الموقف لتحديد المسار الأنسب للمتابعة في المناقشة.

المصادر:

Fallacy Logic
Literary devices
المغالطات المنطقية، عادل مصطفى
رجل القش، الحشو المنطقي، الدليل المختصر للمغالطات المنطقية والانحيازات الإدراكية، يوسف صامت بوحايك

هل من الممكن أننا نعيش بالفعل في عالم افتراضي؟

يقول الفيلسوف «نيك بوستروم-Nick Bostrom» من جامعة أوكسفورد أن البشرية مرت أو ستمر بإحدى السيناريوهات التي يفرض إحداها أننا نعيش بالفعل في محاكاة!
ففي السيناريو الأول، يفترض البروفيسور أن الحضارة البشرية وجميع الحضارات الأخرى الموجودة وغير المكتشفة ستنقرض قبل أن تتمكن من بناء أجهزة تحاكي الواقع الذي تعيش فيه، فقد تنقرض بسبب الاحتباس الحراري مثلًا، أو بسبب جائحة أو كوكب مدمر للأرض أو غير ذلك، أما الثاني، فيفترض أن الحضارات قد تصل إلى المستوى الذي يمكنها من بناء أجهزة محاكاة للواقع، ولكن لن تقوم بذلك لسبب معين، قد يكون أخلاقي أو اقتصادي أو غير ذلك، والسيناريو الثالث وهو الأخطر، يفترض أننا سوف نصل الى المرحلة التي تمكننا من بناء هذه الأجهزة، وبالتالي هذا يؤدي الى أننا نعيش بالفعل في محاكاة!


في كتاب نشره «ريزوان فيرك-Rizwan Virk» عام 2019 والذي يدعى ب «The Simulation Hypothesis» أو فرضية المحاكاة، يقوم الكاتب فيه بإزالة الغطاء عن النظرية التي تحدث بها بوستروم ومدى قدرتنا التكنولوجية التي قد تمكننا من الوصول لما دعاه «نقطة المحاكاة-Simulation point» والتي نستطيع عندها بناء محاكاة لكل شيء موجود ضمن هذا الكون.

قبل أن نبدأ بطرح الأفكار، لنسأل أنفسنا هذا السؤال، هل من الممكن حقًا أن نكون الآن في عالم افتراضي؟

هناك العديد من الظواهر التي يمكن تفسيرها عن طريق فرضية المحاكاة بشكل أفضل من الفرضيات الفيزيائية، فمثلًا، عند محاكاة الأجسام المحيطة الموجودة بلعبة مثلًا، تقوم اللعبة بخلق-render الأجسام الموجودة أمام اللاعب فقط بهدف استمثال موارد الحاسوب، وهذا يتوافق مع المشاهدات الموجودة في الفيزياء الكمومية.

ما هي الأمثلة الموجودة في الفيزياء الكمومية والتي تعد دليلًُا على ذلك؟

لنفرض وجود نجم يبعد عنا مليارات السنين الضوئية، يبث هذا النجم أشعة ضوئية قد تعترضها إحدى المجرات “أو أي جسم كوني جاذبيته عالية” عند محاولتها الوصول الى كوكب الأرض، بالتالي بحسب نسبية آينشتاين العامة، فإن شعاع الضوء سينحرف على يمين أو يسار الجسم الكوني بسبب جاذبية الجسم الكوني المرتفعة، وبحسب ميكانيكا الكم، فإن هذا الضوء سيصل الى الأرض من الطريق الأول، أو الثاني، أو الطريقين معًا! ولن يتحدد هذا الطريق إلا في حال قرر مراقب ما موجود على الأرض النظر للضوء عند وصوله، عندها سيجد أنه سلك إحدى الطرق فقط وليس جميعها، ذلك أنه قبل أن يقوم المراقب بملاحظة هذا الضوء، قام الضوء بعبور جميع المسارات الممكنة بسبب سلوكه الموجي، ولكن عند تعرضه للمراقبة، سلك سلوك جسيم وأتى من طريق واحد فقط!

تعد هذه التجربة محاكاة لتجربة شهيرة قام بها العالم الأميركي جون ويلر والتي استبدل فيها النجم بمصدر ضوئي، ووضع بدل المجرة حائط ذو شقين وأمام الحائط بمسافة معينة قام بوضع شاشة لرصد الضوء المنعكس عليها.
عند عدم وجود مراقب لهذه الفوتونات وجد أنها تعبر من الشق الأول أو الثاني او كليهما لتشكل على الشاشة نمطا متداخلا يدل على سلوكها الموجي، ولكن عند وضع راصد عند الشقين يسلك الضوء سلوك جسيم ليعبر من احدى الشقين فقط!

صورة توضيحية لتجربة جون ويلر

في حال كنا نعيش بعالم افتراضي وكان هذا العالم مطابق للواقع، أليس من الأفضل اذًا عدم التفكير بهذا الموضوع نهائيًا؟

بحسب ريزوان فيرك، هناك العديد من الناس التي تفضل عدم معرفة الحقيقة، ولكن من الضروري أن ندرك أي نوع من الشخصيات الموجودة نحن.
لنشبه الموضوع بلعبة فيديو، هنالك شخصيات رئيسية تتبع قواعد معية للوصول لهدف معين، في حال استطعنا أن ندرك أننا شخصية رئيسية، فقد نحصل على Hints أو دلائل لاستكشاف هذا العالم بشكل أفضل والحصول على معلومات أكثر، ولكن في حال كنا شخصيات ثانوية، فهذا يعد أمرًا مرعبًا، مالهدف من المحاكاة، ومن يقوم بهذه المحاكاة، وهل جميع الشخصيات المحيطة شخصيات ثانوية أم أن هناك شخصيات مميزة عن الأخرى.

اذًا، كم من الوقت سنستغرق حتى نتمكن من بناء عالم افتراضي متكامل؟

يقول ريزوان فيرك أن البشرية عليها أن تمر بعشرة مراحل لتصل لما يسمى ب “نقطة المحاكاة” حيث يقدر أننا في المرحلة الخامسة تقريبًا بوجود الواقع الافتراضي والواقع المعزز، وتمثل المرحلة التالية بناء شخصيات افتراضية بدون الاستعانة بالنظارات الخاصة بالواقع المعزز، وقد بدأنا بهذه المرحلة بالفعل، ولكن هناك عائق بسيط أمام هذه المرحلة، هو أنه في فلم المصفوفة أو the matrix، استطاعت الشخصيات الدخول إلى العالم الافتراضي عن طريق أداة موصولة بالنخاع الشوكي، وهو الذي يشكل واجهة تخاطب بين المصفوفة والعقل البشري، ولكن الأبحاث البيولوجية مازالت في مراحل مبكرة في دمج الآلة مع العقل البشري وتحتاج عدة عقود حتى نتمكن من بناء واجهة تخاطبية كاملة مع الآلة.

Vox

Interesting Engineering

Nick Bostrom Paper

مغالطة التعميم المتسرع Hasty Generalization

مغالطة التعميم المتسرع Hasty Generalization
تعريف:
هو أن ترى حكماً أو وصفاً عن شيء أو إنسان واحد أو أكثر، فتبداً بتوسيع هذا الحكم على مجموعة من الأشياء أو البشر دون أن تتأكد من انطباق الوصف عليهم؛ بل فقط لأنهم يشاركونه في وصف آخر مختلف تماماً (مثل البلد أو اللغة أو اللون نفسه،…) وليس له علاقة بالضرورة مع الحكم الذي ذهبت إلى تعميمه، وذلك لأسباب عاطفية أو تضليلية.

لعل التعميم المتسرع من أكثر المغالطات شيوعاً. فهو يتبطن كثيراً من التحيزات العرقية والعنصرية والنعرات الشوفينية والطائفية والطبقية والتعصب الديني والأيديولوجي. كذلك يتبطن التعميم المتسرع كثيراً من الأوصاف النمطية عن الشعوب المختلفة (الإنجليزي، الهندي، الإيطالي ..)، وعن أهل الأقاليم المحلية (المنوفي، الشرقاوي، الدمياطي..) وربما يتبطن كثيراً من اعتقاداتنا حول أصناف المنتجات وماركات الأجهزة التي تقوم في الغالب على بضعة أمثلة من واقع خبرتنا الحياتية القصيرة المحدودة.


يقع الإنسان غالباً في التعميم؛ إما بسبب العجز او التكاسل عن التحقق من كل الحالات، أو خدمة لأحكام مسبقة يريد تأكيدها كالصراعات بين الشعوب والأعراق مثلاُ، أو لتشويه صورة من يخالفه من مبدأ معين.

الشكل المنطقي لمغالطة التعميم المتسرع:


س1 يتسم بالخاصة ص
س2 يتسم بالخاصة ص
س3 يتسم بالخاصة ص

إذن كل س يتسم بالخاصة ص

أمثلة عن مغالطة التعميم المتسرع:


1- عانت امرأة من خيانة زوجها وظلمها؛ فتقودها العاطفة والانتقام لتقول “كل الرجال خونة”
شرح المغالطة: في هذا المثال فإن زوج المرأة ينتمي لمجموعة الخونة أو الظالمين بما قام به تجاهها؛ لكن المرأة عممت وصف الخيانة على كل الرجال لأنهم يشتركون مع زوجها في وصف آخر، وهو كونه من جنسهم، رغم أنه لا علاقة ضرورية بين الخيانة وجنس الذكر ويحدث هذا غالباً تحت تأثير العاطفة وعمى الانتقام الذي يدفع الإنسان للمبالغة والشدة في إطلاق الحكم كرد فعل تجاه الظلم والخيانة.


2- يعرف رجل امرأتين من أقربائه لا تتقنان قيادة السيارة، فيقول لصديقه “عندما ترى امرأة تقود سيارة فاحذر، فالنساء والسيارات لا تلتقيان”.
شرح المغالطة: أطلق الرجل هنا دون تثبت حكماً عاماً يشمل جميع النساء حول مدى اتقانهن لقيادة السيارة رغم أنه لم يرَ سوى بعض النساء.
والسبب أنهن ينتمين لجنس واحد دون أن يتأكد من انطباق وصفه على كل النساء، أو دون أن يأتي بدراسة مثلاً تثبت وجود علاقة مابين جنس الإنسان ومهارته في قيادة السيارة؛ وربما كان وقوعه في التعميم تحت تأثير كرهه للنساء أو رغبة في الانتقام أو كرد فعل تجاه حادثة شخصية.


3- كلما شاهدت الأخبار في هذه القناة وجدت زنوجاً يلقى القبض عليهم لجرائم سرقة إذن جميع الزنوج أو معظمهم لصوص.

4- شخص يقول لصديقه: “الشعب الهولندي كريم جداً، لقد أقمت بضعة أيام عند صديقي الهولندي في بيته وكان في قمة الكرم”.

يعتبر التفكير النقدي هو الحل الأمثل لتجنب الوقوع في مغالطة التعميم المتسرع، وذلك بجعل تعميماتنا مجرد فروض قابلة للمراجعة والتنقيح.

المصدر:

1- المغالطات المنطقية، عادل مصطفى.

2-رجل القش، الدليل المختصر للمغالطات المنطقية والإنحيازات الإدراكية، يوسف صامت بوحايك.

3- thoughtco

العرق كما يراه الفلاسفة: هل هو حقيقة أم مجرد عنصرية زائفة؟

ارتكبت عبر التاريخ العديد من الجرائم تحت غطاء الاختلاف العرقي بل ونشأت جماعات عنصرية مثل Ku-Klux-Klan في الولايات المتحدة الأمريكية بهدف إعلاء راية “البشرة” البيضاء. لماذا قلت “بشرة” وليس عرقا؟! أوجدت ذلك غريبا؟! هل تعتبر اللون صفة مسلما بها للتمييز العرقي؟! هل تعلم أن العرق كتعريف يختلف بين الفلاسفة؟! بل و يرفض بعضهم حقيقة وجوده تماما؟! ما رأيك أن نتناقش سويا مع هؤلاء الفلاسفة، علنا نجد نتيجة مشتركة لنتفق عليها؟!

الجوهر!!! نستخدم هذه الكلمة لوصف الميزة الأساسية داخل الأشياء أو الأشخاص، كذلك استخدمها الفلاسفة القدماء لتعريف الأعراق. كل عرق له صفة محورية تميزه، لكل عرق جوهر يحدده، ما رأيك؟!

تنتقد D.Naomi Zack أستاذة علم الفلسفة في جامعة Lehman-New York هذا التعريف العرقي القديم، فمن وجهة نظرها من الصعب تحديد جوهر واضح محدد ليفرق بين الأنواع نفسها فكيف بين الأعراق!!!

ويرى D. Adam Hochman أن هذا التعريف يكسب العرق الواحد صفات ثابتة وغير قابلة للتغيير! ولكن إذا ما تمعنا بما وصل له العلم الحديث نجد أن هذه الاختلافات بين الأعراق مزعومة، ويتابع آدم نقاشه بسؤال: بناء على صفات هذا التعريف، فهل نعتبر كلا من الرجال والنساء عرقا مختلفا؟!

هناك العديد من الفرضيات الشعبية كذلك عن العرق، سنفندها سويا مع D.Naomi Zack

ترى D.Naomi بأن علم الوراثة السكاني المعاصر يبين فراغ هذا الوصف:

إذ أن العوامل البيئية الخاضعة لمنطقة جغرافية محددة مسؤولة أكثر من تلك العائدة لعوامل العرق الواحد عن التكيفات الجسمية المستمرة لأعضاء العرق سواء في الجلد أو الشعر أو العظام.

ومن جهة أخرى تعطي الطفرات الجينية المدروسة في هذا المجال فكرة عن الأصل الجغرافي للسكان، ولكن ليس لها أي دلالات أو ارتباطات عرقية.

تبعا ل D.Zack فإن الاختلافات الظاهرية غير كافية لتصنيف الناس إلى أعراق، وخاصة مع كونها متدرجة بالأصل ( مثالا لون البشرة: أسود غامق، أسود أفتح بقليل، أسمر، أسمر فاتح إلخ).

هذا في الحقيقة فهم خاطئ وقاصر لعلم الوراثة، فالجينات المنتقلة من جيل لآخر تعطي صفات مادية محددة وخاصة بكل فرد ومن الصعب أن يتشاركها جميع أفراد العرق الواحد.

حسنا للإجابة عن هذه الفرضية، سنستعين بعلماء البيولوجيا، إذ قاموا بطرح بديل علمي بيولوجي لكلمة عرق ممثلا ب “الأنواع الفرعية Subspecies”، فهل للبشر أنواع فرعية؟!

يقوم تحديد “تحت الأنواع” في عالم الحيوان على معايير عدة، ويستخدم اثنان منها بشكل شائع وهما وجود سلالات تطورية من النوع عائدة لسلف مشترك إضافة إلى وجود صفات جينية محددة وواضحة بين كل نوع وتميز جميع أفراده. لذا قام علماء بيولوجيون بتطبيق هذين المعيارين على الإنسان وعلى الشيمبانزي (باعتباره أقرب الكائنات إلى الإنسان) وذلك بغرض الإجابة عن سؤالنا أعلاه، وخلصت الدراسة إلى أن المعطيات البيولوجية كافية للقول بوجود تحت أنواع للشيمبانزي، ولكن ليس للبشر.

إذا، التصنيف العرقي ليس علميا، فما البديل عن ذلك؟!

تجد وجهة نظر أنه من المنطقي اعتبار العرق نوعا اجتماعيا Social Kind، حيث يقترح D.Anthony Appiah وهو فيلسوف أميركي-بريطاني أن العرق وإن كان مرفوضا بيولوجيا إلا أن له هوية اجتماعية Social Identity.

ويوضح لنا هذه النقطة مؤيدو الصفة الاجتماعية للعرق:

حيث يجد هؤلاء أن الأعراق ظهرت واستمرت من خلال الثقافة البشرية والقرارات الإنسانية، حيث لا زال المجتمع يصنف الناس إلى فئات عرقية مما سيؤدي بدوره إلى اختلافات في الموارد والفرص والثروات بين هذه الفئات، وفي ذات الوقت سيخوضون تجارب مشتركة ( كتعرض ذوي البشرة السوداء لمضايقات مستمرة من قبل عناصر الشرطة البيض ). إذا، ما الذي يدفع هؤلاء الفلاسفة للحفاظ على مصطلح العرق؟!

