فلسفة الرياضيات | ما هو فندق هيلبرت وعلاقته باللانهائية؟

فلسفة الرياضيات | ما هو فندق هيلبرت وعلاقته باللانهائية؟

قال «جاليليو جاليلي_Galileo Galilei» في عام 1638م بكتابه «علمان جديدان»: “كل مربع له جذره الخاص وكل جذر له مربعه الخاص، بينما لا يوجد مربع له أكثر من جذر واحد ولا يوجد جذر له أكثر من مربع واحد”.

الأعداد المربعة: 2^1-2^2-2^3-2^4… وجذورها الموجبة: 1-2-3-4… لكن ما هو الأكثر: الجذور أم المربعات؟

يمكننا الإجابة بأن كل مربع هو جذر بعض الأعداد الصحيحة الموجبة. لكن ليس العكس (الرقم 2، هو جذر 4، لأن 4=2^2. لكن 2 ليس مربع عدد صحيح موجب).

تترك لنا ملاحظة جاليليو مفارقة -المفارقة: رأي أو بيان مخالف للرأي العام ولكنه ربما يكون صحيح-. يبدو أن لدينا أسبابًا للاعتقاد بأن الجذور أكثر من المربعات، ولكن أيضًا هناك أسباب للاعتقاد بأن هناك العديد من الجذور مثل المربعات.

إن مفارقة جاليليو هي أكثر المفارقات إثارة للاهتمام، ولكن بعد قرنين من كتاب «علمان جديدان». نشر عالم الرياضيات الألماني «جورج كانتور_Georg Cantor» مقالًا يصف منهجية صارمة لمقارنة أحجام المجموعات اللانهائية وتنتج استنتاجًا لافتًا يشير إلى وجود أحجام مختلفة من اللانهاية.

لكن ماذا فعل كانتور بالتحديد وهل هو الوحيد؟ وما علاقة ذلك بالفسلفة… هذا ما سنعرفه في سلسلة «فلسفة الرياضيات». سنناقش فيها مواضيع عدة حول الرابط الجامع لكل من الفلسفة والرياضيات بشكل سلس. في بداية الأمر علينا أولًا أن نعرف القليل عن تلك العلاقة، ومن ثم ما هو فندق هيلبرت وعلاقته باللانهائية؟ فهيا بنا.

علاقة وطيدة منذ القدم

حينما كان «رينيه ديكارت_René Descartes» بعمر 31 عامًا في عام 1627م. بدأ في كتابة بيان حول الأساليب الصحيحة للتفلسف. كان عنوانه «Regulae ad Directionem Ingenii_قواعد توجيه العقل». قدم فيه ديكارت 36 قاعدة مقسمة بالتساوي إلى ثلاثة أجزاء. وكانت القواعد مهتمة بالجانب الفلسفي من المفترض! لكن سرعان ما تتخذ منعطفًا رياضيًا، فتتدخل الحسابات.

تشبه قراءة القواعد الخاصة بديكارت الجلوس لقراءة مقدمة عن الفلسفة، ومن ثم تجد نفسك بعد ساعة في وسط كتاب مدرسي لمادة الجبر!

لكن في عصر الإغريق القدماء كان مفهوم الرياضيات مقتصر على أنه علم للأحجام -أي يشمل دراسة الأشياء التي يمكن عدها وهي ما نسميها بالمقادير المنفصلة، وكذلك دراسة المقادير المستمرة وهي الأشياء التي يمكن تمثيلها على أنها أطوال-.

لكن يمكننا العثور على إشارات حول العلاقة بين الفلسفة والرياضيات في العصور القديمة. يوجد مقولة لفيثاغورث ألا وهي أن “كل شيء هو رقم”. اكتشاف فيثاغورث بأن الجذر التربيعي لـ”2″ غير عقلاني بَشّر بميل الفلسفة الغربية من خلال الكشف عن حد أساسي في نهج وقياس تجاربنا وفتح الباب أمام مفهوم أكثر ثراءً للقياس والعدد. كذلك كان أفلاطون يُقدر بشكل كبير في الرياضيات، وكذلك أكد سقراط على أن الرياضيات لها تأثير عظيم وهائل فهي تجذب العقل نحو الحقيقة وتخلق روح الفلسفة.

