Ad
هذه المقالة هي الجزء 4 من 13 في سلسلة كيف نشأت الحداثة وغيرت من شكل المعمار في عصرنا؟

هل شعرت يومًا ما بالملل وأنت جالس على المقاعد المدرسية وتساءلت كيف كانت لحياتك أن تكون لو أن نظام المدرسة قد اختلف؟ حسنًا هذا ما قد حدث بالفعل قبل مئة عام وتحديدًا في ألمانيا. فحلَّ أسلوب التدريس الجديد في مدرسة «باوهاوس-bauhaus» محل العلاقة التقليدية بين التلميذ والمعلم. وظهرت فكرة تجمع مختلف الفنانين الذين يعملون معًا بهدف إعادة الفن إلى الاتصال مع الحياة اليومية. وبالتالي جمعوا بين الهندسة المعمارية وتصميم الأثاث والفنون التطبيقية كالنحت والفخار والنسيج والطباعة والإعلان وغيرها من الحرف. وأعطوها الوزن نفسه كالفنون الجميلة. [1] فكيف نشأت مدرسة باوهاوس Bauhaus وكيف أثرت على العمارة؟

نشأة مدرسة باوهاوس Bauhaus في فايمار

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، ظهرت حكومة جديدة في ألمانيا، وجاءت معها أفكار مثيرة للجدل. فبدأ الناس بتجربة أفكارهم المختلفة بجرأة واستخدموا الفن والمسرح للتعبير عن معتقداتهم. [2]

وتأسست مدرسة باوهاوس عام 1919 في «فايمار-weimar» من قبل المعماري «فالتر غروبيوس-walter gropius». وجمع فالتر بين أكاديميتين، أكاديمية فايمار للفنون، ومدرسة فايمار للفنون والحرف وأسماها باوهاوس وهي مزيج من الكلمات الألمانية «بناء-bau» و «منزل-haus». واستمرت في فايمار لمدة 6 سنوات. [3]

وقد شجّعت باوهاوس طلابها على النظر إلى العالم من حولهم بطريقة مختلفة، ودرّستهم في ورش العمل العملية، والتي كانت على عكس المحاضرات النظرية النخبوية في العديد من مدارس التصميم المعاصر. وغيّرت نظرة الناس عمومًا حول ما يفترض أن يكون عليه الفن. [2]

أهداف باوهاوس ونظامها التعليمي

هدفت باوهاوس إلى معالجة الانقسام بين الفنون والحرف اليدوية، وإزالة الحواجز الطبقية بينهما. وكان على الطلاب الذين بلغ عددهم 100 طالب أن يتعلموا أن يكونوا على نفس القدرة من الكفاءة في المجالات الفنية المتعددة. كما في تكنولوجيا الإنتاج كذلك، فدرسوا في مناهج متعددة التخصصات. [4]

وقبل قبولهم في ورش العمل، كان على طلاب باوهاوس أن يأخدوا دورة تمهيدية لمدة 6 أشهر في عدة ورش كالنجارة، والمعادن، والفخار، والزجاج الملون، والرسم على الجدران، وغيرها من الفنون. ودُرّست هذه الورش عمومًا بواسطة شخصين، الفنان الذي ركّز على التعليم النظري، والحرفي الذي ركّز على التقنيات والتدريب العملي. [3]

وأصرّ غروبيوس على أن يتقن الطلاب عملية الإنتاج الصناعي من البداية إلى النهاية. بحيث يتم إطلاع حاستهم الفنية على إمكانيات جديدة من خلال التكنولوجيا الحديثة. وشجّعت المدرسة الطلاب على الاتصال مع الشركات الصناعية في جميع أنحاء المدينة. فكان الدافع إلى الإنتاج الضخم وتوحيد المعايير مركزيًا ومهمًا في رؤى المدرسة. [4]

انتقال مدرسة باوهاوس Bauhaus إلى ديساو

أعلن غروبيوس إغلاق مدرسة باوهاوس Bauhaus عام 1925 بسبب تخفيض وزارة التعليم لمنحتها المالية. وكان من الممكن أن تنتهي المدرسة تمامًا لولا العرض الذي جاء من مدينة «ديساو-dessau» الصناعية. فانتقلت باوهاوس إلى مدرسة جديدة صمّمها غروبيوس. وتكوّن المبنى من إطارات فولاذية مع جدران كبيرة من الزجاج، وتميز بالعديد من خصائص العمارة الحديثة. [2][4]

وتُعتبر سنوات انتقال مدرسة باوهاوس Bauhaus إلى ديساو ذروة إنتاجها فبدأ المعماري «مارسيل بروير-marcel breuer» وطلابه بإنتاج كراسي أنبوبية ثورية وخفيفة الوزن. فأصبح القسم مصدرًا قيّمًا ويوفر دخلًا للمدرسة.