يسهل استخدامه باعتقادهم ظهور وعمل الحركات الاجتماعية والسياسية المبنية على العرق من أجل الحصول على عدالتها.

لكن هل هذه الأسباب كافية للاعتراف بالعرق كنوع اجتماعي؟

يجد D.Adam أن التصنيف الاجتماعي للعرق غير موجود، إنها فقط العنصرية التي تجعله مستمرا، أما عن الفئات المصنفة كأعراق على أسس وادعاءات خاطئة حسب وجهة نظره، فما هي إلا Racialised Groups ( أي مجموعات تم إكسابها صفة عرقية ).

كيف يكسب المجتمع فئات منتمية له صفة عرقية Racialised Groups؟!

يكسب المجتمع الصفة العرقية بناء على ثلاثة معايير وهي تبعا ل D.Sally Haslanger أستاذة في قسم اللغويات والفلسفة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا:

  • امتلاك صفات جسدية تدل على أصل أو موقع جغرافي معين
  • يبرر من خلال هذه الصفات الجسدية شغل أعضاء المجموعة العرقية لمركز اجتماعي راق من عدمه.
  • ويخضع بذلك أفراد العرق للامتيازات التي حددها المجتمع لهم.

تعتقد D.sally كذلك أن لاحتضان المجموعات العرقية أهمية سياسية، ولكن بشرط أن يكون هذا الاحتضان على المدى القصير وليس البعيد، وذلك لتفادي التأثير السلبي لمصطلح العرق.

إذا، هل لا زلت تعتقد بوجوب استخدام التصنيف العرقي؟!

المصادر:

The Conversation: Racism is real, race is not: a philosopher’s perspective

Sfanford encyclopedia of philosophy

NCBI

اقرأ المزيد:

تاريخ العنصرية في أمريكا

مغالطة المصادرة على المطلوب Begging the question

مغالطة المصادرة على المطلوب Begging the question

مغالطة المصادرة على المطلوب هو افتراض صحة القضية المراد البرهنة عليها، ووضعها بشكل صريح أو ضمني في إحدى مقدمات الاستدلال. أي أنه محاولة لإثبات صحة اقتراح مع اعتبار هذا الاقتراح أمراً صحيحا في نفس الوقت.

وتتم على النحو الآتي:

 (س) صحيحة، والدليل على هذه الدعوى هي أن (س) صحيحة

من المفترض أننا عندما نختلف حول شيء ما فإننا نلجأ إلى شيء آخر لا نختلف حوله، لنصل من خلاله إلى النتيجة، ولكن في هذه الحالة فنحن نلجأ إلى أشبه بنتيجة متنكرة في شكل مقدمات، لنستدل بها على صحتها!

أمثلة:

– مادمت لاأكذب، فأنا إذن أقول الحقيقة.

— تستلزم العدالة أجوراً مرتفعة، وذلك لأن من الصواب أن يكون الناس أقدر على الكسب الوفير (القصد منها: أن العدالة تتطلب زيادة الأجور لأن العدالة تتطلب زيادة الأجور!).

قد يبدو أن المصادرة على المطلوب هي مغالطة واضحة سهلة الانكشاف، وليست بحاجة إلى دراسة وتحليل، غير أن الأمر ليس دائماً ببساطة الأمثلة السابقة. مثال:

  • يجب ألا نسمح ببيع هذه القطع من مقتنيات توت عنخ آمون إلى أي بلد أجنبي مهما كان الثمن؛ وذلك لأن مصر العظيمة ليست للتصدير.

نلاحظ من هذا المثال هو أن النتيجة (لا بيع لبلد أجنبي ) هي نفس معنى المقدمة مع إعادة الصياغة (لا تصدير).

  • القتل الرحيم مقبول أخلاقياً؛ إن من اللطف والرحمة وحسن الخلق أن تعين كائناً إنسانياً آخرعلى أن ينجو من المعاناة والألم من خلال الموت.

هنا لم تقدم لنا الحجة أسباباً عقلية تجعل القتل الرحيم مبرراً أخلاقياً، وتترك السؤال لدى المتلقي مفتوحاً: حسن، لماذا إذن نعتقد أن القتل الرحيم جائز؟

  • الإجهاض هو القتل غير المبرر لكائن إنساني، وهو قتل؛ ومادام القتل جريمة نكراء، فالإجهاض جريمة في جميع الأحوال.

إن الحجة السابقة تجعل النتيجة متضمنة سلفاً في المقدمات، وتصادر منذ البداية بأن الإجهاض قتل غير مبرر دون أن تبين لنا السبب.

ما علاقة الاستدلال الدائري بمغالطة المصادرة على المطلوب؟

إن الاستدلال الدائري ليس مغالطاً في صميمه ولكنه يغدو كذلك عندما يعتمد فيه صدق الدعوى المقدمة على دليل يعتمد بدوره على الدعوى ذاتها التي يُفترض أن يُبرهن عليها. وبذلك يدور البرهان في دائرة مغلقة وتعتمد كل قضية منه على الأخرى.

يمكن تجريد الصورة المنطقية لهذا الدور كالتالي:

أ صادقة لأن ب صادقة

ب صادقة لأن أ صادقة

نحن إذن بإزاء شكل من أشكال المصادرة على المطلوب، يعتمد فيه صدق الدعوى المقدمة على دليل يعتمد بدوره على الدعوى ذاتها التي يُفترض أن يبرهن عليها. وبذلك يدور البرهان في دائرة مغلقة وتعتمد كل قضية فيه على الأخرى.

مثال:

– نحن نعرف عن صفات الرب من الكتاب المقدس، ونحن نثق بالكتاب المقدس لأنه منزّل من الرب.

