متلازمة كابجراس أو “المُنتحِل”: الوهم الذي يحوّل الأقرباء إلى غرباء

تخيّل أنك تعيش مع أشخاص يبدون تمامًا كأهلك لكنهم في الحقيقة كائنات فضائية أخذوا مكانهم. هي قصة تشبه أفلام الرعب، لكنها قد تتحول إلى حقيقة في حال إصابتك بمتلازمة كابجراس.

تعريف متلازمة كابرجاس

 متلازمة «كابجراس-Capgras» تُسمّى أيضًا ب«متلازمة المُنتحل-Imposter Syndrome». وهي متلازمة نادرة تجعل الشخص المُصاب بها يعتقد أن شخص أو أكثر من المحيطين به قد استُبدلوا بأشخاص مُنتحلين أو كائنات مُنتحلة (كائنات فضائية، وحوش، …). في أغلب الأحيان، يكون هذا الشخص “المُنتحَل” الزوج/الزوجة،أو فرد من العائلة، أو صديق مقرّب، أو فرد من الطاقم الطبي.

تمّ وصف وتشخيص هذا الوهم لأول مرة من قِبل الطبيب النفسي الفرنسي «جوزيف كابجراس-Joseph Capgras» عام 1923. وقد أطلق عليه اسم «L’illusion des sosies» بالفرنسية والتي تعني وهم المتشابهين.

تعتبر متلازمة وهم كابجراس واحدة من «متلازمات سوء التعرف الوهمي –Misidentification delusions». وهي مجموعة من الأوهام  تؤدي إلى خطأ في تعريف هوية الشخص نفسه، أو أشخاص آخرين، أو حيوانات، أو أشياء، أو أماكن.

من يُصاب بالمتلازمة؟

تُعد متلازمة كابجراس نادرة، وهي غالبًا ترتبط بمرض نفسي أو حالات عصبية وعقلية أخرى، سنذكر منها:

– «الفصام البارانويدي-Paranoid schizophrenia»: وهي حالة مرضية نفسية يفقد فيها المريض ارتباطه بالواقع، ويعاني من توهم الاضطهاد تغذيه هلوسات بصرية و/أو سمعية.
– اضطرابات المزاج.
– مرض الألزهايمر.
– «خرف أجسام ليوي-Lewy Body dementia»: هو خرف يؤدي إلى انخفاض في القدرات الذهنية والهلاوس البصرية وغيرها من العوارض.
– إصابات الرأس.
– تعاطي المخدرات.

وتجدر الإشارة إلى أن النساء أكثر عُرضةً للإصابة بالمتلازمة من الرجال.

أعراض متلازمة كابرجاس

تختلف العوارض بين مريض وآخر بحسب المرض الأساسي المُرافق لمتلازمة كابجراس. ولكن تتميّز المتلازمة إجمالًا بالتوهم بأن شخص أو أشخاص معينين تم استبدالهم بمُنتحلين لهم. ويكون عادةً الشخص المنتحَل تربطه علاقة عاطفية قريبة جدًا من المريض. يقتصر الوهم على شخص أو أشخاص معينين ولا يطال الأشخاص الآخرين المحيطين بالمريض. ومن أكثر الاعتقادات شيوعًا هي أن المنتحِل شخص شرير أو كائن فضائي أو رجل آلي.

يكون المريض مقتنعًا اقتناعًا تامًا بالوهم، ولا يمكن لأي أحد إقناعه بالحقيقة رغم تقديم الأدلّة المادية والمنطقية له. وهو يكون غير قادر على التخلّي عن اقتناعه بالوهم رغم اقتناعه أحيانًا بعبثيته.

يتحول أحيانًا المريض، في حال لم يتم علاجه، إلى شخص عنيف. وقد يشكل خطرًا على الشخص الذي يتعلّق به الوهم، إذ إن المريض قد يحاول أذيته أو حتى قتله لاقتناعه بأنه مخلوق شرير.