واستقال غروبيوس من منصبه، فعُيّن المعماري السويسري «هانيس ماير-hannes meyer» رئيسًا لباوهاوس عام 1928. وتأثر ماير بالاتّجاه اليساري، وبسبب الصراع السياسي في تلك الفترة، طُلب منه الاستقالة بسبب آرائه السياسية التي جعلته في صراع مع سلطات ديساو. وأتى بعده المعماري «لودفيغ ميس فان دير روه- ludwing mies van der rohe » مديرًا للمدرسة عام 1930. فحظر لودفيغ النشاط السياسي وحوّل باوهاوس إلى مدرسة معمارية أكثر تقليدية في محاولة عقيمة لإنقاذها. [3][4]

كيف أصبحت النهاية نقطة بداية؟

سيطر النازيون عام 1931 على حكومة مدينة ديساو وحاربوا الباوهاوس، فأجبروا بعض المعلمين والأساتذة على المغادرة. ونقل نتيجةً لذلك ميس فان دير روه المدرسة إلى مستودع قديم في برلين عام 1932. وأغلِقت في نهاية المطاف عام 1933. [4] وضمنت باوهاوس في النهاية استمرارها، ونجحت بسبب إغلاقها. فهاجر فنانونها إلى بلدان أخرى، ونشروا أفكارهم في جميع أرجاء العالم. [5]

ألهمت أساليب فنانو باوهاوس العديد من الدول وخاصةً أمريكا وبريطانيا. فأسس الفنان «لاسزلو موهلي ناجي-laszlo moholy nagy » باوهاوس جديد، وأعيد تسميته فيما بعد باسم معهد التصميم في شيكاغو عام 1937. [3]

كيف أثّرت باوهاوس على الفنون والحرف؟

رفضت مدرسة باوهاوس Bauhaus تركيز الفنون والحرف على الأشياء الفاخرة التي يتم تنفيذها بشكل فردي. وأدرك غروبيوس أن إنتاج الآلات يجب أن يكون الشرط المسبق للتصميم. وبالتالي الاستفادة من التقدم التقني في الفنون بصورة شاملة. فوجّه جهود المدرسة نحو التصنيع الشامل والمتعدد. على سبيل المثال، فكّر المصممون منذ ذلك الحين بإنتاج أشياء وظيفية ومُرضية من الناحية الجمالية للمجتمع، بدلًا من تصميم العناصر الفردية لنخبة الأثرياء.

واشتركت منتجات باوهاوس في نمط هندسي صارم، ولكن تميز بالأناقة. وعلى الرغم من أن الأعمال المنتجة في الواقع كانت غنية بالتنوع، لكنهم نفذوها مع مراعاة كبيرة للجانب الاقتصادي. فأثّرت أفكارها على المدى البعيد، فحتى الآن تتم إعادة إنتاج منتجاتها على نطاق واسع. وتُدين التصاميم غير المزخرفة، والبسيطة، والأنيقة ذات الاستخدام اليومي بالكثير إلى مبادئ الباوهاوس. [3]

تأثير مدرسة باوهاوس على العمارة

على الرغم من أن غروبيوس كان معماريًا، ولكن لم تنشأ كلية الهندسة المعمارية إلّا بعد 8 سنوات من افتتاح المدرسة. فافتقرت المدرسة إلى كلية العمارة عندما فتحت أبوابها ومع ذلك تُعتبر العديد من المباني مثل المنازل الرئيسية في ديساو دليل على أهمية البناء بالنسبة لباوهاوس منذ البداية. [5]

أثّرت الباوهاوس وخاصةً في مرحلة ديساو على عمارة الحداثة بشكل كبير. فأصرّوا على توحيد المعايير والتجارب في التصميم، واهتموا بمفهوم التصميم الصناعي. [4] وبالنسبة لأعضائها لم يكن هناك حاجة إلى التزيين أو الزخرفة أو الاكتظاظ. فيمكن أن تكون المباني أحدث وأفضل دون نسخ أو تقليد مبنى قد سبق وصمّم. حيث يولد الجمال من إيجاد جواب للسؤال: ما هو المفيد؟ فارتبطت مباني الباوهاوس بالوظيفية. [6]

وفي الوقت الحاضر تعني باوهاوس أن التصميم يقتصر على أساسيّاته والاستخدام العقلاني والأنيق للمواد الحديثة والتقنيات الصناعية، إضافةً للوضوح والبساطة وأحادية اللون.[7]

وتميز أسلوبها بزوايا قائمة من الزجاج المكوّن «للجدار الستائري-curtain wall» وهو غلاف خارجي للمبنى الذي تكون جدرانه الخارجية غير إنشائية، فتعزل مستخدمي المبنى عن الخارج، ويمكن صنعه من مواد خفيفة الوزن للتقليل من تكاليف الإنتاج. وتستخدم معها الفولاذ والطوب أو البلوك. فتُنشئ مع بعضها أنماطًا في المباني تتّسم بالكفاءة والعقلانية.