– (أ): هذه اللآلي السبع سنقسمها على ثلاثتنا بحيث يأخذ كل واحد منكما اثنتين وأنا سآخذ ثلاثة.
(ب): لماذا تأخذ أنت الثلاثة؟
(أ): لأنني أنا الرئيس.
(ب): وما الذي نصبك رئيساً علينا
(أ): لأن لدى كل منكما لؤلؤتين وأنا لدي ثلاث.

المصدر:

لمعرفة المزيد عن المغالطات المنطقية تابع مقالنا: مغالطة المنحدر الزلق

مغالطة المنحدر الزلق (Slippery Slope Argument)

ماذا تعرف عن مغالطة المنحدر الزلق (SLIPPERY SLOPE ARGUMENT) أو أنف الجَمَل(Camel Nose)؟

قال البدوي لنفسه: «إذا تركت الجمل يدس أنفه في خيمتي هذه الليلة الباردة فإنه سيدس رأسه في الليلة التالية، ثم لا يلبث في الليلة التي تليها أن يدس رقبته، وسرعان ما أجده قد اقتحم خيمتي بجسده كاملًا».

هكذا تصور البدوي في خياله هذا السيناريو والذي تنتهي فيه الأحداث نهاية سيئة وبالتالي رفض القيام بالحدث الأول (السماح للجمل بإدخال أنفه) تجنبًا لنهاية السيناريو خاصته.

من المثال السابق يمكننا استنتاج أن مغالطة المنحدر الزلق تعني أن فعلًا صغيرًا أو تافهًا سوف يجر وراءه سلسلة من العواقب والتي ستؤدي بدورها إلى نتيجة كارثية، فكل حدث في هذه السلسلة هو نتيجة ضرورية لما قبله، وسبب للحدث الذي يليه.

فإذا كان (أ) سيكون (ب) وبالتالي سيكون (ج) وهكذا حتى (ن)، و(ن) هي نتيجة كارثية إذن فعلينا تجنب فعل (أ).

ومن أشهر الأمثلة على مغالطة المنحدر الزلق هو مايسمعه الطلاب الصغار من آبائهم عن العواقب من عدم كتابة الواجب المنزلي حيث تتم المغالطة كما يلي:

  • إذا لم تقم بأداء واجبك ، فسوف تفشل في الفصل.
  • إذا فشلت في هذا الفصل ، فلن تتخرج من المدرسة.
  • إذا لم تتخرج ، فلن تدخل الكلية.
  • إذا لم تلتحق بكلية جيدة ، فلن تحصل على وظيفة جيدة.
  • إذا لم تحصل على وظيفة جيدة ، فستكون فقيراً ومشرداً.
  • أنت لا تريد أن تكون فقيرًا ومشردًا ، أليس كذلك؟

على الرغم من أهمية أن تكون مجتهدًا، لكنه ليس من الضروري أن تصبح مشرداً لأنك كنت ضعيفاً أو فوّت مهمة واحدة

أمثلة:

1- إذا اقرضتك اليوم جنيهًا فسوف تقترض مني غدًا جنيهين ثم عشرة ولن يمضي وقت طويل حتى تستولي على كل ثروتي.

2- ينبغي أن يكون اختيار المقررات المدروسة بالجامعات متروكًا للأساتذة، لأننا إذا سمحنا لرغبات الطلبة بالتأثير في هذا الاختيار، فسوف يتصورون أنهم يديرون التعليم وبالتالي سيؤدي هذا لانهيار النظام وسرعان ما نجد أنفسنا أمام جامعات لا تعلم شيئًا

3- إذا أكلت الآيس كريم فسوف يزداد وزنك، وزيادة وزنك تعني أنك ستصاب بالسمنة وستظل تسمن حتى تموت بانسداد الشريان التاجي، إذن فالآيس كريم يسبب الوفاة فلا تأكله.

على الرغم من عدم وجود دليل على حدوث هذه السلسلة المشؤمة من الأحداث ولكن ما يجعل الجمهور يصدقها هو أنها تستخدم أسلوب الترهيب والتخويف من النتائج السيئة التي ستحدث نتيجة للحدث الأول.

المصادر:

  • كتاب المغالطات المنطقية، عادل مصطفى
  • Examples

ملخص كتاب: علم المنطق، لمحمد مهران

لا شك أن كتب التعريف بعلم المنطق كثيرة ومتنوعة، ولعل كتاب علم المنطق للدكتور محمد مهران من أبسطها وأكثرها اختصارًا، وارتأينا لهذا السبب أن نقدم لكم ملخصًا يوضح أهم ما جاء في هذا الكتاب، ليكون مدخلًا يعرف القارئ بعلم المنطق في دقائق قليلة.

ما هو علم المنطق؟

يرجع أصل كلمة المنطق إلى النطق، ولا يعني هذا أن المنطق يُعنى باللفظ نفسه، إنما يهتم بالمعنى الذي يكون في أذهاننا عند النطق، وكيفية عصم أذهاننا من التفكير-ومن ثم النطق- بشكل غير صحيح ومتسق. بغض النظر عن ماهية الموضوع أو العلم الذي نتناوله في حديثنا.

يعد أرسطو أول من تكلم بعلم المنطق، واستطاع التمييز بين العلوم نفسها والطريقة التي تمكننا من التفكيرفي هذه العلوم والوصول إليها بشكل صحيح. وبناء على هذا صنف المنطق علمًا قائمًا بذاته.
أما العرب فعاملوا المنطق معاملة العلم والأداة في آن واحد. فقد وصف ابن سينا المنطق بالآلة التي تحمي الفكر من الضلال، أما الفارابي فسماه رئيس العلوم.

ماذا نعني بالمنطق الصوري؟

عندما نرى مجموعة من الكراسي المختلفة في اللون ومادة الصنع والحجم لا يمنعنا ذلك من نطلق عليها جميعًا إسم (كرسي). فما الذي اشتركت فيه تلك الكراسي وجعلها جميعًا تستحق هذا الإسم؟ إنها الصورة. صورة الكرسي، أو العلاقة بين أجزائه. والتي تشترك فيها كراسي العالم جميعًا.

وكذلك الجملة، فإن الجمل جميعًا على اختلاف معانيها لها صور وعلاقات بين أجزائها، والمنطق يهتم على وجه الخصوص في الجمل التي تحتمل الصدق والكذب، وتسمى (القضايا).
فجملة: (الأسرة نواة المجتمع)، تعتبر قضية.
وأجزاؤها هي:
-الأسرة: ونسميها موضوع القضية.
-نواة المجتمع: ونسميها محمول القضية.
-ما يربط بينهما: كلمة هي.

وهكذا فإن لهذه لقضية صورة، تشترك فيها مع قضايا أخرى باختلاف المضمون مثل: (الشمس طالعة) و(القوم غاضبون)، وتسمى هذه الصورة بالحملية.

أما صورة الاستدلال، فيمكن توضيحها بمثال:
” إذا رأيت الإشارة الحمراء يجب أن أوقف السيارة. وبما أني أرى الإشارة الحمراء الآن، وجب علي إيقاف السيارة” .

نلاحظ هنا وجود قضية أولى تدل على شرط وقاعدة مرورية معروفة لدينا قد اختبرناها، ولنسمها: (ك)، وقضية ثانية تدل على واقعة أنك ترى الضوء الأحمر في الوقت الحاضر، ولنسمها: (ق)
فما الذي ينقصنا للتأكد من وجوب الوقوف الآن؟ إنه صدق رؤيتك للضوء الأحمر.
فالصورة هنا كالتالي:
إذا كانت (ق) ، كانت (ك).
و(ق) صادقة.
إذًا (ك) صادقة.

وقد تحمل هذه الصورة حجج أخرى تتعلق بأي موضوع آخر غير المرور والسيارات، لذا فالمنطق لا يهمه الموضوع.
كما أن الصور التي تربط بين القضايا كثيرة ولا تقتصر على ما ذكرناه، ومهمة المنطق دراسة الشروط التي ترتبط فيها تلك الصور.
وليس المنطق العلم الوحيد الذي يدرس الصور والأمور المشتركة بين الأشياء، بل إن العلوم كلها تحتوي صورية، ولكن بدرجة أقل، ويمكننا القول، كلما ابتعد العلم عن الماديات كلما زادات عموميته وكان صوريًا، فيكون المنطق على قمة هرم الصورية، يليه الرياضيات. وهكذا إلى آخره.

هل المنطق علمٌ أم فن؟

من جانب، يمكننا اعتبار المنطق علمًا لأنه يضع لنا القواعد لدراسة باقي العلوم، ومن جانب آخر، يمكننا اعتباره فنًا لأنه يشكل أداة وإرشادات في تعاملنا مع أمور الحياة.

وقد نعني بالفن: المهارة في فعل شيء ما، أو: معرفة طريقة فعل شيء ما.
فإذا أخذنا بالمعنى الثان، بإمكاننا اعتبار المنطق فنًا.

لكن أرسطو اعتبر أن على الفنان إحداث التغيير في شيء ما ليكون فنانًا.
وتتضح هذه القضية في مثال الفرق بين العالم والتطبيقي، فالأول يضع القواعد، والثاني يستخدمها في إحداث التغيير.
ولما كان المنطق يضع القواعد ولا يحدث بذاته التغيير، فعله يكون علمًا أكثر منه فنًا.

علاقة المنطق باللغة

إن اللغة ما هي إلا ألفاظ وجمل بينها روابط، ولما كانت الجمل الخبرية هي القابلة للتكذيب والتصديق، فإنها كانت محل اهتمام المنطق.
وإنا نستخدم اللغة في التعبير عما يدور في ذهننا من أفكار. وكما نحتاج قواعد تقينا الخطأ في تركيب اللغة، ونسميها علم النحو، نحتاج إلى قواعد تقينا الخطأ في تركيب الفكر الذي نعبر عنه باللغة، ونسميها علم المنطق.

أما من الناحية التاريخية، فقد ربط السوفسطائيون بين المنطق واللغة ليسهل عليهم استخدام الجدل في إقناع خصومهم بحججهم. ويعتبر البعض أن أرسطو أقام تصنيفاته المنطقية بناء على دراسته للغة اليونانية. وكان لهذا الأثر على موقف العرب من قيمة المنطق، فقد ذهب فريق اللغويين منهم إلى أن المنطق بني على قواعد اللغة اليونانية، فلا قيمة له في لغة أخرى، بينما ذهب فريق المنطقيين إلى أن المنطق يهتم في المقولات ولا شأن له في اللغة، معللين ذلك بمثال أن أربعة زائد أربعة ستساوي ثمانية في جميع اللغات.