أسباب الإصابة بالمتلازمة

لم يتمكن العلماء من تحديد أسباب واضحة للإصابة بمتلازمة كابجراس، لكنها تجمع بين أسباب نفسية وأسباب عضوية عقلية.

فقد بينت بعض دراسات الحالات أن الأشخاص الأكثر عرضةً للإصابة هم الأشخاص الذين يملكون قلق الاضطهاد، خصوصًا بعد تعرضهم لصدمة نفسية كبيرة. كما بيّنت دراسات الحالات (خصوصًا إصابات الرأس) وتقنيات التصوير العصبي أن الاصابات في النصف الأيمن من الدماغ قد تكون مسؤولة عن عوارض المتلازمة.

ومن النظريات الأكثر شيوعًا لتفسير المتلازمة هو ضرر في التواصل بين المنطقة الدماغية المسؤولة عن التعرف على الوجوه، والمنطقة المسؤولة عن المشاعر (الصور العقلية)، بحيث يتعرف المريض على وجه الشخص لكنه لا يشعر تجاهه بالعاطفة بطريقة طبيعية ولا يعتبره مألوفًا فيعتبر أن هذا شخص آخر مُنتحل للشخص الأساسي. وقد عززت هذه النظرية بعض الحالات التي يتوهم المريض أن شخصًا ما هو منتحل عندما يراه، لكن يختفي هذا التوهم عندما يسمع صوته فقط (مثلًا عندما يكلّمه عبر الهاتف).

ولكن النظريات المفسرة للأسباب النفسية والعضوية ما زالت غير دقيقة وهي بحاجة لمزيد من الدراسات.

شاب يخبر عن تجربته مع متلازمة كابجراس بعد تعرضه لإصابة في رأسه جراء حادث سير.

علاج المتلازمة

 يختلف العلاج بحسب العوارض والمرض الأساسي الذي يرافق متلازمة كابجراس. لكنه عادةً يتضمن العلاج الدوائي من خلال مضادات الذهان ومضادات الاكتئاب ومضادات الخرف، والعلاج النفسي والسلوكي لتخفيف قلق المريض وخطر العنف الذي قد تسببه المتلازمة. وكون المتلازمة ترتبط بأمراض نفسية وعقلية أخرى، هي غالبًا ما تترافق مع انخفاض في القدرات الذهنية والذاكرة والصعوبة في التركيز، ممّا يتطلب مقاربة علاجية معرفية.

في الختام، يستمر الدماغ البشري في مفاجأتنا، في صحته كما في مرضه، بحيث تخلق إصابة أي جزء منه أكثر المتلازمات غرابةً وعبثية، كفيلة بقلب عالمه رأسًا على عقب. وقد تشكّل دراسة هذه المتلازمات مفتاحًا إضافيًا لفهم كيفية عمل الدماغ.

مصادر
Science direct
WebMD
JAMA network
DUMAS
NCBI

المزيد: متلازمة الاستذئاب السريري: وهم التحول إلى حيوان

متلازمة كوتارد أو الجثة المتحركة: توهم الموت

متلازمة كوتارد أو الجثة المتحركة: توهم الموت

“أنا عايش ومُش عايش”. تحوّل متلازمة كوتارد المُصابين بها إلى زومبي أو أحياء-أموات، فهم يعتقدون أنهم فقدوا حياتهم بالفعل، وبأن أجسادهم تحوّلت إلى جثث، وكل شيئ يفقد معناه ويُصبح عدمًا بالنسبة لهم. فما هي متلازمة كوتارد؟

تعريف:

متلازمة وهم كوتارد، التي تسمّى أيضًا بمتلازمة “الجثة المتحركة”، هي متلازمة نفسية نادرة  يتوهّم الشخص المُصاب بها أنه قد مات أو اختفى أو فقد أعضاءً من جسمه، وصولًا الى الاعتقاد بأنه غير موجود أصلًا.

سُمّيت المتلازمة نسبةً لطبيب الأعصاب الفرنسي «Jules Cotard-جول كوتارد» الذي قام بتوصيف هذه الحالة للمرة الأولى عام 1880، لمرأة تبلغ من العمر 42 عامًا، حيث كتب أنها “تؤكد أنها فقدت دماغها وأعصابها وصدرها وأحشاءها، وأنه لم يتبقَ منها سوى جلدها وعظامها من جسدها المتحلل… كما تقول أنها ليست بحاجة للطعام، وهي ستبقى الى الأبد إن لم تُدفن، وقد يكون حرقها بالنار هو الحل الأفضل لها.”  وهي امتنعت عن تناول الطعام حتى توفيت.

لم يتم تصنيف هذه المتلازمة كمرضٍ مستقل، بل هي حالة ترافق حالات مرضية عصبية – نفسية أخرى، وبشكل خاص الاكتئاب الحاد و«اضطراب ثنائي القطب-Bipolar disorder» (وهو تغير شديد في الحالة المزاجية للمريض بين نوبات اكتئاب يشعر فيها بالحزن وفقدان الرغبة والاهتمام بأي شيء، ونوبات هوس يصاب فيها بالنشاط الزائد وكثرة الكلام) وأمراض «الذهان-Psychosis» و«الفصام-Schizophrenia» (وهي حالات مرضية يفقد فيها المريض ارتباطه بالواقع ويعاني من الهلوسات البصرية والسمعية). في حالات أكثر ندرة، تنتج المتلازمة عن إصابة دماغية، أو أمراض الشقيقة (الصداع النصفي)، أو الخرف، أو باركنسون وغيرها من الأمراض العصبية.

تُصيب المتلازمة النساء بنسبة أكبر من الرجال، وتزيد احتمالية الإصابة مع التقدّم بالعمر. نادرًا ما تصيب الأطفال أو المراهقين، ولكن الإصابة بها تحت عمر الخامسة والعشرين ترتبط إجمالًا بمرض اضطراب ثنائي القطب.

العوارض:

كما يدل اسمها، يتوهّم الشخص المُصاب بمتلازمة “الجثة المتحركة”  بأن جسده مات أو لم يكن موجود أصلًا، وهذا ما يسمّى ب«الوهم العدمي-Nihilistic delusion». وقد يتخذ هذا الوهم أشكالًا مختلفة:

  • أفكار وهم المرض: توهم اختفاء أعضاء من الجسد، أو توهم عدم القدرة على الأكل أو التنفس.
  • أفكار العدم الخارجي: نفي وجود عالم خارجي، نفي وجود أشخاص معينين أو أغراض معينة.
  • أفكار وهم العظمة: الاعتقاد بالخلود.

إلى جانب هذا الوهم، يكون معظم الأشخاص مُصابين باكتئاب حاد.

تختلف العوارض بين شخص وآخر بحسب المرض الأساسي الذي ترافقه المتلازمة، ولكنها تشمل التخشُّب (Catatonia، وهي حالة من الجمود النفسي-الحركي بحيث يعجز المريض عن الحركة بشكل طبيعي)، وإحساس كبير باليأس أو الذنب، والقلق الحاد، والميول الانتحارية وأحيانًا هلوسات بصرية وسمعية، واضطرابات الادراك الحسي (عدم الاحساس بالألم، أو انخفاض الاحساس بالجوع والعطش). وكنتيجة لكل هذه العوارض، يرفض المريض تناول الطعام والشراب ويهمل نظافته الشخصية.

مراحل المرض:

يمر مريض متلازمة وهم كوارد بثلاثة مراحل:

  • المرحلة الأولى: «مرحلة الإنبات-Germination stage» وتغلب عليها عوارض الاكتئاب الحاد وتوهم المرض، في هذه المرحلة لا يمكن تشخيص المتلازمة.
  • المرحلة الثانية: «مرحلة التفتح-Blooming stage» حيث تظهرعوارض المتلازمة بشكل واضح.
  • المرحلة الثالثة: «المرحلة المزمنة-Chronic stage» وهو بقاء بعض العوارض إما على شكل اكتئاب مزمن أو وهم الاضطهاد.

الأسباب:

بسبب ندر متلازمة كوتارد وارتباطها بأكثر من مرض نفسي آخر، تشكل هذه المتلازمة صعوبة لعلماء النفس والأطباء النفسيين لدراستها. غير أن تقنيات التصوير العصبي سمحت للعلماء بمقارنة أدمغة الأشخاص المُصابين بها بالدماغ السليم، وقد بيّنت فروقات ملحوظة خصوصًا في الفصين «الصدغي-temporal» و«الجبهي-frontal».

كما يوجد أسس نفسية متعلّقة بالشخصية، بحيث بينت دراسات عدة أن الأشخاص الذين يلقون اللوم على أنفسهم عند حدوث أي حدث سيئ (الاحساس بالذنب) معرّضون أكثر من غيرهم للإصابة بمتلازمة كوتارد. ولكن ما تزال المعلومات متضاربة وغير ثابتة فيما يخص الأسباب الفيزيولوجية والنفسية للمتلازمة، وهي بحاجة لمزيد من الدراسة.

العلاج:

تختلف طريقة العلاج من مريض لآخر بحسب الحالة المرضية الأساسية المسبّبة للمتلازمة، وهو إجمالًا يشمل واحدًا أو أكثر من العلاجات التالية:

  • العلاج الدوائي: من خلال مضادات الاكتئاب ومضادات الذهان.
  • العلاج بالصدمة الكهربائية (ECT): أثبتت عدة دراسات فعاليته في علاج المتلازمة في حال فشل العلاج الدوائي.
  • العلاج النفسي: لحماية المريض من خطر الانتحار، وتحسين حالته النفسية ومساعدته على القيام بنشاطات الحياة اليومية وخصوصّا الأكل والنظافة الشخصية.

تكون هذه العلاجات غالبًا كافية لتتغلب على عوارض المتلازمة.

ختامًا، تشكل هذه المتلازمة معضلة علمية وطبية وهي بحاجة للكثير من التعمق في دراستها لمعرفة أسبابها والطريقة الأفضل لعلاجها، ولكنها أيضًا تتداخل مع الفلفسة العدمية، فالأفكار التي نشرها الكتاب العدميون أمثال جاكوبي ونيتشه وغيرهم، تتشابه مع أوهام النفي والأوهام العدمية التي بعبّر عنها الأشخاص المُصابون بمتلازمة كوتارد، فهل عانى هؤلاء من حالات نفسية مرضية؟

مصادر:

Psychiatry online

NCBI

Scielo

Research gate

Science direct

المزيد:

متلازمة الاستذئاب السريري: وهم التحول إلى حيوان

متلازمة الاستذئاب السريري: وهم التحول إلى حيوان

متلازمة الاستذئاب السريري: وهم التحول إلى حيوان هل سبق لك أن قرأت رواية كافكا الشهيرة «المسخ-The Metamorphosis» ؟ في هذه الرواية يستيقظ رجل يُدعى “غريغور” ليجد نفسه قد تحوّل لحشرة صرصار عملاقة. إن ما اختبره بطل رواية كافكا يختبره أيضًا من يُصاب بمتلازمة «الإستذئاب السريري-Clinical lycanthropy» .

فما هي هذه المتلازمة؟

متلازمة الإستذئاب السريري هي متلازمة نفسية نادرة يعتقد الشخص المُصاب بها أنه قد تحوّل أوهو في خضم التحول إلى كائن غير بشري. وقد أخذت هذه المتلازمة اسمها من الأساطير القديمة القائلة بتحول البشر إلى ذئاب. هذه المتلازمة هي نوع من عوارض الوهم أو الهذيان ولكنها ليست مرتبطة بمرض نفسي دون غيره. وهي غالبًا ما ترافق مرضًا نفسيًا آخرًا مثل «اضطرابات المزاج-Mood disorders» و«الفصام-Schizophrenia». في حالات أكثر ندرة، تظهر هذه المتلازمة في حالات تعاطي مواد مخدّرة أو الكحول، واضطرابات الشخصية وأمراض الخرف والصرع.

أعراض المتلازمة:

لا يقتصر الاستذئاب السريري على الاعتقاد بالتحوّل إلى مخلوق غير بشري، بل أيضًا يعتقد المريض بأن جسمه ينمّي شعرًا أو وبرًا أو أجنحةً أو مخالبًا وغيرها من السمات الجسدية الحيوانية، تمامًا كشخصية “نينا” (تجسّدها الممثلة «ناتالي بورتمان-Natalie Portman») في فيلم “Black swan” التي تتوهّم أن جسمها يتغطى بالريش وينمو لها جناحان في إطار تحوّلها لأوزّة. بالإضافة إلى أن عدد من المرضى يقومون بإصدار أصوات حيوانية دون القدرة على السيطرة عليها.

إعلان فيلم “Black swan”

الاستذئاب السريري تاريخياً وجغرافياً

يُعتبر الاستذئاب السريري متلازمة مرضية قديمة جدًا وقد كتب عنها للمرة الأولى الطبيب الاغريقي «مارسيلّوس-Marcellus» في القرن الثاني بعد الميلاد. وقد ساد لوقت طويل الاعتقاد بأن عوارضها ناتجة عن سحر أو شعوذة أو مس شيطاني. في القرنين السادس عشر والسابع عشر، بدأ النقاش حول كون هذه العوارض ناتجة عن مرض أو سحر أو مواد سامة. ومع بداية عصر التنوير الأوروبي الذي عُرف أيضًا بعصر المنطق، بدأ البحث عن أجوبة علمية ومنطقية لهذه الأمراض بعيدًا عن السحر.

ترتبط متلازمة الاستذئاب السريري بالمحيط الجغرافي والثقافي والديني للمريض بشكل كبير، إذ يمثل غالبًا الحيوان الذي يشكل موضوع التحوّل صورة الشر بالنسبة له (مثلًا الثعبان في قصة آدم وحوّا)، أو صورة الحيوان الأخطر في المنطقة التي ينتمي إليها (مثلًا ذئب أو دب في دول أوروبا، النمر في الهند). ومن أكثر الحيوانات التي تشكّل مواضيع التحول عند الأشخاص المُصابين بالمتلازمة هي: ذئب، دب، كلب، أرنب، حصان، فأر، عصفور، ضفدع، نحلة، ثعبان،… في أفريقيا وأميركا الجنوبية تم تسجيل أيضًا حالات توهم التحول لنمر،أو ضبع أو تمساح وغيرها من الحيوانات الحقيقية أو الخيالية. تنتشر المتلازمة بصورة أكبر عند الأشخاص الذين ينتمون الى بيئة قروية أو محافظة دينيًا، أوعند الأشخاص الذين يؤمنون بالمس الشيطاني أو التقمص أو تناسخ الأرواح أو السحر أو الطوطمية (تقديس نوع معيّن من الحيوان أو النبات أو الظاهر الطبيعية). وهي تُفسّر في علم النفس على أنها قد تكون ناتجة عن شعور بالذنب، فيكون التحول بمثابة عقاب إلهي بالنسبة للمريض.

لحسن الحظ، غالبًا ما تكون عوارض هذه المتلازمة الغريبة مؤقتة وقابلة للعلاج من خلال أدوية معينة كمضادات الذهان ومثبتات المزاج، وتخف أعراض المتلازمة تدريجيًا مع علاج المرض النفسي الأساسي.

مصادر(متلازمة الاستذئاب السريري: وهم التحول إلى حيوان):

Wiley

Live science

neuro psychiatry online

Britannica

Research gate

المزيد:

ما علاقة القدرات العقلية والمعرفية بالأمراض النفسية؟

ما علاقة القدرات العقلية والمعرفية بالأمراض النفسية؟

ما علاقة القدرات العقلية والمعرفية بالأمراض النفسية؟
هل تعلم أن انخفاض التركيز أو الانتباه أو الذاكرة وغيرها من الوظائف العقلية يُمكن أن يكون عارضًا من عوارض الأمراض النفسية؟
عند الحديث عن الأمراض النفسية غالبًا ما يتم التركيز على العوارض الشعورية كالاكتئاب، والقلق، والهلوسة وغيرها. لكن للأمراض النفسية جانب آخر كالاضطرابات المعرفية. فما هي هذه الاضطرابات؟ وهل تختلف من مرضٍ لآخر؟ وكيف تؤثر هذه الاضطرابات على حياة الأشخاص المصابين بأمراض نفسية؟

ما هو الاضطراب المعرفي؟

يُعرَّف الاضطراب المعرفي بخلل في واحدة أو أكثر من الوظائف المعرفية التي تتضمن كلًا من «الانتباه-Attention» و«الذاكرة-Memory» و«اللغة-Language» و«التوجه-Orientation» و«إصدار الأحكام-Judgement» و«العلاقات الاجتماعية-Social abilities» و«الوظائف التنفيذية-Executive functions» و«حل المشكلات-Problem Solving». وهي قد تكون ناتجة عن أمراض نفسية / عقلية خلقية أو مُكتسبة، أو خلل عصبي، أو صدمة رأس، أو التقدّم بالعمر وغيرها من الأسباب.

الاضطرابات المعرفية في مرض «الفُصام-Schizophrenia»:

يعاني مريض الفصام من أعراض تتسبب في انفصاله عن الواقع المحيط به؛ فيسمع أصوات غير موجودة ويرى العديد من الهلاوس إلى جانب المعاناة من الأفكار المغلوطة. كان الخلل المعرفي في مرض الفُصام معروفاً منذ زمن؛ فقد أثبت العلماء على مدى السنين خللًا في وظيفة الانتباه مترافقًا مع مرض الفُصام حتى أنه كان يسمّى مرض الخرف المبكر بحسب «كريبلن-Kraepelin» (عام 1893).
وقد توالت الدراسات في القرن العشرين لتثبت أن مرض الفُصام يترافق مع ضعف الانتباه والتركيز والذاكرة والقدرة على التخطيط. في عام 1997، أثبت « بالمر-Palmer» من خلال دراسة أجراها على 171 مريض فصام و63 شخص من العيّنة السليمة أن فقط 28% من مرضى الفصام حصلوا على معدلات “طبيعية” في اختبار القدرات المعرفية. وفي دراسات حديثة (2016) أُجريت في كلٍّ من المملكة المتحدة، والولايات المتحدة والسويد، تبيّن أن الأطفال الذين سيُصابون بالفصام لاحقًا يُبدون ضعفًا على المستويين المعرفي والسلوكي نسبةً للأطفال الآخرين، أي أن الخلل الإدراكي يسبق مرض الفُصام وقد يكون مؤشرًا له!

الخلل المعرفي في «اضطراب ثنائي القطب-Bipolar disorder»:

اضطراب ثنائي القطب عبارة عن تغير شديد في الحالة الشعورية أو مزاج المريض حيث يمر بنوبات اكتئاب شديدة يعاني فيها من الحزن وفقدان الاهتمام في فعل أي شيء، ونوبات أخرى تتميز بالنشاط الزائد والثقة القوية في النفس وكثرة الكلام تُسمى «الهوس-Mania». الخلل المعرفي الموجود في الفصام يتواجد كذلك في اضطراب ثنائي القطب، تبين الدراسات أن هذا المرض يترافق مع صعوبات معرفية، وهي تختلف من مريض لآخر، فهي تزيد مع زيادة عدد نوبات «الهوس-Mania» ومع تزايد فترات العلاج في المستشفى. ولوحظ أن «الذاكرة التقريرية اللفظية-Verbal Declarative Memory» المسؤولة عن تذكّر الأحداث هي من أكثر الوظائف المتأثرة بهذا المرض.
في مرض الاكتئاب، تتأثر قدرات الانتباه، والتركيز، والذاكرة السمعية والبصرية، وسرعة التحليل. وقد يكون هذا الضعف مُرتبط بانخفاض «التحفيز-Motivation» أي أن المريض المُصاب بالاكتئاب يكون فاقدًا القدرة على الاهتمام بما يدور حوله وبالتالي على التفاعل معه.

كيف يؤثر هذا الخلل على الأشخاص المُصابين بأمراض نفسية؟

باختصار، أصبحت عوارض الخلل المعرفي جزءًا لا يتجزأ من عوارض الأمراض النفسية. وهي تؤثر بشكل كبير على نوعية الحياة الخاصة بالمرضى، خصوصًا أنها مُهملة ولا تُعالج بالقدر الكافي. فهي تؤثر على الحياة الدراسية والعملية، والعلاقات الاجتماعية وأحيانًا حتى على الحياة العائلية.
لطالما عملت الأدوية على معالجة العوارض النفسية الشعورية والفكرية، لكنّها أهملت الاضطراب المعرفي وحتى أنها كانت أحيانا تزيدها سوءًا.
ولكن هذا لم يمنع بعض الأشخاص المُصابين بأمراض نفسية أن يبدعوا في مجالات فكرية متعدّدة. نذكر منهم عالم الرياضيات الشهير «جون ناش-John Nash» المصاب بالفصام والذي نال جائزة نوبل عام 1994. وقد جُسّدت حياته في فيلم “A Beautiful Mind”. كذلك الكاتبة و الدكتورة المتخصصة في علم النفس «كاي ريدفيلد جاميسون-Key Redfield Jamison» التي نجحت نجاحًا باهرًا في مجالها ونالت جوائز متعددة حتى أنها في كتابها «عقل غير هادئ-An Unquiet Mind» تعتبر مرضها مساهمًا في نجاحها وتميزها رغم كل الصعوبات التي مرّت بها.

حاليًا، يتم العمل على علاجات دوائية تساعد على المحافظة أو استعادة القدرات المعرفية، ولكنها ما زالت قيد الدراسة. في المقابل، يتم الحديث عن أهمية العلاجات البديلة والتي تعني المقاربات النفسية، والوظيفية، والمعرفية – السلوكية وغيرها. ممّا يؤكد على أهمية وجود فريق عمل صحي – نفسي – اجتماعي كامل حول الأشخاص المُصابين بأمراض نفسية، لتحسين نوعية حياتهم.

ختامًا، إن المعطيات العلمية تثبت وجود عوارض معرفية مرتبطة بالأمراض النفسية، لكنها لا تزال غير كافية لتبيان أسبابها وطريقة علاجها. لذلك، من المهم اليوم إعطاء هذه الاضطرابات حقها في العلاج من خلال التدريب المستمر للوظائف المعرفية والعقلية لدى هؤلاء المرضى. إضافةً إلى احترام القدرات المعرفية لكل شخص وبالتالي الأخذ بعين الاعتبار أي خلل معرفي لدى الأشخاص المصابين بأمراض نفسية وتقديم الدعم اللازم لهم في محيطهم الأكاديمي والعملي والاجتماعي.

المصادر(ما علاقة القدرات العقلية والمعرفية بالأمراض النفسية؟):

Nature

Nepal Journals online

Cambridge university press

Wiley

Britannica

Exit mobile version