العالم غاليليو وضح الارتباط بين الفلسفة والرياضيات. إذ أنه لفهم الفلسفة لابد من فهم لغة الرياضيات التي بدونها يصعب على المرء فهم كلمة واحد، ينتهي به المطاف بدون فهمها في متاهة مظلمة. الرياضيات لا تمثل علم فحسب، بل أيضًا الأخلاق والميتافيزيقا ومعرفة الله والروح. كانت المناهج الدراسية التي اعتمدها كل من ديكارت وجاليليو ونيوتن ولايبنيز تقدمًا فلسفيًا كبيرًا.

علماء المنطق يوفون بالوعد!

بلغت فلسفة الرياضيات مبلغ النجوم في منتصف القرن العشرين. إذ دُعمت بنجاحات العقود السابقة في المنطق الرياضي. بدأ علماء المنطق في الوفاء بوعد لايبنيز بحساب الفكر، وتطوير أنظمة من البديهيات والقواعد التي هي معبرة بما يكفي لتفسير الغالبية العظمى من الجدل الرياضي. كذلك أثبت العالم النمساوي «كورت جودل_Kurt Gödel» نتائج مهمة تُعرف باسم “نظرية عدم الاكتمال” والتي تضع الحدود لقدرة الطريقة البديهية على تسوية جميع الحقائق الرياضية أي هناك بديهيات لا يمكن إثباتها.

لأن العلوم كسلسلة يُكمل كل منهم الأخر، فقد جلب المنطق تقدمًا فلسفيًا مثل طبيعة الحقيقة. في ثلاثينيات القرن الماضي، قدم عالم المنطق البولندي «ألفريد تارسكي_Alfred Tarski» تحليلًا رياضيًا للحقيقة، وقدم مرة أخرى حسابًا إيجابيًا مع تحديد الحدود المتأصلة في نطاق قابلية تطبيقه في نفس الوقت.

جلبت الثلاثينيات أيضًا تحليلًا رياضيًا واضحًا لمفهوم الحوسبة. قدم هذا تحليلًا مقنعًا لطبيعة أنواع الأساليب الحسابية التي سعى إليها أمثال ديكارت ولايبنيز. منذ منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، هيمن على العلوم المعرفية الذكاء الاصطناعي (AI) وهو نهج يعتمد على التمثيلات الرمزية والخوارزميات المنطقية.

لكن في الثمانينيات أظهر الباحثون أنه يمكن تدريب الشبكات العصبية على التعرف على الأنماط وتصنيف الصور دون خوارزمية واضحة أو ترميز الميزات التي من شأنها تفسير أو تبرير القرار. أدى هذا إلى ظهور مجال التعلم الآلي.

فندق هيلبرت وعلاقته باللانهائية

ما رأيك عزيزي القارئ في رحلة لمناقشة بعض الأدوات المهمة للتفكير في اللانهائية والتي سنستخدمها لتوضيح أن بعض اللانهايات أكبر من غيرها! ولنبدأ الرحلة مع فندق هيلبرت وهو فندق خيالي سُمي على اسم عالم الرياضيات الألماني «ديفيد هيلبرت_David Hilbert».

الآن أطلق لخيالك العنان وهيا بنا… هذا هو فندق هيلبرت وهو على عكس أي فندق أخر، فهو يحتوي على عدد لا نهائي من الغرف. حيث يحتوي على غرفة “0”، وغرقة “1”، وغرفة “2”… وهكذا.

لنفترض أن تلك الغرف ممتلئة تمامًا، إذ كل غرفة بها شخص واحد. لتبسيط الأمر، دعونا نرقم كذلك الأشخاص في خيالنا. الآن لدينا شخص في كل غرفة والفندق ممتلىء ولا توجد طريقة لإحضار شخص إضافي إلى فندقنا.

ميزة الفنادق اللانهائية

لكن الميزة الغريبة للفنادق اللانهائية، أنها يمكنها استيعاب أشخاص إضافيين. لكن كيف ذلك؟ بكل بساطة، أن يطلب مدير الفندق من الجميع أن ينقل غرفة واحدة على اليمين. ذلك يعني أن الشخص”0″ ينتقل للغرفة “1”، والشخص”1″ إلى غرفة “2” وهكذا…هنا لدينا نتيجتين وهما:

  • أولًا، أن الغرفة صفر فارغة لأن ساكنها خرج.
  • ثانيًا، حصل الجميع على غرفة. لأنه بالنسبة للشخص n كانت الغرفة n+1 متاحة لأنها كانت خالية بواسطة شخص n+1 الذي انتقل للغرفة n+2.

الآن لاحظ معي ما يلي، لنفترض أنه بدلاً من محاولة شخص واحد الانضمام إلى الفندق الممتلئ بالفعل، حاول هذه المرة خمسة مليارات شخص الانضمام إليه، سيكون من السهل استيعابهم. إذ كل ما نحتاج إلى فعله هو أن نطلب من كل شخص نقل خمسة مليارات غرفة إلى اليمين. يؤدي ذلك إلى إخلاء خمسة مليارات غرفة حتى نتمكن من استيعاب ضيوفنا الجدد.

هنا يتضح أن من الممكن استيعاب عدد لا نهائي من الضيوف الجدد، وكل ما علينا إخبار كل ضيف أصلي بالانتقال إلى ضعف رقم غرفته الحالية، وسيؤدي ذلك إلى ترك فجوات في كل رقم فردي حيث يمكننا من استيعاب العدد اللامتناهي من الضيوف الجدد.

يحصل كل شخص على رقم فردي!

في النهاية، نعني أنه في ظل التوزيع، أن كل شخص ينظر إلى رقم الغرفة، وإذا كان رقم الغرفة هو “n”، فسيذهب إلى الغرفة”2n”. إذ يبقي “0” لأن “2” ضرب “0” يساوي “0”. لذا فإن الشخص “0” موجود هناك. الشخص “1” يتحرك لأن “1” ضرب “2” هو “2”. لذلك الشخص” 1″ ينتقل إلى الغرفة “2”. الشخص”2″ سينتقل إلى “4” لأن “2+2” يساوي “4”. الشخص “3” سينتقل إلى “6”، والشخص”5″ إلى “10” وهكذا…

بشكل عام، سينتهي الأمر بكل شخص بالحصول على رقم فردي من الأشخاص الجدد. يمكننا فقط أن نقول لضيوفنا الجدد، إذا كنت ضيفًا جديدًا ورقمك هو “n”، فيرجي أن تنتقل إلى الغرفة “2n+1”.


التناقض في فندق هيلبرت!

دعنا الآن عزيزي القارئ ، نفترض أن” ضيوفنا القدامى” هم الضيوف الذين كانوا يقيمون في الفندق قبل أي وصول فرد جديد، وأن “الضيوف الجدد” هم الضيوف القدامى. إذ من ناحية، نريد أن نقول أن هناك ضيوفً جدد أكثر من الضيوف القدامى. من ناحية أخرى، نريد أن نقول إن عدد الضيوف الجدد يساوي عدد الضيوف القدامى.

ستلاحظ أن هذه المشكلة هي نفس المشكلة الخاصة بالمربعات والجذور، إذ أن هناك جذورًا أكثر من المربعات ومن ناحية أخرى هناك عددًا من الجذور يساوي عدد المربعات. كما قال جاليليو: “كل مربع له جذره وكل جذر له مربعه الخاص، بينما لا يوجد مربع له أكثر من جذر واحد ولا يوجد جذر له أكثر من مربع واحد”.


منطقيان ولكن غير متوافقين

يتضح أن هناك مبدأن يبدو كل منهما منطقيًا إلى حد كبير، لكن يتضح أنهما غير متوافقين مع بعضهما البعض في وجود مجموعات لانهائية.

المبدأ الأول: المجموعات الفرعية

افترض أن كل شيء في “A” موجود أيضًا في “B”، لكن ليس العكس. إذن،”A,B” ليسا من نفس الحجم ويحتوى”B” على عناصر أكثر من “A”.

مثال: افترض أن “A” هي مجموعة حيوانات الكنغر و”B” هي مجموعة الثدييات. نظرًا هنا أن كل كنغر من الثدييات ولكن ليس العكس، فإذن مبدأ المجموعات الفرعية يخبرنا أن مجموعة الكنغر ومجموعة الثدييات ليست من نفس الحجم. فهناك ثدييات أكثر من الكنغر.

المبدأ الثاني: التحيز

المجموعة “A” لها نفس حجم المجموعة “B”، إذا كان هناك تحيز بين”A وB”. لكن ما هو التحيز؟ افترض أن لديك خنافس وبعض الصناديق، وأنك قمت بوضع كل خنفساء في صندوق مختلف ولم تترك أي صندوق فارغ (أي يتم تعيين كل عنصر “A” لعنصر مختلف من “B” ولا يتم ترك أي عنصر من “B” بدون تعيين من “A”).

كلا المبدأين صحيح عزيزي القارئ ولكن المبادئ لا يمكن أن تكون صحيحة عندما يتعلق الأمر بالمجموعات اللانهائية، كما وضحنا أن مبدأ التحيز يستلزم أن يكون لمجموعة الضيوف القدامى والجدد نفس الحجم، لكن مبدأ المجموعات الفرعية يستلزم أنهم ليسوا كذلك.

إن الطريقة المُثلى لتطوير نظرية لانهائية هي التخلي عن مبدأ المجموعات الفرعية والحفاظ على مبدأ التحيز. إذ اكتشف عالم الرياضيات الألماني جورج كانتور عام 1873م، أن هناك مجموعات لا نهائية لا يمكن أن تخضع لمبدأ التحيز. قد وصف ديفيد هيلبرت عمل كانتور على اللانهائي بأنه “أفضل منتج للعبقرية الرياضية وأحد الإنجازات العليا للنشاط البشري الفكري”.


المصادر

  1. edx
  2. britannica
  3. aeon.

من الحمام الزاجل إلى الهاتف المحمول | من وضع أسس المعلومات الحديثة؟

من وضع أسس المعلومات الحديثة؟

اتصالات وحوسبة وتشفير وذكاء اصطناعيّ وتعلم آلي… في عصرنا عصر المعلومات الفضل يعود لعالم عبقري وحيد. إذ قدم إسهامات هامة وفريدة، اسمه قد يكون غريب على مسمعك فهو ليس «ألبرت أينشتاين_Albert Einstein» أو «ريتشارد فاينمان_Richard Feynman» ولم يفز بجائزة نوبل! إنه العالم «كلود شانون_Claude Shannon». ففي ورقة بحثية واحدة، وضع أساسيات الاتصالات التي كانت العمود الفقري لعصر المعلومات الحديث. هل تشعر الآن بفضول للتعرف عليه أكثر وعلى ما قدمه؟ في السطور القادمة سنسرد لك قصته، فهيا بنا…

حياة كلود شانون

ولد كلود شانون في جيلورد بولاية ميشيغان بالولايات المتحدة في عام 1916م. توفي في 24 فبراير 2001، كان والده رجل أعمال محلي ومعلم. تخرج شانون من جامعة ميشيغان بدرجة البكالوريوس في الرياضيات والهندسة الكهربائية في عام 1936م. حصل على منصب باحث مساعد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT). عمل مع الباحث الشهير «فانيفار بوش_Vannevar Bush». قد ألهمت فترة التدريب الصيفي التي قضاها شانون في «مختبرات بيل_Bell Labs» الأمريكية للهاتف والتلغراف في مدينة نيويورك عام 1937م مهاراته البحثية. حصل شانون على درجتي الماجستير في الهندسة الكهربائية والدكتوراه في الرياضيات في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في عام 1940م. إذ ساهم لأول مرة في العمل على أنظمة التحكم في الصواريخ المضادة للطائرات في عام 1941م، وأصبح شانون أستاذًا زائرًا في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في عام 1956م، وعضوًا دائمًا في هيئة التدريس في عام 1958م.

كلود شانون

الجدير بالذكر أن رسالة الماجستر الخاصة به في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا كانت في الجبر البوليني -هو منسوب للعالم «جورج بول_George Boole»، إذ يتعامل مع القيم المنطقية ويتضمن متغيرات ثنائية، ونستخدمه كمثال في تحليل البوابات والدوائر الرقمية- لتحليل وتركيب دوائر التبديل، حيث حول تصميم الدوائر من فن إلى علم.

من الدخان إلى الحمام الزاجل!

من التواصل بالدخان والنيران، حيث استخدمت القبائل الأصلية في أمريكا الشمالية النيران منذ مئات السنين أو حتى قبل ذلك؛ لنقل الرسائل فمثلًا كانوا يقيمون سُحب صغيرة بالدخان بأشكال مختلفة يمكن أن يكون لكل من رقم السحابة وشكلها والفاصل الزمني بينها معنى محدد. لم يكونوا هم الوحيدين، إذ استخدم الصينيون إشارات الدخان في العصور القديمة لإعطاء تحذيرات بشأن اقتراب العدو وكذلك اليونانيون.

ثم يأتي الحمام ونرى صورته على نقوش في سومر القديمة منذ ما يقرب من 5000 عام. كذلك الخلفاء المسلمون، إذ قاموا بإنشاء خدمة بريد الحمام الزاجل في جميع أنحاء الشرق الأوسط. ولم يتقاعد الحمام الزاجل حتى القرن الماضي. لعب أدوار مهمة في الحربين العالميتين. ومن الدخان إلى الحمام الزاجل ننتقل إلى الهاتف والتلفزيون! سعى البشر لإيجاد طرق تتيح لنا التواصل بشكل أسهل وأسرع، وهنا أتى دور عالمنا شانون الذي كان له دور هام.

رسالة بحثية لفانيفار بوش تغير مسار التاريخ

قام شانون بإرسال رسالة لمعلمه فانيفار بوش في عام 1939م. وضح فيها بعض أفكاره الأولية حول “الخصائص الرئيسة للأنظمة العامة لنقل الذكاء”. بعد عقد من الزمن، نشر شانون نظريته المصيرية. نشر “نظرية رياضة للتواصل” في عام 1948م، فدعونا نتعرف على تلك النظرية…

ما هي النظرية الرياضية في الاتصال؟

وضع شانون نموذج اتصال بسيط وهو أن يقوم المرسل بتشفير المعلومات في إشارة وتلك الإشارة تفسدها الضوضاء ثم يأتي مُستقبل ويفك تلك الإشارة ومن ثم نسمع الصوت واضح. على الرغم من بساطة النموذج إلا أنه شمل رؤيتين وهما عزل مصادر المعلومات والضوضاء عن نظام الاتصال المراد تصميمه، وتصميم هذين المصدرين بشكل احتمالي. تخيل أن مصدر معلومات ينتج العديد من الرسائل الممكنة للتواصل، ولكل منها احتمال معين. أضافت الضوضاء الاحتمالية المزيد من العشوائية لفك لغز المستقبل. قد ركز شانون -عزيزي القارئ- على سؤالين في ورقته البحثية وهما:

  • تحديد الترميز الأكثر كفاءة للرسالة باستخدام أبجدية معينة في بيئة خالية من الضوضاء. ‏
  • ‏فهم الخطوات الواجب تنفيذها في ظل وجود الضوضاء. ‏ما معنى الكلام السابق؟ هذا ما سنتعرف عليه.

شرح نموذج شانون

هناك عدة مكونات في نموذجه ألا وهي:

  • مصدر الرسالة: هو المصدر أو المرجع الذي أنشأ الرسالة غالبًا ما يكون مصدر الرسالة بشريًا ولكن في نموذجه قد يكون حيوانًا أو كمبيوترًا أو أي كائنًا آخر حي أو غير حي.
  • المُشفر: هو الكائن الذي يربط الرسالة بالإشارات المادية الفعالة المرسلة فمثلًا، هناك طرق عديدة لتطبيق هذا النموذج على شخصين بينهما محادثة هاتفية. يمكن اعتبار أن الكلام الذي يقوله شخص واحد هو الرسالة واعتبار الهاتف والإلكترونيات المرتبطة به التي يتواصل من خلالها هي المُشفر. ذلك المُشفر الذي يحول الكلام إلى إشارات كهربائية تنتقل عبر شبكة الهاتف.
  • القناة: هي الوسيلة التي تنقل الرسالة، قد تكون القناة عبارة عن أسلاك أو هواء أو فضاء.
  • الضوضاء: هي التي تعارض إرسال الإشارة فهي بمثابة المانع. يحتوي النظام الواحد على عدة مصادر للضوضاء، لكن إذا تم فهم كل هذه المصادر، سيكون من الممكن التعامل مع كل مصدر على حدى وحل مشكلته.
  • وحدة فك التشفير: هي المسؤولة عن تحويل الإشارة إلى شكل مفهوم يمكن للمستقبل من خلاله فهم الرسالة. جهاز فك التشفير قد يكون سماعة الأذن مثلًا ودوائرها الإلكترونية.
  • المُستقبل: الكائن الذي يحصل على الرسالة.

لاحظ شانون أن مفتاح الاتصال هو «مبدأ عدم اليقين». مثال على مبدأ عدم اليقين، معك عملة عليها رمزان متساويان في الاحتمال إما صورة أو كتابة (على جهاز كمبيوتر مثلًا)، فقبل قذف العملة لا يعرف المُتلقي البيانات وأي رمز سيصدر في الجهاز وحيث يكون المُتلقي لديه حالة نسميها عجز بياناتي. فاستخدم هنا شانون المصطلح المعبر عن العجز البياناتي ألا وهو «عدم اليقين».

بدأ شانون في إطار عدم اليقين والاحتمال، بوضع مفهوم «بت_Bit» المعلومات الذي استخدمها كوحدة أساسية لعدم اليقين وقد كان أول من استخدم الكلمة (على الرغم من قوله أن عالم الرياضيات «جون توكي_John Tukey» استخدمها في مذكرة أولًا).

أهم ما توصل إليه شانون

  • توصل إلى معادلة للحد الأدنى من عدد البتات في الثانية لتمثيل المعلومات، وهو رقم أطلق عليه «معدل إنتروبي». وصياغة مفهوم الإنتروبي في الميكانيكا الإحصائية. يرتبط المفهوم المعلوماتي والديناميكا الحرارية للإنتروبي من خلال مفاهيم الاحتمالات والعشوائية. ذلك الرقم يحدد مقدار عدم اليقين في تحديد الرسالة التي سيولدها المصدر وكلما انخفض معدل الإنتروبي «H»، قل عدم اليقين. أي تقابل القيم الأعلى للإنتروبي الكميات الأعلى من عجز البيانات.
  • قدم معادلة للحد الأقصى لعدد وحدات البت في الثانية التي تتمكن من مواجهة الضوضاء والتي أسماها سعة النظام C وهذا المعدل الأقصى الذي يمكن للمُستقبل من خلاله حل عدم اليقين في الرسالة وفهمها بشكل أسرع.
  • أخيرًا، وضح أن الاتصال الفعال للمعلومات من مصدر يمكن أن يواجهة الضوضاء إذا كانت H <C، فالمعلومات كالماء وإذا كان معدل التدفق أقل من سعة الأنبوب، فسيمر الماء بشكل فعال.

تفسيرات غير منطقية!

إذا كنت تتحدث في مكان يعج بالصخب، فمن المنطقي أن أفضل طريقة تتأكد بها من وصول رسالتك هي أن تكررها عدة مرات. لكن وضح شانون أن ذلك ليس فعالًا للغاية. بالفعل كلما كررت كان الاتصال أكثر فعالية لكنك تضحي بالسرعة من أجل الفاعلية، فوضح أنه يمكن للمرء عدم التكرار وأن التواصل سيتم بشكل أسرع.

 نتيجة أخرى، أنه مهما كانت طبيعة المعلومات فمن الأفضل ترميزها إلى أجزاء قبل إرسالها. في الراديو مثلًا يشير شانون إلى تحويل الموجة الصوتية أولاً إلى وحدات بت، ثم تعيين تلك البتات في الموجة الكهرومغناطيسية بما أن كلا من الصوت والإشارة الكهرومغناطيسية موجات.  تُعد تلك النتيجة هي أساس عصر المعلومات الرقمية الحديث.

في نهاية مقالنا عزيزي القارئ، يمكننا القول بأن شانون اخترع رياضيات جديدة لوصف قوانين الاتصال. إذ وضحت النظرية كيفية إنتاج المعلومات ونقلها -كما وضحنا-. يُعتبر شانون” أب نظرية المعلومات”. فقد أصبحت الآن نظريته هي أساس ما تقوم عليه جميع أنظمة الاتصالات الحديثة: البصرية أو تحت الماء أو حتى بين الكواكب.

المصادر

  1. quantamagazine
  2. britannica
  3. scientificamerican
  4. مقدمة قصيرة جدًا | المعلومات لـ لوتشانو فلوريدي

حتى الرياضيات تؤكد نظرية التطور!

تخيل أن عدد كبير من البشر يعيشون في جزيرة واحدة، وهناك فقط مجموعة صغيرة من الأشخاص على أيديهم بقعة سمراء، وتلك البقعة طفرة. قد تضيع تلك الطفرة إن لم تكن ميزتها قوية، ولكن إذا هاجر أولئك الأفراد الحاملين للطفرة؛ قد تكون الطفرة مفيدة وتنتشر وسط السكان وقد لا يحدث ذلك! [1]

يدرس علماء الأحياء البنية السكانية لفهم آلية توارث الجينات عبر العصور وعلاقتها بالتطور، وهذا هو صلب حديثنا ولكن دعنا عزيزي القارئ نتعرف على أحد الدعائم الرئيسة لدراسة البنية السكانية وربطها بالتطور -كي نثبت أنه حتى الرياضيات أكدت نظرية التطور- ألا وهو الانتقاء الطبيعي.[1]


الانتقاء الطبيعي

عام 1859م، صيغت لأول مرة نظرية التطور عن طريق الانتقاء الطبيعي في كتاب داروين «حول أصل الأنواع». ووضح لنا الانتقاء الطبيعي هو أن الأفراد في المجتمع مختلفون وأن هذا الاختلاف عبّر عن أن بعض الأفراد لديهم سمات وراثية تجعلهم قادرون على التكيف وسط بيئة معينة وأن الأشخاص ذوي السمات التكيفية هم من لديهم القدرة على البقاء والتكاثر، وينقلون تلك الصفات للأجيال التالية وبمرور الوقت تصبح السمات المفيدة أكثر شيوعًا بين السكان.[2]

والانتقاء الطبيعي قادر على أكثر من ذلك، فمن الممكن أصلًا أن يدعم أنواعًا جديدة، وتُعرف هذه العملية بالتطور الكبير. حيث بيّنت لنا تحول الديناصورات إلى طيور والثدييات البرمائية إلى حيتان وأسلاف القردة إلى بشر! ولكن كيف يحدث ذلك؟ يؤدي أحد الأنواع إلى ظهور نوع جديد ومختلف تمامًا، وأصل حدوث ذلك هي الطفرات -هي تغير في بنية الجزئية للجينات-. قد تكون الطفرات عشوائية (ناتجة عن حدوث خطأ أثناء تكرار الخلايا خلال نسخ الحمض النووي) أو تحدث نتيجة للتعرض لكوارث بيئية أو إنسانية أو طبيعية كالمواد الكيميائيّة الضارة والاشعاع للنووي. يمكن أن تكون الطفرات ضارة أو محايدة أو مفيدة في بعض الأحيان، مما يؤدي إلى سمة جديدة ومفيدة.[3]

الرياضيات إما أن تؤكد أو أن تنفي النظرية التطورية

زادت النماذج الرياضية للانتقاء الطبيعي التطور صعوبة. فقد تم نشر ورقة بحثية جديدة في مجلة «Communications Biology» لفريق متعدد التخصصات من علماء في النمسا والولايات المتحدة، حيث قاموا بتحديد طريقة محتملة للخروج من تلك المتاهة. لكن على صعيد آخر، كانت نتائجهم معارضة بعض الشيء لما يحدث في الطبيعة. في نهاية المطاف، فإن أبحاثهم مفيدة للغاية للباحثين في مجال التكنولوجيا الحيوية وغيرها من المجالات التي تحتاج لتدعيم الانتقاء الطبيعي.[1]

قد أشارت نتائج الدراسة إلى أن ظهور الطفرات المفيدة يجب أن ينتشر عبر السكان. لكن هذه النتيجة غير مضمونة، فيمكن للحوادث العشوائية والأمراض والمصائب أن تمحو تلك الطفرات بسهولة عندما تكون جديدة ونادرة.[3]

لم يكن لدى علماء الأحياء سوى أفكار غير مطبقة علميًا حول تأثير البنية السكانية على الانتقاء الطبيعي. هنا اتجه «مارتن نواك_Martin Nowak» للرسوم البيانية الرياضية، فقد تمثلت في البنية السكانية التي تمثل العلاقات الديناميكية بين مجموعات العناصر. تلك العناصر على رأس الهيكل وتصف الخطوط والحواف بين كل زوج من العناصر المرتبطة في نظرية الرسم البياني التطوري. حيث الكائنات الحية في القمة وبمرور الوقت يكون لدى كل فرد احتمالية إنجاب ذرية مماثلة -حاملة لنفس الصفات الوراثية لكل من الأب والأم ولا يوجد طفرة جديدة بالجيل-، والتي من الممكن أن تحل محل فرد على الرأس المجاور -كما في صورة بالأسفل-. كذلك تواجه مخاطر استبدالها ببعض الكائنات من الجيل التالي.[1]

يتم ربط هذه الاحتمالات في البنية كـ “أوزان” -ذات اللونين الأزرق والأحمر- واتجاهات في الخطوط بين الرؤوس. فالأوزان تمثل السلوكيات في المجتمعات الحية كـ “أن تعبر الارتباطات التي تزيد من احتمال عزل السلالات عن بقية السكان عن الهجرات”.[1]

محاكاة التطور في رسم بياني سكاني

أهنالك شكوك تحيط كل التأكيدات!

تم نشر ورقة بحثية في مجلة «Nature» عام 2005م، أظهر فيها نواك وزملاؤه مدى قوة بعض البنى السكانية. تلك التي يمكن أن تمنع أو تدعم تأثيرات الانتقاء الطبيعي، فعند وجود أفراد مختلفون أي يحملون طفرة معينة مميزة فأولئك لن يستطيعوا أن يحتلوا أماكن وسط المجتمع وتلك البنية بمثابة عائق للتطور أي لا ينشأ جيل جديد مختلف. أيضًا لا يكون هناك فئات أخرى بينها نسب مشترك، ولكن حدث العكس مع بنية اختبروها العلماء -هي التي تمثل شكل النجمة في الأسفل- ووضحوا أن هناك طفرات تنتشر بشكل فعال. في نهاية المطاف، أتت النتائج بأن النماذج السكانية لهذه الدراسات تنطبق فقط على الكائنات الحية اللاجنسية مثل البكتيريا والميكروبات… [1]

ختامًا -عزيزي القارئ- نستطيع القول بأن الرياضيات أكدت قوة البنى السكانية التي تدعم الانتقاء الطبيعي وتقدم الأوراق الحديثة والسابقة حجة للبنية السكانية كقوة ذات مغزى في التطور.[1]

المصدر:

  • quantamagazine
  • britannica
  • nationalgeographic
Exit mobile version