كما ذهب المناطقة إلى أن المنطق علم قائم بذاته ولا يحتاج النحو لتحقيق أهدافه، وبدورهم أنكر اللغويون حاجة النحو إلى علم المنطق.
لكن فريقًا توفيقيًا كان له الدور في حل هذا الإشكال إلى حد كبير، وانتشارعلم المنطق من بعدها عند العرب.
إذ أصر هذا الفريق على أن المنطق يهتم بالعقل، بينما النحو مجاله اللغة. وأن لكل منهما دوره الذي لا غنى عنه. وما تزال الدراسات والكتب التي تربط بين المنطق واللغة منتشرة إلى يومنا هذا، وممن ذهبوا إلى التفسير المنطقي للغة الفيلسوف الإنجليزي بيرتراند راسل

علاقة المنطق بعلم النفس

ذهب البعض إلى أن المنطق جزء من علم النفس معللين ذلك أن علم النفس يشمل التفكير كله بينما يعنى علم المنطق بالتفكير السليم. لكن هذا الرأي لم يعد معقولًا نظرًا إلى أن علم المنطق لا يهتم بالموضوعات، إنما يعنى بصورها فقط.

ومما يربط علم النفس بالمنطق أننا وفي حياتنا اليومية عندما نفكر في شتى المسائل، ونصل الى استنتاجاتنا،يكون ذلك أحيانا بفعل عوامل نفسية لا منطقية، كالرغبات والعواطف. محاولين في بعض الأحيان إضفاء الطابع المنطقي إليها؛ لذا فمن المهم التمييز بين النتائج المتوصل إليها عبر عوامل نفسية وبين تلك الخاضعة للمنطق.
وذهب شيخ المناطقة المعاصرين بيرتراند راسل إلى أن عملية الاستدلال، وهي قلب العملية المنطقية، إنما هي عملية سيكولوجية في الأساس.

علاقة المنطق بالرياضيات

تأثر فلاسفة اليونان بالرياضيات أيما تأثر، وطالما وجد ارتباط وثيق بين منطق أرسطو والصورة الرياضية كما سنبين عند حديثنا عن تطور المنطق.

من أشهر الفلاسفة الذين أرجعوا الرياضيات إلى أصول منطقية الإنجليزي (برتراند راسل) والألماني (جوتلوب فريجه)، إذ رأى أصحاب هذا الاتجاه أن المنطق والرياضيات ليسا إلا شيئًا واحد في مراحل مختلفة، فكأنما المنطق هو الرياضيات في شبابه، والرياضيات هو المنطق في شيخوخته.
فنحن نبدأ من مقدمات منطقية ثم نصل بها إلى نتائج تنتمي إلى الرياضيات، دون حد فاصل واضح. كما أن المفاهيم الرياضية-العدد على سبيل المثال- ما هي إلا مفاهيم منطقية في الأصل. وكذلك القوانين الرياضية يمكن إرجاعها إلى بديهيات في علم المنطق.

أما أصحاب الاتجاه الآخر والمسمى بالاتجاه الحدسي، فيرون أن المنطق ما هو إلا تعميم كبير للرياضيات، وأنه بذلك جزء من الرياضيات لا أساسه.

مراحل تطور المنطق

يقسم الكاتب مراحل تطور المنطق إلى ثلاث مراحل:

-المنطق التقليدي.
-المنطق الحديث، او الاستقرائي.
-المنطق الرمزي أو الرياضي.

المنطق التقليدي

يعد الفيلسوف اليوناني أرسطو الذي يعرف بالمعلم الأول، أول من أقر بوضوح مبادئ المنطق التقليدي، لا يعني هذا أننا لا نستطيع أن نلمس بوادر المنطق عند سابقي أرسطو، كالسوفسطائيين وسقراط وأفلاطون، لكن الأمر أن أرسطو أول من نظر إلى الفكر كموضوع قائم بذاته، مستقل عن فروع المعرفة، بل طريقة للوصول إلى هذه المعارف.
وقد جمع تلامذة وشراح أرسطو دراساته عن المنطق وأطلقوا عليها اسم (الأورجانون) أي الآلة، أو (لوجيكا) أي المنطق.
مثلت هذه الأفكار قمة الفكر اليوناني، وظلت أفكار أرسطو وتلامذته ومن شرحوا منطقه وأضافوا عليه، مستبدة في الحضارة الغربية لقرون طويلة، وكانت الكنيسة قد تبنتها ووافقتها مع أفكارها واستخدمتها في الدفاع عن عقيدتها. وظلت المحاولات لتجاوز هذا المنطق تبوء بالفشل أو تلقى بالهجوم. حتى كانت أول محاولة ناجحة على يد الإنجليزي فرانسيس بيكون صاحب المنطق الاستقرائي، ومن بعده الفرنسي رينيه ديكارت صاحب المنهج الاستنباطي.

ولم يقف منطق أرسطو عند الحضارة الغربية، بل إن فلاسفة الحضارة العربية الإسلامية انكبوا على ترجمة ودراسة منطق أرسطو وشرحه وتلخيصه، ومنهم ابن سينا وابن رشد والفارابي. أما الفقهاء، فمنهم من تحمس لمنطق أرسطو واستخدمه في وضع الأقيسة الفقهية، وشجع دراسته واستخدامه في الدفاع عن العقيدة الإسلامية، أي استخدام السلاح ذاته الذي استخدمه ضدها خصومها.
ومنهم من وقف من الفلسفة عمومًا والمنطق خصوصًا موقفًا عدائيًا، ووجهوا إليه انتقادات شديدة، كابن تيمية والغزالي، ويُذكر الكاتب أن الموقف العدائي لأصحاب هذا الاتجاه قد لا يكون من المنطق نفسه، بل من الأبحاث المنطقية التي تكون أشبه في المجادلات السوفسطائية.
ولم تمنع هذه المواقف على أية حال المسلمين من الاستمرار في دراسة المنطق التقليدي وشرحه والإضافة عليه.

موضوعات المنطق التقليدي:

-الحدود: وهو لفظ يمكن أن يصبح طرفًا في قضية، فنخبر عنه، أو نخبر به. وقد يكون عدة ألفاظ، فإذا قلنا: والد أحمد مسنّ. أو: حسين هو والد أحمد.، فإن (والد أحمد) يعد طرفًا في القضية.

-القضايا: وهي استخدام الحدود في تأليف جملة مفيدة قابلة للتكذيب أو التصديق، كقولنا: السيارة أمام المنزل.

الاستدلال: استنتاج قضية من قضية أخرى أو أكثر من قضية، فإذا كان الاستدلال من قضية واحدة نسميه استدلالًا مباشرًاظ

أما الاستدلال على قضية(نتيجة) من قضيتين(مقدمتين)، فنسميه القياس، وهو جوهر المنطق التقليدي. ومثاله الأشهر:
كل إنسان فان
سقراط إنسان
إذًا، سقراط فان.

ويعتمد هذا النوع من المنطق على كون المقدمات صحيحة والتوصل من خلالها إلى نتائج صحيحة، وهذا ما أخذه عليه أصحاب المنطق الحديث، اذ رأوا أنه لا يضيف معلومات جديدة إنما يعتمد في نتائجه ليس إلا على المقدمات.

المنطق الاستقرائي، أو المنطق الحديث

بدأ المنهج الاستقرائي، وهو أساس المنهج العلمي التقليدي، في القرن السادس عشر. على يد الفيلسوف الإنجليزي فرانسيس بيكون ومن بعده الفيلسوف جون ستيورات ميل. ويعتمد هذا المنهج على ملاحظة جزيئات ظاهرة ما ومن ثم الوصول بهذه الملاحظات إلى تفسيرات عامة لهذه الظاهرة. أي أن الانتقال فيه يكون من الجزئي إلى الكلي. فيكون ترتيب الخطوات المتبعة في هذا المنهج:
-الملاحظة
-فرض الفروض
-التجربة
-صياغة القانون

إلا أن هذه الخطوات لا يمكن تطبيقها في جميع العلوم، فالعلوم التي يتعذر فيها إجراء التجارب يكتفى عندها بالملاحظة.
كما أن المنهج العلمي الاستقرائي التقليدي، لم يعد يلبي احتياجات العلم الحديث، مما تطلب إضافة بعض جوانب المنهج الاستنباطي، ليصبح المنهج العلمي المعاصر مزيجًا بين الاستقراء والاستنباط، فرغم أننا ما زلنا نستخدم الملاحظة والافتراض والتجارب، إلا أن الترتيب قد اختلف، فقد لا نبدأ بملاحظة الظواهر، وإنما نبدأ بالافتراض، ثم نحاول تحقيق افتراضنا بالملاحظة والتجربة، كما أن الافتراض في المنهج العلمي المعاصر قد لا يكون بناء على ما شاهدناه بأنفسنا، وإنما استنباط من قوانين علمية سابقة.

المنطق الرياضي أو الرمزي

ليس لمنطق الرياضي أو الرمزي، في حقيقة الأمر مناقضًا للمنطق الأرسطي التقليدي،إنما هو مكمل ومطور له.
إذ يعنى المنطق الرياضي بالصور والرموز، الشبيهة منها برموز الحساب والجبر، ذلك أنه يرى أن اللغة الطبيعية التي نستخدمها يعتريها الالتباس والغموض، فذهب إلى استخدام لغة الرموز باعتبارها أكثر دقة. فهو يعبر باستخدتم رموز مثل: (س، ص،..) للتعبير عن الحدود، لتصبح القضايا أكثر وضوحًا وعمومية. ومن وأهم خصائص المنطق الرياضي:

-أنه يستخدم الأسلوب الاستنباطي، فهو يذهب إلى استنباط القوانين من المبادئ المنطقية البديهية.

-اتسامه بالصورية الخالصة، فهو يستخدم الرموز ليركز على الصور دون الاهتمام بالموضوع أو المادة.

وكان الفيلسوف الألماني (لايبنتز) قد بشر في المنطق الرياضي في القرن السابع عشر، لكن واضعه الحقيقي هو مخترع الرياضيات البحتة (جورج بول) في القرن التاسع عشر.
أما الإنجاز الأكبر في المنطق الرياضي فهو كتاب العالمين (راسل) و(وايتهيد) المسمى:(principia mathmatica) أي المبادئ الرياضية. الذي يعتبر اليوم من معالم علم المنطق.

فوائد دراسة علم المنطق

يناقش الكاتب في هذا الفصل الفوائد التي تعود على دارس المنطق من دراسته. نلخصها في النقاط التالية:

-باعتبار المنطق علمًا، فإنه يعلمنا المبادئ التي يقوم عليها الاستدلال. وباعتباره فنًا، فإنه يساعدنا في حياتنا اليومية على البرهنة على الادعاءات التي نقدمها بصورة سليمة، بالإضافة إلى تمييز مدى اتساق وكفاية الأدلة التي نواجهها عند سماع أو قراءة أي رأي أو زعم أو معتقد.

-التفرقة بين النتائج المبنية على أسباب نفسية وعاطفية، والأخرى المبنية على حجج عقلية ومنطقية.

-الوعي بمدى غموض وتركيب اللغة، وبالتالي محاولة تجنب الأخطاء اللغوية بهدف تجنب الخطأ في التفكير.

-المعرفة بالمنطق تقود إلى معرفة المبادئ العملية مناهج البحث العلمي.

Exit mobile version