وركّز التعليم فيما بعد بشكل أقل على الوظيفة وأكثر على التجريد، لذلك تأثر الفن المنتج بالتعبيرية والمستقبلية إلى جانب أسلوبها الهندسي الذي يشبه قليلًا التكعيبية في بعض الأحيان. [8]

مصنع فاغوس في ألفيد، ألمانيا

يعتبر مصنع فاغوس للأحذية واحد من أقدم مباني الحداثة. وعُهد به أول الأمر إلى المهندس إدوارد فيرنر، ولكن نجح غروبيوس بإقناع صاحب المصنع بأنه يجب أن ينفذ كمشروع فني. إذ شعر غروبيوس أن التصميم الخارجي للبناء يجب أن يكشف عن وظيفة المبنى. وهذا يماثل مبدأ لويس سوليفان رائد مدرسة شيكاغو، الذي عبّر عنه بمقولته الشهيرة “الشكل يتبع الوظيفة”. وأشار غروبيوس لأهميّة تحسين ظروف العمل من خلال زيادة ضوء النهار والهواء النقي، اللذين يؤدّيان إلى زيادة رضى العمّال وبالتالي زيادة الإنتاج الكلّي.

والتزم غروبيوس ومعاونه أدولف ماير بمخططات فيرنر، وركّزوا على التصميم الخارجي والداخلي للمصنع. فاستخدم غروبيوس الطوب الداكن بارتفاع 40 سم، الذي ابتعد 4 سم عن الواجهة، مرارًا وتكرارًا في جميع أنحاء المجمّع.

صورة لجزء من مصنع فاغوس من تصميم فالتر غروبيوس وأدولف ماير، في ألفيد المانيا.

بينما صمّم مبنى المكاتب على عكس المباني الأخرى، فتميّز هذا الجزء بواجهة زجاجية بدلًا من الجدران التقليدية الحمّالة. واتّخذ غروبيوس قرارًا جريئًا ومبتكرًا بوضع أعمدة الخرسانة المسلحة إلى الخلف من الجدران. فحرر الواجهة، واستطاع بذلك خلق زوايا خارجية زجاجية بالكامل. [9]

مبنى مدرسة باوهاوس في ديساو

تشمل أرض مدرسة باوهاوس Bauhaus في ديساو المدرسة وسكن الطلاب والهيئة التدريسية والمكاتب. واقتبس غروبيوس خطوطه في تصميم المدرسة من شكل مراوح الطائرات، التي صُنعت إلى حد كبير في المناطق المحيطة بديساو. ويتكون المبنى من 3 أجنحة، تتصل جميعها مع بعضها. فمثلًا ترتبط المدرسة مع ورشة العمل من خلال جسر كبير من طابقين، والذي يمثل الإدارة. ووصل غروبيوس المدرسة مع الوحدات السكنية أيضّا ليُسهّل الوصول إلى قاعة الاجتماعات وصالة العروض وقاعة الطعام.

منظور لمجسم يوضح مبنى مدرسة باوهاوس في ديساو من تصميم فالتر غروبيوس

وأظهر غروبيوس مبادئ باوهاوس بتصميمه من خلال إدراج التطورات الإنشائية والتكنولوجية. فتراجعت هنا أيضًا الجملة الإنشائية الحاملة إلى الخلف، لتفسح المجال أمام الجدران الستائرية الزجاجية لتتموضّع كامتداد واحد. وأكدت تلك الواجهات على الطبيعة المكانية المفتوحة للهندسة المعمارية الجديدة. وبالطبع أمكنت هذه النوافذ الواسعة أشعة الشمس من دخول كل المبنى، ولكنها خلقت كذلك تأثيرًا سلبيًا في أيام الصيف الدافئة.

صورة تظهر قسم الإدارة المرفوع على أعمدة وقسم صالة العروض وقاعة الطعام والاجتماعات في مبنى مدرسة باوهاوس .
صورة تظهر الجزء السكني من مدرسة باوهاوس مع شرفاتها الشهيرة.

وكمحاولة لدمج الطلاب في عملية البناء. نفّذت ورشة الطلاء التصميم الداخلي للمبنى بأكمله. وجهّزت ورشة المعادن الإضاءة. وصنعت ورشة الإعلان والطباعة الحروف. [10] فنستطيع القول بأن باوهاوس قد مثّلت تحولًا ملحميًا في كيفية اقتراب الناس من التصميم والفن. وأثّرت إلى الأبد على أنماط العمارة من بعدها.

المصادر

  1. Tate
  2. B.B.c
  3. Britannica
  4. The open university
  5. Arch daily
  6. The gurdian
  7. The gurdian
  8. History
  9. Arch daily
  10. Arch daily
اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]
Julie Youssef
Author: Julie Youssef

مهندسة معمارية، أحب الرسم والقراءة

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


عمارة

User Avatar

Julie Youssef

مهندسة معمارية، أحب الرسم والقراءة


عدد مقالات الكاتب : 57
الملف الشخصي للكاتب :

شارك في الإعداد :
تدقيق لغوي : abdalla taha

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *