Ad
هذه المقالة هي الجزء 11 من 13 في سلسلة كيف نشأت الحداثة وغيرت من شكل المعمار في عصرنا؟

أرادت الأرشيغرام Archigram أن تصنع العمارة مثل هاتفك المحمول، متحرّكةً ونابضةً بالحياة كالمجتمع الذي تراه حولها. واقترحت المباني المتحرّكة والتي تسطع في الظلام وتتغيّر حسب رغبة المستخدمين.

من هم مجموعة الأرشيغرام Archigram ؟

تُعتبر «الأرشيغرام- Archigram» مجموعةً معماريّةً بريطانيّةً «طليعيةً- avant-garde» تشكّلت في ستّينيّات القرن ال20 في لندن، وابتعدت عن الهندسة المعمارية التقليدية، وذلك لخلق بيئات جديدة قائمة على التقانة.[1] بدأت الأرشيغرام من قبل 6 معماريّين ومصمّمين وهم: «بيتر كوك-peter cook» و«وارن تشالك-warren chalk» و«رون هيرون-Ron herron» و«دنيس كرومبتون-dennis Crompton» و«مايكل ويب-michael webb» و«ديفيد غرين-David greene». وأخذت المجموعة اسمها عام 1961، والذي اشتقّ من كلمات «الهندسة المعمارية والبرقية- architecture, telegram». وولدت الأرشيغرام كمجلّة من ورقة واحدة مليئة بالقصائد والرسوم. كما ذكروا في عددها الأوّل، فقد أرادوا أن تكون منصّةً لأصوات الشباب المعماريّين والفنّانين، يعبّرون بها عن تخلّيهم عن الماضي ويختاروا أسلوب حياة أكثر بساطةً ومرونةً.[2]

الأرشيغرام Archigram كحدث جديد

أعطت رسومات الأرشيغرام وملصقاتهم الشكل والصوت لجيل جديد كان قد سئم من التعبيرات الجافّة لمعماريّي الحداثة. واستمرّ أعضاء الأرشيغرام بانتقاد مسار الحداثة ووقفوا ضدّ العمارة التقليدية. علاوةً على ذلك فإن التحوّلات الثقافية والتطوّرات العلميّة التي حدثت في منتصف القرن ال20 أثّرت بشكل كبير على المجموع، فقد اعتبروا أن العمارة ليست مجرّد عمارة ولكنها ممارسة ثقافية أيضًا.[3][4]

وقد كانت مجموعة الأرشيغرام فضفاضةً بما يكفي لاحتواء اختلافات الرأي الكثيرة لأعضائها. على سبيل المثال لم يهتمّ ديفيد غرين بما تبدو عليه الأشياء كثيرًا مقارنةً بما يكمن وراءها، لكن بيتر كوك فُتن بالمظهر دائمًا، ويعدّ هذا التنوّع إحدى نقاط قوّة الأرشيغرام. واستمرّ أعضاؤها بالنقاش حول الحياة اليومية والأنماط المعمارية والتقنية والمجتمع، وتعاونوا في بعض الأوقات وأحيانًا لم يفعلوا ذلك. ولكن أعطتهم المجلّة هويةً مشتركةً وأثّروا بشكل كبير على الحياة والعمران في وقتهم.[3]

ما هي مبادئ الأرشيغرام Archigram ؟

تمثّلت الرؤية الأساسية للأرشيغرام بأن المباني يجب أن تستجيب للحياة التي تحدث في داخلها وحولها، وحينما تتغيّر هذه الحياة يجب أن تكون المباني أيضًا قادرة على التَغيُّر. بعبارةٍ أخرى، يمكن للعمارة أن تتغيّر نظريًا حسب رغبة سكّانها من أجل التكيُّف مع الرغبات المتغيِّرة للمجتمعات البشريّة. أمّا بالنسبة للأشخاص فاعتقدوا بأنهم مهما فعلوا يجب أن يفعلوه بحماس.

وأرادت الأرشيغرام أن تستقطب برسوماتها وأشكالها الفنّيّة الطاقة من التقدّم التقنيّ المتزايد والثقافة الجديدة التي كانت تحدث في كلّ مكانٍ من حولهم. نتيجةً لذلك اقترحت المجموعة بنيّة مرنة في التصميم يحدّدها المستخدمون. واستوحوها من الأفكار المنتشرة بعد الحرب العالمية، وصور ثقافة «البوب-Pop»، ووسائل وأفكار السفر إلى الفضاء، حيث أحبّوا الكبسولات والبدلات الفضائيّة والهياكل المتنقّلة والمحمولة وخفيفة الوزن. ويعلّق غرين على المقولة الأشهر لعمارة الحداثة للمعماري لويس سوليفان رائد مدرسة شيكاغو “الشكل لا يتبع الوظيفة، إنه يتبع الفكرة، إنه يتبع الرغبة في أن تكون الهندسة المعمارية مبهجةً”. [1][3]

كذلك طرحوا فكرة «العمارة بدون عمارة-architecture without architecture» وتمحورت هذه الفكرة حول مفهومين أساسيّين وهما: عدم التحديد، والنموّ.[4]

أسلوب تعبير مبتكر

بدأ تقرير المصير يصبح أمرًا مهمًا في السيتينيّات، واهتمّ مهندسو الأرشيغرام بالكيفيّة التي يمكن بها للمستهلك أن يصبح جزءًا من عمليّة التصميم وليس متلقّيًا لها فقط. بذات الوقت جلبوا العقلية البريطانية وحسّهم الفكاهيّ المشترك لابتكار لغة تعبير تمثِّلُهم.[3]

العدد الرابع من مجلّة Archigram.

استخدمت المجلّة التمثيلات الكاريكاتوريّة تقريبًا لإظهار العمارة بطريقةٍ أخرى، وأخذت وسائل الإعلام في النشرات الإخبارية بنقل التصوّرات المتطرّفة للمجموعة. ولم تبدُ رسوماتهم جادّةً أبدًا كما لو أنها تسخر من شيءٍ ما، بذلك كانت السخرية هي أساس كلُّ هذا. وجعلت النبرة الساخرة بعض المقترحات متاحةً فقط لمجموعات معيّنة والتي تتطلَّب من المرء دائمًا أن يتساءَل عن المقترح الحقيقيّ والرسميّ وعن المقترح المزيف. وعلى هذا النحو لم تكن المخطّطات المقترحة أحلامًا ولا نكاتًا، كانت كلاهما ولا أحد منهما. [4]

تخطيط المدن من وجهة نظر الأرشيغرام

عقدت الأرشيغرام المعرض الأوّل لها عام 1963 باسم «المدينة الحيّة-the living city». وفضّل أعضاؤها وضع مخطّط لمدينة جديدة يكون مثيرًا للعواطف، لذلك لم يركّزوا على شكل المدينة بل اعتبروها تحفةً ثقافيةً. ويعدّ موقفهم صريحًا وواضحًا للغاية، إذ فضّلوا الحيوية وبدونها اعتقدوا بأن المدينة ستموت على يد المخطّطين الجادّين. ومن هنا بدأت فكرة كيف ستصبح العمارة إذا لم يكن الشكل شيئًا ثابتًا ومطلقًا؟.

ونستطيع الإشارة إلى «المدينة الإسفنجية-sponge city 1975» باعتبارها واحدةً من أبرز مشاريع بيتر كوك. حيث أراد كوك إزالة الجلد الخارجي للمباني واستبداله بالمناظر الطبيعية، فاهتمّ بالنباتات مثل قطعة أثريّة معماريّة. وجاء ذلك بسبب جهوده في إعادة تعريف حدود البناء من أجل السماح بالاستمرارية بين الداخل والخارج. فغالبًا ما ركّز كوك على مفهوم التحوّل في أعماله.[4]

على الرغم من أن أغلب رسومات المجموعة ركّزت على مساحات المعيشة الحضريّة الجماعيّة وليس الفرديّة، إلا أنها لم تغفل عن الأحياء السكنيّة الشخصيّة. ربّما من أشهر الأمثلة برج «منازل الكبسولة-capsule houses» عام 1964 لوارن تشالك، وهي مجموعة من المنازل الجاهزة وسهلة التجميع. تألّفت هذه الوحدات من هياكل دائرية صغيرة متّصلة بهيكل عظميّ مركزيّ. ويتطلب ذلك الإعداد لحدوث التفاعلات الاجتماعية خارجًا في المساحات المشتركة، بالتالي يلزم إنشاء تخطيط جديد. ففتح آفاق وأفكار جديدة مثل مشروع plug-in city والتفكير بمدن قادرة على المشي. وجسّدت رؤى الأرشيغرام الرغبة بإعادة هيكلة الاقتصاد والمجتمع والطرق العامّة للعيش في محاولة لتوفير الموارد والمساحة.[5]

المدينة السائرة 1966

اقترح رون هيرون فكرة المدينة السائرة على المحيط، وصنع بنية لمدينة افتراضية قائمة على الصور والرسومات. وتضمّ المدينة مجموعةً من الوحدات تحتوي كلّ منها على مجموعة شاملة من الموارد الحضرية. وترتبط الوحدات ببنية فوقية من الممرّات القابلة للسحب. لكي تخلق مدينةً سريعةً للتجوال، لا تمشي فحسب بل تتأقلم أيضًا من وجهة نظره مع التغيُّرات التي لا نهاية لها. وأعطى الوحدات مظهرًا مميّزًا وغريبًا، فدمج بين شكل الغوّاصات العسكرية وهياكل خارجية أشبه بالحشرات إضافةً إلى الأرجل المحيطية.[6]

وحدة من المدينة السائرة.

استديو الرسم في بريطانيا

قام مكتب بيتر كوك CRAB عام 2014 بتصميم استديو للرسم في جامعة الفنون في بريطانيا، يستخدمها الطلاب من جميع أقسام الجامعة ال17 من رسم ونحت وتصوير وغيرهم. تبلغ مساحة الصالة 140 م2، وتتركّز فكرة التصميم حول الإنارة الطبيعية. فشكّلت النافذة البيضوية الشمالية بمساحة 30 م2 المصدر الرئيسيّ للإنارة، إضافةً إلى نوافذ أخرى متفرّقة عزّزت كمّيّة الإضاءة. وتتكوّن القشرة الخارجية من ألواح فولاذيّة مسبقة الصنع مقاومة للماء. بينما طوّروا الجزء الداخلي من خلال تقنيّة «الجبس المقوّى بالألياف الزجاجيّة-GRG» الذي عكس بدوره المظهر الخارجي، وقدّم كذلك عزل مفيد.[7]

استديو الرسم من تصميم CRAB.
صالة الرسم من الداخل من تصميم CRAB.

مدينة plug-in عام 1964

حاول معماريّو الأرشيغرام التحرُّر من التخطيط العمراني السائد، وقدّموا اقتراحات بديلة تواجه الضواحي المملّة للحداثة البريطانية، والتصوّرات التقليدية للبنية الأساسية للمدينة. وأنشأ المعماريون بين عامي 1960-1974 أكثر من 900 تصميم من ضمنهم مخطّط plug-in city للمعماري بيتر كوك. ويوصَف هذا المشروع بالاستفزازي ويشير إلى مدينة خيالية افتراضية تحتوي على وحدات سكنية موصولة بجهاز مركزي ضخم للبنية التحتية. وهذه المدينة في الواقع ليست مدينة، لكنها بنية عملاقة تتطوّر باستمرار وتتضمّن المساكن والمواصلات والخدمات الأساسية، وتنتقل جميعها بواسطة الرافعات العملاقة.[2]

Plug-in city من تصميم peter cook.

الأرشيغرام بين الأوهام والواقع

لا شكّ أن التهمة الأكثر شيوعًا ضدّ الأرشيغرام هي أنهم تعاملوا مع أوهامٍ لا يمكن بناؤها، فنُفّذ عدد قليل من التصاميم. وصبّوا اهتمامهم حول المناقشات والأفكار التي جمعت بين العمارة والتقانة والمجتمع. فأصبحت عمارتهم على الورق مثل العمارة البنائية. على الرغم من ذلك يرى البعض بأنها ربّما قد قدّمت أكبر هدية للهندسة المعمارية وهي الموقف. فيقول غرين بأن السؤال ليس هل يمكنكم القيام بذلك؟ بل هو لماذا عساك تريد فعل ذلك؟.

المصادر

  1. Research gate
  2. archdaily
  3. the gurdian
  4. Research gate
  5. archdaily
  6. MoMA
  7. archdaily

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


عمارة

User Avatar

Julie Youssef

مهندسة معمارية، أحب الرسم والقراءة


عدد مقالات الكاتب : 52
الملف الشخصي للكاتب :

شارك في الإعداد :
تدقيق لغوي : عثمان الحمداوي

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق